St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب (والشماس بيشوي بشرى فايز)
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

يشوع ابن سيراخ 1 - تفسير سفر حكمة يشوع بن سيراخ
يا لعظمة الحكمة!

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب حكمه يشوع بن سيراخ:
تفسير سفر يشوع ابن سيراخ: مقدمة سفر يشوع ابن سيراخ | يشوع ابن سيراخ 1 | يشوع ابن سيراخ 2 | يشوع ابن سيراخ 3 | يشوع ابن سيراخ 4 | يشوع ابن سيراخ 5 | يشوع ابن سيراخ 6 | يشوع ابن سيراخ 7 | يشوع ابن سيراخ 8 | يشوع ابن سيراخ 9 | يشوع ابن سيراخ 10 | يشوع ابن سيراخ 11 | يشوع ابن سيراخ 12 | يشوع ابن سيراخ 13 | يشوع ابن سيراخ 14 | يشوع ابن سيراخ 15 | يشوع ابن سيراخ 16 | يشوع ابن سيراخ 17 | يشوع ابن سيراخ 18 | يشوع ابن سيراخ 19 | يشوع ابن سيراخ 20 | يشوع ابن سيراخ 21 | يشوع ابن سيراخ 22 | يشوع ابن سيراخ 23 | يشوع ابن سيراخ 24 | يشوع ابن سيراخ 25 | يشوع ابن سيراخ 26 | يشوع ابن سيراخ 27 | يشوع ابن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51

نص سفر يشوع ابن سيراخ: يشوع بن سيراخ 1 | يشوع بن سيراخ 2 | يشوع بن سيراخ 3 | يشوع بن سيراخ 4 | يشوع بن سيراخ 5 | يشوع بن سيراخ 6 | يشوع بن سيراخ 7 | يشوع بن سيراخ 8 | يشوع بن سيراخ 9 | يشوع بن سيراخ 10 | يشوع بن سيراخ 11 | يشوع بن سيراخ 12 | يشوع بن سيراخ 13 | يشوع بن سيراخ 14 | يشوع بن سيراخ 15 | يشوع بن سيراخ 16 | يشوع بن سيراخ 17 | يشوع بن سيراخ 18 | يشوع بن سيراخ 19 | يشوع بن سيراخ 20 | يشوع بن سيراخ 21 | يشوع بن سيراخ 22 | يشوع بن سيراخ 23 | يشوع بن سيراخ 24 | يشوع بن سيراخ 25 | يشوع بن سيراخ 26 | يشوع بن سيراخ 27 | يشوع بن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51 | يشوع ابن سيراخ كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

القسم الأول

 

الحكمة في الشريعة

[1-10]

 

مقدمة النص

يُقَدِّم الحفيد تمهيدًا للترجمة اليونانية لما وضعه جدّه يشوع بن سيراخ باللغة العبرية، وذلك كما قدَّم لوقا البشير تمهيدًا للإنجيل الثالث (لو 1: 1-4). في هذا التمهيد، يُوَضِّح الحفيد هدف السفر، ويدعو القارئ أن يدرس السفر باهتمام. كما يعطي فكرة عن السيرة الذاتية بخصوص وصول الحفيد إلى مصر وانكبابه بجديةٍ للقيام بالترجمة اليونانية للسفر.

 1. عظمة الشريعة والأنبياء

2. الاعتزاز بالمعرفة وتقديمها للغير

3. اعتزازه بالشريعة دون مهاجمة الثقافة البشرية

 

 1. عظمة الشريعة والأنبياء

[من الأمور العظيمة الكثيرة التي أُعطيَت لنا خلال الشريعة والأنبياء والذين اقتفوا أثرهم، يلزمنا أن نثني على إسرائيل لأجل التعليم والحكمة.] (1- 3)

 

2. الاعتزاز بالمعرفة وتقديمها للغير

[من الواجب على أرباب المطالعة ألا يقتصروا على اكتساب الفهم، بل أن يتمكَّن محبو التعلُّم أن يفيدوا الذين في الخارج بالكلام والكتابة أيضًا.

هذا ما حمل جدِّي يشوع، بعد أن كرَّس حياته لقراءة الشريعة والأنبياء وسائر أسفار آبائنا، وتضلَّع فيها كما ينبغي، على أن يُدوِّن هو أيضًا شيئًا مما يختص بالتعاليم والحكمة. لكي ما ينشغل محبو التعلُّم في هذه الأمور، بالإضافة إلى تقدُّمهم في السلوك حسب الشريعة.

لذلك، أَتوسَّل إليكم أن تطالعوها برغبةٍ صالحةٍ ويقظةٍ، وأن تصفحوا عما قد يبدو أننا لم نقدر، مع ما بذلناه من الجهد، على التعبير عن بعض ألفاظه كما ينبغي. لأن ما يُعَبَّر عنه بالعبرية ليس له ما يُعادِله بدقةٍ إذا تُرجِم إلى لغة أخرى. ولا يقتصر هذا الأمر على هذا العمل، بل هناك فارق ليس بقليل بين الشريعة والنبوات وسائر الأسفار وبين نصها الأصلي.] (3- 25)

 

3. اعتزازه بالشريعة دون مهاجمة الثقافة البشرية

[حين قدُمت إلى مصر في السنة الثامنة والثلاثين في عهد أورجيتيس Eurgetes الملك وأقمت بها بعض الوقت، وجدت فيها كتابًا مملوءًا بالتعليم. فأوجبت على نفسي أن أصرف أنا أيضًا شيئًا من العناية والجدّ إلى ترجمة هذا الكتاب.

واستخدمت لها كفاءتي نهارًا وليلًا، حتى أُتَمِّم هذا العمل وأنشره، لأجل مُحبي التعلُّم المغتربين، والذين أعدّوا أنفسهم أن يعيشوا حسب الشريعة.] (26-35)

 

في هذه المقدمة يُلاحَظ الآتي:

1. إنه السفر الوحيد الذي له مقدمة تحوي تفاصيل عن محتوياته. وقد أشارت إلى ترجمته من العبرية إلى اليونانية. حيث لم تكن اللغة العبرية شائعة بين المجتمع اليهودي في الإسكندرية في ذلك الحين.

وجَّه حديثه لليهود الذين في الشتات، بما فيهم الذين في مصر، فقد أدرك المترجم عندما جاء إلى الإسكندرية أن بعضًا من الجالية اليهودية قد انجذبوا إلى الفلسفة الهيلينية كمصدر للحكمة.

2. أبرز المترجم أن السفر في لغته الأصلية (العبرية) له أثره الذي لا تستطيع أيّة ترجمة أن تصل إليه. هذا الأمر خاص بكل الأسفار، لذا كثيرًا ما يلجأ دارسو الكتاب المقدس إلى اللغة الأصلية للسفر حتى يتحققوا من المفهوم الدقيق لما تحمله العبارات والكلمات في أثناء كتابة السفر.

3. يربط المترجم بين التعاليم والحكمة. ليس ما يعتزّ به شعب الله مثل تلقيه التعاليم والحكمة من شريعة الله وأنبيائه وبقية أسفار الكتاب المقدس. يقصد بالتعاليم هنا السلوك حسب الوصية الإلهية. كما يقصد بالحكمة المخافة الربانية. فإن الله يهب شعبه شريعته ليسلك كما يليق به كشعب الله ويتمتَّع بالمعرفة الاختبارية في مخافة مقدسة مُفرحة.

4. يُكَرِّر تعبير "أصدقاء المعرفة"، أو "مُحبِّي التعليم"، ويُقصَد بهم مُعَلِّمي الناموس. فإحدى سمات المُعَلِّم الحقيقي رغبته في التعلُّم والتمتُّع بمعرفة مستمرة. بهذا يلتهب قلبه بالحُبِّ نحو معرفة أسرار الله، ويختبر أعماقًا جديدة وخبرة متجددة في السلوك كما يليق به. هذا ما يجعل منه معلمًا ناجحًا بالتقليد الشفوي والسلوك العملي كما بالكتابة.

يربط بين الحكمة والمعرفة من جانب وكلمة الله أو الأسفار الإلهية من جانب آخر. لهذا يحث القارئ على المطالعة المستمرة برغبة صادقة ويقظة.

5. لأول مرة نجد تقسيمًا للعهد القديم: الناموس، والأنبياء والأسفار الأخرى، والتي دُعيت بعد ذلك في العبرانية "الكتوبيم writings". وقد ذكر ذلك ثلاث مرات في هذه المقدمة الصغيرة: "الشريعة والأنبياء ومن اقتفى أثرهم (وسائر أسفار آبائنا)". هذا التقسيم أشار إليه القديس لوقا بكل وضوحٍ، إذ كتب: "يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لو 24: 44). فقد كان القسم الثالث، أي الكتوبيم، يُدعَى أحيانًا "المزامير".

v هَب لي الحكمة حتى أستطيع أن أختبر شريعتك عمليًا بانتباهٍ لائقٍ بها، وهكذا يمكنني أن أستلم من هذه الشريعة الممارسة العملية.

أعطني الفهم الذي يخصّ العمل والتأمل، بهذا أستطيع أن "أحفظها بكل قلبي"، واقترب إليها بدون ترددٍ.

v ما دمنا نقول إن الأنبياء هم الطرق، فعندما نقرأ الشرائع والنواميس والأنبياء نكون قد سلكنا باستقامة في الطريق بالرب، فنفهم طرقه وندركها، حينئذ لا نخزى أبدًا، إذ تصير هي طرقنا فنحفظ جميع وصايا الله.

العلامة أوريجينوس

v دعني أُحَّذر القارئ هنا ألا يأخذ هذه الكلمات بالمعنى الحرفي، بل يحاول أن يفهم المعنى الرمزي. إذا ما كان الفكر قاصرًا عن توضيح المعنى المقصود، فذلك يرجع إلى ضعف الترجمة اليونانية من الأصل العبري.

إن الذين يدرسون اللغة العبرية لا تُواجِههم مثل هذه المشكلة. فالتركيبة النحوية للُّغة اليونانية لا تقارن بأناقة العبرية، بل تُسَبِّب مشاكل لأولئك الذين يتبعون القيمة السطحية للمفهوم الحرفي[1].

القديس غريغوريوس النيسي

v يليق بنا أن نتطلَّع إلى وصايا الله عندما تُقرَأ، أو عندما تستدعيها الذاكرة، وذلك كمن يتطلَّع في مرآة، كقول الرسول يعقوب. مثل هذا الإنسان يريد أن ينظر إلى وصايا الله كما في مرآة ولا يرتبك، لأنه يختار لا أن يكون سامعًا للوصايا فحسب بل وعاملًا بها. لهذا يرغب في أن تتجه طرقه نحو حفظ قوانين الله. كيف تُوجه إلا بنعمة الله؛ وإلا فإنه لا يجد في شريعة الله مصدر فرحٍ بل مصدر ارتباكٍ، إن اختار أن ينظر إلى الوصايا ولا يعمل بها.

القديس أغسطينوس

v من يحفظ وصية ويترك غيرها يكون قد غدر بجميع الوصايا، إذ يهين الله الذي أوصى بها وربط بعضها ببعض. فإن الذي قال لا تزنِ، قال أيضًا لا تسرق، فإن سرقت تصير مدينًا للشريعة كلها، ولكن من يحرص على جميع الوصايا لا يخزى في يوم الدينونة الرهيبة.

أُنسيمُس أسقف أورشليم

v يليق بنا ألا نتردَّد في احترامنا لكلمات الرب، بل نقتنع تمامًا أن كل كلمة من الله حق ومُمكِنة، حتى إن ثارت الطبيعة، فإن في هذا امتحان للإيمان (مت 14: 25-31)[2].

القديس باسيليوس الكبير

6. أَكَّد حفيد يشوع بن سيراخ أنه قام بترجمة ما سجَّله جدّه ليس لنفع اليهود وحدهم الذين تسلَّموا التوراة، وإنما اهتمّ بالذين هم خارج إسرائيل. فقد كان مقتنعًا أن هذا السفر ينتفع به كل إنسانٍ محبٍ للتعلُّم. بهذا أخذ سيراخ خطوات في طريق التبشير بالإنجيل بين الأمم. وكأنه كان يُمَهِّد الطريق للتلاميذ والرسل في العهد الجديد.

7. في هذه المقدمة نجد شهادة واضحة في الرغبة أن يشارك الأمم إسرائيل في التمتُّع بالحكمة حسب الفكر الإلهي، فلا يتعلَّم الأمم التوراة فحسب، بل يعيشون التوراة في حياتهم اليومية.

8. يحمل هذا السفر فكرًا جديدًا واضحًا ومتماسكًا في تاريخ الخلاص.

9. في عرضه لأبطال الإيمان، عبر التاريخ أوضح أن الحكمة لا تقتصر على زمنٍ مُعَيَّنٍ، إنما تجد لها موضعًا وهي تعيش في التاريخ.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأصحاح الأول

يا لعظمة الحكمة!

يُفتتَح السفر بتأكيد أن الحكمة ليست نتاج مساعٍ بشرية، بل بالحري هي عطية إلهية (1 مل 3: 9؛ حك 9: 1-4)، يُقَدِّمها الرب للمؤمنين خلال الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس. الطريق للتمتُّع بالحكمة هو الاستماع لكلمة الله. إذ يلتهب قلب المؤمن بالحُبّ لله، فيسكب الرب حكمته على محبوبيه، أي الخليقة العاقلة.

1. مصدر الحكمة وسماتها

     

[1 -10] (ت: 1-10)

2. الحكمة ومخافة الرب

     

[11 -21] (ت: 11-30)

3. الحكمة والوصية الإلهية

     

[22 -29] (ت: 31-40)

* من وحي سيراخ 1: لأقتنيك يا حكمة الله الأزلي!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. مصدر الحكمة وسماتها

1 كُلُّ حِكْمَةٍ فَهِيَ مِنَ الرَّبِّ وَلاَ تَزَالُ مَعَهُ إِلَى الأَبَدِ. 2 مَنْ يُحْصِي رَمْلَ الْبِحَارِ وَقِطَارَ الْمَطَرِ وَأَيَّامَ الدَّهْرِ؟ وَمَنْ يَمْسَحُ سَمْكَ السَّمَاءِ وَرُحْبَ الأَرْضِ وَالْغَمْرَ؟ 3 وَمَنْ يَسْتَقْصِي الْحِكْمَةَ الَّتِي هِيَ سَابِقَةُ كُلِّ شَيْءٍ؟ 4 قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ حِيزَتِ الْحِكْمَةُ وَمُنْذُ الأَزَلِ فَهْمُ الْفِطْنَةِ. 5 يَنْبُوعُ الْحِكْمَةِ كَلِمَةُ اللهِ فِي الْعُلَى وَمَسَالِكُهَا الْوَصَايَا الأَزَلِيَّةُ. 6 لِمَنِ انْكَشَفَ أَصْلُ الْحِكْمَةِ وَمَنْ عَلِمَ دَهَاءَهَا؟ 7 لِمَنْ تَجَلَّتْ مَعْرِفَةُ الْحِكْمَةِ وَمَنْ أَدْرَكَ كَثْرَةَ خُبْرَتِهَا؟ 8 وَاحِدٌ هُوَ حَكِيمٌ، عَظِيمُ الْمَهَابَةِ، جَالِسٌ عَلَى عَرْشِهِ. 9 الرَّبُّ هُوَ حَازَهَا وَرَآهَا وَأَحْصَاهَا، 10 وَأَفَاضَهَا عَلَى جَمِيعِ مَصْنُوعَاتِهِ، فَهِيَ مَعَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى حَسَبِ عَطِيَّتِهِ، وَقَدْ مَنَحَهَا لِمُحِبِّيهِ.

 

كل حكمة هي من الرب،

ولا تزال معه إلى الأبد. [1]

الحكمة الحقيقية هي من الرب [1]، يهبها لطالبيها، وهي لا تُفارِقه؛ هي الابن الكلمة (1 كو 1: 24). والروح القدس هو روح الحكمة (إش 11: 2)، من يسكن فيه الروح فله الحكمة (2 تي 1: 7).

إذ دخل الرب في حوارٍ مع أيوب، كشف له عن حاجته إلى الحكمة الإلهية. توقَّع أيوب أن الله يسأله عن خطايا مُعَيَّنة ارتكبها، ولم يكن يتوقَّع أن يسأله عن أمور خاصة بعجائب الخليقة التي صنعها الله لأجل كل إنسانٍ، ولا يستطيع الإنسان أن يعرف كل أسرارها (أي 38). بهذا كشف الله عن جهل أيوب لكيفية خلقة الأرض (أي 38: 4-7)، وجهله لوضع حدودٍ للبحار (8-11) وكيف يبرز نور الفجر (12-15) وإدراك ظل الموت والظلمة (16-21) والسحب والبَرَدْ والرعد... (22-30)، والكواكب وأثرها على الأرض (31-33)، وقوة الله في الجو والظواهر الطبيعية (34- 38)، وعناية الله بالحيوانات غير العاقلة (39- 41).

v مُعَلِّمنا الإلهي يوُثَق فيه، إذ يتَّسِم بثلاث سمات رائعة: التعقُّل والصلاح والسلطان.

بخصوص التعقُّل نقول إنه حكمة الله الآب. "كل حكمة هي من الرب، ولا تزال معه إلى الأبد". وبخصوص السلطان نقول: إنه هو الله الخالق. "به كان كل شيءٍ، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3). وبخصوص إرادته الصالحة، فهو وحده الذي سلَّم نفسه ذبيحة من أجلنا. "الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11). بالحقيقة بذل ذاته. ما هي الإرادة الصالحة سوى الرغبة في الصلاح لصالح القريب[3].

القديس إكليمنضس السكندري

موضوع السفر كله هو تمتُّع المؤمن بالحكمة السماوية. يبدأ السفر بالتعبير "كل حكمة". وكأن السفر يود أن يؤكد وجود أنواع مختلفة من الحكمة، وإن جميعها مصدرها الرب.

أ. الحكمة الطبيعية، التي يقول عنها سفر ابن سيراخ إنها تنشأ مع المؤمنين في الرحم (1: 12). هذه الحكمة التي يقدرها المؤمنون كعطية إلهية، يُقَدِّمها الله لكل البشرية في غير محاباة لمؤمنٍ وغير مؤمنٍ، يهبها حسبما يناسب كل شخصٍ، يتقبَّلها المؤمن من يدي الله، فيُقَدِّم على الدوام ذبيحة شكر بروح التواضع. ويفتخر بها غير المؤمن كسمة خاصة به دون غيره، فتنتفخ فيه الأنا، ويسقط في التشامخ والكبرياء. يُعَبِّر عنها الكثيرون بالقول إن كل إنسانٍ يُعجَب بعقله، ولا يرضا أو يشبع بما لديه من مقتنيات، وكأنه يتَّسِم بالكبرياء مع الجشع.

تتسم الحكمة الطبيعية بالآتي:

1. هي عطية إلهية، غير أنها تتأثَّر بحياة الوالدين وإمكانياتهم وقدراتهم ومواهبهم، فلا يُمكِن تجاهل عامل الوراثة.

2. ما يشغل فكر الله ليس كمية ثمار هذه الحكمة، إنما مدى أمانة الإنسان فيما وُهِبَ له من الحكمة وقدراتها. فقد يُكلَّل إنسان بالمجد بالرغم من حكمنا البشري عليه أنه لا يتمتَّع بالنبوغ الفائق كغيره.

3. يليق بنا احترام تنوُّع هذه القدرات وتقديرها، فقد ينبغ الوالدين في الطب، وتصير لهما شهرتهما في ذلك، بينما يشعر ابنهما أن موهبته خاصة بالعمل الصناعي أو التجاري أو الإداري أو المهارة في أحد الفنون، أو القدرة الفائقة في تعلُّم لغات جديدة.

جمال الأسرة والمجتمع كما الكنيسة في تنوُّع المواهب، فيشعر كل شخصٍ بحاجته إلى أخيه، وأن نجاحه يقوم على تقديره لمواهب إخوته. هذا التنوُّع يسند الإنسان على التواضع، إذ يشعر بالحاجة إلى غيره، كما يساعد على روح الوحدة والتعاون، فيعمل الكل معًا team work.

4. يُمكِن تنمية هذه الحكمة الطبيعية بروح التقوى مع الجهاد والرغبة في التجديد المستمر والنمو، ويمكن أيضًا الانحدار بها حتى تكاد تختفي خلال التهاون وعدم إضرام الموهبة.

ب. حكمة الدراسة والعلم وأيضًا الانتفاع بخبرة الآخرين وخبرة الإنسان نفسه الشخصية في الماضي. هذه يمكن أن يتمتع بها كل إنسانٍ، حتى وإن كان مُلحِدًا، لكن المؤمن يدرك أن العقل ذاته عطية من قبل الله وأن كل الظروف المحيطة به لم تحدث اعتباطًا أو مصادفة، إنما يد الله عاملة في كل حياته، حتى شعر رأسه محصي لدى الله. فهو مدين لله بعقله وقدرته على التعلُّم والتمتُّع بخبرات الآخرين وخبراته الخاصة.

يتمتَّع الإنسان بحكمة الدراسة والعلم والتمتُّع بالخبرة بغير محاباة. حقًا بتوجيه الحكمة الطبيعية نحو الاستقامة وعدم الانحراف بالعطية الإلهية المجّانية نتمتع بالنمو خلال الدراسة والخبرة. وعلى العكس كثيرون دفنوا مواهبهم الطبيعية بسبب انحراف هدفهم وإساءة سلوكهم.

ج. الحكمة السماوية: يُسرّ الله أبونا السماوي أن يحمل كل مؤمنٍ أيقونة الابن وحيد الجنس، "حكمة الله" (1 كو 1: 24)، هذه التي يعتزّ بها المؤمن خلال تمتُّعه بنعمة البنوة. هذه الحكمة ينفرد بها المؤمن المُلتصِق بالله، إذ يتَّحِد بحكمة الله أو كلمة الله المتجسد، فيحمل حكمة سماوية. يقول الرسول يعقوب: "إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فليطلب من الله الذي يُعطي الجميع بسخاء ولا يعير، فسيُعطَى له" (يع 1: 5). جاء في أنشودة الحكمة التي يتغنَّى بها أيوب البار:

"أما الحكمة فمن أين توجد؟ وأين هو مكان الفهم؟

لا يعرف الإنسان قيمتها، ولا توجد في أرض الأحياء... إذ أخفيت عن عيون كل حي...

الله يفهم طريقها، وهو عالم بمكانها إلخ" (أي 28: 12-23).

يرى القديس أغسطينوس أن المؤمن يطلب الحكمة بإدراكه أنه في حاجة إلى الاتحاد بالسيد المسيح نفسه حكمة الله. فعوض أن ينحصر الإنسان في ذاته، ينعم بالشركة مع حكمة الله.

v حقًا في هذه الأسفار التي يدرسونها بشغف يقرأون: "لأن الرب يعطي حكمة، من فمه المعرفة والفهم" (أم 2: 6). إنهم يتقبَّلون منه تلك الغيرة للدراسة، إن مُنِحَت بتقوى[4].

v ما لم يخرج الإنسان من ذاته، فلن يصير حكيمًا، ولكنه من خلال الله يكتسب الحكمة[5].

القديس أغسطينوس

St-Takla.org Image: Glory-Wisdom and Fear-God (Si 1) - from "The Book of Books in Pictures", Julius Schnorr von Carolsfeld, Verlag von Georg Wigand, Liepzig: 1908 صورة في موقع الأنبا تكلا: المجد، الحكمة، ومخافة الله (سيراخ 1) - من كتاب "كتاب الكتب بالصور"، جوليوس شنور فون كارولسفيلد، فيرلاج فون جورج ويجاند، ليبزيج، 1908

St-Takla.org Image: Glory-Wisdom and Fear-God (Si 1) - from "The Book of Books in Pictures", Julius Schnorr von Carolsfeld, Verlag von Georg Wigand, Liepzig: 1908

صورة في موقع الأنبا تكلا: المجد، الحكمة، ومخافة الله (سيراخ 1) - من كتاب "كتاب الكتب بالصور"، جوليوس شنور فون كارولسفيلد، فيرلاج فون جورج ويجاند، ليبزيج، 1908

v إنه (المسيح) يُدعَى الحكمة كما يقول سليمان... كما يُدعَى أيضًا "البكر"، إذ يقول عنه الرسول بولس: "بكر كل خليقة" (كو 1: 15). البكر إذن بالطبيعة ليس مختلفًا عن الحكمة، بل هو بعينه. أخيرًا يقول الرسول بولس: "المسيح قوة الله وحكمة الله" (1 كو 1: 24)[6].

v يوجد عند الله فهم لا تستطيع أن تجده في أي موضع سوى في المسيح يسوع. فإن كل الصفات الإلهية تتمثَّل في السيد المسيح: فهو حكمة الله؛ وقدرة الله؛ وعدل الله؛ والقداسة؛ وهو الخلاص؛ وفهم الله. فمع كونه واحدًا مع الآب في الجوهر، إلا أنه يحمل أسماء متعددة تشير إلى أشياء مختلفة. فإنك لا تستوعب نفس المعنى بخصوص السيد المسيح حينما تنظر إليه بكونه الحكمة وحينما تنظر إليه بكونه العدل.

عندما تنظر إليه بكونه الحكمة تفهم من ذلك عِلْمه بالأشياء الإلهية والإنسانية.

وعندما تنظر إليه بكونه العدل تفهم من ذلك قدرته على إعطاء كل ذي حقٍ حقه.

إذا نظرت إليه بكونه القداسة تفهم قدرته على تقديس كل المؤمنين به والمُكَرَّسين له.

وأيضًا ستدركه بكونه الفهم، فهو العالم بالخير والشر وبما هو ليس خيرًا ولا شرًا.

العلامة أوريجينوس

من الذي يحصي رمل البحر،

وقطرات المطر وأيام الدهر؟ [2]

بعد أن يدعونا الحكيم إلى الالتصاق بالربّ للتمتُّع بحكمته، يطلب منا أن نتلمس هذه الحكمة الإلهية الفائقة خلال الخليقة ذاتها، التي أوجدها الله لخدمة الإنسان. إنه وحده يحصي رمل البحر، وقطرات الأمطار والزمن كله.

من الذي يسبر علو السماء واتّساع الأرض

وعمق الغمر (البحار) والحكمة؟ [3]

حكمة الله فائقة، ومعرفته فوق كل الحدود، فهو يحصي رمل البحر، وقطرات المطر، وأيام الدهر. ليس شيء مخفى عنه، فهو يعرف أبعاد السماء، وحجم الأرض، وأعماق البحار.

خُلِقَتْ الحكمة قبل كل شيءٍ،

والعقل الفطين منذ الأزل [4].

يرى البعض أن الحكمة المخلوقة التي وُهِبَت للإنسان هي النور الذي خلقه الله في اليوم الأول (تك 1: 3). فالله وهبنا نور الحكمة كي نسلك كسفراءٍ عنه في حكمةٍ وتمييزٍ وفهمٍ وتعقُّلٍ.

ويرى بعض الدارسين أن هذا النص يخص حكمة الله الذي تجسَّد في ملء الزمان، غير أن خطة التجسد كانت في فكر الله قبل خلقة كل الأشياء. جاء حكمة الله المتجسد لكي يُخَلِّص البشر ليتمتعوا بحرية مجد أولاد الله (رو 8: 21-23؛ أف 1: 10؛ كو 1: 15-17).

أما قوله "منذ الأزل" فيظهر أن حكمة الله أزلي بلا بداية.

يربط الحكيم بين الحكمة المخلوقة قبل كل شيءٍ التي وهبها للسمائيين والبشر، والعقل الفطين إذ هو أقنوم الحكمة الأزلي. لقد أَكَّد الكتاب المقدس أن يسوع المسيح كلمة الله المتجسد هو حكمة الله الآب (1 كو 1: 24)، واحد مع الآب في ذات الجوهر.

أبرز القديس أغسطينوس التمييز بين حكمة الله الخالق، وبين الحكمة كعطية إلهية.

v خُلِقَت الحكمة قبل كل شيءٍ، وهي بالتأكيد ليست الحكمة الشريكة والمساوية لك يا إلهنا، أباه، والذي به كان كل شيءٍ (يو 1: 3)، والذي فيه بكونه البدء، خُلِقَت السماء والأرض (تك 1:1)... هذه تُدعَى حكمة مع أنها مخلوقة. وكما أن النور (الله) الذي ينير مختلف بقوةٍ عن النور الذي هو مُضاء.

يا لعظم الفارق بين الحكمة التي تخلق وتلك التي هي مخلوقة! إنه فارق عظيم مثل الفارق بين البرّ الذي يبرّر والبرّ الذي يتحقق بالتبرير؟[7]

v بكونه الله قيل: "قبل كل التلال ولدني" (أم 8: 25)، أي قبل كل الخلائق العظيمة جدًا. "قبل كوكب الصبح ولدتك" (مز 109: 3) LXX؛ أي قبل كل العصور؛ والأشياء الزمنية. وبكونه العبد قيل: "الرب قناني أول طريقه" (أم 8: 22).

بكونه الله قال: "أنا هو الحق"، وبكونه العبد: "أنا هو الطريق".

فإذ هو بكر الراقدين (رؤ 1: 5)، أَعَدّ الطريق لكنيسته لملكوت الله، وللحياة الأبدية، هذا هو الرأس الذي يهب الخلود للجسم. بهذا فقد خلق في بدء طرق الله لأعماله (أو تدبيره)[8].

القديس أغسطينوس

يرى فلجينتوس Fulgentius تلميذ القديس أغسطينوس أن الحكمة التي خُلِقَت قبل كل شيءٍ هي الحكمة التي وهبها الله للملائكة عند خلقتها[9].

يرى القديس غريغوريوس النيسي أن كلمة "خلقني" هنا خاصة بالناسوت لا اللاهوت.

v تعبير "خلقني" يشير لا إلى لاهوته (وطبيعته) البسيطة، وإنما يقول هكذا إذ اتخذ طبيعتنا المخلوقة بخطته الإلهية[10].

القديس غريغوريوس النيسي

تمتاز الحكمة السماوية بأنها تهب المؤمن حياة الشركة مع الله، فيتذوّق أُبوّة الآب ويتفاعل مع عذوبة رعايته تحت كل الظروف، ويختبر خلاص كلمة الله المتجسّد، فيتهلل وهو يُسبِّح "مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل 2: 20). ويتلامس مع عمل الروح القدس الذي يُجدّد ويُقدِّس مَنْ تمتع بالميلاد الجديد في مياه المعمودية، ويختبر مراحم الله الجديدة في كل صباحٍ.

بعمل الثالوث القدوس يتهيَّأ المؤمن بعربون السماء (أف 1: 14) للحياة الأبدية، وكما يقول الرسول: "من يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غل 6: 8).

لمن أُعلن أصل الحكمة؟

ومن الذي عرف مشورتها الحكيمة؟ [5]

خلال الشركة مع الله، يتمتَّع المؤمن بصداقة حميمة معه، فيكشف له الرب أسرار حكمته، ويهبه معرفة وفهمًا؛ يكتشف خطة الله الحكيمة في حياته الخاصة كما من جهة البشرية.

يُوجَد واحد هو الحكيم والعظيم المهابة،

وهو الجالس على عرشه [6].

من هو هذا الواحد الحكيم الجالس على العرش سوى ربّ المجد الذي يقول عنه الرسول: "وأما للمدعوِّين يهودًا ويونانيين، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله" (1 كو 1: 24).

v من يؤمن حقًا يتَّحِد تمامًا بذاك الذي فيه الحق واللاهوت والجوهر والحياة والحكمة، ويرى فيه كل هذه والتي ليست فيمن لا يؤمن. فإنه بدون ابن الله لا يكون لك وجود ولا اسم، ويصير القوي بلا قوة، والحكيم بلا حكمة. لأن المسيح هو "قوة الله وحكمة الله" (1 كو 24:1)، فإن من يظن أنه يرى الله الواحد بلا قوة ولا حق ولا حكمة ولا حياة ولا نور حقيقي، إما أنه لا يرى شيئًا بالمرة أو بالتأكيد يرى ما هو شر[11].

القديس غريغوريوس النيسي

الرب هو الذي خلقها ورآها وأحصاها

وأفاضها على جميع أعماله [7].

هنا يتحدَّث عن خطة الله الحكيمة من جهة خليقته العاقلة في السماء وعلى الأرض.

الله في كل أعماله أفاض عليها بحكمته، بمعنى أن الآب خلق كل شيءٍ بالابن الكلمة. وكما يقول الإنجيلي: "كل شيءٍ به كان" (يو 1: 3).

هي مع كل بشرٍ (جسد) على حسب عطيّته،

ومنحها (بكثرةٍ) لمحبيه [8].

يقول ابن سيراخ إن الحكمة تسكن مع كل إنسانٍ (مؤمنٍ) حسبما وُهِب له، يهبها الله لمحبيه. هذه العطية ليست جامدة (ستاتيكية)، بل دائمة النمو (ديناميكية). فخائف الرب ينمو في الحكمة ويزداد فيها، وكما قيل في سفر الأمثال: "يسمعها الحكيم فيزداد علمًا، والفهيم يكتسب تدبيرًا" (أم 1: 5).

يعطي الربّ الإنسان بركاته ويُوَزِّعها حسب احتياجات الإنسان وقدراته وأيضًا حسب محبته واتِّساع قلبه. فإن كان الله يُقَدِّم كل شيءٍ حتى الحكمة بمعيارٍ مُعَيَّنٍ، فمن جانبنا يليق بنا في كل عملٍ أن نسلك بحكمةٍ واتزانٍ واعتدالٍ دون مبالغة من الجانب اليميني أو اليساري.

v من يَقْبَل تعاليم الحكمة بالإضافة للتعاليم الأولى، إذ هو بالفعل حكيم، ينال التعاليم التالية في أمور لم يكن قبلًا حكيمًا فيها، وبهذا يصير أكثر حكمة. كما يُقَال أيضًا: "عندما يسمع الحكيم هذه الأمور، يصير أكثر حكمة"[12].

العلامة أوريجينوس

v هذا هو واجب من هم غيورون في مسرَّة الله الصالحة أن يسألوا ما هو الأفضل لهم أن يفعلوه[13].

القديس باسيليوس الكبير

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. الحكمة ومخافة الرب

11 مَخَافَةُ الرَّبِّ مَجْدٌ وَفَخْرٌ وَسُرُورٌ وَإِكْلِيلُ ابْتِهَاجٍ. 12 مَخَافَةُ الرَّبِّ تَلَذُّ لِلْقَلْبِ، وَتُعْطِي السُّرُورَ وَالْفَرَحَ وَطُولَ الأَيَّامِ. 13 اَلْمُتَّقِي لِلرَّبِّ يَطِيبُ نَفْسًا فِي أَوَاخِرِهِ، وَيَنَالُ حُظْوَةً يَوْمَ مَوْتِهِ. 14 مَحَبَّةُ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ الْمَجِيدَةُ. 15 وَالَّذِينَ تَتَرَاءَى لَهُمْ يُحِبُّونَهَا عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ لَهَا وَتَأَمُّلِهِمْ لِعَظَائِمِهَا. 16 رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللهِ. إِنَّهَا تَوَلَّدَتْ فِي الرَّحِمِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَتْ عُشَّهَا بَيْنَ النَّاسِ مَدَى الدَّهْرِ، وَسَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا إِلَى ذُرِّيَّتِهِمْ. 17 مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ عِبَادَتُهُ عَنْ مَعْرِفَةٍ. 18 اَلْعِبَادَةُ تَحْفَظُ الْقَلْبَ وَتُبَرِّرُهُ، وَتَمْنَحُ السُّرُورَ وَالْفَرَحَ. 19 اَلْمُتَّقِي لِلرَّبِّ يَطِيبُ نَفْسًا، وَيَنَالُ حُظْوَةً فِي يَوْمِ وَفَاتِهِ. 20 كَمَالُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. إِنَّهَا تُسْكِرُ بِثِمَارِهَا. 21 تَمْلأُ كُلَّ بَيْتِهَا رَغَائِبَ، وَمَخَازِنَهَا غِلاَلًا. 22 إِكْلِيلُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. إِنَّهَا تُنْشِئُ السَّلاَمَ وَالشِّفَاءَ وَالْعَافِيَةَ، 23 وَقَدْ رَأَتِ الْحِكْمَةَ وَأَحْصَتْهَا، وَكِلْتَاهُمَا عَطِيَّةٌ مِنَ اللهِ. 24 الْحِكْمَةُ تَسْكُبُ الْمَعْرِفَةَ وَعِلْمَ الْفِطْنَةِ، وَتُعْلِي مَجْدَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَهَا. 25 أَصْلُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَفُرُوعُهَا طُولُ الأَيَّامِ. 26 فِي ذَخَائِرِ الْحِكْمَةِ الْعَقْلُ وَالْعِبَادَةُ عَنْ مَعْرِفَةٍ، أَمَّا عِنْدَ الْخُطَاةِ فَالْحِكْمَةُ رِجْسٌ. 27 مَخَافَةُ الرَّبِّ تَنْفِي الْخَطِيئَةَ. 28 غَضَبُ الأَثِيمِ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَرَّرَ، لأَنَّ وِقْرَ غَضَبِهِ يُسْقِطُهُ. 29 اَلطَّوِيلُ الأَنَاةِ يَصْبِرُ إِلَى حِينٍ، ثُمَّ يُعَاوِدُهُ السُّرُورُ. 30 اَلْعَاقِلُ يَكْتُمُ كَلاَمَهُ إِلَى حِينٍ، وَشِفَاهُ الْمُؤْمِنِينَ تُثْنِي عَلَى عَقْلِهِ.

 

أوضح السفر أن بدء التمتُّع بالحكمة هو اقتناء مخافة الرب، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. حيث يتهيَّأ المؤمن لقبول الحكمة كعطية إلهية. مخافة الربّ ليست جائرة، بل تقود إلى الكرامة، بل هي إكليل مجدٍ وسموٍ وسعادةٍ وتهليلٍ دائمٍ للإنسان حتى لحظات الموت. يُميِّز ابن سيراخ بين الخوف الذي يُسَبِّب خزيًا وعارًا، والخوف الذي يهب كرامة ومجدًا (4: 20-21) مع فرحٍ دائمٍ. المخافة الأولى تصيب الإنسان كمرضٍ نفسيٍ، تدفعه إلى حالة من الإحباط، والمخافة المقدسة التي يُميِّزها بلقب "مخافة الرب"، هي عطية صالحة يهبها الله لأولاده.

مخافة الرب مجد وفخر وسرور وإكليل ابتهاج [9].

مخافة الربّ هي مصدر مسرّة المؤمن وفرحه [11-13]. مخافة الربّ هي الشعور بتكريمه بفكرٍ روحيٍ عميقٍ، مع السلوك بروح الربّ في اعتدال ولياقةٍ. بركات المخافة المقدسة هي:

‌أ. هي فخر، يعتز بها المؤمن حيث يشترك مع السمائيين الذين يُسَبِّحون الله بروح المخافة المقدسة المجيدة [9].

‌ب. تبهج القلب بسرورٍ لا يقدر الزمن أن يُحَطِّمه [10].

‌ج. تشعل القلب بالشوق إلى يوم الرب الأخير، فلا يخشى المؤمن الموت [11].

‌د. هذه المخافة يُمكِن أن توهب لأبناء المؤمنين وهم في الرحم كما حدث مع يوحنا المعمدان (لو 1: 44)، ويعقوب بن اسحق (رو 9: 11-13)، وصموئيل بن حنة [12].

‌ه. تهب الحكمة السماوية شبعًا داخليًا، كما تهب صحة للنفس بكونها دواءً لها [16].

‌و. يُحفَظ خائف الرب من السقوط في الخطايا والأفكار الشريرة التي تبدو طبيعية، ولا سلطان للإنسان عليها.

يرجع ارتباط الحكمة بمخافة الرب، أن الأسفار الحكمية في جوهرها دعوة للالتصاق بالسيد المسيح حكمة الله، والتمتُّع بأيقونته خلال عمل الروح القدس اليومي فينا، فننعم بالحضور الإلهي الدائم في حياتنا. هذا الحضور الإلهي يدفعنا إلى مخافة الربّ، فنتأهَّل بالأكثر إلى فيضٍ من العمل الإلهي فينا.

v حيث يوجد الله توجد مخافة الرب، توجد الجدية اللطيفة، والرعاية اليقظة والاهتمام بالغير بشوقٍ، والاختبار بفحصٍ جيدٍ، والشركة التي لها وزنها، والتقدُّم اللائق، والطاعة بتقوى، والخدمة بروح التكريس، والمظهر غير المتكلف، والحياة الكنسية المتجددة، وكل ما هو إلهي[14].

العلامة ترتليان

v سؤال: لماذا يوجد أحيانا نوع من كآبة القلب والندامة في مخافة الرب تحل على النفس دون مجهودٍ كبيرٍ، ويتم تلقائيًا، وفي مرات أخرى يوجد في النفس نوع من البلادة، حتى إن غصب الإنسان نفسه، لا يستطيع أن يشعر بأية ندامة للقلب؟

الإجابة: مثل هذه الندامة هي عطية من الله حيث تثير الرغبة، فتتذوَّق النفس عذوبة مثل هذه الندامة التي تُثَار، فتتبنَّاها (تتبنَّى النعمة الموهوبة لها). أو لتُبَرْهِن أن النفس قادرة خلال الغيرة الشديدة أن تكون في ندامة دائمة. بهذا فإن من يفقد هذه النعمة خلال تراخيه ليس له عذر.

لكننا أحيانا نغصب أنفسنا (على الندامة)، مع هذا نعجز عن اقتنائها، كدليلٍ على إهمالنا السابق في دفعاتٍ أخرى. فإنه يستحيل أن ينجح الإنسان في عملٍ بمُجرَّد أن يأتي إليه دون أن يعطيه عناية شديدة مع تدريبٍ باجتهادٍ مع آخرين، ويظهر أن نفسه تشمئز من الرذائل والأهواء التي تعوق ممارسة ما هو لائق. وبحسب التعليم الذي نطق به الرسول القائل: "أما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية، لأني لست أعرف ما أفعله. إذ لست أفعل ما أريده، بل ما أبغضه فإياه أفعل" (رو 7: 14-15). أيضًا يقول: "لست بعد أفعل ذلك أنا، بل الخطية الساكنة فيَّ" (رو 7: 17).

يسمح الله أن يحدث هذا عينه معنا بهدفٍ صالحٍ، حتى أن النفس بواسطة الأمور التي تعاني منها لاإراديًا، تدرك الأمور التي تسطو عليها، وإذ تتعرَّف على الطرق التي بها صارت مُستعبَدة للخطية بغير إرادتها (رو 6: 20) تصحو من جديدٍ، وتتحفَّظ من شباك إبليس (1 تي 3: 7؛ 6: 9)، كما تكتشف أن رحمة الله تحث على مساندة أولئك الذين بحقٍ يتوبون[15].

v من أجلي حوَّلت نوحي إلى فرحٍ لي، مزقت مسحي، ومنطقتني بالفرح" (مز 30: 12).

فرح الله لا يستقر في كل النفوس، بل في تلك النفوس التي بكت على خطاياها بدموعٍ مستمرةٍ، كمن مات لها عزيز لديها. مثل تلك النفس يُحَوِّل الله نوحها إلى فرح، والحزن نافع هنا...

يبكي الأنبياء علينا، ويدعوننا لنبكي حتى نكتشف أخطاءنا في ضوء كلماتهم النبوية، عندئذ نبكي على هلاكنا، ونقمع جسدنا بالجهاد والتأديب.

الإنسان الذي يسلك مثل هذا الطريق، تُمَزَّق مسوحه، ويلبس لباس العُرْس المُزيَّنة حتى لا يخرج خارج العُرْسِ (مت 22: 11-13)[16].

القديس باسيليوس الكبير

هكذا ينقلنا السفر من الحكمة العقلانية الجافة إلى الحكمة العملية المقدسة الواردة في الكتاب المقدس. إنها ليست خنوعًا مرهبًا، بل تقوى وتكريس لله واعتزاز به (أم 2: 1-5). لا يفصل المؤمن الحب الإلهي عن المخافة الربّانية (تث 10: 12؛ سي 2: 15). فمخافة الرب ليست غريبة عن المؤمن، إنها توهَب له وهو بعد جنين في البطن [12].

كمال الحكمة هو مخافة الرب [16]. إنها تُسكر المؤمنين بثمارها المبهجة، وتُشبع نفوسهم بطعامها الفاخر، وتملأ مخازنهم بمحصولاتها، تهبهم سلامًا داخليًا وصحة كاملة.

مخافة الرب ليست هي بداية الحكمة فحسب، بل وكمالها وإكليلها. بمخافة الرب يتقبَّل المؤمن محصول الحكمة الغزير. فمن بركات مخافة الرب إنها تطرد الخطايا، وتنزع كل غضبٍ في النفس، لأن غضب الإنسان لا يصنع برّ الله (أم 15: 18، يع 1: 20).

هكذا يربط السفر بين الحكمة والوصية الإلهية ومخافة الرب. وفي نفس الوقت يُحذّر من التعريج بين الأفكار الهيلينية الوثنية والأمانة في الشركة مع الله.

v على أي الأحوال، من النافع أن نخافه وحده، ليس كظالمٍ بل بكونه الله البار. فالإنسان يخاف ممن هو ظالم لئلا يهلكه بالظلم، ويخاف البار لئلا يخطئ فيُعاقَب.

بمخافتك إياه تتحرَّر من كل المخاوف الضارة. فما لم تخف الرب الواحد خالق الكل، تصير عبدًا لكل الشرور التي تضرّك، أقصد تصير عبدًا للشيّاطين والأمراض (الروحيّة) وكل ما يمكنه أن يضرك بطريقةٍ أو أخرى[17].

v خف الله فإنّه عادل، لكن سواء كنت تخافه أو تحبّه يلزمك ألاَّ تخطئ...

من يخافه يستطيع أن يقتني الغلبة على الشهوات الشرّيرة، ولا يشتهي ما للغير، بل يمارس الحنو والوقار ويعمل بعدلٍ![18]

الإكليمنضيات

بمخافة الربّ نتمتَّع بالحياة المطوَّبة، يقول القديس أرسانيوس إن من يخاف الواحد (الله)، لن يخاف الكثيرين.

v كما أن مصباحًا يضيء حجرة مظلمة، هكذا مخافة الرب، إذ تخترق قلب إنسان تنيره، مُعلِّمة إياه كل الفضائل ووصايا الله.

أحد آباء البرية

v ذاك الذي يسلك في كل شيءٍ في مخافة خلال الحياء المُبجّل يُدعَى مُطوَّبًا. إذ يقف ثابتًا في الحق، قادرًا أن يقول: "تقدَّمت فرأيت الربّ أمامي في كل حينٍ، لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز 15: 8)[19] LXX.

القديس باسيليوس الكبير

يُقَدِّم لنا القديس برصنوفيوس تدريبًا عمليًا لنوال إكليل البهجة، إذ كتب: [لتعمل بكل جهدك، عندئذ سيُعِينك الله بصلوات آبائك. فإنه مُتعطِّش إلى خلاصك، إذ أقسم بذاته أنه لا يشاء موت الخاطي، بل أن يرجع ويحيا" (حز 18: 23)... لتساهم مثل الأرملة بالفلسين اللذين لديك، فيُسرّ كما فعلت هي (مر 12: 42). لتسرع بقاربك إلى سفينة آبائك، وهم يقودونك إلى يسوع، الذي وحده يمكنه أن يهبك التواضع والقوة والتعقُّل وإكليل الابتهاج[20].]

v افرح في الربّ، افرح في الربّ، افرح في الربّ. ليحرس الربّ نفسك وجسدك وروحك من كل شرّ، ومن كل مقاومة إبليس، ومن كل تخيلات متعبة. ليكن الربّ هو نورك وحمايتك وطريقك وقوتك وإكليل ابتهاجك وسندك الأبدي. اهتم بنفسك، كما هو مكتوب: "حتى الكلمة الخارجة من شفتيّ لا تتغيَّر" (مز 88: 35)[21]

القديس برصنوفيوس

جاء حديث الرب في سفر ملاخي عن رجال الكهنوت يوضح عمله الإلهي في حياتهم، إذ يملأهم بالمخافة كحليّ يتزيَّن به الكهنة، فيتمتعون بالمجد والتهليل، ويتحلُّون بالقداسة.

v "إنني أعمل هكذا حتى يكون (الكاهن) مملوءًا بالمخافة نحوي؛ أعمل بطريقة بها يرتعد أمام اسمي" (ملا 2: 5) LXX. إنه يحصي بطريقة لائقة كل زينة الكهنوت السامية، يحصل عليها بواسطة تعليم الشريعة. يُلهم أولًا وقبل كل شيءٍ بخوف الرب في خدمة العبادة الإلهية، فيجعلهم ينجذبون أمام اسمه بخوفٍ ورعدة عندما يسمعون اسم الرب، ويدخل بهم إلى خبرة الميل نحو توقير (الرب) ليس كأمرٍ غير هامٍ، بل فيه جدية، فليس من أمرٍ أهم منه... قيل: "مخافة الرب مجد وفخر". بهذا يضمن الأمان لمن يمارس الكهنوت بقدسيةٍ وفي الحق.

لم يطلب منهم مجرد الانتعاش بالمخافة، بل أن يمتلئوا تمامًا بالمخافة، أي تملأ مخافة الرب كل القلب والنفس[22].

v تأملوا كيف يستخدم الله وسيلة لائقة به، فعوض معاقبتنا، يبرز آثار غضبه على الأجساد البشرية، مُفضِّلًا أن يروعنا بمخاوف خارجية بسيطة وخسائر هيّنة[23].

 القديس كيرلس الكبير

v نقطة البداية في خدمة الله [كعبيدٍ] هي الامتلاء بروح الخوف، حيث يكون الشخص لا يزال يُدعَى طفلًا. فبالنسبة للأطفال على وجه الخصوص، الخوف هو المُربِّي. لهذا يقول الرسول عن مثل هذا الطفل: "وإنما أقول ما دام الوارث قاصرًا لا يفرق شيئًا عن العبد مع كونه صاحب الجميع؛ بل هو تحت أوصياء ووكلاء إلى الوقت المؤجَّل من أبيه. هكذا نحن أيضًا لما كنا قاصرين كنا مُستعبَدين تحت أركان العالم" (غل 4: 1-3)[24].

العلامة أوريجينوس

يقارن القديس أمبروسيوس في حديثه عن قايين وهابيل بين ما يُقَدِّمه العالم وما تُقَدِّمه الكنيسة. فالعالم يعجز عن أن يعطي النفس سرورًا حقيقيًا وبهجة داخلية، وأما الكنيسة حيث حكمة الله ومخافة الرب، فتُسكر النفس بفرح الروح، مع حكمة وتعقُّل من قبل الله.

v "هلموا كلوا من طعامي، واشربوا من الخمر التي مزجتها" (أم 9: 6). هل تجدون بهجة في الأغاني التي تسحر المستمعين بالموائد؟ اصغوا إلى صوت الكنيسة التي تحثّنا ليس فقط في نشيد الأناشيد: "كلوا أيها الأصحاب، اشربوا وأسكروا أيها الأحباء" (نش 5: 1)، ولكن هذا السُكر يجعل الناس عاقلين. هذا السُكر هو نعمة (من الله) وليس خبلًا للعقل[25].

القديس أمبروسيوس

مخافة الرب تبهج القلب،

وتعطي السرور والفرح وطول الأيام [10].

تمتد بركات مخافة الله في حياة الإنسان في هذا العالم، إلى لحظة مماته، حيث يلتقي بالسيد المسيح وجهًا لوجهٍ.

v إن أراد أحد أن ينال حب الله، فليكن فيه مخافة الرب، لأن الخوف يُوَلِّد بكاء، والبكاء يُوَلِّد قوة. وإذا ما كملت هذه كلها في النفس، تبدأ النفس تثمر في كل شيءٍ. وإذ يرى الله في النفس هذه الثمار الحسنة، فإنه يشتمَّها رائحة بخور طيبة، ويفرح بها هو وملائكته، ويشبعها بالفرح، ويحفظها في كل طرقها حتى تصل إلى موضع راحتها دون أن يصيبها ضرر.

إذ يرى الشيطانُ الحارس العلوي العظيم يحيط بالنفس، يخاف أن يقترب منها أو يهاجمها بسبب هذه القوة العظيمة.

إذًا، اقتنوا هذه القوة حتى ترتعب الشياطين أمامكم، وتصير أعمالكم سهلة، وتتلذذوا بالعمل الإلهي، لأن حلاوة حب الله أشهي من العسل.

حقًا أن كثيرين من الرهبان والعذارى في المجامع، لم يتذوَّقوا هذه الحلاوة الإلهية، ولم يقتنوا القوة الإلهية، ظانين أنهم قد نالوها، بالرغم من عدم جهادهم. أما من يجاهد لأجلها فينالها حتمًا خلال المراحم الإلهية، لأن الله لا يُحابِي الوجوه.

فمن يريد أن يكون له نور الله وقوته، يلزمه أن يستهين بكرامات هذا العالم ودنسه، ويبغض كل أمور العالم ولذة الجسد، ويُنَقِّي قلبه من كل الأفكار الرديئة. ويُقَدِّم لله أصوامًا ودموعًا ليلًا ونهارًا بلا هوادة كصلواتٍ نقيةٍ، عندئذ يفيض الله عليه بتلك القوة.

اجتهدوا أن تنالوا هذه القوة، فتصنعوا كل أعمالكم بسهولة ويُسْر، وتصير لكم دالة عظيمة قدام الله، ويهبكم كل ما تطلبونه[26].

القديس الأنبا أنطونيوس الكبير

خائف الرب تطيب آخرته،

وفي يوم موته يُطَوَّب [11].

إذ نتحدَّث عن سلّم يعقوب الذي به تمتَّع يعقوب بالسماء المفتوحة، والشركة مع السمائيّين، فإننا نذكر أن يعقوب قد عانى من الخوف. لقد كان في عزلةٍ تامةٍ، ليس من أبٍ أو أمٍ أو أخٍ أو صديقٍ يُرافِقه ويسنده. كان في طريقه هاربًا من عنف أخيه يعاني من مخاطرٍ جمّةٍ ومن مستقبلٍ مجهولٍ. اتكأ يعقوب على الحجر رمز السيّد المسيح لينام، فتمتَّع بالرؤيا السماويّة، وتلامس مع مخافة الرب، إذ قال: "ما أرهب هذا المكان؟! ما هذا إلا بيت اللَّه؟!" (تك 28: 17).

حينما نعاني من خوف الجسد أو خوف العالم المُحَطِّم للنفس، نتكئ على مسيحنا حجر الزواية، فيستبدل الخوف المُهلِك بالمخافة المقدّسة. عوض خوفنا من العالم بكل ظروفه القاسية نرى مجد اللَّه وقداسته وحبّه فنترقَّب يوم خروجنا من العالم بفرحٍ، وندرك أننا ونحن على الأرض نقطن في بيت اللَّه، بل صرنا "أهل بيت اللَّه" (أف 2: 19)، فكم بالأكثر يكون يوم موتنا مباركًا.

St-Takla.org Image: Marble plate in Coptic saying: "The fear of the Lord Is the beginning of wisdom" (Sirach 1:16), with the Street number - from the entrance of the Old Cathedral, Asbakeya, Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة رخامية على باب الكنيسة المرقسية باللغة العربية تقول آية "رأس الحكمة مخافة الله" (سفر يشوع بن سيراخ 1: 16)، كتابة الفنان "مرقص"، مع رقم ي19-113 - من صور مداخل الكاتدرائية القديمة بالأزبكية، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت

St-Takla.org Image: Marble plate in Coptic saying: "The fear of the Lord Is the beginning of wisdom" (Sirach 1:16), with the Street number - from the entrance of the Old Cathedral, Asbakeya, Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة رخامية على باب الكنيسة المرقسية باللغة العربية تقول آية "رأس الحكمة مخافة الله" (سفر يشوع بن سيراخ 1: 16)، كتابة الفنان "مرقص"، مع رقم ي19-113 - من صور مداخل الكاتدرائية القديمة بالأزبكية، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت

بدء الحكمة مخافة الرب،

تنشأ في الرحم مع المؤمنين [12].

رعاية الله للإنسان ترجع إلى لحظة بدء الحبل به، تستمر والجنين في بطن أمه. لقد أظهر السيد المسيح اهتمامه بإيمان الرضع والأطفال (لو 18: 15-17).

يُمَيِّز القديس فيلوكسينوس بين أنواع مختلفة للخوف: خوف العبيد، وخوف الأجراء، وخوف الأصدقاء، وخوف البنين.

v يوجد من يخشى أن يُضرَب وهذه مخافة العبيد؛

 ويوجد من يخشى أن يفقد أجرته، وهذه هي مخافة الأجراء؛

 ويوجد من يخشى أن يُحرَم من الميراث، وهذه مخافة الأبناء؛

 فبالرغم من أن المخافة ليس لها سوى اسم واحد إلا أن الفروق بينها عديدة.

 كان الأنبياء القديسون يخافون اللَّه، وكان الشعب اليهودي أيضًا من حين إلى آخر يخافون اللَّه؛ ولكن شتّان ما بين المخافتين!

 فالأنبياء كانوا يخافون أن يُحزِنوا اللَّه كأصدقاءٍ له، لأنهم كانوا يُحبُّونه؛ بينما كان اليهود يخافون تأديبه وعقابه كعبيدٍ[27].

القديس مار فيلوكسينوس

يود مسيحنا أن يرفعنا بنعمته حتى نبلغ خوف البنين. فلا نخاف اللَّه كعبيد يهابون سيّدهم، يُنَفِّذون الوصيّة؛ لا من أعماقهم، إنما خشية العقوبة.

ولا نخافه كأجراء يُتَمِّمون الوصيّة لأجل الأجرة أو خشية الحرمان منها، بهذا يكون اللَّه وسيلة لا غاية، نخضع له لننال بركاته لا لنقتنيه وننعم بالشركة معه.

ولا نخافه كمجرد أصدقاء يطلبون إرضاء صديقهم.

وإنما نخافه كأبناء نُتَمِّم الوصيّة لكي تتشكَّل صورة أبينا في أعماقنا، فنتهيَّأ لشركة أمجاده. نقتنيه ويقتنينا، نعيش معه أبديًا في أحضانه!

يرى القديس أغسطينوس أن الطريق يبدأ بالمخافة ويرتقي بالإنسان على سلم القداسة حتى يبلغ إلى الحكمة "بدء الحكمة مخافة الرب".

v يُقَدِّم لنا إشعياء النبي السبع عطايا الروحية المعروفة. إنه يبدأ بالحكمة وينتهي بمخافة الرب، وكأنه ينزل من الأعالي إلى مستوانا نحن. يفعل هذا ليُعَلِّمنا أن نتسلَّق صاعدين مرة أخرى. هكذا يبدأ من حيث ما نريد بلوغه (الحكمة)، ويبلغ إلى نقطة البداية. يقول: "يحلّ عليه روح الرب: روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة والتقوى روح مخافة الرب" (إش 11: 2). لذلك نزل من الحكمة إلى المخافة، لا للانزلاق إلى خلف، وإنما لكي يُعَلِّمنا أن نتسلَّق من المخافة ونصعد إلى الحكمة. نفعل ذلك لكي نتقدَّم، "لأن مخافة الرب هي بدء الحكمة[28]."

القديس أغسطينوس

v يليق بنفوس الذين يريدون أن ينطقوا بالحكمة، أولًا أن تتطهر بالمخافة الإلهية. لأن توزيع أسرار الخلاص لعامة الشعب وقبول كل الأشخاص على قدم المساواة (دون تمييز حكيم) بما فيهم الذين حياتهم غير مُزَيَّنة بالطهارة، والذين لم يُمتحنوا ولا تهيأوا لاستخدام الأسرار بطريقة معقولة، يكون كمن يسكب طيبًا ثمينًا في إناءٍ قذرٍ[29].

القديس باسيليوس الكبير

v كما يوجد بين الوثنيين من يمتنعون عن الملذات الموجودة أمامهم، وذلك إما لاستحالة نوال ما يرونه أو خوفًا من الناس، أو لنوال ملذات أعظم، هكذا أيضًا بالنسبة للإيمان، فإن البعض يُمارِسون ضبط النفس، إما لأنهم ينتظرون وعد الله أو من أجل مخافة الرب، فإن مثل هذا الضبط للنفس يقوم على معرفة وللتمتع بأمور أفضل، ويُحسَب جهادًا من أجل الكمال. يُقَال: "مخافة الرب رأس الحكمة" (أم 1: 7)[30].

القديس إكليمنضس السكندري

v بدء الحكمة هو المخافة، إذ يليق بنا ألا نبدأ بالتأملات (الروحية) ونترك الخوف. فإن التأمل غير المنضبط قد يدفعنا إلى حافة الانحدار. بالحري يلزمنا أن ننسحق ونتطهر، فنصير بالخوف مُتّسمين بوزن خفيف، ونرتفع إلى الأعالي.

فحيث يوجد الخوف يوجد حفظ الوصايا، وحيث حفظ الوصايا يوجد تطهير للجسد من السحابة التي تغطي النفس ولا تسمح لها برؤية الشعاع الإلهي. وحيث يوجد تطهير توجد استنارة، والاستنارة هي إشباع شهوات المشتاقين للأمور العظمى؛ أو الأمور التي تفوق كل الأمور العظمى[31].

القدِّيس غريغوريوس النزينزي

v ليتنا لا نسمح للوحش (الخطية) أن يكون بلا لجامٍ، لنسرع إليه ونضع كمامة قوية في كل جانب، وهي الخوف من الدينونة العتيدة.

عندما يعثرك صديق أو أحد من أهل بيتك فتغضب، فلتعتبر أن معصيتك هي ضد الله، وأن اللطف الذي تمارسه نحو الذين يضايقونك سيُرَد إليك في دينونتك بلطف الله لك[32].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

جَعَلَت أساسًا للحياة بين الناس،

وتستمر موضع ثقة مع نسلهم [13].

بركات مخافة الرب هي:

1. "تُسكر الناس بثمارها" [14]، فلا يشعر خائف الرب بجوعٍ إلى مجد العالم ومشتهياته وكنوزه، بل يشعر بالشبع، إذ تمتلئ أعماقه بثمر مخافة الرب.

2. " تملأ كل بيت من بيوتهم بالمشتهيات" [15]. إذ تدخل به مخافة الرب إلى الحضن الإلهي، فيكتشف أن حلقه حلاوة وكله مشتهيات (نش 5: 16).

3. تملأ "ومخازنهم بغلاتها" [15]، أراد الغني الغبي أن يبني مخازن أكبر ويملأها بالخيرات ليأكل ويشبع، فإذا بنفسه تُطلَب في ذات الليلة قبل أن يتحرَّك لبناء المخازن (لو 12: 20)، أما خائف الرب فيقيم روح الله من أعماقه مسكنًا لله الآب وابنه الوحيد الجنس، وتصير أعماقه ملكوتًا لله (لو 17: 21)، فماذا ينقصه؟ يسكن فيه رب المجد الذي فيه كل كنوز الحكمة (كو 2: 3).

4. يتوّج خائف الرب بإكليل الحكمة [16]، فيزداد فيه السلام بلا توقُّفٍ، ويختبر الشفاء، فلا تجرحه خطية ما، ولا يتسلَّل فكر خبيث إلى عقله!

5. يُسَرّ الله بخائف الرب، فيحصي ما تمتَّع به، ويُمطِر عليه مياه العلم والمعرفة والحكمة العملية (الفطنة)، ويرفعه من مجدٍ إلى مجدٍ [17].

6. خائف الرب لن يخشى مفارقة الحكمة له، لأن مخافة الرب هي أصل الحكمة وجذورها المتأصّلة فيه، أما فروعها فلن تجف يومًا ما [20].

مسرة الحكمة هي مخافة الرب،

وتُسكر الناس بثمارها [14].

يرى القديس ويصا تلميذ الأنبا شنودة رئيس المتوحدين أن الحكمة تعمل لا في حياة الحكيم وحده بل وفي حياة من هم حوله، وعلى العكس الحماقة تُحَطِّم الإنسان ومن يتعامل معه.

v "المرأة الحكيمة تبني بيتها، والحمقاء تهدمه بيدها" (أم 14: 1). هذا معناه أن المرأة الحكيمة تُشَجِّع جارتها في مخافة الله وبالحب الذي في قلبها نحو أختها وأخواتها. ومن جانب آخر المرأة الحمقاء تهدم بيديها بكلماتها المملوءة مرارة وكراهية واستخفافًا. كما هو مكتوب: "في فم الجاهل قضيب الاحتقار" (راجع أم 14: 3)[33].

القديس ويصا

v إنه من غير اللائق تمامًا أن يبدأ التطويب من مصدرٍ آخر (غير المسكنة بالروح ومخافة الرب)، حيث بلوغ قمة الحكمة، لأن إكليل (بدء) الحكمة مخافة الربّ (1: 16)، ومن جانبٍ آخر يُوصَف الكبرياء أنه بدء كل خطية (10: 13). ليصارع المتكبر من أجل ممالك الأرض ويحبها؛ لكن "طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات"[34].

v من يجاهد من أجل الحكمة، ليس شيء بالنسبة له مثل القول: "مخافة الربّ بدء الحكمة"[35].

v أنصت إلى الكتاب المقدس: "إكليل (بدء) الحكمة مخافة الربّ" (سي 1: 16). لذلك يبدأ بخوف يوم الدينونة: فبالخوف يُصلح من نفسه، ليجاهد ضد أعدائه، أي ضد خطاياه. ليبدأ في تجديد حياته داخليًا، ويميت أعضاءه التي على الأرض، كقول الرسول: "فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض... (كو 3: 5).

إنه يدعو أمور الشرّ الروحية "أعضاء على الأرض"، إذ يكمل موضحًا ذلك "الطمع، النجاسة"، وغير ذلك. حتى أن ذلك الإنسان الذي يبدأ بالخوف من يوم الدينونة أن يميت أعضاءه التي على الأرض، يمتد إلى ارتفاع أعضائه السماوية وتقويتها. يمارس الصلاح بأعضائه السماوية. وإذ ترتفع الأعضاء السماوية، يبدأ الاشتياق نحو المخافة. يخشى أن يأتي المسيح على الإنسان الشرير هذا الذي يود أن يلعنه... الآن النفس الطاهرة التي تشتهي أن تحتضن عريسها، وتجحد الزاني، فتبدأ تشتاق إلى مجيء المسيح.

إنها تصير بتولًا في أعماقها بهذا الإيمان والرجاء والمحبة. بهذا تثق النفس في يوم الدينونة، ولا تقاوم نفسها عندما تصلي: "ليأتِ ملكوتك" (مت 6: 10). فمن يخاف من مجيء ملكوت الله ربما تحل به مخاوف لئلا يُستجاب لصلاته[36].

القديس أغسطينوس

تملأ كل بيت من بيوتهم بالمشتهيات،

ومخازنهم بغلاتها [15].

إكليل الحكمة مخافة الرب،

تهب سلامًا وشفاءً للازدهار [16].

رآها الرب وأحصاها، وأمطر قوة الإدراك،

ويبجل مجد الذين يتمسكون بها [17].

أصل الحكمة مخافة الرب،

وفروعها طول الأيام [18][37].

مخافة الرب هي عجلة القيادة للنفس، يهبها روح الله القدوس لنا، القادر وحده أن يدخل بنا من مجدٍ إلى مجدٍ، ويهبنا نعمةً فوق نعمةٍ، خلال شركتنا مع رب المجد يسوع القدوس. تدخل بنا مخافة الرب إلى الطريق الملوكي، فلا ننحرف نحو الخطية، ولا إلى البرّ الذاتي. تحفظنا من الضربات الشمالية واليمينية، حتى ندخل إلى حضن الآب السماوي القدوس.

v خوف الرب يحث النفس على حفظ الوصايا، وعن طريق حفظ الوصايا يُشيد منزل النفس.

v ليتنا نخاف الرب ونُشيد منازل لأنفسنا، حتى نجد مأوى في الشتاء حيث المطر والرعد، لأن من لا منزل له يعاني من مخاطر عظيمة في وقت الشتاء.

الأب دوروثيؤس

v اخشَ الرب واحفظ وصاياه التي تُقوِّيك في كل أمورك، فلا يكون مثيل لأعمالك... لا تخف الشيطان إذا خشيت الرب، فإن خشيتك لله تعطيك سلطانًا على الشيطان[38].

هرماس

يرى القديس إكليمنضس السكندري أن الرب غالبًا ما يتكلم ويُهَدِّد قبل أن يؤدِّب لكي يرجع الإنسان عن شرِّه.

v غالبًا ما يتكلم الرب قبل أن ينفذ العمل (التأديب). يقول: "أُنفِذ سهامي فيهم، إذ هم خاوون من جوعٍ ومنهوكون من حُمى وداءٍ سامٍ. أرسل فيهم أنياب الوحوش مع حُمة (الحيات) زواحف الأرض. من خارج السيف يُثكِل، ومن داخل الخدور الرعبةُ" (تث 32: 23-25). هذا لا يعني أن الروح الإلهي يغضب كما يظن البعض. إنه غالبًا ما يُظهر تقييدًا مع التشجيع، ويُظهر لنا ما يجب أن نفعله. إنه يستخدم هذه الوسيلة الفعَّالة التي تكمن في إثارة المخافة فينا، فلا نرتكب خطية[39].

القديس إكليمنضس السكندري

الغضب الظالم لا يُبَرَّر،

لأن أثر الغضب الأكيد يسبب سقوطه [19].

v في الحقيقة كما أن المجانين والحمقى لا يلاحظون هذا عندما يلقون بأنفسهم في الهاوية، هكذا الأمر مع الذين يفقدون لطفهم ويُضرَبون بالغضب، هذا هو السبب لماذا الإنسان الحكيم الذي يريد أن يستعرض تدمير هذا السُكر (الغضب) يقول: "غضب الإنسان يميل بكفة الميزان لدماره". لاحظ كيف يطوَّق نفسه بالاستعباد لعمل هذا الهوى المدمّر بفداحة[40].

v الغضب وحش مفترس، وحش عنيف وثائر. ليتنا إذن نقرر لأنفسنا سُكر مهدئ مقتبس من الكتاب المقدس، فنقول: "كيف (لماذا) يتكبر من هو تراب ورماد" (سي 10: 9)، ثقل غضبه يدمره (راجع سي 1: 19)... ليس شيء أكثر خزيًا، ليس شيء أكثر قباحة من الوجه الملتهب بالغضب. عندما تثير الوحل تشتم رائحة كريهة. وعندما تضطرب نفس بالهوى تصير بذيئة للغاية[41].

v هوى الغضب مفترس، أكثر شراسة من أي لهيب، لهذا نحتاج أن نسرع جدًا لمنع اللهيب، وألا نسمح له أن يتوهَّج إلى العلا. فإن هذا المرض يصير علة شرور كثيرة. إنه يُسقِط بيوتًا بأكملها، ويحلّ صداقات قديمة، ويسبب كوارث لا يمكن علاجها في وقتٍ قصيرٍ. قيل: "غضب الإنسان يميل بكفة الميزان لدماره"[42].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

الطويل الأناة يصبر إلى الوقت الملائم،

بعد ذلك تعاوده البهجة بقوةٍ [20].

يُمَيِّز ابن سيراخ بين إنسان يُظلَم فيغضب ويثور، وآخر يسقط تحت الظلم، فيحتمل بطول أناة. الأول وإن كان غضبه قائم على ظلم حلّ به، غير أن غضبه هو الذي يُمَثِّل ثقلًا على نفسه فيسقط، وإن ظنّ أنه يبرر نفسه. أما الثاني فيحتمل إلى حين في صمتٍ ثم يعاوده السرور، ويشهد الكثيرون له وهو صامت لا يدافع عن نفسه.

يكتم كلامه إلى الوقت الملائم،

وشفاه الكثيرين تخبر بفهمه [21].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. الحكمة والوصية الإلهية

31 فِي ذَخَائِرِ الْحِكْمَةِ أَمْثَالُ الْمَعْرِفَةِ، 32 أَمَّا عِنْدَ الْخَاطِئِ فَعِبَادَةُ اللهِ رِجْسٌ. 33 يَا بُنَيَّ، إِنْ رَغِبْتَ فِي الْحِكْمَةِ، فَاحْفَظِ الْوَصَايَا، فَيَهَبَهَا لَكَ الرَّبُّ. 34 فَإِن الْحِكْمَةَ وَالتَّأْدِيبَ هُمَا مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَالَّذِي يُرْضِيهِ 35 هُوَ: الإِيْمَانُ وَالْوَدَاعَةُ، فَيَغْمُرُ صَاحِبَهُمَا بِالْكُنُوزِ. 36 لاَ تُعَاصِ مَخَافَةَ الرَّبِّ، وَلاَ تَتَقَدَّمْ إِلَيْهِ بِقَلْبٍ وَقَلْبٍ. 37 لاَ تَكُنْ مُرَائِيًا فِي وُجُوهِ النَّاسِ، وَكُنْ مُحْتَرِسًا لِشَفَتَيْكَ. 38 لاَ تَتَرَفَّعْ لِئَلاَّ تَسْقُطَ؛ فَتَجْلُبَ عَلَى نَفْسِكَ الْهَوَانَ، 39 وَيَكْشِفَ الرَّبُّ خَفَايَاكَ، وَيَصْرَعَكَ فِي الْمَجْمَعِ، 40 لأَنَّكَ لَمْ تَتَوَجَّهْ إِلَى مَخَافَةِ الرَّبِّ، لكِنَّ قَلْبَكَ مَمْلُوءٌ مَكْرًا.

 

في كنوز الحكمة أمثال المعرفة،

والتقوى رجسة عند الخاطئ [22].

إن كانت التقوى رجسة عند الخاطئ، فكم بالأكثر لا يطيقها عدو الخير إبليس فيثور ضد الأتقياء، مع هذا ليس له سلطان أن يؤذيهم.

v لو أن (الشياطين) لها سلطان، لن تتردَّد في استخدامه، بل تُمارِس الشرّ فورًا، إذ هذا هو غايتها خاصةً ضدنا.

انظروا فإننا مجتمعون معًا نتحدَّث ضدهم، وهم يعرفون ذلك أننا كلما تقدَّمنا نحن تزداد هي ضعفًا. فلو كان لها سلطان ما كانت تسمح لأحدٍ منا نحن المسيحيين أن يعيش، لأن خدمة الله هي رجس للخاطئ (راجع سي 1: 22). فإذ ليس لها سلطان، تؤذي نفسها إذ لا تستطيع أن تُنَفِّذ شيئًا مما تُهَدِّد به. هذا يجعلنا نلتزم ألاَّ نخافها[43].

القديس أثناسيوس الرسولي

إن رغبت في الحكمة فاحفظ الوصايا،

فيهبها الرب لك [23].

الفلسفة التي اكتشفتها الأمم هي نتاج الفهم البشري، أما الكتاب المقدس فيُعلِن أن الفهم هو من الله ذاته، يُقَدِّمه لمن يؤمن بوصاياه.

v لا تهجر وصية الربّ، بل احفظ ما تسلَّمته، ولا تضيف عليها شيئًا أو تستبعد عنها شيئًا[44].

الديداكية (تعليم الاثنا عشر تلميذًا)

v انهمكت وتأملت بحكمة في الوصايا التي وهبتني إياها، آمنت بها حتى حفظتها.

امنحني إذن الحكمة بتعليمي الصلاح والأدب والمعرفة.

تتفق هذه الطلبة مع القول: "يا ابني إن رغبت في الحكمة فاحفظ الوصايا، فيهبها الرب لك" (راجع سي 1: 23).

القديس ديديموس الضرير

v يرسم لنا المزمور (الأول) طريق الفضيلة، بعلمٍ وفنٍ، فالبُعْد عن الشر هو بداية الخير، إن طلبت من البداية كمال الفضيلة، تراجعت قبل أن تبدأ، ولكن المزمور يُمَهِّد لنا الطريق لنواجهه بشجاعة.

وأعتقد أن النمو في حُبّ الله، يُشْبِه السلم الذي رآه يومًا ما الطوباوي يعقوب، والذي من ناحية على الأرض، وفي الناحية الأخرى كان منطلقًا نحو حياة الفضيلة، حيث يبدأ الإنسان بصعود درجات السلم الأولى، وبعد ذلك يرتفع إلى درجة أعلى بتروِ وتأنِ، حتى يصل إلى ما يمكن للطبيعة البشرية أن تصل إليه.

إذن، بصعود درجات السلم الأولى، نرتفع فوق الأرض، لنحيا الحياة التي يريدها لنا الله.

وبداية التقدُّم، هو الابتعاد عن الشر، حيث يكون مثل هذا الابتعاد سهلًا مثل: "لا تقتل، لا تزني، لا تسرق" (خر 20: 13-15)، لا يتطلَّب هذا عملًا إيجابيًا. أما عندما نُطالَب بتلك الوصية: "حب قريبك كنفسك"، "بع أملاكك وأعط للفقراء" (مت 19: 21)، "من سخرك ميلًا واحدًا، فاذهبْ معه اثنين" (مت 5: 41)، هذه الأعمال يقوم بها المصارع الذي اختبر القوة بالحكمة الإلهية، الذي من خلال الأعمال الصغيرة، يقودنا إلى الكمال.

فهو يعرض علينا ثلاث أمور يجب أن نتجنَّبها، السلوك في مشورة الأشرار، والوقوف في طريق الخطاة، والجلوس في مجلس المستهزئين.

هذا الترتيب يبدأ باتِّخَاذ القرار ثم تنفيذ البداية هنا في الفكر النقي، فأساس أعمال الجسد تنبع من نقاوة القلب، والزنا يبدأ في النفس الشهوانية، وينتهي بزنا الجسد، لذا قال الرب: "الذي يُنَجِّس الإنسان يخرج من القلب" (راجع مت 15: 18)[45].

القديس باسيليوس الكبير

يرى العلامة أوريجينوس أن الحكمة تبدأ بالسلوك المستقيم أو حفظ الوصية الإلهية.

v إن كان أحد يلهج في ناموس الرب نهارًا وليلًا (مز 1: 2)، ويكون مثل فم الصديق الذي يلهج بالحكمة (مز 37: 30)، فسيكون قادرًا أن يسأل بحرصٍ فيجد. هكذا يكون الأمر بشرط أن يسأل بطريقة سليمة وبسؤاله يقرع باب الحكمة ليطلب من الله أن يفتح له، ويتأهَّل أن يَقْبَل بالروح القدس كلمة الحكمة، وكلمة المعرفة، ويصير رفيقًا لحكمة سليمان[46].

v "مددت يدي وليس من يبالي" (أم 1: 24). من المنطقي أنه قال بأنه (الله) يمد كلماته في قلبه (قلب سليمان)... لأن الله وهبه قلبًا متّسعًا.

يستطيع أن يشرح ما جاء باختصار ما ورد في الأسرار في التعاليم المتسعة المتناغمة المؤكدة في الكتاب المقدس إذ له قلب متسع.

لذلك من الضروري في توافق مع تعاليم الحكيم سليمان بالنسبة للشخص الذي يرغب أن يعرف الحكمة أن يبدأ بتدريب سلوكي، حتى يفهم ما هو مكتوب: "أتشتاق إلى الحكمة؟ احفظ الوصايا، فتُعطَى لك من قبل الله"[47].

العلامة أوريجينوس

v الحكمة صالحة تملأ الذين يقتنونها بفرحٍ، وتنزل إلى أسفل بالذين لا يمارسون (الوصايا).

لكن ماذا يقول الكتاب المقدس؟ مخافة الرب بدء الحكمة (راجع سي 1: 12). من لا يحب أن يملُك، وقد جاء في المزامير نُصح الروح: "الآن أيها الملوك افهموا يا من تقضون على الأرض، اخدموا الرب في خوفٍ ورعدةٍ". هذا هو السبب لقول بولس: "تمموا خلاصكم بخوفٍ ورعدةٍ" (في 2: 12). ونحن نقرأ: "إن رغبتم في الحكمة راعوا العدل، فيمنحها الرب لكم[48]."

v يلزمك أن تُدَبِّر حياتك بواسطة وصايا الله، هذه التي نتقبَّلها لتعيننا أن نسلك الحياة الصالحة، مبتدئين بالمخافة التقوية، لأن "مخافة الرب رأس الحكمة" (أم 1: 7)، بينما الكبرياء البشري يُحَطِّم ويُضعِف[49].

الوصايا هي التي تختص بالخير، أي تجلب الخير، والخير هو الإيمان غير المرتاب، من هنا فإن الحكمة هي مكافأة الإيمان النقي. وأمّا المكافأة فستكون ما لم تره عين[50].

القديس أغسطينوس

v يُدعَى الناس عادة "عقلاء"، مع سوء استخدام كلمة "عقلاء". فالعقلاء ليسوا هم الذين يدرسون أقوال الآباء الحكماء الأولين وكتاباتهم، بل من كانت نفوسهم عاقلة، تقدر أن تُمَيِّز بين ما هو خير وما هو شر. فيجتنبون ما هو شر ومُضرّ للنفس، ويحرصون بحكمة على ما هو خير ونافع للنفس ويمارسونه بشكرٍ عظيمٍ لله. هؤلاء وحدهم بحق الذين يجب أن ندعوهم "عقلاء"[51].

القديس أنطونيوس الكبير

v معرفة الصلاح لا تكفي لبلوغ الطوبى لمن لا يضع الصلاح موضع العمل، التقوى لله بالحق هي بداية المعرفة[52].

القديس ديديموس الضرير

فإن مخافة الرب هي الحكمة والتعليم،

والذي يُرضيه هو الإيمان والوداعة [24].

v بالحقيقة اللاهوت لا يغضب كما يظن البعض، إنما عندما يستخدم الله تهديدات كثيرة، إنما يصنع هذا مناشدة مظهرًا للبشرية الأمور التي ستتحقق. هنا إجراءات بالتأكيد صالحة، يغرس الخوف ليحفظنا من الخطية. "مخافة الربّ تطرد الخطية، فمن ليس فيه خوف لا يقدر أن يتبرر". العقاب الذي يفرضه الله ليس عن غضبٍ بل عن عدلٍ، فمن يتجاهل: العدل لا يحقق تقدمًا[53].

القديس إكليمنضس السكندري

لا تعصِ مخافة الرب،

ولا تتقدَّم إليه بقلبٍ مزدوجٍ [25].

الفكر غير المنقسم: للتمتُّع بمخافة الرب المقدسة واهبة الحكمة، يليق بالمؤمن أن يحفظ الوصايا الإلهية، فهي تسند إيمانه بالله، كما تهبه أن يتحلَّى بالوداعة، فلا يسقط في التشامخ حتى على غير المؤمنين [27]. ومن جانب آخر يلتصق بالله بكل قلبه دون ازدواجية.

إذ يتحدَّث عن الحكمة وارتباطها بالوصية الإلهية، يدعونا إلى حياة البساطة بكونها مفتاح للطاعة للوصية، محذرًا إيانا من القلب المزدوج. إن كانت البساطة تُوَجِّه قلوبنا إلى طريق الحق بلا انحراف، فإن القلب المزدوج يُفقِد الإنسان هدفه، فيعطي ساعة للرب وساعة للهو واللذات الزمنية.

إذ يتحدَّث القديس غريغوريوس أسقف نيصص على الفضائل، يضع بساطة القلب في المقدمة التي هي تضاد لازدواج القلب، إذ يقول:

v بخصوص عناصر الفضيلة، أي نوع منها يليق أن نعتبره الأعظم، وأي منها يلزم أن نمارسه أكثر من العناصر الأخرى، هذا هو ترتيبها، هذه الأمور لا يمكن أن ننطق بها. فإنها جميعًا لها ذات الكرامة، وتقود من يمارسها إلى الأعالي عن طريق كل عنصرٍ منها.

فالبساطة تفتح الطريق للطاعة، والطاعة للإيمان، والإيمان للرجاء، والرجاء للبرّ (العدالة)، والبرّ للخدمة، والخدمة للتواضع. بهذا يتحقَّق اللطف الذي يقود إلى النعمة، والنعمة للحب، والحب للصلاة. هكذا كل فضيلة تعتمد على الفضائل الأخرى. وتقودنا الفضائل إلى قمة ما نشتهيه. وذلك كما أن إكليل الشرّ يقود أصدقاءه إلى الشرّ المتزايد... بجانب هذا، من الضروري لنا أن نثابر على الصلاة (رو 12: 12). لأن الصلاة تشبه قائد خورُس الفضائل[54].

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

لنتبع الله بكل كياننا أو كل قلبنا وكل فكرنا: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك" (لو 10: 27).

v هؤلاء وحدهم يتقبَّلون داخلهم عظمة الوصيّة وأولويَّتها، ليس من يحبُّون الرب إلههم فحسب، إنّما يضعون في أنفسهم أن يُحَقِّقوا هذا خلال ثلاثة شروط؛ أي بكل قلبهم يتمسَّكون في داخلهم بكمال هذا الحب وأفكاره وأعماله؛ وبكل نفسهم أي يكونون على استعداد أن يبذلونها من أجل الخدمة لله الذي خلق كل شيء، عندما يتطلَّب ذلك نشر كلمته؛ فإن الله يُحَب من كل النفس عندما لا يُمسك أي جزء من النفس خارج حفظ الإيمان؛ ويُحبّونه بكل الفكر، فلا يفكِّرون في شيء ولا ينطقون إلا في الإلهيّات[55].

العلامة أوريجينوس

v أعتقد أن الحكيم ينصح الأشخاص المنقسمين مشبهًا إياهم بالذين يقتربون من طريق الله عندما يقول: "لا تأتوا إلى الرب بقلبين"، إنما اقتربوا إلى طريقه كمن يبذر وآخر يحصد[56].

مار اسحق السرياني

v الحياة الفاضلة هي بالحق مصدر الحكمة وأصلها، كما أن الإثم مصدره الجهالة. أقول هذا فإن المتبجح وعبد الشهوة يؤخذ أسيرًا بواسطة هذه الرذائل كثمرة لنقص الحكمة... كل خطية تبدأ بعدم الحكمة، كما أن الشخص الفاضل الذي يخاف الله هو أحكم الجميع. لهذا السبب يقول الحكيم: "مخافة الرب رأس الحكمة" (أم 1: 7). فإن كانت مخافة الرب هي أن تكون حكيمًا، وصانع الشر لا يقتني هذه المخافة، فهو بالحق مُجرَّد من الحكمة، ومن يُحرَم من الحكمة يكون بالحق أكثر الكل غباوة[57].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

v يليق بالمسيحي أن يُفَكِّر هكذا في دعوته السماوية، وأن تكون حياته لائقة بإنجيل المسيح (فل 27). يليق بالمسيحي ألا يكون بفكرٍ مزدوجٍ (لو 12: 29)، ولا يكون منشغلًا عن تذكُّر الله وأهدافه وأحكامه[58].

القديس باسيليوس الكبير

لا تكن مُرائيًا في نظر الناس،

وكُن محترسًا لشفتيك [26].

قيل عن كبرياء المرائي أنه يصعده كما إلى السماء، بفكره المتشامخ يبدو كمن يقوده إلى الحياة السماوية. في رياءٍ يظن أن رأسه قد بلغت إلى السحاب، إذ يظن أن عقله المفكر يساوي استحقاقات القديسين الذين سبقوه.

v الرياء أمر مكروه لدى الله، وممقوت من الناس، لا يجلب مكافأة، ولا يصلح قط في خلاص النفس بل بالحري يهلكها. إن كان أحد يهرب بالرياء لئلا يُكتشَف أمره، فإلى حين، إذ لا يدوم كثيرًا، بل ينكشف كل شيءٍ، فيجلب على صاحبه عارًا. وهكذا يكون أشبه بامرأة قبيحة المنظر، تُنزَع عنها زينتها الخارجيَّة التي وُضِعَت لها بطرق صناعيَّة. الرياء إذن غريب عن القدِّيسين، إذ يستحيل أن يفلت شيء مما نفعله أو نقوله من عيني اللاهوت، إذ قيل: "ليس مكتوم لن يُستعلن، ولا خفي لا يُعرَف" (لو 12: 2). فإن كانت كل كلماتنا وأعمالنا ستُعلَن في يوم الدينونة، فالرياء مُتعب وبلا منفعةٍ. يليق بنا أن نتزكَّى كعابدين حقيقيِّين نخدم الله بملامح صادقة وصريحة [59].

 القديس كيرلس الكبير

v قد يوجد من يُقَدِّم صدقته قدام الناس لكنّه يتحاشى التظاهر بها، ويوجد أيضًا من لا يُقَدِّمها قدام الناس لكنّه يتباهى بها سرًا. فالله لا يجازي عن الصدقة بحسب صنعها إن كانت أمام الناس أم لا، بل بحسب نيّة فاعلها[60].

v الكل يرى اللص "الرياء" يحمل كل شيء أمام عينيّه ويبتهج بذلك! يا لها من لصوصيّة جديدة من نوعها، تجتذب الناس وتبهجهم بينما هم يُسلَبون![61]

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

v ما هو مكان المرائي (أي 20: 9) سوى قلب المُتملِّقين له؟ فإنه يستريح في الموضع الذي يجد فيه من يُحِبُّونه... ولكن ما دام حيًا لا يكف عن أن يُعَلِّم أتباعه ذات الأمور التي يمارسها، وخلال جسارة طريقه الخاطئ يلد آخرين أيضًا على شاكلة الخداع الباطل الذي له.

v يبدو المراءون مثمرين ومخضرين في أعين زملائهم المخلوقين، لكنهم في نظر الديان الخفي يظهرون بلا ثمر وذابلين.

البابا غريغوريوس (الكبير)

لا ترتفع لئلا تسقط،

فتجلب على نفسك الهوان.

ويكشف الربّ أسرارك،

ويضربك في وسط الجماعة،

لأنك بالحق لم تتوجه إلى مخافة الربّ،

وقلبك مملوء مكرًا [27].

الحكمة عطية مجانية يُقَدِّمها للمتواضعين، إنه يُقَدِّمها بلا محاباة، يهبها لمن يتمتعون بمخافة الربّ ويهتمون أن يحفظوا وصاياه [27].

v أبغض العظمة، لأنها الثمرة المملوءة موتًا.

لأن آدم أكل منها في عدن، وأعطته الموت.

وبها سقط الشيطان من البدء. بها سقط بيت آدم من الفردوس.

ليس عند الله شيء بخس ومكروه كمثل حب العظمة، ومن يتشامخ بالكبرياء.

القديس مار يعقوب السروجي

v لاحظوا هؤلاء الناس المتكبرين المستهترين، لاحظوا الثور وهو يُعَدّ للذبح، يُترَك ليجول في حرية، يُدَمِّر ما يريد، حتى يوم ذبحه... يشير الكتاب المقدس إليه في موضع آخر كذبيحةٍ وأنه يُترَك لحرية شريرة (أم 7: 22)[62].

القديس أغسطينوس

v سقط الشيطان من رتبته السماوية بسبب كبريائه، لهذا فإنه يعمل كل جهده دومًا لكي يسقط كل الراغبين في التقدُّم نحو الله بكل قلوبهم، مستعينًا بنفس الوسيلة التي سقط بها هو، أعني العظمة ومحبة المجد الباطل. بهذا وما يشبهه يحاربنا على رجاء أن يبعدنا عن الله...

ما الذي دفع ربنا يسوع المسيح أن يترك ثيابه ويشد وسطه بمنطقة ويصب ماء في وعاء ويغسل أقدام من هم دونه (يو 4:13 إلخ) إلا لكي يُعَلِّمنا التواضع؟! لقد أظهر لنا التواضع بالمثال الذي صنعه. لذلك فإن الذين يريدون أن يعودوا إلى رتبتهم الأولى، لن يمكنهم هذا إلا بالتواضع. لأن الكبرياء هو سبب السقوط في البداية من السماء.

وهكذا فإن من ينقصه التواضع العميق من كل القلب والفكر والروح والجسد، لا يرث ملكوت الله[63].

v كثيرون أقاموا زمانًا طويلًا وهم رهبان وعذارى، ولم يتعلَّموا كيف يقتنون النقاوة. وذلك لأنهم يزدرون بتعليم آبائهم ويتبعون أهواء قلوبهم الخاصة. لذلك تسلَّطت عليهم الأرواح الشريرة المُهلِكة للنفوس، تجرحهم ليلًا ونهارًا أسهمها غير المنظورة، ولا تعطيهم سلامًا في أي موضع، بل يشغلون قلوبهم تارة بالكبرياء وأخرى بالمجد الباطل والغيرة الشريرة والذم والغضب والحنق والمشاحنات وكثير من الآلام الأخرى. هؤلاء نصيبهم مع الخمس عذارى الجاهلات، إذ أجازوا زمانهم بجهلٍ، ولم يلجموا ألسنتهم، ولا حفظوا أعينهم نقية، ولا حفظوا أجسادهم من الشهوات أو قلوبهم من النجاسات وغيرها[64].

القديس أنطونيوس الكبير

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي سيراخ 1

لأقتنيك يا حكمة الله الأزلي!

v أنت هو حكمة الله خالق السماء والأرض!

أنت هو الحكيم العظيم المهابة، الجالس على عرشك!

تُرى مَن مِنْ الطغمات السمائية أو البشر يقدر أن يفحص أسرار خليقتك؟!

من يقدر أن يفحص طبيعتك؟

أنت حكمة الله، نزلت إليَّ لأقتنيك، فأصير بك حكيمًا؟

أنت واهب الحكمة وكل البركات، صرت عطية لي،

أقتنيك في داخلي وأعتزّ بك!

v وهبتني العقل مع حرية الإرادة لأتأمل أعمال محبتك،

ولكنني إذ أقف عاجزًا، نزلتَ إليّ لتقطن في أعماقي!

نزلتَ إليّ لتحملني فيك، وتُعِدّ لي مكانًا في سماواتك.

ألتقي معك وجهًا لوجهٍ، وتبقى بصيرتي في دهشة.

أنطلق إلى الفردوس، فأنعم بالأمجاد الأبدية وأسرارها، دون توقفٍ!

v تُبارِكك نفسي يا من وهبتني غريزة المخافة المقدسة.

إذ أتعرَّف عليك، تُسَمِّر مخافتك المقدسة فيّ،

فتتمجد أعماقي بحلولك فيها.

أفتخر بك يا سروري وبهجة قلبي!

مخافتك تقودني في رحلة غربتي إلى يوم خروجي من العالم.

مخافتك تضمّني إلى طغمات السمائيين، فأُسَبِّحك معهم بخوفٍ ورعدةٍ.

مخافتك تُحَوِّل برية قلبي الجافة إلى فردوسٍ مملوءٍ بثمر الروح.

مخافتك تُنَقِّيني من مخافة إبليس ومخافة البشرّ!

بمخافتك أَتحدَّى إبليس وكل قواته وكل أعماله،

فلا يقدر أن يتسلَّل إليّ فكر شرير، ولا كلمة باطلة، ولا سلوك أثيم!

مخافتك شجرة الحياة، فروعها تمتد إلى عواطفي وحواسي وكلماتي وسلوكي.

أقطف منها، فأتقدس في الداخل والخارج.

أقطف منها حبك، فأحب كل البشرية حتى المُقاوِمين لي!

v أقمت معي ميثاق حبٍ عجيبٍ، سجَّلته في كتابك المقدس.

أعطيتني كتابك ألهج فيه، فتمتلئ نفسي بحلاوتك!

وصاياك هي الحُلي الثمين الذي يُزَيِّن نفسي!

وصاياك تُعدّني للعُرْسِ الأبدي.

تجلس نفسي كملكة تتزيَّن بوصاياك، ويدهش لها السمائيون!

لكل كمالٍ وجدت حدًا، أما وصاياك فواسعة جدًا.

إذ قدَّمت نفسك لي صديقًا سماويًا،

وهبتني حكمتك ومخافتك ووصيتك!

كيف أُعانِي من عزلةٍ، وأنت تُرافِقني طوال رحلة غربتي؟

كيف أشكو فقري واحتياجي، وأنا غني بك!

v لك المجد من أجل رفقتك لي، فلا أنحرف يمينًا ولا يسارًا.

لن يعرف قلبي الازدواجية، لأنه في يدك.

حبك يملأ كل قلبي، فلن يجد إبليس موضعًا فيه!

لك المجد يا كلي الحكمة، واهب المخافة المقدسة،

ووصيتك المملوءة عذوبة!

 

 


ملحق سيراخ 1

مخافة الرب

تتجلَّى مخافة الرب في الطاعة لوصاياه، ومن يحفظ وصاياه، يتمتَّع بالمجد الداخلي، ويحيا في فرح الروح والسرور، وينال إكليل البهجة. يدَّعِي البعض أن وصايا الله وأحكامه تذل الإنسان، لأنهم لم يختبروا حقيقة الوصايا إذ ترد للإنسان صورة الله ويصير على مثاله، فيحيا في فرحٍ.

غاية الوصية أن يسكن الله فينا وفي وسطنا (زك 2: 5). لذا فإن مخافة الرب مجد وفخر وسرور وإكليل بابتهاج.

"مخافة الرب تنشأ في الرحم مع المؤمنين" [12]. هكذا يبدأ اهتمام الوالدين بأبنائهم من قَبْل ميلادهم، فإذ تقدَّس زكريا الكاهن وأليصابات، فحينما قامت القديسة مريم بزيارتهما وقدَّمت الكلمة المتجسد، تهلل الجنين يوحنا وركض مبتهجًا بالرب، وتمتَّع بمخافة الرب وهو بعد في الرحم.

‌أ. توجد علاقة بين الحكمة ومخافة الرب. فكلتاهما تحملان السعادة والبركة. مخافة الرب هي مبدأ الحكمة وكمالها وتاجها [12، 16، 18].

‌ب. الحكمة أم وعروس لخائف الرب: "تأتي وتقابله كأُمّ، وتَقْبَلَهُ كزوجة شبابه" (15: 2).

‌ج. عينا الرب على خائف الرب: "وهو نفسه يَعْلَم كلّ عمل الإنسان" (15: 19).

‌د. خائفو الرب مملوءون بالبركات والرجاءً: مخافة الرب كفردوس البَرَكة" (40: 27).

‌ه. خائفو الرب وكلمة الله: "الذين يخافون الرب لا يعصون أقواله" (2: 15).

إمكانيات خائف الرب: "من يخاف الربّ لا يخاف شيئًا، ولا يفزع أبدًا، لأن الربّ هو رجاؤه" (34: 14). "لا يلحق شرّ بمن يخاف الربّ بل يُنَجِّيه (الربّ) في التجربة مرّة ومرّات. الحكيم لا يُبغِض الشريعة، أما الذي يدَّعي حفظها فيُشبِه قاربًا في العاصفة. رجل الفهم يثق في الشريعة، والشريعة عنده جديرة بالثقة، لأنها إعلان إلهيّ" (33: 1- 3).

‌و. إكرام خائف الرب: "أي نوع من النسل مُكرَّم؟ هؤلاء الذين يخافون الربّ" (10: 19).

‌ز. مخافة الرب فخر الشيوخ: "إكليل الشيوخ هو الخبرة العظيمة، ومخافة الربّ فخرهم" (25: 6).

‌ح. مخافة الرب تفوق كلّ خيرٍ: "مخافة الرب تفوق كل شيءٍ" (25: 11).

‌ط. الزوجة الصالحة عطية لخائفي الرب: "الزوجة الصالحة نصيب عظيم، وتكون نصيب من يخاف الربّ" (26: 3؛ راجع 27: 3).

 

بين خائفي الرب والأشرار

"من يخاف الربّ يَقْبَل التعليم، والمُبَكِّرون إليه ينالون رضاه. من يطلب الشريعة يمتلئ بها، وأما المرائي فيتعثَّر فيها. الذين يخافون الربّ يكتشفون الحُكم، وكالنور يضيئون أعمالًا بارة. الإنسان الخاطئ يرفض الإصلاح، ويجد حُججًا توافق مُبتغَاه" (32: 14-17).

مخافة الرب والحياة الاقتصادية

1. يُحَدِّثنا عن الغِنَى والفقر؛ الغِنَى صالح لمن هو مقدّس، والفقر مُستقبح في ذهن الشرير (راجع 13: 23). يمنح الغنى الإنسان السلطان والثقة بالنفس، لكن ليس مثل مخافة الرب والمشورة الصالحة.

"الذهب والفضة يُثَبِّتان القدم، لكن تُعتبَر المشورة أكثر قيمة من كليهما. الثروة والقوة تبنيان القلب، لكنّ مخافة الربّ أفضل من كليهما. ليس من خسارة في مخافة الربّ، ولا حاجة للبحث عن عونٍ معها" (40: 25 -26).

2. الغني والفقير: "الغني يخطئ ويثبت نفسه أنّه المُساء إليه، والفقير يُسَاء إليه ويلتزم أن يعتذر" (13: 3).

يُنَبِّهنا إلى أهمية العمل في الحياة الروحية والاقتصادية حتى الشيخوخة: "لا تكره العمل المُتعِب، بخاصة الفلاحة التي خلقها العليّ... هل عندك قُطعان؟ اهتم بها" (راجع 7: 15، 22) "يا بُنَيَّ، لا تحيا حياة المتسوِّل، فإن الموت خير من الاستجداء. عندما ينظر الإنسان إلى مائدة الغير، عيشته غير عاقلة أو لا تُعد طريقة حياته حياة. إنه يفقد احترامه لذاته بطعام الغير، وأمّا الإنسان العاقل المتأدب فيتحفَّظ من ذلك. في فم عديم الحياء يحلو الاستجداء، لكن في معدته نار تلتهب" (راجع 40: 28-30).

St-Takla.org Image: Wandering Huckster, food and beans, by Leopold Carl Muller - from the book: Egypt: Descriptive, Historical, and Picturesque - Vol. 2 - by Georg Ebers (tr. Clara Courtenay Poynter Bell), 1885. صورة في موقع الأنبا تكلا: بائع متجول: بائع على عربة فول وأطعمة، رسم الفنان ليوبولد كارل مولر - من صور كتاب: مصر: وصفيًّا، تاريخيًّا وتصويريًّا - جزء 2 - لـ جيورج إبيرس (ترجمة كلارا كورتناي بوينتر بيل)، 1885 م.

St-Takla.org Image: Wandering Huckster, food and beans, by Leopold Carl Muller - from the book: Egypt: Descriptive, Historical, and Picturesque - Vol. 2 - by Georg Ebers (tr. Clara Courtenay Poynter Bell), 1885.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بائع متجول: بائع على عربة فول وأطعمة، رسم الفنان ليوبولد كارل مولر - من صور كتاب: مصر: وصفيًّا، تاريخيًّا وتصويريًّا - جزء 2 - لـ جيورج إبيرس (ترجمة كلارا كورتناي بوينتر بيل)، 1885 م.

3. يُنَبِّهنا إلى الموازين والمكاييل العادلة: "بصعوبة يتجنَّب التاجر ارتكاب الإثم، ولا يُبرأ البائع المتجول من الخطية" (راجع 26: 20).

4. الحكمة الحقيقية والعمل بلا تدبير: "لا تجادل في أمر لا يخصك، ولا تجلس مع الخطاة عند حكمهم في قضية. يا بني، لا تدع عملك يتضمن أمورًا كثيرة، فإنك إن أكثرت منها، لا تستمر بدون عقاب، حتى إن تقدَّمت فيها، فإنك لا تدركها، ولا تنجو بالهرب. رُبّ إنسان يعمل ويعمل ويستمر يعمل ولكنه يزداد فقرًا" (راجع 11: 9-11).

5. حُسن استخدام المال: "السُهاد (الأرق) لأجل الثروة يُهلِك الجسم، والقلق على الثروة ينزع النوم... يتعب الغنيّ في جمع الأموال، وفي راحته يشبع من رفاهيته. يتعب الفقير في حاجة العيش، وفي راحته يصبح معوزًا. من أحب الذهب لا يُدعَى بارًا، ومن اقتفى أثر الربح يضلّ بسببه... إنه فخّ للذين يُكَرِّسون حياتهم له، وكلّ غبيّ يسقط فيه. طوبى للغني الذي يوجد بلا لوم، ولا يسعى وراء الذهب" (راجع 31: 1، 3-5، 7-8).

لنبدأ بالخوف البدائي

v لا يقدر أحد أن يبلغ إلى الخوف الكامل ما لم يحصل أولًا على الخوف البدائي. إذ يقول الحكيم ابن سيراخ: "بدء الحكمة مخافة الرب... إكليل (رأس) الحكمة مخافة اللّه" (ابن سيراخ 1: 12، 16)، قاصدًا بكلمة "رأس" الخوف البدائي الذي يتبعه الخوف الكامل الذي للقديسين.

يتوقَّف الخوف البدائي على حال روحنا، وهو يحفظ النفس من كل سقطة، إذ قيل إنه بمخافة الرب يتخلَّص كل أحدٍ من الشر. ولكن الإنسان الذي يتخلَّص من الشر بسبب خوفه من العقاب يشبه عبدًا يخاف من سيده، وبالتدريج يبتدئ يصنع صلاحًا طوعًا.

في البداية يعمل كأجيرٍ ينتظر الأجرة عن عمله الصالح. فإن استمر هكذا متجنبًا الشر بسبب الخوف كعبدٍ صانعًا الخير على رجاء نوال المكافأة كأجيرٍ، عندئذ يقيم في صنع الخير ويصير له تذوق خاص بالخير الروحي، فلا يعود يريد الانفصال عنه. عندئذ يصل إلى عمل الابن، فيحب الخير لأجل الخير ذاته، ورغم أنه يخاف، لكنه يعمل لأنه يحب. هذا هو الخوف العظيم الكامل.

الأب دوروثيؤس

مخافة الرب وسلّم الحياة الإيمانيّة

يُقَدِّم لنا مار فيلوكسينوس سلّم الحياة الإيمانيّة العمليّة، فيبدأ بدرجاته الثلاث: الإيمان والبساطة وخوف الرب. ليست هناك شركة مع اللَّه بدون إيمان، ولا يمكن أن يقوم الإيمان إلا من خلال البساطة التي وهبها اللَّه للنفس كي تلتقي معه كطفل بسيط يؤمن بأبيه ويتعلَّق به. هذه البساطة التي تلد الإيمان هي التي تحفظه لتستمر النفس بنعمة اللَّه ثابتة في إيمانها.

خلال هذا الإيمان تتمتَّع النفس بمخافة الرب. تؤمن به وتدرك عظمته، فتخافه، وتكرمه، وتحفظ وصاياه. فالإيمان إذن يلد "مخافة الرب"؛ فيحفظ الإنسان المؤمن الوصيّة ويطيعها خوفًا من العقاب... وإذ ينمو بالنعمة يطيع الوصيّة كابن يخشى أن يجرح مشاعر أبيه... إنه يخشى أن تتشوَّه طبيعته التي يقتنيها على صورة إلهه ومُخَلِّصه.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] عظة 2 على نشيد الأناشيد ترجمة الدكتور جورج نوّار.

[2] Morals, Rule, 8:1.

[3] Paedagogus, FOTC Vol. 23, p. 86.

[4] Christian Instruction 3: 37: 59.

[5] راجع الأنبا مكاريوس، أصحاح 2.

[6] De principiis 1: 2: 1.

[7] Confessions 12:15:20.

[8] On The Trinity 1:12:24.

[9] Selected Works, FOTC…vol 95, p. 393-4

[10] Against Eunomius 3:1:50.

[11] Against Eunomius 2:7.

[12] Commentary on John 32:172

[13] Morals, Rule, 9:3.

[14] Prescriptions against Heretics 43.

[15] Regulae brevius tractatae, 16.

[16] تفسير المزمور 30 (29).

[17] عظة 10: 5.

[18] عظة 17: 7.

[19] The Long rules, Preface

[20] Letter 261, T.P. Hailton: Barsonuphius and John, FOTC Vol. 113, p. 267.

[21] Letter 10, FOTC, Vol. 113, p. 31.

[22] Commentary on Malachi 2:19.

[23] Commentary on the Twelve Prophets, FOTC…, vol. 124, p. 722

[24] Comm. on Rom. Book FOTC...6: 10.

[25] Cain & Abel, 1: 5: 19

[26] Epistle 6.

[27] عظة 7: 195-196.

[28] Sermon 347:2.

[29] Homily on the Beginning of Proverbs, 4:5.

[30] Stromata 7: 12.

[31] On the Holy Lights 39:8.

[32] Commentary on John the Evangelist John, FOTC…, vol. 33, p. 54.

[33] Besa Fragment 29, Letter to Antinoe 2: 3- 4.

[34] The Lord’s Sermon on the Mount.

[35] Eighty-Three Different Questions. FOTC...Vol. 70, p.68-69.

[36] Tractates on the Gospel of John, 112-124, Tractates on John, FOTC… Vol. 92, p. 248-249.

[37] جاء في بعض المخطوطات الإضافة: لأن مخافة الرب تطرد الخطايا".

[38] Hermas: The Shepherd, Commandment 7:1-2.

[39] Paedagogus 1:8:68:3.

[40] Baptismal Instructions 5:4.

[41] On John , Homily48:3

[42] On John, Homily 4: 4.

[43] St. Athanasius, Vita Antonii, FOTC… Vol. 15, p. 161-162.

[44] Didache 4:3.

[45] عظة على المزمور 1.

[46] Commentary on Song of Songs Prologue.

[47] Commentary on Song of Songs, Preface.

[48] Sermon 347:1.

[49] Letter 171 A.

[50] راجع الأنبا مكاريوس، أصحاح 1.

[51] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة، 1.

[52] Commentary on Prov. (Fragment 1: 7).

[53] Paedagogus, FOTC... Vol. 23, p. 61-6.

[54] Ascetical Works, FOTC, vol. 58, p. 151-152.

[55] PG 13:1599.

[56] Ascetical Homilies 37.

[57] Homilies on John, hom. 41.

[58] Letter 22 On the Perfection of the Life of Solitaries.

[59] In Luc Ser 86.

[60] الحب الأخوي، 1964، ص 129.

[61] In Acts, hom., 5.

[62] On Ps. 73 (72).

[63] رسالة 6.

[64] رسالة 20.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh/Tafseer-Sefr-Yasho3-Ibn-Sira5__01-Chapter-01.html

تقصير الرابط:
tak.la/x5z28zm