← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38
القسم الثالث
الأصحاح الثالث والعشرون
ما يخشاه ابن سيراخ تسيب أحد تلاميذه وتكوين دالة غير لائقة مع النساء. لذلك عالج انحرافين خطيرين يقاومان مخافة الرب، وبالتالي يحرمان الإنسان من التمتع بالحكمة. هذان الخطران هما انحراف اللسان [7-15] والانحراف الجنسي [16-27]، تحدث عنهما ابن سيراخ بعد أن قدم صلاة إلى الربّ أبي حياته وسيدها كي يهبه تقديسًا لحياته [1-6].
[1 -6] (ت: 1-6) |
||||
[7 -15] (ت: 7-20) |
||||
[16 -27] (ت: 21-38) |
||||
* من وحي سيراخ 23: ارحمني يا أبي من مشورتي! |
في الأصحاح 21، يدعونا ابن سيراخ إلى حفظ الشريعة والهروب من الخطية، وفي الأصحاح 22 يحثنا على الاهتمام بقداسة الأبناء (الجيل الجديد) وقداسة الأصدقاء، وفي هذا الأصحاح يُجِيب على التساؤل: كيف يتحقَّق هذا؟ أي حفظ الشريعة والهروب من الخطية وتقديس حياتنا الداخلية والأبناء والأصدقاء؟
يُقَدِّم لنا ثلاث أمور عملية لتحقيق هذا:
أولًا: الصلاة حيث ندرك إلى من نصلي، وماذا نطلب.
ثانيًا: حفظ اللسان: من الشتائم والتشامخ، والتسرُّع في النذور، والتجديف، وعدم القسم، والهروب من الكلمات السوقية.
ثالثًا: الهروب من نيران الشهوات الجنسية، فإن قبلناها مرة بتهاونٍ، يصعب التخلُّص منها، إذ لا تتركنا حتى نحترق تمامًا.
1 أَيُّهَا الرَّبُّ الأَبُ، يَا سَيِّدَ حَيَاتِي، لاَ تَتْرُكْنِي وَمَشُورَةَ شَفَتَيَّ، وَلاَ تَدَعْنِي أَسْقُطُ بِهِمَا. 2 مَنْ يَأْخُذُ أَفْكَارِي بِالسِّيَاطِ وَقَلْبِي بِتَأْدِيبِ الْحِكْمَةِ، بِحَيْثُ لاَ يُشْفَقُ عَلَى جَهَالاَتِي، وَلاَ تُهْمَلُ خَطَايَايَ. 3 لِكَيْ لاَ تَتَكَاثَرَ جَهَالاَتِي وَتَتَوَافَرَ خَطَايَايَ؛ فَأَسْقُطَ تُجَاهَ أَضْدَادِي وَيَشْمَتَ عَدُوِّي بِي. 4 أَيُّهَا الرَّبُّ الأَبُ، يَا إِلهَ حَيَاتِي، لاَ تَتْرُكْنِي وَمَشُورَةَ شَفَتَيَّ. 5 لاَ تَدَعْنِي أَطْمَحُ بِعَيْنَيَّ وَالْهَوَى اصْرِفْهُ عَنِّي. 6 لاَ تَمْلِكْنِي شَهْوَةُ الْبَطْنِ وَلاَ الزِّنَا وَلاَ تُسَلِّمْنِي إِلَى نَفْسٍ وَقِحَةٍ.
أيها الربّ أبو حياتي وسيّدها،
لا تتركني لمشورتهم (لساني وشفتي)،
ولا تدعني أسقط بسببهم [1].
لمن نُصَلِّي؟ للربّ أبو حياتي وسيّدها، لي دالة البنوة وثقة أنه يهبني الحياة عوض الموت.
وماذا أطلب؟ لا أئتمن أحدًا يضرب أفكاري بالسياط سوى أبو حياتي!
أعترف بخطاياي خاصة خطايا التعالي والشهوة الشريرة والنهم.
كثيرًا ما يشعر الإنسان أن الوصايا الخاصة بتقديس الحواس والفكر والقلب أعلى من قامته الروحية، بل تبدو هناك استحالة أن يُتَمِّم إنسان هذه الوصايا وهو بلا سلطانٍ على حواسه، بل وكل إنسانه الداخلي. وفي نفس الوقت يليق بنا أن نُدرِك محبة الله، فبكامل حرية إرادتنا نُطالِبه أن يُقَدِّس إرادتنا الحُرَّة، ويهبنا الاشتياق مع الغيرة على القداسة. لا يستطيع أحد أن يضبط حواسه ويُقَدِّسها، لذا يلزمه أن يصرخ إلى الله القادر وحده على تقديس الشفتين والأفكار والعقل والعينين وكل الشهوات حتى لا يسقط أمام خصومه، أي إبليس وملائكته.
الصلاة من أجل الحكمة في هذا الأصحاح تطابق صلاة للقديس أفرام السرياني، تستخدمها بعض الكنائس الأرثوذكسية في الصوم الكبير:
v ربِّي وقائد حياتي، انزع عني روح الكسل والخوار، وشهوة السلطة، والكلام الباطل، لكن هب لعبدك عوض هذا روح الطهارة والتواضع والصبر والحب.
نعم أيها الربّ الملك، هب لي أن أرى أخطائي، ولا أدين إخوتي.
فإنك مبارك أنت من جيل إلى جيل. آمين.
يمزج ابن سيراخ الأقوال الحكمية بالصلاة: "أيها الرب الأب، يا سيد حياتي لا تتركني ومشورة شفتي، ولا تدعني أسقط بهما" [1].
أ. الرجوع عن الشر: "ارجع إلى الرب، وأقلع عن خطاياك. صلِّ أمام وجهه، وأقلل من آثامك" (راجع 17: 25). "اهرب من الخطيئة هربك من الحية، فإنك إن دنوت منها لدغتك" (راجع 2:21).
ب. إكرام الوالدين: "من أكرم أباه سُرّ بأولاده، وفي يوم صلاته يُستجَاب له... فإن اللطف مع الأب لا يُنسَى، ويعين في التكفير عن خطاياك" (راجع 4:3، 14). أكرم أباك بكل قلبك، ولا تنس آلام أمك في الولادة. اذكر أنك منهما وُلِدت، فماذا تكافئهما مقابل ما صنعاه معك؟ (راجع 7: 27-28)
ج. الإعداد للقاء مع الله: "قبل تقديم صلاة هيئ نفسك، ولا تكن كإنسانٍ يُجَرِّب الرب" (18: 23).
د. يخدم حسب مرضاة الرب: "من يقوم بخدمة الرب بحسب مرضاته، يُقبَل وتبلغ صلاته إلى السحب" (راجع 35: 16).
هـ. الوداعة والتواضع: "صلاة المتواضع تخترق السحب، ولا يتعزَّى حتى تصل إلى الرب" (راجع 35: 17). "ازدد تواضعًا كلما ازددت عظمة، فتنال حظوة لدى الرب" (راجع 18:3). "حكمة المتواضع ترفع رأسه، وتُجلِسه في جماعة العظماء" (راجع 11: 1).
و. التبكير للصلاة: "يصرف قلبه إلى القيام مبكرًا إلى الرب صانعه" (راجع 39: 5).
ز. عدم تِكَرار الكلام باطلًا (مت 6: 7): "لا تُكَرِّر الكلام في صلاتك" (راجع 7: 14).
طلب ابن سيراخ في صلاته من الربّ الآب وقائد حياته أن يحميه من لسانه، وأن يهذب الربّ عقله وقلبه، ويمنعه من السقوط في الخطأ.
يدعو ابن سيراخ الربّ أبا حياتي وسيدها، فبدالة البنوة يتحدَّث مع الربّ كأبٍ له وهو سيده وخالقه.
من الذي يُخضِع أفكاري للسياط، وقلبي لتأديب الحكمة،
بحيث لا تُشفِق على أخطائي، ولا تُهملني في خطاياي؟ [2]
طلب من "أب وسيد" حياته أن يُخضِع أفكاره وقلبه للسياط، وكأن ابن سيراخ يود أن يُقَدِّم نفسه مثلًا أمام تلاميذه. فهو ليس أفضل منهم، إذ ليس له سلطان على فكره وقلبه، أي على إنسانه الداخلي، بل يحتاج إلى الله أبيه ومُعَلِّمه ومُدَرِّبه ومُهَذِّبه أن يمسك بالسوط ليقوِّم أعماقه الداخلية. فإن كان سيراخ الحكيم يعلن عن حاجته إلى سياط من عند الربّ لتقويمه، كيف يظن أحد من تلاميذه أنه قادر أن يتجنَّب خطايا الفكر والعاطفة بمجهوده الشخصي؟!
v "من الذي يُخضِع أفكاري للسياط، وعقلي لتأديب الحكمة، بحيث لا يشفق على أخطائي، ولا يتغاضى عن خطاياي؟ [2] لاحظوا على وجه الخصوص: "من الذي يُخضِع أفكاري للسياط؟" هكذا توجد سياط تجلد الأفكار. إنها سياط الله، لأن الكلمة (اللوغوس) إذ يقود النفس إلى إدراك كيف أخطأت يجلدها. إنه يجلد الإنسان الطوباوي الذي يتألم من الجلدات، لأن كلمات (التوبيخ) تلمسه دون أن يشتكي من يُوَبِّخه. لكن يوجد البعض بلا حساسيةٍ يُقَال عنهم: "لقد جلدتهم، ولكنهم لم يتألموا" (إر 5: 3)[1].
v لننظر ماذا قيل عن الخطاة: "جلدتهم (بالسياط) فلم يتوجعوا" (إر 5: 3). إن السياط الأرضية حينما نضرب بها الأجساد الحية، تُسَبِّب ألمًا للمضروبين، سواء أرادوا أو لم يريدوا. أما سياط الله فهي ليست كذلك، لأن بعض المضروبين يتوجعوا والبعض الآخر لا يتوجعوا... البائسون هم الذين لا يتوجعون من ضربات الله، والسعداء هم الذين يتوجعون من هذه الضربات.
يقول سفر الحكمة في هذا الشأن: "وإنما نُخِسوا ليتذكروا أقوالك، ثم خلصوا سريعًا لئلا يسقطوا في نسيان عميق، فيُحرموا من إحسانك". كما قيل: "من يضع سوطًا لأفكاري، وكلام الحكماء في شفتي، لئلا يترفقوا بي في أخطائي، فأهلك بسبب خطاياي" (راجع سي 23: 2).
دَقِّق النظر في هذه الكلمات: "من يضع سوطًا لأفكاري؟" إذًا توجد سياط لضرب الأفكار. سياط الله هي التي تضرب الأفكار، فإن الكلمة "Logos" حينما يأخذ النفس جانبًا ويدفعها ويضغط عليها حتى يستيقظ ضميرها تجاه الأخطاء التي ارتكبتها، يضربها بالسياط.
فهو يضرب الإنسان المُطوَّب (الحكيم)، الذي يتوجع تحت الضرب، لأن كلمات الله أَثَّرَت في نفسه، ولم يلقِ بهذه الكلمات باحتقار لأنها أخجلته. ولكن يُوجَد إنسان، يمكن أن يقال عنه، عديم الإحساس، يُقَال عنه: "ضربتهم فلم يتوجعوا"[2].
لئلا تتكاثر أخطائي، وتزداد خطاياي،
فلا أسقط أمام خصومي، ولا يشمت بي عدوي [3].
يُمَيِّز العلامة أوريجينوس بين سياط العالم وسياط الله. الأولى سياط مادية تقع على الأجسام الحيّة، والكل يشعر بآلامها. أما سياط الله التي للتأديب فهي من نوع آخر، تسقط على الفكر، فيتقبَّلها البعض ويشعرون بها ويُقَدِّمون توبة ويرجعون إلى الله، ويصيرون مُطوَّبين. والبعض الآخر لا يشعرون بآلامها، ولا يتجاوبون مع دعوة الله بالرجوع إليه، هؤلاء يُضرَبون ولا يتوجّعون (إر 5: 3).
v يُقَال عن الخطاة "ضربتهم فلم يتوجَّعوا" (5: 3). تقع سياط هذا العالم المحسوسة على الأجسام الحيّة، سواء كان المضربون يقبلونها أو يرفضونها، وهي مؤلمة (للجميع). أما سياط الله فهي من نوعٍ يسبب ألمًا للبعض، بينما لا يتألم آخرون منها.
دعونا نشرح ماذا يعني عدم التألم منها. لماذا هؤلاء أصحاب الطبائع الشريرة لا يتألمون من سياط الله، بينما الذين يتوجعون منها هم مُطوَّبون. تقول الحكمة: "من الذي يُخضِع أفكاري للسياط وخاتم التعقُّل على شفتين، فلا يشفق على أخطائي، فلا تقودني أخطائي إلى الهلاك".
لننتبه إلى الكلمات: "من الذي يُخضِع أفكاري للسياط". إذن توجد سياط خاصة بضرب الأفكار. إنها سياط الله التي تضرب الفكر، حيث ترتبط الكلمة بالنفس، وتقودها إلى معرفة خطاياها. إنها تضرب النفس المُطوَّبة، فتتألم، لأن الكلمة تأتي وتخترق النفس في أعماقها... أما من كان متبلدًا من جهة الضرب، فيقال عنه: "ضربتهم فلم يتوجَّعوا"[3].
أيها الرب أبو حياتي وإلهها،
لا تدع لي عينين متعاليتين [4].
طلب منه أن ينزع عنه عينيه المتعاليتين، أي التطلُّع إلى الأمور العالية التي فوق قامته الروحية.
بل اصرف عني الشهوة الشريرة [5]
طلب من الرب ألا يسمح أن تمتلكه شهوة النهم ولا الزنى، ولا يُسَلِّمه إلى نفسِ وقحةٍ (سي 23: 1، 4-6، 13، 15). هذه الصلاة تصف شخصية الإنسان الحكيم. الصلاة بإيمان لكي يتشكَّل المؤمن على صورة الحكمة نفسها.
لا تسمح للنهم ولا للشهوات أن تسود عليَّ،
ولا تُسَلِّمني إلى نفسِ وقحةٍ [6].
يرى القديس أغسطينوس أن كثير من هذه الطلبات وردت في الوصايا الإلهية. هنا يتساءل القديس أغسطينوس، لماذا يُقَدِّم سيراخ هذه الطلبات، وهو يَعْلَم أنها تتفق مع إرادة الله ووصاياه. يجيب أنه يليق بالمؤمن أن يعلن رغبته الشخصية، مؤكدًا أن إرادته هي أن تتم إرادة الله فيه. وكأنه يقول: "لتكن مشيئتك" (مت 6: 10)[4].
في حديث القديس أغسطينوس[5] عن النعمة وحرية الإرادة، يقول إن أتباع بيلاجيوس يظنّون أنهم يعرفون أمرًا هامًا عندما يؤكدون أن الله لا يأمر بشيءٍ يَعْلَم أن البشر عاجزين عن ممارسته. يُعَلِّق قائلًا: "من يجهل هذا؟" ويكمل: لكن الله يُقَدِّم وصايا فوق قدراتنا، لكي نعرف أنه يجب أن نسأله، فيهبنا القدرة على تنفيذها. فبالإيمان نُصَلِّي لكي نتمم الوصايا. قَدَّم القديس الكثير من الطلبات التي يسألها الحكيم (ابن سيراخ) حتى نمارس بالنعمة ما هو فوق طاقتنا.
يرى القديس أغسطينوس أن كل الصلوات الواردة في العهد القديم لا تخرج عن الصلاة الإنجيلية التي علَّمنا إياها ربنا يسوع، وقد ضرب أمثلة كثيرة، منها بعض الطلبات الواردة في سفر سيراخ. فالصلاة الواردة هنا: "لا تملكني شهوة النهم ولا الزنا" (راجع سي 23: 6) ليست إلاَّ "لا تدخلنا في تجربة"، والطلبة الواردة في (سي 36: 4) والتي يترجمها "لتتقدس بين كل البشر كما تتقدس بيننا" ليست إلاَّ الطلبة: "ليتقدس اسمك"[6]
7 أَيُّهَا الْبَنُونَ، دُونَكُمْ أَدَبَ الْفَمِ؛ فَإِنَّ مَنْ يَحْفَظُهُ لاَ يُؤْخَذُ بِشَفَتَيْهِ 8 إِنَّهُ بِهِمَا يُصْطَادُ الْخَاطِئُ وَبِهِمَا يَعْثُرُ الْقَاذِفُ وَالْمُتَكَبِّرُ. 9 لاَ تُعَوِّدْ فَاكَ الْحَلِفَ، 10 وَلاَ تأْلَفَ تَسْمِيَةَ الْقُدُّوسِ. 11 فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي لاَ يَزَالُ يُفْحَصُ، لاَ يَخْلُو مِنَ الْحَبَطِ، كَذلِكَ مَنْ لَمْ يَبْرَحْ يَحْلِفُ وَيُسَمِّي، لاَ يَتَزَكَّى. 12 الرَّجُلُ الْحَلاَّفُ يَمْتَلِئُ إِثْمًا، وَلاَ يَبْرَحُ السَّوْطُ مِنْ بَيْتِهِ. 13 وَهُوَ إِنْ لَمْ يَفِ فَعَلَيْهِ خَطِيئَةٌ، وَإِنِ اسْتَخَفَّ فَخَطِيئَتُهُ مُضَاعَفَةٌ. 14 وَإِنْ حَلَفَ بَاطِلًا لاَ يُبَرَّرُ، وَبَيْتُهُ يُمْلأُ نَوَائِبَ. 15 وَمِنَ الْكَلاَمِ كَلاَمٌ آخَرُ يُلاَبِسُهُ الْمَوْتُ. لاَ كَانَ فِي مِيرَاثِ يَعْقُوبَ. 16 إِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَبْعُدُ عَنِ الأَتْقِيَاءِ؛ فَلاَ يَتَمَرَّغُونَ فِي الْخَطَايَا. 17 لاَ تُعَوِّدْ فَاكَ فُحْشَ الْكَلاَمِ؛ فَإِنَّ ذلِكَ لاَ يَخْلُو مِنْ خَطِيئَةٍ. 18 تَذَكَّرْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ إِذَا جَلَسْتَ بَيْنَ الْعُظَمَاءِ، 19 لِئَلاَّ تَنْسَاهُمَا أَمَامَهُمْ، وَيُسَفِّهَكَ تَعُوُّدُ مُعَاشَرَتِهِمْ؛ فَتَوَدَّ لَوْ لَمْ تُولَدْ مِنْهُمَا وَتَلْعَنَ يَوْمَ وِلاَدَتِكَ. 20 مَنْ تَعَوَّدَ كَلاَمَ الشَّتِيمَةِ، لاَ يَتَأَدَّبُ طُولَ أَيَّامِهِ.
يُرَكِّز على أخطاء اللسان، وكثيرًا ما يُعَدِّدها كما رأينا.
يا أبنائي، اسمعوا تعليم فمي،
فإن من يحفظه لن يُهزَم [7].
إن كان سيراخ يطلب لنفسه جلدات تصدر من يد أبيه المُترفِّق به والكلي الحكمة، حتى يضبط أفكاره وقلبه ولسانه. هذا اللسان الذي يمكن أن يُحَطِّم صاحبه ومن هم حوله، إن تَقَدَّس، يُقَدِّم تعليمًا حسب الفكر الإلهي، لذا يقول لتلاميذه: "يا أبنائي اسمعوا تعليم فمي" [7]
مرة أخرى يقول: "يوجد أسلوب كلام يشبه الموت" [12]. فاللسان يمكن أن يكون آلة للبرّ لحساب ملكوت الله يشهد لتعليم الربّ، أو آلة إثم تدفع الآخرين إلى الموت الأبدي.
يُصطاد الخاطئ بشفتيه،
وبهما يزلّ الشتام المتكبِّر [8].
إننا في حاجة إلى حراسة إلهية تحفظ شفاهنا من السقوط في الخطية.
v علَّمكم موسى بدم الحمل الذي رشَّه على الأبواب، يليق بكم أن ترطبوا شفاهكم بدم الابن كل يومٍ.
لأنّ الفم هو باب الإنسان، الذي يُطلِق كلًا من التسابيح والكلمات، المجد والشتيمة، من مُختلَف الأنواع.
طلب داود أن يُقَام عليه حارسٌ. مَنْ هو هذا الذي يقف حارسًا عندما يُطلَب منه ذلك، إن لم يكن المصلوب؟
طلب داود قائلًا: "ضع يا رب حافظًا لفمي" (مز 141: 3). إنه الصليب الذي يحرس باب الفم من الشيطان.
قام الصليب على أبواب بني الشعب، وحفظهم من قاتل الأبكار على الأرض.
أنت أيضًا الآن، خذ دم ابن الله، وبأصابعك ارسم علامة الصليب على شفتيك.
اجعله حارسًا لفمك، وكن واثقًا من فاعليته الأكيدة، وحينئذٍ عندما يراه المُهلِك لن يقترب منك.
إن كان رمزه قد تَمَكَّن من أن يقف على الباب ويحرسهم، فكم بالأكثر يمكنه هو نفسه أن يحرس الذي يطلبه؟
تَقَبَّل الدم من الكأس الإلهي على شفتيك، وهو سيُبرِهن لك على أنه حارسٌ مضمونٌ للباب.
كانت أبواب الشعب تُختَم بدم الحمل، فاختمْ بابك بدمِ جنب ابن الله.
اصبغ لسانك وشفتيك وفكرك بدم ربِّك، فسيحرسك من الأذى.
ابحث كل يومٍ عن هذا الحارس لفمك وشفتيك، اربحه بالدموع، وهو يحفظك دون أن ينام.
دم المسيح المذبوح مرشوشٌ على أفواه الشعب؛ نظر موسى ذلك وصوَّره في دم الحمل[7].
لا تُعَوِّد فمك على النذور،
ولا تألف النطق باسم القدوس [9].
فكما أن العبد الذي دومًا يُضرَب، لا يخلو من الكدمات،
كذلك من ينذر وينطق باسم القدوس على الدوام، لا يتطهر من خطيَّة [10].
v "لا تُعَوِّد فمك الحلف، ولا يألف التلفظ باسم القدوس" (راجع سي 23: 9). لماذا؟ "كما أن الخادم الذي لا يزال يُضرَب لا يخلو من آثار الضرب، كذلك من يحلف" (راجع سي 23: 10).
انظر تمييز هذا الحكيم. لم يقل: "لا تعود عقلك بل فمك، لأنه إذ هذا من عمل الفم تمامًا، فإن علاجه سهل. إذ يصير هذا عادة بدون قصد، وذلك كمثال يوجد كثيرون يدخلون الحمامات العامة بمجرد مرورهم عند تخومها وعبورهم عليها[8].
v إنه يستحيل، يستحيل تمامًا للفم الذي يمارس القسم ألا يرتكب الحلف كذبًا. لهذا أطلب إليكم جميعًا إن تتخلُّوا عن هذه العادة القاتلة الشريرة، حتى تنالوا إكليلًا آخر[9].
الإنسان الذي يحلف كثيرًا يمتلئ إثمًا، ولا تبرح الكارثة بيته.
فإن أخطأ، فخطيته عليه. وإن استخفّ بالأمر فخطيته مضاعفة.
وإن حلف بالزور لا يتبرَّر، ويمتلئ بيته بالبلايا [11].
في العهد القديم كان يُطالب الإنسان أن يحلف في وقارٍ وصدقٍ ليشهد لإيمانه بالله، مقابل الوثنيين الذين يحلفون بآلهتهم (الأصنام) باطلًا. فاللسان الذي ينطق اسم الله القدوس إن مارس القسَم بكثرة بغير حكمة، يحلف كذبًا فيُحسَب قسمه إثمًا.
يُحَذِّرنا من التسرُّع في القَسَمْ باسم القدوس، لئلا تصير عادة، فيستخدمها الإنسان بلا حكمة ولا يتطهر من خطية. هذه العادة تدفع الإنسان إلى ارتكاب خطية مضاعفة [11]: التسرُّع في القَسَمْ بلا تعقُّلٍ، والعجز عن إيفاء ما أقسم أن يفعله (لا 5: 4؛ عد 30: 2). خلال هذا التسرُّع يتعرَّض الإنسان إلى التجديف الذي عقوبته الموت (لا 24: 15-16؛ يو 10: 33). يليق بالإنسان ألاَّ يتعوَّد على التسرعُّ، ليس فقط في القسم باسم القدوس بل حتى في مجلس البشر العظماء، لئلا يتصرَّف بحماقةٍ، فيتعرَّض لمتاعبٍ، فيود لو لم يولد، ويلعن يوم ولادته [14] (أي 3: 3؛ إر 20: 14).
في العهد الجديد، إذ دخلنا إلى النضوج الروحي يأمرنا السيّد ألا نقسم مطلقًا، بل ليكن كلامنا نعم نعم ولا لا. ويُعَلِّل القدِّيس يوحنا الذهبي الفم هذا بقوله إن القسم أشبه بالريح بالنسبة لسفينة الغضب، بدونه لا يمكنها أن تبحر في حياة الإنسان. إنه يقول: [ضع قانونًا على إنسان كثير الانفعال ألاّ يقسم قط، فلا تكون هناك حاجة لتعليمه الاتّزان[10].] ويعتبر القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن عدم القسم هو العلامة التي تُمَيِّز المسيحي ولغته الخاصة: [لنتقبَّل هذا كختم من السماء، فيُنظَر إلينا في كل موضع أننا قطيع الملك. ليتنا نعرف من نحن خلال فمنا ولغتنا][11].
v يليق بالإنسان ألاَّ يحلف قط، إذ مكتوب: "الرجل الحلّاف يمتلئ إثمًا، ولا يبرح السوط بيته" (راجع سي 23: 11). ما قيل عن السوط الذي لا يفارق بيته لا يُفهَم بيته الأرضي، وإنما نفسه his soul التي هي هيكل الله[12].
يوجد أسلوب كلامٍ يشبه الموت. ليته لا يوجد هذا في ميراث يعقوب!
لأن الأتقياء يبتعدون عن هذه الأخطاء كلها، ولا يتورطون في الخطايا [12].
ربما يقصد هنا كلام التجديف على الله الذي يستوجب الموت والحرمان من ميراثِ يَعْقوب، أي من الملكوت. كما يقصد النقد العنيف الذي يؤذي المشاعر، ويفسد العلاقات، وقد يتطور في كثير من الأحيان إلى ما هو أسوأ من جرح المشاعر. مثل هذا الإنسان لا يليق به الانتماء إلى الميراث الأبدي.
لا تعوِّد فمك على الكلام بتعبيرات خليعة،
فإن هذا كلام خاطئ [13].
يُطالِبنا معلمنا يعقوب الرسول أن نضبط أفواهنا وألسنتنا، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. مشبهًا ذلك بوضع اللجم في أفواه الخيل لتطاوعنا، فندير جسمها كله (يع 3: 3). كما يشبه اللسان بدفة السفينة الصغيرة التي تُحَرِّك السفينة كلها (يع 3: 4-6). يمدح ضابط لسانه، قائلًا: "إن كان أحد لا يعثر في الكلام، فذلك رجل كامل، قادر أن يلجم كل الجسد أيضًا" (يع 3: 2).
اذكر أباك وأمك إذا جلست في مجلس العظماء، لئلا تنسى نفسك أمامهم،
وبواسطة العادة تتصرَّف كالأحمق.
عندئذٍ تودّ لو لم تولد، وتلعن يوم ولادتك [14].
v أبغض العظمة، لأنها الثمرة المملوءة موتًا.
لأن آدم أكل منها في عدن، وأعطته الموت.
وبها سقط الشيطان من البدء. وبها سقط بيت آدم من الفردوس.
ليس عند الله شيء بخس ومكروه مثل حب العظمة، والتشامخ بالكبرياء.
من تعوَّد الكلمات المُسيئة،
لا يتأدَّب كل أيام حياته [15].
يظن البعض أن الشتيمة هي أن ينطق بكلمات غير لائقة ضد أحدٍ، غير أن القديس باسيليوس يرى أن كل كلمة حتى وإن كانت في ذاتها غير شريرة، لكنها تُشَوِّه صورة الآخرين مباشرةً أو ضمنًا فهي شتيمة. كما يُحَذِّرنا القديس باسيليوس أن نهين إنسانًا ولو بتعبيرٍ عامٍ وبقصد المزاح.
v سؤال: ما هو الشتَّام؟
الإجابة: كل كلمة يُنطَق بها بقصد تشويه صورة شخصٍ، حتى إن كانت الكلمة ذاتها لا تبدو أنها شتيمة. هذا واضح من قول الإنجيل عن اليهود: "شتموه، وقالوا: "أنت تلميذ ذاك"! (يو 9: 28)[13].
v سؤال: ما هي كلمة "رقا" (مت 5: 22)؟
الإجابة: هي كلمة عامية لتلك الأُمّة عن إساءة خفيفة شائعة تُقَال من الأشخاص المعروفين له بدون كلفةٍ[14].
21 مِنَ النَّاسِ صِنْفَانِ يُكْثِرَانِ مِنَ الْخَطَايَا، وَصِنْفٌ ثَالِثٌ يَجْلِبُ الْغَضَبَ. 22 النَّفْسُ الْمُتَوَهِّجَةُ كَنَارٍ مُلْتَهِبَةٍ؛ فَلاَ تَنْطَفِئُ إِلَى أَنْ تَفْنَى. 23 وَالإِنْسَانُ الزَّانِي بِنَجَاسَةِ لَحْمِهِ؛ فَلاَ يَكُفُّ إِلَى أَنْ يُوقِدَ النَّارَ. 24 لأَنَّ الإِنْسَانَ الزَّانِي كُلُّ خُبْزٍ يَحْلُو لَهُ؛ فَلاَ يَكِلُّ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ. 25 وَالإِنْسَانُ الَّذِي يَتَعَدَّى عَلَى فِرَاشِهِ، قَائِلًا فِي نَفْسِهِ: «منْ يَرَانِي؟» 26 حَوْلِيَ الظُّلْمَةُ وَالْحِيطَانُ تَسْتُرُنِي، وَلاَ أَحَدَ يَرَانِي؛ فَمَاذَا أَخْشَى؟ إِنَّ الْعَلِيَّ لاَ يَذْكُرُ خَطَايَايَ. 27 وَهُوَ إِنَّمَا يَخَافُ مِنْ عُيُونِ الْبَشَرِ، 28 وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ أَضْوَأُ مِنَ الشَّمْسِ عَشَرَةَ آلاَفِ ضِعْفٍ؛ فَتُبْصِرَانِ جَمِيعَ طُرُقِ الْبَشَرِ، وَتَطَّلِعَانِ عَلَى الْخَفَايَا. 29 هُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ؛ فَكَذلِكَ بَعْدَ أَنِ انْقَضَى. 30 فَهذَا يُعَاقَبُ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ، وَحَيْثُ لاَ يَظُنُّ، يُقْبَضُ عَلَيْهِ، 31 وَيُهَانُ مِنَ الْجَمِيعِ، لأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَخَافَةَ الرَّبِّ. 32 هكَذَا أَيْضًا الْمَرْأَةُ الَّتِي تَتْرُكُ بَعْلَهَا، وَتَجْعَلُ لَهُ وَارِثًا مِنَ الْغَرِيبِ. 33 لأَنَّهَا أَوَّلًا عَصَتْ شَرِيعَةَ الْعَلِيِّ، وَثَانِيًا خَانَتْ رَجُلَهَا، وَثَالِثًا تَنَجَّسَتْ بِالزِّنَى، وَأَقَامَتْ نَسْلًا مِنْ رَجُلٍ غَرِيبٍ. 34 فَهذِهِ يُؤْتَى بِهَا إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَتُبْحَثُ أَحْوَالُ أَوْلاَدِهَا. 35 إِنَّ أَوْلاَدَهَا لاَ يَتَأَصَّلُونَ، وَأَغْصَانَهَا لاَ تُثْمِرُ. 36 وَهِيَ تُخَلِّفُ ذِكْرًا مَلْعُونًا، وَفَضِيحَتُهَا لاَ تُمْحَى. 37 فَيَعْرِفُ الْمُتَخَلِّفُونَ أَنْ لاَ شَيْءَ أَفْضَلُ مِنْ مَخَافَةِ الرَّبِّ، وَلاَ شَيْءَ أَعْذَبُ مِنْ رِعَايَةِ وَصَايَا الرَّبِّ. 38 إِنَّ اتِّبَاعَ اللهِ مَجْدٌ عَظِيمٌ، وَفِي قَبُولِهِ لَكَ طُولَ أَيَّامٍ.
أخطر ما في الزنا ثلاثة أمور:
أ. الزنا نار متوهجة، لا تطفأ إلا بدمار الإنسان تمامًا.
ب. مع ما للزنا من أمور تشمئز منها النفس، تستمر لذَّتها إلى دقائق، تقدم عذوبة لما هو فاسد.
ج. من يفتح الباب للزنا بتهاون، يصير للزنا حق ملكية للقلب والفكر والعواطف ويتمسك بها، وكلما تهاون الإنسان صار طرد الزنا أصعب مما كان عليه. من يتهاون مع الشهوات والأفكار تلتهب أعماقه بنارٍ يصعب إطفائها، وتبقى ملتهبة حتى تأكله النار.
يبدو أن ابن سيراخ يُمَيِّز بين ثلاثة أنواع من خطايا الذكور:
1. الزنا مع فتاة غير متزوجة، هذا الهوى ناره تُحَطِّم الإنسان (1 كو 7: 9).
2. علاقات جنسية بين أقرباء تحرمه شريعة موسى الزواج (لا 18: 6). هذه الخطية تشعل نار الغضب الإلهي (عد 11: 1).
3. الزنا مع امرأة متزوجة (9: 9) يشبه من يأكل خبزًا محببًا إلى النفس (أم 9: 17؛ 30: 20) يؤدي إلى الموت.
يظن مرتكب الزنا أنه لا يراه أحد، لكن الله يعرف كل تصرفات البشر (17: 19-20)، حتى إن بدت مخفية عن الجميع (أم 5: 21).
بالتأمل في مصير الأتقياء والأشرار، يقتنع المؤمن أنه ليس شيء أفضل من الحياة في خوف الربّ وحفظ وصاياه (جا 12: 13؛ تث 10: 12-13).
"الإنسان الزاني بجسده لا يتوقَّف عن شرِّه هذا إلى أن تأكله النار. الإنسان الزاني كل طعام يحلو له، فلا يهدأ إلى أن يموت. من يكسر نذور زواجه، قائلًا في نفسه: من يراني؟ الظلمة حولي، والحيطان تخفيني. ولا أحد يراني، فماذا أخشى؟ إن العلي لن يلاحظ خطاياي. إنه يخاف من عيون البشر، ولا يعلم أن عيني الرب أكثر ضوءً من الشمس ربوات المرات، فتُبصران جميع طرق البشر، وتنفذان إلى الطرق الخفية" (راجع 23: 16-19). "لا تتفرَّس في جمال أي إنسان... فإنه من الثياب يخرج العث" (راجع 42: 12-13).
من الناس صنفان يُكثِران من الخطايا،
وصنف ثالث يجلب السخط [16].
يظهر خطر عدم ضبط اللسان وأيضًا السقوط في الشهوات أنهما يصيبان المجتمع كله، لأن العلاقات بين أعضاء المجتمع غالبًا ما تقوم على التعامل باللسان والجنس بكونه الأساس البيولوجي للزواج وتكوين الأسرة التي هي عماد المجتمع، والعنصر الرئيسي في تأسيس الجماعة.
فساد الكلام يُحَطِّم الثقة بين البشر، وفساد الجنس يُحَطِّم النظام الأسري الذي تقوم عليه كل البشرية ويهبها الوحدة. إذا لم يوجد ضبط للجنس، فلا يوجد أيضًا ضبط للسان. الزنا ليس خطية ضد الطهارة فحسب، بل وضد العدالة، لأن الزنا هو انتهاك للميثاق البشري. حينما يرتكب الإنسان الزنا لا يُجرِم في حق أسرته فحسب، بل وفي حق المجتمع. أما العلاج الرئيسي لهذه الخطايا فهو التمتُّع بمخافة الربّ.
النفس المتوهجة كنارٍ ملتهبةٍ، لا تنطفئ حتى تفنى.
والذي يُسَلِّم جسده بالكامل للزنا، لا يتوقَّف حتى تحرقه النار.
الإنسان الزاني كلّ طعامٍ يحلو له، ولا يتوقَّف حتى يموت [17].
v لنُقَدِّم زوجات (لأولادنا) في سن مبكر، حتى تتقبَّل العرائس أجسادهم طاهرة غير دنسة، فيكون حبهم أكثر تأججًا. من كان طاهرًا قبل الزواج يكون بالأكثر طاهرًا بعد الزواج؛ ومن يُمارِس الزنا قبل الزواج يمارسه بعده. "الإنسان الزاني كل طعام يحلو له" (راجع سي 23: 17).
توضع الأكاليل عادة على رؤوس العرسان، كرمزٍ للنصرة، حيث تشير إلى أنهم يقتربون إلى فراش الزواج غير منهزمين باللذة. أما إذا كان أسيرًا للذة، وسلَّم نفسه لزانية، فلماذا يلبس الإكليل وهو منهزم؟![15]
v إنه هوى ليس له حدود. مرة أخرى الذين يتلذذون بالزنا لا يقدرون أن يكفوا عنه. قيل: "الإنسان الزاني كل طعامٍ يحلو له" (راجع سي 23: 17). إنه لا يتوقَّف حتى يُفترَس. فإنه هوى![16]
v الذي يظن أنه يخفي جريمته يضيع خلال رجاء فارغ، لأن هذا قول باطل وليس فيه الحق. والكلام الباطل الذي ينطق به الخطاة مكروه (راجع سي 27: 13). وهو لا ينتج ثمرًا بل ثقلًا. لأن حديث الأحمق كحملٍ في الطريق (راجع سي 21: 17). وما هي الخطية إلاَّ حمل ثقيل؟ إنها ثقيلة يحملها الهارب في هذه الحياة، حيث يتثَّقل جدًا بحمل جريمته الثقيلة. فإن كان لا يريد أن يسقط تحت الحِمل، يلزمه أن ينتبه للربّ القائل: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28)[17].
الإنسان الذي يتعدَّى فراش زواجه، قائلًا في نفسه: "من يراني؟
الظلمة حولي، وحيطان بيتي تُخفِيني. ولا أحد يراني،
فماذا أخشى؟ إن العليّ لن يذكر خطاياي" [18].
v لنسلك دومًا بلياقة كما في النهار (رو 13: 12)، ونجحد أعمال الظلمة. نحن نعلم أن الليل قد عُيِّن لراحة الجسد، لا للعمل والأنشطة، فلهذا نقضي الليل في النوم في نسيان مريح، ولا نقضيه في ولائم وسكرٍ وعربدة وعدم احتشام. يليق بنا ألا نقول: الظلمة والحيطان تخفينا، فإن العلي يلاحظنا ويرانا. عوض هذا لنُحِبّ النور والسير في ضوء الشمس، ونريد أن أعمالنا تكون متألقة في حضرة الله[18].
v كل شخص يتجنَّب النور يحب الظلمة، طالبًا أن يختفي، مع أنه لا يستطيع أن يختفي عن الله، الذي يعرف ليس فقط ما يحدث فعلًا، وإنما حتى ما يُفَكِّر فيه سواء في أعماق المكان أو في أذهان البشر. هكذا يقول أيضًا سفر يشوع بن سيراخ: "من يراني؟ الظلمة حولي، والحيطان تسترني. ولا أحد يراني، فماذا أخشى؟" (راجع سي 23: 18)[19].
v ذاك الذي يطلب مُجَرَّد اللذة الجنسية، يُحوِّل زواجه إلى زنا. إنه ينسى كلمات المُعَلِّم: "الإنسان الذي يكسر نذور زواجه، قائلًا في نفسه: من يراني؟ الظلمة حولي، والحيطان تخفيني. ولا أحد يراني، فماذا أخشى؟ إن العليّ لن يلاحظ خطاياي" (راجع سي 23: 18). مثل هذا الإنسان بائس للغاية، لأنه يخشى فقط عيون البشر، ويظن أنه يُخفى عن الله. "إنه لا يعلم ما يكلمه الكتاب: إن عين الربّ أكثر ضوءًا من الشمس... تبصران جميع طرق البشر، وتنفذان إلى الطرق الخفية" (راجع سي 23: 19). في وقتٍ آخر يُحَذِّرنا المُعَلِّم بإشعياء: "ويل لكم يا من تجعلون مشورتكم في الخفاء، وتقولون: من يرانا؟" (إش 29: 15) LXX.
النور الذي يمكن أن تراه الحواس يمكن أن يعبر ولا نلاحظه، أما الذي ينير الذهن فلا يمكن تجاهله... ليتنا لا نسمح لأنفسنا أن نُبتلَع بالظلام بأية وسيلة، لأن النور ساكن فينا، والظلمة لا يمكن أن تغلبه (راجع يو 1: 5). الليل يتحوَّل إلى نهار بالتعقُّل الطاهر.
يدعو الكتاب المقدس إلى نهار بالتعقُّل الطاهر. يدعو الكتاب المقدس عقل الإنسان الصالح مصباحًا لا يمكن أن ينطفئ (حك 7: 10). في الواقع المحاولة ذاتها للتغطية على ما يفعله الشخص هي علامة أن الإنسان يدرك أنه يرتكب خطية[20].
عيون البشر هي خوفه، ولا يَعْلَم أن عينيّ الربّ أكثر بهاءً من الشمس ربوات المرات،
فتُبصران جميع طرق البشر، وتلاحظان حتى الأماكن الخفية [19].
v مثل هذا الشخص بائس للغاية، إذ يخشى أن يلاحظه الناس فقط، ويظن أنه يختفي عن الله[21].
في رسالة بعثها القديس أمبروسيوس إلى القديس إيريناؤس أَكَّد أن الذين يظنون أن الله لا يراهم لأنهم يُمارِسون الشرّ في الظلمة، وأن الأعماق تغطيهم، رجاؤهم هذا باطل، لأن الله يرى الأعماق الخفية التي لا تُدرَك، كل شيءٍ مكشوف أمامه قبل أن يحدث.
أوضح أيضًا أن إيليا النبي كان يختار السُكنَى في الجبال وتلميذه أليشع كان يسكن في العلية.
v لم يعش إيليا أو أليشع في مساكن تحت سطح الأرض. واحد منهما حمل الميت ابن الأرملة إلى العلية حيث كان ساكنًا وهناك أعاد له الحياة (2 مل 17: 22). والثاني كانت له غرفة مُعَدَّة في العلية بواسطة المرأة العظيمة الشونمية كما شهد الكتاب... ماذا أقول عن بطرس الذي صعد إلى السطح في الساعة السادسة، وتعلم سرّ عماد الأمم (أع 10: 9). من ناحية أخرى فإن المجرم أبشالوم وضع لنفسه عمودًا في وادي الملك، وقد أُلقي في حفرة عندما قُتِل (2 مل 18: 7).
هكذا فإن القديسين يصعدون إلى الربّ، والأشرار ينحدرون إلى الخطية. القديسون على الجبال، والمجرمون في الوديان، فإنه هو إله الجبال وليس إله الوديان (1 مل 20: 28)[22].
v ليتنا نسلك بلياقة كما بالنهار، ونترك أعمال الظلمة (رو 13: 12-13). إننا نعرف أن الليل يعبر في النوم والنسيان حتى يجد الجسم راحة. لم يُعَيَّن الليل لممارسة أي عمل أو أية تعاملات. ليتنا لا نشترك في الحفلات والسُكْرِ... لا نقل "الظلمة والحيطان تغطينا، من يعلم إن كان العلي يرانا (راجع سي 23: 19). ليكن فينا محبة النور وتقديرنا للصلاح، حتى نكون كمن يسير في النهار، نرغب أن تشرق أعمالنا في حضرة الله[23].
هو عالم بكل شيءٍ قبل أن تُخلَق المسكونة،
ونهاية سائر الأشياء معروفة أيضًا له [20].
هذا الزاني يُعاقب في شوارع المدينة،
وحيث لا يتوقَّع يُقبَض عليه [21].
هذا هو شأن المرأة التي تترك زوجها،
وتجعل له وارثًا من رجلٍ غريبٍ [22].
بالنسبة لزنا المرأة [22-27]، خطيتها مثلثة الجوانب:
أ. كسر شريعة الله (تث 5: 18؛ خر 20: 14).
ب. تخطئ في حق رجلها.
ج. تحمل بأطفالٍ ليسوا من رجلها.
حسب الشريعة الموسوية تُرجَم المرأة حتى الموت (تث 22: 22؛ دا 13: 36-41)، وتحرم نفسها من ممارسة الأمومة والتمتُّع بأحفادها (حك 3: 16: 19؛ 4: 3-6). عوض تكريمها بعد موتها يصير ذكرها عارًا (41: 5-9).
لأنها أولًا عصت شريعة العليّ،
وثانيًا أخطأت إلى زوجها،
وثالثًا تنجَّست بالزنا،
وأنجبت أولادًا من رجل غريب [23].
فهذه يؤتى بها إلى المجلس،
ويُجرَى تحقيق في أمر أولادها [24].
إن أولادها لن يكون لهم أصول،
وأغصانها لن تُخرِج ثمارًا [25].
وهي تُخلّف ذِكرًا ملعونًا،
وفضيحتها لا تُمحَى [26].
فيعرف الباقون بعدها أن لا شيء أفضل من مخافة الربّ،
ولا شيء أعذب من الاهتمام بوصايا الرب [27].
v يا من تُحِبُّون التعليم، وتتوقون إلى الإصغاء، اقبلوا مرة ثانية الكلمات المقدسة، وأبهجوا أنفسكم بعسل الحكمة، لأنه مكتوب: "الكلمات الحسنة شهد عسل، وحلاوتها شفاء النفس" (أم 16: 24) LXX. عمل النحل حلو جدًا، وينفع نفس الإنسان بطرقٍ كثيرةٍ، وأما العسل الإلهي الخلاصي، فيجعل أولئك الذين يستقر فيهم ماهرين في كل عملٍ صالحٍ، ويُعَلِّمهم طرق التقدُّم الروحي[24].
v أَتُحِب المُتعة والملذَّات؟ تطلَّع إلٍى وصايا الرب، فهي بالنسبة للنفس السوية أحلى من العسل والشهد![25] إنه سحر الحق الذي عَبَّر عنه المرتل، مؤكدًا ذلك عند قوله: "كم هي حلوة كلماتك لحلقي، إنها أحلى من العسل في فمي". نير المسيح حلو، وحمله خفيف في إنعاش من يخضعون له، أما كل ما هو غريب عن تعليم الإنجيل، فهو ثقيل ومُتعِب (مت 11: 28-30)[26].
v سؤال: كيف يمكن لمن صار متراخيًا في الوصية، أن يسترد غيرته ويقظته؟
الإجابة: بالاقتناع بحضرة الرب الإله الذي يسهر على كل الأشياء في كل مكانٍ، وأن يضع أمام عينيه التهديد ضد المتراخين، والرجاء بمكافأة عظيمة من الله، الذي وعد بها خلال بولس الرسول، قائلًا: "كل واحدٍ سيأخذ أُجرته بحسب تعبه" (1 كو 3: 8)، والعبارات المشابهة التي تُشَجِّع على الغيرة والصبر من كل أحدٍ لمجد الله[27].
v سؤال: كيف يمكن أن يُتَمِّمَ إنسان وصايا الرب بوازعٍ داخليٍ وبغيرةٍ؟
الإجابة: بالطبيعة، خلال خبرة ما هو حلو ونافع، وتوقُّع أي شيءٍ من هذا النوع، يُولَد في النفس وازع وشوق إليه. لذلك إن أبغض أحد الإثم ومقته (مز 119: 163)، وتطهَّر من كل خطية، فكما عندما يفقد الجسم الشهية ولذَّة الطعام بسبب مرض، هكذا خلال مرض الخطية تعاني النفس من البلادة والنفور من أحكام الله البارّة. وان اقتنع أحد تمامًا أن وصية الله هي حياة أبدية (يو 12: 50)، وأن كل المواعيد التي للذين يحفظونها هي حق، عندئذ بهذا يعمل الوازع فيه، إذ قيل: "أحكام الرب حق عادلة كلها. أشهى من الذهب والحجارة الكريمة جدًا، وأحلى من العسل وقطر الشهاد. أيضًا عبدك يُحذّر بها، وفي حفظها ثواب عظيم" (مز 19: 10-12)[28].
v إليك أشكو نفسي، يا أيها الرب أبو حياتي وسيِّدها.
لتكن مشيئتك في حياتي، ولتصلب مشورتي المتهاونة.
من يستطيع أن يؤدِّب أفكاري المتهاونة، ويجلدها بالسياط سواك.
لست أئتمن أحدًا يجلد أفكاري سواك.
فأنت أب سماوي رحوم، وقدير وعالم بكل أعماقي!
بسياطك الحازمة والمملوءة حبًا حَطِّم تعالي عينيّ المتشامختين.
لك وحدك السلطان أن تقتلع شهواتي الشريرة والنهم، وكل فساد من جذوره.
v اسندني وأَقِم حراسة مُشَدَّدة لحفظ لساني.
لا تسمح لكلمة شتيمة أو تشامخ أو تسرُّع في النذور يصدر من فمي.
لا تسمح لفمي الدنس أن يتهاون، فيحلف باسمك يا أيها القدوس وحده!
كلمات التجديف تهاجم فمي كي تحتله، فيحلّ بي الموت.
كابن لك لا تسمح لكلمات رخيصة غير لائقة تصدر من فمي!
v لتُطفِئ نيران الشهوات حتى لا تحرقني، وتُدَمِّرني تمامًا.
كل النفوس مهما بلغ فسادها تدرك أن الشهوات رديئة،
لذّتها ربما تدوم إلى دقائق وتشمئز منها النفس.
لكنها إذ تمسك بقلب الإنسان وفكره، تضرب بجذورها في أعماقه،
وتحسب أنها أقامت مملكتها فيه...
من يقدر أن يطردها من كرسي عرشها؟!
أنت وحدك يا أيها القدوس، تشرق ببرِّك، فتتبدَّد ظلمة الشهوات!
_____
[1] Homilies on Jeremiah and on 1 Kings 28، FOTC، vol. 97، 3-64.
[2] عظة 6: 2 على إرميا، ترجمة جاكلين سمير كوستى.
[3] Homilies on Jeremiah 6:2.
[4] The Teacher، the Free Will; Grace and Free Will، FOTC، vol. 59، p. 285-287.
[5] Grace and Free Will، FOTC، vol. 59، p. 285-287.
[6] St. Augustine، Letters، FOTC، vol. 18، p. 392-395.
[7] الأب مينا المقاري: ميمر رقم 79، نشره بالإنجليزية سباستيان بروك S. Brock ، وذلك في مجلة Sobornost, Vol. 3, no. 1, 1981.؛ الميمر 79 على البرقع الذي على وجه موسى (خر 34: 33-35) (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).
Sebastian P. Brock: Jacob of Sarug's Homily on the Veil on Moses' Face, Gorgias Press, 2009.
[8] On Acts Of The Apostles، Homily 10.
[9] Concerning The Statues، Homily 14: 16
[10] In Acts, hom 9.
[11] In Acts, hom 9.
[12] Sermons، FOTC، vol. 1، p. 119-121.
[13] Regulae brevius tractatae, 24.
[14] Regulae brevius tractatae, 51.
[15] On 1 Tim، Homily 10.
[16] On 2 Thess، Homily 1.
[17] Seven Exegetical Works، FOTC، vol. 65، p. 331-333.
[18] Hexamaeron 2:10:38.
[19] Duties Of The Clergy، Book 1، Ch. 14:54.
[20] Paedagogus, FOTC، vol. 23، p.175-176.
[21] Paedagogus 2: 10: 99E.
[22] Letters، FOTC، vol. 26، p.448-449.
[23] Hexamaeron .... FOTC، vol. 42، p.43-44.
7 تفسير انجيل لوقا، عظة 120، ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد، نوفمبر 1998، ص 154.
[25] Ep. 8:8.
[26] Morals Rule 44:1.
[27] Regulae brevius tractatae، 37.
[28] Regulae brevius tractatae، 174.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 24 |
قسم تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب |
تفسير يشوع ابن سيراخ 22 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fjvr374