محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
سفر رويا يوحنا الإنجيلي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24
هذا الإصحاح نرى فيه سقوط بابل عروس الشيطان وخرابها النهائي. والله يُظهِر هذا لشعبه حتى لا يشتركوا في خطاياها. وهذه الصورة رأيناها من قبل في سفر أشعياء "سَقَطَتْ، سَقَطَتْ بَابِلُ، وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِ آلِهَتِهَا ٱلْمَنْحُوتَةِ" (رؤ 1:13-22 ؛ 1:21-9؛ 1:47-15).
بل نجد أن الله يطلب من أولاده أن يخرجوا منها حتى يستطيع أن يضربها كما تستحق. وهذه الصورة رأيناها أيضًا في سفر إشعياء "اُخْرُجُوا مِنْ بَابِلَ، ٱهْرُبُوا مِنْ أَرْضِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ + اِعْتَزِلُوا، ٱعْتَزِلُوا. ٱخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. لَا تَمَسُّوا نَجِسًا. ٱخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا" (إش 20:48 + 11:52). وذلك كما أخرج الملاكان لوط وبنتيه ليحرقا سدوم وعمور" (تك 19: 12-25). وذلك كما أخرج الملاكان لوط وبنتيه ليحرقا سدوم وعمورة.
ولقد تم هذا حرفيًّا وخربت بابل بيد الفرس أولًا ثم صارت خرابا تمامًا وعاد شعب الرب منها ليعيش في أورشليم. ولكن من بقى في بابل ورفض العودة لأورشليم هلك عند خراب بابل.
وطلب الرب الآن لا أن نعتزل العالم ونحيا في الصحراء، بل أن نحيا في العالم، على أن لا نشترك في شر العالم، كقول السيد المسيح "لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير" (يو15:17) ومن يفعل ويعتزل الشر ينجو من الضربات الموجهة لأشرار العالم أي بابل.
آية 1 "ثُمَّ بَعْدَ هذَا رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ، لَهُ سُلْطَانٌ عَظِيمٌ. وَاسْتَنَارَتِ الأَرْضُ مِنْ بَهَائِهِ."
ثم بعد هذا = ما سبق ورآه يوحنا كان ضربات موجهة للأشرار، ولكننا هنا أمام خراب نهائي، لا تقوم بعده قائمة لبابل أي مملكة الشر في العالم.
له سلطان عظيم = فالسماء مصدر كل السلطات لذلك قال نازلا من السماء .
وإستنارت الأرض من قوته = فمقاصد الله كلها بهاء ونور وخير حتى لو كانت دمار للشر والأشرار، فهذا الخراب لبابل يعتبر تطهيرًا للكون. الأبرار سيرونه ملاك بشارة يفرحون لظهوره وتستنير وجوههم لاقتراب ظهور المسيح ليأخذهم معه. أما الأشرار فسيرونه ملاك دينونة لهم.
آيات 3،2 "وَصَرَخَ بِشِدَّةٍ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا: «سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ! وَصَارَتْ مَسْكَنًا لِشَيَاطِينَ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ، لأَنَّهُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا قَدْ شَرِبَ جَمِيعُ الأُمَمِ، وَمُلُوكُ الأَرْضِ زَنَوْا مَعَهَا، وَتُجَّارُ الأَرْضِ اسْتَغْنَوْا مِنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهَا»."
بصوت عظيم = إشارة لرعب الدينونة وتأكيدا للحسم الإلهي.
سقطت سقطت بابل = جاء الفعل سقطت في صيغة الماضي. وهو ما يسمى بالماضي النبوي، أي هذه هي طريقة الأنبياء في استخدام صيغة الماضي إشارة لحتمية سقوطها. وأيضًا التكرار سقطت سقطت يفيد نفس الشيء. ولذلك نفهم مما يأتي بعد ذلك أنها مازالت لم تسقط بدليل أنه في آية 4 يطلب الخروج منها. ونلاحظ أن بابل ستصير خرابا تمامًا وتسكنها الطيور النجسة التي تسكن الخرائب كالبوم والوطواط. وهذا رمز لأن الشياطين تسكن الإنسان الذي استعبد للخطية وصار خرابًا، كما سبق وقلنا عن الوحش وأن الشيطان قد تَلَبَّسَه وصار possessed [راجع تفسير (رؤ17: 11)] أي أن الشيطان يقوده كما يريد. وهذا ما سوف يحدث لمن يسير وراء الوحش أما الله فحين يسكن في إنسان فهو يحوله إلى هيكل حيّ.
مسكنا لشياطين = قد يقصد خطاة البشر، فقد قيل عن اليهود مجمع الشيطان (رؤ9:3) فالأشرار عبارة عن خرائب يسكنها الشياطين ويعيشون في خراب. عكس أولاد الله فهم هياكل حيَّة لله يحبون السكن في كنيسة الله، ولا يرتاحون سوى بجوار الله.
وخراب بابل إشارة لخرابها على الأرض وهلاك سكانها في الأبدية. ونلاحظ أن السبب الأساسي للخراب هو خطايا الزنا = خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا. والانغماس في الملذات = اسْتَغْنَوْا مِنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهَا. هؤلاء لم يكن يعنيهم سوى ملذاتهم وشهواتهم وعبادة المال. وظنوا أنهم حين يغترفوا من كل هذا فهم صاروا ملوكًا وأسماهم ملوك الأرض (راجع تفسير رؤ 17: 2) وأطلق على من يتاجر في هذه تُجَّارُ الأَرْضِ = التجارة ليست خطية لكن هؤلاء كانوا يتاجرون في الملذات ليسهلوا أمور الخطايا والنجاسة لملوك الأرض أو هم من اهتموا بالأمجاد العالمية والمال وتعظم المعيشة ونسوا أن هناك حياة أبدية مثل الغني الغبي. وكل هؤلاء نسوا أن هذا العالم باطل وله نهاية.
مَحْرَسًا= سجنًا أبديًا للأرواح النجسة ومكان أَسْرْ لها. هذه الأرواح النجسة خَرَّبَت بشرًا كثيرين. وخَرِبت الأرض بسبب الخطية التي نشرتها هذه الأرواح النجسة. فمن بعد سقوط آدم نسمع أن الأرض لعنت. وكانوا يجدون فرحهم في التخريب والدمار ونشر النجاسة. إذًا دعهم محبوسين في هذا الخراب الذي تسببوا فيه إلى الأبد، هم ومن تبعهم غير قادرين على الخروج من هذا الخراب وهذا الظلام. سكنت هذه الأرواح النجسة البشر الذين خربتهم الخطية، وسكنت أيضًا الأرض التي خربت بسبب الخطية.
أما الأبرار فهم في المجد الذي صار للمؤمنين (يو17: 5 ، 22 ، 24). والأبرار في الفرح والنور والمحبة إلى الأبد. النور هو نور المسيح "وَٱلْمَدِينَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى ٱلشَّمْسِ وَلَا إِلَى ٱلْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لِأَنَّ مَجْدَ ٱللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَٱلْخَرُوفُ سِرَاجُهَا" (رؤ21: 23). ولن تقدر هذه الأرواح النجسة ولا تابعوهم من الأشرار على دخول أورشليم السماوية، فهذه لا يدخلها شيء دنس "وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ وَلَا مَا يَصْنَعُ رَجِسًا وَكَذِبًا، إِلَّا ٱلْمَكْتُوبِينَ فِي سِفْرِ حَيَاةِ ٱلْخَرُوفِ" (رؤ21: 27). أما هذه الأرواح النجسة فهي محبوسة ومقيدة في الخراب الذي صنعوه وفيما قال عنه السيد المسيح الظلمة الخارجية "ٱلْعَبْدُ ٱلْبَطَّالُ ٱطْرَحُوهُ إِلَى ٱلظُّلْمَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلْأَسْنَانِ" (مت25: 30).
محرسًا = سجنًا للأرواح النجسة ومكان أسر لها.
ملوك الأرض= هم مَنْ تصوروا أنهم إمتلكوا كل ملذات الدنيا في أيديهم، وصاروا كملوك يتنعمون ويتلذذون بها.
تجار الأرض= هم مَنْ كانوا يبيعون ويتاجرون في هذه الملذات الخاطئة وإستغنوا من هذه التجارة.
آيات 5،4 "ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا آخَرَ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: «اخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي لِئَلاَّ تَشْتَرِكُوا فِي خَطَايَاهَا، وَلِئَلاَّ تَأْخُذُوا مِنْ ضَرَبَاتِهَا. لأَنَّ خَطَايَاهَا لَحِقَتِ السَّمَاءَ، وَتَذَكَّرَ اللهُ آثَامَهَا."
الخروج من بابل له تفسيران:-
1. الأول روحي:- الله يحذر شعبه حتى ينفصل عن شرور هذا العالم، وبالتالي لا يصاب من الضربات الموجهة للأشرار (بابل).
2. الثاني هو هروب فِعلي إلى البرية حيث تُعال الكنيسة مدة ظهور الوحش. ولكن متى نهرب وإلى أين؟ هذا لن نفهمه الآن بل في وقته. وهذا معنى قول السيد " متى نظرتم رجسة الخراب... اهربوا للجبال" (مت 15:24).
تذكر الله آثامها = ليس أنه كان ناسيا بل هو قرر مجازاتها.
لحقت السماء = خطاياهم زادت وارتفعت لدرجة أن الله ما عاد يصبر على هذا التحدي وهذه النجاسات.
آية 6 "جَازُوهَا كَمَا هِيَ أَيْضًا جَازَتْكُمْ، وَضَاعِفُوا لَهَا ضِعْفًا نَظِيرَ أَعْمَالِهَا. فِي الْكَأْسِ الَّتِي مَزَجَتْ فِيهَا امْزُجُوا لَهَا ضِعْفًا."
جازوها = بحسب التفسيرين السابقين، يصبح هناك تفسيرين لهذه أيضًا:-
1. برفض الكنيسة لشرور العالم ستكون دَيَّانة لهذا العالم وشاهدة عليه يوم الدين فهي لها نفس ظروف الأشرار وإمكانياتهم لكنها رفضت الشر وهم قبلوه وسقطوا.
2. حين تهرب الكنيسة للبرية مدة الـ1260 يومًا (رؤ6:12). يكون متاحا إنزال الغضب على بابل، كما أخرج الملاك لوط وعائلته ليتسنى له إحراق سدوم وعمورة. ولاحظ قول الملاك للوط "أَسْرِعِ ٱهْرُبْ إِلَى هُنَاكَ لِأَنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا حَتَّى تَجِيءَ إِلَى هُنَاكَ" (تك19: 22).
3. ونلاحظ أن الله سيجازي بابل ضعف ما أذاقت شعبه من آلام.
آيات 8،7 "بِقَدْرِ مَا مَجَّدَتْ نَفْسَهَا وَتَنَعَّمَتْ، بِقَدْرِ ذلِكَ أَعْطُوهَا عَذَابًا وَحُزْنًا. لأَنَّهَا تَقُولُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا جَالِسَةٌ مَلِكَةً، وَلَسْتُ أَرْمَلَةً، وَلَنْ أَرَى حَزَنًا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَتَأْتِي ضَرَبَاتُهَا: مَوْتٌ وَحُزْنٌ وَجُوعٌ، وَتَحْتَرِقُ بِالنَّارِ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ الَّذِي يَدِينُهَا قَوِيٌّ."
مجَّدت نفسها = سبب مجازاتها أنها طلبت مجدها الذاتي وملذاتها الخاطئة ولم تطلب مجد الله. وكيف نمجد الله؟ يقول الرب "لكي يرى الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت5: 16). وبابل كانت أعمالها شريرة تهين الله ولا تمجده.
طلبت النعيم الأرضي واللذة الزمنية ولم تبحث عن السعادة الأبدية. ولاحظ أن بابل تمجد نفسها، أما الكنيسة فيمجدها الله، بأن يحل في وسطها مجدا لها (زك5:2).
وَلَنْ أَرَى حَزَنًا
= هي لم تؤمن بكلام الكتاب المقدس أن هناك عذاب معد للأشرار، ولم تصدق أن هناك يوم للدينونة (2بط4،3:3) فما تناله هو ثمرة طبيعية لأعمالها، فهي نسيت أننا غرباء على الأرض وسيأتي يوم نترك فيه هذه الأرض. وهذه حيلة الشيطان الأساسية أنه يدعو النفس لأن تنسى أن لهذه الحياة نهاية وسيأتي يوما للحساب. ويدعو أيضًا النفس لأن تفكر في اللحظة الحاضرة، وكيف تستمتع بها (خطية الغني الغبي).أَنَا جَالِسَةٌ
= مستقرة لن يقدر أحد أن يحرمني مما أتمتع به.لَسْتُ أَرْمَلَةً
= لست حزينة فالأرامل حزانى وكان الرد على ذلك.... ستأتي ضرباتها موت وحزن. ما تشعر به هو ملذات العالم الحاضر، وقارن مع قول الرب يسوع "الآن عندكم حزن ولكن أراكم فتفرح قلوبكم..." (يو16: 22). فالعالم مملوء بالأحزان ولكن الفرح الحقيقي والعزاء الحقيقي هو من الله.
آيات 10،9 "«وَسَيَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَيْهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، الَّذِينَ زَنَوْا وَتَنَعَّمُوا مَعَهَا، حِينَمَا يَنْظُرُونَ دُخَانَ حَرِيقِهَا، وَاقِفِينَ مِنْ بَعِيدٍ لأَجْلِ خَوْفِ عَذَابِهَا، قَائِلِينَ: وَيْلٌ! وَيْلٌ! الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ بَابِلُ! الْمَدِينَةُ الْقَوِيَّةُ! لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ جَاءَتْ دَيْنُونَتُكِ."
سيبكي وينوح عليها ملوك الأرض = ويا ليتهم بكوا على خطاياهم. هؤلاء الذين كانوا يستمتعون بشهواتها وملذاتها سينوحون عليها إذ فقدوا السبب الوحيد والمصدر الوحيد للذاتهم.
واقفين من بعيد = إشارة إلى شدة ما أصابها ولفزع الواقفين مما حدث وربما يكون ما أشير له هنا هو صورة استعارية، إذ حينما تهلك بابل سيهلك معها سكانها، ولكن ربما يهلك مكان ويظل هناك بعض الأحياء من الأشرار، وينطبق هذا عليهم حرفيًا. وقارن فرحة الأشرار بهلاك النبيين وإرسالهم هدايا (رؤ 11) مع حزنهم على بابل.
آيات 11-14 "وَيَبْكِي تُجَّارُ الأَرْضِ وَيَنُوحُونَ عَلَيْهَا، لأَنَّ بَضَائِعَهُمْ لاَ يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ فِي مَا بَعْدُ، بَضَائِعَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَجَرِ الْكَرِيمِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْبَزِّ وَالأُرْجُوانِ وَالْحَرِيرِ وَالْقِرْمِزِ، وَكُلَّ عُودٍ ثِينِيٍّ، وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنَ الْعَاجِ، وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنْ أَثْمَنِ الْخَشَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْمَرْمَرِ، وَقِرْفَةً وَبَخُورًا وَطِيبًا وَلُبَانًا وَخَمْرًا وَزَيْتًا وَسَمِيذًا وَحِنْطَةً وَبَهَائِمَ وَغَنَمًا وَخَيْلًا، وَمَرْكَبَاتٍ، وَأَجْسَادًا، وَنُفُوسَ النَّاسِ. وَذَهَبَ عَنْكِ جَنَى شَهْوَةِ نَفْسِكِ، وَذَهَبَ عَنْكِ كُلُّ مَا هُوَ مُشْحِمٌ وَبَهِيٌّ، وَلَنْ تَجِدِيهِ فِي مَا بَعْدُ."
الله خلق العالم لنحيا بما على الأرض، ليكون وسيلة حياة وليس هدفا في حد ذاته. ونجد العالم الآن وقد صار هدفا، ويريد الناس أن يكتنزوا ما أمكنهم من كل ما فيه من أموال وخيرات. الناس الآن يطلبون ما يسمى تعظم المعيشة (1يو16:2) أما بولس الرسول فيقول "إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما" (1تى8:6). ويقول "أن محبة المال أصل لكل الشرور" (1تى10:6). ونلاحظ أن يوحنا أورد قائمة بما يتاجر به الناس في هذا العالم، أو ما يشغلهم أو ما هم مهتمين بالحصول عليه.
ذهب وفضة... القرمز = هذه تستعمل في الزينة (واستعملته المرأة الزانية رؤ4:17)
عود ثيني... المرمر = هذا لزينة البيوت الفاخرة والأثاثات الفاخرة.
قرفة.... ولبانا = هذه للروائح العطرة.
خمر وزيت... وغنم = هذه عن المأكولات الفخمة.
خيلا ومركبات = هذه للعظمة والخيلاء (هذه كالسيارات الآن).
وأجسادا = هي تجارة الجنس واللذة المحرمة.
ونفوس = هي تجارة الهراطقة الذين يغوون البسطاء ليتركوا إيمانهم الصحيح وكنيستهم.
وكون أن الأجساد والنفوس أتت في آخر القائمة فهذا يعني أنها أصبحت في ذلك الزمان أرخص شيء.
ومعنى هذه القائمة أن الناس ما عادت تهتم سوى بأن تأكل أفخر شيء وتلبس أفخم شيء وتتزين وتزين بيوتها، تهتم بالموضة وبالجنس. وهؤلاء ماذا سيعملون حينما يخرب هذا العالم، وتبطل هذه التجارة = بضائعهم لا يشتريها أحد. فملوك الأرض هم من يسعوا لامتلاك كل هذا وتجار الأرض هم من يتاجروا بهذه الأشياء. وكلاهما ملوك الأرض وتجار الأرض كان كل همهم مكسبهم وأموالهم، كانوا يسعون وراء محبة الفضة ناسين الله تمامًا، فصارت أموالهم إلههم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). صار العالم هدفا وليس وسيلة. وحينما تخرب بابل لن يجد كل هؤلاء سوى الندم = ويبكي كل تجار الأرض. ونجد أن حجي النبي أشار لمثل هذا حينما قال "هل الوقت لكم أن تسكنوا في بيوتكم المغشاة وهذا البيت (بيت الرب) خراب حج 4:1 " وهذا يعني بالنسبة لحجي النبي أن هؤلاء الناس اهتموا بزينة بيوتهم وتركوا هيكل الرب خرابا ولم يهتموا ببنائه.
كل عود يثنى = هناك احتمالين أو رأيين أن هذا خشب من نوع قَيِّم كالأبنوس والصندل أو أنه خشب حينما يحترق تنتج عنه رائحة طيبة.
ولنفهم أن الأكل والتجارة في هذه المأكولات ليست خطية، ولكن من كانت ألهتهم بطونهم، لا يسعون سوى للأكل باحثين عن أطيب وأفخم المأكولات،هؤلاء سيبكون إذ يذهب عنهم هذا (رو18:16؛ فى19:3) أما بولس الرسول فعلمنا أن نحيا هكذا "تعلمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيه، أعرف أن أتضع وأعرف أيضًا أن أستفضل.. تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص" (فى12،11:4).
في اليوم الأخير لن ينفع إلا ما كنزناه من كنوز في السماء، فلن يكون بعد إشباع للذات ولا للبطن ولا للأبهة والأمجاد الزمنية. ولمن اكتفى بمثل تجارة العالم هذه، أين سيذهب؟؟ هو يبكي إذ ذهب عنه كل ما هو مشحم وبهي = أي كل ما ظنه مشحم وبهي. أما أولاد الله فلا يشبعهم سوى التلذذ بالروحيات، لا يشبعهم سوى الله. وسوف يجدون الله مصدر فرحهم في السماء، أما من لم يتذوق السمائيات في حياته على الأرض فسيبكي وينوح حين تخرب الأرض بما فيها.
آيات 16،15 "تُجَّارُ هذِهِ الأَشْيَاءِ الَّذِينَ اسْتَغْنَوْا مِنْهَا، سَيَقِفُونَ مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ أَجْلِ خَوْفِ عَذَابِهَا، يَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ، وَيَقُولُونَ: وَيْلٌ! وَيْلٌ! الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ الْمُتَسَرْبِلَةُ بِبَزّ وَأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَالْمُتَحَلِّيَةُ بِذَهَبٍ وَحَجَرٍ كَرِيمٍ وَلُؤْلُؤٍ!"
الأشرار هنا يتأملون في حبيبتهم بابل التي خربت ويندمون على جمالها السابق الذي خرب. ينوحون بلا رجاء وبلا أمل.
آيات 18،17 "لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ خَرِبَ غِنىً مِثْلُ هذَا. وَكُلُّ رُبَّانٍ، وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ فِي السُّفُنِ، وَالْمَلاَحُونَ وَجَمِيعُ عُمَّالِ الْبَحْرِ، وَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ، وَصَرَخُوا إِذْ نَظَرُوا دُخَانَ حَرِيقِهَا، قَائِلِينَ: أَيَّةُ مَدِينَةٍ مِثْلُ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ؟"
وكل ربان وكل الجماعة في السفن والملاحون = إذا كان العالم هو البحر، فالربان وكل الملاحون وجميع عمال البحر هم الذين يساعدون في عملية التجارة. والمعنى أن كل من ساعد على الشر سيندم في هذا اليوم حين تحترق بابل.
آية 19 "وَأَلْقَوْا تُرَابًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَصَرَخُوا بَاكِينَ وَنَائِحِينَ قَائِلِينَ: وَيْلٌ! وَيْلٌ! الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، الَّتِي فِيهَا اسْتَغْنَى جَمِيعُ الَّذِينَ لَهُمْ سُفُنٌ فِي الْبَحْرِ مِنْ نَفَائِسِهَا! لأَنَّهَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ خَرِبَتْ!"
الْبَحْرِ هو العالم والبحارة هم جماعة الوسطاء الذين يساعدون الناس على شرهم، وهؤلاء سيبكون على ما كانوا يحسبونه مصدر غناهم وسعادتهم فصار لهم موضوع شقاء وهلاك وضيق وندم بلا فائدة. مشكلة هؤلاء أن مصدر فرحهم الوحيد هو خطايا وملذات وشرور بابل، وتصوروا أنه طالما خربت بابل فليس لهم فرح بعد ذلك فهم لم يتذوقوا ولا عرفوا معنى التعزيات السماوية.
وَأَلْقَوْا تُرَابًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ= هذه كانت من علامات الحزن الشديد، والحزن على ميت (يش7: 6 + حز27: 30 إر2: 10 + 1صم4: 12).
آية 20 "اِفْرَحِي لَهَا أَيَّتُهَا السَّمَاءُ وَالرُّسُلُ الْقِدِّيسُونَ وَالأَنْبِيَاءُ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَانَهَا دَيْنُونَتَكُمْ»."
افرحي لها أيتها السماء = لقد اشتهى السمائيون وطلبوا أن تأتي هذه الساعة ليتمجد الله ويظهر عدله (رؤ 6: 9، 10). والرسل القديسون والأنبياء = الذين طالما تنبأوا وانذروا بهذا الخراب، وها قد ثبت صدق نبواتهم. وظهر عدل وصدق وقداسة الله الرافض للشر.
قد دانها دينونتكم = بقدر ما عذبتكم يا أولاد الله بقدر ما سيدينها الله.
آية 21 "وَرَفَعَ مَلاَكٌ وَاحِدٌ قَوِيٌّ حَجَرًا كَرَحىً عَظِيمَةٍ، وَرَمَاهُ فِي الْبَحْرِ قَائِلًا: «هكَذَا بِدَفْعٍ سَتُرْمَى بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، وَلَنْ تُوجَدَ فِي مَا بَعْدُ."
عمل رمزي يشير لأن سقوط بابل سيكون بدفعة واحدة، وهذا العمل الرمزي قام به إرميا من قبل (أر64،63:51).
آيات 22-24 "وَصَوْتُ الضَّارِبِينَ بِالْقِيثَارَةِ وَالْمُغَنِّينَ وَالْمُزَمِّرِينَ وَالنَّافِخِينَ بِالْبُوقِ، لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَكُلُّ صَانِعٍ صِنَاعَةً لَنْ يُوجَدَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَصَوْتُ رَحىً لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَنُورُ سِرَاجٍ لَنْ يُضِيءَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَصَوْتُ عَرِيسٍ وَعَرُوسٍ لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. لأَنَّ تُجَّارَكِ كَانُوا عُظَمَاءَ الأَرْضِ. إِذْ بِسِحْرِكِ ضَلَّتْ جَمِيعُ الأُمَمِ. وَفِيهَا وُجِدَ دَمُ أَنْبِيَاءَ وَقِدِّيسِينَ، وَجَمِيعِ مَنْ قُتِلَ عَلَى الأَرْضِ»."
صورة للخراب التام. إذ سيختفي صوت اللهو بل صوت الصناعات، بل الحياة عمومًا، فلا حياة بدون خبز = صوت رحى لن يسمع فيك فيما بعد.
وتصير في ظلمة تامة = نور سراج لن يضيء فيك فيما بعد. وقارن هذا بما ستكون عليه أورشليم السمائية أي الكنيسة المنتصرة في السماء، فهي كعروس مزينة لرجلها، والله يسكن معهم، وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، بلا حزن وبلا وجع (رؤ2:21-4) بل لن يحتاجوا إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم (رؤ5:22). والسبب أنها أضلت كثيرين = بسحرك ضلت جميع الأمم. وطالما استشهد فيها قديسين = فيها وجد دم أنبياء وقديسين.
ملحوظة:
قارن آية 9 مع آية 20؛ فخراب الشر في العالم هو سبب لحزن الأشرار الذين كانوا يتمتعون بالخطية فيه، وهو في نفس الوقت فرح للسمائيين لأن عدل الله وقداسته يظهران في خراب بابل الزانية العظيمة.
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرؤيا 19 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الرؤيا 17 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/kts8t2y