← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
الأصحاح التاسع
في الأصحاح السابق تحدَّث عن "المؤمن الحكيم والتعامل مع الفئات المتنوعة"، الآن يؤكد لنا عنصرًا هامًا يجب مراعاته في كل معاملاتنا، ألا وهو الالتزام بالطهارة كأبناء لأبينا القدوس.
الطهارة في جوهرها حياة مُقَدَّسة في المسيح القدوس، وهي حياة واحدة في كل الأوضاع والظروف. فالطاهر أينما وُجِد يشع منه بهاء القداسة التي تقطن في أعماقه.
لقد ترجم ابن سيراخ هذه الحياة خلال السلوك العملي للمؤمن حتى يتقبَّلها الجميع: اليهود والأمم. ما يشغله هو أن يجتذب إلى الله الفلاسفة من الأمم وقادة اليهود، فقدَّم الوصايا الخاصة بالطهارة بأسلوبٍ يَقْبَله حتى غير المتديِّنين. لكن واضح أن ما في ذهنه هو أن القداسة هي تمتُّع بصورة القدوس في حياتنا الداخلية، والأسرية، وفي معاملاتنا مع أصدقائنا، بل وفي الطريق وأثناء العمل. بهذا يتهيَّأ المؤمن للشركة مع القدوس، وينمو فيها يومًا فيومًا. ما يشغل قلب ابن سيراخ وفكره أن يتمتَّع المؤمن بالنعمة الإلهية التي تعمل في قلبه وفكره وكل طاقاته كما في علاقته بالآخرين سواء على مستوى الأسرة أو الأقرباء أو الأصدقاء أو المجتمع الديني أو الوطن أو البشرية ككل.
الإنسان الحكيم في نظر ابن سيراخ لا ينسحب من الحياة الاجتماعية، بل على العكس يرغب في الشركة مع إخوته في البشرية، ويسعى نحو تقدُّم المجتمع في كل جوانب الحياة. إنه يقتني الحكمة بالرغم من التزاماته خلال ارتباطاته ومسئولياته نحو المجتمع. يجد المؤمن في القداسة ليس كبتًا لمشاعره وحرمانًا من اللذة، بل عذوبة في ضبط النفس وتقديسها مع مثابرة على التهذيب المُفرِح.
كثيرون يتطلعون إلى الطهارة بمنظار ضيِّق، ومن الجوانب السلبية أكثر من الإيجابية، فما يشغل الشخص محاولة ضبط فكره من الخطايا الجسدية وتحاشي الممارسات الخاطئة، أما ما يُقَدِّمه ابن سيراخ في هذا الأصحاح فهو أن الطهارة حياة يعيشها المؤمن مع القدوس حتى في حياته الترفيهية. هذا ويليق بالمؤمن بنظرته الطاهرة تقدير كل إنسانٍ حسب موهبته، خاصة الصناع والعاملين في الزراعة والنجارة والصناعة إلخ.
جاءت الوصايا التسع الأولى في هذا الأصحاح [1-9] تكشف عن دور الجنس sex في حياة المؤمن. الجنس طاقة جبارة يُمكِن أن تُوَحِّد الجنس البشري بروح القداسة متى اُستخدمت في مجالها الحقيقي، ويمكن أن تُدَمِّر الإنسان نفسه والمجتمع أيضًا إن أُسيء استخدامها. إنها مثل الكهرباء التي تسند المجتمع والفرد في التقدُّم، ويمكن أن تُدَمِّرهما إن أُسيئ استخدامها. جاءت هذه العبارات التسع بوصايا سلبية فتبدأ بكلمة "لا..."، إذ يليق بالمؤمن أن يُدرِك حدوده التي يسلك فيها ولا يتعدَّاها، فيكون كرقيبٍ حكيمٍ وجادٍ لا يكف عن التطلُّع إلى الأسوار التي تحفظه مُقدَّسًا، فلا يتعدَّاها لئلا تفسد حياته.
ابن سيراخ أشبه بأبٍ يمنع أطفاله الصغار من اللعب بالكبريت أو لمس أسلاك الكهرباء المكشوفة، وفي هذا لا يحدّ من حريتهم الشخصية، بل يُوَجِّههم نحو ما هو لبنيانهم حتى متى صاروا ناضجين لا يخشى عليهم من السقوط فيما هو لهلاكهم وهلاك المجتمع. إنه يحزن لأن البعض سلكوا بروح النضوج في طفولتهم وشبابهم وعندما بلغوا سن النضوج ارتدُّوا إلى طفولة غير ناضجة.
[1 -2] (ت: 1-2) |
||||
[3 -6] (ت: 3-6) |
||||
[7 -9] (ت: 7-13) |
||||
[10] (ت: 14-15) |
||||
[11 -12] (ت: 16-17) |
||||
[13] (ت: 18-20) |
||||
[14 -16] (ت: 21-23) |
||||
[17 -18] (ت: 24-25) |
||||
* من وحي سيراخ 9: هب لنا روح الطهارة يا أيها القدوس! |
1 لاَ تَغَرْ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي فِي حَجْرِكَ، وَلاَ تُعَلِّمْ عَلَيْكَ تَعْلِيمًا سَيِّئًا. 2 لاَ تُسَلِّمْ نَفْسَكَ إِلَى الْمَرْأَةِ، لِئَلاَّ تَتَسَلَّطَ عَلَى قُدْرَتِكَ.
لا تَغَرْ على الزوجة التي في حضنك،
فتعطيها مثلًا شريرًا يسيء إليك [1].
يبدأ ابن سيراخ بتأكيد تقديره للزواج. وفي نفس الوقت يكشف عن آفة خطيرة تُفسِد نقاوة الأسرة، وهي تسلُّل الشك في أحد أعضاء الأسرة، خاصة الزوجة. قد تتصرَّف الزوجة في شيءٍ من البساطة، فيليق بالزوج أن يتعامل معها بحكمةٍ لئلا بغيرته المُتطرِّفة يُفسِد بساطتها، وتحسب أن شكَّه فيها هو ثمرة عدم نقاوة قلبه. كما لا يليق بالزوج أن يغير من زوجته على ما تتمتع به من مواهب وقدرات وإمكانيات، لئلا يصير في عينيها مثلًا شريرًا.
الثقة المتبادلة بين الزوجين: يقول سليمان الحكيم: "امرأة فاضلة من يجدها، لأن ثمنها يفوق اللآلئ. بها يثق قلب زوجها، فلا يحتاج إلى غنيمة. تصنع له خيرًا لا شرًا كل أيام حياتها" (أم 31: 10-12). يقول أوريجينوس إن الزوجة كجنة عدنٍ بها شجرة حياة وشجرة معرفة الخير والشر[1].
لا تُسَلِّم نفسك إلى امرأة،
لئلا تطأ على قوتك [2].
الشك في الزوجة غالبًا هو نوع من التطرف، يسبب توترًا في الأسرة كلها، فمن جانب آخر تسليم الإنسان نفسه his soul للطرف الآخر أي للزوجة أو الزوج غالبًا ما يكون على حساب بنيان الأسرة الروحي. إن من يُسَلِّم نفسه تحت سلطان امرأة (غالبًا يقصد زوجته)، تستخفّ بكرامته (أم 31: 3). الشركة بينهما لا تعني سيطرة أحدهما على الآخر، والتواضع لا يعني ترك الأمور بغير تدبيرٍ.
3 لاَ تَلْقَ الْمَرْأَةَ الْبَغِيَّ، لِئَلاَّ تَقَعُ فِي أَشْرَاكِهَا. 4 لاَ تَأْلَفِ الْمُغَنِّيَةَ، لِئَلاَّ تُصْطَادَ بِفُنُونِهَا. 5 لاَ تَتَفَرَّسْ فِي الْعَذْرَاءِ، لِئَلاَّ تُعْثِرَكَ مَحَاسِنُهَا. 6 لاَ تُسَلِّمْ نَفْسَكَ إِلَى الزَّوَانِي، لِئَلاَّ تُتْلِفَ مِيرَاثَكَ.
يرى القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن العدو يستخدم حيله وطاقاته لتحطيم نقاوة الإنسان الداخلية، لذا يليق بالمؤمن أن ينطلق كطائرٍ يحلق في السماويات، فلا يمكن أسره بفخٍ شيطاني.
لأجل نقاوة القلب، يطلب ابن سيراخ من تلاميذه أن يتجنَّبوا الالتصاق بامرأة غريبة، قد تصطاده في شباكها (أم 7: 23)، ومن التفرُّس في عذراء بأفكارٍ شهوانية، لئلا يتعثر ويتعرَّض للعقوبة.
لا تلتقِ بامرأة زانية،
لئلا تقع في أشراكها [3].
يُقصَد هنا امرأة داعرة يتردَّد عليها ذوو الثراء والسلطة. كثيرًا ما حذَّر ابن سيراخ تلاميذه من تكوين علاقات مع نساء بتدليلٍ وفي تهاونٍ (25: 13-26؛ 18؛ 42: 9-14). إنه يُحَذِّر من الخطر الأخلاقي بالاجتماع مع نساء مُتسيِّبات. جاء في سفر الأمثال: "لا تعطي حيلك للنساء، ولا طرقك لمهلكات الملوك" (أم 31: 3). "لأن الزانية هوة عميقة، والأجنبية حفرة ضيقة" (أم 23: 27). "لأنه بسبب امرأة زانية يفتقر المرء إلى رغيف خبز وامرأة رجل آخر تقتنص النفس الكريمة. أيأخذ إنسان نارًا في حضنه ولا تحترق ثيابه؟" (أم 6: 26-27).
لا تُطل المقام مع راقصة،
لئلا تُصطَاد بحيلها [4].
يطلب منهم ألا يطيل أحدهم الإقامة مع راقصة متسيبة [4].
لا تتفرَّس في عذراء،
لئلا تتعثَّر، وتُسَبِّب لها أضرارًا [5].
إنه لا يطلب من تلاميذه أن يغمضوا أعينهم، بل ألاَّ يتفرسوا فيها. وكما يقول السيد المسيح "كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه" (مت 5: 28). يخشى ابن سيراخ من السقوط في الخطية مع عذراء، فقد كانت عقوبة ذلك في العهد القديم غاية في الشدة (تث 22: 28-29). يقول أيوب البار: "عهدًا قطعت لعيني فكيف أتطلع إلى عذراء؟!" (أي 31: 1).
لا تُسَلِّم نفسك إلى داعرات،
لئلا تفقد ميراثك [6].
يدعوهم ألاَّ يسلموا أنفسهم souls لداعرات، فإن نفوسهم هي عرائس مُقدَّسة في يد العريس السماوي القدوس. لقد سلَّم شمشون الجبار نفسه لدليلة فاستطاعت أن تذله، أعطت الفرصة للأعداء أن يفقأوا عينيه، وصار يعمل في الطاحونة كالثور (قض 16: 4-21). يقول مار يعقوب السروجي:
[واحسرتاه! على شمشون النذير الذي صار سخرية، أضحوكةً وعارًا للأجيال الآتية.
العظيم في البسالة الذي غلب الأسد في معركة، سقط في يديّ امرأة، يا للمهانة العظيمة!
كحية، عضَّت النذير، وسقط عنه شعره، فصار ضعيفًا، شقيًا، عاجزًا، ومترنِّحًا.
ما أن قنص الفلسطينيون الأسد، حتى اجتمعوا، ليسخروا بالرجل الذي ضاعف قتلاهم.
ففي حنقهم قلعوا عينيه، وأذلوا بهاءه، أطفأوا سراجه المنير ورؤياه.
جعلوا عليه وصمة فظيعة ظاهرة، وانحط العظيم في مهانة عظمى.
أخذوه وأوثقوه وكان يطحن في بيت السجن، وكان هناك مناسبة لاحتفال كبير للفلسطينيين[2].]
7 لاَ تُسَرِّحْ بَصَرَكَ فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ، وَلاَ تَتَجَوَّلْ فِي أَخْلِيَتِهَا. 8 اصْرِفْ طَرْفَكَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ، وَلاَ تَتَفَرَّسْ فِي حُسْنِ الْغَرِيبَةِ. 9 فَإِنَّ حُسْنَ الْمَرْأَةِ أَغْوَى كَثِيرِينَ، وَبِهِ يَتَلَهَّبُ الْعِشْقُ كَالنَّارِ. 10 كُلُّ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ تُدَاسُ كَالزِّبْلِ فِي الطَّرِيقِ. 11 كَثِيرُونَ افْتَتَنُوا بِجِمَالِ الْمَرْأَةِ الْغَرِيبَةِ، فَكَانَ حَظُّهُمُ الرَّذْلَ، لأَنَّ مُحَادَثَتَهَا تَتَلَهَّبُ كَالنَّارِ. 12 لاَ تُجَالِسْ ذَاتَ الْبَعْلِ الْبَتَّةَ، وَلاَ تَتَّكِئْ مَعَهَا عَلَى الْمِرْفَقِ. 13 وَلاَ تَكُنْ لَهَا مُنَادِمًا عَلَى الْخَمْرِ، لِئَلاَّ تَمِيلَ نَفْسُكَ إِلَيْهَا، وَتَزِلَّ بِقَلْبِكَ إِلَى الْهَلاَكِ.
لا تسرِّح بصرك في شوارع المدينة،
ولا تتجوَّل في زواياها المقفرة [7].
لم يمنع ابن سيراخ تلاميذه من السير في شوارع المدينة، إنما يدعوهم إلى تقديس بصرهم كيوسف الشاب الطاهر الذي أمسكت امرأة فوطيفار بثوبه، أما هو فأدرك أن عيني الربّ تنظران إليه (تك 39: 13). قيل عنه: "حسن الصورة وحسن المظهر" (تك 39: 6)، وبتركه الثوب في يديّ سيدته كشف عن طهارته وجمال نفسه وعذوبة قلبه، وكما يقول الأب قيصريوس أسقف آرل: [كان يوسف جميلًا في الداخل أكثر من الخارج، بهيًا بنور قلبه أكثر من جمال جسده، حيث لم تكن عينا هذه المرأة تقدران أن تخترقا وتتمتَّعا بجماله[3].] ويقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [يوسف تعرَّى فصار أكثر بهاءً من غيره، وكأنه عاد إلى حال آدم العريان في الفردوس ولم يخجل، من أجل طهارته[4].] ويدعونا القديس إكليمنضس السكندري إلى ضبط الحواس وتقديسها، فلا يليق بالمؤمن أن يترك عينيه تجولان هنا وهناك كتائهٍ في الشوارع، ولا للقدمين أن يجولا في الزوايا المقفرة. [ما هي الزاوية المقفرة؟ "المكان المقفر هو المكان الذي لا يوجد فيه شخص طاهر حتى وإن كان فيه حشد صاخب[5].] يليق بنا تقديس العين بالمسيح نور العالم (يو 8: 12)، والقدمين بالمسيح الطريق (يو 14: 6).
اصرف نظرك بعيدًا عن امرأة جميلة،
ولا تتفرَّس في حسناءٍ غريبةٍ.
فإن حُسن المرأة أغوى كثيرين،
وبه تشتعل الشهوة كالنار [8].
يطلب عدم التفرُّس في حسناء، لأن الخطية لا في جمالها، وإنما في التفرُّس بإرادة شريرة.
v وإن أَردت أن تعرف السبب، انظر في داخلك، فإن حُسن المرأة أغوى كثيرين من الناس، وبه تشتعل الشهوة كالنار. الصداقة التي تبدأ في نار، التي تُدعَى الهوى، لا يُمكِن إطفاءها في خطيتها بل ترتد إلى النار[6].
v أين تحدَّثت الأسفار المقدسة عن الخطية ومسبباتها؟ إنها تَتَّهِم الذين عاشوا قبل الطوفان أنهم مارسوا علاقات دنسة. اسمع كيف أظهر السبب "إن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساءً (منهن)" (تك 6: 2).
v هل كان الجمال هو علة الخطية؟ لن يمكن أن يكون ذلك! بالحقيقة، الجمال من صنع حكمة الله، وعمل الله لن يكون علة للشرّ. إذن هل خطيتهم أنهم تطلعوا إليهن؟ لا، النظر عمل طبيعي. فماذا إذن؟ لقد نظروا إليهن بنية شريرة، الأمر الذي هو بالحقيقة ثمرة للإرادة الشريرة. لهذا يُقَدِّم لنا الحكمة هذه النصيحة: "لا تتفرَّس في الحسناء (الغريبة). لم يقل: "لا تنظر"، لا لأن هذا يحدث تلقائيًا. بل بالحري يقول: "لا تتفرَّس"، مستقصيًا النظر المتعمَّد، التفرس المزعج والتفكير الطويل المدى الذي يصدر عن نفسٍ فاسدةٍ التي هي قنيصة الشهوة.
وما هي الخسارة، إن كان الشخص ينظر ويستطيع أن ينسحب من ذلك. يتبع هذا "الحب الذي يشتعل كالنار". حقًا بعد أن تلحق النار بالهشيم والتبن على الفور ودون حاجة إلى وقت تلحق بالخشب وتشعل نارًا ملتهبة. هكذا أيضًا نار الشهوة التي فينا، بعد أن تصير لهيبًا في صورة جميلة وسامية خلال عمل العينين للحال تحرق نفوس من يتفرسون[7].
v يقدم أحد (الحكماء) هذه النصيحة: "لا تتفرس في الحسناء الغربية، ولا تلتقي مع امرأة تدمن الزنا" (راجع سي 9: 3، 8). فإن العسل يقطر من شفتي الزانية، التي إلى حين تبدو رقيقة لحلقك، وبعد ذلك تجدها أكثر مرارة من المُرّ، وأكثر حِدّة من سيفٍ ذي حدين (أم 5: 3 –4). فإن الزانية لا تعرف كيف تحب، وإنما فقط كيف تصطاد. قُبلتها فيها سم، وفمها مخدر مميت. إن كان هذا لا يظهر في الحال، بالأكثر يلزم تجنُّبها بسبب هذا، لأنها تحجب الهلاك، وتغطي على ذلك الموت، ولا تسمح له بالظهور في البداية[8].
v لم يقل فقط: "من يشتهي"، فإنه يمكن للشخص أن يشتهي حتى وإن كان جالسًا وحده على الجبال. بالحري قال يسوع: "من نظر بشهوةٍ"، بمعنى أن يفكر شخص في آخر لمُجرَّد الرغبة في الشهوة، ذاك الذي هو ليس تحت اضطرار يسمح للحيوان المفترس أن يدخل عنوة إلى أفكاره وهي هادئة. هذا الاقتحام لا يأتي عن الطبيعة، بل عن تهاون مع النفس. يُصَحِّح العهد القديم هذا من البداية، قائلًا: "لا تتفرس في جمال الغير" (راجع سي 9: 8)[9].
v إنه لمن الصواب قبل كل شيءٍ الهروب من التطلُّع إلى النساء، لأن الخطية ليست في اللمس فقط ولكن في النظر أيضًا، وعلينا أن نتدرَّب على تُّجنب ذلك. "لتنظر عيناك إلى قدامك وأجفانك إلى أمامك مستقيمًا" (أم 4: 25). من الممكن للذي يتطلَّع إلى النساء أن يبقى ثابتًا، لكنه يحتاج أن يحترس من السقوط. من الممكن لمن ينظر أن يسقط، لكن من المستحيل لمن لا ينظر أن يقع في شهوة جنسية. لا يكفي للعفيف أن يكون طاهرًا، لكن يلزمه أن يجاهد كي يجتاز مجال اللوم والحرمان من كل الهواجس الأرضية من أجل إتمام الطهارة. لا من أجل أن نكون مؤمنين فقط بل من أجل أن نكون مستحقين الوديعة. ولهذا يقول القديس بولس الرسول عن الاحتراس: "متجنبين هذا أن يلومنا أحد في جسامة هذه المخدومة منا. معتنين بأمور حسنة ليس قدام الرب فقط بل قدام الناس أيضًا" (2 كو 8: 20-21). يقول الكتاب المقدس: "اصرف نظرك عن المرأة الجميلة ولا تتفرَّس في الحسناء الغريبة" (راجع سي 9: 8). وإذا أردت معرفة السبب في قول الكتاب المقدس هذا يضيف قائلًا: "فإن حُسْن المرأة أغوى كثيرين من الناس، وبه يشتعل الحب كالنار" (راجع سي 9: 8). إن الشعور المُنبعِث من النار الذي نُسَمِّيه الحب، يؤدي إلى نارٍ لا تُطفَأ وهي عاقبة الخطية[10].
لا تتناول العشاء مع امرأة متزوجة لآخر،
ولا تشترك معها في حفلات بها خمرٍ،
لئلا تميل نفسك إليها، وتنزل بروحك إلى الهلاك [9].
دعاهم إلى عدم التلذُّذ بالخمر خاصة مع امرأة متزوجة لآخر. لقد نصحت والدة سليمان ابنها: ""ليس للملوك يا لموئيل، ليس للملوك أن يشربوا خمرًا، ولا العظماء المُسكر" (أم 31: 4).
v إنها لوصية صالحة تُقَدِّمها الحكمة: "لا تجلس قط مع زوجة رجلٍ آخر، ولا تسترخِ على أريكة معها"، أي لا تتعشّ ولا تأكل معها كثيرًا. ثم أضاف: "لا تكن لك متعة بالخمر معها، لئلا يميل قلبك إليها، وتنزل بهواك إلى الهلاك" (راجع سي 9:9).
الشرب بلا ضابط خطير، لأنه يمكن بسهولة أن ينزل بك إلى التسيُّب[11].
14 لاَ تُقَاطِعْ صَدِيقَكَ الْقَدِيمَ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ لاَ يُمَاثِلُهُ. 15 الصَّدِيقُ الْحَدِيثُ خَمْرٌ جَدِيدَةٌ، إِذَا عَتُقَتْ، لَذَّ لَكَ شُرْبُهَا.
بعد أن أوصى بالتحفُّظ في الطريق العام وفي الولائم والحفلات، حثّ المؤمنين على نصائح عملية، منها الاعتزاز بالصديق القديم وعدم هجره [10].
لا تهجر الصديق القديم،
فإن الصديق الحديث لا يساويه.
الصديق الحديث يشبه خمرًا جديدة،
إذا عتقت طاب لك شربها [10].
تكوين صداقة مع شخصٍ ثم هجره يكشف عن أنه بنى الصداقة على منفعة زمنية. بينما الصداقة لا تُستخدَم لنفع مؤقت، إنما هي عربون الحُبّ السماوي الذي لا يُحَطِّمه حتى الموت، بل ينمو بلا توقُّفٍ، نعيشه في الأبدية. يُعتبَر الولاء للصديق القديم فضيلة عظيمة. يرى القديس أغسطينوس الصديق القديم هو الاعتزاز بالعهد القديم الذي أعلن عن العهد الجديد بالنبوات والرموز: [لولا العهد القديم لما آمنت بالعهد الجديد]. وجاء تلميذه فلجنيتيوس يُعلِن تقدير العهد الجديد لدور العهد القديم.
v يليق بالعهد القديم أن يُحفَظ بكرامة بطريقة لا يُهمل فيه بأية طريقة. هذا ما عناه ابن سيراخ كما يبدو لي حيث يوصي تحت مظهر الصديقين القديم والجديد، بقوله: "لا تهجر الصديق القديم، فإن الحديث لا يساويه". جاء على فم إرميا الكتاب الإلهي الذي يتطلع إلى الفارق في أسرار العهدين: "ها أيام تأتي يقول الرب، وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا" (إر 31:31)[12].
فلجنيتيوس
تتجلَّى هذه الصداقة مع الله الأزلي خلال علاقة موسى النبي به، إذ قيل: "يكلم الرب موسى وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" (خر 33: 11). يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [يا سيزاريوس، يا رجل الله، لقد كتبت لك هذا بإيجاز عن الأمور الخاصة بكمال حياة الفضيلة ورسمت ما يشبه نمطًا لحياة موسى العظيم بحيث يمكن لكل منا أن يُقَلّد صورة الجمال الذي يظهر لنا فيها بتقليد أسلوب حياة موسى. وليس هناك دليل على أن موسى قد بلغ الكمال أكثر من الصوت الإلهي الذي قال له: "لأنك وجدت نعمة في عيني وعرفتك باسمك" (خر 33: 12، 17)، وكذلك أنه قد دُعِي صديق الرب: "ويكلم الرب موسى وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" (خر 33: 11)[13].]
وفي العهد الجديد قال القديس يوحنا المعمدان عن نفسه إنه صديق العريس (يو 3: 29)، الذي فرح وهو يرى الكثيرين التفُّوا حول السيد المسيح، بكونهم العروس المقدسة بالرب. كان دور صديق العريس عند اليهود هامًا لا يمكن الاستغناء عنه، وكان يُعفَى من بعض الالتزامات الدينية ليتفرَّغ لمساعدة المتزوجين حديثًا خاصة في السبعة أيام الأولى للزواج. أما عمله قبل الزواج فهو أن يهتم بالمخطوبة ويحرسها ويُقَدِّم شهادة للعريس عنها؛ كما يقوم بحلقة الصلة بينهما، فيحمل رسائل كل منهما للآخر، حيث لم يكن يسمح للمخطوبة أن تفارق البيت. أما بعد الزواج فيقوم بتعزيز شخصية العروس، ينام في شقة مجاورة لمسكن العروسين ليمنع حدوث أية أذية للعروس. وألا يسمح لأحد الطرفين أن يخدع الآخر، كما كان من واجبه فحص طهارة العروس، فمتى تأكد من ذلك تهلل وفرح. ولعل هذا ما قصده القديس يوحنا بقوله: "إذا فرحي هذا قد كمل" (يو 3: 29). يقوم بتقديم الهدايا القادمة للعروسين، وأخيرًا يساهم في الاحتفال المُبهِج للزواج لمدة سبعة أيام. بعد هذا الاحتفال يصير صديق العريس أشبه بالمُدافِع عن العروس (2 كو 11: 2)، ويقوم بحل أية مشاكل تقوم بينهما.
v كأن يوحنا المعمدان قال: إنني كنت أتألم كثيرًا لو لم يكن قد صار هذا. لو كانت العروس لم تتقدَّم إلى عريسها، لكنت حينئذ قد توجَّعت وغمّني ذلك، لكنني لست أغتم الآن إذ كملت آمالي، وتحقَّق كل ما تمنيناه، وقد عرفت العروس عريسها، وأنتم شهدتم بذلك، وإذ رأيت هذا المطلب قد تحقَّق لذلك أُسرّ وأبتهج (كصديقٍ للعريس).
16 لاَ تَغَرْ مِنْ مَجْدِ الْخَاطِئِ، فَإِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ انْقِلاَبُهُ. 17 لاَ تَرْتَضِ بِمَرْضَاةِ الْمُنَافِقِينَ. اُذْكُرْ أَنَّهُمْ إِلَى الْجَحِيمِ لاَ يَتَزَكَّوْنَ.
لا تغر من كرامة تُقدَّم لخاطي،
فإنك لا تَعْلَم كيف تكون عاقبته [11].
تساءل المرتل: "لماذا تُنجح طريق الأشرار؟"، وجاءت الإجابة: "لا تغر من الأشرار، ولا تحسد عُمَّال الإثم، فإنهم مثل الحشيش سريعًا يُقطعون، ومثـل العشب الأخضر يذبلون، اتكل على الربّ وافعل الخير. اسكن الأرض وارع الأمانة" (مز 37: 1-3).
لا تبتهج بما يُسرُّ به الأشرار،
واذكر أن حتى مثوى الأموات لا يتبررون [12].
v "لا تغر من فاعلي الشر، فإنهم مثل العشب سرعان ما يذبلون". أخبرني ما هو مصير من يقوم بالسلب والنهب بعد رحيله؟ ألم يكن كل ما له حلمًا وخيالًا؟!... لكن ليس هكذا هو حال القديسين، فلا يمكنك أن تنطق بذات الكلمات عن حالهم، ولا تقل إن ما يخصهم هو حلم وأسطورة[14].
18 تَبَاعَدْ عَمَّنْ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الْقَتْلِ، فَلاَ تَجْرِيَ فِي خَاطِرِكَ مَخَافَةُ الْمَوْتِ. 19 وَإِنْ دَنَوْتَ مِنْهُ، فَلاَ تُجْرِمْ، لِئَلاَّ يَذْهَبَ بِحَيَاتِكَ. 20 اعْلَمْ أَنَّكَ تَتَخَطَّى بَيْنَ الْفِخَاخِ، وَتَتَمَشَّى عَلَى مَتَارِسِ الْمُدُنِ.
يُشَجِّع تلاميذه أن يُعاشِروا الحكماء (9: 14-16)، الأتقياء، خائفي الربّ (أم 13: 20).
تباعد عمن له سلطان على القتل، فلا تقلق بمخافة الموت.
وإن دنوت منه فلا تغظه، لئلا يقضي على حياتك.
اعلم أنك تخطو بين فخاخٍ،
وتمشي حول أبراج الرماية التي للمدينة [13].
حسنًا يبتعد تلاميذه عمن لهم سلطان القتل فيتجنَّبون خطر الموت [13].
v إن كنا نستخدم كل وسيلةٍ ونبذل كل جهدٍ لكي نتجنَّب موت الجسد، فكم بالأحرى يلزمنا أن نجاهد لكي نجتنَّب موت الروح؟! لأنه لا توجد عقبة أمام إنسانٍ يرغب في الخلاص اللهم إلا إهمال النفس وتراخيها[15].
v لتعرف أنك تسير في وسط فخاخٍ، وأنك ذاهب إلى برج رماية بجوار المدينة [13]. كل شيءٍ مملوء بالفخاخ، الشيطان يملأ كل شيءٍ بالشِباك. ولكن متى جاء كلمة الله إليك... فستقول: "انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيّادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا. تباركنا باسم الرب صانع السماء والأرض" (راجع مز 124: 7)...
يسوع يُعدّ لك الطريق. لقد نزل إلى الأرض، وأخضع نفسه لشِباك العالم. إذ رأى قطيع البشرية العظيم محبوسًا في الشِباك، ورأى أنه هو الوحيد قادر أن يُمَزِّقها، جاء إلى الشِباك، وأخذ جسدًا بشريًّا وأخضعه لشِباك العدو القوي، ومزَّقها قِطعًا من أجلك[16].
v "اعرف نفسك"، أي افحص نفسك من كل الزوايا. احفظ عيني نفسك حارسة بلا نومٍ، لأنك أنت سالك وسط الفخاخ (راجع سي 9: 13). العدو وضع شباك خفية في كل موضعٍ. تطلَّع إلى نفسك في كل الاتجاهات، بهذا تخلص كالسنونة من المصائد والعصفور من الفخاخ (أم 6: 5). أما الغزال فلا يمكن أن يسقط في فخٍ من أجل قوة نظره[17].
v بالحقيقة نحتاج إلى دفاع أكثر، ناظرين أنه توجد كمائن من كل جانب. وذلك كما يقول سليمان ناصحًا: "اعلم أنك تجتاز بين الفخاخ، وتتمشَّى على جدران المدن" كم من أمورٍ صالحةٍ يعنيها هذا القول!... ليكتبه كل واحدٍ منا في ذهنه، ونحمله دائمًا في ذاكرتنا، حتى لا نسقط في خطية بسهولة... حتى الصبيان يخفون فخاخًا في الأرض، هكذا يغطي الشيطان خطايانا بملذات الحياة... توجد فخاخ في البيت، فخاخ على المائدة، وفخاخ في العلاقات الاجتماعية[18].
v كما أنه الطيور ما دامت تلتصق بالطبقات العليا للجو لا يمكن اصطيادها بسهولة، هكذا أنت ما دامت تتطلَّع إلى الأمور العليا، لا يمكن أسرك، سواء في فخ أو بأية وسيلة أخرى.
إبليس هو صيَّاد طيور. لتحلق في الأعالي فوق سهامه[19].
21 اخْتَبِرِ النَّاسَ مَا اسْتَطَعْتَ، وَشَاوِرِ الْحُكَمَاءَ مِنْهُمْ. 22 لِيَكُنْ مُؤَاكِلُوكَ مِنَ الأَبْرَارِ، وَافْتِخَارُكَ بِمَخَافَةِ الرَّبِّ. 23 اجْعَلْ عِشْرَتَكَ مَعَ الْعُقَلاَءِ، وَكُلَّ حَدِيثِكَ فِي شَرِيعَةِ الْعَلِيِّ.
يليق بنا في الولائم العائلية والكنسية أن نختار الجلوس مع أبرارٍ نقتدي بهم ونطلب بركتهم، وما يشغلنا هو شريعة الله.
قيِّم الأقرباء ما استطعت،
وتشاور مع الحكماء [14].
ليكن حديثك مع الحكماء،
وجميع كلامك في شريعة العليّ [15].
الصداقة الثابتة والقوية هي التي تقوم على حلول الربّ بين الصديقين، وتوجيهما حسب الوصية الإلهية. الصداقة المقدسة تهتم بالحديث عن عظائم الله، وتبادل الخبرات الروحية.
v يقول المسيح: "تضلون إذ لا تعرفون الكتب" (مت 22: 29). وأيضًا قال بولس: "حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء" (رو 15: 4). وأيضًا: "كل الكتاب مُوحَى به من الله ونافع" (2 تي 3: 16). "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى" (كو 3: 16). ويقول النبي: "يلهج في ناموس الرب نهارًا وليلًا" (مز 1:2). وفي موضع آخر: "ليكن جميع كلامك في شريعة العلي" (سي 9: 15)... صدقوني، ليس شيء قويًا، ليس شيء نافعًا يصدر عنا[20].
v لتزين كل بقية زمانك أيضًا بالتدرب على شرائع الله. "فليكن... جميع كلامك في شريعة العلي" (راجع سي 9: 15). إذ نزين أنفسنا هكذا، لنأتِ إلى ملكنا، ونسقط على ركبنا، لا بالجسد فقط، بل وبالفكر أيضًا. لنأخذ في اعتبارنا من هو هذا الذي نقترب إليه، ولحساب من، وماذا نحقق. إننا نقترب من الله الذي يتطلع إليه السيرافيم الذين يغطون وجوههم، ولا يحتملون بهاءه، هذا الذي ترتعب الأرض من رؤيته[21].
ليكن الأبرار جلساءك على المائدة،
وافتخارك في مخافة الربّ [16].
بجانب اهتمامنا باختيار أناس حكماء مُحِبّين لشريعة الله في اللقاءات الاجتماعية والولائم العائلية والمناسبات الكنسية، يليق أيضًا أن يسودها مخافة الرب، وتشهد لحياة البرّ في الرب، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. اهتم القديس باسيليوس بنظامٍ وترتيبٍ خاص بالمائدة، كما اهتم بآداب المائدة، فوضع المبادئ التالية[22]:
أ. يُطالِب الكل أن يتناولوا الطعام بالشكر لله[23].
ب. أثناء الطعام تُتلَى قراءة من الكتاب المقدس [يجب الإنصات إليها بلذة أعظم مما للذة التي لنا ونحن نأكل ونشرب، فتبدو أذهاننا غير مُشَتَّتة باللذة الجسدية، بل بالحري تفرح بكلمات الرب، وذلك مثل ذاك الذي وجدها "أحلى من العسل والشهد"[24].]
ج. الجلوس بقدر المستطاع في آخر موضع على المائدة بروح التواضع.
د. الالتزام بالهدوء من جهة الحركات والصوت.
ه. لا يسمح المؤمن لنفسه أن تمتلئ معدته وتشبع.
و. لا يدخل في مناقشات بطَّالة، حتى عند اختيار الموضع الأخير، فإن رأى إنسانًا يطلب المكان، يتركه له. وإذا شعر بوجود منازعات حول المكان الأخير، يلتزم بالطاعة للمسئول عن تهيئة المائدة. فالطاعة له أفضل من اختيار الموضع الأخير خلال محاورات لا نفع منها.
24 يُثْنَى عَلَى عَمَلِ الصُّنَّاعِ لأَجْلِ أيْدِيهِمْ، أَمَّا رَئِيسُ الشَّعْبِ فَإِنَّهُ حَكِيمٌ لأَجْلِ كَلاَمِهِ. 25 الْفَتِيقُ اللِّسَانِ يُخَافُ مِنْهُ فِي مَدِينَتِهِ، وَالْهَاذِرُ فِي كَلاَمِهِ يُمْقَتُ.
تبرز طهارة المؤمن حتى في تقديره لكل إنسانٍ مهما كانت طبقته أو تعليمه أو عمله، فنحن نحتاج إلى العامل البسيط والحاكم العاقل. بدون العمال والصناع لا تقوم المدينة. ما يشغلنا أن يكون الكل أمناء في القليل الذي بين أيديهم. مع تحاشي الإنسان الثرثار، وأيضًا المتهور في كلامه [18].
يُثنَى على عمل أيدي الصناع،
أما قائد الشعب فإنه حكيم لأجل كلامه [17].
ستقف كل البشرية في يوم الربّ العظيم للدينونة، ما يُمَيِّزهم هو مدى أمانتهم في القليل الذي كان بين أيديهم في العالم كي يؤتمنوا على الكثير الذي يوهب في الأبدية للأمناء.
الرجل الثرثار يخافون منه في مدينته،
والمتهور في كلامه يُمقَت [18].
v إيّاك والغلظة في الحديث، فإن التواضع والعفة من سمات العقلاء...
الفكر المحب لله نور يضيء للنفس، كما تضيء الشمس للجسد[25].
v متى تنضم البشرية مع خورُس السمائيين،
فيرتلون، قائلين: قدوس، قدوس، قدوس! ليُقَدِّسك الكل في حياتهم أينما وُجِدُوا!
v لتذكر يا ربّ كل أسرة، وتسكن أنت فيها!
في نقاوةٍ لا يغير الزوج على زوجته ولا منها. لا يحسدها على مواهبها وقدراتها.
ولا يدخل الشك بين الزوجين،
فتتأهَّل الأسرة كلها لبساطة السمائيين ومحبتهم وتقديرهم المتبادل بينهم!
v لتكن يا إلهي قائدًا للأسرة، فلا يُسَلِّم أحدهما نفسه للآخر، بل أنت تقود الجميع.
ولا يستخفّ أحدهما بالآخر، فالكل أبناء لك، يشتهون أن يكونوا أيقونة لك!
v هب لنا روح الحكمة المملوءة حبًا ونقاوة في جدية!
فلا يلتصق أحد بزانية في تدليل وتهاون، ولا يُفسِد شخص وقته في تسيُّب ورخاوة.
لا تتفرَّس عيني شاب في عذراء، حتى لا يتعثر! ولا يُسَلِّم نفسه لزانية تُفسِد ميراثه.
v لتتفرَّس عيوننا فيك فتمتلئ بهاءً. تتقدَّس البصيرة الداخلية وترتفع إلى الأمجاد.
لا نتسكَّع في شوارع المدينة، فأبواب أورشليم العليا مفتوحة لنا، والسمائيون مشغولون بنا!
v افتح عن بصيرتنا فنرى بروح الطهارة المائدة التي تُعِدّها لنا!
ليس من إنسانٍ يهبنا متعة، بل أنت شهوة قلوبنا!
أية حفلات تُقَدِّم ترفيهًا لنا؟ بل وليمتك تملأ أعماقنا فرحًا وبهجة!
v أي صديق أَحبَّنا قبل خلقتنا مثلك؟ ومن مات على الصليب، ليرفعنا إلى الأمجاد الأبدية؟
أنت هو الصديق القديم مُشبِع كل أعماقنا. تهبنا الحب والطهارة، فيتَّسِع قلبنا لكل البشر.
v كنت تحاور موسى النبي كما يكلم الرجل صاحبه (خر 33: 11).
صداقتك وهبتنا خلقة جديدة، نزعت عنا الشرّ ووهبتنا برّك الإلهي!
لقاؤنا معك يُقِيم منا حكماء عقلاء!
v لتمسك بيدي، فتُحَوِّل حياتي إلى رحلة مُبهِجة نحو السماء!
ترفعني من مجدٍ إلى مجدٍ حتى ألتقي بك.
ترفعني من تراب العالم، وتنقذني من فخاخ إبليس الخفية والظاهرة.
v هب لي أن ألتقي بأبنائك الحكماء،
فأَتعلَّم منهم الطهارة، وأَتمتَّع بصداقة بنَّاءة.
يحلو لنا الحديث معًا عنك وعن شريعتك.
نتمسَّك بوعودك الإلهية، وننمو في مخافتك، ونستعذب حبك!
لا أستخفّ بفقيرٍ ولا بعاملٍ بسيط، إذ أرى صورتك تتلألأ في قلوبهم،
وفرحك مُعلَن على ملامحهم.
v لأصمت فتسمع صوت قلبي، وأنصت إلى كلامك.
لا أستعذب الثرثرة مع إنسانٍ، ولا أسلك بروح التهور.
بروحك القدوس يتشكَّل كياني يومًا فيومًا، لتتجلَّى أيقونتك فيّ، وأَتأهَّل للعُرْسِ السماوي!
_____
[1] Expos. On Proverbs, Frag. 31:16.
[2] أبونا مينا المقاري A Homily on Samson By Mar Jacob, Bishop of Serugh
[3] Ibid 90: 2.
[4] In Matt. Hom 18: 2.
[5] Cf. St. Clement of Alexandria, Paedagogus, Catholic Vol. 23, p. 220-224.
[6] Paedagogus, Catholic, Vol. 23, p. 26.
[7] Homilies on Hosea 3:4.
[8] Concerning The Statues, Homily 14 :10
[9] Homilies on Mathew, 17: 2.
[10] St. Clement of Alexandria: Paedagogus, Book III, Chapter XI.
[11] Paedagogus, Chapter 7: 54.
[12] Fulgentius of Ruspe: Letters 14:46.
[13] حياة موسى، 319.
[14] In 1 Cor., hom. 15.
[15] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 45.
[16] Homilies on the Song of Songs 2:12.
[17] Homily 3 on Deut. 15:9 LXX.
[18] Concerning The Statues, Homily 15 : 7
[19] Concerning The Statues, Homily 15 : 8
[20] On Hebrews, Homily 8: 9.
[21] Homilies on Matthew, 51: 5.
[22] راجع للكاتب القديس باسيليوس، جزء 2، باب 5، 2012.
[23] Regulae fusius tractatae, 19.
[24] Regulae brevius tractatae, 180.
[25] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 31.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 10 |
قسم تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب |
تفسير يشوع ابن سيراخ 8 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ks2ptw5