← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10
كانت نهاية الإصحاح السابق سقوط النبي على وجهه، وهنا نرى أمر الله له بالقيام وبعد ذلك دخل فيه الروح. وهذا ما حدث أيضًا لبولس الرسول، فهو قد سقط أمام نور المسيح في الطريق ثم قام، ثم امتلأ من الروح القدس. بل هذا هو طريق الامتلاء من الروح القدس دائمًا. فالسيد المسيح أرسل لنا الروح القدس بعد أن مات وقام وصعد إلى السماء. وحتى نمتلئ نحن من الروح القدس علينا أن نسلك نفس الطريق أي نبدأ بأن نقف أمام الخطية كأموات (رو 6: 11) ونحيا في جدة الحياة، أي الحياة المقامة في المسيح، ونحيا في السماويات، ولا نعود بعد نحيا في الأرضيات، وقتها سنختبر إمكانيات وقوة القيامة ونمتلئ من الروح القدس، فيرسلنا الله للشهادة لاسمه، كما أرسل الله حزقيال لخدمته. بل تم هنا تلقين حزقيال ماذا سيقول، ووضع له الكلام في فمه ودلالة هذا كان الدَرْج الذي أُمِر بأن يأكله (حز 2: 8 + 3: 1) وهذا ما عَمِله النبي فعلًا في الإصحاح التالي 3: 2، 3. ونلاحظ أن الله ينبه النبي ألا يخاف هذا الشعب المتمرد.
الآيات 1-5:- "فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، قُمْ عَلَى قَدَمَيْكَ فَأَتَكَلَّمَ مَعَكَ». فَدَخَلَ فِيَّ رُوحٌ لَمَّا تَكَلَّمَ مَعِي، وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ فَسَمِعْتُ الْمُتَكَلِّمَ مَعِي. وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا مُرْسِلُكَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَى أُمَّةٍ مُتَمَرِّدَةٍ قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَيَّ. هُمْ وَآبَاؤُهُمْ عَصَوْا عَلَيَّ إِلَى ذَاتِ هذَا الْيَوْمِ. وَالْبَنُونَ الْقُسَاةُ الْوُجُوهِ وَالصِّلاَبُ الْقُلُوبِ، أَنَا مُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ. فَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَهُمْ إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ، فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيًّا كَانَ بَيْنَهُمْ."
أخذ البعض قصة سقوط النبي على وجهه ثم دخول الروح فيه، واستغلوه بطريقة منحرفة.. إذ ادعوا أنهم قادرون أن ينفخوا في وجوه الناس فيمتلئون من الروح القدس، ويكون علامة امتلائهم بنفختهم وقوع الناس على الأرض في غيبوبة. ويستدلون بما حدث هنا لحزقيال، وكما حدث أيضًا لدانيال (دا 10: 7-11) وكما حدث ليوحنا في الرؤيا (رؤ 1: 17) ونرد على هؤلاء:-
1- حزقيال ودانيال ويوحنا لم يسقطوا نتيجة امتلائهم بالروح، بل نتيجة ما رأوه من مجد المسيح، فلم يحتملوا. والدليل أن الروح دخل في حزقيال بعد أن أقامه الرب (آيات 1، 2).
2- المسيح نفخ في تلاميذه وقال لهم اقبلوا الروح القدس.... ولم يسقطوا على وجوههم (يو 20: 22). وهكذا صنع بولس الرسول حينما وضع يديه على المؤمنين المعمدين في أفسس حل عليهم الروح القدس (أع 19: 6) ولم نسمع أنهم سقطوا على وجوههم. وما زالت الكنيسة تمارس هذا في سر الميرون ولم نسمع أن كاهنا مسح أحد المعمدين بزيت الميرون ونفخ فيه ليقبل الروح القدس، أن هذا المعمد قد سقط مغشيًا عليه.
3- لم نسمع في الكتاب المقدس كله أن أي حادثة امتلاء من الروح القدس صاحبها غيبوبة. ولم نسمع هذا في كل تاريخ الكنيسة.
4- في سر الميرون يحل الروح القدس على المُعَمَّد، أما الامتلاء من الروح القدس، هو مسئولية كل مؤمن، ويتوقف هذا على جِهَاده (أف 5: 18+ 2تي 1: 6) فبولس هنا لم يستدعي تيموثاوس ليملأه بالروح القدس بأن ينفخ فيه بعد أن سبق ووضع اليد عليه، بل هو يطلب منه الجهاد ليمتلئ.
يا ابن آدم = تكرر هذا اللقب لحزقيال 85 مرة ليعرف أنه إنسان خاطئ فلا يرتفع بالرغم من كل هذه الرؤى. وهو كابن آدم مثل الشعب سيدينهم. راجع تفسير (حز 20: 1-4).
قم على قدميك = سبق الله وقال لموسى [لاَ يَرَانِي الإِنْسَانَ وَيَعِيشُ] (خر 33: 20)" وذلك لأن طبيعتنا ضعفت بسبب الخطية، فأصبحنا لا نحتمل أن نرى الله في مجده، كما لا تحتمل أعصاب العين أن ترى نور الشمس وإلا تحترق. لذلك فإن الله يعطي قديسيه معونة خاصة حتى يستطيعوا أن يروا جزءًا من مجده، وبحسب ما تحتمل طبيعتهم الضعيفة، ومع هذا فهم حينما يرون ما يرونه يسقطون غير محتملين، وهنا يعطيهم الله قوة ومعونة ليقوموا.
فأتكلم معك... فدخل فيَّ روح = لاحظ أن الروح دخله بعد أن كلمه الله فالروح ينتقل إلينا بواسطة كلمة الله (يو 14: 26 + يو 15: 26 + يو 16: 7).
أنا مرسلك = لاحظ محبة الله الذي يرسل نبيًا لشعب يعرف أنه متمرد بل هُمْ وَآبَاؤُهُمْ عَصَوْا عَلَيَّ . بل هم قساة الوجوه = في ترجمة أخرى الوقحون.. ولاحظ أن الإصرار على عدم التوبة يقود للقساوة. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ = إذًا الله أعطى له سلطة ليتكلم باسمه. أما الشعب ستكون له الحرية أن يسمعوا وأن يمتنعوا (سَمِعُوا.. امْتَنَعُوا). ولكنهم على كل حال سيعلمون أن نبيًا كان في وسطهم (فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيًّا كَانَ بَيْنَهُمْ).
أ) فمن سمعوا سيعلمون أنه كان نبيًا من الله باختبارهم للتعزية والإصلاح، هكذا سُمَّيَ بولس الرسول المؤمنين "ختم رسالتي" (1كو 9: 2)، فهم دليل على صدق رسالته بالقوة التي عملت فيهم لتغييرهم.
ب) والذين امتنعوا سيعرفون أنه كان نبيًا من توبيخ ضمائرهم ثم بقضاء الله العادل ضدهم وسيعرفون هذا من اختباراتهم الحزينة ومن الضربات التي ستأتي عليهم.
الآيات 6-10:- "أَمَّا أَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ فَلاَ تَخَفْ مِنْهُمْ، وَمِنْ كَلاَمِهِمْ لاَ تَخَفْ، لأَنَّهُمْ قَرِيسٌ وَسُلاَّءٌ لَدَيْكَ، وَأَنْتَ سَاكِنٌ بَيْنَ الْعَقَارِبِ. مِنْ كَلاَمِهِمْ لاَ تَخَفْ وَمِنْ وُجُوهِهِمْ لاَ تَرْتَعِبْ، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ. وَتَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ بِكَلاَمِي، إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا، لأَنَّهُمْ مُتَمَرِّدُونَ. «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَاسْمَعْ مَا أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهِ. لاَ تَكُنْ مُتَمَرِّدًا كَالْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ. افْتَحْ فَمَكَ وَكُلْ مَا أَنَا مُعْطِيكَهُ». فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِيَدٍ مَمْدُودَةٍ إِلَيَّ، وَإِذَا بِدَرْجِ سِفْرٍ فِيهَا. فَنَشَرَهُ أَمَامِي وَهُوَ مَكْتُوبٌ مِنْ دَاخِل وَمِنْ قَفَاهُ، وَكُتِبَ فِيهِ مَرَاثٍ وَنَحِيبٌ وَوَيْلٌ."
لا تخف منهم = من يؤدي خدمة لله عليه ألا يخاف، فالله الذي يخدمه قادر أن يحيطه بعنايته. ومن يخاف من الناس ومن أعمالهم فهو بهذا يشكك في قوة الله وصدق وعوده، وهو بهذا يهين الله، وهذا يرتد على الخادم الخائف بزيادة خوفه وفقدانه لسلامه، لذلك ينبه الله إرميا النبي بقوله [لَا تَرْتَاعْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لِئَلاَّ أُرِيعَكَ أَمَامَهُمْ] (أر 1: 17). إذًا ليثق كل خادم، بل كل مؤمن في حماية الله له. وليس معنى هذا أن الخادم أو الكارز لن يصيبه أي ضرر من الأشرار، فها هو الله ينبه النبي بأن هذا الشعب هو شعب مؤذٍ، فهم سلاء = شوك. قريس = ورد بري مملوء بالشوك. ولاحظ أن الشوك هو ثمرة للخطية. بل هم عقارب سامة [قارن مع سم الأصلال تحت شفاههم (رو 3: 13)]. فهؤلاء الأشرار قد يلحقون بعض الأذى بخدام الله، وأولاد الله عمومًا، ولكن علينا أن نفهم أنه لا سلطان لهم علينا إلا بسماح من الله (يو 11:19). لذلك لا نخاف بل نثق أننا في ظل الحماية الإلهية، وما يحدث لنا هو بسماح منه، إذ نحن محفوظين في يده، بل منقوشين على كفه (اش 49: 16 + رؤ 2: 1). وحتى إذا سمح الله ببعض الأذى من أشواك الأشرار، فإن تعزياته تدرك أولاده، حاملًا معهم صليبهم كما فعل مع الثلاثة فتية في أتون النار.
والنبي عليه أن يكلم الشعب بما سيعطيه له الله إن سمعوا وإن إمتنعوا = فهو عليه توصيل الرسالة، وعليه أن لا يهتم بالنتيجة، فالمهم أن يكون أمينًا في رسالته، وأن يوصلها كما استلمها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ونلاحظ أن عدم انقياد الشعب لكلام الواعظ ليس سببًا وجيهًا لأن يكف الواعظ عن خدمته. بل أنه إذا امتنع الخادم أن يتكلم صار متمردًا هو الآخر، لذلك ينبه الله النبي قائلًا لا تكن متمردًا = فعلى الخادم أن يتكلم بكلمة الله لكل إنسان حتى لمن يتصور أنه لا يستحق، أو لمن يتصور أن حالته ميئوس منها، وليثق الخادم أنه ليس هو الذي يقود السامع للتوبة، بل هو عمل الله الخفي. ولاحظ في قصة يونان غضب الله على تمرده وهروبه من الخدمة الصعبة التي طلبها الله منه. أما ربنا يسوع فقال [إن أمكن أن تعبر عني هذه الكأس ولكن لتكن مشيئتك] (مت 26: 42). افتح فمك وكل = موضوع عمله هو كلمة الله التي ينبغي أن يأكلها فتشبع بها أعماقه الداخلية وتكون موضوع تفكيره المستمر ويهضمها بعقله ويختبر قوتها ولذتها ويكون مستعدًا أن يخرجها للناس في أي وقت كاختبار معاش. وعليه أن يجتر فيها اليوم كله ولا تقف عند حد الاقتناع العقلي بل تدخل إلى أعماقه. وهنا يخرج للناس خبراته الحلوة إذ يطبق كلام الله في حياته. وإذا بيد ممدودة = هناك يد الله الممدودة دائمًا تقدم لنا عطاياه فلا يجب أن نتركها ممدودة دون أن نأخذ بشكر، وإذا لم نصنع نصبح متمردون. مكتوب من داخل ومن قفاه = أي مكتوب من على الوجهين، وقد يعني هذا وعود من ناحية ووعيد من الأخرى، أو كلام له معنى في الظاهر وله أعماق أخرى، أو خطاياهم وإنذارات الله لأجلها.
← تفاسير أصحاحات حزقيال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير حزقيال 3 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير حزقيال 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/a55rzws