← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36
الأصحاح الخامس والعشرون
ختم سيراخ الأصحاح السابق مُعلِنًا أن ما يُسَجِّلَه هو نبوة لا تخصّه وحده، بل تخصّ جميع الذين يطلبون الحكمة عبر العصور [33-34]. الآن يُقارِن بين عروس المسيح وعبدة الشيطان، فمن يتَّحِد بالحكمة المتجسد، ينضمّ إلى الكنيسة العروس الخالدة المتهللة، ومن يُسَلِّم نفسه للشيطان، ينضم إلى مملكة الظلمة التي قانونها السبي والبغضة والفساد والظلمة والكذب والارتباك.
هذا الأصحاح يفرز كنيسة المسيح عن مملكة الظلمة، ويدعونا لإعادة تقييم حياتنا لنرى أية مملكة نحن نُنسَب إليها. بهذا يدعونا إلى أخذ القرار المصيري الذي يمسّ حياتنا بخصوص المملكة التي ننتمي إليها، كما يدعونا إلى التبكير ما استطعنا لنتمتَّع بحرية مجد أولاد الله (رو 8: 21)، أو لنُسَلِّم أنفسنا عبيدًا لشهوةٍ أوّ لذةٍ تحت قيادة عدو الخير.
[1 -2] (ت: 1-4) |
||||
[3 -6] (ت: 5-8) |
||||
[7 -11] (ت: 9-16) |
||||
[12 -26] (ت: 17-36) |
||||
* من وحي سيراخ 25: حَرِّرني من عبودية إبليس، وهَيِّئني للعُرْسِ السماوي! |
1 ثَلاَثٌ هُنَّ زِينَةٌ لِي، وَبِهِنَّ قُمْتُ جَمِيلَةً أَمَامَ الرَّبِّ وَالنَّاسِ: 2 اتِّفَاقُ الإِخْوَةِ، وَحُبُّ الْقَرِيبِ، وَالْمُصَافَاةُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَرَجُلِهَا. 3 ثَلاَثَةٌ تُبْغِضُهُمْ نَفْسِي وَتَمْقُتُ حَيَاتَهُمْ: 4 الْفَقِيرُ الْمُتَكَبِّرُ، وَالْغَنِيُّ الْكَذَّابُ، وَالشَّيْخُ الزَّانِي الْفَاقِدُ الْفَهْمِ.
حديث ابن سيراخ عن الثلاثة أمور الجميلة والثلاثة أمور الممقوتة يمكن فهمه خلال التفسير السلوكي الشخصي، وأيضًا خلال التفسير الرمزي.
من جهة التفسير السلوكي للمثل، نلاحظ الآتي:
أ. أن ما هو جميل في عيني سيراخ جميل أيضًا في عينيّ الرب وفي أعين الناس. وكأنه يؤكد أن إنسان الله لا يعتد برأيه الفردي، إنما يعتزّ ويُقَدِّر أولًا نظرة الرب نفسه دون انعزاله عن الناس، لأنه عضو حيّ في الجماعة المقدسة. حسن أن يكون للإنسان تفكيره وتقييمه للأمور، وفي نفس الوقت رؤيته يقودها الفكر الإلهي والفكر الكنسي. مسرَّته في رضا الرب وفي التناغم مع كنيسة المسيح.
ب. سرّ الجمال هو الاتفاق والوحدة خلال الحب، فالعامل المشترك في الثلاثة أمور هو الحب بروح الوحدة، أو الوحدة بروح الحب.
ت. لا يفصل المؤمن حياته الأسرية عن حياته الاجتماعية وعن حياة البشرية ككل. ومع كون الأسرة المقدسة والناجحة هي سرّ تقديس الجماعة ككل ونجاحها، غير أنه بدأ بالإخوة، أي كل البشر، تلي ذلك الإخوة والأقرباء، وأخيرًا الأسرة. هكذا بروح الحب يتَّسِع قلب المؤمن لكل بني بالبشر إن أمكن، وهذا لن يتحقَّق بدون اهتمامه بالأقرباء، وهذا بالتالي لا يتحقَّق بدون تقديس الأسرة ووحدتها في الرب.
v إذ يُعَدِّد الحكيم الأمور التي تُحسَب بركات يذكر ضمنها "زوجة تتَّفق مع رجلها" [1]: وفي موضع آخر يذكر بين البركات أن تسكن امرأة في انسجام مع زوجها (راجع سي 40: 23).
في الحقيقة من البداية أظهر الله اهتمامًا خاصًا بهذه الوحدة، وحسب الاثنين واحدًا. لقد قال: ذكرًا وأنثى خلقهما الله (تك 1: 27)، وقيل: "ليس ذكر وأنثى" (غل 3: 28). إنه لا توجد علاقة بين إنسانٍ وآخر في قوَّة العلاقة التي تقوم بين الرجل وامرأته، إن كانا مرتبطين معًا في الرب! لذلك عندما أراد الحكيم أن يُعَبِّر عن الحب الفائض في حزنه على شخص عزيز لديه، لم يشر إلى أب أو أم أو ابن أو أخ أو صديق بل قال: "محبتك لي أعجب من محبّة النساء" (2 صم 1: 26). حقًا إن هذا الحب عنيف أكثر من أي عنف، لأن الأنواع الأخرى (من الحب) قويّة، لكن هذا الود ليس فقط قويًا بل لا يذبل أيضًا. يوجد حب مُعيَّن مستقر في العمق، في طبيعتنا، يربط أجساد بعضنا البعض بطريقة لا تُدرَك. من البداية عينها خرجت المرأة من الرجل، وبعد ذلك يخرج كل رجل وامرأة من الرجل والمرأة معًا (1 كو 11: 8).
أتدرك شدة الرباط وقوّة العلامة؟! كيف أن الله لم يسمح لطبيعة مغايرة أن تتدخَّل من الخارج. لاحظ كيف امتلأت التدابير من العناية الإلهيّة؟! فسمح للرجل أن يتزوَّج أخته، لا ليس أخته بل ابنته، ليس ابنته بل ما هو أكثر من ابنته، إنها جسده! (هنا يشير إلى زواج آدم بحواء).
هكذا خلق الله الكل من بداية واحدة، فيجتمع بعضهم البعض كالحجارة في المبنى في وحدةٍ واحدةٍ. لم يخلقها من الخارج حتى لا يشعر الرجل أنها غريبة عنه، ولا أوقف الزواج عندها وحدها، حتى لا تقتصر على نفسها، وتظن أنها مركز الكل (هنا يقصد لا تقدر أن تنجِب بدون الرجل، وإلا لتشامخت عليه، ولما قامت المحبّة بينهما، إنّما شعورها بالحاجة إليه للإثمار يجعل من البنين علامة الاتحاد والحب بينهما). ليس هناك شيء يلحم حياتنا مع بعضنا البعض هكذا مثل حب الرجل وزوجته[1].
أما بالنسبة للأمور الممقوتة، فنلاحظ الآتي:
أ. لا يمكن للمؤمن أن يمقت الأشخاص، إنما يمقت "أسلوب حياتهم الشرير".
ب. كثيرًا ما تحدث عن الاهتمام بالفقير بالعطاء المادي والمعنوي والروحي، لكن الفقر في ذاته ليس فضيلة، بل إن ظن الفقير في جهالة أنه أفضل من الغني في عيني الربّ، فبكبريائه مع فقرة يصير ممقوتًا! والغنى أيضًا ليس في ذاته رذيلة ممقوتة، فالغني الصادق الذي يدرك أن كل ما لديه عطية من الله له ليقدم منها للفقراء، فهو بار مثل إبراهيم الذي كان غنيّا جدًا (تك 13: 2)، وأيوب الغني الذي لم يفارقه التسبيح حتى في تجاربه (أي 1: 21). أما الغني الكذَّاب فهو الذي يحسب أن غناه هو ثمرة ذكائه الشخصي أو العائلي، فيتشامخ بشخصيته أو ينسبه لأسرة غنية قدَّمت له ميراثًا عظيمًا، هذا الغني كذَّاب، لأن ما بين يديه قد يُبَاد في لحظة من الزمن!
أيضًا الشيخ يليق به أن يُقَدِّم للشباب ما تَعلَّمه خلال طول عمره بحبٍ وتواضعٍ وحكمةٍ وقداسة. فٍإن نسيَ أنه بشر، يليق به ألا يأتمن جسده متهاونًا في تصرفاته، وسلك بغير حكمة معتمدًا على شيخوخته وخبراته الطويلة سرعان ما يسقط فيما لم يسقط فيه وهو شاب؛ بهذا يفقد الفهم. بهذا يُقَدِّم نموذجًا سيئًا للشباب. كان يليق بالشعر الأبيض أن يكون نموذجًا يقتدي به الشباب.
من جهة التفسير الروحي الرمزي نلاحظ الآتي:
في الأصحاح السابق ذكر سيراخ أن ما يكتبه إنما هو نبوّة (24: 33)، يُقَدِّمها لجيله المعاصر له كما للأجيال المقبلة. فما يُقَدِّمه هنا في المثلين نبوة عن كنيسة العهد التي تحمل صورة عريسها ربّ المجد يسوع، والدائمة التجديد بواسطة عمل الروح القدس فيها.
أولًا: كنيسة العهد الجديد عروس المسيح المقدسة.
بروح النبوة يتطلَّع إلى كنيسة العهد الجديد الجميلة، تتَّسِم بالثلاثة أمور الجميلة في المسيح يسوع:
أ. جمال الكنيسة أن تنفتح على البشرية بالحُبّ لتُقَدِّم لها المُخَلِّص الأبرع جمالًا من بني البشر (مز 45: 2)، يقتنيه المؤمن الحقيقي، فينعكس جماله عليه، وتتحوَّل الأرض في نظره إلى سماء بهية لا عيب فيها، ويختبر عربون السماء والشركة مع السمائيين.
ب. هذا الجمال الروحي لن يتحقَّق ما لم يتقدَّس الأقرباء بروح الوحدة والتناغم معًا في الرب. هؤلاء الأقارب هم أعضاء الكنيسة؛ ووجود أي انشقاق فيها خاصة بين القيادات من رجال الكهنوت أو الرهبنة أو الخدام أو الخادمات، وأيضًا الخلافات على مستوى العائلات، أو على مستوى الأسرة الواحدة، بل وعلى مستوى الشخص نفسه حيث لا تتقدَّس النفس مع الجسد، والعقل مع العاطفة إلخ.
يلاحظ في الأمور الجميلة جميعها الجانب الجماعي "الإخوة، والجيران، والزوجان". أما الثلاثة أنواع من الناس الذين تبغضهم نفس سيراخ فهم على مستوى فردي أناني انعزالي: "فقير متكبر، وغني كذَّاب، وشيخ زاني".
توجد ثلاثة أمور جميلة للرؤية، وهي جميلة أمام الربّ والناس:
اتِّفاق الإخوة، والصداقة بين الجيران، وزوجة وزوج مُتّفقان حسنًا [1].
لا توجد علاقة بين رجلٍ ورجلٍ حميمة مثل تلك التي بين رجل وزوجته، إن التصقا ببعضهما كما ينبغي. ليس شيء أثمن من الحب بواسطة الزوجة وحُبّه لها.
v هذه هي النقطة الرئيسية التي تفوق الكل، صالحة في البيت "رجل وزوجته متفقان" (راجع سي 25: 1). حيث يوجد هذا، لا يوجد شيء غير مبهج. حين يكون الرأس متناغمًا مع الجسد، ولا يوجد خلاف بينهما، كيف لا تكون كل بقية الأعضاء الأخرى في سلام؟[2]
v ليس شيء أثمن من أن يُحب هكذا بواسطة زوجة وأن يحبها[3].
v بالحقيقة من البدء، أظهر الله مئونة خاصة لهذه الوحدة متحدثًا مع الاثنين كشخصٍ واحدٍ. لقد قال: "ذكرًا وأنثى خلقهما" (تك 1: 27). مرة أخرى: "ليس ذكر وأنثى" (غل 3: 28). فإنه ليس علاقة بين ذكرٍ وذكرٍ حميمة مثل علاقة رجلٍ بزوجته، إن ارتبط الاثنان معًا كما ينبغي[4].
ثلاثة أنواع من الناس تُبغِضهم نفسي وتمقت أسلوب حياتهم مقتًا:
الشحاذ المتكبّر، والغنيّ الكذَّاب، والشيخ الزاني ناقص الفهم [2].
ماذا يقصد بالفقير المتكبر؟ لا يعني بالفقير الإنسان الذي يعاني من فقرٍ مادي فحسب، وإنما كلمة فقير أو مسكين تعني بالأكثر الإنسان الذي في عوزٍ روحي. فالخطية تجعل الإنسان مسكينًا محتاجًا إلى مراحم الله ومعونته، كما تحمل أيضًا الإنسان الذي لا ينشغل بأمور العالم الزمنية، فيركز بصيرته الداخلية على ملكوت الله. افتتح السيد المسيح عظته على الجبل بقوله: "طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات" (مت 5: 3).
يُقَدِّم لنا العلامة أوريجينوس في عظاته على سفر القضاة، كيف دفعت الخطية بالشعب إلى ضيقٍ شديدٍ، وإذ صرخوا للربّ في مسكنتهم استجاب لهم.
v الآن، هؤلاء الأشخاص الذين سُلِّموا (للضيق) بسبب الخطية وصاروا في معاناة، فلننظر ماذا فعلوا؟ بالحقيقة كُتِب: "صرخوا إلى الربّ في ضيقهم، فأنقذهم من شدائدهم. أخرجهم من الظلمة وظلال الموت، وقطع قيودهم" (مز 107: 13-14).
أضف إلى هذا، كل واحدٍ منا، إن كان صغيرًا، حتى وإن كان صغيرًا جدًا، حتى إن كان تافهًا جدًا حسب الأسلوب العلماني، يمكنه أن يعمل خلال رذيلة الكبرياء، وليس ممن هو أحمق وممقوت هكذا (مثله)، ليس من هو خسيس وحقير، حسب ما ورد في الكتاب المقدس، مثل الفقير المتكبّر أو الغني الكاذب.
أحيانًا يتغلغل مرض الكبرياء ليس فقط بين الفقراء، بل ويهاجم نظام الكهنة واللاويين، أحيانًا نجد الكبرياء حتى بيننا نحن الذين كان يجب أن نكون أمثلة للتواضع، ونجتمع حول المذبح كمرآة للذين يلاحظوننا، ومع ذلك فإن رذيلة التشامخ تبعث رائحتها النتنة الكريهة. هكذا يحدث أنه من مذبح الربّ الذي يتطلب تقديم بخور برائحة ذكية، تصدر رائحة الكبرياء الغبية للغاية وأشعة الاعتداد بالذات. لكن يلزم طرد هذه الرائحة التي في غاية الحماقة، وذلك من أجل السماء. لتُطرَد من كل الكنيسة المقدسة، خاصة من الذين يخدمون في المقدسات، حتى نقول مع بولس القائل بأننا قادرون أن نكون رائحة المسيح الذكية (2 كو 2: 15)؛ لئلا يتَّقِد غضب الربّ (مز 2: 12)[5].
5 إِنْ لَمْ تَدَّخِرْ فِي شَبَابِكَ؛ فَكَيْفَ تَجِدُ فِي شَيْخُوخَتِكَ؟ 6 مَا أَجْمَلَ الْقَضَاءَ لِلشِّيْبِ، وَحُسْنَ الْمَشُورَةِ لِلشُّيُوخِ. 7 مَا أَجْمَلَ الْحِكْمَةَ لِلشُّيُوخِ، وَالرَّأْيَ وَالْمَشُورَةَ لأَرْبَابِ الْمَجْدِ. 8 كَثْرَةُ الْخِبْرَةِ إِكْلِيلُ الشُّيُوخِ، وَمَخَافَةُ الرَّبِّ فَخْرُهُمْ.
إن كانت نفس سيراخ تمقت الشيخ الزاني [2]، فإنها تتهلل بالشيخ الذي له فضيلة التمييز، وتقديم المشورة الحسنة، والتزين بالحكمة والفهم، والتتوّيج بالخبرة العظيمة الفائدة، سرّ فخره مخافة الربّ.
الحكمة في حياة الشاب: قد يستهتر شاب في الالتصاق بالحكمة، مؤجِّلًا ذلك إلى وقت شيخوخته. إن لم يذخر الشاب الحكمة، فماذا يجني في شيخوخته [3]؟ من يلتصق بالحكمة في شبابه يُقَدِّم قضاءً حكيمًا في شيخوخته، ويقبل الكثيرون مشورته الصادرة من خبرته العملية. تضفر الحكمة إكليلًا للشيخ، بل تصير إكليله [5]. بالحكمة الصادقة يكرَّم الشيخ المختبر بإكليل مخافة الربّ [6].
إن كنت لم تذخر شيئًا في شبابك،
فكيف تجد شيئًا في شيخوختك؟ [3]
الشاب الجاد في البحث عن السعادة الحقيقية يهتم بدراسته وعمله وكل جوانب حياته وينتفع بخبرة من سبقوه. ولا ينسى الشاب أنه يومًا ما سيبلغ إلى الشيخوخة، فيجد الكثير من الشيوخ، رجالًا ونساءً، يعانون من الفراغ مع قلة المجهود الجسماني، وأحيانًا يعانون من ضعف الذاكرة. لذا يليق به أن يتطلَّع إلى هذه المرحلة القادمة بجدية ويُعِدّ نفسه للحياة المطوَّبة، حينما يطلب ويسعى في شبابه إلى نوال الحكمة من الله وخبرة إخوته، يصير له رصيد في شيخوخته، حيث تفيض الحكمة من فمه المقدس، ويشتهي الكثيرون الانتفاع بخبراته. "فخر الشبان قوتهم، وبهاء الشيوخ الشيب" (أم 20: 29).
بروح القوة صرخ دانيال الشاب حين رأى سوسنّة البريئة تُسَاق إلى الموت ظلمًا، وبروح الحكمة "صرخ بصوتٍ عظيم: أنا بريء من دم هذه" (دا 13: 45). مثل هذا الشاب يتحقَّق فيه القول: "عند الشيب حكمة، وطول الأيام فهم" (أي 12:12). وأيضًا القول: "تاج جمال شيبة توجد في طريق البرّ" (أم 16: 31).
حُسن التمييز هو جمال الشيب،
وحسن المشورة للشيوخ [4].
v كما أن الربابنة (مديري الدفة) وسائقي المركبات يكتسبون خبرة في عملهم بالتمييز (الحكمة في التصرُّف) والجهاد المتواصل، هكذا أيضًا يليق بطالبي الحياة الفاضلة حقًا أن يستخدموا التمييز بيقظة، ويحرصوا أن يعيشوا كما يليق وكما هو مقبول لدى الله. لأن الإنسان الذي يرغب في هذه الحياة الفاضلة ويؤمن إنه يستطيع تحقيق رغبته، ينال بالإيمان عدم الفساد (الحياة النقية)[6].
الحكمة أشبه بالجمال للشيوخ،
والفهم والمشورة لأرباب المجد! [5].
يقول سليمان الحكيم: "لأن الشيخوخة المُكرَّمة لا تقوم على طول الزمن، ولا تُقَاس بعدد السنين" (حك 4: 8). كرامة الشيخ لا في شعره الأبيض وطول سنواته وخبراته، فقد تكون خبراته شريرة يتمسَّك بها، حاسبًا إياها الحكمة بعينها، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى.
v الشيخ هو من يسبق أولًا ويسمع عن العمل.
الشيخ هو من يحيا عمرًا عظيمًا في الإيمان.
الشيخ هو من يكون عمره موضع تقدير، وزمانه الطويل بلا غضن[7].
إكليل الشيوخ هو الخبرة العظيمة،
ومخافة الربّ فخرهم [6].
v "الخبرة الغنية هي إكليل الشيوخ" (راجع سي 25: 6)، وشيبة الشعر هي أكاليلهم التي تشهد لتلك الخبرة. ومع ذلك فالبعض يخجلون من تقدُّم السنوات ومن شيبة شعرهم[8].
v ذهب في أحد الأيام أنبا آمون لزيارة (أنبا شيشوي) فوجد أنه حزين على مجيئه من البرية، فقال له: أيها الأب، ليس جيدًا لك أن تحزن، لأنك اقتربتَ من مكان سُكنَى الإخوة، لأنّ جسدك صار ضعيفًا ولم تعد قادرًا على القيام بتلك الأعمال التي تريدها في البرية.
فلما سمع أنبا شيشوي هذا الكلام نظر إلى أبّا آمون بحدّةٍ وأجابه قائلًا: ما هذا الذي تقوله لي يا أبّا آمون؟ أَلم تكن حرية الأفكار التي كانت لي في البرية كافيةً لأن تأخذ مكان جميع الأعمال؟ ...أخبرني ماذا يمكنك أن تفعل في البرية في السنّ المتقدِّمة؟ وحتى إذا كنتُ أنا غير كفء لأعمال الجسد لأنني صرتُ ضعيفًا بسبب شيخوختي، فعندي مقدرة أكثر على إتمام أعمال الفكر مما كنتُ في رجولتي المبكِّرة.
فردوس الآباء
9 تِسْعُ خِصَالٍ غَبَّطْتُهَا فِي قَلْبِي، وَالْعَاشِرَةُ يَنْطِقُ بِهَا لِسَانِي. 10 مَغْبُوطٌ الإِنْسَانُ الَّذِي يُفَرَّحُ بِالأَوْلاَدِ، وَالَّذِي يَرَى فِي حَيَاتِهِ سُقُوطَ أَعْدَائِهِ. 11 مَغْبُوطٌ مَنْ يُسَاكِنُ امْرَأَةً عَاقِلَةً، وَمَنْ لَمْ يَزْلِلْ بِلِسَانِهِ، وَمَنْ لَمْ يَخْدُمْ مَنْ لاَ يَسْتَأْهِلُهُ. 12 مَغْبُوطٌ مَنْ وَجَدَ الْفِطْنَةَ، وَمَنْ يَجْعَلُ حَدِيثَهُ فِي أُذُنٍ وَاعِيَةٍ. 13 مَا أَعْظَمَ مَنْ وَجَدَ الْحِكْمَةَ؛ لكِنَّهُ لَيْسَ أَفْضَلَ مِمَّنْ يَتَّقِي الرَّبَّ. 14 مَخَافَةُ الرَّبِّ أَعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. 15 الَّذِي يَحُوزُهَا، بِمَنْ يُشَبَّهُ؟ 16 مَخَافَةُ الرَّبِّ أَوَّلُ مَحَبَّتِهِ، وَالإِيْمَانُ أَوَّلُ الاِتِّصَالِ بِهِ.
تسعة أفكار أغبطها في قلبي، وسأَذكُر العاشرة:
أب يبتهج بأولاده، وإنسان يعيش فيرى سقوط أعدائه [7].
يُقَدِّم لنا عشرة أمثلة لأناسٍ مطوبين. أولهم آباء مطوبون يفرحون بأبنائهم كعطية من الله (مز 128: 3-5). يليهم من يرى أعداءه (إبليس وجنوده) ساقطين، لا سلطان لهم عليه (مز 112: 8).
حذَّرنا القدِّيس يوحنا الذهبي الفم من الاهتمام بتربية أطفالنا بدافع الكبرياء أنهم آباء لأبناء ناجحين دون الاهتمام بحياتهم الأبدية. ما يبهج قلوب الحكماء أن يروا أبناءهم حكماء في الربّ.
زوج يُطوَّب لأنه يعيش مع امرأة عاقلة،
وإنسان لا يزل بلسانه،
وإنسان لا يخدم من لا يستأهله! [8]
الزوجة العاقلة تتأهَّل هي وأسرتها للحياة المُطوَّبة، أي تشارك السمائيين حياتهم المُطوَّبة. إنها تعكس على رجلها هذا التطويب، فيعيش الاثنان كملاكين مملوئين بحياة التطويب والفرح السماوي. يقول الحكيم: "البيت والثروة ميراث من الآباء، أما الزوجة المُتعقِّلة فمن عند الرب" (أم 19: 14).
جاء في حديث القدِّيس غريغوريوس النزينزي عن والديه غريغوريوس الذي جذبته زوجته نونا Nonna، لا ليؤمن بالسيد المسيح فحسب، بل ويصير أسقفًا فيما بعد. [هوذا الراعي الصالح هو ثمرة صلوات زوجته وإرشادها، وقد تعلَّم منها حياته الرعوية المثالية. بقوة هرب من عبادة الأوثان، وبعد ذلك صارت الشياطين تهرب منه... لقد صارا متساويين في التعقُّل والبهاء، غيورين يسندان بعضهما البعض، يطيران فوق الجميع... كان لهما جسدان، ولكن كأنه قد تحوَّل الجسدان إلى روحٍ، حتى قبل انحلالهما... كانا يملكان كل شيء ولا يعوزهما شيء. لقد رفضا الغنى، فصارا غنيين في الكرامة ... أقول فقط كلمة واحدة عنهما، إنهما بحقٍ وعدلٍ قد عُين كل واحدٍ منهما لجنسه، عُين هو زينة للرجال، وهي زينة للنساء، ليس فقط زينة، بل ومثالًا للحياة الفاضلة[9].]
"لماذا يطوّب من لا يخدم من لا يستأهله؟" لا يعني بهذا أن التطويب نابع عن عدم الخدمة للشرير، إنما عن الحكمة التي يمارسها الشخص الذي لا يحابي شريرًا، وعوض مساندته على التخلي عن الشرّ في تهاون ومداهنه يخدمه، مما يدفع الشرير على التمادي في الشرّ.
إنسان يُطوَّب لأنه يجد التمييز!
وإنسان يُطوَّب لأنه يتحدَّث إلى آذانٍ صاغيةٍ! [9]
عندما سُئِل القديس الأنبا أنطونيوس عن أفضل الفضائل، أجاب "التمييز".
أما عن الآذان الصاغية، فهذا يتطلَّب منا أن نُصَلِّي من أجل المُستمِعين لصوت الرب الذي ننادي به.
v يلزمك أن تكون حريصًا بخصوص من تُحَدِّثه. إن لاحظت أن هذا الشخص يود أن ينتفع عندئذ تحدث. ولكن إن لم يكن كذلك، فلا حاجة للكلام. إذ مكتوب: "طوبى لمن يتكلم في آذان الذين يصغون" (راجع سي 25: 9).
ليتك لا تُوجَد قط مُقَدِّمًا للكلاب القدسات، أو تطرح دررك قدام الخنازير (مت 7: 6). ليهبك الربّ احتشامًا أيها الأخ، فلا تنحرف عن طريق التواضع[10].
القديسان برصنوفيوس ويوحنا
v عندما ظهر القديس بولس أمام الملك أغريباس ليجيب على الاتهامات المقدَمة ضده، أراد أن يستخدم أسلوبًا واضحًا لسامعيه، وكان واثقًا من نجاح منطقه، بدأ يُهَنِّئ نفسه بهذه الكلمات: "إني أحسب نفسي سعيدًا أيها الملك أغريباس، إذ أنا مزمع أن أحتج اليوم لديك عن كل ما يحاكمني به اليهود، لاسيما وأنت عالم بجميع العوائد والمسائل التي بين اليهود" (أع 26: 2، 3). لقد قرأ يشوع (بن سيراخ) "طوبى لمن يخبر آذان الذين يصغون" (راجع سي 25: 9). وقد عرف أن المدافع بالنسبة لمن له تأثيره على القاضي. أنا أيضًا أظن نفسي سعيدًا أن تصغي الآذان المثقفة إلى دفاعي[11].
v كان إرميا يكرز بالكلمة، لكن لم ينصت أحد إلى كلامه. فكان بذلك مثل الطبيب الذي يُبَدِّد أدويته بسبب عناد مرضاه الذين لا يريدون اتباع علاجه ولا أخذ أدويته. كأنه طبيب يقول: "لم أفعل صلاحًا، ولم يفعل لي أحد صلاحًا". ربما يرجع سبب التناقض في هذه الآية إلى شعور الحب والود الذي يحمله الإنسان الذي عُمِل معه الصلاح، تجاه الإنسان الذي عَمَل له هذا الصلاح. وينتج عن هذا أن الذي يَكرِز بالكلمة يأخذ هو أيضًا صلاحًا من كلمته (أي يحصل على حب السامعين له). وكما هو مكتوب: "طوبى لمن يتكلم مع أذن تصغي" (راجع سي 25: 9). وأن أعظم صلاح يمكن أن يجنيه المُعَلِّم من السامعين له، هو أن ينموا ويتقدَّموا حتى يكون له ثمر فيهم (رو 1: 13)[12].
v الذين هم عظماء وأقوياء في نفوسهم ذكرهم الكتاب بالتطويب. عندما ينشغل إنسان بأعمال عظيمة، ويكون لديه طموحات ذات قيمة، ويضع باستمرار أمام عينيه أهدافًا واضحة ليعيش دائمًا بحسب الحق الصحيح، ولا يريد حتى أن ينظر إلى أي شيءٍ تافه أو صغير، فإن مثل هذا الإنسان تكون عنده القوة والعظمة في النفس. أما هؤلاء الآخرون الذين كانوا "مساكين"، فإنهم لم يسمعوا لكلام الرب كما يقول النبي؛ ولكي نكون أكثر تدقيقًا فإنهم لم يسمعوا لأنهم كانوا مساكين.
لهذا، فإنه إذ قيل هذا الكلام لنا نحن أيضًا، فلنصلِ إلى الله حتى نأخذ من عنده قوة وعظمة تُمَكِّننا من الاستماع لتلك الكلمات المقدسة، عالمين أن الذين ينطقون بكلمات التوبيخ لا يخسرون شيئًا مثلما يخسر الذين يسمعون ولا يقبلون هذا التوبيخ، والذين يتهمهم إرميا بأنهم مساكين في عقولهم وأفكارهم[13].
يا له من مطوَّب من يجد الحكمة!
لكن ما من أحد يسمو فوق من يخاف الربّ [10].
مخافة الرب تفوق كل شيءٍ،
وبماذا تُقارَن؟ [11]
v مخافة الرب هي اللجام الذي يُوقِف انطلاق الإنسان نحو ارتكاب الشرّ، ويجذبه للخلف حينما يُستعبد للجري وراء شهواته الكريهة، ليس فقط في حياته الخارجيّة، بل وعلى وجه الخصوص في حياته الداخليّة الخفية"[14].
v الإنسان الذي يعيش في تذكُّر الله كل حين يمتلئ بالمخافة، حتى عند مقاومته فكر شهوة يمر على نفسه، يصير مرتعبًا بسبب هذا الفكر.
لكن يهرب الفكر في الحال أمام مخافة النفس، كالعصفور الذي يهرب من أمام الإنسان الذي يقلق راحته. الخوف واحترام قوانين الناس يحافظان الجسد ضد الشهوات. والمخافة وخجل الإنسان أمام الله يحافظان النفس ضد أفكار الشرّ. لأنه إذ يعرف أن الله يراه في كل حين، يراقب نفسه باستمرار لكيلا يخطئ[15].
مار فيلوكسينوس
17 غَايَةُ الأَلَمِ أَلَمُ الْقَلْبِ، وَغَايَةُ الْخُبْثِ خُبْثُ الْمَرْأَةِ. 18 كُلَّ أَلَمٍ وَلاَ أَلَمَ الْقَلْبِ. 19 وَكُلَّ خُبْثٍ وَلاَ خُبْثَ الْمَرْأَةِ. 20 وَكُلَّ نَائِبَةٍ وَلاَ النَائِبَةَ مِنَ الْمُبْغِضِينَ. 21 وَكُلَّ انْتِقَامٍ وَلاَ انْتِقَامَ الأَعْدَاءِ. 22 لاَ رَأْسَ شَرٌّ مِنْ رَأْسِ الْحَيَّةِ. 23 وَلاَ غَضَبَ شَرٌّ مِنْ غَضَبِ الْمَرْأَةِ. مُسَاكَنَةُ الأَسَدِ وَالتِّنِّينِ خَيْرٌ عِنْدِي مِنْ مُسَاكَنَةِ الْمَرْأَةِ الْخَبِيثَةِ. 24 خُبْثُ الْمَرْأَةِ يُغَيِّرُ مَنْظَرَهَا، وَيَرُدُّ وَجْهَهَا أَسْوَدَ كَالْمِسْحِ. 25 رَجُلُهَا يَكْمَدُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَإِذَا سَمِعَ تَأَوَّهَ بِمَرَارَةٍ. 26 كُلُّ سُوءٍ بِإِزَاءِ سُوءِ الْمَرْأَةِ خَفِيفٌ. لِتَقَعْ قُرْعَةُ الْخَاطِئِ عَلَيْهَا. 27 مَثَلُ الْعَقَبَةِ الْكثِيرَةِ الرَّمْلِ لِقَدَمَيِ الشَّيْخِ؛ مَثَلُ الْمَرْأَةِ الْخَبِيثَةِ اللِّسَانِ لِلْرَّجُلِ الْهَادِئِ. 28 لاَ يُعْثِرْكَ جَمَالُ امْرَأَةٍ، وَلاَ تَشْتَهِ امْرَأَةً لِحُسْنِهَا. 29 غَضَبٌ وَوَقَاحَةٌ وَفَضِيحَةٌ عَظِيمَةٌ، 30 الْمَرْأَةُ الَّتِي تَتَسَلَّطُ عَلَى رَجُلِهَا. 31 الْمَرْأَةُ الشِّرِّيرَةُ ذِلَّةٌ لِلْقَلْبِ، وَتَقْطِيبٌ لِلْوَجْهِ، وَأَلَمٌ لِلْفُؤَادِ. 32 الَّتِي لاَ تُنْشِئُ سَعَادَةَ رَجُلِهَا، إِنَّمَا هِيَ تَرَاخٍ لِلْيَدَيْنِ، وَتَخَلُّعٌ لِلرُّكْبَتَيْنِ. 33 مِنَ المَرْأَةِ ابْتَدَأَتِ الْخَطِيئَةُ، وَبِسَبَبِهَا نَمُوتُ نَحْنُ أَجْمَعُونَ. 34 لاَ تَجْعَلْ لِلْمَاءِ مَخْرَجًا، وَلاَ لِلْمَرْأَةِ الشِّرِّيرَةِ سُلْطَانًا. 35 إِنْ لَمْ تَسْلُكْ طَوْعَ يَدِكَ، تُخْزِيكَ أَمَامَ أَعْدَائِكَ. 36 فَاقْطَعْهَا عَنْ جَسَدِكَ، لِئَلاَّ تُؤْذِيَكَ عَلَى الدَّوَامِ.
استمر ابن سيراخ في التنديد بالزوجة الشريرة وفي كل مرة بعد أن يُنَدِّد بالزوجة الشريرة للحال يمدح الزوجة الصالحة (26: 1-6؛ 13-18).
أي جُرح ولا جُرح القلب،
وأي شر ولا شرّ الزوجة! [12]
يربط بين جرح القلب وشرّ الزوجة، ليبرز أن المرأة الشريرة تجرح أعماق قلب رجلها ومشاعره الداخلية، حتى وإن لم يظهرها على ملامحه. ما يُقَال عن المرأة الشريرة ينطبق على الزوج الشرير.
أي بؤس، ولا بؤس الذين يبغضونني!
أي انتقام، لكن ليس كانتقام الأعداء! [13]
قد تهاجم الحيوانات الشرسة الإنسان، لكنها لا تحمل بغضة من جهته. يُقَال عن الأسد متى افترس إنسانًا وشبع لا يؤذي من هم حوله، لأنه يهاجم الإنسان من أجل جوعه وليس عن بغضةٍ. كما يُقَال عن بعض الحيوانات والحيّات أنها لا تعتدي على الإنسان متى لم يهاجمها. فما تفعله بالغريزة أفضل مما يفعله الإنسان العاقل عند بغضه لأخيه.
ليس رأس أشرّ من رأس الحية،
ولا غضب أشرّ من غضب العدو! [14]
أود بالأحرى السكن مع أسدٍ أو حيةٍ،
خير لي من السكن مع زوجةٍ شريرةٍ [15].
حسب بعض الدارسين المحدثين أن ابن سيراخ كاره للمرأة، وقد فنَّد بعض الدارسين هذا الرأي، لأن ما كتبه هنا خاص بالمرأة الشريرة، خاصة وهو يُحَذِّر تلاميذه الشباب من التسرُّع في اختيار الزوجة لمجرد جمالها. بقدر ما حذَّر من النساء الشرّيرات، كرَّم وأثنى على النساء التقيات الحكيمات[16].
يُقَال إن كلمة "رأس" وكلمة "سُمّ" بالعبرية "روش". وكأن سيراخ يُقَدِّم السمات التالية للمرأة الشريرة: "الانتقام" [13]، و"السم" [14]، و"الافتراس" [15]، و"اللدغات" [15]، والخبث [16]، والملامح العنيفة [16]. خلال هذه السمات نُدرِك سمات الزوجة الصالحة بكونها على نقيض سمات الشريرة. فنلمس فيها اللطف والحنوّ الشافي والبذل والعطاء، وطول الأناة مع الوداعة، ويتجلَّى فيها الحب والابتسامة الصادقة.
شرّ الزوجة يُغَيِّر منظرها،
ويجعل وجهها قاتمًا كالدبّ [16].
ينعكس خبث الزوجة الشريرة الداخلي على ملامحها الخارجية، "الإنسان الشرير من كنز قلبه الشرّير يُخرِج الشر، فإنه من فضلة القلب يتكلم اللسان" (لو 6: 4؛ مت 12: 35).
زوجها يذهب إلى جيرانه ليأكل،
وعلى كره منه يتأوَّه بمرارةٍ [17].
إذ يعتصر قلب الزوج بسبب شرّ زوجته، لا يجد من يسنده سوى الله، فيتأوَّه بمرارة. إنه غالبًا ما يخجل أن يشكو زوجته لأحدٍ، حتى الأقرباء.
كل سوءٍ بإزاء سوء الزوجة خفيف.
لتقع قرعة الخاطئ عليها [18].
يسمح الله أحيانًا للرجل الخاطئ بزوجة شريرة، لأجل تأديبه، لذا يليق بمن يشعر أن زوجته شريرة، قبل أن ينتَّقِدها، يفحص نفسه ويُقَدِّم توبة عن خطاياه.
كما يكون الصعود على تلٍ رملٍ لقدمي شيخٍ،
هكذا تكون الزوجة الثرثارة لزوجٍ هادئٍ [19].
يجد الزوج الهادئ صعوبة لمعالجة الثرثرة التي للزوجة الشريرة، فيكون حاله مثل شيخ يصعد على تل رملي، إذ يتعثَّر في مشيّه، وتُغرَس قدماه في الرمل، وبصعوبة شديدة يستطيع أن يتحرَّك.
لا تسقط بسبب جمال امرأة،
ولا تشتهِ جمالها [20].
من لم يختر بعد زوجة، يلزمه أن يبحث لا عن جمالها، بل عن حكمتها وتعقُّلها وقداستها، حاسبًا السُكنَى مع أسدٍ مفترس أو حية سامة، خير من السُكنَى مع زوجة شريرة [15-16]. الجمال عطية من الله، إن ارتبط بجمال الروح في تواضع، يجد الزوج سعادته في زوجته المتواضعة.
سخط ووقاحة وفضيحة عظيمة المرأة التي تنفق على زوجها [21].
لكل من الزوج والزوجة مسئولية والتزام في الأسرة، لذلك يتعرَّض الزوج الذي في رخاوة لا يجاهد لتدبير أمور الأسرة ماليًا إلى استخفاف الزوجة به.
سبب القلب المكتئب والوجه العبوس والقلب المجروح الزوجة الشرِّيرة.
الزوجة التي لا تُسعِد زوجها، تجعل اليدين هامدتين والركبتين ضعيفتين [22].
للزوجة دورها الفعَّال في حياة زوجها؛ يمكن بحكمةٍ أن تسنده فيتمتَّع بنجاحٍ فائق، ويمكن في غباوة أن تُحَطِّم طاقاته ومواهبه وقدراته فيفشل.
من امرأة نشأت الخطيئة،
وبسببها نموت نحن أجمعون [23].
يقول الرسول بولس: "آدم لم يُغوَ، لكن المرأة أُغويت فحصلت في التعدِّي؛ لكنها ستخلص بولادة الأولاد، إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقُّل" (1 تي 2: 14). يرى البعض أن القديسة مريم قدَّمت للنساء كرامة عظيمة، إذ أَنجبت لنا المُخَلِّص. ويرى آخرون أن النساء وإن كن قد حُرِمن من التعليم العام في الكنيسة في وجود الرجال، لكنهن ينلن أكاليلهن خلال تربية أولادهن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقُّل، الأمر الذي لا يستطيع الرجال القيام به. إنهن بحق يُقَدِّمن للكنيسة أعضاء قيادية مباركة!
v تنبأت أليصابات قبل يوحنا. وقبل ميلاد الرب والمُخَلِّص تنبأت مريم. بدأت الخطية من المرأة، ثم انتشرت إلى الرجل. بنفس الطريقة بدأ الخلاص أولًا من النساء. هكذا بقية النساء يمكنهن أن يلقين ضعف جنسهن، ويمتثلن قدر المستطاع بحياة وسلوك هؤلاء النسوة القديسات اللواتي يصفهن الإنجيل[17].
v حواء، التي منها بدأت الخطية، قد تشكَّلت من جنب الإنسان (تك 2: 21). إذ هي خرجت من جنبه وهو نائم؛ المسيح كان مُعَلَّقًا ومات على الصليب عندما جُرِح. النوم والموت ملتصقان لبعضهما البعض، وهكذا هو الجنبان: جنب آدم وجنب المسيح، جُرِح الربّ من حيث نشأت الخطية. لكن من الجنب الذي تشكَّلت منه حواء التي بارتكابها الخطأ جلبت الموت علينا. ومن جنب المسيح تشكَّلت الكنيسة واهبة لنا ميلادًا[18].
لا تجعل للماء مخرجًا،
ولا للزوجة الشرّيرة جسارة الكلام [24].
يقول الحكيم: "ابتداء الخصام إطلاق الماء، فقبل أن تدفق المخاصمة اتركها" (أم 17: 14). الإهمال في جرحٍ بسيطٍ يُمكِن أن يتضاعف ويؤدِّي بحياة الإنسان كلها. وثغرة صغيرة في خندق إن أُهمِلَت يمكن أن تُسَبِّب تدفُّقًا لمياه غزيرة لا يمكن مواجهتها. هكذا الزوجة الشريرة التي لا تضبط لسانها، فإنها تُحَطِّم الأسرة.
إن لم تسلك بحسب توجيهك الصالح،
افصلها عنك [25].
v لم تأمر الشريعة الموسويّة بالطلاق، بل أَمرت من يُطَلِّق امرأته أن يعطها كتاب طلاق، لأن في إعطائها كتاب طلاق ما يُهَدِّئ من ثورة غضب الإنسان. فالربّ الذي أمر قساة القلوب بإعطاء كتاب طلاق أشار إلى عدم رغبته في الطلاق ما أمكن. لذلك عندما سُئِل الرب نفسه عن هذا الأمر أجاب قائلًا: "إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم" (مت 19: 8). لأنه مهما بلغت قسوة قلب الراغب في طلاق زوجته، إذ يعرف أنها بواسطة كتاب الطلاق تستطيع أن تتزوَّج من آخر، يهدأ غضبه ولا يُطَلِّقها. ولكي ما يؤكد ربّ المجد هذا المبدأ، – وهو عدم طلاق الزوجة باستهتارٍ – جعل الاستثناء الوحيد هو عِلَّة الزنا. فقد أمر بضرورة احتمال جميع المتاعب الأخرى (غير الزنا) بثباتٍ من أجل المحبّة الزوجيّة ولأجل العفّة. وقد أَكَّد ربّ المجد نفس المبدأ بدعوته من يتزوَّج بمطلّقة يزني.
شرح الرسول هذا الأمر قائلًا في (رو 7: 2-3) إن الزوجة تكون مرتبطة ما دام رجلها حيًّا، ولكن إن مات رجلها فيُسمَح لها بالزواج. أعتقد أنه بنفس القاعدة إذا ترك الرجل زوجته، لذلك لا يُسمَح للمرأة أن تتزوَّج ما دام رجلها حيًّا ولا للرجل أن يتزوَّج ما دامت المرأة التي طلَّقها حيّة[19].
v بإرادتي انجذبت إلى الخطية للتمتُّع بلذّتها الوقتية،
فاصطادني عدو الخير، واستعبدني لحساب مملكته.
عوض صورة الله التي خُلِقْتُ بها، حلّ الفساد في طبيعتي.
صار ليس من طبعي الحُبّ الحقيقي والوحدة الصادقة والقداسة.
سقطت في التشامخ والكذب والشهوات الرديئة.
من يُحَرِّرني من عبودية الشيطان سواك؟
v في شبابي بجهالة لم أطلب الحكمة السماوية.
وحَلَّت بي شيخوخة العجز، وأنا بعد صغير السن.
ها أنت تفتح لي أبواب حُبِّك ومخازنك العجيبة.
ألتصق بك، وأَتعرَّف على أسرارك. أغرف الحكمة والفهم والتعقُّل والتمييز.
تُتوِّجني بإكليل الحب والطهارة والمخافة الربَّانية.
لا أخشى بعد الشيخوخة، بل أمتلئ بالقوة.
فحلولك فيَّ يهبني الحياة المُطَوَّبة التي للروح القدس.
v صارت أفكاري مبتهجة بك.
بك أَتمتَّع بالحب الأبوي، فيجد كل إنسانٍ في قلبي موضعًا خاصًا به،
لا أرتعب من إبليس، لأني بك سحقته تحت قدميّ.
تُقِيم من نفسي عروسًا سماوية لا تعرف الخبث، وتُقِيم حراسة مُشَدَّدة على لساني.
لن تخرج كلمة إلا من خلالك يا قدوس!
تهبني روح التمييز، فأسلك بحكمة وتدبيرٍ حسنٍ.
مخافتك تُقِيم من ضعفي أشبه بساروفٍ أو كاروبٍ.
v من يقدر أن يجرح قلبي، وأنت ساكن فيه؟!
كيف أشتهي ما لدى إخوتي، وأنت هو نصيبي.
لا تقدر الحيّة القديمة أن تبتلعني، لأني بنعمتك لا أزحف على الأرض،
بل أطير كما إلى السماء.
ليزأر إبليس الأسد المتوحش، ولتزحف الحيّة، فإن قلبي في يديك!
كيف يكتئب وجهي، وملكوتك قائم في داخلي؟
تُقَدِّم لضعفي الفرح والبهجة والمجد والغنى والبرّ والكمال.
أنا أصغر من أن أشكرك وأُسَبِّحك!
_____
[1] In Eph. Hom 20.
[2] On Titus, Homily 4.
[3] On Acts Of The Apostles, Homily 49
[4] Homilies on Ephesians, 20.
[5] Homilies on Judges, 3.
[6] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة، 17.
[7] On Joseph, 8: 43.
[8] Paedagogus, FOTC, vol. 23, p.212-214.
[10] Letter 689, FOTC, vol. 114, p.243.
[11] Letter 57: 1.
[12] عظة 14: 3 على إرميا، ترجمة جاكلين سمير كوستى.
[13] عظة 6: 3 على إرميا، ترجمة جاكلين سمير كوستى.
[14] عظة 6: 181. ترجمة جاكلين سمير كوستي.
[15] عظة 6: 175-176. ترجمة جاكلين سمير كوستي.
[16] راجع البند الخاص بالنساء في مقدمة هذا الكتاب – الأفكار اللاهوتية والعقيدية والسلوكية في الرب، بند 9.
[17] Homilies On Luke, Homily 8: 10
[18] Sermon 336:5.
[19] Sermon on the Mount.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 26 |
قسم تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب |
تفسير يشوع ابن سيراخ 24 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/4grhq6f