← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27
الآيات 1-14:- "وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيَّ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ قَائِلًا: «يَا ابْنَ آدَمَ، اكْتُبْ لِنَفْسِكَ اسْمَ الْيَوْمِ، هذَا الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ. فَإِنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ هذَا الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ. وَاضْرِبْ مَثَلًا لِلْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: ضَعِ الْقِدْرَ. ضَعْهَا وَأَيْضًا صُبَّ فِيهَا مَاءً. اِجْمَعْ إِلَيْهَا قِطَعَهَا، كُلَّ قِطْعَةٍ طَيِّبَةٍ: الْفَخِذَ وَالْكَتِفَ. امْلأُوهَا بِخِيَارِ الْعِظَامِ. خُذْ مِنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَكُومَةَ الْعِظَامِ تَحْتَهَا. أَغْلِهَا إِغْلاَءً فَتُسْلَقَ أَيْضًا عِظَامُهَا فِي وَسْطِهَا. « لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ، الْقِدْرِ الَّتِي فِيهَا زِنْجَارُهَا، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا زِنْجَارُهَا. أَخْرِجُوهَا قِطْعَةً قِطْعَةً. لاَ تَقَعُ عَلَيْهَا قُرْعَةٌ. لأَنَّ دَمَهَا فِي وَسْطِهَا. قَدْ وَضَعَتْهُ عَلَى ضِحِّ الصَّخْرِ. لَمْ تُرِقْهُ عَلَى الأَرْضِ لِتُوَارَيهُ بِالتُّرَابِ. لِصُعُودِ الْغَضَبِ، لِتُنْقَمَ نَقْمَةً، وَضَعْتُ دَمَهَا عَلَى ضِحِّ الصَّخْرِ لِئَلاَّ يُوارَى. لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ. إِنِّي أَنَا أُعَظِّمُ كُومَتَهَا. كَثِّرِ الْحَطَبَ، أَضْرِمِ النَّارَ، أَنْضِجِ اللَّحْمَ، تَبِّلْهُ تَتْبِيلًا، وَلْتُحْرَقِ الْعِظَامُ. ثُمَّ ضَعْهَا فَارِغَةً عَلَى الْجَمْرِ لِيَحْمَى نُحَاسُهَا وَيُحْرَقَ، فَيَذُوبَ قَذَرُهَا فِيهَا وَيَفْنَى زِنْجَارُهَا. بِمَشَقَّاتٍ تَعِبَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا كَثْرَةُ زِنْجَارِهَا. فِي النَّارِ زِنْجَارُهَا. فِي نَجَاسَتِكِ رَذِيلَةٌ لأَنِّي طَهَّرْتُكِ فَلَمْ تَطْهُرِي، وَلَنْ تَطْهُرِي بَعْدُ مِنْ نَجَاسَتِكِ حَتَّى أُحِلَّ غَضَبِي عَلَيْكِ. أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ. يَأْتِي فَأَفْعَلُهُ. لاَ أُطْلِقُ وَلاَ أُشْفِقُ وَلاَ أَنْدَمُ. حَسَبَ طُرُقِكِ وَحَسَبَ أَعْمَالِكِ يَحْكُمُونَ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ»."
حدد الله لحزقيال وهو على بعد مئات الكيلومترات بلا وسائل اتصالات في ذلك الزمان، اليوم الذي حاصر فيه نبوخذ نصر أورشليم وطلب منه أن يكتب هذا اليوم (اكْتُبْ.. هذَا الْيَوْمَ) = حتى إذا ما تحقق الخبر بعد ذلك يظهر صدق النبي. وهذا ما حدث فعلًا [راجع 2مل 25: 1]. وكان الشعب كما قلنا سابقًا يتصورون أنهم في حماية أسوار أورشليم كما لو كانوا في قدر نحاس وهم قطع لحم لا يستطيع أحد أن ينال منهم كما لو كانت أسوارهم هي أسوار نحاسية. ولكن الله يقول هنا فعلًا فأنتم داخل أسوار أورشليم كما لو كنتم داخل قدر نحاس، ولكن سأشعل نارًا حوله، وما هذه النار إلا جيش بابل.. ولكن ما فائدة النار؟ القدر مليئة بالزنجار = الصدأ رمزًا لخطايا أورشليم العالقة بها ولا حل سوى حرقها لتطهر. والحريق سيشمل الجميع صغارًا وكبارًا، عظماء وأدنياء. وهذا معنى وضع كل قطع اللحم حتى القطع الطيبة الفخذ والكتف (كُلَّ قِطْعَةٍ طَيِّبَةٍ: الْفَخِذَ وَالْكَتِفَ) = فالكل يستحق أن يضرب. ولكن يجب أن نفرق بين قطع اللحم الطيبة والعظام وخيار العظام (كُلَّ قِطْعَةٍ طَيِّبَةٍ: الْفَخِذَ وَالْكَتِفَ. امْلأُوهَا بِخِيَارِ الْعِظَامِ. خُذْ مِنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَكُومَةَ الْعِظَامِ تَحْتَهَا) = والمعنى أن الخطية تحول الإنسان الحي إلى إنسان ميت، والفرق بين الميت والحي أن الأول هو كومة من العظام والثاني يكسوه اللحم (قارن مع حز 37) فمن وصل لدرجة الموت التام بخطيته، فهذا لا أمل في إصلاحه، هذا سيتم حرقة في كومة العظام تحت القدر، أما من يكسوه اللحم أو حتى من أصبح عظامًا لكن ما زال في داخله نخاع، هذا ما سماه خيار العظام (فهو فتيلة مدخنة لا يطفئ) = هؤلاء سيكونون داخل القدر لا يحرقون تمامًا ويفنون مثل من هم في خارج القدر، بل سيكونون في الداخل للتطهير. مَاءً = والماء الذي يغلي داخل القدر هو ماء للتطهير. وفي آية (5) يميز بين خيار الغنم = فهؤلاء هم قادة وأمراء الشعب الأشرار فهم مع كومة العظام تحتها، كلهم للحريق. وسبب هذا أنها مَدِينَةِ الدِّمَاءِ = مدينة دماء = خطاياها هي زنجارها الذي لم يخرج منها. حتى القطع التي لا أمل فيها أو في إصلاحها ستخرج للحريق بدون أن تلقى عليها قرعة (لاَ تَقَعُ عَلَيْهَا قُرْعَةٌ) = فليس مهمًا من سيحرق أولًا ومن يأتي عليه الدور ثانيًا فالكل سيحرق لماذا؟ لأن دمها في وسطها. وقد وضعته على ضح الصخر = أي على قمة الصخرة، في أعلى مكان بلا خجل فيرى كل إنسان خطاياها والآن يرى كل إنسان ضرباتها فَيَعْتَبِر. فالله أقام أورشليم كمثل أمام العالم كله (منظرًا للناس) لتكون كرازة، يرى الناس أعمالها الحسنة وقداستها والبركات التي يفيض بها الله عليها فيمجدوا أباها الذي في السموات. ولكن حين تمتلئ بالدم فسيفضحها الله ويظهر غضبه عليها ويكون تأديبه لها واضحًا، فيعرف الكل أيضًا قداسة الله وأنه ضد الخطية. ولنلاحظ أن الله يصبر ويطيل أناته كثيرًا على أبنائه الخطاة، ولكن بعد مدة يعلن خطيتهم إن لم يتوبوا ويفضحهم وهذا معنى لم تُرِقه على الأرض لتواريه بالتراب = فلا شيء سوف يستر على خطيتها ما دام الله قد صمم على إعلانها. وأيضًا سيعلن الله عن غضبه، لصعود الغضب لتنقم نقمة = وسوف يظهر لكل إنسان عدالة الله وقداسته فهو لا يقبل أن يكون أولاده خطاة فهو يعاقب الخطية في كل إنسان حتى أولاده، فالله قدوس وعادل كما أنه رحيم. في عدله سيعظم كومتها (أُعَظِّمُ كُومَتَهَا) = أي سيجمع كل من يستحق الحريق كومة كبيرة تجعل الحريق عظيمًا، وهذا نفس معنى كثر الحطب إضرم النار. وما نتيجة هذه النار؟ شيئان:- فمن هو مستحق أن يطهر سيطهر وينضج = أنضج اللحم وتبله تتبيلًا فهؤلاء كانوا سابقًا بلا طعم مقبول. وهكذا حولت الآلام أيوب إلى رجل كامل. لْتُحْرَقِ الْعِظَامُ = أما العظام لْتُحْرَق، فهذه لا أمل فيها. وأما الزنجار = العالق بالقدر ككل، مثل العبادات الوثنية وما يتبعها فهذا سيتم حريقه في النار، وهذا ما حدث فعلًا، فلم تعد إسرائيل تخطئ هذه الخطيئة بعد سبي بابل. وقد حاول الله كثيرًا من قبل أن يخلصها من هذه الخطية ولكن بلا فائدة، فالله لا يضرب ضربة كبيرة ما لم ينذر أولًا ويبدأ بضربات خفيفة ثانيًا. فلطالما سَلَّط الله عليها الفلسطينيين وغيرهم ثم الأشوريون الذين أحرقوا 46 مدينة من يهوذا وتوقفوا على حدود أورشليم حين هلك منهم 185,000 رجل ولكن لم يطهروا. وهذا معنى بمشقات تَعِبَت ولم تخرج منها كثرة زنجارها فماذا يكون الحل = في النار زنجارها أي بابل بضربتها الموجعة سوف تشفيها من زنجارها تمامًا. ويعاد الكلام ثانية بنفس المعنى في نجاستك رذيلة لأني طهرتك = بكل المحاولات التي سبقت ضربة بابل ولكن لم تطهري. وما الحل أحل غضبى عليك = عن طريق بابل. ولا رجوع في هذا فأنا الرب تكلمت لا أطلق ولا أشفق ولا أندم = إذًا يا رب توبنا فنتوب قبل أن يأتي علينا غضبك.
ملحوظة:- في (آية 7) نجد أن خطية أورشليم علنية، فهي صارت لا تستحي لذلك كانت عقوبتها علنية ليعلن الله قداسته، وهذا يتضح من (آية 8). فحين يصل الإنسان في خطيته أن يعلنها بلا حياء، يعاقبه الله علانية.
الآيات 15-27:- "وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: «يَا ابْنَ آدَمَ، هأَنَذَا آخُذُ عَنْكَ شَهْوَةَ عَيْنَيْكَ بِضَرْبَةٍ، فَلاَ تَنُحْ وَلاَ تَبْكِ وَلاَ تَنْزِلْ دُمُوعُكَ. تَنَهَّدْ سَاكِتًا. لاَ تَعْمَلْ مَنَاحَةً عَلَى أَمْوَاتٍ. لُفَّ عِصَابَتَكَ عَلَيْكَ، وَاجْعَلْ نَعْلَيْكَ فِي رِجْلَيْكَ، وَلاَ تُغَطِّ شَارِبَيْكَ، وَلاَ تَأْكُلْ مِنْ خُبْزِ النَّاسِ». فَكَلَّمْتُ الشَّعْبَ صَبَاحًا وَمَاتَتْ زَوْجَتِي مَسَاءً. وَفَعَلْتُ فِي الْغَدِ كَمَا أُمِرْتُ. فَقَالَ لِيَ الشَّعْبُ: «أَلاَ تُخْبِرُنَا مَا لَنَا وَهذِهِ الَّتِي أَنْتَ صَانِعُهَا؟» فَأَجَبْتُهُمْ: «قَدْ كَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا مُنَجِّسٌ مَقْدِسِي فَخْرَ عِزِّكُمْ، شَهْوَةَ أَعْيُنِكُمْ وَلَذَّةَ نُفُوسِكُمْ. وَأَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمُ الَّذِينَ خَلَّفْتُمْ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَتَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلْتُ: لاَ تُغَطُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلاَ تَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِ النَّاسِ. وَتَكُونُ عَصَائِبُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ، وَنِعَالُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ. لاَ تَنُوحُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَتَفْنَوْنَ بِآثَامِكُمْ. تَئِنُّونَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَيَكُونُ حِزْقِيَالُ لَكُمْ آيَةً. مِثْلَ كُلِّ مَا صَنَعَ تَصْنَعُونَ. إِذَا جَاءَ هذَا، تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، أَفَلاَ يَكُونُ فِي يَوْمٍ آخُذُ عَنْهُمْ عِزَّهُمْ، سُرُورَ فَخْرِهِمْ، شَهْوَةَ عُيُونِهِمْ وَرَفْعَةَ نَفْسِهِمْ: أَبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ، أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الْمُنْفَلِتُ لِيُسْمِعَ أُذُنَيْكَ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَنْفَتِحُ فَمُكَ لِلْمُنْفَلِتِ وَتَتَكَلَّمُ، وَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ أَبْكَمَ. وَتَكُونُ لَهُمْ آيَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ»."
وَيَكُونُ حِزْقِيَالُ لَكُمْ آيَةً (آية 24) هنا تموت زوجة حزقيال (مَاتَتْ زَوْجَتِي) وعليه أن لا يحزن عليها لا يذرف عليها دمعة ولا يصنع مناحة (فَلاَ تَنُحْ وَلاَ تَبْكِ وَلاَ تَنْزِلْ دُمُوعُكَ. تَنَهَّدْ سَاكِتًا. لاَ تَعْمَلْ مَنَاحَةً) ولا ينطق بكلمة حزن ولا يأكل من خبز الناس = فهذه عادة في تلك المناسبات المؤلمة أن يشارك الجيران أهل الميت بإرسال طعام، كتعزية ومشاركة له، وعليه أن لا يأكل مما يقدمونه له. وعليه أن يلبس عمامته = لف عصابتك عليك = كما تعود أن يفعل. وأن يجعل نعليه في رجليه (اجْعَلْ نَعْلَيْكَ فِي رِجْلَيْكَ) = ولا يسير حافيًا كعلامة حزن ولا يغطى شاربيه (لاَ تُغَطِّ شَارِبَيْكَ) = مثلما يفعل الحزانَى. وهو سيعد طعامه بنفسه حيث أنه لن يأكل من الطعام المرسل له (فهم يرسلون الطعام لأهل الميت، إذ ليس من اللائق أن يقوم أهل الميت بإعداد طعامهم وهم في أحزانهم، فما معنى كل هذا؟
1- زوجة حزقيال هي شهوة عينيه (شَهْوَةَ عَيْنَيْكَ) فهو يحبها ولا يستطيع فراقها. وهذا مشابه لوضع الشعب مع أورشليم فهي شهوة عيونهم، يحبونها ويودون لو عادوا إليها لكن الحكم صدر بنهايتها، وعليهم أن يصنعوا مثل حزقيال فلا يحزنوا لأن الأمر صدر من الله
2- أورشليم هي شهوة عيني الله (مَقْدِسِي)، فالله يحبها، وكان مجده في هيكله في وسطها. وهنا النبي مثل أنبياء كثيرين، كان الله يضعهم في موقفه ليشعروا بمشاعره. فلقد طلب الله من إبراهيم أن يقدم ابنه محرقة ليشرح سر الفداء لإبراهيم ولقد سار إبراهيم مع ابنه ثلاثة أيام، كان قلبه يتمزق في كل ثانية فيهم إلى أن وصل للموضع الذي سيقدم فيه ابنه. وفي هذا شَعَر إبراهيم بمشاعر الآب، إذ قام بدور الآب الذي قدم ابنه الوحيد كفارة عن خطايانا، هو شعر بأن الآب سيعاني مشاعر مُرَّة وسيتألم بآلام ابنه.
وهكذا ليشرح الله ارتباطه بنا ونحن في خطايانا أمر هوشع أن يتزوج بزانية. وهكذا هنا في مثال حزقيال، فالله يحب أورشليم قطعًا كما يحب حزقيال زوجته وبهذا تكون مشاعر الله وحزنه على هلاك أورشليم هي نفس مشاعر حزقيال إذ تموت زوجته. وفي عدم تعبير حزقيال عن مشاعره إعلان بأن الله يرى في خراب أورشليم الحل الوحيد لتطهيرها وهذا أيضًا لمحبته لها، فهو سيتخذه بلا ندامة.
وفي عدم إظهار حزقيال لمشاعره تجاه وفاة زوجته إظهار أن دمار أورشليم سيكون نهائيًا شاملًا، ولن يوجد لأحد من سكانها فرصة لأن يحزن على آخر، فالكل إما ميت أو هارب من السيف والنار.
ولكن تَنَهَّدْ سَاكِتًا = إشارة لحزنه الداخلي وهذا ما يشير لحزن الله أيضًا على خراب أورشليم. وقطعًا إندهش الناس من موقف حزقيال فسألوه ألا تخبرنا = وكان الجواب هانذأ منجس مقدسي = أي قد حكمت على هيكلي بالخراب وبأن تدوسه الأمم. والهيكل هو بالنسبة لكم فَخْرَ عِزِّكُمْ، شَهْوَةَ أَعْيُنِكُمْ حتى بعد ما خرب هذا الهيكل، وقام هيكل بدلًا منه، ظل التلاميذ يفتخرون بهيكلهم (مت 24: 1) مع العلم بأن الهيكل الأول الذي دمر في هجوم بابل أعظم كثيرًا من الثاني الذي كان التلاميذ يفتخرون به أمام المسيح. وليس الخراب للهيكل فقط بل أَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمُ.. يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ. هي ضربة شديدة موجعة ولكن السبب في كل هذا الفناء والخراب هو الخطية = وتفنون بأثامكم.
لاحظ أن آلام حزقيال وهو بار تشبه آلام المسيح الذي صلب وهو بلا خطية، إنما الشعب هو الذي أخطأ [وإذا كان هذا قد عُمِلَ بالغصن الرَّطْبِ، فَكَم يُصْنَع بِالْيَابِسِ] (لو 23: 31)، وهم في آلامهم يئنون بعضهم على بعض (تَئِنُّونَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ) = فهم لن يجرؤا أن يعلنوا غضبهم أمام الغزاة البابليين. وَإِذَا جَاءَ هذَا، تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ = سبق حزقيال وقال لهم متنبئًا بما سوف يحدث، فإذا ما تم، فسيصدقون ويؤمنون أنه من قبل الرب حدث هذا ويؤمنون بالرب ويصدقون أن حزقيال هو نبي من عند الرب. ولكن هذا سوف يحدث في يوم مرعب = أفلا يكون في يوم آخذ عنهم عزهم = أي قوتهم وما إستندوا عليه باطلًا من تحصينات ورجال وقصور وكل ما وضعوا فيه فكرهم. ومعنى الكلام.... لا تندهش ولا تستغرب ما أعلن لك يا ابن آدم = ولا تكن غير مصدقًا فهو سيحدث. ويبدو أنه كعلامة أن حزقيال بعد ما نقل هذه الأخبار للشعب أنه صمت وجعله الله لا يتكلم (كما حدث مع زكريا أبو يوحنا المعمدان) وسوف يعود ويتكلم حين يأتي منفلت = أي هارب من جحيم أورشليم يخبره ويخبر الشعب بما حدث مصدقًا لنبوات حزقيال التي سبق فأنبأ بها وقد حدث هذا فعلًا (حز 33 : 22) حين جاء المنفلت وتكلم النبي مرة ثانية، وقد يكون موضوع صمته وكلامه له تفسيران.
الأول = أنه صمت عن النبوات بخصوص إسرائيل وبدأ يتنبأ عن الأمم الغريبة وهذا ما بدأه في إصحاح (25) وأنهاه في إصحاح (33). أي أن الصمت كان صمتًا في نبواته الخاصة بشعبه إسرائيل. لأن النبوات عن الأمم تعترض بدء صمته (حز 24: 27) ونهايته (حز 33: 22).
الثاني = أن يكون صمته حقيقيًا طوال هذه الفترة وأن هذه النبوات الخاصة بالأمم إصحاحات (حز 25-32) قد سبق وقيلت في زمان متقدم ولكن وضعت في هذا المكان، أو قيلت بعد أن فتح فمه ووضعت أيضًا في هذا الموضع لسبب هام وهو أن الأمم يشيرون لمملكة الشر والشيطان في العالم. وبدءًا من إصحاح (حز 33) يبدأ النبي في الكلام عن إسرائيل الجديد. فكأن إصحاح (حز 24) ينتهي بتدمير وموت إسرائيل القديم الخاطئ. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ونبدأ إصحاح (حز 33) بالكلام عن إسرائيل الجديد، فكان من حكمة الله أن تجئ النبوات ضد الأمم وهلاكهم في وسط هذه الإصحاحات كإعلان من الله عن خراب مملكة الشيطان وإندحارها قبل بدئه في تكوين إسرائيل الجديد. وإذا عرفنا أن كل هذا يرمز لعمل المسيح فتكون إسرائيل القديمة التي خربت هي شعبه قبل مجيء المسيح، وإسرائيل الجديد هي الكنيسة جسد المسيح وهلاك الأمم رمزًا لنهاية سيادة الشيطان "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق" فهذا يعني هدمًا لمملكة الشر تمهيدًا لإقامة مملكة الله. خصوصًا أن الأمم الذين تنبأ حزقيال ضدهم هم 7. وإذا كان رقم 7 يشير للكمال فهذا يعني كمال تحطيم مملكة الشر (الأمم هي بني عمون / موآب / آدوم / فلسطين / صور / مصر / صيدون) والرأي الثاني هو المرجح في موضوع صمت النبي ثم عودته للكلام، فيكون قد صمت فعلًا كآية بعد أن أعلن للشعب بالخراب الذي سيحدث، وعاد للكلام بعد أن جاء هذا المنفلت مصدقًا لما قاله عن خراب أورشليم. وكون أن الخراب يبدأ ببيت الله، فهذا ليس معناه أن الله سيترك باقي الأشرار، ولكن أكثر الناس معرفة يدانون أولًا ويدانون أكثر، فليس عند الله محاباة. والعجيب أن هذه الشعوب (بني عمون / موآب...) لم يتعظوا بسهولة بسقوط يهوذا. لكن علينا أن نحذر فحينما يحترق بيت الجار فالحريق قد يمتد لبيتنا. وحينما نرى تأديب الله لأحد الخطاة فلنسارع بتقديم توبة.
الْمَسَارِحُ (آية28) = تترجم الضواحي المجاورة للمدينة، وقد تعني الحقول المجاورة وحظائر البهائم حول المدن، فالخراب سيشمل كل العالم وكل الخليقة. وهذا الخراب تم التعبير عنه بقول الوحي كسرتك الريح الشرقية ، والريح الشرقية هي رياح ساخنة تدمر المزروعات (هو13: 15) ولكنها هنا ستصيب هذه السفينة في قلب البحار إشارة لما يحدث من دمار وخراب للعالم بسبب خطاياه.
مُلُوكَ الأَرْضِ (آية33) = [راجع رؤ18: 9، 10] هؤلاء هم من تصوروا أنهم إمتلكوا كل شيء إذ إغتنوا وصاروا يتلذذون بكل متعة أو شهوة حسية. وبأموالهم ظنوا أن لهم سيطرة على كل أحد. ونلاحظ في الآية أن تجارة الشيطان هي ملذات العالم الحسية حتى يُلهى الإنسان عن السمائيات التي أعدها له الله، وهذه تم الإشارة عنها في هذه الآية = بكثرة ثروتك وتجارتك أغنيت ملوك الأرض. وقارن مع (حز28: 16) فهذه التجارة المخادعة ملأت جوف الشيطان ظلما إذ أن نتيجتها هلاك البشر.
ولهذا قال السيد المسيح عن الشيطان رئيس هذا العالم، فهو يسهل طريق الحصول على شهوات وملذات العالم الدنسة ولكن يطلب السجود له وهذا يعني إستعباد من يوافقه ويأخذ من يده (مت4: 9). وقارن لقب ملوك الأرض مع قول الكتاب عن أولاد الله أنه " جعلنا ملوكا وكهنة " (رؤ1: 6) فنحن لنا السلطان أن نتحكم في شهواتنا ولا تستعبدنا أي شهوة، ونملك وعدًا بأن لنا نصيبا بالجلوس في عرش المسيح للأبد. أما ملوك الأرض فهم مخدوعون إذ يمتلكون سراب زائل في عالم محكوم عليه بالدمار، وهذا ما قيل في (حز27: 32) "كَالْمُسْكَتَةِ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ" أي المُدَمِّرَة.
فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَنْفَتِحُ فَمُكَ لِلْمُنْفَلِتِ وَتَتَكَلَّمُ، وَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ أَبْكَمَ (آية27) = لنفهم المعنى الرمزي لذلك لنرى تسلسل سفر حزقيال الذي يمكن تلخيصه كما يلي:-
1) الإصحاح (1):- حزقيال يرى الله في مجده. وكانت هذه إرادة الله أن يرى البشر مجد الله ويفرحوا أمامه ويفرح هو بنا. وهكذا كان آدم في الجنة.
2) الإصحاحات (2 – 24):- رأينا الخراب نتيجة خطايا الإنسان. ويكون صمت حزقيال هنا إعلانا عن غضب الله، فحزقيال أو أي نبي يرسله الله هو لسان الله لشعبه (إر15: 19).
3) الإصحاحات (25 – 32) :- هذه نبوات ضد الأمم، ولكن كما سنرى أنها في الحقيقة تشير لأن الله بتجسد ابنه وبصليبه سيضرب الشيطان الذي ترمز له هذه الأمم الوثنية بخطاياها وأوثانها وممارساتها وعدوانها المستمر وتحطيمها لشعب الله .
4) الإصحاحات (33 – 39) :- تشير لبداية جديدة بعد الصليب بين الله وبين البشر، لأن المسيح صالحنا مع الله بصليبه (2كو5: 18). وكعلامة على هذا الصلح يعود النبي للكلام. وهذا ما حدث بعد الصليب إذ سكن فينا الروح القدس ليعلن لنا إرادة الله فالروح القدس هو روح النصح (2تي 1: 7) وهو يخبرنا بأمور آتية ويأخذ مما للمسيح ويخبرنا (يو16: 13، 14).
5) الإصحاحات (40 – 48) :- مواصفات كنيسة العهد الجديد.
← تفاسير أصحاحات حزقيال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير حزقيال 25 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير حزقيال 23 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/wrzs356