← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49
أتى بعض الشيوخ للنبي ليسألوه. والله يظهر لهم إستياءه منهم، ويظهر لهم تاريخ معاملاته الكريمة معهم، وأيضًا خياناتهم المستمرة، ويعلن لهم أحكامه ضدهم ومراحمه التي يختزنها للبقية وأنه سوف يعيدهم لأرضهم.
الآيات 1-4:- "وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ، أَنَّ أُنَاسًا مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ جَاءُوا لِيَسْأَلُوا الرَّبَّ، فَجَلَسُوا أَمَامِي. فَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: «يَا ابْنَ آدَمَ، كَلِّمْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ أَنْتُمْ آتُونَ لِتَسْأَلُونِي؟ حَيٌّ أَنَا، لاَ أُسْأَلُ مِنْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. هَلْ تَدِينُهُمْ؟ هَلْ تَدِينُ يَا ابْنَ آدَمَ؟ عَرِّفْهُمْ رَجَاسَاتِ آبَائِهِمْ،"
لاحظ اهتمام النبي بذكر التواريخ، وهكذا كان كل من آمن بالله من هذا الشعب، فهم يعرفون من نبوات إرميا أن مدة السبي محددة بسبعين سنة، وكأن الشعب المؤمن يحسب الأيام ليعود إلى أورشليم. حيٌ أنا لا أسأل منكم = وماذا كان سؤالهم؟ هم كانوا يسألون.. ما دمنا وسط البابليين الوثنيين وليس لدينا هيكل نعبد فيه الله، وحتى نحظى برضا سادتنا البابليين، فلماذا لا نعبد الهتهم (آية 32). ومع هذه الطبيعة المتمردة لا يجيب الله. فالله لن يجيب إلا إذا قدموا توبة عن هذه الخطايا. أما مظاهر التقوى الجالسين بها أمام الله، فهي لا تنطلي على الله الذي يعرف خبايا قلوبهم وقد كشفها للنبي. هل تدينهم. هل تدين يا ابن آدم = أنت الآن كنبي ولقد كشفت لك ما في قلوبهم فلا تدافع عنهم كشفيع، بل اعلن الأحكام عليهم، وهذه الأحكام ليس فقط عن خطاياهم بل اكشف لهم أيضًا عن خطايا آبائهم التي أغاظت الله ولذلك فالله سوف يقطعهم. ابن آدم = هنا نفهم معنى قول الله له يا ابن آدم. فهو كبشر وإبن آدم له نفس الظروف التي تجري على الشعب، فالكل أولاد آدم. ولكنه استطاع بالرغم من ضعفه البشري أن يسلك باستقامة. وإستقامته هذه تكون سبب دينونة لبقية الشعب، إذ ليس لهم عذر (رو 1: 20 + 2: 1) لذلك فحين يعلن حزقيال أحكام الدينونة يعلنها ضد الشعب كمن هو ابن آدم مثلهم، وهذا معنى أننا سندين العالم (1كو 6: 2، 3).
الآيات 5-9:- "وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي يَوْمِ اخْتَرْتُ إِسْرَائِيلَ وَرَفَعْتُ يَدِي لِنَسْلِ بَيْتِ يَعْقُوبَ، وَعَرَّفْتُهُمْ نَفْسِي فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَرَفَعْتُ لَهُمْ يَدِي قَائِلًا: أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ رَفَعْتُ لَهُمْ يَدِي لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسْتُهَا لَهُمْ، تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، هِيَ فَخْرُ كُلِّ الأَرَاضِي، وَقُلْتُ لَهُمُ: اطْرَحُوا كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ أَرْجَاسَ عَيْنَيْهِ، وَلاَ تَتَنَجَّسُوا بِأَصْنَامِ مِصْرَ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. فَتَمَرَّدُوا عَلَيَّ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَسْمَعُوا لِي، وَلَمْ يَطْرَحِ الإِنْسَانُ مِنْهُمْ أَرْجَاسَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَتْرُكُوا أَصْنَامَ مِصْرَ. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ لأُتِمَّ عَلَيْهِمْ سَخَطِي فِي وَسْطِ أَرْضِ مِصْرَ. لكِنْ صَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ هُمْ فِي وَسْطِهِمِ، الَّذِينَ عَرَّفْتُهُمْ نَفْسِي أَمَامَ عُيُونِهِمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ."
هنا كشف الله سر عبوديتهم في مصر، وذلك أن أصنام مصر كانت ترعَى في قلوبهم. إذًا السبب في آلامهم في أرض مصر لم يكن هو قساوة قلب فرعون، إنما الخطية الرابضة داخلهم وانحراف قلبهم وفي نفس الوقت كان الله يعد لهم أرض كنعان. ومع هذا لم يسخط عليهم بل أخرجهم بقوة من أرض مصر. بل هم في أرض مصر لم يسألوا عن الله، بل هو الذي أعلن ذاته لأجلهم، فالله هو الذي يلاحقنا بإحساناته وإعلاناته. ورفعت لهم يدي = كأنه يقسم أن يخرجهم. ولم يطلب منهم شيئًا سوى أن يتخلوا عن رجاساتهم. وهم كانوا يستحقون أن يسكب الله رجزه عليهم (إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ)، ولكنه حتى يتقدس اسمه ويتمجد وسط المصريين لم يصنع هذا الشر بهم، حتى لا يقول المصريين أن الله بدد شعبه أو أنه لم يقدر أن يحافظ على شعبه. ولذلك السبب فنحن مطمئنين على الكنيسة فالله لن يهملها لأجل مجد اسمه.
الآيات من 10-26:- "فَأَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. وَأَعْطَيْتُهُمْ فَرَائِضِي وَعَرَّفْتُهُمْ أَحْكَامِي الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا. وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا سُبُوتِي لِتَكُونَ عَلاَمَةً بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لِيَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُهُمْ. «فَتَمَرَّدَ عَلَيَّ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي الْبَرِّيَّةِ. لَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَرَفَضُوا أَحْكَامِي الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي كَثِيرًا. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ لإِفْنَائِهِمْ. لكِنْ صَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ. وَرَفَعْتُ أَيْضًا يَدِي لَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ بِأَنِّي لاَ آتِي بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، هِيَ فَخْرُ كُلِّ الأَرَاضِي. لأَنَّهُمْ رَفَضُوا أَحْكَامِي وَلَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي، بَلْ نَجَّسُوا سُبُوتِي، لأَنَّ قَلْبَهُمْ ذَهَبَ وَرَاءَ أَصْنَامِهِمْ. لكِنَّ عَيْنِي أَشْفَقَتْ عَلَيْهِمْ عَنْ إِهْلاَكِهِمْ، فَلَمْ أُفْنِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. وَقُلْتُ لأَبْنَائِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ: لاَ تَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِ آبَائِكُمْ، وَلاَ تَحْفَظُوا أَحْكَامَهُمْ، وَلاَ تَتَنَجَّسُوا بِأَصْنَامِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ، فَاسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَاحْفَظُوا أَحْكَامِي وَاعْمَلُوا بِهَا، وَقَدِّسُوا سُبُوتِي فَتَكُونَ عَلاَمَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، لِتَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. فَتَمَرَّدَ الأَبْنَاءُ عَلَيَّ. لَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَلَمْ يَحْفَظُوا أَحْكَامِي لِيَعْمَلُوهَا، الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ لأُتِمَّ سَخَطِي عَلَيْهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. ثُمَّ كَفَفْتُ يَدِي وَصَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ. وَرَفَعْتُ أَيْضًا يَدِي لَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ لأُفَرِّقَهُمْ فِي الأُمَمِ وَأُذَرِّيَهُمْ فِي الأَرَاضِي، لأَنَّهُمْ لَمْ يَصْنَعُوا أَحْكَامِي، بَلْ رَفَضُوا فَرَائِضِي، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي، وَكَانَتْ عُيُونُهُمْ وَرَاءَ أَصْنَامِ آبَائِهِمْ. وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا فَرَائِضَ غَيْرَ صَالِحَةٍ، وَأَحْكَامًا لاَ يَحْيَوْنَ بِهَا، وَنَجَّسْتُهُمْ بِعَطَايَاهُمْ إِذْ أَجَازُوا فِي النَّارِ كُلَّ فَاتِحِ رَحْمٍ، لأُبِيدَهُمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ."
يكشف الرب هنا عن تمردهم عليه في البرية، ومن محبته لم يذكر كل ما عمله لهم (مَنّ / سَلْوَى / ماء من الصخرة / شق البحر وشق الأردن / هزيمة كل أعدائهم...) ولكن ركز الله على أمرين: 1) الوصية؛ 2) السبت. واعتبر الله أن هذين الاثنين هما أفضل عطاياه لهم (آيات 11، 12). فالوصية (فَرَائِضِي وَ.. أَحْكَامِي) هي علامة حب الله لنا، حتى لا يسير الإنسان حسب طبيعته المنحرفة فيهلك ويعيش حزينًا. الله قدم للإنسان الحرية، ولكنه وهبه الوصية حتى يضبط بها نفسه بهدوء فلا يهلك. كان الإنسان في الجنة لا يعرف الخير والشر وكانت الجنة اسمها جنة عدن أي الفرح إشارة للفرح الذي تمتع به آدم في الجنة قبل أن يسقط، والله قال له لا تفعل كذا حتى لا تخرج منها، لأن الله يعرف الطبيعة الإنسانية، وهي حين تتذوق الشر تشتهيه، وينقلب الفرح إلى حزن. ولما خرج الإنسان من الجنة، أعطاه الله الوصايا التي بها يستطيع أن يحيا نسبيًا في فرح (كان آدم في الجنة كمريض بالإيدز وقد وضعوه في غرفة معقمة، وقالوا له لا تخرج منها وإلا تموت بسبب الأمراض المنتشرة، فلما خرج أعطوه وصايا تطيل عمره مثل لا تأكل دون أن تغسل ما تأكله، لا تخالط المرضى... وإلا تموت) لذلك كانت الوصية هي لضمان حياة سعيدة على الأرض.
أما السبوت (سُبُوتِي) ففيها عبادة وامتناع عن العمل لنذكر الله، فهي إذًا لتقديس الإنسان، وهي تشير للمسيح الذي قدم الفداء في اليوم السابع، فهو استراح بخلاصنا. ونحن حصلنا على الراحة فيه فكلمة سبت تعني راحة. والمسيح فهو سر راحتنا وتقديسنا. فالسبت إذًا فيه انعزال عن العالم، بلا انشغال بأموره واتصال بالله سر راحتنا، وفي اتصالنا بالله في عبادة السبت نذكر انتمائنا للسماء وغربتنا في هذا العالم، فتزيد اشتياقاتنا للسماء وبهذا تكون لنا أبدية سعيدة إذا حفظنا السبوت.
وهم لم يطيعوا الوصية ونجسوا السبت. وكانوا يستحقون أن يسكب الله رجزه عليهم، لكن الله امتنع من أجل أن الأمم أيضًا لا يقولوا أن الله لم يستطع حماية شعبه. ولنلاحظ أن الله الذي يعطي بسخاء ولا يعير، هو لا يعيرهم هنا بإحساناته، بل يستعرضها لهم ليعرفوا كم كانوا ناكرين للجميل. فهو حررهم من عبودية مصر، ولكن هذه العبودية يبدو أنها عاشت فيهم فاشتهوا العودة لمصر، الله بهذا يثير فيهم مشاعر الحب والتصالح معه ليعودوا إليه فيتحرروا، لكنه لا يعيرهم. وهم احتقروا الوصية، مع أن من ينفذها أو من يعمل بها يحيا، ويجد تعزيات كثيرة في طاعتها. والنتيجة المؤلمة للعبودية الساكنة فيهم أن الله رفع يده ثانية لا ليقسم لهم بأن يحفظهم بل رفع يده ضدهم بأن = لا آتي بهم إلى الأرض = ومات هذا الجيل فعلًا، أما أولادهم فهم الذين دخلوا. فأرض كنعان لا يدخلها سوى من تخلص من عبودية إبليس. ولكن للأسف فإن جيل الأبناء هو أيضًا قد ثار ضد الله = فَتَمَرَّدَ الأَبْنَاءُ عَلَيَّ. فكانت خطية آبائهم العجل الذهبي، وخطية الأبناء بعل فغور، وانتشر الوبأ في المحلة وهؤلاء أَعْطَيْتُهُمْ.. فَرَائِضَ غَيْرَ صَالِحَةٍ = هذه تساوي (أسلمهم الله لذهن مرفوض رو 1: 24، 26) وأسلمهم الله لشهوات قلوبهم (مز 71: 12). فحين يترك الله إنسان لنفسه سيخرب نفسه، وهم حين اندفعوا في العبادات الوثنية قدموا أبنائهم ذبائح. فالله لا يسمح بالخطية بل هو يجعل الخطية هي عقوبة الخاطئ، فالخطية عقوبتها في نفسها. وأحكامًا لا يحيون بها = مثل الحيات المحرقة والوباء، وشق الأرض لتبلع الناس.
الآيات 27-32:- "«لأَجْلِ ذلِكَ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ يَا ابْنَ آدَمَ، وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي هذَا أَيْضًا جَدَّفَ عَلَيَّ آبَاؤُكُمْ، إِذْ خَانُونِي خِيَانَةً لَمَّا أَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي رَفَعْتُ لَهُمْ يَدِي لأُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، فَرَأَوْا كُلَّ تَلّ عَال وَكُلَّ شَجَرَةٍ غَبْيَاءَ، فَذَبَحُوا هُنَاكَ ذَبَائِحَهُمْ، وَقَرَّبُوا هُنَاكَ قَرَابِينَهُمُ الْمُغِيظَةَ، وَقَدَّمُوا هُنَاكَ رَوَائِحَ سُرُورِهِمْ، وَسَكَبُوا هُنَاكَ سَكَائِبَهُمْ. فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا هذِهِ الْمُرْتَفَعَةُ الَّتِي تَأْتُونَ إِلَيْهَا؟ فَدُعِيَ اسْمُهَا «مُرْتَفَعَةً» إِلَى هذَا الْيَوْمِ. «لِذلِكَ قُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ تَنَجَّسْتُمْ بِطَرِيقِ آبَائِكُمْ، وَزَنَيْتُمْ وَرَاءَ أَرْجَاسِهِمْ؟ وَبِتَقْدِيمِ عَطَايَاكُمْ وَإِجَازَةِ أَبْنَائِكُمْ فِي النَّارِ، تَتَنَجَّسُونَ بِكُلِّ أَصْنَامِكُمْ إِلَى الْيَوْمِ. فَهَلْ أُسْأَلُ مِنْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، لاَ أُسْأَلُ مِنْكُمْ. وَالَّذِي يَخْطُرُ بِبَالِكُمْ لَنْ يَكُونَ، إِذْ تَقُولُونَ: نَكُونُ كَالأُمَمِ، كَقَبَائِلِ الأَرَاضِي فَنَعْبُدُ الْخَشَبَ وَالْحَجَرَ."
حتى بعد أن دخلوا لأرض الميعاد لم يتركوا عنهم عباداتهم الوثنية، وصنعوا لأصنامهم مذابح على المرتفعات. بل شيوخهم أتوا ليسألوا هل نعبد آلهة بابل. ولذلك يقول الرب: فَهَلْ أُسْأَلُ مِنْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟
يَا مَنْ جَدَّفَ عَلَيَّ آبَاؤُكُمْ = أي حينما أعتبروا أحكامي بلا معنى أو أنها لا تستحق الاعتبار. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهم الآن لا يكرمون الله فهم يتصورون أن يعبدوا أوثان بابل ليسترضوا سادتهم ولكن يعبدون الله في الخفاء. فطريقهم ملتوي. ولنلاحظ أن مَنْ لا يعطي قلبه بإخلاص لله، أو لا يعطيه كل القلب، فهو لن يجني أي فرح من علاقته بالله، بل أن حتى الأمم سيرفضونهم.
الآيات 33-44:- "حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَبِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَبِسَخَطٍ مَسْكُوبٍ أَمْلِكُ عَلَيْكُمْ. وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَبِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَبِسَخَطٍ مَسْكُوبٍ. وَآتِي بِكُمْ إِلَى بَرِّيَّةِ الشُّعُوبِ، وَأُحَاكِمُكُمْ هُنَاكَ وَجْهًا لِوَجْهٍ. كَمَا حَاكَمْتُ آبَاءَكُمْ فِي بَرِّيَّةِ أَرْضِ مِصْرَ، كَذلِكَ أُحَاكِمُكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأُمِرُّكُمْ تَحْتَ الْعَصَا، وَأُدْخِلُكُمْ فِي رِبَاطِ الْعَهْدِ. وَأَعْزِلُ مِنْكُمُ الْمُتَمَرِّدِينَ وَالْعُصَاةَ عَلَيَّ. أُخْرِجُهُمْ مِنْ أَرْضِ غُرْبَتِهِمْ وَلاَ يَدْخُلُونَ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. «أَمَّا أَنْتُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: اذْهَبُوا اعْبُدُوا كُلُّ إِنْسَانٍ أَصْنَامَهُ. وَبَعْدُ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي فَلاَ تُنَجِّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ بَعْدُ بِعَطَايَاكُمْ وَبِأَصْنَامِكُمْ. لأَنَّهُ فِي جَبَلِ قُدْسِي، فِي جَبَلِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، هُنَاكَ يَعْبُدُنِي كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، كُلُّهُمْ فِي الأَرْضِ. هُنَاكَ أَرْضَى عَنْهُمْ، وَهُنَاكَ أَطْلُبُ تَقْدِمَاتِكُمْ وَبَاكُورَاتِ جِزَاكُمْ مَعَ جَمِيعِ مُقَدَّسَاتِكُمْ. بِرَائِحَةِ سُرُورِكُمْ أَرْضَى عَنْكُمْ، حِينَ أُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا، وَأَتَقَدَّسُ فِيكُمْ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، حِينَ آتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، إِلَى الأَرْضِ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي لأُعْطِي آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا. وَهُنَاكَ تَذْكُرُونَ طُرُقَكُمْ وَكُلَّ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي تَنَجَّسْتُمْ بِهَا، وَتَمْقُتُونَ أَنْفُسَكُمْ لِجَمِيعِ الشُّرُورِ الَّتِي فَعَلْتُمْ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِذَا فَعَلْتُ بِكُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. لاَ كَطُرُقِكُمُ الشِّرِّيرَةِ، وَلاَ كَأَعْمَالِكُمُ الْفَاسِدَةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ»."
معنى هذه الآيات أن الله سيؤدبهم بيد قوية لا لينتقم بل ليدخل بهم إلى عهد جديد بعد أن يحاكمهم (أُحَاكِمُكُمْ) (أي يجري عليهم أحكام تأديبية).
فِي بَرِّيَّةِ الشُّعُوبِ = أي بابل. ويعطيهم بعد ذلك صورة فيها رجاء بعد عودتهم من السبي وإصلاح طبيعتهم الفاسدة. وهو خلاص مجاني لا استحقاق لهم فيه. هم كانوا يعشمون أنفسهم بصلح بين أورشليم وبابل وعبادة مشتركة تجئ بالخير عليهم، ولكن الله قال أبدًا، بل ستضربهم بابل وتخربهم. ويبدأ الله كلامه بِقَسَم حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ.. الرَّبُّ = as I live لتشديد على أنه سيصنع ما يقول. وكما حاكم آباءهم وأفناهم في برية سيناء سيكرر نفس الشيء في برية بابل. وأمركم تحت العصا = تكون لهم بابل كعصا الراعي، فالراعي يضع عصاه ليمر منها القطيع، فيعزل من هو ليس من القطيع، وبابل ستبيد الأشرار ولكن تأديب بابل التي هي كالعصا سيكون تطهيرًا للأبرار
اذْهَبُوا اعْبُدُوا كُلُّ إِنْسَانٍ أَصْنَامَهُ = اذهبوا أعبدوا كل واحد أصنامه: هذه تساوي تمامًا قول إيليا [أن كان الله هو الله فاعبدوه وإن كان البعل هو الله فاعبدوه ولا تعرجوا بين الفرقتين] (1 مل 18: 21). فَلاَ تُنَجِّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ.. بِعَطَايَاكُمْ = أي لن أقبل عطاياكم وسأفرزكم طالما قلبكم مع أصنامكم. وفي (الآيات 40-44) نبوة بعودتهم لأرضهم بعد تطهيرهم وامتناعهم عن عبادة الأوثان. تمقتون أنفسكم = هذه هي علامة التوبة الحقيقية.
فالتوبة الحقيقية تفتح العين " طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله " فترى العين المسيح في نقائه وترى القلب في نجاسته فتصرخ مع بولس الرسول " الخطاة الذين أولهم أنا " (إر17: 9 + 1تي 1: 15) . مثل هذه العين لا تنشغل سوى بالمسيح ولا تقارن نفسها بالآخرين.
باكورات جِزاكم ((آية 40) = كلمة جِزاكم = جاءت في ترجمات كثيرة تقدماتكم، وهي تعني باكورات الخيرات التي أفاض الله عليكم بها كمكافأة على أعمال برهم.
الآيات 45-49:- "وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ التَّيْمَنِ، وَتَكَلَّمْ نَحْوَ الْجَنُوبِ، وَتَنَبَّأْ عَلَى وَعْرِ الْحَقْلِ فِي الْجَنُوبِ، وَقُلْ لِوَعْرِ الْجَنُوبِ: اسْمَعْ كَلاَمَ الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُضْرِمُ فِيكَ نَارًا فَتَأْكُلُ كُلَّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ فِيكَ وَكُلَّ شَجَرَةٍ يَابِسَةٍ. لاَ يُطْفَأُ لَهِيبُهَا الْمُلْتَهِبُ، وَتُحْرَقُ بِهَا كُلُّ الْوُجُوهِ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشِّمَالِ. فَيَرَى كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ أَضْرَمْتُهَا. لاَ تُطْفَأُ». فَقُلْتُ: «آهِ يَا سَيِّدُ الرَّبُّ! هُمْ يَقُولُونَ: أَمَا يُمَثِّلُ هُوَ أَمْثَالًا؟»"
التيمن = أي الجنوب إشارة لأرض فلسطين. فالنبي الآن في بابل، وبابل شمال يهوذا. عمومًا كان يقال على بابل أنها شمال فلسطين فطريق القوافل كان يجتاز الفرات ثم يتجه إلى الجنوب عبر سوريا. ورأينا فيما سبق أن هناك رجاء في العودة، لكن لا بُد من التأديب الذي سيبدأ من التيمن. وهو الحريق الذي سيشعله ملك بابل. وكون أن النبي يوجه نفسه للجنوب، فهذا معناه إصرار الله على التأديب، وسيحترق كل الشجر: وَعْرِ الْحَقْلِ (شجر الوعر) = وهذا بلا ثمر = الشجر اليابس (شَجَرَةٍ يَابِسَةٍ). وهذا إشارة للأشرار الذين لا رجاء في إصلاحهم، فحريقهم هو للهلاك. أما الشجر الأخضر (شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ) فهو إشارة لمن فيهم رجاء، وهؤلاء حريقهم للتطهير. والكلام واضح جدًا ولكن اليهود لعماهم قالوا هذا مجرد مَثَل (أَمَا يُمَثِّلُ هُوَ أَمْثَالً).
← تفاسير أصحاحات حزقيال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير حزقيال 21 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير حزقيال 19 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2jymhp9