← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28
الأصحاح التاسع عشر
خُتِم الأصحاح السابق بمقدمة عن النفس العاقلة وضبطها من جهة الشهوات والترفه والنهم...
قد يظن الإنسان أنه يُمارِس ضبط النفس، سالكًا بتعقُّلٍ، لأنه لا يسقط في الزنا ولا السرقة ولا الغضب ولا الكراهية ولا الأفكار الشريرة إلخ. غير أن ابن سيراخ يوضح جوانب يتجاهلها كثيرون، أو يحسبون أنها تافهة لا تفسد أعماقهم، وبالتالي لا تقف عائقًا عن خلاصهم. أبرز ابن سيراخ الآتي:
1. يتجاهل البعض ما يُسَمُّونه بالصغائر، مثل الكذب الأبيض أو المزاح أو الاستخفاف بالغير بحجة أنه نوع من التسلية أو المزاح أو اللهو. ويُظهر الوالدان فرحهما بطفلهما أنه بدأ يتكلم ولو كان ينطق بكلمة غير لائقة. لذا يُطالِبنا ابن سيراخ بالتدقيق في الأمور الكبيرة والصغيرة [1- 5].
2. التهاون في شُرْب الخمر، خاصة في أيام الأعياد، بكونه تعبيرًا عن الفرح، مما قد يصل الإنسان إلى حالة من السُكْرِ [1]. وأحيانًا يظن الشخص أنه يمارس السخاء وكرم الضيافة بالضغط على الضيف أن يشرب خمرًا.
3. السلوك بدالة وفي تسيُّبٍ مع الجنس الآخر تحت ستار المحبة البريئة [2]. ومعاشرة زانية أو زانٍ بدعوة أنه لا يتأثَّر بمعاشرة الزناة [2].
4. التسرُّع في الثقة بالآخرين بغير فحصٍ ودراسة والتأكُّد من شخصية من يتعامل معه [4].
5. من يفرح بالإثم الذي يرتكبه هو أو غيره، وكأن الطهارة أو العفة أمور لا وزن لها في فكره [4].
6. كثرة الكلام بلا ضابط [6] ونقل ما يسمعه للآخرين [7]، فيصير أمًا ولودًا تلد كلامًا أحمق [11].
7. عدم التدقيق في الصمت كما في الكلمة التي ينطق بها، إذ يليق بكلاهما أن يتقدَّسا [12].
8. التسرُّع في الغضب على إنسانٍ ما، بناء على كلمة نقلها أحد إليك [13- 17].
9. الاهتمام بالمعرفة النظرية، دون ترجمتها في حياته العملية [20- 22].
10. الحُكْم على شخص من تصرُّفاته الظاهرة، وقد تكون مخادعة [22- 23].
11. مع اهتمامنا بالحياة الداخلية نراعي ترجمتها خلال كل مظاهر حياتنا [26- 27].
[1 -5] (ت: 1-5) |
||||
[6 - 12] (ت: 6-12) |
||||
[13 - 17] (ت: 13-17) |
||||
[18 -27] (ت: 18-27) |
||||
* من وحي سيراخ 19: أعماقي تصرخ إليك: قَدِّسني إلى التمام! |
1 الْعَامِلُ الشِّرِّيبُ لاَ يَسْتَغْنِي، وَالَّذِي يَحْتَقِرُ الْيَسِيرَ يَسْقُطُ شَيْئًا فَشَيْئًا. 2 الْخَمْرُ وَالنِّسَاءُ تَجْعَلاَنِ الْعُقَلاَءَ أَهْلَ رِدَّةٍ. 3 وَالَّذِي يُخَالِطُ الزَّوَانِي يَزْدَادُ وَقَاحَةً. السُّوسُ وَالدُّودُ يَرِثَانِهِ، وَالنَّفْسُ الْوَقِحَةُ تُسْتَأْصَلُ. 4 مَنْ أَسْرَعَ إِلَى التَّصْدِيقِ فَهُوَ خَفِيفُ الْعَقْلِ، وَمَنْ خَطِئَ فَهُوَ مُجْرِمٌ عَلَى نَفْسِهِ. 5 الَّذِي يَتَلَذَّذُ بِالإِثْمِ يَلْحَقُهُ الْوَصْمُ، وَالَّذِي يَكْرَهُ التَّكَلُّمَ يُقَلِّلُ الذُّنُوبَ.
يبدأ بالتهاون في شرب الخمر، بينما تؤكد التجربة العملية أن حياة السكير مملوءة بؤسًا، والتهاون في الأمور الجسدية (الجنسية) غير اللائقة مأساوية، ومعاشرة الزناة تفسد حياته. التهاون في هذه الأمور يسبب خسائر مادية وتضليلًا للعقل، وفقدان السمعة، وفساد الجسد، وطياشة النفس، والسقوط تحت الدينونة. هذا كله يدعونا إلى ضبط النفس بطريقة صحية.
العامل السكير لا يصير غنيًا،
والذي يحتقر الأمور الصغيرة يسقط شيئًا فشيئًا [1].
يقول الرسول: "لا تكن في ما بعد شراب ماء، بل استعمل خمرًا قليلًا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (1 تي 5: 23). كان الخمر مسموحًا به في أقل الحدود كدواءٍ، وفي بعض المناطق الباردة من أجل البرد القارص.
يقول العلامة ترتليان إن تيموثاوس [كان ممتنعًا عن الخمر ليس عن قانون، وإنما بسبب تكريسه.] فالخمر في ذاتها ليست مُحرَّمة بقانون، لكنها غير لائقة خاصة بالنسبة للمُكرَّسين لخدمة الرب. ويرى القديس إكليمنضس السكندري أن تيموثاوس استخدم الخمر كمقوٍ يناسب جسده المريض الخائر، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. أما تأكيد استخدام "القليل" منه فخشية أن ينسى المرضى بكثرة الخمر[1].
كان البعض يستخدمه كمشروبٍ للضيافة وفي أضيق الحدود لئلا يعتاد الأطفال عليه وبدون حدودٍ، إلاّ أن الكنيسة فضَّلت منع تعاطيه، لاسيما وأن الامتناع عنه لا يُمَثِّل ضررًا على الإنسان، في حين أن تعاطيه قد يتسبَّب في إدمانه، ومشكلة الخمر أنه عندما يصل بالشارب إلى حدّ السكر، يتحوَّل إلى شخصٍ آخر يفتقر إلى الوقار والاتزان والشعور بالمسئولية، بل وعدم الشعور بخطورة السُكْرِ. إنه يُفقِد الإنسان سترته، ويُعَرِّيه حتى أمام بنيه، كما حدث مع نوح (تك 9: 21). يقول القديس چيروم: [لا يجوز لأحد أن يقول بأن السكر ليس بخطية، نقرأ عن نوح أنه سكر مرة، ولكن الله يُحَذِّرنا من أن نظن فيه أنه سكير ومدمن للخمر[2].] كما يقول: [ساعة واحدة سكر فيها عرّت (نوحًا) الذي ظل مستترًا طوال ستمائة عام بالوقار[3].] كما يقول: [بعد سكره تعرَّى جسده، فإن تدليل النفس يؤدِّي في النهاية إلى السقوط في الشهوة، فالبطن تتخم أولًا وعندئذ تثور الأعضاء[4].] ويقول القديس أمبروسيوس: [يا لسلطان الخمر! فقد جعلت ذاك الذي لم تغلبه مياه الطوفان أن يصير عاريًا![5]]
v كان الرهبان يحتفلون بأحد الأعياد في الإسقيط، وأعطوا أحد الشيوخ كأسًا من الخمر، فرفضها قائلًا: "ابعدوا هذا الموت عني". فلما رأى الآخرون الذين كانوا يأكلون معه ما فعله، رفضوا هم أيضًا أن يأخذوا من الخمر[6].
فردوس الآباء
شهوة السُكْرِ تجعل الإنسان عاجزًا حتى على شراء الطعام اللازم. يقول الحكيم إن الخمر والنساء المستهترات يجعلون الشخص مقهورًا (أم 23: 31-33).
من يضبط نفسه لا يُبَدِّد أمواله في السُكْرِ، ولا يتهاون حتى في الأمور الصغيرة. يقول القديس أغسطينوس: "الأمانة في الأمور الصغيرة ليست بالأمر الصغير". يرى القديس أغسطينوس أن ربنا يسوع كثيرًا ما يعلن "اسهروا" (مت 24: 42؛ 25: 13؛ 26: 38، 41؛ مر 13: 37)، كما يقول: "سيروا ما دام لكم النور، لئلا يدرككم الظلام" (يو 12: 35)، إذ يمنعنا من الاقتراب التدريجي للحية التي تبث الشرّ فينا[7].
v ليتنا لا نستهين بخطايانا لأنها ضئيلة، بل نخشاها لأنها كثيرة. قطرات المطر صغيرة، لكن لأنها كثيرة يمكن أن تهز جبالًا[8].
v كما أن المياه المتجمعة في بطن السفينة والتي ترتفع تدريجيًا وبصورة لا نشعر بها يكون لها نفس المفعول كما لو كانت سفينة في وسط الإعصار. كذلك أيضًا تكون الالتهابات صغيرة عندما تظهر البثور منثورة على أعضاء الجسد، ولكن عندما تنتشر ولا يمكن إحصائها، قد تُدَمِّر الحياة كما لو كانت جرحًا واحدًا كبيرًا وخطيرًا يؤلم الصدر. لذلك نقرأ المكتوب: "العامل السكير لا يصير غنيًا والذي يحتقر اليسير يسقط شيئًا فشيئًا". الذين يهملون الحزن والتوبة ولا يتجنَّبون الخطايا الصغيرة، لا يسقطون فقط من حالة البرّ، بل ينحدرون قليلًا قليلًا وبعيدًا حتى السقوط التام.
v الذين يتعدُّون على الدوام بخطايا صغيرة، عليهم أن يفكروا جيدًا أنه في بعض الأحيان يتم ارتكاب الخطايا الأسوأ في الأمور الصغيرة أكثر منها في أمورٍ أكبر. إننا نتعرَّف على الخطايا الأكبر بأكثر سرعة، وهكذا يمكن الشفاء منها بسرعة أكثر. بينما الخطايا الأصغر لا نتطلَّع إليها بل ولا نعتبرها خطايا. وهكذا تنمو وتصير أسوأ، إذ نبدي اهتمامًا قليلًا عند ارتكابها. كذلك يحدث دومًا أنه عندما تعتاد النفس على هذه الصغائر، لا تعود تهاب الكبيرة منها[9].
v أضاف (القديس زوسيما): قال القديس أغناطيوس حامل الإله: إنني في حاجة إلى الوداعة التي بها أهدم كل قوة رئيس هذا الدهر. إنّ علامة رفضنا للعالم هو ألاّ نضطرب لشيءٍ فيما بعد. فقد يحدث أنه بعد أن يترك الإنسان الملايين يرتبط بإبرة صغيرة ارتباطًا مريضًا، حتى أنه يضطرب من أجلها. فالإبرة قامت مقام الملايين، وهكذا يصير عبدًا لهذه الإبرة أو للقلنسوة أو لرداءٍ أو لكتابٍ، فلا يعود بعد عبدًا لله![10]
فردوس الآباء
الخمر والنساء تُضلل العقلاء،
والذي يُعاشِر الزناة يزداد طياشةً [2].
v يظهر مدى شرّ السُكْرِ بوضوح في حالة لوط وبنتيه. فعندما سكر بالخمر نام مع بنتيه ولم يبالِ بذلك. فرعون أيضًا إذ كان مخمورًا علَّق الخباز على صليب.
أضف إلى ذلك الشعب اليهودي، نقرأ عنه: "جلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب" (خر 32: 6). لقد شربوا خمرًا بكثرة، وبعد ذلك طلبوا صنع أصنام وفي تكريمهم لهذه الأصنام بدأوا يرقصون، يثنون أطرافهم في حالة هياج بحركات من كل نوعٍ. أيضًا هيرودس، إذ صار محمومًا من الخمر الكثير، أمر بقتل القديس يوحنا المعمدان مكافأة لرقصة واحدة قامت بها فتاة[11].
العفن والدود يرثانه،
ونفسه الطائشة تُستأصل [3].
v يُفهَم من الزنا جميع الشهوات الجسدية والحيوانية. فالكتاب المقدس يتحدث عن عبادة الأوثان كزنا، ويدعو الرسول بولس الطمع عبادة أوثان وبالتالي يكون زنا. إذن كل شهوة شريرة تُدعَى بحق زنًا، لأن الروح تفسد بتركها الشريعة السامية التي تحكمها، وتبيع شرفها بشهوة دنيئة لا تتناسب مع سمو الروح[12]!
v بطلت عادة الزواج من الأخوات منذ وقت إبراهيم. وبطل إقامة عقد زواج من زوجات عديدات منذ أيام الأنبياء. وكما نقرأ: "لا تتبع أهواءك، بل اكبح شهواتك" (8: 30). وفي موضع آخر: "ليكن ينبوعك مباركًا وأفرح بامرأة شبابك" (أم 5: 18)، إذ تمنع بوضوح تعدد الزوجات. وبوضوح يعطي إرميا اسم حصنًا معلوفة على الذين يشتهون نساء أخريات[13].
الأب ميثوديوس
v قبل كل شيء يليق بالراهب أيضًا أن يمتنع عن مجالس النساء وشرب الخمر، لأن الخمر والنساء تضلل حتى الحكماء (راجع سي 19: 2)[14]
من يُسرِع في الثقة، فهو غير حكيم في القلب،
ومن يخطئ فهو مجرم إلى نفسه [4].
v قلبي يتهلل بك يا ابني العزيز، الذي يحرسك هو الله الأبدي والرب يسوع المسيح! لا تُصَدِّق كل الناس، ولا تضع تقتك في الجميع، ولا تدع أحد يتفوَّق بالمجاملة والإطراء. يوجد كثيرون يخدمون الشيطان، "من تسرَّع في الثقة، فهو خفيف العقل..." (راجع سي 19: 4)[15].
القديس أغناطيوس الأنطاكي
من يفرح بالإثم يُدَان [5].
6 الَّذِي يَخْطَأْ إِلَى نَفْسِهِ يَنْدَمُ، وَالَّذِي يَتَلَذَّذُ بِالشَّرِّ يَلْحَقُهُ الْوَصْمُ. 7 لاَ تَنْقُلْ كَلاَمَ السُّوءِ، فَلَسْتَ بِخَاسِرٍ شَيْئًا. 8 لاَ تُطْلِعْ عَلَى سِرِّكَ صَدِيقَكَ وَلاَ عَدُوَّكَ، وَلاَ تَكْشِفْ مَا فِي نَفْسِكَ لأَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيكَ خَطِيئَةٌ. 9 فَإِنَّهُ يَسْمَعُكَ ثُمَّ يَرْصُدُكَ، وَيَصِيرُ يَوْمًا عَدُوًّا لَكَ. 10 إِنْ سَمِعْتَ كَلاَمًا فَلْيَمُتْ عِنْدَكَ. ثِقْ فَإِنَّهُ لاَ يَشُقُّكَ. 11 الأَحْمَقُ يَمْخَضُ بِالْكَلِمَةِ مَخَاضَ الْوَالِدَةِ بِالْجَنِينِ. 12 الْكَلِمَةُ فِي جَوْفِ الأَحْمَقِ كَنَبْلٍ مَغْرُوزٍ فِي فَخْذٍ لَحِيمَةٍ.
يُحَذِّر القديس مار يعقوب السروجي النساء كما الرجال من الثرثرة في الكنيسة المُقَدَّسة. ضبط اللسان يتطلَّب عدم الثرثرة، وعدم نقل الكلام لأي إنسانٍ مهما كان صديقًا لك، والالتزام بالحيطة والتحفظ. الاستخدام اللائق باللسان يتجلَّى في الآتي:
1. تحاشي الثرثرة، يحفظنا من الشر.
2. الحذر من نقل ما نسمعه للغير، إلا إن كان في الصمت ضررًا وخسارة وظلمًا لإنسانٍ!
3. لتكن أعماقنا أشبه بمقبرة ندفن فيها ما نسمعه؛ لئلا نتمخض بكلمة تصير جنينًا للشرِّ.
v صادفني العالم وهو حامل الويلات ليوزِّعها لي. ربِّي، لا آخذ من عطيته المملوءة مضرات.
في العالم التقتني الثرثرة والضجة مع الشتائم؛ أعطني كلمتك لأجد في صُحْبَتِها الهدوء.
إنه بحر ثان، وها هو يُقلِقُني بعواصفه. يا ميناء الحياة، أعطني الراحة في موضعك النقي.
العالم حمأة، ومن ينزل إليه يُنَتِّن نفسه. ربِّي، بتعليمك اغسلني لأنني مُدَنَّس بالعالم[16].
v الفريسي الذي كان بارًا حسب الناموس جمُلَ في عيني نفسه، ووقف ليذكر حسناته.
نظر إلى العشار الذي صعد أيضًا ليُصَلِّي، واحتقره ورذله، ووجَّه إليه كلامًا ساخرًا.
شكر الرب بروح مملوء ثرثرة، وقارن نفسه بالعشار، ووجد أنه أعظم منه.
قال: اللهم أشكرك لأنني لا أُشبه هذا العشار، لأنه نسي أنها كانت صلاة (لو 18: 11)[17].
v تجلس النساء في هيكل الصلوات المقدس (الكنيسة)، وفمهن مفغور بالكلام الزائد.
يصرخ الأنبياء ليُعَلِّموا الأرض الصالحات، وهن يثرثرن بأخبار باطلة غير حسنة.
يعمي الشيطان نفسُه عيون البشر، وفي كل الفرص يحاول أن يقتلهم.
وجد المارد بأن كل واحدٍ يهمس بهدوء في الصلوات بينه وبين الرب،
وبدل مسيرة الصلوات وضع همسات الأخبار الباطلة في فم النساء.
أيتها الشقية اهمسي في الصلاة، واكشفي جرحَك للطبيب الخفي، الذي يضمد الجرح ولا يفضحه... يريد الشرير أن يُعَكِّر بالثرثرة هذا العمل الذي يُضَمِّد جراحات جميع الخطاة.
يجعل المرء يثرثر مع قريبه في الهيكل المُقَدَّس ليسرد أخبارًا باطلة بدون فائدة.
يجمع الشيطان ويجلب بعض الكلمات من الفضلات التي تركتها الضلالة في البشر.
يُذَكِّرك بكلمات كنتَ قد نسيتَها قبل أن تدخل حتى تنطقها في وقت الصلوات[18].
يرى مار يعقوب السروجي لسان المؤمن المقدس أُمًّا ولودًا، لا يلد ثرثرة بل تسابيح لله خالق:
1. لا يكفّ عن إنجاب تسابيح جديدة، لا من جهة الألفاظ، بل من جهة سمتها كتسبحة حبٍّ لا يَقدُم.
2. كانت الصخرة التي تابعت الشعب في البرية تفيض عليهم بمياهٍ جارية حيَّة، هكذا يلد اللسان المُقَدَّس أنهار مياه حيّة.
3. لا يليق بلسان المؤمن أن يكون كالعبد الكسلان الذي أخفى فضة سيده في التراب، ولم يُتاجِرْ بها، فلم تربحْ (مت 25: 14-30).
4. إن توقَّف اللسان عن التسبيح، فإن الله يدعو الحجارة أن تُسَبِّحَه، كما حدث يوم صلبه حيث توقَّف البشر عن التسبيح، فانطلقت الشمس والقمر والأرض والصخور والقبور تسبحه، كل منها بلغتها الخاصة بها.
والذي يكره الثرثرة تَقِلّ خطيته [6].
لم يخلق الله اللسان للثرثرة، بل لنضعه بين يديه فيُقَدِّسه، ويجعل منه قيثارة روحية يعزف عليها روحه القدوس سيمفونية حُبّ مُفرِحة. الله مهتم بلسان الإنسان، يُقَدِّم له حراسة سماوية، ولكن ليس قسرًا، بل بناءً على طلب الإنسان.
v البشر مخلوقون ليُسَبِّحوا كثيرًا، ولعلهم يذكرون التسبيح كل يومٍ بفيضٍ! الشمس النيِّرة ليست نيّرة لنفسها أو تسير لنفسها، لكن لها نورًا لتُنِيَر البشر.
ولأجلهم صارت النيرات (الكواكب) في الغلاف الجوي، وينتفع (البشر المستنيرون) بالأيام والليالي.
للبشر يوجد التمييز والمعرفة والكلمة والصوت، ليعطوا التسبيح للعلي في موضعه.
فم الإنسان متقن، كأنما لتسبيح الرب، ومن يتوقَّف عن التسبيح يصير ناكرًا (للجميل).
ولهذا لك الفم لتُسَبِّح به وتشكر به وتهلل به وتبارك به.
سَبِّح، لأن لك الكلمة المُسَبِّحة، وهَلِّلْ، لأن لك الصوت المملوء أنغامًا.
اشكرْ، لأن لك الذهن والتمييز، وبارك، لأنك صرتَ إناء ناطقًا وغير صامتٍ.
لم تكن شيئًا، وجَعَلَتَك المراحم شيئًا عظيمًا... فاشكرْ بعجبٍ، لماذا أنت ساكت؟
ادخلْ إلى ذاتك وانظر إلى شخصك في داخلك، ففيك توجد كل عجائب القدرة الخالقة[19].
v ربِّي ليفرح بك الفم الحقير الذي يُهَلِّلُ لك، واللسان الذي يُنشِدُ تسبيحك وهو لا يستحق.
ربِّي، ليفرح بك المتكلم أيضًا والسامعون، لأنك أبهجتهم بميلادك، لك التسبيح[20].
v صنع له فمًا يُسَبِّح الربَّ ربَّه، وبه يتناول الأطعمة لكل جسده[21].
لا تُكَرِّر أبدًا كلمة،
فلا تكون خاسرًا قط [7].
لا تُخبِر بها صديقًا أو عدوًا،
ولا تكشفها ما لم تخطئ إن كتمتها [8].
قد يسمعك أحد ويحترس منك،
ويبغضك إذا حان الوقت [9].
هل سمعت كلمة؟ فلتمت عندك.
تشجَّع! فإنها لن تجعلك تنفجر [10].
v سمعت كلمة من إنسانٍ وهو في حالة غضبٍ، متألم وممتعض؛ دع الكلمة تموت فيك. لماذا تُكَرِّرها؟ لماذا تُعلِنها؟ إنها لا تُمَزِّقك إن تركتها في داخلك. على أي الأحوال، تكلَّم مع صديقك الذي يريد أن يجعلك عدوًا لصديق آخر لك. تكلم معه وعالجه بدواءٍ مسكنٍّ مثل نفس مريضة.
قل له: لماذا تريدني أن أصير عدوًا لذاك الإنسان؟ قد يجيبك: إنه عدوي!
قل له: أتريدني أن أكون عدوًا لعدوك؟ إنني أريد أن أكون عدوًا لخطيتك. الذي تريدني أن أكون عدوه هو إنسان. يوجد عدو لكما أنتما الاثنان وينبغي أن أكون عدوًا له إن كنتُ صديقًا لك.
يجيبك: من هو هذا العدو الآخر الذي لي؟
- إنه شرُّك.
- وما هو شرِّي؟
- البغضة التي بها تكره صديقك.
بهذا كن طبيبًا. فالطبيب لا يحب المريض ما لم يكره مرضه. إنه يحارب ضد الحمى ليحرر المريض منها. لا تحب رذائل أصدقائك إن كنت تحبهم[22].
v لست أعرف من أين سقط هذا المرض على البشر. صرنا ثرثارين، لا نُبقِي شيئًا في ذهننا. اسمع نصيحة حكيم، قائلًا: "هل سمعت كلامًا؟ ليمت عندك، وتشدَّد. فإنه لن يجعلك تنفجر" (راجع سي 19: 10) مرة أخرى: "أمام كلمة يتمخض الأحمق، كما تتمخض الوالدة بالجنين" (راجع سي 19: 11). إننا مستعدون لنصبّ اتهامات، ومهيؤون للإدانة. فإنه وإن لم نرتكب شيئًا شريرًا آخر، هذا يكفي لتدميرنا، ويحملنا إلى جهنم، ويشغلنا بربوات الشرور. ولكي تعرف هذا بالتأكيد، اسمع ما يقوله النبي: "تجلس تتكلم على أخيك" (مز 50: 20).
أمام كلمة كهذه يتمخَّض الأحمق،
كما تتمخَّض الوالدة بطفلٍ [11].
كالسهم المغروز في لحم الفخذ،
هكذا الكلمة في جوف الغبي [12].
v الإنسان بجسده قابل للموت، أما بذهنه وكلمته فهو خالد.
في الصمت ترى عقلك، ولكن عندما تستخدم عقلك، فإنك تتكلم في داخل نفسك. لأنه أثناء الصمت يلد العقل الكلمة، وكلمة الشكر التي تقدم لله هي خلاص الإنسان[23].
v من يتكلم بغباء ليس له عقل، إذ يتكلم دون أن يفكر في كل الأمور. لذلك امتحن ما هو مفيد لك، لأجل خلاص نفسك، لكي تفعله[24].
v الكلمة العاقلة التي تفيد النفس هي عطية من قبل الله، أما الكلمة الفارغة التي تبحث في مُجَرَّد مقاييس السماء والأرض، والبعد بينهما، وأحجام الشمس والنجوم، فإن الذين يعملون في ذلك... يكونون كمن يُخرِجون الماء بمنخل، لأن البشر لا يقدرون أن يكتشفوا (كل) هذا[25].
13 عَاتِبْ صَدِيقَكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ فَلاَ يَعُودُ يَفْعَلُ. 14 عَاتِبْ صَدِيقَكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقُلْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ فَلاَ يُكَرِّرُ الْقَوْلَ. 15 عَاتِبْ صَدِيقَكَ فَإِنَّ النَّمِيمَةَ كَثِيرَةٌ. 16 وَلاَ تُصَدِّقْ كُلَّ كَلاَمٍ، فَرُبَّ زَالٍّ لَيْسَتْ زَلَّتُهُ مِنْ قَلْبِهِ. 17 وَمَنِ الَّذِي لَمْ يَخْطَأْ بِلِسَانِهِ. عَاتِبْ قَرِيبَكَ قَبْلَ أَنْ تُهَدِّدَهُ.
عند سماعك أن شخصًا يتحدث عنك بشيء ردي، يُستحسن الحديث معه مباشرة في محبةٍ ووداعةٍ، مع عدم الحديث مع الآخرين عما سمعته.
اسأل صديقك، فلعله لم يفعل شيئًا،
وإن كان قد فعله قد لا يعود يفعله [13].
يحثنا ابن سيراخ على الدقة في فحص الأمور. بروح المحبة والحكمة إن سمع عن صديقٍ له أو جارٍ تحدث عنه شرًا، عليه أن يفحص الأمر بدون انفعال. بحكمة يتحدث مع الصديق أو الجار حتى لا يكرر ذلك بخصوص أي شخصٍ آخر. ليسلك دائمًا حسب شريعة العليّ [17].
اسأل جارك لعلَّه لم يقل شيئًا،
وإن كان قد قال، ربما لا يُكرِّر القول [14].
اسأل صديقك، فغالبًا ما تكون افتراءً،
ولا تُصَدِّق كل كلمة (سمعتها) [15].
v إن كان أحد يتهم شخصًا أنه أساء إليه، ليته لا يحتفظ بذلك في ذهنه، سواء كان ذلك ضد قريبه أو ضدنا نحن. إنني أطلب منك إحسانًا، أن تأتي إلينا، وتقدم الاتهام وتتقبَّل منا الدفاع عن أنفسنا. قيل: "اسأله لئلا يكون ما سمعته عنه لم يقله. اسأله لئلا يكون لم يفعل (ما تتهمه به). وإن كان قد فعله فلا يعود يكرر ذلك". فإننا إما أن ندافع عن أنفسنا أو إن كنا مخطئين نعتذر ونسعى ألاَّ نسقط في ذات الأخطاء. هذا لنفعك ولنفعنا، لأنك ربما اتهمتنا بلا سببٍ، وعندما تعرف حقيقة الأمر تُصَحِّح ما ظننته؛ ونحن إن كنا قد أسأنا إليك بغير معرفةٍ نُصلح من شأننا[26].
v "أَنزِل وأَرَى هل فعلوا بالتمام حسب صراخكها الآتي إليّ وإلا فأَعلَمُ" (راجع تك 18: 21). ما يقوله الأب هو هذا: "جاءني تقرير لكنني أريد مرة أخرى أن أختبر هذه الإشاعة بأكثر دقةٍ على ضوء الوقائع. لست أفعل هذا لأنني لا أعلم إن كنت أفعل ذلك، لأنني أريد أن أعلّم البشر ألاَّ يهتموا بالكلام وحده، ولا أن يصدقوها بإهمال إن نطق بها أحد ضد آخر". يليق بالبشر أن يصدقوا ما يسمعونه وذلك بعد أن يقوموا بفحصٍ دقيقٍ، ويجدوا البرهان على ضوء الحقائق. هذا هو السبب أن الله قال في موضع آخر: "لا تصدق ما يُقال" (راجع سي 19: 15). لأنه ليس شيء يخرّب حياة البشر مثل تصديقه لكل ما يقوله الناس[27].
قد يزلّ إنسان بغير عمدٍ،
فمن الذي لا يخطئ بلسانه؟ [16]
اسأل جارك قبل أن تُهدِّده،
ودع شريعة العليّ تأخذ مجراها [17].
v نقرأ في الأسفار المقدسة أيها الأعزاء المحبوبين أن المشورة الصالحة تحفظ أولئك الذين هم تواقين إلى خلاص نفوسهم، كما تقول الكلمة الإلهية: "المشورة المقدسة تحفظك" إن كانت المشورة المقدسة تحفظ نفسًا، فإن المشورة غير المقدسة ليس فقط تفشل في حفظها بل وتقتلها[28].
18 وَأَبْقِ مَكَانًا لِشَرِيعَةِ الْعَلِيِّ. كُلُّ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَفِي كُلِّ حِكْمَةٍ الْعَمَلُ بِالشَّرِيعَةِ. 19 لَيْسَتِ الْحِكْمَةُ عِلْمَ الشَّرِّ، وَحَيْثُ تَكُونُ مَشُورَةُ الْخَطَأَةِ، فَلَيْسَتْ هُنَاكَ الْفِطْنَةُ. 20 فَإِنَّ مِنَ الشَّرِّ مَا هُوَ رِجْسٌ، وَمِنَ الْجُهَّالِ مَنْ نَقَصَ حَظُّهُ مِنَ الْحِكْمَةِ. 21 نَاقِصُ الْعَقْلِ وَهُوَ تَقِيٌّ، خَيْرٌ مِنْ وَافِرِ الْفِطْنَةِ وَهُوَ يَتَعَدَّى الشَّرِيعَةَ. 22 رُبَّ دَهَاءٍ يَكُونُ مُحْكَمًا، وَهُوَ جَائِرٌ. 23 وَرُبَّ رَجُلٍ يَهْدِمُ الْمَحَبَّةَ، لِيُبْدِيَ الْعَدْلَ. رُبَّ شِرِّيرٍ يَمْشِي مُكِبًّا فِي الْحِدَادِ، وَبَوَاطِنُهُ مَمْلُوءَةٌ مَكْرًا. 24 يُكِبُّ بِوَجْهِهِ وَيُصِمُّ إِحْدَى أُذُنَيْهِ، وَحِينَ لاَ تَشْعُرُ يُفَاجِئُكَ. 25 وَإِنْ مَنَعَهُ الْعَجْزُ مِنَ الإِسَاءَةِ، فَإِذَا صَادَفَ فُرْصَةً فَعَلَ. 26 مِنْ مَنْظَرِهِ يُعْرَفُ الرَّجُلُ، وَمِنِ اسْتِقْبَالِ الْوَجْهِ يُعْرَفُ الْعَاقِلُ. 27 لِبْسَةُ الرَّجُلِ، وَضِحْكَةُ الأَسْنَانِ، وَمِشْيَةُ الإِنْسَانِ، تُخْبِرُ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ.
في شيءٍ من الاستفاضة يُحَذِّرنا ابن سيراخ من المظاهر المُزيّفة للحكمة بكونها نوع من الدهاء تعمل في خدمة الظلم والشرّ تحت ستار مظاهر خادعة. إنها لا تُمارَس بمخافة الربّ، ولا تهتم بحفظ ناموس الرب عمليًا وبجدية من أعماق القلب.
كل الحكمة هي مخافة الربّ،
وفي كل حكمة إتمام الناموس [18].
لا تقف الحكمة عند مجرد إرشاد الخطاة. فالإنسان الحكيم يلتزم بحفظ ناموس الرب ويسلك بخوف الربّ.
ليست الحكمة هي معرفة الشرِّ،
وليس التمييز في مشورة الخطاة [19].
v المملوئون شرًا وقد أسكرهم الجهل لا يعرفون الله، إذ هم ليسوا سامين في الروح. أما الله فلا يُعرَف إلا بالذهن (أي بسمو فهمنا الروحي)، ومع إنه غير منظور، لكنه يُدرَك بوضوح في المنظورات، مثل الروح التي تظهر في الجسد. وكما أن الجسد لا يقدر أن يعيش بدون الروح، هكذا لا يمكن لشيء منظور وموجود أن يثبت بدون الله[29].
يوجد ذكاء رجس،
ويوجد غبي تعوزه الحكمة [20].
خير أن يكون الإنسان جاهلًا لكنه يحفظ نفسه من الخطية، عن أن يكون صاحب معرفة ويسيء استخدامها
الإنسان الخائف (الله) وينقصه الفهم
خير من وافر الفطنة وهو يتعدَّى الشريعة [21].
ورُبَّ مهارة مُحكمة وهي ظالمة،
ورُبَّ رجل يخدع ليثبت حقه [22].
رُبَّ صانع شرٍ يسير منحنيًا في حزنٍ،
وباطنه مملوء خداعًا [23].
يحجب وجهه ويتظاهر أنه أصم،
وحين لا يشعر به أحد يتغلَّب عليك [24].
وإن مُنِع عن الخطأ لأنه يفتقر إلى القوة،
يصنع الشر فيما بعد متى حانت له الفرصة [25].
v كثيرون لهم مظهر التواضع، لكن ليس لديهم الفضيلة. كثيرون يُقَدِّمون المظهر من الخارج، أما في داخلهم فيحاربون ضدّها. يقومون بعمل تمثيلية للتواضع، لكنهم يرفضون الحق، لأنه "رُب شخص يسير منحنيًا تحت وطأة الشرّ، وباطنه مملوء مكرًا" (راجع سي 19: 23). مثل هذا الشخص بعيد كل البعد عن التواضع[30].
حقًا يليق بنا أن نُرَكِّز على حياتنا الداخلية، لأنها تنعكس على سلوكنا الظاهر. وفي نفس الوقت لا نتجاهل المظهر الخارجي، إذ يمكن أيضًا أن يكشف عن الحكمة الداخلية.
من مظهره يُعرَف الإنسان،
ومن ملامح وجهه يُعرَف العاقل عندما تقابله [26].
لباس الإنسان وطريقة ضحكه ومشيه تشير إلى من هو [27].
الجديّة مع اللطف في كل المظاهر والملبس والتحرُّكات حتى طريقة المشي والضحك تكشف عن شخصية الإنسان. فلا يليق بالإنسان الحكيم أن يسلك مثل الشخص المهرج أو المازح.
لا يحتاج المؤمن الحقيقي أن يشهد له أحد عن تقواه وسلوكه في المسيح يسوع، إنما حتى مظهره الخارجي أو لغة جسمه المقدس مثل ملبسه وابتسامته وطريقة مشيه تشهد له وهو صامت. فالمسيحي الحقيقي مُمَيَّز عن غيره مُقدَّسًا في داخله وفي سلوكه الخارجي.
v يظهر تعقل النفس الحقيقي وفضيلتها في نظرات الإنسان وطريقة مشيه وصوته وابتسامته وأحاديثه وأخلاقه. فإن كل ما في مثل هذه النفس يكون قد تغيَّر، وصار على أفضل وجه، ويكون فكرها المحب لله حارسًا ساهرًا عليها يمنع دخول الأفكار الشريرة المُخجِلة[31].
v ما أن نُنقَش في مجلس الكنيسة الروحي، بحق لا نسمح لأنفسنا أن نُمارِس ذات الأفعال التي يُمارِسها الغير، وإنما دائمًا نُعلِن ضبط لساننا ونقاوة ذهننا، وتتعلم أعضاؤنا ألا تتعهَّد عملًا غير نافع للنفس.
ماذا أقول؟ نستخدم اللسان فقط في التسابيح والحمد وفي قراءة الأحكام الإلهية والأحاديث الروحية. كما يُقَال: "لا تخرج كلمة رديئة من أفواهكم، بل كل ما كان صالحًا للبنيان، حسب الحاجة، كي يعطي نعمةً للسامعين، ولا تُحزِنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم" (أف 4: 29-30). أتعلمون أنكم إن فشلتم في هذا تُحزِنون الروح القدس؟ لذلك أطلب إليكم أن تحاولوا ألا تفعلوا شيئًا يُحزِن الروح القدس.
إن كان يلزمنا أن نخرج، ليتنا لا نشترك في اجتماعات خطيرة متجاوزة الحدود، مملوءة غباوة.
بالحري لا تُفَضِّلوا شيئًا عن كنيسة الله، بيوت الصلاة، والمناقشة في الاجتماعات الروحية. ليكن كل عملٍ جليلًا للغاية. كما يُقَال: "لباس الرجل وضحكة الفم ومشي الإنسان تخبر بمن هو" (راجع سي 19: 27). الهيئة الخارجية تُوَضِّح بجلاء حالة النفس. حقًا إن حركة العضو تُعلِن عن جماله بطريقة مُعيَّنة..." إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2 كو 5: 17)[32].
v لتكن نظراتها وحبها ولغتها وطريقة مشيها ولبسها تخبر عن الفضيلة[33].
28 رُبَّ عِتَابٍ لاَ يَجْمُلُ، وَرُبَّ صَامِتٍ عَنْ فِطْنَةٍ.
v إليك يا أيها القدوس أشتكي نفسي،
من يقدر أن يضبط أعماقي سواك؟!
هب لي ألا أتهاون فيما أحسبه صغائر،
حتى لا أتهاون أيضًا في الكبائر!
أقمتني هيكلًا مقدسًا يسكنه روحك القدوس.
ليكن هو مقدِّسي والحافظ والحارس لي.
من يحفظني مما يُسمَّى خطأ الكذب الأبيض؟
ومن يهبني الجدّية، فلا أنجذب إلى كلمة مزاح،
ولا تفلت من لساني سخرية على سبيل المداعبة.
دفعت دمك الثمين ثمنًا لتقديس كل فكرٍ أو كلمةٍ أو حركةٍ خفيّة أو ظاهرة.
v هب لي ألا أتهاون فأشرب كأس خمرٍ في مناسبةٍ أو أخرى.
احتفل أبونا نوح بالعالم الجديد الذي غسله الطوفان.
شرب خمرًا بزيادة فتعرَّى؛ فاستخفّ به ابنه حام،
هذا الذي أنقذه هو وأخويه سام ويافث وبقية الأسرة.
ليسكب روحك القدوس فرحه في قلبي،
فلا أُشارِك نوحًا في سُكْرِه،
بل أُشارِك الطغمات السمائية في تسابيحها المملوءة تهليلًا.
v شمشون الذي قتل أسدًا بلا سلاح،
وتمتَّع بالعسل من جوف الأسد هو ووالديه،
داعب دليلة، فصار ذليلًا أمام الأعداء يطحن كالثور،
فقأوا عينيه، فأدرك أنه فقد بصيرته الداخلية.
هب لي الجدّية،
فلا تكون لي دالة خاطئة تحت ستار اللطف البريء.
v هب لي الحكمة من عندك، فلا أختار لي صديقًا دون فحص ودراسة!
أَقمتَ من قلبي خزانة تودِع فيها أسرارك الإلهية،
فلا أترك بابها مفتوحًا بلا حراسة سماوية.
v لأستتر فيك يا أيها الطريق والحق والحياة،
فلا أسلك في طريق الخطاة،
ولا أَشترِك في مجلس المستهزئين.
لا أفتح فمي باستهتار في الحديث مع ساقطٍ في الخطية،
بل ألتزم بسكناك في قلبي وفكري،
فلا أنطق بكلمة لا تليق بابنك،
ولا أُشوِّه ملامح وجهي باللهو مع مستهترٍ!
v من يُقَدِّس لساني ليكون كأمٍ تلد تسابيحٍ وتشكرات،
يُسَبِّحك على الدوام بالترنيمة الجديدة.
يلد لساني الكلمات العذبة التي تحمل حلاوة وصاياك.
ولا يلد ثرثرة كلام باطلٍ لا نفع له.
روحك القدوس يعزف على كل أوتاري:
اللسان والقلب والفكر والحواس والعواطف،
فتصدر سيمفونية حب، تشتمّها رائحة رضا.
v هب لي الحكمة من عندك،
فيكشف صمتي مع كلماتي عن عملك فيَّ!
لا يكون موضع للحماقة في أعماقي،
فلا أُمارِس صمتًا باطلًا أو فاسدًا،
ولا يصدر عن فمي كلمات غير لائقة!
لأختفي فيك، فلا أَتجاوَب مع الكلمات التي أَسمعها بتسرُّعٍ،
إنما ألتقي بك على الدوام، لأنك مشيري الإلهي.
إن أبلغني إنسان أن أخاه أساء إليَّ بالحديث عني افتراءً،
في تروٍ أُعاتِب أخي لا ليعتذر لي،
بل لكي يمتلئ بالحُبِّ والوداعة واللطف.
إن اعترف بخطئه، أطلب عنه وعن نفسي،
كي يُنَقِّينا الربّ جميعًا من كل ضعفٍ وخطيةٍ.
v حقًا أصرخ: بنورك أُعايِن النور. اكشف لي عن أسرارك، فإني أريد أن أراك،
وأَتعرَّف على تدبيرك العجيب وحُبِّك ورعايتك.
أريد أن أحفظ وصاياك، وأَتمتَّع بنيرها العذب،
فأَتهيّأ ليوم لقائي بك!
هب لوصاياك أن تتجلَّى في أفكاري وعواطفي وفي سلوكي الخفي والظاهر؛
وصاياك تقود حتى ابتسامتي وأسلوب أكلي وشربي ونومي وتسليتي.
v هب لي ألا أحكم على أحد خلال سلوكه الظاهر،
فلا يعرف أحد ما في قلبه سواك.
_____
[1]Paedagogus, 2: 2.
[2] On Forgiveness of Sins and Baptism 12.
[3] Ep. 69: 6.
[4] Ep. 22.
[5] Conc. Virgins 1: 9 (53).
[6] فردوس الآباء، ج 3، ص 401.
[7] The Catholic and Manichaean Ways of Life, FOTC, vol. 56, p. 37-38.
[8] Sermons, FOTC, vol. 3, p. 199-204.
[9] البابا غريغوريوس (الكبير): الرعاية، ج 3، ف 33، عظة 34، ترجمة جورج فهمي حنا، 2004.
[10] فردوس الآباء، ج 3، ص 108.
[11] Sermons, FOTC, vol. 1, p .234-235. [11]
4 أغسطينوس في شرح الموعظة على الجبل طبعة 68 ص 92.
[13] Methodius: Symposium or Banquet of the Ten Virgins 1:3.
[14] A Dis Course On Ascetical Discipline
[15] The Epistle of St. Ignatius to Hero, a Deacon of Antioch, chapter VI
[16] الميمر 68 على الآخرة والدينونة المخيفة (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).
[17] الميمر 13 على الفريسي والعشار (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني) الميمر 11، على الفريسي والعشار اللذين صعدا إلى الهيكل ليصليا، قبطي.
[18] الميمر 182 على الإرشاد (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني) الميمر 5، لأجل الوعظ، يقرأ يوم الخميس من الجمعة الثانية من الصوم المقدس، قبطي.
[19] ميمر 96 على قطع رأس يوحنا المعمدان (راجع الأب بول بيجان ترجمة دكتور سوني بهنام).
[20] الميمر 203 على ميلاد ربنا (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني)، الميمر 11، على ميلاد ربنا بالجسد، يقرأ قبل بخور باكر، قبطي.
[21] الميمر 71 اليوم السادس.
[22] Sermons, FOTC, vol. 3, p. 134-138.
[23] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 107.
[24] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 108.
[25] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 109.
[26] Homilies on 2 Thessalonians, hom. 4.
[27] On the incomprehensible Nature of God, FOTC, vol. 72, p. 233-243.
[28] Sermon 45:1.
[29] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 541.
[30] Letter to Constantius.
[31] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة، 20.
[32] Baptismal Instructions 4:24-26.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 20 |
قسم تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب |
تفسير يشوع ابن سيراخ 18 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sywff72