محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33
آية 1:- "وَعَادَ أَلِيهُو فَقَالَ:"
اتهم الأصحاب أيوب بأنه شرير، وبسبب شروره أصابه الله بما أصابه، وطالت فترة آلامه لأنه مصر على شره، لا يريد أن يتوب عنه. ورفض أيوب كلامهم. أما أليهو الحكيم، فلم يتهم أيوب بتهمة تخيلها هو، بل لامه بشدة على الأقوال الصعبة التي قالها عن الله، وشرح له أن آلامه هي للتأديب، وأن آلامه طالت لأنه يصرخ ويصرخ دون أن يتواضع بين يدي الله، وكان دليله أنه لم يتواضع هو أقواله الصعبة، لذلك دعاه أليهو للتواضع بين يدي الله، وهنا يضرب أليهو أمثلة عن عظمة الله وقدرته غير المتناهية، وعظمته الظاهرة في جميع أعماله وفي خليقته، ليحثه على أن يتواضع أمام الله القدير. كأنه يقول له أنظر على من تكلمت هذا الكلام الصعب، وهل كان هذا يليق؟!!
الآيات 2-4:- "«اصْبِرْ عَلَيَّ قَلِيلًا، فَأُبْدِيَ لَكَ أَنَّهُ بَعْدُ لأَجْلِ اللهِ كَلاَمٌ. أَحْمِلُ مَعْرِفَتِي مِنْ بَعِيدٍ، وَأَنْسُبُ بِرًّا لِصَانِعِي. حَقًّا لاَ يَكْذِبُ كَلاَمِي. صَحِيحُ الْمَعْرِفَةِ عِنْدَكَ."
لأجل الله كلام= (في الترجمة الإنجليزية) "بالنيابة عن الله أتكلم"، هو يريد أن يدافع عن الله ضد أي كلام خاطئ قيل عنه. أحمل معرفتي من بعيد= كلمة بعيد قد تعني:-
1. أن أليهو على استعداد لبذل أقصى جهده ليصل إلى أعماق الحقيقة، ومهما كلفه هذا من وقت وعناء، سيحاول أن يصل إلى أي مكان يمكن أن يجد فيه إثبات لبر الله، أو أمثلة على بر الله. وأنسب برًا لصانعي.
2. أن أليهو لن يناقش الأمور السطحية بل سيناقش أساس المشكلة التي بين أيوب وبين الله، وسيدخل إلى أعماق الموضوع ليثبت بر الله. وعمومًا فالحقائق الروحية هي بعيدة عن تفكير الإنسان السطحي العادي.
حقًا لا يكذب كلامي= لن أكذب حتى أثبت بر الله، ولن ألجأ لقصص ملفقة كاذبة. فالله لا يحتاج أن نبرره بمخترعاتنا، بل الحقيقة وحدها كافية للشهادة له. صحيح المعرفة عندك= ها أنا أقول لك يا أيوب المعلومات الصحيحة، فأنا لا أبحث سوى عن الحقيقة ولذلك اسمعني. فأنا أختلف في الرأي عن أصحابك الذين أثاروك.
الآيات 5-15:- "«هُوَذَا اللهُ عَزِيزٌ، وَلكِنَّهُ لاَ يَرْذُلُ أَحَدًا. عَزِيزُ قُدْرَةِ الْقَلْبِ. لاَ يُحْيي الشِّرِّيرَ، بَلْ يُجْرِي قَضَاءَ الْبَائِسِينَ. لاَ يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الْبَارِّ، بَلْ مَعَ الْمُلُوكِ يُجْلِسُهُمْ عَلَى الْكُرْسِيِّ أَبَدًا، فَيَرْتَفِعُونَ. إِنْ أُوثِقُوا بِالْقُيُودِ، إِنْ أُخِذُوا فِي حِبَالَةِ الذُّلِّ، فَيُظْهِرُ لَهُمْ أَفْعَالَهُمْ وَمَعَاصِيَهُمْ، لأَنَّهُمْ تَجَبَّرُوا، وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ لِلإِنْذَارِ، وَيَأْمُرُ بِأَنْ يَرْجِعُوا عَنِ الإِثْمِ. إِنْ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا قَضَوْا أَيَّامَهُمْ بِالْخَيْرِ وَسِنِيهِمْ بِالنِّعَمِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، فَبِحَرْبَةِ الْمَوْتِ يَزُولُونَ، وَيَمُوتُونَ بِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. أَمَّا فُجَّارُ الْقَلْبِ فَيَذْخَرُونَ غَضَبًا. لاَ يَسْتَغِيثُونَ إِذَا هُوَ قَيَّدَهُمْ. تَمُوتُ نَفْسُهُمْ فِي الصِّبَا وَحَيَاتُهُمْ بَيْنَ الْمَأْبُونِينَ. يُنَجِّي الْبَائِسَ فِي ذِلِّهِ، وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ فِي الضِّيقِ."
تبدأ من هنا شهادة أليهو عن الله. هوذا الله عزيز= كلمة عزيز تترجم عظيم أو قدير. فهو قادر على كل شيء. ومع كل عظمته= لا يرذل أحدًا. الإنسان قد يرذل أخيه الإنسان أما الله فلا يرذل أحدًا. مهما كان صغيرًا أو حقيرًا هو "الناظر إلى المتواضعات.. القداس الباسيلي" ولأن الله لا يرذل أحدًا فهو حاكم عادل وقاض منصف، لا ينسب إليه ظلم، وأيوب اتهم الله بأنه تركه لأنه مخلوق صغير ولكنها تهمة باطلة، فالله لا يجد غضاضة في أن يهتم بأقل المخلوقات. وهذا لأن الله غير متناهي لكن قدرته غير متناهية، فلن يقلل من شأنه أن يهتم بالصغير. بل أن الإنسان كلما ازداد صلاحه يهتم بالصغار فكم وكم الله. ولكن الله يفيض من نعمه على الأمناء له. عزيز قدرة القلب= أي الفهم والحكمة والمقدرة. فالإنسان لو رذل أحدًا يكون هذا لأنه ذا قدرات محدودة ولا يعرف قلوب من أمامه، أما الله فيعرف كل شيء.
والآية (5) رد على قول أيوب في (أي 7:19 + 13:23).
وفي (6) لا يحيي الشرير= قال أيوب في (أي 7:21) "لماذا تحيا الأشرار ويشيخون" وهنا يرد أليهو أن الله لا يحيي الشرير لأنه غير مهتم بشروره أو هو موافق على شروره. بل:
1. ربما في طول أناته يعطي له فرصة التوبة.
2. يستغل شره في تأديب أولاده.
3. إذا حفظ الله حياة شرير فإنه يذخرها ليوم الغضب (رو 5:2).
فأليهو اعترض على فكر أيوب، بل أكد أن الله ينصف البائس = يجري قضاء البائسين = وينقذهم من أيدي الذين ظلموهم، بل هو يقضي على الظالمين.
وفي (7) لا يحول عينيه عن البار = هذه مثل عيني عليك من أول السنة إلى آخرها. مع الملوك يجلسهم = (مثل يوسف ودانيال وداود..). بل سيجلس الله قديسيه مع ملائكته في الأعالي.
في الآيات (8-10) نجد هنا رأي أليهو أنه مختلف عن رأي الأصحاب، فهنا يشرح أليهو أن الله قد يسمح بالآلام للأبرار. ومن عينات الآلام أن يوثقوا بالقيود (أُوثِقُوا بِالْقُيُودِ) أو أُخِذُوا فِي حِبَالَةِ الذُّلِّ (وهذا حدث مع بولس/ بطرس/ يوسف...) ومثال واضح الآن أنت يا أيوب. لكن إذا سمح الله بالألم للأبرار فهو لتنقيتهم من خطيئة لا يعرف البار عنها شيئًا وقد تكون سببًا في هلاكه دون أن يعلم= فيظهر لهم أفعالهم ومعاصيهم. فمهما كان الإنسان بارًا فهو عرضة للخطية ومحتاج للتأديب (رؤ 19:3). والقيود والذل كناية عن الضيق عمومًا. والله يظهر لهم معاصيهم ليتوبوا عنها. ولكن ألا توجد طريقة أخرى يتوب بها البار غير الضيق؟! من المؤكد أنه لو وجدت طريقة أخرى لما لجأ الله لأي طريق مؤلم. ومن المؤكد أن الله استخدم وسائل متعددة مع هذا البار الخاطئ ولكنه لم يقبل أن يسمع، ربما كان في كبريائه يظن أنه فوق مستوى الخطية لذلك قال لأنهم تجبروا وكلمة تجبروا معناها سلكوا بكبر وعجب. والألم يهيئ أذن المتألم ليسمع صوت الله.
في الآيات (12،11) لو استجاب الخاطئ لصوت الله ترفع عنه التأديبات ويعود لسابق حالته وسعادته ويقضوا سنيهم بالنعم: قَضَوْا.. سِنِيهِمْ بِالنِّعَمِ = هذا لو استمروا في حالة التوبة التي بدأوها وهم تحت عصا التأديب. وإن لم يسمع الخاطئ يساق للهلاك= حربة الموت.
بعدم المعرفة= الأشرار بإرادتهم يظلوا في حالة جهل وعدم معرفة، عميان روحيًا، فهم لم ينتبهوا إلى تأديب الله. عمومًا الله لا يسر بموت الخاطئ بل بأن يرجع ويحيا (حز 23:18).
وفي (13، 14) فجار القلب= يقصد المرائين الذين شرهم داخل قلبهم، يمكنهم خداع البشر، أما الله فلا يخدع. فيذخرون غضبًا= الله يخزن لهم شرورهم ليوم الغضب (رو 5:2). هؤلاء الفجار لاَ يَسْتَغِيثُونَ إِذَا هُوَ قَيَّدَهُمْ = لا يرفعون قلوبهم بالتوبة إلى الله، ولا يصلون ولا يقدمون توبة، بل تقست قلوبهم في عناد. لذلك تموت نفسهم في الصبا= يموتون فجأة في شبابهم، ويهلكوا ونصيبهم الجحيم. وحياتهم بين المأبونين= المأبونين هم رجال كرسوا أنفسهم لممارسة الشذوذ الجنسي في هياكل الأوثان. فالشرير الذي يتقسى قلبه أمام الله ينضم إلى هذه الجماعة (خطية سدوم وعمورة) وخطيتهم أبشع خطية في نظر الله استوجبت حريق سدوم وعمورة وانقلابهما.
وفي (15) أما البائس البار الذي دعا الله ففي ضيقته يفتح الله أذنه (يَفْتَحُ آذَانَهُمْ فِي الضِّيقِ) = ليسمع صوت الله ويفهم معنى التجربة ويسمع تعزية الله. وبعد ذلك يعود لسابق ازدهاره= ينجي البائس.
الآيات 16-21:- "«وَأَيْضًا يَقُودُكَ مِنْ وَجْهِ الضِّيقِ إِلَى رَحْبٍ لاَ حَصْرَ فِيهِ، وَيَمْلأُ مَؤُونَةَ مَائِدَتِكَ دُهْنًا. حُجَّةَ الشِّرِّيرِ أَكْمَلْتَ، فَالْحُجَّةُ وَالْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ. عِنْدَ غَضَبِهِ لَعَلَّهُ يَقُودُكَ بِصَفْقَةٍ. فَكَثْرَةُ الْفِدْيَةِ لاَ تَفُكُّكَ. هَلْ يَعْتَبِرُ غِنَاكَ؟ لاَ التِّبْرَ وَلاَ جَمِيعَ قُوَى الثَّرْوَةِ! لاَ تَشْتَاقُ إِلَى اللَّيْلِ الَّذِي يَرْفَعُ شُعُوبًا مِنْ مَوَاضِعِهِمْ. اِحْذَرْ. لاَ تَلْتَفِتْ إِلَى الإِثْمِ لأَنَّكَ اخْتَرْتَ هذَا عَلَى الذِّلِّ."
أليهو يدعو أيوب أن يتواضع بين يدي الله فيعود لما كان عليه= إلى رحب أي يخلصك من ألامك ويعيد لك ثروتك ومائدتك تمتلئ بأفخر الطعام = تملأ مائدتك دهنًا (يَمْلأُ.. مَائِدَتِكَ دُهْنًا). وفي (17) حجة الشرير أكملت فالحجة والقضاء يمسكانك= مترجمة في الإنجليزية أنت مملوء من القضاء الذي على الأشرار، ولذلك سيلحقك القضاء والعدل. أما في ترجمة اليسوعيين "ولكن إذا إستوفيت دعوى النفاق فالدعوى والقضاء يمسكانك" ويصير المعنى لو إستمريت يا أيوب في مسلكك بلا توبة وإستمريت في الهجوم على الله فأنت في طريق الأشرار ولسوف تدان معهم. وفي (18) تحذير لأيوب بأنه لو استمر في طريق الأشرار فالله سيضربه ضربة شديدة= لعله يقودك بصفقة= صفقة تعني ضربة شديدة. ولن ينفعك أحد، ولن يفديك شيء من يدي الله= كثرة الفدية لا تفكك= مهما كان لك من مال لن ينفعك، أو ربما يتصور أيوب أن ما كان له من آلام قد يفديه من غضب الله.. لا شيء سوى التوبة هي التي تنجي. لا تشتاق إلى الليل= لا تشتاق إلى الموت ليخلصك، والموت معبر عنه هنا بالليل. وأيوب طالما تكلم عن الموت كنهاية لآلامه. وأليهو ينبه أن الموت لن يحل مشكلته فهناك دينونة، فلا تتعجل المثول أمام كرسي الله. لاَ تَشْتَاقُ إِلَى اللَّيْلِ الَّذِي يَرْفَعُ شُعُوبًا مِنْ مَوَاضِعِهِمْ = المقصود بالليل هنا أنه الموت أو الفناء، فكم من شعوب أغضبت الله فأفناها وما عادت موجودة.
وفي (21) الذل= المقصود به آلام أيوب. وهنا أليهو يحذر أيوب من أن يختار طريق الإثم أي الشجار مع الله وتبرير نفسه عن الخضوع لتأديب الله. اِحْذَرْ.. لأَنَّكَ اخْتَرْتَ هذَا = أي إخترت الإثم والشجار مع الله... وفي هذا هلاكك. على الذل= أي احتمال الألم بصبر. أليهو هنا يؤنب أيوب على عدم احتماله، وخضوعه بين يدي الله بتواضع.
الآيات (22-33):- "«هُوَذَا اللهُ يَتَعَالَى بِقُدْرَتِهِ. مَنْ مِثْلُهُ مُعَلِّمًا؟ مَنْ فَرَضَ عَلَيْهِ طَرِيقَهُ، أَوْ مَنْ يَقُولُ لَهُ: قَدْ فَعَلْتَ شَرًّا؟ اُذْكُرْ أَنْ تُعَظِّمَ عَمَلَهُ الَّذِي يُغَنِّي بِهِ النَّاسُ. كُلُّ إِنْسَانٍ يُبْصِرُ بِهِ. النَّاسُ يَنْظُرُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ. هُوَذَا اللهُ عَظِيمٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لاَ يُفْحَصُ. لأَنَّهُ يَجْذُبُ قِطَارَ الْمَاءِ. تَسُحُّ مَطَرًا مِنْ ضَبَابِهَا الَّذِي تَهْطِلُهُ السُّحُبُ وَتَقْطُرُهُ عَلَى أُنَاسٍ كَثِيرِينَ. فَهَلْ يُعَلِّلُ أَحَدٌ عَنْ شَقِّ الْغَيْمِ أَوْ قَصِيفِ مِظَلَّتِهِ؟ هُوَذَا بَسَطَ نُورَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ يَتَغَطَّى بِأُصُولِ الْيَمِّ. لأَنَّهُ بِهذِهِ يَدِينُ الشُّعُوبَ، وَيَرْزِقُ الْقُوتَ بِكَثْرَةٍ. يُغَطِّي كَفَّيْهِ بِالنُّورِ، وَيَأْمُرُهُ عَلَى الْعَدُوِّ. يُخْبِرُ بِهِ رَعْدُه، الْمَوَاشِيَ أَيْضًا بِصُعُودِهِ.
هي شهادة لعظمة الله. فهل مع كل قدرته وعظمته نجادله نحن الضعفاء. أليهو يحاول أن يرسم لأيوب صورة يشهد فيها عن عظمة الله ليقنعه بالخضوع بفرح لمشيئته تعالَى.
من مثله= هو يعرف جميع الأشياء وجميع الناس ويعرف أحسن الطرق وأنسبها لتعليم كل شخص= من مثله معلمًا= فهناك من يفيض عليه بمراحمه لأنه يجده في احتياج إليها، وهناك من يؤدبه ليرتدع، والله وحده يعلم الأسلوب الذي يناسب كل شخص وهو وحده مصدر كل نور ومعرفة وتعليم ويحب البشر محبة خالصة. وتعليم الله يكون بالإقناع للعقل والقلب (إر20: 7)، وأمام إمكانيات الله اللانهائية فليخف كل إنسان من أن يملي على الله طريقة التصرف فهو يتعالى بقدرته. وفي (24، 25) أذكر أن تعظم عمله الذي يغني به الناس= المقصود أن خلقة الله عظيمة وعجيبة وكلها حكمة ومقدرة عجيبة وكلها صلاح ومحبة للبشر، وكل أعماله ظاهرة أمام أعيننا. وأينما نظرنا نجد أننا بسهولة نعاين إصبع الله ظاهرًا في خلقة السماء والأرض (مز 3:19 + رو 20:1).
وكل من يشعر بعمل الله يسبحه على عمله= يغني به.
الناس ينظرونه من بعيد= نحن ندرك الله من أعماله ولكنه بعيد عن أن ندركه إدراكًا كاملًا ونلاحظ أعمال الله العظيمة، الخلق والعناية بخليقته ثم الفداء، وكل إنسان يبصر عمل الله، ولكننا لا نستطيع أن ندرك الله نفسه، فمن أعماله ندركه كأننا ننظر من بعيد.
وفي (26) الله غير مفحوص ولا نهائي، عظيم ومكتفي بنفسه بل يكفي كل الخليقة، نحن نعرف أنه هو كائن ولكن لا نعرف ما هو وكيف هو، نعرف عنه جزئيًا ولا يمكننا أن نعرفه بالتمام. لذلك فمن المستحيل أن نسأله على كل تصرف له، ومن الخطأ أن ننسب له خطأ في أعماله. فنحن أمام إله أزلي أبدي= عدد سنيه لا يفحص.
وفي (27، 28):- أليهو طلب من أيوب في (أي 5:35) أن ينظر إلى السماء. وهنا يشرح له ما سوف يراه لو نظر من أعمال تمجد الله. فالله يجذب قطار الماء= قطار أي قطرات. والقدماء لم يفهموا أمر تحويل الماء إلى بخار وصعوده إلى الجو وصنعه السحب، بل ظنوا أن الأوقيانوس Oceanus (البحر المحيط بالأرض) تعود إليه كل مياه الأنهار والأمطار وبسواقي تحت الأرض تعود للسحاب، ثم تهطل مطرًا على الأرض فتتجمع في الأنهار، والأنهار تصب في البحار، ومن البحار للأوقيانوس ومنه إلى السحاب عن طريق السواقي وهلم جرا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهكذا شرح الأمر في الترجوم العبراني، وهكذا ذكره سليمان في (جا 7:1) وهكذا صوروه شعراء اليونان واللاتين. وتقطره على أناس كثيرين المطر هو عطية الله الصالحة، التي تنزل من فوق من عند أبي الأنوار، فالله مصدر كل الخيرات (مت 45:5) ولكل الناس. ولاحظ أن قوله تقطره عكس ما قيل في (تك 11:7) أن الله يفتح كوي السماء. فالمطر حين ينزل كقطرات يكون له فائدة للبشر فهو يتوزع توزيعًا جيدًا، أما لو انفتحت كوي السماء فهي تدمر الأرض. فقوله تقطر هو إعلان عن مراحم الله من نحو البشر. وسؤال أليهو هل تفهم يا أيوب كيف يحدث كل هذا؟ وفي (29) هل يستطيع أحد أن يفسر انتشار السحاب كستارة فوق الأرض أو كمظلة. فإذا لم نستطع تفسير ما نراه كل يوم، فهل نطالب الله بتفسير كل تصرف تجاهنا، وهل نطالبه بتقديم تبرير لكل شيء.
شق الغيم= بواسطة البرق.
قصيف مظلته= صوت الرعد حين يقصف. فهل عند أيوب تبرير للبرق والرعد.
وفي (30) هُوَذَا بَسَطَ نُورَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ يَتَغَطَّى بِأُصُولِ الْيَمِّ = الله منير ونوره عجيب لا نقدر أن نراه، وهو مستتر علينا حتى لا يقتلنا إشراقه وضياؤه. وهو يستتر بالسحاب الذي تكون من الماء الصاعد للسماء من البحر= أصول اليم= الماء الذي أصله من اليم أي البحر. التصوير هنا يرسم صورة السحاب الذي يغطي نور الشمس فلا تحرق حرارتها البشر. وأليهو يتصور أن شيئًا مثل هذا يحجب نور الله حتى لا يموت البشر. وهذا صحيح تمامًا لذلك حجبت سحابة السيد المسيح في صعوده، لأنه في صعوده جلس عن يمين الآب أي صار لجسده نفس مجد لاهوته وهو نفس مجد لاهوت الآب (يو17: 5)، وصار وجهه يلمع كالشمس وهي تضئ في قوتها (رؤ 16:1).
وفي (31) لأنه بهذه يدين الشعوب= الله يعاقب الشعوب بأن يفتح كوي السماء، وبأن تزداد الأمطار جدًا فتأتي الفيضانات الكاسحة. أو يمنع المطر فيحدث الجفاف والجوع وهو لو سمح بنزول المطر على هيئة قطرات= يرزق القوت بكثرة. والمطر في يده فهو ضابط الكل. ولهذا تصلي الكنيسة لمياه الأنهار وللرياح أن يعطيها لنا الله بحيث تكون مصدرا للخير وليس للهلاك، فتقول الكنيسة "إصعدها كمقدارها كنعمتك فرح وجه الأرض..". فقد يمتنع المطر فيهلك الإنسان والحيوان والنبات من العطش، وقد ترتفع مياه الأنهار في فيضان عظيم لدرجة أن يغرق البشر والحيوان والنبات. وهكذا مع الرياح. وهذا معنى كلمة كمقدارها في الأواشي.
وفي (32) يغطي كفيه بالنور وَيَأْمُرُهُ عَلَى الْعَدُوِّ = كأن الله أمسك بالبروق = النور في يديه كسهام يضرب بها أعداؤه. فالصواعق تقتل الناس. وفي (33) يخبر به رعده= حتى المواشي تفهم أن صوت الرعد مقدمة للمطر فتبحث عن ملجأ. المواشي أيضًا بصعوده= صوت الرعد ينبئ بحدوث العاصفة المطيرة، وحتى المواشي تفهم إذا كان صوت الرعد عاليًا مخيفًا فهناك عاصفة مطيرة مرعبة. وفي هذه الحالة يكون صوت الرعد إشارة لغضب الله. وحقا فصوت الرعد مرعب، وهناك من يرتعبون حقيقة من صوته. ومما يخجل أن الحيوانات تفهم الإنذارات مثل الرعد وتفهم أن هناك عاصفة، بينما الإنسان يسمع صوت غضب الله ولا يفهم أن هناك ضربات قادمة (لو 54:12-57).
وغالبا في آيات أليهو الأخيرة كانت السحب قد بدأت تتكون والبرق والرعد بدأت في الحدوث والمطر بدأ يتساقط وكان أليهو يشاهد ما يحدث ويتأمل في قدرة الله الخالق.
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أيوب 37 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أيوب 35 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/k38njp7