← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28
الأصحاح الثاني والثلاثون
اهتم الأصحاح السابق بالآداب اللائقة بالإنسان الحكيم حين يشترك في مائدة أو وليمة، أما هذا الأصحاح فيهتم بسلوك قائد المائدة ودوره العملي بروح الحكمة والتعقُّل.
انتشرت الولائم في منطقة فلسطين بتأثير من الإغريق ثم الرومان. كانت مثل عشاء عمل، حيث تُناقَش فيها قضايا على أعلى مستوى من الأهمية والخطورة. ونظرًا لما كان يحدث فيها من تجاوزات، حذَّر منها الربيون كثيرًا. أما ابن سيراخ فيوصي بالتزام اللياقة والحكمة[1].
[1 -3] (ت: 1-5) |
||||
[4 -13] (ت: 6-17) |
||||
[14 -24] (ت: 18-28) |
||||
* من وحي سيراخ 32: لتكن حياتي وليمة لا تتوقَّف |
1 إِذَا جَعَلُوكَ رَئِيسًا فَلاَ تَتَكَبَّرْ، بَلْ كُنْ بَيْنَهُمْ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. 2 اهْتَمَّ بِهِمْ ثُمَّ اجْلِسْ، وَبَعْدَ قَضَائِكَ مَا عَلَيْكَ اتَّكِئْ، 3 لِكَيْ تَفْرَحَ بِهِمْ، وَتَأْخُذَ الإِكْلِيلَ زِينَةً، وَتُكْرَمَ بِهَدَايَاهُمْ. 4 تَكَلَّمَ، يَا شَيْخُ؛ فَإِنَّكَ أَهْلُ ذلِكَ. 5 لكِنْ عَنْ دِقَّةِ عِلْمٍ، وَلاَ تَمْنَعِ الْغِنَاءَ.
قديمًا كانت قيادة وليمة تُعتبَر تكريمًا عظيمًا للشخص. متى أُقِيم الإنسان التقي رئيسًا على المائدة يضع في قلبه أنه كواحدٍ من كل الحاضرين، يتَّسِم في تعامله بروح التواضع، والاهتمام بكل المدعوين أيًا كانت مراكزهم.
هل أقاموك رئيسًا للوليمة؟ لا تتكبَّر،
بل كن كواحدٍ منهم،
اهتمّ بهم وعندئذٍ اجلس [1].
غاية الولائم ممارسة الحُبّ وشركة الفرح وممارسة الإخوَّة بروح الوداعة، لذلك يلتزم قائد المائدة بسمات خاصة، منها لا يظن أنه في مركز الرئاسة والتحكُّم في تدبير أمور المائدة، إنما يحسب نفسه واحدًا من المشتركين في المائدة، يلتزم باللطف بروح الحُبّ والحكمة، وأنه مدعو لكي يخدم الحاضرين لا أن يُخدَم.
v انظروا كيف القائد الذي قادهم إلى الأرض المقدسة، أرض الموعد، هو نفسه كان من الشعب. كان خلفًا لموسى، ومع ذلك لم يسمح لنفسه أن يطالب بنصيبٍ من الأرض. فمع كونه قائد الشعب انتظر ليأخذ النصيب الصغير، استحق ذاك الذي يُدَعى يشوع (يسوع) أن يبني الموضع الذي تسلَّمه وأن يقوم بتعميره، حتى يجعله بحقٍ لائقًا بكونه عطية الله وميراثًا إلهيًا... سحب (يشوع بن نون) القرعة للجميع وترك لنفسه آخر موضع. ماذا تظن، لماذا أراد أن يكون هو الأخير؟ بالتأكيد ليكون أول الكل (مت 19: 30)[2].
![]() |
بعد القيام بكل واجباتك، اجلس إلى المائدة،
لكي تفرح لحسابهم، وتنال إكليلًا لحُسْنِ قيادتك [2].
يليق بالقائد أن يدرك مسئولياته من جهة الطعام وتدبيره، وأن يلاحظ ويُوَجِّه الحوار بين الحاضرين، لا في مزاحٍ غير لائق، ولا في جدية جافة. يليق به ألاَّ تدور حوارات حادة بل مرحة مملوءة حبًا ونافعة. الحوار المُبهِج هو إكليل المائدة المُعدّة بطريقة لائقة. يجب تأجيل بعض المناقشات إلى الوقت اللائق بها، كما أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان (مت 4: 4).
كذلك المائدة ليست المكان المناسب لحوارات جافة.
تكلّم أيها الشيخ، فإنّك أهل لذلك،
تعمل بمعرفةٍ دقيقة، ولا تُعطِّل الموسيقى [3].
في تدبير الشخص لقيادة الوليمة يليق به أن تكون الوليمة أيقونة حية لوليمة عشاء الحمل (رؤ 19: 9)، يسودها الموسيقى الهادئة لا الصخب.
6 لاَ تُطْلِقْ كَلاَمَكَ عِنْدَ السَّمَاعِ، وَلاَ تَأْتِ بِالْحِكْمَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا. 7 أَلْحَانُ الْمُغَنِّينَ فِي مَجْلِسِ الْخَمْرِ، كَفَصٍّ مِنْ يَاقُوتٍ فِي حَلْيٍ مِنْ ذَهَبٍ. 8 أَنْغَامُ الْمُغَنِّينَ عَلَى خَمْرٍ لَذِيذَةٍ، كَفَصٍّ مِنْ زُمُرُّدٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ ذَهَبٍ. 9 اسْمَعْ وَأَنْتَ سَاكِتٌ، فَبِاحْتِشَامِكَ تَنَالُ الْحُظْوَةَ. 10 تَكَلَّمَ، يَا شَابُّ، لكِنْ نَادِرًا، مَتَى دَعَتْكَ الْحَاجَةُ. 11 إِنْ سُئِلْتَ مَرَّتَيْنِ؛ فَجَاوِبْ بِالإِيجَازِ، 12 مُعَبِّرًا عَنِ الْكَثِيرِ بِالْقَلِيلِ، وَكُنْ كَمَنْ يَعْلَمُ وَيَصْمُتُ. 13 فِي جَمَاعَةِ الْعُظَمَاءِ لاَ تُسَاوِ نَفْسَكَ بِهِمْ، وَبَيْنَ الشُّيُوخِ لاَ تَكُنْ كَثِيرَ الْهَذَرِ. 14 قُدَّامَ الرَّعْدِ يَنْطَلِقُ الْبَرْقُ، وَقُدَّامَ الْمُحْتَشِمِ تَسْبِقُ الْحُظْوَةُ. 15 إِذَا آنَ الْوَقْتُ؛ فَقُمْ لاَ تَتَأَخَّرْ. أَسْرِعْ إِلَى بَيْتِكَ لاَ تَتَهَاوَنْ. هُنَاكَ تَنَزَّهْ، 16 وَاِصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، وَلاَ تَخْطَأْ بِكَلاَمِ الْكِبْرِيَاءِ. 17 وَعَلَى هذِهِ كُلِّهَا بَارِكْ صَانِعَكَ الَّذِي يُسْكِرُكَ مِنْ طَيِّبَاتِهِ.
لا تطلق كلامك في حفلٍ،
ولا تأتِ بالحكمة في غير وقتها [4].
المائدة ليست مجالًا لاستعراض بلاغة الإنسان أو حكمته أو مواهبه وقدراته.
v في رأيي يجب وضع حدود للكلام، إن أراد أحد أن يُمارِس ضبط النفس، فحدوده هو أن يقف عند الإجابة على الأسئلة المُوَجَّهة إليه، حتى وإن كان قادرًا على الكلام.
حفلٍ موسيقيٍّ في مائدة خمر،
كفص من ياقوت في حلي من ذهب [5].
إذ يُفَضِّل سيراخ الموسيقى الهادئة مع القليل من الخمر، يعني أن يسود المائدة جو من الحُبّ والفرح، فليست المائدة مجالًا للحديث عن أفكارٍ عميقة يصعب تتبُّعها، ولا أن يسودها روح الجدل الذي قد يتحوَّل إلى نوعٍ من الاحتداد في الأسلوب. يقول العَلَّامة ترتليان: "الجدل في الأسفار المقدسة لا يفيد شيئًا. هذا واضح، إنه يُسَبِّب تعبًا لمِعْدَةِ الإنسان أو فكره."
في العصور الأولى، كان المسيحيون ممنوعين من الأكل مع الهراطقة، ربما خشية أن تتحوَّل المائدة إلى جوٍ من الجدال الجاف.
لحن موسيقي على خمر لذيذة،
كفص من زمرد في مصوغ من ذهب [6].
تكلم يا شاب متى دعتك الحاجة،
مرتين بالأكثر إن سُئلت مرارًا [7].
يُقَدِّم لنا وصايا خاصة بسلوك الشاب في الوليمة، فهي ليست فرصة لاستعراض شخصيته المرحة بتطرُّفٍ بالضحك بصوتٍ عالٍ وأحاديث باطلة غير بنَّاءة. يُطالِبه ابن سيراخ أن يُقَلِّل من كلامه في الوليمة، ربما لكي يكون بالأكثر مصغيًا، فينتفع بخبرة الآخرين.
كن مقتضبًا وعَبِّر عن الكثير بكلمات قليلة،
وكن كمن يعرف، لكنه يُمسِك لسانه [8].
الإيجاز في الكلام أثناء الطعام فعَّال وعملي. كثرة الكلام مهما كان موضوع الحديث يُشَتِّت الفكر، خاصة على مائدة الطعام. كلما قَلَّل الشاب الكلام، يصير موضع تقدير الحاضرين وإعجابهم، خاصة وأن العظماء والشيوخ لا يميلون إلى الاستماع كثيرًا.
v على هؤلاء أن ينتبهوا بأن فراخ الطيور عندما تُحاوِل الطيران قبل أن تَقْوي أجنحتها، تسقط من فوق حيث كانت تحاول التحليق. كذلك عليهم أن يفهموا أنه إذا وضعنا قوائم الخشب الثقيلة على هياكل البناء التي لم تقوَ بعد فالنتيجة تكون لا معيشة حياة بل دمارًا وموتًا.
كذلك عندما تلد النساء أطفالًا لم يكتمل نموهم، يملأون قبورًا بالموتى، وليس بيوتا بالحياة. لذلك يُعَلِّم الحق ذاته تلاميذه عن قوة التعليم هذا الذي أراد أن يُقَدِّم مثالًا لأتباعه بألا يُقْدِموا على خدمة التعليم بدون أن تكتمل قدرتهم على ذلك. وهو الذي كان يمكن أن يعطي القوة في الحال لمن يريد أن يقويه، أضاف قائلًا في الحال: "فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (لو 24: 49).
إن البقاء في المدينة يعني الاعتكاف بيننا وبين أنفسنا حتى لا نتجوَّل كمُعَلِّمين إلا إذا لبسنا القوة الإلهية. عندئذ فقط نخرج خارجًا من التأمل في أعماق نفوسنا إلى حيث يمكن أن نُعَلِّم الآخرين. لذلك قيل بلسان الحكيم: "تكلم يا شاب لكن نادرًا متى دعتك الحاجة. إنْ سُئلتَ مرتين فجاوب بالإيجاز" (راجع سي 32: 10-11).
لأجل هذا مُخَلِّصنا ذاته وهو الخالق وهو الجالس في السماوات يُعلِمْ الملائكة على الدوام بإعلان قوته الفائقة، لم يرد أن يكون معلمًا للناس على الأرض قبل سن الثلاثين. ومن الواضح أنه كان يريد أن يبثّ في هؤلاء المُتسرِّعين خوفًا مقدسًا عندما يرون أنه وهو الذي بلا خطيئة لم يتقدَّم للتعليم بنعمة الحياة الكاملة إلا عندما بلغ كمال العمر. وهنا تبين الأناجيل: "ولما كانت له اثنتا عشرة سنة... بقي... الصبي يسوع في أورشليم" (لو 2: 42-43). ولما كان أبواه يطلبانه "وجداه في الهيكل جالسًا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم" (لو 2: 46)[3].
في جماعة العظماء، لا تساوِ نفسك بهم،
وإن تكلم غيرك، قَلِّل كلامك [9].
البرق يضيء قبل الرعد،
والنِّعم[4] تتقدم الإنسان المتواضع [10].
الوليمة فرصة رائعة لإبراز الحب بروح التواضع، دون توقُّع كلمات مديح من الحاضرين.
v إن حملنا فكر الله المُقَدَّس كختمٍ لا ينفك، ينطبع على قلوبنا بالذكرى الدائمة الطاهرة. بهذا نصير شركاء في حُبِّ الله، الذي يوحي إلينا بإتمام وصايا الرب، ويبقى ذاته محفوظًا فينا بلا تشتيتٍ[5].
v هذه شهادة لا يستطيع أحد أن يتنكَّر لها، أنه لو أتممنا كل الطقوس وأعمال البرِّ، وحفظنا كل وصايا الرب، وصنعنا عجائب عظيمة بدون المحبة، فإنها تُحسَب كأعمال إثم وليس كمواهب للروح، لا لأن شيئًا ما معيبًا في هذه الأعمال ذاتها، بل لأن من يقوموا بها كل غاياتهم هي أن يُعَظِّموا ذواتهم، كما يقول الرسول: الذين "يظنُّون أن التقوى تجارة" (1 تي 6: 5). وفي موضع آخر يقول: "أما قَوْم فعن حسدٍ وخصامٍ يكرزون بالمسيح، وأما قَوْم فعن مسرَّة، فهؤلاء عن تحزُّب ينادون بالمسيح لا عن إخلاص، ظانين أنهم يُضِيفون إلى وثقي ضيقًا" (في 1: 15-16). وفي موضع آخر يؤكد: "فإننا لم نكن قط في كلام تملُّق كما تعلمون، ولا في عِلَّة طمع، الله شاهد! ولا طلبنا مجدًا من الناس، لا منكم ولا من غيركم، مع إننا قادرون أن نكون في وقارٍ كرسل المسيح" (1 تس 2: 5-6)[6].
v في كل مرة نحني الركبة ونقوم، نُظهِر بهذا العمل أن الخطية تطرحنا أرضًا، ومحبة المسيح تدعونا إلى السماء[7].
v ما هو رأس الفضائل؟ التواضع! لذلك بدأ (السيد المسيح) به، قائلًا: "طوبى للمساكين" (مت 5: 3؛ لو 6: 20). هذا الرأس ليس فيه خصلة طويلة من الشعر ولا شعر على شكل حلقات بل فيه جمال لكي تجتذب الله إليه. عنه يقول: "إلى هذا أنظر، إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" (إش 66: 2)؛ و"عيناي على ودعاء الأرض" (راجع مز 101: 6)؛ و"قريب هو الربّ من المنكسري القلوب" (مز 34: 18)... هذا هي والد الحكمة. متى كانت لدى أحد، تكون له بقية الفضائل أيضًا... إنه يسكب جمالًا عظيمًا حتى على الأعضاء الأخرى. إن خلط أحد ألوانًا بلا حصرٍ، لن تجلب مثل هذا الجمال[8].
قم لتترك الموضع في وقتٍ مناسبٍ، ولا تتباطأ.
أسرع إلى بيتك ولا تتكاسل [11].
يدعونا إلى مراعاة تقديس الوقت، فلا يليق التباطؤ والإفراط في السهر، حرصًا على صحة الشخص. ومن جانب آخر يليق ألاَّ تكون الوليمة على حساب مسرَّة العائلة خاصة الأطفال، أو على حساب عبادة الشخص في بيته. الترفيه في البيت أفضل من السهر في الحفلات.
هناك تُسر، وتصنع ما يبدو لك،
ولكن لا تخطئ بكلام الكبرياء [12].
وبارك خالقك على هذه كلّها،
الذي يُشبِعك بخيراته [13].
إن كان يلزم افتتاح الوليمة بالصلاة لكي يبارك الربّ الطعام، ويقود الحاضرين إلى فرح الروح بحضرته الإلهية حتى أثناء تناول الطعام، يليق بالشخص أن يُقَدِّم ذبيحة شكر على ما تمتَّع به من جوٍ روحيٍ مُبْهِجٍ.
18 مَنِ اتَّقَى الرَّبَّ يَقْبَلُ تَأْدِيبَهُ، وَالْمُبْتَكِرُونَ إِلَيْهِ يَجِدُونَ مَرْضَاتَهُ. 19 مَنِ ابْتَغَى الشَّرِيعَةَ يَمْتَلِئُ مِنْهَا، وَالْمُرَائِي يَعْثُرُ فِيهَا. 20 الَّذِينَ يَتَّقُونَ الرَّبَّ يَجِدُونَ الْعَدْلَ، وَيُوقِدُونَ مِنَ الأَحْكَامِ مِصْبَاحًا لَهُمْ. 21 الإِنْسَانُ الْخَاطِئُ يُجَانِبُ التَّوْبِيخَ، وَيَجِدُ حُجَجًا تُوَافِقُ مُبْتَغَاهُ. 22 صَاحِبُ الْمَشُورَةِ لاَ يُهْمِلُ التَّأَمُّلَ، أَمَّا الْمُتَكَبِّرُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذلِكَ؛ فَلاَ يَأْخُذُهُ الْخَوْفُ، 23 وَلاَ بَعْدَمَا عَمِلَ بِهَوَاهُ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ. 24 لاَ تعْمَلْ شَيْئًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ؛ فَلاَ تَنْدَمَ عَلَى عَمَلِكَ. 25 لاَ تَسِرْ فِي طَرِيقِ الْهَلَكَةِ؛ فَلاَ تَعْثُرَ بِالْحِجَارَةِ. لاَ تَرْمِ نَفْسَكَ فِي طَرِيقٍ لَمْ تَخْتَبِرْهُ؛ فَلاَ تَجْعَلَ لِنَفْسِكَ مَعْثَرَةً. 26 اِحْتَرِزْ حَتَّى مِنْ بَنِيكَ، وَتَحَفَّظْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ. 27 فِي جَمِيعِ أَعْمَالِكَ اقْتَدِ بِضَمِيرِكَ؛ فَإِنَّ ذلِكَ هُوَ حِفْظُ الْوَصَايَا. 28 الَّذِي يَقْتَدِي بِالشَّرِيعَةِ، يَرْعَى الْوَصَايَا، وَالَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ لاَ يَخْسَرُ.
من يخاف الرب يَقْبَل التعليم،
والمُبَكِّرون إليه ينالون رضاه [14].
يمدّ الله يده طوال النهار (إش 65: 2)، كل من يُبَكِّر إليه ويسعى بجدية في طلبه يجده، إذ يُقَدِّم له الباكورة، فيَنال رضاه. "أُحِبَ الذين يحبونني، والذين يُبَكِّرون إليّ يجدونني" (أم 8: 17)
من يطلب الشريعة يمتلئ بها،
وأما المرائي فيتعثَّر فيها [15].
يربط بطريقة غير مباشرة بين مخافة الربّ وطلب الشريعة، إذ يقول إن مخافة الربّ تُعِدّ المؤمن لقبول التعليم، ويكمل بقوله إن من يطلب الشريعة يمتلئ بها، فيصير تقيًا خائف الربّ وليس مرائيًا [15]. المرائي هنا يعني ذاك الذي يعرف الشريعة ويتعمَّد تجاهلها في فكره وقلبه وسلوكه، وإن كان يمارس بعض مظاهر التدين. في عصر ابن سيراخ كان بعض اليهود يفتخرون بالشريعة ويحفظونها عن ظهر قلبٍ لكنهم لا يعيشونها.
الذين يخافون الربّ، يكتشفون الحُكم (العادل)،
وكالنور يضيئون أعمالًا بارة [16].
في تسلسل رائع وربط عجيب يبدأ ابن سيراخ بالمخافة الإلهية التي تهب رضا الربّ ومسرَّته بأولاده [14]، أما ثمر ذلك فشوق المؤمن للتمتُّع بعذوبة الشريعة والامتلاء بها دون تعثُّر، الأمر الذي لا يتمتَّع به المرائي [15]. بهذا يدخل خائف الرب إلى أعماق جديدة، فيكتشف جمال التمييز والتعقُّل، ويُمارِس أعمال البرّ خلال النعمة الإلهية كنورٍ يشرق من أعماقه [16]
الإنسان الخاطئ يرفض الإصلاح،
ويجد حُججًا توافق مُبتغاه [17].
الإنسان الحكيم يهتم بإصلاح نفسه على الدوام، أما الخاطئ المستهتر فيتجاهل ذلك.
v جاء في إرميا: "قد أخطأت أورشليم خطية عظيمة، من أجل ذلك صارت في صخبٍ؛ كل مكرميها يحتقرونها، لأنهم رأوا عورتها" (مر 11: 8). على أي الأحوال إنه يُخَفِّف من صرامة الاتهام وغلاظته، مظهرًا عذوبة معلمه، قائلًا: "يا ابني لا تحتقر تأديب الربّ، ولا تكره توبيخه. لأن الذي يحبه الربّ يؤدبه، وكأبٍ بابنٍ يُسرّ به" (أم 3: 11-12)، بينما "الإنسان الخاطئ يرفض التوبيخ" [17]. لذلك يقول الكتاب: "ليتهمني الصديق ويؤدبني، أما زيت الخطاة فلا يدهن رأسي" (مز 141: 5)[9].
صاحب المشورة لا يتجاهل التفكير،
أما الغريب والمتكبر فلا يرتعبان في خوف [18].
لا تعمل شيئًا بغير مشورة،
ولا تندم على عملك [19].
الإنسان الجاد في خلاص نفسه يهتم بالتفكير العميق للشريعة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. ويَقْبَل مشورة العقلاء والحكماء. التجاء المؤمن إلى المشورة يبثّ فيه روح التواضع، فلا يسقط في الكبرياء.
v أيها الأخ، يقول الكتاب المقدس: "افعل كل الأمور بمشورة، وبدون مشورة لا تفعل شيئًا". عندما كنت تفعل بدون مشورة بل بمشيئتك الخاصة، لم تكن تجاهد مع ذهنك. لأنه لا يوجد أحد لا يحتاج إلى مشورة إلاَّ الله وحده الذي خلق الحكمة. ولكنك عندما طلبت أن تقطع هواك بحسب فكر الله وتبلغ إلى التواضع، وأن تتخذني أنا أخاك الصغير جدًا كمشيرك، فقد أثرت حسد الشيطان عدو الخير، الذي يحسد جميع الناس على الدوام[10].
v إن كنت لم تبلغ بعد المستوى الروحي، ولا زلت على المستوى الجسدي، تواضع بذهنك، واخضع لمُعَلِّمِك، حتى يُعَلِّمك بحنوٍ، و"بدون مشورة لا تفعل شيئًا" حتى إن بدا لك صالحًا، لأن نور الشيطان يُعلن في النهاية أنه ظلمة. إذن إن سمعت أو فكرت أو رأيت شيئًا دون أقل مجهود في قلبك، فلتعلم أن هذا من قِبَل الشيطان[11].
القديسان برصنوفيوس ويوحنا
v سؤال: يوصي الرب: "من سخرك ميلًا واحدًا، فاذهب معه اثنين" (مت 5: 41). ويُعَلِّمنا الرسول أن نخضع بعضنا لبعضٍ في خوف المسيح (أف 5: 21)، فهل نلتزم بالطاعة لكل أحدٍ، لأي إنسان يعطينا أوامر؟
الإجابة: يختلف الأمر حسب الذين يعطون الأمر، يلزمهم ألا يجحفوا طاعة الذين يتقبَّلون الأمر. موسى لم يرفض أن يسمع لحميه يثرون عندما قَدَّم له مشورة صالحة (خر 18: 19). لكن بالتأكيد يوجد اختلاف ليس بالهيِّن في الأوامر، فالبعض يُقَدِّمون أوامر ضد وصايا الرب، وآخرون يفسدون وصايا الرب، يُزَيِّفونها بطرقٍ متنوعة بمزجها بأمورٍ ممنوعةٍ، وآخرون يعطون أوامر تتَّفِق مع الوصية. آخرون أيضًا وإن كانوا لا يتَّفِقون مع الوصية بوضوح، غير أنهم يساهمون ويساعدون على تنفيذها. إذن من الضروري أن نتذكَّر وصية الرسول القائل: "لا تحتقروا النبوات؛ امتحنوا كل شيء، تمسّكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شرّ" (1 تس 5: 20-21). مرة أخرى يقول: "هادمين ظنونًا وكل علوٍّ يرتفع ضد معرفة الله، ومستأسرين كل فكرٍ إلى طاعة المسيح" (2 كو 10: 5). بهذا إن أُمرنا أن نفعل شيئًا يتفق مع وصايا الرب أو ما يساهم في إتمامها أو يساند النفس، يلزمنا أن نَقْبَل الأمر بغيرة واهتمام حسب إرادة الله، ونُحَقِّق المكتوب: "محتملين بعضكم بعضًا في المحبة التي للمسيح" (أف 4: 20).
أما إذا أُمرنا أن نفعل شيئًا ضد وصايا الرب، أو شيئًا يبدو أنه يُفسد الوصية أو يزيّفها، فقد حان الوقت للقول: "ينبغي أن يُطَاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29)، ونتذكَّر الربّ القائل: "أما الغريب فلا تتبعه، بل تهرب منه، لأنها لا تعرف صوت الغرباء" (يو 10: 5).
يليق بنا أن نأخذ بعين الاعتبار الرسول الذي أراد أن يُعِيد تأميننا، فتجاسر ليتحدث حتى عن الملائكة قائلًا: "ولكن إن بشّرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشّرناكم فليكن أناثيما" (غل 1: 8).
من هذه الأقوال نتعلَّم أنه حتى إن كان الشخص عزيزًا علينا جدًا، وربما في مركزٍ كبيرٍ وموضع إعجاب، لكنه يعرِّفنا ما يطلبه ربّنا، أو يأمرنا أن نفعل شيئًا يمنعه الرب، هذا الشخص يلزم نبذه، ويُشجب بواسطة كل الذين يُحِبّون الرب[12].