← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33
الأصحاح العشرون
إذ تحدث سيراخ في الأصحاح السابق عن ضبط اللسان، يُقَدِّم لنا في هذا الأصحاح مجموعة من النصائح العملية والأخلاقيات تخصّ الصمت والكلام. فالتعرُّف على المتناقضات يسندنا في ممارسة الحكمة حين نتكلم وحين نصمت، حيث لا ننشغل بالمظهر الخارجي، بل أن تكون لنا مفاهيم عميقة في تصرُّفاتنا وكلماتنا وصمتنا.
الإنسان الحكيم لا يعتمد على المظاهر الخارجية، إنما يشعر بضرورة الدراسة ومعرفة الحقيقة، حتى لا تخدعنا المظاهر الخارجية، فنجاح الإنسان قد يكون في حقيقته خسارة، ورُبّ مجدٍ يكون طريقًا للمهانة إلخ. يدعو ابن سيراخ تلاميذه الشبان ألاَّ يتسرَّعوا في الحُكْمِ معتمدين على المظاهر، بل يحتاج الشاب أن يقف دقائق يفحص الأمر، فيُدرِك أن حقيقة الأمر مختلفة عن المظهر.
[1 -8] (ت: 1-8) |
||||
[9 -15] (ت: 9-16) |
||||
[16 -20] (ت: 17-22) |
||||
[21 -26] (ت: 23-28) |
||||
[27 -31] (ت: 29-33) |
||||
* من وحي سيراخ 20: لألتصق بك في صمتي كما بكلماتي! |
(سي 19: 28) رُبَّ عِتَابٍ لاَ يَجْمُلُ، وَرُبَّ صَامِتٍ عَنْ فِطْنَةٍ.
1 الْعِتَابُ خَيْرٌ مِنَ الْحِقْدِ، وَالْمُقِرُّ يُكْفَى الْخُسْرَانَ. 2 الْخَصِيُّ الْمُتَشَهِّي يُفْسِدُ الْبِكْرَ، 3 وَهكَذَا فِعْلُ مَنْ يَقْضِي قَضَاءَ الْجَوْرِ. 4 مَا أَحْسَنَ إِبْدَاءَكَ النَّدَامَةَ إِذَا وُبِّخْتَ؛ فَإِنَّكَ بِذلِكَ تَجْتَنِبُ الْخَطِيئَةَ الاِخْتِيَارِيَّةَ. 5 رُبَّ سَاكِتٍ يُعَدُّ حَكِيمًا، وَرُبَّ مُتَكَلِّمٍ يُكْرَهُ لِطُولِ حَدِيثِهِ. 6 مِنَ السَّاكِتِينَ مَنْ يَسْكُتُ، لأَنَّهُ لاَ يَجِدُ جَوَابًا، وَمَنْ يَسْكُتُ لأَنَّهُ يَعْرِفُ الأَوْقَاتَ. 7 الإِنْسَانُ الْحَكِيمُ يَسْكُتُ إِلَى حِينٍ، أَمَّا الْعَاتِي وَالْجَاهِلُ فَلاَ يُبَالِي بِالأَوْقَاتِ. 8 الْكَثِيرُ الْكَلاَمِ يُمْقَتُ، وَالْمُتَسَلِّطُ جَوْرًا يُبْغَضُ.
يوجد توبيخ ليس في وقته،
ويوجد من يصمت وفيه تمييز [1].
ليس الكلام ولا الصمت فضيلة في ذاتهما ولا رذيلة، إنما استخدام الصمت أو الكلام في الوقت المناسب وبأسلوب لائق بأبناء الرب يُحسَب فضيلة. إذ يمكن للإنسان أن يصمت لكن قلبه ليس نقيًا، وأيضًا يتكلم وقلبه غير نقي.
v من اقتنى الحق، يحدثه يسوع، ويستطيع أن يصغي حتى إلى صمته (صمت السيّد المسيح)، فيكتمل ويعمل بكلمته وصمته (صمت المؤمن المدرك لصمت السيّد المسيح)[1].
القدِّيس أغناطيوس الثيؤفورس
v ابتعدوا عن الإصغاء إلى القصص العالمية، حتى لا توصم نفوسكم بأية وسيلة بالوحل. لا تكونوا توَّاقين لسماع أقوال الغير، ولا أن تلقوا أنفسكم في مناقشات الآخرين، فلا تجعلوا من أنفسكم موضوع سخرية وتُسَبِّبوا للآخرين أن يرتكبوا افتراءات[2].
v يجب على المتزعزعين وغير المختبرين ألا يحاولوا إخضاع العقلاء لمُجرَّد التساؤل (لا يكون همُّهم هو مُجَرَّد سؤالهم)، لأن العاقل هو من يسعى في إرضاء الله، ويُكثِر من الصمت، وإن تكلم يتكلم قليلًا، ينطق بما هو ضروري ومرضي لدى الله[3].
v خير لك أن تبقى بين ألوف من البشر وقلبك مُحِب، عن أن تختفي في الكهوف بمفردك وفيك كراهية.
كم يكون التوبيخ أفضل من الهياج بالغضب [2].
من يعترف بخطئه ينجو من الخسارة [3].
التوبيخ بحُبٍ وحكمة هو إعلان عن محبة الكنيسة للخاطئ وبغضها لخطيته، لهذا يلزم في الراعي أثناء توبيخه أن يُراعِي:
أ. يصدر عن قلب أبوي مملوء رأفة ووداعة (1 كو 21:4).
ب. يُقدَّم حسب حالة الخاطئ وإمكانياته، ويُقَدَّم التأديب بصورة مرنة لا في شكل قانونٍ صارمٍ أو إلزامٍ جافٍ.
ج. يجب أن ينتهي التأديب بالتوبة المملوءة رجاء.
v إنَّني أسأل: مَن مِنَ الناس فسد أكثر من ملك بابل (نبوخذنصر)... لقد أُعطيت له فرص كثيرة للتوبة. الأولى هي تلك المعجزة التي تمَّت في أتون النار (أي ظهور ابن الله مع الثلاثة فتية في وسط النار) (دا 3). والثانية هي تلك الرؤى التي ظهرت له، وقد فسرَّها له دانيال، هذه الرؤى الكفيلة بأن تسحق أي قلب حجري (دا 4)، بعد ذلك نصائح النبي نفسه.
في كل هذا لم يعاقبه الله بل أطال أناته عليه ناصحًا إيَّاه تارة بالرؤى وأخرى على لسان نبيِّه، ولكن إذ لم يحدث له أي إصلاح بأية وسيلة من هذه الوسائل، أخيرًا صبَّ عليه العقاب "فطُرِد من بين الناس، وتساوَى قلبه بالحيوان، وكانت سكناه مع الحمير الوحشيَّة، فأطعموه العشب كالثيران وابتلَّ جسمه بندى السماء" (دا 5: 21). ولم يكن هذا العقاب للانتقام، إذ أعاده ثانية إلى مركزه الأول دون أن تصيبه أيَّة خسارة، بل استفاد أكبر فائدة ممكنة.
v يُعَلِّمنا بولس الرسول ألاَّ نهجر أولئك الذين ارتكبوا خطيَّة للموت، إنَّما نلزمهم بخبز الدموع (أي التوبة)، لكن ليكن حزنهم معتدلًا. وهذا هو ما تعنيه عبارة: "سقيتهم الدموع بالكيل" (مز 130: 5)، فحزنهم يجب أن يكون بكيلٍ، لئلاَّ يُبتلَع التائب من فرط الحزن. وذلك كما قال لأهل كورنثوس: "ماذا تريدون، أبعصا آتي إليكم، أم بالمحبَّة وروح الوداعة؟!" (1 كو 4: 21). إنه يستخدم العصا، لكن بغير قسوة، إذ قيل: "تضربه أنت بعصا، فتنقذ نفسه في الهاوية" (1 مل 23: 14). وماذا يقصد الرسول بالعصا، ظهر عند طعنِهِ ضد خطيَّة الزنا (1 كو 5: 1)، منذرًا ضد الفسق بالأقرباء المحرَّم الزواج بهم، معنِّفًا كبرياءهم، إذ تكبر هؤلاء الذين كان يلزمهم أن يحزنوا. وأخيرًا في حديثه عن المُذنِب (الذي يريد الزواج بامرأة أبيه) أمر بعزله عن الجماعة وتسليمه للشيطان، ليس لأجل هلاك نفسه، بل لهلاك جسده.
v من الضروري أن نعترف عن خطايانا للذين أُعطِي لهم تدبير أسرار الله. الذين أظهروا ندامة في القديم قدَّموها أمام القديسين. جاء في الإنجيل أنهم اعترفوا بخطاياهم ليوحنا المعمدان (مت 3: 6)، وفي سفر الأعمال اعترفوا للرسل الذين اعتمدوا بواسطتهم أيضًا (أع 19: 18)[4].
v حين تنشغل بخطيةٍ ما، كن مُتَّهِمًا لنفسك (أم 18: 17)، ولا تنتظر الآخرين أن يُقَدِّموا الاتهام. بهذا تصير أشبه بإنسانٍ بارٍ يتَّهِم نفسه في أول حديث له في المحكمة، أو تكون كأيوب الذي لم يَعُقه جمهور الشعب في المدينة عن الإعلان عن جريمته أمام الكل[5].
كالخصي المشتهي فض بكارة فتاة،
هكذا من يستعمل العنف في تحقيق العدالة [4].
إذ يستحيل على الخصي أن يحقق شهوته نحو عذراء يعاني من الكبت والشعور بالفشل، ومن يظن أنه يُحَقِّق العدالة بالعنف يفشل تمامًا.
رُبّ صامت يُعد حكيمًا،
ورُبّ رجل يُبغَض لكثرة كلامه [5].
يتحدث عن إنسانٍ يجهل معالجة أمرٍ ما، أو يجهل الإجابة على سؤالٍ مُوَجَّه إليه، إذا اعترف في داخله بجهله فصمت، يُحسَب حكيمًا. وإن حاول الإجابة ليبدو كمن يعرف، فحديثه هذا يجعله مكروهًا.
رُبّ أحد يصمت لأنه لا يجد جوابًا،
وأحد يصمت لأنه يعرف الوقت المناسب للكلام [6].
اثنان يلتزمان بالصمت، أحدهما لأنه لا يعرف الإجابة، ومن الحكمة أن يصمت. والثاني له معرفة إنما يصمت لأن الوقت غير مناسب للكلام. الأخير يتكلم في الوقت المناسب.
الإنسان الحكيم يحتفظ بالصمت إلى الوقت المناسب للكلام،
أما المتكبّر والغبي فيفوتهما الوقت المناسب للكلام [7].
الحكيم يُقَدِّم الدواء المناسب في الوقت المناسب، فكلمته تأتي بالثمر اللائق، أما المتكبر والغبي فيصمتان حين كان يلزمهما أن يتكلما، وكأنهما لا يقدمان العلاج في الوقت المناسب، فيتأخَّران عن الإجابة مما يُسَبِّب تضخُّم المشكلة وتعقيدها.
v حقيقة عندما يرى إنسان أن ما يفعله القريب شرّ ويصمت، فكأنه يمنع البلسم عن الجراح التي يراها، وبذلك يؤدِّي به إلى الموت، وذلك بمقدار تمنعهم عن تقديم الشفاء عندما كان في استطاعتهم. في هذه الحالة لا ينبغي أن يُرْبَط اللسان تمامًا، بل أن نتحكَّم فيه بتعقُّلٍ وحكمةٍ، لأنه مكتوب: "الإنسان الحكيم يسكت إلى حين (أما العاتي والجاهل فلا يبالي بالأوقات)" (راجع سي 20: 7). بمعنى أنه عندما يكون التكلم بما هو ملائم مناسبًا، ينبغي إزاحة الرقابة على الصمت والتكلم حتى يُقَدَّمَ العون بكل الجهد. وقد كُتِبَ أيضًا: "للسكوت وقتٌ، وللتكلمِ وقتٌ." (جا 3: 7) بمعنى أن هناك أوقات متنوعة لا بد أن نفكر فيها بحكمة[6].
v الآن ماذا يلزمنا أن نتعلَّمه قبل كل شيء آخر سوى الصمت حتى يمكننا أن نتكلم؟ لئلا صوتي يدينني، قبل أن يبرئني شيء آخر، كما هو مكتوب: "بكلامك تُدَان" (مت 12: 37).
أي شيء نحتاج إليه أكثر أمانًا مثل حفظ الصمت، لكي ما نسرع إلى التحفُّظ من الإدانة التي بواسطة الكلام؟ كم من كثيرين رأيتهم يسقطون في الخطية بواسطة الكلام، بينما نادرًا ما يسقط أحد بالصمت. وهكذا فإنه يصعب جدًا أن تعرف كيف تحفظ الصمت عن كيف تتكلم. يندر جدًا أن يصمت أحد حين يكون الكلام غير نافعٍ له. أخيرًا، فإن حكمة الله يقول: "أعطاني الرب لسان المتعلمين لأعرف متى يكون الكلام صالحًا" (إش 50: 4) LXX. حسنًا يقول الكتاب المقدس: "الإنسان الحكيم يسكت إلى الوقت المناسب" (راجع سي 20: 7)[7].
الكثير الكلام سيُمقَت،
والفارض نفسه يُبغَض [8].
بعد أن عالج سيراخ موضوع الالتزام بالصمت أو الكلام حسبما فيه نفع، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى، الآن يشير إلى نوعين من الخطأ. الخطأ الأول أن الشخص يتكلم في الوقت المناسب، ولديه إجابة حسنة، غير أنه يُكَرِّر الإجابة مدة ومرات، فلا تأتي إجابته بثمرٍ، لأن المُستمِع يمل من كثرة الكلام. والخطأ الثاني أن الشخص يُقحِم نفسه في حياة الأخرين دون أن يُطلَب منه ذلك، فيُبغِضه المُستمِع.
9 رُبَّ نَجَاحٍ يَكُونُ لأَذَى صَاحِبِهِ، وَرُبَّ وِجْدَانٍ يَكُونُ لِخُسْرَانِهِ. 10 رُبَّ عَطِيَّةٍ لاَ تَنْفَعُكَ، وَرُبَّ عَطِيَّةٍ تَكُونُ مُضَاعَفَةَ الْجَزَاءِ. 11 رُبَّ انْحِطَاطٍ سَبَّبَهُ الْمَجْدُ، وَرُبَّ تَوَاضُعٍ يُرْفَعُ بِهِ الرَّأْسُ. 12 رُبَّ مُشْتَرٍ كَثِيرًا بِقَلِيلٍ، يَدْفَعُ ثَمَنَهُ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ. 13 الْحَكِيمُ يُحَبِّبُ نَفْسَهُ بِالْكَلاَمِ، وَنِعَمُ الْحَمْقَى تُفَاضُ سُدًى. 14 عَطِيَّةُ الْجَاهِلِ لاَ تَنْفَعُكَ، لأَنَّ لَهُ عِوَضَ الْعَيْنَيْنِ عُيُونًا. 15 يُعْطِي يَسِيرًا، وَيَمْتَنُّ كَثِيرًا، وَيَفْتَحُ فَاهُ مِثْلَ الْمُنَادِي. 16 يُقْرِضُ الْيَوْمَ وَيُطَالِبُ غَدًا. إِنَّ إِنْسَانًا مِثْلَ هذَا لَبَغِيضٌ.
أحيانًا يخفي المظهر الخارجي الحقيقة، بل وقد يخدع الإنسان نفسه أو من هو حوله. فقد تدفع خبرة الفشل إلى مراجعة الإنسان نفسه ليسلك بروح النجاح في المستقبل، بينما قد تتحطَّم حياة إنسان بمظهر النجاح، كما يحدث عندما يكسب مبلغًا ضخمًا في يانصيب[8].
رُبّ نجاحٍ يكون في وسط المحن،
وأيضًا مكسب يتحوَّل إلى خسارة [9].
قد يتمتَّع شخص بنجاحٍ أو مكسبٍ، لكن بسوء تصرُّفِه، يسبب له نجاحه متاعب، ويدخل به في تجارب قاسية، وما ناله من مكاسب يتحوَّل إلى خسائر. لذا يليق بالشخص أن يعرف كيف يُقابِل النجاح أو المكسب بحكمة ودراسة دون تسرُّعٍ.
v لا تخشى إذا اغتنى إنسان، إذا زاد مجد بيته" (مز 48: 16) LXX.. هذا الإعلان ضروري لسكان العالم، سواء للأرضيين earthborn أو لبني البشر، للأغنياء كما للفقراء أيضًا. "لا تخف عندما يغتني إنسان"، يقول: عندما ترى الظالم صار غنيًّا والبار فقيرًا، لا تخف على نفسك. لا يفزع ذهنك، كما لو كانت عناية الله لا تتطلَّع إلى الشئون البشرية، أو أن السهر الإلهي يمتدُّ إلى بعض الأماكن، وليس إلى كل الأرض، لكي يرعى شئوننا. إن كانت توجد عناية إلهية، لكانت تمتد إلى كل إنسانٍ بما يناسبه. فالأبرار الذين يفهمون كيف يستخدمون الثروة يصيرون أغنياء، والأشرار الذين يستخدمون الثروة كأداة لشرِّهم يلزم أن يكونوا فقراء.
الآن، حيث يوجد كثيرون في الأمم وبين الأرضيين الذين لهم مثل هذه المفاهيم، وبسبب التناقض الواضح في توزيع الثروات للحياة، يظنُّون أن العالم ليس من عمل العناية الإلهية.
يُوَجِّه الكتاب المقدس حديثه إليهم، لكي يُهَدِّئ من انفعالاتهم غير السليمة في البداية عينها. يدعوهم أن ينصتوا إلى التعاليم. بالتأكيد، تشير على وجه الخصوص فقط إلى الشخص الفقير، عندما تقول: "لا تخشى إذا اغتنى إنسان". هؤلاء على وجه الخصوص يحتاجون إلى تعزية، ألا يرتعدوا أمام أصحاب السلطان. إذ تقول إن الإنسان الغني ليس لديه ميزات عند موته، إذ لا يستطيع أن يأخذ ثروته معه. على أي الأحوال، إنه يحسب أن كل ما يقتنيه هو التمتُّع بها، إذ تظن نفسه أنها سعيدة في هذه الحياة بواسطة المُتملِّقين له. أما عند موته فلا يأخذ كل تلك المقتنيات.
تقول: إنه يأخذ فقط الثوب الذي يستر به عاره، وهذا كما يبدو أفضل ما يُقَدِّمه له أهل بيته عندما يُغَطُّونه. يلزمه أن يكون راضيًا أن ينال قطعة أرض صغيرة يُقَدِّمونها له إذ يحنو عليه الذين يدفنونه، يقدمونها إليه من أجل تكريم الطبيعة البشرية بوجه عام، وليس كامتيازٍ خاصٍ به، بل لتكريم البشرية.
إذن لا تضطربوا من أجل الأمور الحاضرة، إنما انتظروا تلك الحياة المُطوَّبة. فإنكم سترون أن ما يحلّ بالبار من فقرٍ وإهانة وحرمان من الترف، إنما هو لصالحه. لا تضطربوا الآن، من جهة ما تحسبونه خيرات، أنها توزّع كما بطريقة غير عادلة. ستسمعون كيف سيُقَال لغنيٍ ما. "إنك استوفيت خيراتك في حياتك" (لو 16: 25). أما للفقير فقد حَلَّت به بلايا في هذه الحياة، لذلك فالأخير يتعزَّى والأول يتعذَّب.
"وسيحمدك إذا أحسنت إليه" (مز 48: 18) LXX. بالنسبة للإنسان الأرضي وذاك الذي يظن أن الخيرات هي الميزات التي في هذه الحياة من ثروة وصحة وسلطة خاصة به. بالحقيقة مثل هذا الإنسان يحمد الله عندما ينفرد بأمورٍ حسنة، ولكن في الظروف الخطيرة ينطق باللعنات... هكذا أيضًا بالنسبة للاتهامات التي وَجَّهها الشيطان ضد أيوب (أي 1: 9)، وهي أن أيوب لم يكرِّم الله مجانًا، إنما نال مكافأة عن تقواه: الغِنَى وكل بقية الممتلكات. لذلك لكي يبرهن على فضيلته سحب الله كل ما لديه لكي يكون شكر الإنسان نحو الله مشرقًا خلال كل شيء[9].
رُبّ عطية لا تنفعك في شيءٍ،
ورُب عطية تُلزمك بإيفائها مضاعفة [10].
يتحدَّث العلامة أوريجينوس عن العطايا الإلهية للإنسان بعضها روحي والآخر غير روحي. العطايا الروحية تسند الإنسان الحكيم، وتبني نفسه كما تبني الآخرين، أما العطايا غير الروحية قد يُسِيء الإنسان استخدامها، فمع كونها ليست شريرة، لكن باستخدامها الخاطئ تصير شريرة.
قد يربح الإنسان مالًا، فيُسِيء استخدامه في حياة مترفة والسُكْر أو الارتباط بالأشرار. وآخر يجد في المال فرصته ليسند عائلته وأصدقاءه والمحتاجين. لذا يليق بنا أن نقتدي بسليمان الحكيم الذي لم يطلب مالًا ولا مجدًا ولا نصرة على الأعداء، بل أن يهبه الله الحكمة لتدبير حياة المملكة وحياته.
v عندما يقول (الرسول): "لكي أمنحكم هبة روحية" (رو 1: 11) يعرف بأنه توجد عطايا غير روحية. بالتأكيد عطية الإيمان روحية، وأيضًا عطية الحكمة والمعرفة وما أشبه ذلك كالبتولية. ولكن عندما يتحدث عن الزواج والبتولية يقول: "لكل واحدٍ له موهبته الخاصة من الله. الواحد هكذا والآخر هكذا" (1 كو 7: 7). هكذا بالحقيقة يدعو الزواج عطية، إذ كتب: "الزوجة (المُتعقِّلة) فمن عند الربّ" (أم 19: 14)، لكن هذه العطية ليست روحية. أمور أخرى كثيرة يمكن أيضًا أن تُدعَى عطايا من الله مثل الثروة والقوة الجسدية والجمال الخارجي والممالك الأرضية. فإن هذه يهبها الله، كقول دانيال: "يعزل ملوكًا وينصب ملوكًا" (دا 2: 21)، لكن هذه العطايا ليست روحية[10].
بعض العطايا والمواهب قد لا تنفع شيئًا متى أساء الإنسان استخدامها أو استخدمها بروح الكبرياء والعجرفة، فإن الله يستطيع أن يرفع إنسانًا متواضعًا ويذل إنسانًا متكبرًا. إنه يقيم أناسًا من المزبلة ويُجلسهم مع أشراف أشراف شعبه كما فعل مع يوسف بن يعقوب (تك 37-50)، وكما ورد في تسبحة القديسة مريم (لو 1: 47-53).
رُبّ مجد يُسَبِّب خسائر،
ورُبّ إنسان يرفع رأسه من حالة الذلّ [11].
سقط كثيرون بسبب مجدهم الزمني في الكبرياء، فأنزلهم الرب عن كراسيهم، بل وفقدوا أبديتهم بينما رفع الرب رؤوس المتواضعين. "أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتضعين" (لو 1: 52).
v عظيمة هي قوّة هذا الدواء، وعظيمة هي قدرة هذا التشبيه، في علاج مرض الكبرياء. لماذا تنتفخ؟ أو لماذا يحتقر آخر نفسه؟ أليس جميعنا جسدًا واحدًا، العظيم منّا والصغير؟ إن كنّا في مجموعنا واحدًا، وأعضاءً لبعضنا البعض، فلماذا تعزل نفسك بالتشامخ؟ لماذا تهين أخاك؟ فكما هو عضو لك أنت عضو له. لقد قرَّر (الرسول) أمرين يكسران الروح المتكبر: الأول إننا أعضاء بعضنا لبعض، ليس فقط الصغير عضو للكبير وإنما الكبير أيضًا للصغير، والثاني إننا جسد واحد. بل توجد نقطة ثالثة، وهي أن العطيّة من قِبَل النعمة، لذلك لا تستكبر، لأنها معطاة لك من الله...
أيضًا إذ يمسّ موضوع المواهب، لا يقل إن أحدًا أكبر وآخر أصغر بل ماذا؟ المواهب مختلفة! كلماته هكذا "لنا مواهب" (رو 12: 6) ليست أقل وأعظم بل "مختلفة[11]".
رُبّ مشترٍ كثيرًا بقليلٍ،
لكنه يدفع ثمنه سبعة أضعاف [12].
ما ورد هنا يعاني منه الكثيرون، حيث ما يشغل البعض أن يشتروا ما يحتاجون إليه بأقل ثمنٍ ممكن دون التقدير الصحيح لما يفقدوه بسبب اختيارهم هذا. من أمثلة ذلك:
أ. إنسان يشتري مبنى قديم ويحاول إصلاحه وصيانته معتبرًا الثمن أقل من ثمن الأرض نفسها. وإذ يلتزم المشتري بإصلاحات مستمرة يجد نفسه أنفق على المبنى أضعاف ما كان سيدفعه، لو كان قد قام ببنائه أو بشراء مبنى في حالة جيدة.
ب. كثيرًا ما نجد بعض الأشخاص يقضون ساعات طويلة لشراء شيء ما بأقل ثمن ممكنٍ، لقد أضاعوا من وقتهم الكثير، وهم وعائلتهم في حاجة إلى الوقت أكثر مما وفَّروه في الثمن.
ج. في اختيار أقل تكلفة لشراء شيء ما أو تصنيعه قد يدخل في مناقشات أسرية تفسد سلام الأسرة، الأمر الذي لا يُقَدَّر بثمنٍ.
الحكيم يجعل نفسه محبوبًا بكلماته،
ولطف الأحمق يُنسَى [13].
الحكيم يعرف قدر الكلمة العذبة التي تُقِيم صداقات، أما الأحمق فقد يُقَدِّم لطفًا وإحسانا، لكن إذ لا يربط الإحسان بكلمة عذبة، يفقد الإحسان قيمته، ولا يعود مستلم الإحسان يذكره.
عطية الغبي لا تنفعك شيئًا،
لأن له عيونًا كثيرة عِوَض العين الواحدة [14].
في غباوة يُبالِغ الأحمق في الأمور، فينظر إليها كما بعيون كثيرة. مثال ذلك الأم غير الحكيمة ترى في ابنها أذكى إنسانٍ، وفي ابنتها أجمل فتاة. عدم تقدير الأمور كما ينبغي يُفسِد سلام الشخص، ويُحَطِّم من هم حوله. في نفس الوقت يظن الشخص في مبالغته أنه هو مصدر نجاحهم وغناهم إلخ.
v العين هي مصدر نظر الجسد، والعقل هو مصدر نظر النفس. وكما يكون الجسد أعمى بدون العينين، فلا يُعايِن الشمس المنيرة على الأرض والبحر، ولا يقدر أن يتمتَّع بضيائها، هكذا تكون النفس عمياء بدون العقل السليم والحياة الصالحة، فلا يكون لها معرفة بالله، ولا تُمَجِّد الخالق صانع الخيرات للبشرية كلها، ولا تقدر أن تتمتَّع بالفرح عن طريق حصولها على عدم الفساد ونوالها تطويبًا أبديًا[12].
يُعطي يسيرًا ويُهين كثيرًا، ويفتح فاه مثل المنادي.
يُقرض اليوم ويُطالب به غدًا. مثل هذا الإنسان بغيض [15].
تحذير من الإنسان الغبي إن قَدَّم هدية، فإن وراءها كيل من الإهانات. يُقَدِّم هدية ويُسَبِّب خسائر أكثر مما قدَّم. في جهالة يُقَدِّم الغبي القليل جدًا ويحسب نفسه أكثر الناس بذلًا وسخاءً. ينتظر دومًا ممن يتعامل معهم كلمات المديح والشكر والتكريم بوسيلةٍ أو أخرى. فَمه دائمًا مفتوح يشتكي ممن هم حوله لأنهم لم يكرموه كما يليق به. حياته في نظره صفقات خاسرة، ليس من يكافئه على عطاياه.
مثل هذا الإنسان بغيض، لأنه يُقَدِّم القليل ويُلحق التقدمة بشكاوى وتذمر وإهانات مما يُسَبِّب لنفسه كما لمن وهبه تقدمة خسائر نفسية وروحية.
17 يَقُولُ الأَحْمَقُ لاَ صَدِيقَ لِي، وَصَنَائِعِي غَيْرُ مَشْكُورَةٍ. 18 إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ خُبْزِي خُبَثَاءُ اللِّسَانِ. مَا أَكْثَرَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِهِ، وَأَكْثَرَ اسْتِهْزَاءَاتِهِمْ. 19 فَإِنَّهُ لاَ يُدْرِكُ حَقَّ الإِدْرَاكِ مَاذَا يَسْتَبْقِي، وَلاَ يُبَالِي بِمَا لاَ يَسْتَبْقِي. 20 الزَّلَّةَ عَنِ السَّطْحِ وَلاَ الزَّلَّةَ مِنَ اللِّسَانِ؛ فَإِن سُقُوطَ الأَشْرَارِ يُفَاجِئُ سَرِيعًا. 21 الإِنْسَانُ السَّمِجُ كَحَدِيثٍ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ لاَ يَزَالُ فِي أَفْوَاهِ فَاقِدِي الأَدَبِ. 22 يُرْذَلُ الْمَثَلُ مِنْ فَمِ الأَحْمَقِ، لأَنَّهُ لاَ يَقُولُهُ فِي وَقْتِهِ.
بعد أن تحدَّث عن خداع المظاهر الخارجية، وطالب الحكيم أن يدرس الأمور بحكمةٍ وتروٍ وعمقٍ حتى يعرف الحقائق ولا ينخدع، تحدث عن حاجة الإنسان إلى نعمة الله التي تقود الفكر إلى الداخل فيتعرَّف على الحق. الإنسان الذي يتَّكِل على فهمه وأفكاره متعريًا من النعمة فاقد التمييز الصادق. فمهما بلغ ذكاء الإنسان وقدراته ودراساته محتاج إلى تقديس أعماقه بالنعمة الإلهية، لا لتُحَطِّم فكره بل لتسمو به وتُقَدِّسه وتكشف له الأسرار الفائقة.
يقول الأحمق: ليس لي صديق،
وأعمالي الصالحة لا تُقابَل بشكرٍ [16].
إذ يشعر الجاهل أن لا صديق، وليس من يشكره على أعماله الصالحة، يبذل كل جهده كي يخلد اسمه وذكراه على الأرض. قد يُقِيم مشروعات تشهد لصلاحه وأبنية فاخرة ينحت اسمه عليها. ولا يدرك أنه بخطاياه صار ميتًا، يُلقَى في القبر. جسده نفسه يصير قبرًا لنفسه الميّتة. يدهش القديس باسيليوس ممن ينحتون أسماءهم على المقابر، فيربطون أسماءهم بالموت عوض تسجيلها في سفر الحياة. وكأنهم إذ فشلوا في وجود أصدقاء لهم في السماويات، يطلبون أصدقاء من الموتى. إذ لا يتمتَّع الإنسان الأحمق بالنعمة الإلهية ولا يتجاوب معها دائم الشكوى، يحسب أنه محروم من صديقٍ مُخْلِصٍ، يُقَدِّر أعماله الصالحة. يرى أن الكثيرين يأكلون خبزه، وعوض تقديم الشكر له يسخرون به.
v الجهال والبلداء (الحمقى senseless) يهلكون معًا، ويتركون ثروتهم لآخرين. مقابرهم هي مساكنهم إلى دورٍ فدورٍ، ينادون بأسمائهم على الأراضي" (مز 48: 10-11) LXX...
البليد (senseless) بالحقيقة هو من ينقصه الإحساس العام، والذي ليس لديه بصيرة سليمة بالنسبة للأعمال البشرية العادية. بنفس الطريقة، عادة يُدعَى الذين يُمَيِّزون في شئون الحياة ما بين هو نافع وما هو ضار بالحكماء أو العقلاء prudent. هذا ما عُبِّر عنه في الإنجيل: "لأن أبناء هذا الدهر أَحْكَم من أبناء النور في جيلهم" (لو 16: 8). إنهم ليسوا حكماء بطريقة مُطلَقة، وإنما بسبب حصافتهم في تدبير حياتهم الحاضرة في الجسد، يُدعَون أيضًا خدام الظلم. بحسب هذا المعنى، فإن الحكماء هم أيضًا أفاعي، التي تُعَد أماكن خفية لنفسها، وفي حالة الخطر تتجنَّب بكل وسيلة الضربات أن تسقط على الرأس.
يُقَال جاهل على من ليس لديه خصال الإنسان الرفيعة. هذه التي هي فهم الله الآب، وقبول الكلمة، الذي "في البدء كان مع الله" (يو 1: 2)، والنور الذي يأتي من الروح القدس.
هؤلاء الأشخاص الذين لهم هذا الفكر، القادرون على القول مع بولس: "لكن لنا فكر المسيح" (1 كو 2: 16). مع ذلك يستخدم الكتاب المقدس النقيض، بالقول إن الشرير بليد في الكلمات التالية: "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مز 15: 1). مرة أخرى يدعو ما هو ضار للحياة غباوة، كما فعل الرسول في حديثه عن الذين سقطوا في شهوات غبية ومُضِرَّة (1 تي 6: 9).
هكذا ينزل البليد والجاهل إلى نهاية واحدة، وهي الهلاك. ويمكن لأحدٍ أن يقول إن الذي يعيش مثل الوثنيين يُدعَى أحمق، وأما الذي يسلك حياته كيهوديٍ بمظهر خارجي (حرفي) في حفظ الناموس فهو جاهل. إذ قال الرب للإنسان الأحمق بسبب إلحاده الذي فيه: "يا غبي هذه الليلة تُطلَب نفسك منك" (لو 12: 20). أما إسرائيل الذي سلك حسب الجسد فدُعي جاهلًا، كقول النبي: "وصار أفرايم كحمامة رعناء، يدعون مصر، يمضون إلى أشور (هو 7: 11).
حيث هلك هؤلاء تمامًا بجهلهم، صرنا نحن الغرباء ورثة لثروتهم. صارت لنا الوصايا، وصار لنا الأنبياء والآباء، وهكذا صار الأبرار في العالم لنا. هؤلاء الذين هلكوا في جهلهم تركوا لنا ثروتهم.
على أي الأحوال صارت بيوت هؤلاء الحمقى والجهَّال لهم مقابر إلى الأبد. لأن مقابر هؤلاء الذين امتلأت حياتهم بأعمال مَيِّتة بكل نوعٍ من الخطايا هي بيوتهم إلى الأبد. ذاك الذي هو مَيِّت بالخطايا، لا يسكن في بيتٍ، بل في قبرٍ، لأن نفسه مَيِّتة.
الآن يعقوب البريء في سلوكه وبسيط، سكن في بيتٍ. كُتِبَ عنه أنه إنسان بسيط وصالح سكن في بيتٍ (راجع تك 25: 27)، أما الرجل اللئيم فيسكن في قبرٍ، ولا يضع أساسًا للندامة، بسبب أعماله المَيِّتة، إنما يُشبِه قبرًا مبيضًّا من الخارج رائعًا جدًا، ولكن من الداخل مملوء عظامًا مَيِّتة وكل نجاسة (مت 23: 27). لهذا عندما يتكلم مثل هذا، لا يفتح فمه بكلمة الله، إنما له قبر، حنجرته قبر مفتوح. لذلك إن كان أحد يؤمن بالمسيح ولا يمارس أعماله في تناغُم مع إيمانه، فإنه إذ يصغي إلى تعاليم فاسدة، ويُجَدِّف على معاني الكتاب المقدس، يَتَحَطَّم على صخرة قبره[13].
v "بيوتهم إلى الأبد مساكنهم إلى دورٍ فدورٍ" (مز 48: 12) LXX، بمعنى أن قبورهم هي بيوتهم إلى الأبد. عندئذ، إذ يشرح ماذا يعني بالقبور، لكي يُظهِر أنه كان يتكلم عن أجسادهم التي تهلك فيها نفوسهم بشرورهم، يضيف هذه الكلمات: "مساكنهم إلى كل الأجيال؛ لأن الأجساد البشرية تُدعَى دومًا مساكن". هؤلاء أيضًا يدعون أراضيهم بأسمائهم. فإن اسم الإنسان اللئيم لا يُسَجَّل في سفر الأحياء، ولا يُحسَب مع كنيسة الأبكار المحصاة في السماء. إنما تبقى أسماؤهم على الأرض، إذ فَضَّلوا هذه الحياة الزائلة القصيرة المدى عن المساكن الأبدية. ألا ترون كيف أن الذين يبنون الأسواق والمدارس في المدن، ويُقِيمُون أسوارًا، وينشئون قنوات، يكتبون أسماءهم على المباني الأرضية؟
بالفعل قام البعض بنقش أسمائهم على قطعان الخيل، ووضعوا خططًا أن يبسطوا ذكراهم إلى زمن طويل في الحياة، أقاموا أبنية فخمة لمقابرهم، ونقشوا أسماءهم على الأنصاب. هؤلاء هم الحكماء في الأمور الأرضية، الذين يهتمون بالمجد الحاضر، ويحسبون تذكُّر الناس لهم فيه الكفاية لتحقيق السعادة. فإنكم إن رأيتم أحدًا من هؤلاء الذين يتشامخون جدًا، فيما يدعونه باطلًا بالمعرفة، ويُكَرِّسون أنفسهم لتعاليم فاسدة صادقوا عليها، وعوض اسم المسيحيين نسبوا أنفسهم لأحد الهراطقة: مرقيون أو فالنتينوس أو أحد المُعاصِرين في الحاضر، مُكَرِّسين أنفسهم للعمل لحساب أناس مُدَمِّرين، وفي اختصار في الأمور الأرضية[14].
إن كان الحمقى لا يكسبون لهم أصدقاء، فإنهم لا يدركون مفهوم الصداقة الحقيقية.
كثيرًا ما يتحدث القدِّيس يوحنا الذهبي الفم عن المحبة التي تُقِيم للإنسان أصدقاء فإن أقام عشرة أصدقاء معًا، فعوض أن يكون له يدان يعمل بهما يصير له كل الأيدي أي 22 يدًا يعمل بها كل واحدٍ منهم، فكم لو بالحب كسب الآلاف يعمل بهم، وهم يعملون به.
v أتدركون سمو المحبة، كيف تجعل الإنسان الواحد لا يُقهَر يزداد مرات كثيرة عما هو عليه. ألا ترى أن الإنسان الواحد يمكن أن يكون حاضرًا في أماكنٍ كثيرة في وقتٍ واحدٍ (إن كل صديقٍ له يُحسَب كأنه هو). فسيكون جزء منه في فارس كما في روما.
أي شيء لا تقدر المحبة أن تفعلها. جزء منه يكون حاضرًا هنا والآخر هناك. أو بالحريّ يكون الكل هنا والكل هناك. فإن كان له ألف صديق، أو له ألفان، تخيَّل مرة أخرى مدى قوته... (لا ترى أن المحبة تضاعف قوة الإنسان)؟ إنه لأمر ملحوظ أن إنسانًا واحدًا يحمل ألفًا من قوته[15].
الذين يأكلون خبزي كلامهم عديم الفائدة.
ما أكثر الذين يستهزئون به! وفي أحوالٍ كثيرة! [17]
هذه هي مشاعر الأحمق، فإذ يسلك بخبثٍ يظن فيمن يُقَدِّم لهم إحسانًا، عوض الشكر يتحدَّثون عليه بلسانٍ خبيثٍ.
الزلّة على الأرض أفضل من الزلّة من اللسان،
هكذا يكون سقوط الشرير سريعًا [18].
لماذا يسمّى خطأ اللسان "زلة"؟ لأن ما ينطق به الأحمق هو ردّ فعل لاشعوري لحماقته. يخطئ الأحمق بلسانه بدون تفكير، لكن أثر هذه الزلّة خطير، وقد يمتدّ إلى يوم الرب العظيم، ما لم يكن قد قَدَّم عنه توبة حقيقية. يبدو كأن زلة اللسان كلام في الهواء لا خطورة منه، غير أن سيراخ يشبهه بالسقوط على رصيف فيُسَبِّب له كسور، ويمكن أن يُسَبِّب تفجير في شرايين المخ تؤدي إلى موته.
v سلامة اللسان هي شجرة الحياة. اللسان الذي لا يخطئ بالكلام يستخدم سلامة العقل. بالحق مرض اللسان هو الخطية. من يقدر أن يضبط لسانه ولا يخطئ مملوء بالروح القدس[16].
الإنسان فاقد النعمة، كقصة تُروَى في غير وقتها،
إنها تستمر على شفاه الجهلاء [19].
قصة الأحمق فاقد النعمة يُرَدِّدها الجهلاء، أما الحكيم فيشتهي خلاص الأحمق بالرجوع إلى الله قبل فوات الأوان. نلاحظ في ابن سيراخ كثيرًا ما يُرَدِّد "الوقت المناسب"، فالآن يوم خلاص ووقت مناسب للتوبة، أما التأجيل فغباوة لأننا لا نملك الغد. إنه يُدرِك أن السالك بالنعمة الإلهية قادر على الدراسة والتدقيق في كل شيءٍ، والتعامل مع الغير بحكمةٍ ووقارٍ وتقديرٍ لهم. أما فاقد النعمة فيسقط في الجهالة ويستخفّ بوصية الله، مع عدم تقديره لمن هم حوله.
فاقد النعمة في جهالة لا يَقْبَل ضبط اللسان وضبط الشهوات وضبط النفس، لا يَقْبَل الوصية الإلهية، ولا التدبير الصادق للمجتمع، ولا خبرة الشيوخ الأتقياء. يُعرِّف ابن سيراخ الأحمق أنه إنسان فاقد النعمة، قد ينطق بكلمات حكمة تخرج من شفتيه لكن بدون خبرة.
يُرفَض المثل من فم الأحمق،
لأنه لا ينطق به في الوقت اللائق [20].
إذ لا يرجع الأحمق إلى الله ليهبه نعمة التوبة، تُحسَب كل كلماته مُقَدَّمة في وقتٍ غير لائقٍ.
لا يستطيع الشرير أن يشهد للبرّ، وأن تكون لشهادته فاعلية.
23 رُبَّ إِنْسَانٍ يَمْنَعُهُ إِقْلاَلُهُ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَفِي رَاحَتِهِ لاَ يَنْخَسُهُ ضَمِيرُهُ. 24 مِنَ النَّاسِ مَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنَ الْحَيَاءِ، وَإِنَّمَا يُهْلِكُهَا لأَجْلِ شَخْصِ الْجَاهِلِ. 25 وَمَنْ يَعِدُ صَدِيقَهُ مِنَ الْحَيَاءِ؛ فَيُصَيِّرُهُ عَدُوًّا لَهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ. 26 الْكَذِبُ عَارٌ قَبِيحٌ فِي الإِنْسَانِ، وَهُوَ لاَ يَزَالُ فِي أَفْوَاهِ فَاقِدِي الأَدَبِ. 27 السَّارِقُ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْلَفُ الْكَذِبَ، لكِنَّ كِلَيْهِمَا يَرِثَانِ الْهَلاَكَ. 28 شَأْنُ الإِنْسَانِ الْكَذُوبِ الْهَوَانُ، وَخِزْيُهُ مَعَهُ عَلَى الدَّوَامِ.
يوجد من يمنعه عوزه عن الخطية،
وفي راحته لن يخترقه الأسى [21].
يسمح الله للبعض بالعوز أو المرض أو أية ضيقة تمنعهم عن ممارسة الخطية، بينما لو كانوا في راحة لا يمارسون التوبة والندم على الخطية بل يسلكون في تراخٍ وإهمالٍ.
يوجد من يفقد حياته من الخزي،
أو يفقدها لأجل تصرّفه الغبيّ [22].
بعض الناس يخزون مما يرتكبونه، لكنهم لا ينطلقون إلى التوبة بروح الرجاء المُفرِح.
يوجد من يعطي وعدًا لصديقه من الخجل،
فيكسبه عدوًا له بغير سببٍ [23].
يُقَدِّم البعض وعودًا لأصدقائهم وهم يدركون عجزهم عن الوفاء، لكن بسبب الخجل يُقَدِّمونها. وإذ يأتي وقت الوفاء بالوعد يتحوَّل الأصدقاء إلى أعداء.
الكذب شرّ مُخزِ في الإنسان،
وهو يستمرّ في شفتي الجاهل [24].
يُعتبَر الكذب وصمة عار في الشخصية، ينشأ لأسباب كثيرة أهمها الخوف خاصة في الطفولة، حيث يود الطفل أن يهرب من العقوبة التي تُفرَض عليه؛ أو بسبب الشعور بالنقص، فيود أن يظهر بغير حقيقته. إذا اُكتشِف الكذب، يفقد الكثيرون الثقة فيه في كل ما يقوله أو يظهر عليه. يُسَمَّى الشيطان الكذاب وأبو الكذاب (يو 8: 44). ما دام السيد المسيح هو "الحق" (يو 14: 6)، فالكذب الذي هو ضد الحق، من سمة "ضد المسيح". يقول العلامة أوريجينوس: [يشير الكذب إلى خصم ذاك القائل: "أنا هو الحق" (يو 14: 6). هذا هو ضد المسيح، الذي أبوه كذَّاب بكونه إبليس[17].]
v يجب على كل أحدٍ أن يُعطِي اهتمامًا عظيمًا لئلا يسلبه "الكذب"، لأن الكذَّاب لا يتَّحِد مع الله. الكذَّاب غريب عن الله. ويقول الكتاب بأن الكذَّاب هو من الشيطان، إذ هو "كذَّاب وأبو الكذَّاب" (يو 44:8). هكذا دُعِي الشيطان أبو الكذَّاب، أما الحق فهو الله، إذ يقول بنفسه: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 6:14).
أما ترون إذن كيف أننا نصير غرباء عن الله بالكذب وبمن نتَّحِد (عن طريقه)؟! لذلك إن أَردنا بحق أن نخلص، يلزمنا أن نحب الحق بكل قوتنا وكل غيرتنا، ونحرس أنفسنا من كل كذب، حتى لا يفصلنا عن الحق والحياة[18].
الأب دوروثيئوس
يُعالِج القديس باسيليوس موضوع الكذب، خلال إجابته على أسئلة وردت في القوانين المختصرة.
v سؤال: هل يُدَان من يكذب عن عمدٍ فقط، أم أيضًا من ينطق بشيءٍ مُخالِفٍ للحق، عن جهلٍ منه؟
الإجابة: حكم الرب أيضًا ضد الذين يخطئون عن جهلٍ واضح من قوله: "الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات، يُضرَب قليلًا" (لو 12: 48). وفي كل الأحوال التوبة تحمل الرجاء الأكيد في المغفرة (مت 3: 8؛ لو 3: 8)[19]
v سؤال: إن كان أحد فَكَّر فقط أن يفعل شيئًا، ولم يفعله، فهل هذا يُحكَم عليه أنه كاذب (1 تي 1: 10)؟
الإجابة: إن كان ما فَكَّر أن يفعله ليس هو حسب الوصية، فإن الروح القدس يدينه ليس فقط ككاذبٍ، وإنما كعاصٍ، لأن الله يفحص القلوب والكلى (مز 7: 10)[20]
v سؤال: إن قَرَّر أحد مُقَدَّمًا أن يفعل شيئًا مكروهًا لدى الله، لكنه امتنع عن ذلك، فهل يلغي قراره الشرير، أم يكمل الخطية خشية الاتهام بأنه كاذب؟
الإجابة: أولًا: يليق بمثل هذا أن يتوب أولًا لأنه بهذا تجاسر وقرر بنفسه أن يفعل شيئًا أيّا كان هذا (دون طلب مشورة الله)، فإنه يجب ألا يعمل حتى ما هو صالح من نفسه على مسئوليته.
ثانيًا: ما هو أكثر خطورة أنه لم يخف أن يأخذ قرارًا لا يسر الله.
أما عن كونه تراجع عمَّا قرره مقدمًا بما ينافي وصية الرب، ولم يُتَمِّم القرار عمليًا، فهذا واضح في حالة الرسول بطرس الذي قَرَّر مُقَدَّمًا وأعلن: "لن تغسل رجليّ أبدًا" (يو 13: 8). وعند سماعه الحُكْم الذي نطق به الرب: "إن كنت لا أغسلك، فليس لك معي نصيب، قال..." يا سيد ليس رجليّ فقط، بل أيضًا يديّ ورأسي" (يو 13: 9)[21].
v سؤال: هل يوجد استثناء خاص خلاله يمكن الكذب لأجل منفعة مُتوقَّعة؟
الإجابة: لا يمكن التغاضي عن هذا بشريعة الرب القائل تمامًا إن الكذب من الشيطان (يو 8: 44)، دون تمييز بين كذبٍ وكذبٍ. كذلك توجد شهادة الرسول حيث كُتِبَ: "إن كان أحد يجاهد، لا يُكَلَّل إن لم يجاهد قانونيًا" (2 تي 2: 5)[22].
السارق خير ممن يكذب باستمرار،
لكن كليهما يرثان الهلاك [25].
يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: ["لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ"، هذا لا ينزع الخطية، وإنما كيف تُنزَع؟ إن عملوا، ومارسوا علاقات الحب مع الآخرين! إنه لا يريدنا أن نعمل فحسب وإنما نعمل ونتعب. لكي نمارس علاقات ودية مع الغير. فإن السارق أيضًا له أعمال لكنها أعمال شريرة[23].]
حال الإنسان الكذَّاب يجلب العار،
وخزيه معه على الدوام [26].
29 الْحَكِيمُ فِي الْكَلاَمِ يَشْتَهِرُ، وَالإِنْسَانُ الْفَطِنُ يُرْضِي الْعُظَمَاءَ. 30 الَّذِي يَفْلَحُ الأَرْضَ يُعْلِي كُدْسَهُ، وَالَّذِي يُرْضِي الْعُظَمَاءَ يُكَفِّرُ الذَّنْبَ. 31 الْهَدَايَا وَالرُّشَى تُعْمِي أَعْيُنَ الْحُكَمَاءِ، وَكَلِجَامٍ فِي الْفَمِ تَحْجُزُ تَوْبِيخَاتِهِمْ. 32 الْحِكْمَةُ الْمَكْتُومَةُ، وَالْكَنْزُ الْمَدْفُونُ، أَيُّ مَنْفَعَةٍ فِيهِمَا؟ 33 الإِنْسَانُ الَّذِي يَكْتُمُ حَمَاقَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الإِنْسَانِ الَّذِي يَكْتُمُ حِكْمَتَهُ.
الحكيم يرفع نفسه بكلماته،
والإنسان الفَطِن يُرضي العظماء [27].
نستطيع أن ندرك مدى فاعلية كلامنا، إذ قيل: "بكلامك تتبرر، وبكلامك تُدَان" (مت 12: 37). يقول السيد المسيح: "ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان" (مت 15: 11). والحكيم يقول أيضًا: "واجعل لفمك بابا ومزلاجًا" (راجع سي 8: 29)."
يتحدَّث القدِّيس يوحنا الذهبي الفم عن ضبط اللسان، قائًلًا: [إن الوعاء الذهبي لا يُستعمَل للأشياء الدنيئة لغِلوّ ثمنه، فكم بالأحرى الفم فهو أثمن من الذهب والمرجان، فلا يجوز أن نُدنِّسه بالكلام القبيح والشتم وطعن الآخرين.]
ويقول الأب يوحنا من كرونستادت: [اهتم بكلماتك فإن الكلمة ثمينة!... لتنطق بكلمة الله الخلاَّقة، فإن كلمة الله هو علّة كل الخليقة، فيه يوجد الحاضر والماضي والمستقبل[24].] كما يقول: [إن كنت تتحدَّث مع قريبك، فتكلَّم بتعقُّل ووقار وبطريقة بنَّاءة، مُتجنِّبًا كل كلمة بطَّالة بكونها سمّ الحيّة[25].]
الذي يفلح الأرض يزيد من محصوله،
والذي يُرضي العظماء يُكَفِّر عن الخطأ [28].
إن كان المحصول الوفير هو ثمرة جهد وتعب في فلاحة الأرض، فإن الكلمة اللطيفة التي ترضي العظماء تنقذ المظلومين.
الهدايا والعطايا تعمي أعين الحكماء،
وكلجامٍ في الفم تمنع التوبيخ [29].
يُحَذِّرنا القدِّيس يوحنا الذهبي الفم من الحسد الذي يخترق حتى الكنيسة، فيفسدها بالطمع بكون الحسد أم للطمع، وتحرك الهدايا والعطايا شئونها.
v (الحسد) يخترق الكنيسة. من البداية يجلب نتائج خطيرة بلا حصر. إنه بمثابة الأم للطمع، والوباء الذي يقلب الأمور رأسًا على عقب، ويفسد العدالة. يقول الكتاب: "العطايا تعمي عيون الحكماء، وكلجامٍ في الفم تمنع التوبيخات" (راجع سي 20: 29). الطمع يجعلنا عبيدًا عوض كوننا أحرارًا. إننا نتحدَّث عنه كل يوم، لكن لا نُحَقِّق تقدُّمًا[26].
الهدايا التي تُقَدَّم كرشوة تفسد بصيرة الحكماء، وتلجم أفواههم فتمنعهم عن توبيخ المُخطِئ، فلا يستطيعون أن يعاينوا الحق. وتسد الأفواه، فلا توبخ الظالمين والأشرار، أما الانشغال بالأمور السماوية والهبات الإلهية فتفتح الأعين لرؤية أسرار الله وإدراك الحق الإلهي، كما تفتح الأفواه لتسبح مع الملائكة، وتنتهر إبليس وكل قواته، ولا تداهن الأشرار.
v هذا (حب الشهرة والمال) اندفع إلى الكنائس. هذا سبب ربوات الأمور القاتلة منذ البداية. هذا والد الطمع. هذا المرض قلب كل الأشياء رأسًا على عقبٍ، وأفسد العدالة. قيل: "الهدايا تعمي أعين الحكماء، وكلجامٍ في الفم تمنع التوبيخات" (راجع سي 20: 29). هذا جعل أحرارًا عبيدًا. عن هذا نتحدَّث كل يومٍ بلا نفعٍ. صرنا أَشَرّ من الحيوانات المفترسة، نسلب الأيتام، ونُجَرِّد الأرامل، ونخطئ في حق الفقراء، ونضيف ويلًا إلى ويلٍ. "ويل! قد باد التقي من الأرض" (مي 7: 1)[27].
v سأل خوري إبسكوبوس القديس برصنوفيوس إن كان يترك عمله الأسقفي وينسحب إلى ديرٍ، فجاءت الإجابة: لا أستطيع أن أنصحك أن تهجر ذاك الذي ائتمنك أن تهتم بكنائس الله المقدسة (2 كو 11: 28)، وإنما أن تهتم بنفسك own soul حسب المخافة الإلهية. لا تَقْبَل عطايا من أحدٍ (راجع سي 20: 29؛ أم 15: 27). لا تتردَّد في أحكامك (خر 23: 3). لا تخجل من حضور أي حاكم (راجع سي 7: 6). لا تبرئ المذنب، ولا تدين البار. احفظ الطمع بعيدًا عنك، فإنه أصل كل الشرور (1 تي 6: 10)... لا تتشامخ بل كن منقادًا إلى المتضعين (رو 12: 16)... تذكَّر يوم رحيلك، عندئذ لا تخطيء للربّ (راجع سي 7: 36). وإن بلغت إلى نقطة السكون، فستجد راحة مع نعمة أينما انسحبت[28].
القديسين برصنوفيوس ويوحنا
v "الهدايا والرشاوى تعمي أعين الحكماء" (راجع سي 20: 29)، ومن يقبلها ليُسبِّب ضررًا للآخرين، ليس بناسكٍ.
نصائح للنُسَّاك للقديس هيبريشيوس الكاهن
الحكمة المكتومة والكنز الدفين أية منفعة فيهما؟ [30]
v الذين يستطيعون التعليم بتأثير عظيم إلا أنهم يبتعدون بسبب التواضع المُفرِط، ينبغي أن يتعلَّموا بأن يستدلوا من التفكير في الأمور الصغيرة كم يخطئون كثيرًا في حق المهام الأكبر والأعظم. لذلك إن كانوا يخفون الأموال التي لديهم عن الإخوة المعوزين، فإنهم دون شك يبثّون فيهم الكآبة والحزن. ليتفكَّروا كم هم متورطون في ذنبٍ عظيم، لأنهم يحجبون كلمة التعليم عن الإخوة الخطاة، يحجبون دواء الحياة عن نفوسٍ سائرة إلى الموت. لذلك بالحق يقول الحكيم: "الحكمة المكتومة والكنز المدفون أية منفعة فيهما" (راجع سي 20: 32). إن حلَّت مجاعة تفني شعبًا، وأخفي الشعب قمحه، فهؤلاء بلا شكٍ هم دعاة للموت ومبشرون به. وعليه ليفتكر الذين لا يتقدَّمون لخدمة خبز النعمة التي قد أُنْعِمَ بها لهم عندما تهلك النفوس من العطش للكلمة المقدسة، فكم يكون هول العقاب. لذلك قيل أيضًا بالحق على لسان سليمان: "محتقر الحنطة يلعنه الشعب" (أم 11:26) الذي يخبئ الحنطة يحتكر لنفسه كلمات التعليم المقدس. إن مثل هذا الإنسان تصيبه اللعنة، لأنه بسبب خطيئة الصمت يستحق عقاب كل الذين كان يمكن أن يسلكوا في الصواب بسببه[29].
الإنسان الذي يكتم حماقته خير من الإنسان الذي يكتم حكمته [31].
ليكتم الإنسان حماقته بصمته، فهو أفضل من الذي يكتم حكمته.
v ما يشغلني في صمتي كما في حديثي الالتصاق بك!
في صمتي أدخل في حديث سرّي معك، وبكلماتي أنطق حسب توجيهك لي.
أنت تتكلم بي، فأحمل روح الحب وطول الأناة حتى على مضايقي.
هب لي ألا أتكلم بروح الحماقة. ضع لي يا رب حارسًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتيّ.
v هب لي روح الحكمة لئلا يجتذبني نجاح وقتي إلى التشامخ.
فلا أفرح لمكاسب زمنية تتحوَّل إلى خسائر، ولا أطلب مجد العالم، لأنك أنت هو مجدي.
v لست أطلب من الأحمق شيئًا، لئلا يحسبني مدينًا له.
يعطيني اليوم، ويأخذ مني مضاعفًا!
انزع عني كل حماقة، فما يشغلني صداقتك لي.
دَرِّبني على الحوار معك، فتشبع نفسي بحُبِّك!
تُدَرِّب لساني، فلا أسقط في زلة لسانٍ، بل لتكن كلماتي مملحة بملح الروح،
نعمتك ترفعني، فلا أتكلم إلا بما أتذوقه وأعيشه!
v هب لي الحكمة، فلا أعطي وعودًا أعجز عن الوفاء بها!
لتكن كل وعودي وكلماتي صادقة، لأنك أنت هو الحق والحياة!
هب لي ألا أسرق ما هو ليس لي.
v لتكن كل كلمة تخرج من فمي تُعلِن عن برِّك.
أعرف متى أتكلم بالحكمة، ومتى أصمت.
_____
[1] Ephes. 15:2.
[2]On Renunciation of the World, (Frs. Of the Church, volume 9, p. 27).
[3] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 33.
[4] Regulae brevius tractatae, 288.
[5] On Humility.
[6] البابا غريغوريوس (الكبير): الرعاية، ج 3، ف 14، عظة 15، ترجمة جورج فهمي حنا، 2004.
[7] Duties Of The Clergy, Book 1, Ch. 2: 5.
[8] Jeremy Corley: New Collegeville Bible Commentary: Sirach, 2013, p. 57
[9] Homily 19:10, (On Ps 48 LXX). Unto the End, a Psalm for the Sons of Core on the Prosperity of the Wicked.
[10] Commentary on Romans, FOTC, vol. 103, p. 60-69.
[11] In Rom. hom. 21.
[12] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 118.
[13] Homily 19:6, (On Ps 48 LXX). Unto the End, A Psalm for the Sons of Core on the Prosperity of the Wicked.
[14] Homily 19:7, (On Ps 48 LXX). Unto the End.
[15] Commentary on the Gospel of St. John, homily 78 (on John 16: 5-15).
[16] Commentary on the Proverbs, Fragment 15:4.
[17] Commentary on John, Book 20:173.
[18] Philokalia, Book 1.
[19] Regulae brevius tractatae, 58.
[20] Regulae brevius tractatae, 59.
[21] Regulae brevius tractatae, 60.
[22] Regulae brevius tractatae, 76.
[23] In Eph. hom 14
[24] My Life in Christ, v I, p. 192.
[25] My Life in Christ v 2, p. 114.
[26] Commentary on the Gospel of St. John, homily 64 on John 11: 41-48.
[27] On John, Homily 64: 4.
[28] Letter 789.
[29] البابا غريغوريوس (الكبير): الرعاية، ج 3، ف 25، عظة 26، ترجمة جورج فهمي حنا، 2004.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 21 |
قسم تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب |
تفسير يشوع ابن سيراخ 19 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sd9qmn6