St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب (والشماس بيشوي بشرى فايز)
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

يشوع ابن سيراخ 27 - تفسير سفر حكمة يشوع بن سيراخ
خطايا خطيرة وثمارها المُرَّة

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب حكمه يشوع بن سيراخ:
تفسير سفر يشوع ابن سيراخ: مقدمة سفر يشوع ابن سيراخ | يشوع ابن سيراخ 1 | يشوع ابن سيراخ 2 | يشوع ابن سيراخ 3 | يشوع ابن سيراخ 4 | يشوع ابن سيراخ 5 | يشوع ابن سيراخ 6 | يشوع ابن سيراخ 7 | يشوع ابن سيراخ 8 | يشوع ابن سيراخ 9 | يشوع ابن سيراخ 10 | يشوع ابن سيراخ 11 | يشوع ابن سيراخ 12 | يشوع ابن سيراخ 13 | يشوع ابن سيراخ 14 | يشوع ابن سيراخ 15 | يشوع ابن سيراخ 16 | يشوع ابن سيراخ 17 | يشوع ابن سيراخ 18 | يشوع ابن سيراخ 19 | يشوع ابن سيراخ 20 | يشوع ابن سيراخ 21 | يشوع ابن سيراخ 22 | يشوع ابن سيراخ 23 | يشوع ابن سيراخ 24 | يشوع ابن سيراخ 25 | يشوع ابن سيراخ 26 | يشوع ابن سيراخ 27 | يشوع ابن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51

نص سفر يشوع ابن سيراخ: يشوع بن سيراخ 1 | يشوع بن سيراخ 2 | يشوع بن سيراخ 3 | يشوع بن سيراخ 4 | يشوع بن سيراخ 5 | يشوع بن سيراخ 6 | يشوع بن سيراخ 7 | يشوع بن سيراخ 8 | يشوع بن سيراخ 9 | يشوع بن سيراخ 10 | يشوع بن سيراخ 11 | يشوع بن سيراخ 12 | يشوع بن سيراخ 13 | يشوع بن سيراخ 14 | يشوع بن سيراخ 15 | يشوع بن سيراخ 16 | يشوع بن سيراخ 17 | يشوع بن سيراخ 18 | يشوع بن سيراخ 19 | يشوع بن سيراخ 20 | يشوع بن سيراخ 21 | يشوع بن سيراخ 22 | يشوع بن سيراخ 23 | يشوع بن سيراخ 24 | يشوع بن سيراخ 25 | يشوع بن سيراخ 26 | يشوع بن سيراخ 27 | يشوع بن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51 | يشوع ابن سيراخ كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأصحاح السابع والعشرون

خطايا خطيرة وثمارها المُرَّة

في الأصحاح السادس والعشرين تحدَّث بن سيراخ عن فئات خطيرة: الزوجة الشريرة، والابنة الوقحة، ورجل الحرب الذي يعجزه الفقر بسبب الخمول، الناقد الحكماء بلسانٍ سليطٍ، البار المتهاون في جهاده، والمُستسلِم للخطية. وختم حديثه عن عدم الأمانة في العمل التجاري (سي 26: 19)، فحذَّر من محبة المال التي تدفع إلى الخطية سواء عن طريق الكذب أو الطمع أو السرقة أو الغش أو اللجوء إلى الطرق غير المشروعة. الآن في هذا الأصحاح يُحَذِّرنا من بعض الخطايا الخطيرة مثل خطايا اللسان وخيانة الأصدقاء والرياء والتهكُّم والشماتة والغضب والحقد، إذ تقدم لنا ثمارًا مُرَّة.

1. انحراف الفكر

     

[1 -3] (ت: 1-4)

2. اختبار النفس البشرية

     

[4 -7] (ت: 5-8)

3. المكافأة والجزاء

     

[8 -10] (ت: 9-11)

4. أنواع الأحاديث

     

[11 -15] (ت: 12-16)

5. إفشاء الأسرار والصداقة

     

[16 -21] (ت: 17-24)

6. الرياء والتهكُّم

     

[22 -24] (ت: 25-27)

7. الخطية تحمل ثمرها فيها

     

[25 -30] (ت: 28-33)

* من وحي سيراخ 27: احفظني من فساد الخطية ومرارتها!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. انحراف الفكر

1 كَثِيرُونَ خَطِئُوا لأَجْلِ عَرَضِ الدُّنْيَا، وَالَّذِي يَطْلُبُ الْغِنَى يُغْضِي طَرْفَهُ. 2 بَيْنَ الْحِجَارَةِ الْمُتَضَامَّةِ يُغْرَزُ الْوَتَدِ، وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ تَنْشَبُ الْخَطِيئَةُ. 3 وَسَيُسْحَقُ الإِثْمُ مَعَ الأَثِيمِ. 4 مَنْ لَمْ يَحْرِصْ عَلَى الثَّبَاتِ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، يُهْدَمُ بَيْتُهُ سَرِيعًا.

 

وراء الخطايا الخطيرة انحراف الفكر، خاصة في العمل التجاري. يبحث بعض رجال الأعمال عن الفرص المناسبة التي تُحَقِّق لهم ربحًا أكثر مع تنازلهم عن بعض المبادئ المستقيمة.

التجارة بوجه عام ليست شرًا، لكن إن مارس إنسان تجارته على حساب مبادئه المستقيمة من أجل أكبر ربح ممكن، فمع كون هدفه سليم، وهو تحقيق ثروته عن طريق التجارة، غير أنه إذا فقد الشخص استقامة حياته يخطئ، حتى وإن اعتاد غيره من بعض رجال الأعمال على ذلك.

كثيرون أخطأوا بسبب نوال ربحٍ،

والذي يطلب الغنى يغضّ نظره [1].

يُغرز الوتد بين الحجارة الملائمة،

وتنشب الخطية بين البيع والشراء [2].

من لا يتمسك بثبات بمخافة الربّ،

يُهدَم بيته سريعًا [3].

كما أن الوتد يجد له مكانًا آمنًا ثابتًا بين الحجارة الملائمة، هكذا خطية محبة المال تتستر وراء بعض عمليات التجارة، والعلاج هو التمسُّك بمخافة الرب. يليق برجل الأعمال أن يسلك في مخافة الربّ بأمانة وصدق وإخلاص وقناعة، حتى إن اعتاد بعض رجال الأعمال على نوع من الخداع من أجل المكسب. "من بَنَى بيتًا بأموال غيره، كمن يجمع حجارته في عاصفة (أو لقبره)" (راجع سي 21: 8).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. اختبار النفس البشرية

5 عِنْدَ هَزِّ الْغُرْبَالِ يَبْقَى الزِّبْلُ، كَذلِكَ كُسَاحَةُ الإِنْسَانِ عِنْدَ تَفَكُّرِهِ. 6 آنِيَةُ الْخَزَّافِ تُخْتَبَرُ بِالأَتُونِ، وَالإِنْسَانُ يُمْتَحَنُ بِحَدِيثِهِ. 7 حِرَاثَةُ الشَّجَرِ تَظْهَرُ مِنْ ثَمَرِهَا، كَذلِكَ تَفَكُّرُ قَلْبِ الإِنْسَانِ يَظْهَرُ مِنْ كَلاَمِهِ. 8 لاَ تَمْدَحْ رَجُلًا قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ بِهذَا يُمْتَحَنُ النَّاسُ.

 

عند هز المنخل تبقى الأقذار،

هكذا قذارة الإنسان تبقى في أفكاره [4].

ما دام المنخل ساكنًا مكدسًا فيه القمح أو غيره من الحبوب، فلا يظهر ما فيه من رملٍ وترابٍ، وما أن يُهز حتى تنزل الحبوب، وتتبقى الأقذار لإلقائها في المزبلة، هكذا الإنسان ما دام متراخيًا في فحص أعماقه ومراجعة أهدافه تحت قيادة الروح القدس، لا يُدرِك عيوبه، ولا يُقَدِّم عنها توبة.

v بقي الآن أن نفهم ما تتضمنه هذه الوصيَّة باعتبارها مُوجَّهة إلى قُدرَة العقل. "اهتم بذاتك"؛ أعني أن تُلاحِظ ذاتك من جميع النواحي، أن تكون بصيرة نفسك يَقِظة لحماية ذاتك، إذ تجوز وسط الفخاخ؛ فالعدو قد نَصَبَ فخاخًا مخفيَّة من كل جهة. راقب بكل حرصٍ كل شيءٍ حتى "تَخلُص، مثل الظبي من الأشراك، ومثل العصفور من الحبائل (أم 6: 5)[1].

v حين تنشغل بخطيةٍ ما، كن مُتَّهِمًا لنفسك (أم 18: 17)، ولا تنتظر الآخرين أن يُقَدِّموا الاتهام. بهذا تصير أشبه بإنسانٍ بارٍ يتَّهِم نفسه في أول حديث له في المحكمة، أو تكون كأيوب الذي لم يَعُقه جمهور الشعب في المدينة عن الإعلان عن جريمته أمام الكل[2].

القديس باسيليوس الكبير

v كما يخرج الإنسان من بطن أمه عريانًا، هكذا أيضًا تخرج النفس من الجسد. تخرج بعض النفوس نقية ومتلألئة، وأخرى ملطخة ومتدهورة، وثالثة مدنسة بخطايا كثيرة. لهذا فإن النفس العاقلة المُحِبَّة لله، إذ تذكر التجارب والشدائد المنتظرة بعد الموت، وتتأمل فيها، تعيش في برٍّ حتى لا تُدَان، ولا تخضع لهذه الشدائد. أما غير المؤمنين فليس لهم مثل هذه المشاعر، إذ يرتكبون الخطايا، مستهينين بما ينتظرهم[3].

القديس أنطونيوس الكبير

كما تُختبَر آنية الخزّاف بالأتون،

يُختبَر الإنسان بحججه [5].

يرى الشهيد كبريانوس أسقف قرطاجنّة أن هذه العبارة هي الأساس في نظرة القديس بولس وكل المسيحيين للألم.

v بعد انكسار السفينة، وبعد الجلد، وبعد عذابات مرعبة للجسد (2 كو 11: 23-33)، يقول الرسول بولس إنه لم يصبه ضرر، إنما انتفع من المحنة، لأنه بالحقيقة تزكّى خلال مثل هذا الحزن المرعب. إنه يقول: "أُعطيتُ شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرَّعت إلى الربّ ثلاث مرات أن يُفارِقني. فقال لي: تكفيك نعمتي، لأن قوّتي في الضعف تُكمَل" (2 كو 12: 7-10).

عندما يمسك بنا ضعف أو عدم كفاءة أو أي خراب، عندئذ تُكمل قوّتنا. لذلك إن كان إيماننا وُضِع تحت الاختبار يثبت ويتسلَّم إكليلًا، كما كُتِبَ: "الأتون يختبر أواني الخزاف، وامتحان المحنة تختبر الأبرار". هذا باختصار هو الفرق بيننا وبين الآخرين الذين لا يعرفون الله، إنهم في يوم المحنة يشتكون ويتذمَّرون، أما المحنة فلا تدعونا أن نترك الحق الذي للفضيلة والإيمان، بل تُقَوِّينا بآلامها[4].

الشهيد كبريانوس أسقف قرطاجنّة

v لله سلطان علينا كالخزَّاف على الطين، ليُشَكِّل من ذات المادة أوانٍ للكرامة وأوانٍ للهوان. لذلك بالنسبة لكم يا من تجاوبون الله بروح الغطرسة، يكفيكم أن تسمعوا هذه الأمور[5].

العلامة أوريجينوس

v يتسلَّل الأسد إلى كمين خفي ليفترس البار، والأواني الخزفية تُختبَر بالأتون (راجع سي 27: 5)، والأبرار يُختبَرون بالتجارب. ففي موضعٍ آخر مكتوب: "يا بني، إن أقبلت لتخدم الربّ، فأعدد نفسك للتجربة" (راجع سي 2: 1)[6].

القديس چيروم

هذه النار كما يقول القديس أغسطينوس إنها نار التجارب التي تحرق من كانت أعماله أرضية، بينما تنقي من كانت أعماله حسب رضى الربّ، وتزيده بهاءً[7].

v الأواني الخزفية تصير صلبة بالنار، هكذا قوة جسد المسيح لا تُستهلَك بالنار كالقش بل تزداد صلابة مثل الأواني الخزفية، وذلك بنار آلام (المسيح)[8].

v النار تفحص نوعية عمل كل أحدٍ، إن كان عمله يصمد هذا الذي قام ببنائه (وهو يصمد إن كان الشخص مهتمًا بالأمور الإلهية كيف يرضي الربّ)، فينال مكافأة عن اهتمامه، وإن احترق يفقد مكافأته، لأنه لا يقدر أن يحتفظ بما يحبه (الأرضيات)، وأما هو فيخلص كما بنارٍ (1 كو 3: 15). هذا التعبير الأخير يعني أنه بدون ألم النار لا يقدر أن يُحَطِّم الملذَّات التي أحب أن يبنيها.

v هنا يبدو لي أنه لدينا نار لا يفقدها هؤلاء الناس، نار تقدم ربحًا لشخصٍ ما، وخسارة لشخصٍ آخر، وهي امتحان للاثنين. هذه النار ليست النار التي يقصدها ربُّنا عندما يقول للذين عن يساره: "ابعدوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية" (مت 25: 41)[9].

القديس أغسطينوس

يُمَيِّز القديس أغسطينوس بين من يُجرَّب ومن يسقط في التجربة. ففي الصلاة الربانية، إذ نطلب "لا تدخلنا في تجربة"، لسنا نطلب ألاَّ نُجرَّب، وإنما ألاَّ ندخل فيها.

v الصلاة هنا ليست لكيلا نُجَرَّب، وإنما لا ندخل في تجربة. إنها كمن يجتاز تجربة بالنار، لا يصلي ألاَّ تلمسه النار، بل ألا يهلك بالنار، لأنه تُختبَر آنية الخزف بالأتون، والأبرار بتجربة المحنة [5]. فيوسف جُرِّب بإغراءات زانية، لكنه لم يدخل في التجربة (تك 39: 17). وسوسنة جُرِّبت لكنها لم تدخل في التجربة (دا 13: 20). وهكذا كثيرون من كلا الجنسين، خاصة أيوب[10].

القديس أغسطينوس

v الإنسان منا بعد أن يعترف بخطئه، يتحوَّل بتوبته إلى التغير خلال المعرفة، ويظهر تقدمًا ملحوظًا، فيُجرَّب بواسطة العدو، وتُختبَر قوة نفسه وسلامة هدفه. بالحقيقة يقول الكتاب: الذي لم يُختبَر لا يكون جديرًا بالثقة. لن يصل أحد إلى الكمال ما لم يخُتبَر أولًا بالتجارب[11].

روفينيوس

v الطوباوي يوحنا الإنجيلي الذي لم يكن بالتأكيد أقل من القديس يعقوب (بن اسحق) في الاستحقاقات، يعلن: "إن قلنا إنه ليس لنا خطية، نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1 يو 1: 8). علاوة على هذا نقرأ في موضع آخر: "الصديق يسقط سبع مرات ويقوم" (أم 24: 16). لهذا إذ لم يكن ممكنًا ليعقوب الطوباوي ألا يكون بدون خطايا هينة، أراد الله أن يهلك هذه المعاصي الصغيرة في هذا العالم بنار الضيقات. لقد تحقَّق فيه قول الله بالروح القدس: "تختبر آنية الخزاف بالأتون، ويمتحن الإنسان بحديثه". علاوة على هذا، فإن الله يجلد كل ابن يقبله" (عب 12: 6) "وبضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 21). لهذا لكي يُحضر الله يعقوب القديس كذهب نقي في يوم الدينونة المقبل، أزال أولًا كل وصمات الخطية منه، حتى لا يجد الشاهد الناري الآخر فيه شيئًا يحترق[12].

الأب قيصريوس أسقف آرل

كما تُظهِر الثمرة كيفية زراعة الشجرة،

كذلك يُظهِر فكر الإنسان قلبه [6].

لا تمدح إنسانًا قبل أن يكشف طريقة تفكيره،

فإنه بهذا يُمتحَن الإنسان [7].

كما تُعرَف الشجرة من ثمرها، هكذا يُعرَف الإنسان من كلامه. فالكلام ترجمة للمشاعر الداخلية وتعبير عن مكنونات القلب "فالحكمة تُعرَف بكلمةٍ، والتعليم بكلمة اللسان" (راجع سي 4: 24). بهذا لا يليق مدح إنسان دون الاستماع إليه. هكذا يقيم ابن سيراخ قيمة كبرى للصمت والكلام، فبالصمت يسمع الإنسان لأعماقه ويجد الفرصة للتعرُّف على نفسه والدخول في حوارٍ مع الله، وفي كلام الإنسان ترجمة لشخصيته.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. المكافأة والجزاء

9 إِذَا تَعَقَّبْتَ الْعَدْلَ فَإِنَّكَ تُدْرِكُهُ، وَتَلْبَسُهُ حُلَّةَ مَجْدٍ، وَتَسْكُنُ مَعَهُ؛ فَيَصُونُكَ إِلَى الأَبَدِ، وَفِي يَوْمِ الاِفْتِقَادِ تَجِدُ سَنَدًا. 10 الطُّيُورُ تَأْوِي إِلَى أَشْكَالِهَا، وَالْحَقُّ يَعُودُ إِلَى الْعَامِلِينَ بِهِ. 11 الأَسَدُ يَكْمُنُ لِلْفَرِيسَةِ، كَذلِكَ الْخَطَايَا تَكْمُنُ لِفَاعِلِي الإِثْمِ.

 

إذا سعيت وراء البرّ تناله،

وترتديه كحُلّةٍ مجيدة [8].

يخشى ابن سيراخ من وجود تعارض بين متطلبات الحكمة ومتطلبات الثروة، فيوضح إمكانية التغلُّب على هذا التعارض، بقوله من يسعى لطلب الحكمة يجد ذلك، بل ويرتديها كحلة مجيدة [8]. ليس من تعارض لا مفر منه بين البرّ المقدس وممارسة التجارة. الله القدوس يسعى إلى الإنسان ويبحث عنه، ويقدم له برَّه وفي يده الإكليل، ليضعه عليه إن تجاوب معه.

كما تجتمع الطيور إلى أشكالها،

هكذا يعود الحق إلى العاملين به [9].

من العوامل التي تجعل التعارض بين الحياة المقدسة والتجارة يمكن التغلب عليه وجود رجال أعمال صالحين وهم ليسوا بنادرين كما يظن البعض. هؤلاء يمكن أن يجتمعوا معًا ليقدسوا العمل التجاري، لأن الطيور تجتمع إلى أشكالها. هكذا الأتقياء في كل عملٍ يسندون إخوتهم في الرب.

يكمن الأسد منتظرًا فريسته،

كذلك تكمن الخطيئة لفاعلي الإثم [10].

يقول الرسول: "اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط 5: 8).

v هل يوجد شيء أكثر رعبًا من الشيطان؟ مع ذلك لا نجد درعًا ضده سوى الإيمان، إذ هو ترس غير منظور ضد عدو غير منظور، يصوب أسهمًا مختلفة في وسط الليل نحو الذين بلا حذر. لكن إذ هو عدو غير منظور فلنا الإيمان آلة قوية كقول الرسول: "حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة" (أف 16: 6). إذ يُلقي الشيطان شرارة ملتهبة من الشهوة المنحطة، يُظهِر الإيمان صورة الدينونة فيطفئ الذهن الشرارة[13].

القديس كيرلس الأورشليمي

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. أنواع الأحاديث

12 حَدِيثُ الْتَّقِيِّ فِي كُلِّ حِينٍ حِكْمَةٌ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَتَغَيَّرُ كَالْقَمَرِ. 13 بَيْنَ السُّفَهَاءِ تَرَقَّبِ الْفُرْصَةَ، وَبَيْنَ الْعُقَلاَءِ كُنْ مُوَاظِبًا. 14 حَدِيثُ الْحَمْقَى مَكْرُوهٌ، وَضَحِكُهُمْ فِي مَلَذَّاتِ الْخَطِيئَةِ. 15 مُحَادَثَةُ الْحَلاَّفِ تُقِفُّ الشَّعَرَ، وَمُخَاصَمَتُهُ سَدُّ الآذَانِ. 16 مُخَاصَمَةُ الْمُتَكَبِّرِينَ سَفْكُ الدِّمَاءِ، وَمُشَاتَمَتُهُمْ سَمَاعٌ ثَقِيلٌ.

 

حديث التقيّ حكيم على الدوام،

أما الغبيّ فيتغيَّر مثل القمر [11].

يمتاز الأتقياء الحكماء بثباتهم في تقواهم وإخلاصهم وصدقهم ويُحسَبون رجال سلام، لذا كثيرًا ما يستريح إليهم العاملون في التجارة ويطمئنون لسلوكهم. أما الحمقى فحتى إن أقسموا لا يثق الآخرون فيهم ولا يطمئنون للتعامل معهم. يرى العلامة أوريجينوس أن الإنسان الأحمق يشبه المريض بالصرع؛ عندما يهجم عليه المرض يصير أشبه بشخصية أخرى مختلفة تمامًا عما هو عليه.

v يهاجم الصرع مرضاه على فترات متباينة، فعندما يعاني منه المريض يبدو كشخص مختلف تمامًا عنه وهو في صحة جيدة، حين لا يكون الصرع عاملًا فيه. هذا الاضطراب نفسه قد تجده في نفوس معينة، تلك التي يُظَن أنها صحية عندما تكون في حالة ضبط النفس وممارسة فضائل أخرى. لكنها تصير أحيانًا كما لو في حالة صرع عندما تثيرها أهواؤها. إنها تسقط من حالتها التي كانت قائمة، وتسحبها خداعات هذا العالم والشهوات الأخرى (مر 4: 19). ربما لا تخطئ عندما تقول عنها أنها تعاني من صرعٍ روحي، حيث تسقط بواسطة "أجناد الشرّ الروحية في السماويات" (أف 6: 12).

إنهم غالبًا ما يصيرون مرضى في الوقت الذي فيه تهاجم الأهواء نفوسهم، فيقعون في النار (مت 17: 15). كما قيل بهوشع إنهم يصيرون زناة "كتنورٍ مُحمى من الخباز" (هو 7: 4). ويسقطون مرة أخرى في الماء (مت 17: 15)، عندما يحدرهم ملك كل التنانين من الفَلَك حيث كانوا يظهرون يتنسمون بحرية، وسقطوا في أعماق تيارات بحر الحياة البشرية.

تفسيرنا هذا بخصوص الأحمق يسنده القائل في سفر الحكمة بخصوص سمات الإنسان البار. "حديث الشخص التقي دائمًا حكمة"، أما الأحمق فيتغيَّر كالقمر[14].

العلامة أوريجينوس

يتغيَّر الغبي مثل القمر: يقول القديس أغسطينوس: [الشمس تشير إلى الروحيين، والقمر إلى الجسدانيين... الشمس هي الشخص الحكيم، والقمر الشخص غير الحكيم... "الحكيم يصمد كالشمس، والأحمق يتغيَّر مثل القمر"[15].] كما يرى أن الحكيم هنا يشير إلى حكمة الله المتجسد، بكونه شمس البرّ، والأحمق هو آدم الساقط في الخطية.

v لاحظوا الآن ما نقرأه في الأمثال: "الحكيم يستمر كالشمس، وأما الأحمق فيتغيَّر كالقمر" (راجع سي 27: 12). من هو الحكيم الذي يستمر سوى شمس البرّ الذي قيل عنه: "شمس البرّ يشرق عليّ" (راجع ملا 4: 2). أما الأشرار الذين لا يشرق عليهم، فسيقولون باكين في اليوم الأخير: "نور البرّ لا يشرق علينا... والشمس لا تشرق علينا". لأن الله جعل الشمس منظورة للأعين الجسدية، تشرق على الصالحين والطالحين (مت 5: 45)..

من هو الأحمق الذي يتغيَّر مثل القمر، سوى آدم "الذي فيه أخطأ الجميع" (راجع رو 5: 12). بلا شك إذ يبتعد الذهن البشري عن شمس البرّ، أقصد عن التأمل الداخلي في الحق غير المُتغيِّر، مُحَوِّلًا كل طاقاته إلى الأرضيات، يصيبه العمى أكثر فأكثر عن رؤية ما بالداخل والأمور العلوية. لكن عندما يبدأ في الرجوع إلى الحكمة غير المتغيرة، فبقدر ما يقترب إلى الحكمة (الله) بالحب المقدس، "يفنى الإنسان الخارجي، والداخل يتجدَّد يومًا فيومًا" (2 كو 4: 16). عندئذ كل نور ذهنه الذي كان موجهًا إلى أهدافٍ دنيئة يتحوَّل إلى أهدافٍ عاليةٍ، بمعنى يتحوَّل من الأمور الأرضية لكي ما يموت الشخص أكثر فأكثر عن العالم، وتصير حياته مستترة بالمسيح في الله[16].

القديس أغسطينوس

v أعيننا لا ترى (القمر) في كمال حجمه على الدوام، الآن يمثل كمال القرص المستدير، وعندما ينقص ويقل يُظهر القصور في جانب واحد. وعندما يزداد من هلالٍ إلى بدرٍ يُظلم من جانب واحد. وعندما يكون شاحبًا يختفي الجانب الآخر.

الآن ليس بدون سبب سرّي جعل الخالق الإلهي للمسكونة القمر يظهر من وقتٍ إلى آخر بأشكالٍ مختلفة. إنه مثل مُبهر لطبيعتنا. ليس شيء مستقر في الإنسان. هنا يقوم الإنسان من العدم إلى الكمال... وفجأة يخضع إلى تدهور تدريجي، ويتحطم بالنقص المستمر. هكذا النظر إلى القمر يجعلنا نفكر في سرعة تقلبات الأمور البشرية، فيعلمنا ألاَّ نتكبر بخيرات هذه الحياة، ولا نفتخر بسلطاننا، ولا يغرينا الغنى الزائل، إنما نحتقر جسدنا الخاضع للتغيير، ونهتم بالنفس لأن صلاحها غير متغيرٍ[17].

v إن كان القمر يُسَبِّب لكم حزنًا بنقص تألقه، ونقصه تدريجيًا، هكذا يليق أن تزعجكم النفس بالأكثر التي لها فضيلة وبسبب الإهمال تحطم جمالها، ولا تبقى على حالها كما هو، إنما تتقلب وتتغيَّر باستمرار خلال نزوات العقل. بالحق يقول الكتاب: "الأحمق يتغير كالقمر" (راجع سي 27: 11)[18].

القديس باسيليوس الكبير

v إن كنا نشعر بحزنٍ عند رؤيتنا للقمر عندما يصير شاحبًا، الذي يسترد ما فقده ويجدد نفسه، فبالأولى جدًا إن كانت نفسك المملوءة بثمر الفضيلة تتغير غالبًا في هدفها واتجاهاتها المتلونة بتهورٍ. هذا هو غاية الغباوة والجهل، إذ يقول الكتاب: "الغبي يتغيَّر كالقمر"، أما البار فيستمر مثل الشمس (مز 72: 5).

القمر لا يشترك في الغباوة، لأنه لا يتغير مثل الغبي، إنما الغبي يتغير مثل القمر... القمر يعمل من أجلك، ويخضع لتدبير إرادة الله... أما أنت فتتعهَّد التغيير باختيارك... إنك بدون فهمٍ غالبًا ما تجد فرحًا في ذلك[19].

v الإنسان الحكيم لا يُدَمِّره الخوف، ولا يتغير بالقوة، ولا يتبجح بالأخبار السارة، ولا يبتلعه الحزن. حيث توجد الحكمة توجد قوة الروح مع المثابرة والصمود.

الإنسان الحكيم ثابت في النفس، لا يتأرجح بتغير الأحداث. إنه لا يتقلَّب كطفلٍ، ولا يتحرَّك مع كل ريح للتعليم، بل يبقى كاملًا في المسيح، متأسسًا على المحبة، متأصلًا بالإيمان. الإنسان الحكيم لن يكون عاطلًا وليس له خبرة تغيير مزاج العقل، إنما يشرق مثل شمس البرّ الذي يشرق في ملكوت أبيه (مت 13: 34)[20].

v الإنسان الجاهل لا يقدر بذاته أن يصير تلميذًا للفضيلة أو يثابر في هدفه، لأن الجاهل يتغيَّر مثل القمر[21].

القديس أمبروسيوس

v يسكن الله وسط قديسيه، وحيث توجد القداسة، يوجد مسكن الله. يهب الله مسكنًا للبشر في طريق واحد، هؤلاء الذين يختارون طريق الحياة الواحدة ويثابرون فيه. حقًا الإنسان البار ثابت (غير متغير)، إذ يأخذ قرارًا واحدًا وعلى الدوام أن يحيا الحياة البارة. أما الخاطئ فعلى العكس متقلب، "الشرير متغير مثل القمر" (راجع سي 27: 11)[22].

القديس چيروم

اقتصر وقتك بين الأغبياء،

وبدلًا عن ذلك اقضه بين العقلاء [12].

يليق بالمؤمن أن يختار الوقت المناسب ليتكلم مع الجهلاء ويسمع لهم، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. بل ويحرص أن يهرب منهم متى لزم الأمر، لأن حديثهم أحيانًا يكون بلا معنى ومزاحهم سخيف وقصصهم معثرة تفسد نفس المستمعين. "قيِّم الأقرباء ما استطعت، وتشاور مع الحكماء. ليكن حديثك مع الحكماء، وجميع كلامك في شريعة العليّ. ليكن الأبرار جلساءك على المائدة، وافتخارك في مخافة الرب" (راجع 9: 14-16).

حديث الحمقى مكروه،

وضحكهم في ملذَّات الخطية [13].

حديث الحمقى مكروه، خاصة حديثهم عن الله، إذ يظنون أنه في سماواته لا علاقة له بالبشر وهم على أرضهم. يمارس الحمقى شرورهم في الظلمة، ظانين أن الله لا يراهم ولا تشغله حياتهم.

v الإنسان الذي يظن أنه لا يراه ذاك الذي يرى كل الأشياء، وأن معاصيه تخفيها الظلمة، فهو يسكن في الظلال. باطلًا يحسب أنه ليس من يراقبه، لأن عين الربّ أكثر بهاءً من الشمس، تكشف كل الأسرار، وتنير كل الظلمة، وتدخل إلى معرفة أعماق القلب، وتخترق الأعالي والأعماق (راجع سي 23: 19).. لذلك يُكتشف كمن هو هارب ومأجور (مُرتزق) شرير، يُعرَف قبل أن يخفي نفسه..

من يظن أنه يخفي جريمته يسقط في رجاءٍ باطلٍ، ينطق بكلامٍ باطلٍ وليس بالحق. حقًا إن حديث الحمقى مكروه (راجع 27: 13)، لا ينتج ثمارًا بل عويلًا. فإن كلام الأحمق يشبه حِملًا (ثقيلًا) في الطريق (راجع 21: 16). ما هي الخطية سوى ثقل؟ إنها تثقل عابر السبيل في هذا العالم، حتى ينحدر إلى أسفل بسبب ثقلها. من أراد ألاَّ يُثقل، فليتطلَّع إلى الربّ القائل: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28)[23].

القديس أمبروسيوس

الكلام المملوء بالقَسَم، يجعل الشَعْر يقف في النهاية،

والمخاصمة تلزم الإنسان أن يسدَّ أذنيه [14].

من يتجاسر ويستخدم الاسم القدوس المرهوب دون تحفُّظ أو خشية، حديثه يُوقف الشَعر.

مخاصمة المتكبرين تقود إلى إراقة الدماء،

وشتائمهم سماعها ثقيل [15].

يليق بنا ألا نتحاور مع المتكبرين المتهورين، ولا نهينهم، ولا نحتك بهم، وعلينا استخدام الطرق المناسبة لهم وفي الوقت المناسب.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. إفشاء الأسرار والصداقة

17 الَّذِي يُفْشِي الأَسْرَارَ يَهْدِمُ الثِّقَةَ. وَلاَ يَجِدُ صَدِيقًا لِنَفْسِهِ. 18 أَحْبِبِ الصَّدِيقَ، وَكُنْ مَعَهُ أَمِينًا، 19 لكِنْ إِنْ أَفْشَيْتَ أَسْرَارَهُ؛ فَلاَ تَطْلُبْهُ مِنْ بَعْدُ. 20 فَإِنَّ مَنْ أَتْلَفَ صَدَاقَةَ الْقَرِيبِ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَتْلَفَ عَدُوَّهُ. 21 وَمَثَلُ تَسْرِيحِكَ لِلْقَرِيبِ؛ مَثَلُ إِطْلاَقِكَ طَائِرًا مِنْ يَدِكَ فَلاَ تَعُودُ تَصْطَادُهُ. 22 لاَ تَطْلُبْهُ؛ فَإِنَّهُ قَدِ ابْتَعَدَ وَفَرَّ، كَالظَّبْيِ مِنَ الْفَخِّ. 23 إِنَّ الْجُرْحَ لَهُ ضِمَادٌ، وَالْمُشَاتَمَةَ بَعْدَهَا صُلْحٌ، 24 أَمَّا الَّذِي يُفْشِي الأَسْرَارَ؛ فَشَأْنُهُ الْيَأْسُ.

 

الذي يفشي الأسرار يهدم مصداقيته،

ولا يجد صديقًا مدى الحياة [16].

يليق بالإنسان أن يكون أهلا  ليصبح مستودعًا للأسرار. هذا يتطلَّب أن يكون حكيمًا يتمتَّع بالشبع الروحي والامتلاء بالمعرفة الروحية والاجتماعية. فإن إفشاء السرّ يُعَد وصمة عار بالنسبة لمن أفشاه. الصديق الوفي لا يفشي الأسرار حتى بعد موت أصحابها وإنما يظل أمينًا لهم حتى بعد انتقالهم.

أَحبِب صديقك وكن أمينًا له،

لكن إن أفشيت أسراره، فلا تجدّ في إثره عن قُرْب [17].

تمامًا كما يُدمِّر الإنسان عدوّه،

هكذا دمَّرتَ صداقة قريبك [18].

يصعب أن يسترد الإنسان صداقة وثقة من أفشى سرَّه.

وكما أنك قد تطلق طائرًا من يدك،

هكذا دَعْ قريبك يذهب، ولا تعود تصطاده [19].

لا تَجِّد في إثره، فإنه قد ابتعد بعيدًا عنك،

وفرّ كالأيّل من الفخّ [20].

يُشَبِّه ابن سيراخ الصديق الذي فقد الثقة في صديقه، لأنه أفشى سرَّه، بالطائر الذي فلت من يد من الصياد وطار منه فلا سبيل لاستعادته. ومثل ظّبَيْ خرج من الفخ انطلق بلا عودة إلى نفس الفخ.

إن الجرح يُمكِن تضميده، والسبّ يمكن مغفرته،

أما الذي يفشي الأسرار فلا أمل له [21].

يكاد يستحيل للصديق أن يسترد صداقته مع من أفشى سره، وإن عاد إليه فلا يكشف له سرَّه بعد.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6. الرياء والتهكُّم

25 الْغَامِزُ بِالْعَيْنِ يَخْتَلِقُ الشُّرُورَ، وَلَيْسَ مَنْ يَتَجَنَّبُهُ. 26 أَمَامَ عَيْنَيْكَ يَحْلُو بِفَمِهِ، وَيَسْتَحْسِنُ كَلاَمَكَ، ثُمَّ يَقْلِبُ مَنْطِقَهُ، وَمِنْ كَلاَمِكَ يُلْقِي أَمَامَكَ مَعْثَرَةً. 27 قَدْ أَبْغَضْتُ أُمُورًا كَثِيرَةً، وَلكِنْ لاَ كَبُغْضِي لَهُ، وَالرَّبُّ سَيُبْغِضُهُ.

 

الغامز بعينه يُخطِّط أعمالًا شريرة،

وليس من يقدر أن يتجنَّبه [22].

في حضورك يكون حديثه حلو، ويُعجَب من كلامك،

وبعد ذلك يُشَوِّه بكلامه ما قُلتَه، ومن كلامك يضايقك [23].

إني أبغضُ أمورًا كثيرة، ولكن لا كبغضي له،

والرب أيضًا سيبغضه [24].

يتحدَّث المرتل عن المرائي، قائلًا: "أنعم من الزبدة فمه، وقلبه قتال، ألين من الزيت كلماته، وهي سيوف مسلولة" (مز 55: 21). ينطبق هذا على يهوذا الذي سلَّم سيده بقبلةٍ.

v اقتربوا إليه يجربونه (لو 2: 19-26)، يخفون عنه هدفهم المخادع. كانوا يخاطبونه بكلمات لينة، وهم مثل وحوشٍ شرسةٍ في ثياب حملانٍ. مثل هؤلاء وَبَّخهم المرتل أيضًا قائلًا: "ألْين من الزيت كلماتهم، لكنها سهام مسنونة"[24].

القديس كيرلس الكبير

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

7. الخطية تحمل ثمرها فيها

28 مَنْ رَمَى حَجَرًا إِلَى فَوْقُ؛ فَقَدْ رَمَاهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَالضَّرْبَةُ بَالْمَكْرِ تَجْرَحُ الْمَاكِرَ. 29 مَنْ حَفَرَ حُفْرَةً سَقَطَ فِيهَا، وَمَنْ نَصَبَ شَرَكًا اصْطِيدَ بِهِ. 30 مَنْ صَنَعَ الْمَسَاوِئَ فَعَلَيْهِ تَنْقَلِبُ، وَلاَ يَشْعُرُ مِنْ أَيْنَ تَقَعُ عَلَيْهِ. 31 الاِسْتِهْزَاءُ وَالتَّعْيِيرُ شَأْنُ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَالاِنْتِقَامُ يَكْمُنُ لَهُمْ مِثْلَ الأَسَدِ. 32 الشَّامِتُونَ بِسُقُوطِ الأَتْقِيَاءِ، يُصْطَادُونَ بِالشَّرَكِ، وَالْوَجَعُ يُفْنِيهِمْ قَبْلَ مَوْتِهِمْ. 33 الْحِقْدُ وَالْغَضَبُ كِلاَهُمَا رِجْسٌ، وَالرَّجُلُ الْخَاطِئُ مُتَمَسِّكٌ بِهِمَا.

 

من يلقي حجرًا في الهواء، فإنّما يلقيه على رأسه،

والضربة بالمكر تجرح الماكر [25].

ظن إبليس أنه قادر أن يتخلَّص من السيد المسيح بصلبه، ولم يُدرِك أنه بالصليب تحطَّم سلطان إبليس وكل قواته.

v الذين سلموا يسوع (للصلب) صاروا منسيين. رؤساء الكهنة لم يعد لهم وجود، ولم يأت بعدهم رؤساء كهنة. الكتبة الذين حكموا عليه بالموت، اظلمَّت عقولهم، وأُصيبت أذهانهم بالعمى، ولم يعودوا بعد قادرين أن يروا معنى النصوص المقدسة.

كل الذين أدانوا يسوع بالموت، سُلِّموا لعدو المسيح. الذين سخروا به هم بدورهم صاروا موضوع سخرية عندما أحاط الأعداء بأورشليم واقترب خرابها (لو 21: 20). الذين جلدوا يسوع هم أنفسهم جُلدوا واستمروا هكذا حتى يأتي زمان كمال الأمم (رو 11: 25).

بالحقيقة من يلقي حجرًا في الهواء يسقط على رأسه [25]. هذا كله حدث من أجل اهتمام الله بهم الذي لا يتوقَّف، ويصيرون من ضمن الذين يخلصون من الأمم مع البقية المختارة (رو 11: 5). حقًا لولا أن الله أبقى بقية لصاروا مثل سدوم وعمورة (إش 1: 9)[25].

العلامة أوريجينوس

v يحدث أحيانًا عندما يُوجَّه السهم نحو شيءٍ صقيلٍ يرتد على ضاربه، ويجرح من كان يود أن يجرح (الغير). بهذا تتحقق الكلمات: "من رمى حجرًا إلى فوق، فقد رماه على رأسه" [25][26].

 القديس جيروم

من يحفر حفرة سيسقط فيها،

ومن ينصب فخًا سيُمسَك به [26].

v مكتوب: "من يحفر حفرة يسقط فيها"، فإنهم وإن ربطوا أيادينا وأقدامنا (مثل الثلاثة فتية)، فالحب له سلطان أن يحلنا. لاحظوا هذه المعجزة. الذين ربطوهم حررتهم النار. كما لو أن بعض الأشخاص قد سُلِّموا لخدام أصدقائهم، وإذا بالخدم بسبب صداقة سادتهم، بدلًا من أن يؤذوهم تعاملوا معهم بكل رقةٍ. هكذا فعلت النار عندما علمت أن الثلاثة فتية هم أصدقاء، حطَّمت أغلالهم وحررتهم، وتركتهم يمشون وصارت النار ممرًا لهم، ساقطة تحت أقدامهم. بعدلٍ طُرِحوا في النار لمجد الله[27].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

من يصنع الشرور فعليه تنقلب،

ولا يشعر ما يصدمه[28] [27].

يُحكَى عن عبدٍ مسيحيٍ تقيٍ أن بقية العبيد في القصر أبغضوه، وخطَّطوا لقتله، فذهب أحدهم ووشى به لدى السيد الذي دَبَّر له مكيدة ليقتله. فقد أمره بالمضي باكرًا عند أناس خارج المدينة يشعلون نارًا ليحضر له منهم شيئًا وكان قد اتفق معهم على قتله بإلقائه في النار حالما يصلهم. أما العبد الطيب فسمع وهو في طريقه صباح ذلك اليوم ناقوس الكنيسة، فمضى إلى هناك على أن يقضي للسيد حاجته بعد القداس. أما الذي وشى به، ففي الصباح وبعد مرور بعض الوقت على خروج العبد المسيحي من القصر، فكر في أن يتمتع برؤية العبد المسيحي وهو في النار. فلما أقبل نحو النار هجم عليه الرجال، وأسرعوا بإلقائه في النار دون أن يتحققوا من شخصيته، ودون أن يسمعوا لاحتجاجه. ولما انتهى القداس وذهب العبد المسيحي نحو المكان الذي فيه العبيد وجد نارًا قد انطفأت ولم يجد أحدًا من الناس، فعاد ليعتذر للسيد الذي دُهِش برؤياه. وبعد أن أعياه التفكير وقف على حقيقة الأمر كله وأن المسألة لا تعدو كونها وشاية، وقد عوقب الواشي بأن مات عوضًا عن ذاك الذي وشى في حقه، وهكذا ردّ الله الشر على صاحبه[29].

التهكُّم والشتم يرجع إلى المتكبّر،

والانتقام يكمن له مثل أسدٍ [28].

الشامتون بسقوط الأتقياء يؤخذون في الفخّ،

والألم يفنيهم قبل موتهم [29].

يؤكِّد كثير من آباء الكنيسة مثل القديس مقاريوس الكبير أن الخطية تحمل فسادها فيها، فالشرير المُصَمِّم على شرِّه يهلك كثمرة طبيعية للشرّ محقق الفساد. لا يحتاج الشرير إلى من يردعه ويعاقبه، إنما ما يفعله يُقَدِّم له المرارة والموت! يشرب من ذات الكأس التي ملأها لنفسه، اللهم إلا إذا ألقى الكأس خلال تمتعه بالشركة مع مُخَلِّصه، وجهاده الجاد خلال الإرادة المقدسة في الرب.

v إن بقيت فيما يخص التراب، فستتحوَّل إليه في النهاية. يليق بك أن تتغيَّر، يجب أن تتحوَّل، يجب أن تصير سماويًا[30].

 العلامة أوريجينوس

الغضب والحقد كلاهما ممقوتان،

والإنسان الخاطئ يقتني كليهما [30].

v "الغضب يُدَمِّر حتى العاقل. الجواب اللين يصرف الغضب، والكلمة الموجعة تهيج السخط" (راجع أم 15: 1). بالتأكيد كل الأمور تعتمد على قرارنا، أن نثير الغضب أو أن نهدئ منه... "الجواب اللين يصرف الغضب"، أي طريقة الجواب في تواضع واضح وبدون قسوة[31].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

v قَدَّم لنا ربنا أغلب وصاياه بالإقناع أكثر من الأوامر. الأمطار الهادئة ترطب الأرض وتخترقها، أما المطر الشديد الغزارة فيفسد أسطح الأرض ويضغط عليها فلا يُمتصّ. "الكلام الموجع يهيج السخط" (أم 15: 1)، ويُسَبِّب أذية. عندما تفتح الكلمة القاسية بابًا يدخل الغضب، ويعقبه ضرر[32].

القديس مار إفرام السرياني

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي سيراخ 27

احفظني من فساد الخطية ومرارتها!

v وهبتني العقل والفكر لأَتعرَّف عليك وأُحبّك.

في غباوة نزلتُ بأفكاري إلى التراب. هب لي أن أترك التراب والرماد،

وأَتمتَّع باللقاء مع روحك القدوس، يكشف لي عن اعتزازي بك، يا أيها القدوس.

أرجع إليك كي تُقَدِّس أفكاري بك.

أرذل لذّة الخطية، ويلتهب قلبي شوقًا إلى الشركة معك.

لأعرف نفسي أنها ثمينة للغاية في عينيك!

v لتُغَربِل أعماقي بأتون التجارب.

تعيد تشكيلها وتردّ لي صورتك.

بنيران التجارب تهدم كل ما هو تراب فيَّ،

وتغرس صليبك في داخلي.

تُقِيم ملكوتك وتُحَطِّم كل ظلمة فيَّ!

v هب لي أن أنطلق نحو السماويات مع قديسيك.

نجتمع معًا كما تجتمع الطيور إلى أشكالها.

لا أخشى إبليس الذي يزأر كي يفترسني.

أحتمي بك أيها الأسد الخارج من سبط يهوذا.

ينكسر فخ الشيطان، وبك أنجو من شباكه!

v هب لي بنعمتك أن أنمو على الدوام،

أستنير بك يا شمس البرّ، وأنير دومًا.

لن أُعاني من التغيير المستمر كالقمر،

بل أصير بك نورًا للعالم!

أطيل المقام مع العقلاء، وأهرب من مجالس الحمقى!

تُقَدِّس فمي، فلا ينطق إلاَّ بالحق،

لا يعرف الكلمة الجارحة ولا الكلمة الرديئة!

لا أعرف مخاصمة المتكبرين ولا شتائمهم.

v لألتصق بك يا أيها الصديق العجيب.

بك أستر على ضعفات إخوتي،

وبك أسلك بأمانة، فلا أفشي أسرارهم.

v انزع عني ثوب الرياء المُخادِع،

وهب لي أن أرتدي برَّك يستر ضعفاتي!

لن ألقي حجرًا في الهواء، لئلا يسقط على رأسي.

ولا أحفر حفرة لأحدٍ، لئلا أسقط فيها.

لا أضمر شرًّا لأحدٍ، لئلا يحلّ بي!

لا أشمت بسقوط أحدٍ في الفخ، ولا أُسرّ بموت إنسانٍ شريرٍ!

بل ليستقر الحب في أحشائي، في قلبي وفكري.

لِيَجْرِ الحُبّ في دمي نحو كل البشر!

لأختبر عربون السماء، فلا أعرف الحقد ولا الغضب.

حَرّرني من كل خطية وحَرّر كل إخوتي،

فأختبر فرح الروح مع كل مؤمنٍ!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] عظة عن اعرف نفسك (اهتم بذاتك)، ترجمة ريمون يوسف.

[2] On Humility.

[3] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 111.

[4] On Mortality 13.

[5] Commentary on Romans, FOTC, vol. 104, p. 119-120.

[6] Against Jovianianus, Book 2: 3.

[7] St. Augustine: Treatises on Various Subjects, FOTC, vol. 16, p. 439-441.

[8] On Genesis, FOTC, vol. 84, p. 131-132.

[9] City of God 7-22, FOTC, vol. 24, p. 400-401.

[10] Our Lord's Sermon on the Mount, 2:9:32.

[11] Rufinus: The Blessings of the Patriarchs, 2: 20.

[12] Sermon 91: 4.

[13] Catechetical Lect. 5: 4.

[14] Commentary on Matthew 13: 4.

[15] St. Augustine: Exposition on Ps 73: 19.

[16] Letters, Vol. 1, p. 260-293.

[17] The Hexamaeron, homily 6: 10.

[18] Exegetic Homilies, FOTC, vol. 46, p. 99-101.

[19] Hexameron, FOTC, vo. 42, p. 154-155.

[20] Letters, FOTC, vol. 26, p. 286-287.

[21] Jacob and the Happy Life, 2:3:11.

[22] Homilies, of St. Jerome, FOTC, vol. 1, p. 51-52.

[23] Seven Exegetical Works, FOTC, vol. 65, p. 17-22.

[24] Commentary on Luke, homily 135.

[25] Commentary on Matthew 16: 3.

[26] Letter 125: 19

[27] On Titus, Homily 6.

[28] بحسب NRSV: ولا يشعر من أين يأتي (الشر).

[29] الأنبا مكاريوس.

[30] Homilies on Genesis, 9.

[31] Commentary on the Proverbs of Solomon, Fragment 15: 1.

[32] Homily on Our Lord, 22: 3.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh/Tafseer-Sefr-Yasho3-Ibn-Sira5__01-Chapter-27.html

تقصير الرابط:
tak.la/ana2k42