← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28
الأصحاح السادس والثلاثون
ختم الأصحاح السابق بالكشف عن خطأ بعض اليهود بممارستهم العبادة في الهيكل بحرفية قاتلة دون رجوع القلب إلى الله (إر 7: 4). وأعلمهم الأنبياء عن الحاجة إلى المسيَّا المُخَلِّص (إش 19: 20). هنا يُقَدِّم صلاة لأجل الخلاص. يرى البعض أن هذه الصلاة تتناسب مع ظروف الشعب الذي اضطهده الكثير من الحُكَّام البطالمة والسلوقيين والذي يُمَثِّل قمة الدنس الذي دام فترة طويلة من الكفاح كما تخبرنا أسفار المكابيين. يضمّ هذا الأصحاح ثلاثة أقسام:
[1 -17] (ت: 1 -19) |
||||
[18 -20] (ت: 20 -22) |
||||
[21 -27] (ت: 23 -28) |
||||
* من وحي سيراخ 36: لتُقَدِّسك كل الشعوب! |
1 أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ الْجَمِيعِ، ارْحَمْنَا وَانْظُرْ إِلَيْنَا وَأَرِنَا نُورَ مَرَاحِمِكَ. 2 وَأَلْقِ رُعْبَكَ عَلَى جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ لَمْ يَلْتَمِسُوكَ، لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَيُخْبِرُوا بِعَظَائِمِكَ. 3 ارْفَعْ يَدَكَ عَلَى الأُمَمِ الْغَرِيبَةِ، وَلِيَعْرِفُوا عِزَّتَكَ. 4 كَمَا قَدْ ظَهَرَتْ فِينَا قَدَاسَتُكَ أَمَامَهُمْ، هكَذَا فَلْتَظْهَرْ عَظَمَتُكَ فِيهِمْ أَمَامَنَا. 5 وَلْيَعْرِفُوكَ كَمَا عَرَفْنَا نَحْنُ: أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ يَا رَبُّ. 6 اسْتَأْنِفِ الآيَاتِ، وَأَحْدِثِ الْعَجَائِبَ. 7 مَجِّدْ يَدَكَ، وَذِرَاعَكَ الْيُمْنَى. 8 أَثِرْ غَضَبَكَ، وَصُبَّ سُخْطَكَ. 9 دَمِّرِ الْمُقَاوِمَ، وَاحْطِمِ الْعَدُوَّ. 10 عَجِّلِ الزَّمَانَ، وَاذْكُرِ الْمِيثَاقَ، وَلْيُخْبَرْ بِعَظَائِمِكَ. 11 لِتَأْكُلْ نَارُ الْغَضَبِ النَّاجِيَ، وَلْيَلْقَ مُضَايِقُو شَعْبِكَ الْهَلاَكَ. 12 اهْشِمْ رُؤُوسَ قَادَةِ الأَعْدَاءِ الْقَائِلِينَ: «لَيْسَ غَيْرُنَا». 13 اجْمَعْ كُلَّ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ، وَاتَّخِذْهَا مِيرَاثًا لَكَ، كَمَا كَانَتْ فِي الْبَدْءِ. 14 أَيُّهَا الرَّبُّ، ارْحَمِ الشَّعْبَ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِكَ، وَإِسْرَائِيلَ الَّذِي أَنْزَلْتَهُ مَنْزِلَةَ بِكْرِكَ. 15 أَشْفِقْ عَلَى مَدِينَةِ قُدْسِكَ أُورُشَلِيمَ، مَدِينَةِ رَاحَتِكِ. 16 امْلأْ صِهْيُوْنَ لِكَيْ تُنَادِيَ بِأَقْوَالِكَ. امْلأْ شَعْبَكَ مِنْ مَجْدِكَ. 17 اشْهَدْ لِلَّذِينَ هُمْ خَلْقُكَ مُنْذُ الْبَدْءِ، وَأَيْقِظِ النُّبُوءَاتِ الَّتِي بِاسْمِكَ. 18 أَعْطِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَكَ الثَّوَابَ، وَلْيَتَبَيَّنْ صِدْقُ أَنْبِيَائِكَ. اسْتَجِبْ، أَيُّهَا الرَّبُّ، لِصَلاَةِ الْمُتَضَرِّعِينَ إِلَيْكَ، 19 عَلَى حَسَبِ بَرَكَةِ هَارُونَ عَلَى شَعْبِكَ؛ فَيَعْلَمَ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ، أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلهُ الدُّهُورِ.
تُعَبِّر هذه الصلاة عن مشاعر الشعب الذي كان تحت الضغطة، لكنها بالتأكيد ليست مقتبسة من الطقس العام الذي كان يمارسه الشعب، إنما هي صلاة خارجة من قلب ابن سيراخ باسم الشعب المتألم والمنتظر مُخَلِّص العالم كله. يرى القديس أغسطينوس أن العبارات 1-4، هي صلاة مُقَدَّمة لحساب الأمم كي يتمتَّعوا بمخافة الربّ، وقد تحقَّق ذلك بمجيء كلمة الله المتجسد.
ارحمنا، أيها الرب إله الجميع وانظر إلينا،
وضَعْ مخافتك على جميع الأمم [1].
جاءت هذه الصلاة كتعبير عن شدّة الألم، وذلك قبل قيام الثورة المكابية سنة 164 ق.م. وتطهير الهيكل، يقول المرتل: "يباركنا الله، وتخشاه كل أقاصي الأرض" (مز 76: 7).
ارفع يدك ضدّ الأمم الغريبة، واسمح لهم أن يروا قوّتك [2].
يقصد بالأمم الغريبة، تلك التي استخفَّت بإسرائيل، وسمح لها بعض الحكام خاصة أنطيوخس أبيفانُس أن تُقَدَّم حيوانات نجسة على المذبح.
كما تقدَّست فينا أمامهم،
هكذا فلتتعظَّم فيهم أمامنا [3].
حدث ذلك في العصور السابقة كما في أيام موسى النبي، والآن لتظهر هذه القوة مرة أخرى حتى لا تطمع فيهم أمة شريرة ويقولوا إن إلههم نسيهم. قيل: "هكذا قال السيّد الربّ: هأنذا عليك يا صيدون وسأَتمجَّد في وسطك، فيعْلمون أنّي أنا الربّ حين أجْري فيها أحْكامًا وأَتقدَّس فيها" (حز 28: 22). إن الغرض من تأديب الأمم ليس الانتقام، وإنما الاستنارة لمعرفة الرب. إنها طلبة لأجل خلاص الأمم. ليتهم يعرفون الطريق الحقيقي! ليتهم يتخلُّون عن أوثانهم!
كثيرًا ما قَدَّم لنا القديس أغسطينوس أمثلة تؤكد أن الصلاة الربانية الواردة في الإنجيل المقدس تتَّسِم بالشمول، فكل الصلوات الواردة في العهد القديم لها ما يُقابِلها في الصلاة الربانية من بينها ما ورد في هذا الأصحاح (36: 4، 16).
v كمثال من يقول: "لتتقدَّس في كل البشر كما أنك مُقَدَّس فينا" (راجع سي 36: 16)، ماذا يقول سوى "ليتقدَّس اسمك"؟
وأيضًا من يقول: "يا إله الجنود أرجعنا وأنر بوجهك فنخلص" (مز 80: 3-4)، ماذا يعني سوى: "ليأتِ ملكوتك".
ومن يقول: "ثبّت خطواتي في كلمتك، ولا يتسلَّط عليّ إثم" (مز 119: 133)، ماذا يقول سوى "لتكن إرادتك لا إرادتي"...
ومن يقول: "لا تملكني شهوة النهم ولا الزنى" (راجع سي 23: 6)، سوى "لا تُدخِلنا في تجربة"...
إن مررت على كلمات الصلوات المقدسة، لا تجد شيئًا -حسب طريقة تفكيري- لا تشملها الصلاة الربانية، لذلك عندما نصلي يُسمَح لنا أن ننطق بنفس الأشياء ولكن بكلماتٍ مختلفةٍ، ولكن لن يُسمَح بالقول بأشياء مختلفة[1].
ليعرفوك كما نعرفك نحن،
لأنّه لا إله إلا أنت يا رب [4].
يقول القديس أغسطينوس: [هذه النبوة في قالب اشتياق بروح الصلاة، قد تحقَّقت في المسيح يسوع كما نرى[2].]
جدِّد آياتك، وأجرِ عجائب جديدة،
ومجِّد يدك وذراعك اليُمنَى [5].
يقصد بتجديد الآيات، أن يعلن الربّ غضبه على هذه الأمم، كما فعل قديمًا بفرعون مصر الذي أَذلّ الشعب ورفض أن يتركهم يخرجون إلى البرية ليُقَدِّموا ذبيحة للربّ (خر 20: 41).
أَيْقِظ غضبك، وصبّ سخطك،
واطرد الخصم، وأقضِ على العدو [6].
عندما نسمع عن غضب الله وسخطه يليق بنا أن ندرك أن الله الكليّ الحب لا يحمل روح الانتقام، بل يغضب على الشرّ، ويشتاق إلى تطهير الخاطئ وتقديسه. حينما أرسل يونان النبي ليُعلِن غضبه على نينوى بسبب شرورها، رجع الملك والقادة والشعب إلى الله بالتوبة، فصاروا نموذجًا رائعًا عبر الأجيال عن غاية الله في التوبيخ والتأديب، ألا وهو حبّه للخطاة أن يرجعوا إلى مصدر تقديسهم.
في كل العصور وُجِد أناس الله في الأمم الوثنية، مثل أيوب البار الذي كان موضع تكريم الله له.
v تجد أجزاء كثيرة في الكتاب المقدس يتشبَّه فيها الله بصفات الإنسان. فإذا سمعت يومًا كلمات "غضب الله وثورته" لا تظن أن الغضب والثورة عواطف وصفات موجودة عند الله، إنما هي طريقة بها يتنازل الله ويتكلم ليؤدِّب أطفاله ويُصلِحهم.
لأننا نحن أيضًا حينما نريد أن نُوَجِّه أولادنا ونُصَحِّح أخطائهم نظهر أمامهم بصورة مخيفة ووجهٍ صارمٍ وحازمٍ لا يتناسب مع مشاعرنا الحقيقية، إنما يتناسب مع طريقة التأديب.
إذا أظهرنا على وجوهنا التسامح والتساهل الموجود في نفوسنا ومشاعرنا الداخلية تجاه أطفالنا بشكلٍ دائمٍ، دون أن نُغَيِّر ملامح وجوهنا بحسب تصرفات الأطفال، نفسدهم ونردهم إلى الأسوأ. بهذه الطريقة نتكلم عن غضب الله، فحينما يقال إن الله يغضب، فإن المقصود بهذا الغضب هو توبتك وإصلاحك، لأن الله في حقيقته لا يغضب ولا يثور، لكنك أنت الذي ستتحمل آثار الغضب والثورة عندما تقع في العذابات الرهيبة القاسية بسبب خطاياك وشرورك، في حالة تأديب الله لك بما نُسَمِّيه غضب الله![3]
عجِّل الزمان، واذكر قَسَمك،
وليُعلِن الشعب أعمالك القديرة [7].
القَسَم المذكور هنا يشير إلى العهد الذي أقامه الربّ مع أبينا إبراهيم (تك 17: 21). إذ كان أناس الله في العهد القديم يترقَّبون مجيء المسيَّا المُخَلِّص الذي يُحَقِّق العهود التي أُقِيمَت بين الله ورجال الإيمان، طلب ابن سيراخ أن يتعجَّل الزمن ليُحَقِّق الله وعوده، ويُعلِن الله أعماله القديرة خلال الصليب. وفي نفس الوقت جاءت صلاة ابن سيراخ تُعَبِّر عن مرارة نفسه لما يُعانِيه شعب الله في ذلك الوقت، مع تمتُّعه بالرجاء في خلاص الأمم من الفساد الذي حلَّ بهم بسبب عدم إيمانهم.
ليؤكل الناجي بغضبك الناريّ،
وليواجه الهلاك من يؤذي شعبك [8].
إن كان ابن سيراخ يطلب سرعة حلول الجزاء على الحُكَّام المُقاوِمين للربِّ ولشعبه والذين دنَّسوا هيكل الربّ، فبروح النبوة يطلب سرعة الانتقام من إبليس وملائكته المُقاوِمين لمملكة الله في قلوب البشرية.
v لقد سقطنا تحت سلطان أعدائنا، أي “مَلِكُ هذا الدهر” وأعوانه من قوى الشر. لهذا صارت حاجتنا إلى الفداء بواسطة ذاك الذي يشترينا لنعود من حالة التغرُّب عنه. بذل مُخَلِّصنا دمه فدية عنا... وإذ “مغفرة الخطايا”، وهي تتبع الفداء كانت مستحيلة قبل أن يتحرَّر الإنسان، فلا بد لنا أولًا أن نتحرَّر من سلطان ذلك الذي أخذنا أسرى، واحتفظ بنا تحت سيطرته، وأن نتحرَّر بعيدًا عن متناول يده، حتى نتمكَّن من أن نحظى بغفران خطايانا وبالبُرْء من جراحات الخطية، حتى ننجز أعمال التقوى وغيرها من الفضائل.
اسحق رؤوس قادة الأعداء،
الذين يقولون: "لا يوجد أحد غيرنا" [9].
حياتنا رحلة ممتعة، وإن كانت مملوءة بالتجارب ومقاومة إبليس لنا، لكن كلمة الله تجسد وحلّ بيننا ووهبنا بصليبه أن نسحق الحية القديمة، إبليس، حسب وعده مع آدم (تك 3: 15).
وقف المرتل في دهشة أمام عمل الله العجيب، وسط المعركة التي بين الله وإبليس. رأى نفسه عصفورًا لا حول له ولا قوة. لا يقدر أن يفلت من فخ الصيادين، أي إبليس وملائكته، لكن القدير أعانه، فكسر له الفخ وأطلقه حرًا. ترنَّم المرتل، قائلًا: "انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيَّادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا، عوننا باسم الرب الصانع السماوات والأرض" (مز 123: 7).
v ما هو الفخ الذي انكسر؟ يقول الرسول: "(الرب) سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا" (رو 16: 20)، "فتستفيقوا من فخ إبليس" (2 تي 2: 26). ها أنتم ترون الشيطان هو الصيَّاد، يشتاق أن يصطاد نفوسنا للهلاك. الشيطان هو سيِّد فخاخ كثيرة، وخداعات من كل نوع... متى كنَّا في حالة النعمة تكون نفوسنا في أمان. لكن ما أن نلهو بالخطيَّة، حتى تضطرب نفوسنا وتصير كسفينة تلطمها الأمواج[4].
اجمع كل أسباط يعقوب،
وأوهبهم ميراثهم كما في البدء [10].
مع اهتمام الله بكل إنسان شخصيًا، يطلب أن يجمع المؤمنين معًا من آدم إلى آخر الدهور، ليُقِيم منهم الكنيسة الملكة والعروس السماوية. يقول الرسول بولس: "فإني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجلٍ واحدٍ، لأُقَدِّم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2).
أيها الربّ ارحم شعبك الذي دُعِي باسمك،
وإسرائيل الذي شبَّهته بابنك البكر [11].
بالرغم من سماح كورش الفارسي لليهود بالعودة غير أن قلة منهم رجعوا على ثلاث دفعات إلى الأرض المقدسة، وقد بقي البعض في بابل، وذهب كثيرون إلى الهلال الخصيب، والبعض إلى مصر أو أثيوبيا. كثير من اليهود استقروا خارج الأرض المقدسة، خاصة على شواطئ البحر المتوسط. هذا التشتيت للشعب غيَّر الكثير من ملامح الديانة اليهودية.
v ماذا يُقَال عن إسرائيل؟ "الذي يرى الله". كيف رأوا الله الذي سار بينهم في الجسد، وقد حسبوه إنسانًا وقتلوه؟...
"اسمه عظيم في إسرائيل". أتريدون أن تكونوا إسرائيل؟ لاحظوا ذاك الإنسان الذي قال عنه الرب: "هوذا إسرائيلي حقًا لا غش فيه" (يو1: 47). إن كان الإسرائيلي حقًا لا غش فيه، فإن من كان فيه غش أو كذب لا يكون إسرائيليًا بالحق[5].
أشفق على مدينة قُدسِك،
أورشليم مدينة راحتك [12].
اعتبر اليهود أورشليم أيقونة السماء (إش 54: 10) والهيكل هو نقطة تلاقي الشعب مع الله، وكانت أورشليم مَحَط أنظار جميع اليهود، أينما كانوا في أنحاء العالم مُشَتَّتين، فهي مدينة الملك العظيم، مدينة السلام، مدينة ملكي صادق (تك 14: 18)، مدينة داود الملك العظيم، وأصبحت في أيام داود وسليمان العاصمة الدينية والسياسية. تعرَّضت المدينة المحبوبة أورشليم على مدار العصور للهدم والحرق والتدنيس.
صارت رمزًا للسماء، "من يغلب، فسأجعله عمودًا في هيكل إلهي، ولا يعود يخرج إلى خارج، وأكتب عليه اسم إلهي، واسم مدينة إلهي، أورشليم الجديدة النازلة من السماء" (رؤ 3: 12). "وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله، مُهيَّأة كعروس مُزَيَّنة لرجلها" (رؤ 21: 2).
v كَرِّم الكنيسة المقدسة وحبها وامدحها، أُمك أورشليم السماوية، مدينة الله. إنها تلك التي في هذا الإيمان الذي تقبله تحمل ثمرًا وتنتشر في كل العالم. إنها كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته (1 تي 3: 15)، التي في منحها للأسرار تحتمل الأشرار الذين في وقت ما يُعزَلون ويُستبَعدون[6].
املأ صهيون بالاحتفال بفضيلتك الإلهية،
وشعبك بمجدك [13].
كان الله يُعِدّ صهيون في العهد القديم لكي يتجسَّد من القديسة مريم، ويُقَدِّم الخلاص للعالم. الآن يهتم الرب بكنيسته، صهيون العهد الجديد كشعب الله الشريك له في الطبيعة الإلهية. يقول المرتل: "الربّ أَحَبّ أبواب صهيون، أكثر من جميع مساكن يعقوب" (مز 87: 2).
v يبدو لي أن أبواب صهيون هي الفضائل.
كما أن الرذيلة والخطية هما بابا الموت، أظن أن أبواب صهيون هي الفضائل[7].
v لا يقصد الأبواب التي نراها اليوم في التراب والرماد، وإنما يقصد الأبواب التي لا يقوى عليها الجحيم (مت 16: 18)، والتي تدخل منها جموع الذين يؤمنون بالمسيح[8].
اشهد لما خلقته في البدء،
وأَظهِر النبوات التي قيلت باسمك [14].
كافئ الذين ينتظرونك،
وليُوجَد أنبياؤك جديرين بالثقة [15].
كان رجال الله في العهد القديم ينتظرون تحقيق النبوات الخاصة بالخلاص ومجيء السيد المسيح، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. "وأزلْزل كلّ الأمم. ويأتي مشتهى كلّ الأمم، فأملأ هذا البيت مجدًا، قال ربّ الجنود. لي الفضّة ولي الذّهب يقول ربّ الجنود. مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأوّل قال ربّ الجنود. وفي هذا المكان أعطي السّلام يقول ربّ الجنود" (حجي 2: 7-9). يرى القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن النبي نطق بهذه العبارة لأن كثير من اليهود استصعبوا كيف يعود الهيكل القديم مرّة أخرى بذهبه وفضه بعد أن صار ترابًا ورمادًا، وكأن الرب يقول لهم: [لماذا لا تؤمنون، فإن ليّ الفضة وليّ الذهب، لست محتاجًا أن أقترض من أحد ليُزيّن بيتيّ؟![9]]
اسمع أيها الربّ صلاة المُتضرِّعين إليك،
بحسب بركة هارون على شعبك [16].
يختتم ابن سيراخ الصلاة بطلب البركة التي وعد بها شعبه على فم هارون (عد 6: 22-27). أوضح الرب أن البركة التي تحل على الشعب بواسطة الكهنة هي عطية الله نفسه، يُقَدِّمها الثالوث القدوس، وما الكهنة إلاَّ وسيلة يسألون الله ثلاث مرات ليبارك الثالوث القدوس الشعب. هكذا يؤكد أنه هو الذي يبارك لا الكهنة، مهما علت درجتهم، هو يحرس ويرحم وهو الذي يمنح السلام.
وليَعْلَم جميع سكان الأرض،
أنك أنت الربّ، إله الدهور [17].
مع اهتمام ابن سيراخ بخدمة الشعب القديم والصلاة من أجلهم لا يتجاهل خلاص الأمم الذي يتحقَّق بمجيء المسيَّا المُخَلِّص. هنا يطلب عن "جميع سكان الأرض".
20 الْجَوْفُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ طَعَامٍ، لكِنَّ مِنَ الطَّعَام مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ غَيْرِهِ. 21 الْحَلْقُ يُمَيِّزُ أَطْعِمَةَ الصَّيْدِ، وَالْقَلْبُ الْفَهِمُ يُمَيِّزُ الأَقْوَالَ الْكَاذِبَةَ. 22 الْقَلْبُ الْخَبِيثُ يُورِثُ الْغَمَّ، وَالرَّجُلُ الْكَثِيرُ الْخِبْرَةِ يُكَافِئُهُ.
روح التمييز أشبه بطعامٍ يتذوَّقه الحكيم، فيُسَرّ بمذاقه [18]. إنه يعطي عذوبة للإنسان في كل ظرف يعيش فيه، يشعر كأن العذوبة التي تمسّ داخله فريدة، لم يسبق له أن اختبر عذوبة مثلها.
المِعْدَة تتناول جميع ألوان الطعام،
لكن بعض الطعام أفضل من غيره [18].
يصعب على الإنسان أن يعطي تعريفًا للعذوبة. وهي تمسّ طعامه وشرابه وكلماته. فالطعام المادي تتناوله المِعْدَة، ويُمَيِّزه الحلق بنوعٍ من العذوبة يختلف من طعامٍ إلى طعامٍ، ومن شخصٍ إلى آخر. هذه العذوبة تعطي الإنسان نوعًا من التمييز بين طعامٍ وآخر.
كما يتذوَّق الحلق نكهة الصيد،
هكذا يُمَيِّز القلب الفَطن الأقوال الكاذبة [19].
حلق الإنسان يُمَيِّز الأطعمة، وقلبه وأذنه يُمَيِّزان الكلام الذي ينطقه بلسانه، وكما قيل: "الأذن تُمَيِّز الأقوال كما أن الحنك يستطعم طعامه" (أي 12: 11).
الإنسان الحكيم يتمتَّع بقلبٍ يُمَيِّز الكلام الصالح اللائق من الكلام الرديء غير اللائق. لذا يليق بالإنسان عدم التسرُّع في الإجابة أو في التعليق على أمرٍ ما قبل أن يفحصه عقله وقلبه.
v لا يتحدَّث عن أُذُن الجسم (أي 12: 11)، بل أُذُن الروح. فبالآذان الجسدية نسمع أصوات الكلمات، أما بالآذان الداخلية فنُمَيِّز الفكر والكلمات. كذلك "الحنك (خاصة التذوُّق) يستطعم الطعام" بمعنى أن يقدره بالنسبة للذته. هكذا فإن حنك الروح يُمَيِّز فائدته.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
v "فإن العقل nous يُمَيِّز الكلمات"... إن كان الله يعطينا الحنك لنُمَيِّز تذوُّق الطعام، فإنه يهبنا أيضًا العقل لنأخذ قراراتنا، ويسمح لنا الزمن أن نطلب الفهم.
v يوجد قاضي واحد يشرف على الداخل، أي قدرة التمييز التي للعقل، ولكن خلال طرق لائقة تحفظ الحواس الخمس متمايزة. يصنع الله عجائب، فلا تقدر العين أن تسمع، ولا الأذن أن ترى، ولا الفم أن يشم، ولا الأنف أن تتذوَّق، ولا الأيدي أن تَشِمّ. بينما كل هذه تعمل خلال قوى العقل الواحدة، غير أنه لا تستطيع حاسة ما أن تمارس غير ما قد عيَّنه الخالق لها. وهكذا خلال هذه التدابير الجسمية الخارجية، يترك لنا أن نجمعها في الداخل بطريقة روحية...
بينما توجد حكمة واحدة تسكن في إنسانٍ أقل مما في آخر... إلا أنها في ذاتها لا تحمل اختلافات فيما بينها، لكن بواسطتها نمارس عمليات متباينة مختلفة، فواحد ينال عطية حكمة، وآخر عطية معرفة، وآخر ألسنة، وآخر موهبة شفاء...
يدين الطوباوي أيوب عدم خبرة أصحابه، ووقاحة كل من ينتفخ مدعيًا أنه قد تعلَّم في الحكمة. فإن معرفة شيءٍ ما عن الله أمر، وتذوق ما تعرفه بفهمٍ أمر آخر.
القلب المعوج يُسَبِّب الغم،
والإنسان الواسع الخبرة يردّه [20].
"القلب الخبيث"، أي غير النقي، يجلب متاعب كثيرة على الإنسان. إنه يتَّسِم بالضيق فلا يحتمل كلمة نقد، ولا يبتهج بالعطاء، أما القلب النقي فمُتَّسِع، يشتهي أن يحب حتى مضايقيه، ويخدم الجميع، ويُسَرّ بالعطاء لا الأخذ، لذلك يجني بركات لا حصر لها.
23 الْمَرْأَةُ تَتَزَوَّجُ أَيَّ رَجُلٍ كَانَ، لكِنَّ فِي الْبَنَاتِ مَنْ تُفَضَّلُ عَلَى غَيْرِهَا. 24 جَمَالُ الْمَرْأَةِ يُبْهِجُ الْوَجْهَ، وَيَفُوقُ جَمِيعَ مُنَى الإِنْسَانِ. 25 وَإِنْ كَانَ فِي لِسَانِهَا رَحْمَةٌ وَوَدَاعَةٌ؛ فَلَيْسَ رَجُلُهَا كَسَائِرِ بَنِي الْبَشَرِ. 26 مَنْ حَازَ امْرَأَةً؛ فَهِيَ لَهُ رَأْسُ الْغِنَى وَعَوْنٌ بِإِزَائِهِ وَعَمُودٌ يَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ. 27 حَيْثُ لاَ سِيَاجَ يُنْتَهَبُ الْمَلِكُ، وَحَيْثُ لاَ امْرَأَةَ يَنُوحُ التَّائِهُ. 28 مَنْ ذَا يَأْمَنُ اللِّصَّ الْمَشْدُودَ، الأَزْرِ الْهَائِمَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ؟ هكَذَا حَالُ الرَّجُلِ الَّذِي لاَ وَكْرَ لَهُ فَيَأْوِي حَيْثُمَا أَمْسَى.
قديمًا لم يكن للمرأة فرصة اختيار الزوج، وإن وُجِدَت كما حدث مع رفقة زوجة إسحق (تك 24: 1-78) فهي لا تُقارَن بحرية الرجل لاختيار زوجته. كان غالبًا ما يقوم الوالدان أو من في مقامهما باختيار الزوج والزوجة؛ وإن كان لا يعني حرمان الزوجين من السعادة. ولم تكن نسبة الطلاق مرتفعة كما اليوم.
بقدر ما حذَّر الشباب لئلا يختاروا زوجة شريرة، يُطَوِّب من يتزوج من كان لسانها لطيفًا ومُتَّسِمة بالوداعة، رجلها يشعر أنه ليس كسائر البشر، لأنه يعيش كما مع ملاكٍ من السماء [23].
يتحدَّث عن أهمية الزوجة الصالحة في حياة رجلها، مُعلِنًا أنها تقوم بدورٍ رئيسيٍ في حياته:
أ. أكثر غنى من كل من لديه ثروات [24]، لأنها كنز ثمين (أم 31: 10).
ب. لا يشعر بالعزلة، إذ هي مُعِينَة له [24].
ج. يحسبها كعمود يتكئ عليه وهو في أمان [24].
د. تحوط به كسياجٍ حوله، فلا يتيه رجلها [25].
ه. يشعر باستقرار، خاصة عندما يرجع في المساء إلى بيته، ويشعر بحضورها معه [26-27].
المرأة تَقْبَل أي ابن[10]،
لكن توجد ابنة[11] أفضل من غيره [21].
المرأة الجميلة تُسعِد الرجل،
وتفوق جميع ما يتمناه [22].
هنا يمتدح الجمال الجسدي فهو بلا شكٍ يستحق المديح شأن كل شيءٍ جميل بين الناس أو بين الخلائق، غير أن كل خلائق الله جميلة، والجمال مسألة نسبية كما أن هناك فرق بين الجمال الجسدي وجمال الروح.
وإن كان في لسانها لطف ووداعة،
فزوجها ليس كسائر الرجال [23].
نستطيع أن نلمس نظرة ابن سيراخ للمرأة خلال حديثه عن دور المرأة الفاضلة في حياة رجلها.
لسان الزوجة الشريرة كما سبق أن رأينا يُحَطِّم حياة الزوج تمامًا، أما لسان الزوجة الفاضلة فيُقَدِّم للزوج لطفًا ووداعةً، بل ويرفعه فوق سائر البشر، أي يُحَوِّله إلى شبه ملاك.
لم يذكر ابن سيراخ هذا عن الزوج الصالح في تأثير لسانه على زوجته. لم نسمع أن الرجل الصالح بلسانه يُحَوِّل زوجته إلى ما هو أسمى من سائر البشر.
توجد صفات أخرى جديرة بالمرأة أن تتحلَّى بها؛ مثل الحكمة وعفة اللسان وتَحَمُّل المسئوليات، تلك الصفات التي تجعل من الزوج شخصًا سعيدٍا، يفتخر بها بين أصدقائه، فالجمال الجسداني قد يتحوَّل إلى قبح بسب المرض، بينما تبقى الخصال الجيدة الثابتة فلا يُحَطِّمها الموت.
من تزوج امرأة كهذه، فقد اقتنى أفضل اقتناء،
مُعِينَة نظيره، وعمود يستند إليه [24].
يرفع ابن سيراخ من شأن الزوجة بشكلٍ عجيبٍ. فإن كانت غالبًا ما تكون ضعيفة جسديًا بالنسبة للرجل، إلاَّ إنها قادرة أن ترفعه فوق كل الرجال، وتجعله غنيًا بكونها كنزه الثمين، بل وتهبه قوة حيث يستند عليها في ضعفه كعمودٍ!
حيث لا يوجد سياج تُنهَب المقتنيات،
وحيث لا زوجة يتيه الرجل نائحًا [25].
الزواج الصالح يحمي الطرفين الزوج والزوجة من فخاخ إبليس. يرى ابن سيراخ أن الزواج بامرأة حكيمة أفضل من العزوبية، إذ تصبح الزوجة بالنسبة لزوجها سندًا ومُعِينًا له (تك 2: 18). المرأة الصّالحة نصيبٌ صالح يُمنَح لمن يتَّقي الربّ، غنيًّا كان أو فقيرًا فقلبه في سرور ووجهه مشرقٌ دائمًا.
قد يساعد الزواج الرجل في الالتزام بحياةٍ اجتماعية والحفاظ على وقته وماله وسمعته وعدم انحرافه في مسالك مؤذية. المرأة الصالحة تكون له مثل سياجٍ وحارسٍ ورقيبٍ، يجد من يهمه أمره، ويخاف عليه، سيكون في انتظاره دفء البيت السعيد الهادئ. من الطبيعي أن من لا زوجة له ولا أولاد، يتنقَّل بسهولةٍ من مكانٍ إلى مكانٍ ومن بيتٍ إلى بيت. قد يدفعه ذلك إلى الانحراف وعدم الاستقرار.
من يأمن اللص المُسلح، الهائم من مدينة إلى مدينة؟ [26].
من ذا الذي يأمن الرجل الذي لا مأوى له،
فيبيت حيثما أدركه المساء [27].
كثيرون يتطلعون إلى الزواج كمأوى آمن للزوجة، أما ابن سيراخ فيرى في الزوجة الفاضلة يسكن الزوج في بيت آمن، حيث فيه ينام ويستريح!
v تطلَّع إلى كل البشرية، فأنت إله الجميع!
تقدَّستَ في أولادك المؤمنين، فصاروا بك قديسين!
لتتمجد برجوع كل الأمم إليك!
بحُبِّك تغضب على شرورهم، وبحنوك تجتذبهم إليك.
أسرع بمجيئك لنلتقي بكل الأتقياء من المؤمنين،
ونتهلل بحضورك وسط السمائيين والأرضيين.
v ألهبت قلوبنا شوقًا للتمتُّع بأورشليم العليا أُمّنا.
نراك فنُحسَب بالحق إسرائيل السماوي.
تكمل النبوات بمجيئك على السحاب.
وننعم بما لم تره عين، ولم تسمع به أذن،
ولم يخطر على فكر إنسان!
v هب لي روح التمييز في كل حياتي.
أعرف ما هو جيد ولائق بي كابنٍ لك،
وأجحد ما هو رديء وغير لائق بي.
بروح التمييز يتَّسِع قلبي بالحب لكل بني البشر،
يحب العطاء أكثر من الأخذ، والاستماع أكثر من الكلام،
أجحد الخبيث، فلا يستطيع الغم أن يتسلَّل إلى قلبي،
ولا تُعانِي نفسي من الاضطراب.
v إلهي، حقًا الزوجة الصالحة تُسعِد رجلها،
يراها كنزه وسنده وسياجه فيستقر معها،
ويصيرا بروحك القدوس جسدًا واحدًا.
لتكن الحكمة هي العروس التي تحتضني.
لتحتل الحكمة قلبي، فأصير في عُرْسٍ لا ينقطع.
لا تقدر أحداث العالم ولا الأمراض ولا كل قوات الظلمة أن تُفسِد سلامي.
لن أَتنقَّل من مدينة إلى مدينة، حيث السماء مسكني.
ولا يسطو لص على فكري أو قلبي أو أحاسيسي،
لأن ملكوتك الإلهي قائم في داخلي!
_____
[1] Letters, FOTC, vol. 18, p. 392-394.
[2] City of God, Books 17-22, FOTC, vol. 24, p. 74-76.
[3] Homilies on Jer., 18.
[4] On Ps. hom. 20.
[5] On Ps. 76.
[6] Sermons, 214:11.
[7] On Psalms, homily 18.
[8] Letter 108 to Eustochium, 9.
[9] In I cor. hom 34:9.
[10] بحسب NRSV: أي رجلٍ كزوجٍ.
[11] بحسب NRSV: بنت.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 37 |
قسم تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب |
تفسير يشوع ابن سيراخ 35 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5pphmvs