حزقيال 28 - تفسير سفر حزقيال

خطية ملك صور أن = ارتفع قلبك وقلت أنا إله = ولاحظ أن هذه الخطية هي نفسها خطية الشيطان أي الكبرياء. وربما ظن الملك أن صور بل العالم كله يعتمدون عليه، كما يعتمد العالم كله على الله. وأن كلمته قانون إلهي. وعلى الناس أن تسبحه وتكرمه مثل الله. وهو جعل قلبه كقلب الآلهة (جَعَلْتَ قَلْبَكَ كَقَلْبِ الآلِهَةِ) = هو خدع نفسه مفتكرًا أنه قادر أن يحكم العالم كإله. وهو في مكانه في صور في قلب البحار ولكن الله يذكره بأنه إِنْسَانٌ لاَ إِلهٌ.

هَا أَنْتَ أَحْكَمُ مِنْ دَانِيآلَ = واضح أن حكمة دانيال قد ذاعت واشتهرت في العالم. سر ما لا يخفى عليك = قد يكون ملك صور قد تصور أنه أحكم من دانيال. عمومًا فمن زاد غناه يتصور أنه قادر أن يفعل بماله ما يريد، يرفع من يشاء ويذل من يشاء، ومع الوقت يظن هذا الغني في نفسه أنه إله وأنه قادر وأنه حكيم وأنه كل شيء.

ويتضح أنه في (الآيات 1-10) أن الكلام عن ملك صور الأرضي والشيطان كلام متداخل، أي يمكن تطبيقه على ملك صور ويمكن أيضًا تطبيقه على الشيطان. ولكن في (الآيات 11-19) سيكون الكلام متجهًا بوضوح عن الشيطان وحده. ولذلك نأخذ من هذه الآية أنت أحكم من دانيال، حكمة وسر لا يخفى عليك (أَنْتَ أَحْكَمُ مِنْ دَانِيآلَ! سِرٌّ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ) أن الشيطان حكيم جدًا (وهو من رتبة الكاروبيم المملوئين عيونًا أي حكمة)، لكن للأسف فحكمته شريرة، ويمكن تسميتها خبث ودهاء. ولا يستبعد أن الكلام كان على ملك صور، وتكون حكمته وكشف بعض الأسرار له عن طريق الشيطان الذي يقوده، وهذا ما قصده معلمنا يعقوب بالحكمة الشيطانية (يع 3: 15). وبهذه الحكمة حصَّل أموالًا وكنوزًا، فهي حكمة أرضية، أقصى ما تبلغ إليه هو مجد هذا العالم، ولكن هذا العالم سيزول. أما الحكمة التي من فوق فتعلمنا أن نطلب ما هو فوق. وماذا فعل بما إكتنزه؟ ارتفع قلبك بسبب غناك والعقاب سآتي بغرباء عليك (هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكَ غُرَبَاءَ) = فمن كل من تعاملوا مع صور لم نجد بابل بينهم. فربما لو تعاملوا معهم لكانوا قد أشفقوا من أن يدمروهم كل هذا التدمير. وهم عتاة الأمم = أي تدميرهم سيكون شديدًا. ضد بَهْجَةِ حِكْمَتِكَ = أي ضد كل ما كان يبهجك وقد صنعته بحكمتك وَيُنَزِّلُونَكَ إِلَى الْحُفْرَةِ = أي تموت. موت القتلى في قلب البحار = أي بلا دفن. ونحن نعلم من سفر الرؤيا أن نهاية الشيطان تكون في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ 20: 10) وسيموت ميتة حقيرة كَـ:مَوْتَ الْغُلْفِ فقد كان الفينيقيون يمارسون الختان ويعتبرون من يموت أغلفًا يكون محتقرًا وفي عار عظيم، فهو لن يموت فقط بل يموت في عار عظيم ويذهب لدرجة مهينة في الهاوية.

واضح جدًا أن هذا الكلام لا يُمكن أن يقال عن أي رئيس على الأرض. إنما نجد هنا وصفًا لحالة الشيطان الأصلية قبل سقوطه ثم عن سقوطه. فالله لم يخلق إبليس كما هو، بل خلقه كائنًا روحيًا طاهراً عظيم الحكمة والبهاء. لكن هذا الروح تكبر على الله. وإذا علمنا أن صور تعني محنة، فيكون الشيطان بعد سقوطه هو سبب المحن التي تعاني منها البشرية. ولاحظ وصف الشيطان قبل سقوطه خاتم الكمال = فقد كان من طغمة الكاروبيم حاملي العرش ملآن حكمة = فالكاروبيم مملوئين عيونًا. كامل الجمال = إذ يعكس بهاء الله عليه. ولكن سقطته جاءت من أنه ظن أنه هو مصدر جماله فانفصل عن الله. كنت في عدن جنة الله = هنا سؤال لن نعرف الإجابة عليه الآن.. هل كان الشيطان متوليًا أمور هذا العالم قبل سقوطه وظل فيه بعد سقوطه؟ ولن يستطع أحد أن يجزم بشيء ولكن واضح من الآية أنه كان في جنة عدن قبل سقوطه، أي كان على الأرض. كل حجر كريم ستارتك = الأحجار الكريمة المذكورة هي إشارة للفضائل التي كان يتحلى بها يوم خلقه الله، وستارتك أي أن هذه الفضائل كانت تغطيك أنشأوا فيك صنعة صيغة الفصوص وترصيعها = وفي ترجمة أخرى صياغة الدفوف الصغيرة والمزامير. أي معنى قيادته للجوقة السماوية في تسبيحها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ويكون المعنى الرمزي لو فهمنا كلمة عدن بمعناها اللغوي أي بهجة. أنه كان في فرح سماوي مسبحًا الله طوال الوقت مملوءًا من كل الفضائل. وأقامه الله للخدمة أمامه على جبل الله المقدس = أي يخدم الله في علو سمائه، فهذا معنى الجبل. وتمشى وسط حجارة النار (بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ) = الملائكة طبيعتهم نارية (عب 1: 7). وهكذا كان الشيطان. وهنا قوله تمشَّى وسط حجارة النار، أي كنت وسط الملائكة، الكاروبيم والسيرافيم المتقدون نارًا. إذًا فلم يكن له عذر في سقوطه، فالملائكة الباقين لم يسقطوا. وكان كاملًا في طرقه إلى أن وجد فيه إثم (أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ.. حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ) = والمعنى أن الله قد خلقه كاملًا، والإثم وجد فيه بعد ذلك، وبالتالي يكون هو المسئول عن هذا. وفي (الآية 16) نجد ترابطًا وثيقًا بين ملك صور والشيطان. فالشيطان بكثرة تجارته ملأ جوف الملك إثمًا وظلمًا (بِكَثْرَةِ تِجَارَتِكَ مَلأُوا جَوْفَكَ ظُلْمًا) = فهو حين سقط وطُرِح (أَطْرَحُكَ) من جبل الله أخذ يحاول إسقاط الآخرين معه. ولكن تحذير الله أبيدك = فهذا هو مصيره. وسينظره الملوك ويتحيرون أن هذا الجبار سقط مثلهم. وكما خرب ملك صور سيخرب الشيطان يومًا. وتخرج نارًا وتأكله وأصيرك رمادًا على الأرض (فَأُخْرِجُ نَارًا مِنْ وَسْطِكَ فَتَأْكُلُكَ، وَأُصَيِّرُكَ رَمَادًا عَلَى الأَرْضِ) = كم رأى آباؤنا القديسين هذا المنظر، إذ كانوا يرون الشيطان يحترق ويتحول دخانًا بقوة علامة الصليب. ولاحظ رقة قلب الله، فمع كل ما يفعله الشيطان، يبدأ الله هذه الآيات بقوله إرفع مرثاة، فهو يرثي هذا المخلوق الذي كان رائعًا، كما بكى السيد المسيح على أورشليم، وبكى الإنسانية المعذبة على قبر لعازر.

هنا نبوات ضد صيدون

التي استغلت خراب أورشليم وهجمت على شعب الرب وباعتهم عبيدًا لليونانيين (يؤ 3: 6). فكأن النبوة على صيدون تشير أيضًا للشيطان الذي باع أولاد الله للخطية واستعبدهم، لذلك ستكون نهايتها أيضًا الخراب كباقي أعداء شعب الله.

وحينما ينهي الله أعداء شعبه الذين باعوهم عبيدًا، فَلاَ يَكُونُ [لهم] سُلاَّءٌ مُمَرِّرٌ وَلاَ شَوْكَةٌ = السلاء هو ورد به شوك كثير يسبب آلامًا مُرَّة. ولن يحدث هذا إلا حينما يشتري الله كنيسته = أجمع بيت إسرائيل من الشعوب = كيف يجمعهم إن لم يشتريهم أولًا. وهو قد اشترانا بدمه. لاحظ أن هذه النبوة أتت بعد نبوة صيدون مباشرة، هذه التي باعت شعب الرب عبيدًا وها هو يجمعهم ثانية. ومعنى باقي الكلام = يَسْكُنُونَ.. آمِنِينَ.. وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا = هو أن يعيشوا في سلام، وهذا عمل الروح القدس في الكنيسة. والكروم تنتج الخمر إشارة الفرح:- 1) فرح الله بشعبه 2) فرح الشعب بالرب. ووعد الرب بأن لاَ يَكُونُ.. سُلاَّءٌ مُمَرِّرٌ، تم بالصليب، إذ بالصليب أعطى الله لشعبه نعمة فما عادت الخطية تسود عليهم (رو 6: 14) ولا عاد الموت له سلطان عليهم، بل صار شهوة للقديسين (1كو 15: 55 + في 1: 23)........ صار الموت إذًا بلا شوكة، بل صار انتقال لأفراح أبدية.