← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27
هذا الإصحاح إعداد النبي لمهمته التي دعاه الله إليها، وذلك بأكله الدَّرَج (الكتاب) وبعض التعليمات الجديدة، وتشجيعه بإعطائه دفعة قوية حملته لمن أرسله الله لهم.
الآيات 1-15:- "فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، كُلْ مَا تَجِدُهُ. كُلْ هذَا الدَّرْجَ، وَاذْهَبْ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ». فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي ذلِكَ الدَّرْجَ. وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَامْلأْ جَوْفَكَ مِنْ هذَا الدَّرْجِ الَّذِي أَنَا مُعْطِيكَهُ». فَأَكَلْتُهُ فَصَارَ فِي فَمِي كَالْعَسَلِ حَلاَوَةً. فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، اذْهَبِ امْضِ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكَلِّمْهُمْ بِكَلاَمِي. لأَنَّكَ غَيْرُ مُرْسَل إِلَى شَعْبٍ غَامِضِ اللُّغَةِ وَثَقِيلِ اللِّسَانِ، بَلْ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. لاَ إِلَى شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ غَامِضَةِ اللُّغَةِ وَثَقِيلَةِ اللِّسَانِ لَسْتَ تَفْهَمُ كَلاَمَهُمْ. فَلَوْ أَرْسَلْتُكَ إِلَى هؤُلاَءِ لَسَمِعُوا لَكَ. لكِنَّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَسْمَعَ لَكَ، لأَنَّهُمْ لاَ يَشَاؤُونَ أَنْ يَسْمَعُوا لِي. لأَنَّ كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ صِلاَبُ الْجِبَاهِ وَقُسَاةُ الْقُلُوبِ. هأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ وَجْهَكَ صُلْبًا مِثْلَ وُجُوهِهِمْ، وَجَبْهَتَكَ صُلْبَةً مِثْلَ جِبَاهِهِمْ، قَدْ جَعَلْتُ جَبْهَتَكَ كَالْمَاسِ أَصْلَبَ مِنَ الصَّوَّانِ، فَلاَ تَخَفْهُمْ وَلاَ تَرْتَعِبْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ». وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، كُلُّ الْكَلاَمِ الَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ، أَوْعِهِ فِي قَلْبِكَ وَاسْمَعْهُ بِأُذُنَيْكَ. وَامْضِ اذْهَبْ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ، إِلَى بَنِي شَعْبِكَ، وَكَلِّمْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا». ثُمَّ حَمَلَنِي رُوحٌ، فَسَمِعْتُ خَلْفِي صَوْتَ رَعْدٍ عَظِيمٍ: «مُبَارَكٌ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ مَكَانِهِ». وَصَوْتَ أَجْنِحَةِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَلاَصِقَةِ الْوَاحِدُ بِأَخِيهِ وَصَوْتَ الْبَكَرَاتِ مَعَهَا وَصَوْتَ رَعْدٍ عَظِيمٍ. فَحَمَلَنِي الرُّوحُ وَأَخَذَنِي، فَذَهَبْتُ مُرًّا فِي حَرَارَةِ رُوحِي، وَيَدُ الرَّبِّ كَانَتْ شَدِيدَةً عَلَيَّ. فَجِئْتُ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ تَلِّ أَبِيبَ، السَّاكِنِينَ عنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَحَيْثُ سَكَنُوا هُنَاكَ سَكَنْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَحَيِّرًا فِي وَسْطِهِمْ."
على الخادم أن يتذوق كلمة الله أولًا قبل أن يبدأ خدمته، ومن يتذوقها تصير في فمه كالعسل (فَصَارَ فِي فَمِي كَالْعَسَلِ حَلاَوَةً) = وهذا ما قاله داود (مز 119: 103؛ أر 15: 16؛ رؤ 10: 9). بل أنه على كل إنسان، خادم أو مخدوم أن يتذوق كلمة الله، وذلك بأن يأكل الدرج كله، أي ينفذ ويعيش طائعًا مختبرًا كل وصايا الله، والطعام نأكله لتسري الحياة في دمائنا، أي نحيا بما نسمعه وليس فقط نعلم به. وعلينا أن نقبل كل كلام الله، ولا نرفض شيئًا، فلا نقبل ما يعجبنا ونترك ما لا يعجبنا (مثل من لا يستريح لوصية دفع العشور فيتركها) [راجع مت 7: 24-27].
ففتحت فمي فأطعمني... ثم أطعم بطنك = فيبدو كأن النبي أبقى الكلام في فمه أولًا ولم يبتلعه، لذلك كان له الأمر التالي إطعم بطنك = وهذا أشبه بالخادم الذي يعظ كثيرًا، ولا ينفذ ما يقوله. أو من يعرف معرفة عقلانية دون اختبار ومعايشة لكلام الله، بينما إنجيلنا قوته تظهر حينما يكون إنجيلًا معاشًا، الله يريد أن تكون هذه المعرفة في الأعماق. وهذا معنى أوعِهِ في قلبك (آية 10). ونلاحظ إذا أطعنا الوصايا، حتى ما نتصوره منها أنه صعب التنفيذ، سنجد لذلك لذة مثل العسل (مت 7: 24-27) لأنك غير مُرْسَل لشعب غامض اللغة (لاَ إِلَى شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ غَامِضَةِ اللُّغَةِ ) = الله أرسله لشعبه الذي يتكلم نفس لغته، بل هو يعيش وسطهم في السبي شاعرًا بآلامهم ومذلولًا معهم، ولذلك يستطيع أن يتكلم بلسانهم... وهذا هو المفهوم الصحيح لموهبة الألسنة الآن، أي أن يعطي الروح القدس الكلمات المناسبة في فم ولسان الخادم، فيكون للكلمة تأثيرها القوي. والروح يعطي للخادم كلمات تعزية للحزين، وكلمات توبيخ للمستهتر، وكلمات تشجيع للنفس اليائسة. وإذا كانت الكلمات من الروح القدس فهي لا تعود فارغة (أش 55: 11)، وتكون الكلمات لها تأثيرها المطلوب في نفس سامعها، أما التكلم باللغات فالكنيسة لا تحتاجه الآن. وهذا الشعب المرسل إليهم لن يقبلوه، ولو أُرسِل إلى شعب غريب ربما يقبلونه كما حدث مع شعب نينوى إذ أرسل الله يونان لهم وهذا يدل على قسوة قلوبهم. ولكن الله يُعِّدْ خدامه جيدًا فهو جعل النبي صلب الوجه مثلهم (وَجْهَكَ صُلْبًا مِثْلَ وُجُوهِهِمْ) = فربما كان حزقيال ذو شخصية وديعة خجولة لا يحب أن يجرح أحد أو يسيء لمشاعر أحد، ولهذا قد لا يتمكن من تحذير هؤلاء القساة القلوب ومواجهتهم بأخطائهم وإنذارهم بالمصائب الآتية، ولأن ما يطلبه الله من النبي يحتاج لشخصية جبارة قوية لتواجه هذا الشعب المتمرد فقد أعطاه الله صلابة الوجه.
إن سمعوا وإن إمتنعوا = فالخادم عليه أن يكلم كل واحد بكلمة الله سواء كان خاطئًا أو قديسًا، ولو امتنع الخادم أن يكلم القديس إذ يظن أنه لا يحتاج، وامتنع أيضًا أن يكلم الخاطئ إذ يظن أنه لا فائدة ترجى منه، فلن يكلم أحدًا، ولكن على الخادم أن يكلم بأمانة كل واحد.
فسمعت خلفي صوت رعد عظيم = هذا صوت فرحة الملائكة بالنبي الجديد وإرساليته، فهم توقعوا توبة الشعب نتيجة لخدمة هذا النبي، وهو صوت تهليلهم، وأيضًا هو صوت مساندة للنبي ليتقدم بثبات، فهو ليس وحده بل هم يساندونه.
مُبَارَكٌ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ مَكَانِهِ = مبارك مجد الرب من السماء مكانه العلوي، سواء مجده في هذه الرؤيا نازلًا على الأرض مع ملائكته، أو مجده الذي يغادر الهيكل فالملائكة يعرفون أنه مهما فعل الرب فهو بار، وإن كان الأشرار يهينون الله بأعمالهم إلا أن الملائكة في السماء يمجدونه.
مِنْ مَكَانِهِ = تعني أن الله ممجد في قراراته وأعماله أيًا كانت هذه القرارات والأعمال. فالله يقال عنه جالس حين يكون مستريحًا وقد أتم تدبير الخلاص لشعبه (إش18: 4). بل أن السبت يشير لراحة الله بإتمام الخلاص بالفداء لشعبه. ولكن حين يقال عنه خرج فهذا لأنه ينوي تأديب وعقاب شعبه (را1: 13 + إش26: 21 + إش42: 13 + حز10: 18 + مى1: 3). ولكن على كل الأحوال فهو ممجد في كل أعماله، فإرادته دائما للحياة. وهذا هو السر في أن النبي حين أكل الدَرْج كان في فمه كالعسل (حين فهم إرادة الله من نحو يهوذا شعبه وأنها للحياة وأن الله يريد تطهيرها)، فإرادة الله دائما حلوة وتكون للحياة. ولكن هنا نجد الله ليعطي حياة لشعبه كان لا بُد من تأديبه بعقوبات شديدة. وهذا ما حدث لأورشليم التي إحترقت وذهب شعبها للسبي (كانت خطة الله ليعطي حياة لأورشليم هي تأديبها عن طريق بابل (حبقوق1). وهذا ما جعل النبي حين فهمه يشعر بالمرارة على أورشليم وعلى شعبه. وهذا نفس ما حدث مع القديس يوحنا في رؤياه (رؤ10: 9). فما يفرح هو نتيجة التأديب، وما يجعل الجوف مرًا هو ألام التأديب [(حز1: 18) وهذا معنى الأطر العالية المخيفة] وهذا ما حدث مع أيوب.
إلا أن هذه التسبحة من الملائكة هنا هي تعبير عن فرحتهم في أن مجد الله سيظهر في توبة هذا الشعب بإرسالية هذا النبي، ومجد الله يظهر في قبول الله لهؤلاء المتمردين، بأن يعمل على توبتهم وتأديبهم فلا يهلكوا بل يكون لهم خلاص، وخلاصنا يفرح الملائكة (لو 15: 10؛ رؤ 5: 9، 12). وَحَمَلَنِي الرُّوحُ.. فَذَهَبْتُ مُرًّا فِي حَرَارَةِ رُوحِي = الروح أعطى له دفعة روحية جبارة ترفعه عن الأرضيات، ولكن الجسد كان نافرًا من الخدمة لمعرفته بآلامها. وأن الشعب المرسل له لن يقبله. وكان يتمنى لو أعفى من هذه الخدمة مكتفيًا بما رآه من رؤى مجيدة. ولكن يد الله كانت شديدة عليه (يَدُ الرَّبِّ كَانَتْ شَدِيدَةً عَلَيَّ) = فلم يستطع إلا أن يذهب وحمله الروح حيث سكنوا (حَمَلَنِي الرُّوحُ وَأَخَذَنِي.. حَيْثُ سَكَنُوا) = ليسمع ما يقولون ويلاحظ تصرفاتهم ويعايشهم وهناك مكث متحيرًا في وسطهم (هُنَاكَ سَكَنْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَحَيِّرًا فِي وَسْطِهِمْ) حين قارن بين جلال الرؤيا وحالهم في خطيتهم. وتركه الله يبتلع أحزانه بلا رؤى لمدة سبعة أيام، وهذا من حكمة الله حتى لا ينتفخ بل يتضع وهكذا يسمح الله بضيقات لخدامه لفترات حتى يشعروا بضعفهم فيتضعوا بدلًا من أن يرتفعوا، فبداية السقوط الكبرياء (أم 16: 18؛ 2كو 12: 7).
الآيات 16-21:- "وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ أَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ إِلَيَّ قَائِلَةً: «يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فَاسْمَعِ الْكَلِمَةَ مِنْ فَمِي وَأَنْذِرْهُمْ مِنْ قِبَلِي. إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: مَوْتًا تَمُوتُ، وَمَا أَنْذَرْتَهُ أَنْتَ وَلاَ تَكَلَّمْتَ إِنْذَارًا لِلشِّرِّيرِ مِنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ لإِحْيَائِهِ، فَذلِكَ الشِّرِّيرُ يَمُوتْ بِإِثْمِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الشِّرِّيرَ وَلَمْ يَرْجعْ عَنْ شَرِّهِ وَلاَ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ بِإِثْمِهِ، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ. وَالْبَارُّ إِنْ رَجَعَ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْمًا وَجَعَلْتُ مُعْثِرَةً أَمَامَهُ فَإِنَّهُ يَمُوتُ. لأَنَّكَ لَمْ تُنْذِرْهُ، يَمُوتُ فِي خَطِيَّتِهِ وَلاَ يُذْكَرُ بِرُّهُ الَّذِي عَمِلَهُ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الْبَارَّ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ الْبَارُّ، وَهُوَ لَمْ يُخْطِئْ، فَإِنَّهُ حَيَاةً يَحْيَا لأَنَّهُ أُنْذِرَ، وَأَنْتَ تَكُونُ قَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ»."
كان للشعب اليهودي عادة أن يجتمعوا عند الأنهار ليصلوا (أع 16: 13). وهناك ذهب لهم حزقيال يكلمهم. وهنا لم يرى رؤيا بل أخبر فقط بالكلام، فحياة خدام الله وأنبيائه ليست كلها رؤى. والله عَيَّنه رقيبًا = والرقيب هو الذي يراقب تحركات العدو وينذر الشعب. وهذا هو عمل الخدام أن يكتشفوا خداعات الشياطين الأعداء وينذرون الشعب. وعلى الخادم أن يسمع من الله فإسمع الكلام من فمي (فَاسْمَعِ الْكَلِمَةَ مِنْ فَمِي) = وبعد أن يسمع من الله عليه أن ينذر الشعب = وأنذرهم من قِبَلي = فالرقيب له عيون وأذان تسمع ولسان يضع الروح القدس كلمات عليه، وحينئذ يكون صوته كبوق إنذار، ليس من عنده، ولكن من عند الرب. ومعنى الكلام هنا أن عليه أن ينذر الشرير ليتوب، فإن لم يتب الشرير يهلك، ولكن النبي ينجو لأنه قام بعمله بأمانة. وإن تاب الشرير ينجو لأنه تاب. ولاحظ أن النفس ثمينة جدًا عند الله. وعلى النبي أن ينذر أيضًا الأبرار ولا يمتنع عن وعظهم وهنا نعرف لماذا يعظ الأبرار؟ لأن هناك احتمال أن يخطئ البار، ويكون إنذار النبي سببًا في عدم سقوطه فيحيا. وإن قَصَّر النبي أو الخادم في عمله بحجة أن هذا الإنسان بار، ثم ارتد هذا البار لسبب أو لآخر وهلك هذا الإنسان الذي كان بارًا، يدان معه الخادم الذي إمتنع عن وعظه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ونلاحظ أن البار حقيقة سيفرح بكلمة الوعظ، وأن أبر إنسان في العالم له خطاياه. وهناك بِر يمكن أن يرتد عنه الإنسان، فهو البِر المظهري، وهؤلاء ينطبق عليهم "لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا" (1 يو 2: 19)، مثل هؤلاء لا يخطئوا ليس لأنهم أبرار حقيقة بل لأنه لا توجد فرصة أمامهم ليخطئوا، وإذا وجدت الفرصة لأخطأوا. وهناك أيضًا كثيرين بدأوا بالروح وأكملوا بالجسد (غل 3: 3). هؤلاء أعطوا السماء القفا لا الوجه (أر 2: 27). هؤلاء يقول الله عنهم جعلت معثرة أمامه = يقول القديس يعقوب "ٱللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِٱلشُّرُورِ، وَهُوَ لَا يُجَرِّبُ أَحَدًا" (يع1: 13) فالله لا يضع معثرة أمام أحد. ولكن الذي قلبه غير مستقيم مع الله، يحب الخطية، ولكن لا توجد أمامه فرصة للخطية، وحب الخطية يملأ قلبه، وبالتالي لا يوجد فيه مكان لحب الله، مثل هذا يظن في كبريائه أنه بار إذ أنه لا يخطئ، والكبرياء تزيد من شروره، ومثل هذا يسمح له الله بأن يسقط، وذلك بأن يرفع الله حمايته ومعونته وعنايته عنه، وحينئذٍ يخطئ فهو بلا حماية إلهية. ومثل هذا قد يعرف ضعفه ويكف عن كبريائه. وقد يزداد عناده ويستمر في كبريائه.
فالله يحمي الخاطئ مرة ومرات من السقوط ثم يتركه لحريته أمام عناده. وهنا احتمالين:- 1) أن هذا الإنسان إذ يسقط تنكسر كبرياءه ويقدم توبة ويكون هذا بداية الشفاء؛ 2) يزداد هذا الإنسان سقوطًا متجاوبًا مع قلبه الفاسد وينضج للخراب. وهذا معنى أن الله قسى قلب فرعون وازدادت ضرباته حتى هلك. ولاحظ أن النبي كان ينذرهم بالخراب والهلاك بيد البابليين حتى يكفوا عن خطاياهم فلا يهلكوا.
الآيات 22-27:- "وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيَّ هُنَاكَ، وَقَالَ لِي: «قُمُ اخْرُجْ إِلَى الْبُقْعَةِ وَهُنَاكَ أُكَلِّمُكَ». فَقُمْتُ وَخَرَجْتُ إِلَى الْبُقْعَةِ، وَإِذَا بِمَجْدِ الرَّبِّ وَاقِفٌ هُنَاكَ كَالْمَجْدِ الَّذِي رَأَيْتُهُ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي. فَدَخَلَ فِيَّ رُوحٌ وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ، ثُمَّ كَلَّمَنِي وَقَالَ لِي: «اِذْهَبْ أَغْلِقْ عَلَى نَفْسِكَ فِي وَسْطِ بَيْتِكَ. وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَهَا هُمْ يَضَعُونَ عَلَيْكَ رُبُطًا وَيُقَيِّدُونَكَ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُ فِي وَسْطِهِمْ. وَأُلْصِقُ لِسَانَكَ بِحَنَكِكَ فَتَبْكَمُ، وَلاَ تَكُونُ لَهُمْ رَجُلًا مُوَبِّخًا، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ. فَإِذَا كَلَّمْتُكَ أَفْتَحُ فَمَكَ فَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مَنْ يَسْمَعْ فَلْيَسْمَعْ، وَمَنْ يَمْتَنِعْ فَلْيَمْتَنِعْ. لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ»."
نجد النبي هنا منسحبًا من الخدمة وغير راغب في العمل، لكن الله يشدده ويريه مجده ثانية. وطلب منه أن يجلس في بيته كفترة خلوة وإعداد. ولنلاحظ أن سلوكنا الاختياري، يصنع أحيانًا عقابنا، فهو لعدم رغبته في الخدمة تركه الله في منزله لفترة. بل أخبره بضيق يأتي عليه وأنهم سيقيدونه ويربطونه إما كمجرم ومكدر للسلام إذ أنذرهم، أو اعتباره أنه رجل مخبول، وهكذا صنع أقرباء المسيح معه (مر 3: 21) وهكذا صنع فستوس الوالي مع بولس. وَأُلْصِقُ لِسَانَكَ بِحَنَكِكَ فَتَبْكَمُ، وَلاَ تَكُونُ.. مُوَبِّخًا = فهم لا يستحقون وجود نبيًا يوبخهم فيحيوا، بعد ما صنعوه. ولنلاحظ أن من تقسَّى قلبه ضد الإدانة والتوبيخ يحرمه الله من سماعهما. ولاحظ أيضًا أن الله لم يعطه أي تأكيدات بالنجاح، بل أكد الله على المسئولية الشخصية = من يسمع فليسمع ومن يمتنع فليمتنع
تعليق على الآية 20 وجعلت معثرة أمامه = هناك من يظن أنه بار ولكن توجد بداخله خطية هو غير شاعر بها أو لا يدركها. حقًا هو لم يرتكب الخطية إنما هذا راجع لعدم وجود جو مهيأ للخطية. فليس معنى أنه لم يرتكب الخطية أنه إنسان بار وكامل. بل أن وجود الخطية داخله يعرضه للهلاك. مثل هذا فالأفضل له أن يكتشف حقيقة نفسه، والله يمتحنه بتجربة... ولاحظ أن الله لا يمتحنه ليعرف رد فعله وبالتالي يحكم عليه، فالله يعرف كل شيء ويعرف رد فعله أمام التجربة، ولكن الله يمتحنه ليعرف هو حقيقة نفسه، ويكتشف ضعفاته فيتوب ويشفى فيخلص.
مثال 1:- أيوب كان يظن أنه بار فلا يقدم ذبائح عن نفسه، وهذا الكبرياء ظهر بعد التجارب، وتاب أيوب وخلص. هنا الله جعل معثرة أمام أيوب لينجو.
مثال 2:- إنسان يظن أنه وديع ومحب، فهو لا ينفعل، بل يتعامل بلطف مع الناس، والسبب أن من يتعامل معهم أناس لطفاء. مثل هذا يمتحنه الله بجار أو رئيس في العمل أو زميل مشاكس، وهنا يبدأ في الانفعال ويدرك أنه ليس وديعًا حقيقة فيقدم توبة. هنا الله وضع هذا الشخص كمعثرة أمام من يظن في نفسه أنه بار ليكتشف ضعفه فيتوب وينجو ويخلص.
مثال 3:- هناك من يمتحنه الله ويكتشف حقيقة نفسه ولا يتوب = فإنه يموت.
← تفاسير أصحاحات حزقيال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير حزقيال 4 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير حزقيال 2 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/js4b7vg