← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 63
لازال الله يبرر نفسه من أجل الخراب الذي سيأتي على أورشليم، فبعد أن شبه أورشليم بعود الكرم الذي سيحرق، يشبهها هنا بعروس زانية خائنة لا تستحق سوى الهجر والتخلي. وهذا الإصحاح من المفيد أن نطبقه على الشعب اليهودي مرة، ثم مرة ثانية على الكنيسة ككل، ومرة ثالثة على النفس البشرية. هو إصحاح معاملة الله معي وإنتشالي من الضياع ثم خيانتي له. هذا الإصحاح هو أنشودة الخلاص المجاني حتى نكون عروس مقدسة للمسيح.
ويمكن تقسيم الإصحاح إلى الأقسام الآتية:-
1) الآيات 1 – 7 :- ماذا كان حال إسرائيل أو الكنيسة قبل مراحم الله.
2) الآيات 8 – 14 :- زمن الحب :- الله يحب البشر منذ الأزل وإلى الأبد [راجع تفسير يو13: 1] فيكون زمن الحب معناه زمن إعلان محبة الله هذه التي ظهرت على الصليب، أو ما أسماه بولس الرسول ملء الزمان.
3) الآيات 15 – 26:- الخيانة = زنيت على إسمك .
4) الآيات 27 – 43:- الحكم الذي تستحقه هذه الخائنة.
5) الآيات 44 – 51:- ليست يهوذا فقط هي الخائنة بل كل البشر يهودًا وأمم، ويسمي الأمم هنا السَّامِرَةُ وَ.. سَدُومُ، فبعد سبي أشور لإسرائيل المملكة الشمالية إختلط نسل الأسباط العشرة بالأمم الوثنية ومارسوا عباداتهم الوثنية " الجميع زاغوا وفسدوا معا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد " (رو3 : 12).
6) الآيات 52 – 63:- كما هي عادة الأنبياء فبعد ذكر ما يستحقه البشر من عقوبات لأجل خطاياهم وخيانتهم لله نجد خلاص المسيح. وهنا نجد نبوة واضحة بصلب المسيح بالنيابة عن البشر، وأن اليهود هم من سيصلبونه . وبهذا يكمل إثم اليهود، ولكن بالصليب يتبرر الجميع.
الآيات (1-7):- "وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلَةً: «يَا ابْنَ آدَمَ، عَرِّفْ أُورُشَلِيمَ بِرَجَاسَاتِهَا، وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لأُورُشَلِيمَ: مَخْرَجُكِ وَمَوْلِدُكِ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ. أَبُوكِ أَمُورِيٌّ وَأُمُّكِ حِثِّيَّةٌ. أَمَّا مِيلاَدُكِ يَوْمَ وُلِدْتِ فَلَمْ تُقْطَعْ سُرَّتُكِ، وَلَمْ تُغْسَلِي بِالْمَاءِ لِلتَّنَظُّفِ، وَلَمْ تُمَلَّحِي تَمْلِيحًا، وَلَمْ تُقَمَّطِي تَقْمِيطًا. لَمْ تَشْفُقْ عَلَيْكِ عَيْنٌ لِتَصْنَعَ لَكِ وَاحِدَةً مِنْ هذِهِ لِتَرِقَّ لَكِ، بَلْ طُرِحْتِ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ بِكَرَاهَةِ نَفْسِكِ يَوْمَ وُلِدْتِ. فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ، فَقُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي، قُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي. جَعَلْتُكِ رَبْوَةً كَنَبَاتِ الْحَقْلِ، فَرَبَوْتِ وَكَبُرْتِ، وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ. نَهَدَ ثَدْيَاكِ، وَنَبَتَ شَعْرُكِ وَقَدْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً."
عَرِّف أورشليم برجاساتها = بدء الأنشودة هو اكتشاف خطايانا. وهذه الرجاسات يكرهها الله، ويجب أن نكرهها نحن أيضًا، خصوصًا أننا شعبه. ورجاسات أورشليم تفوق رجاسات العالم كله.. لماذا؟ لأنها ناكرة للجميل. فبعد كل ما قدمه الله لها تسير وراء آخر. وهنا يوضح الله أصلها الحقير. مخرجك ومولدك من أرض كنعان. أبوك أموري وأمك حثية = كان اليهود يفتخرون بأنهم أولاد إبراهيم (مت 3: 9؛ يو 8: 33). ولكن أولاد إبراهيم حقيقة هم أولاده بالإيمان (غل 4: 11، 12). أما هؤلاء فأعمالهم تشبه الكنعانيين الذين لعنوا من أجل خطاياهم لذلك صاروا أولادًا للكنعانيين، وهذا نسب أخلاقي وليس عرقي، كما قيل عن كل من يفعل الخطية أنه ابن لإبليس (1يو 3: 10 + يو 8: 44) [ونرى أن الكذاب ابن لإبليس في هذه الآية (يو8: 44)].
أبوك أموري وأمك حثية:- أبوك أموري = كان اسم أموري يطلق على سكان فلسطين وغرب آسيا، ويُذكر إسمهم بديلًا عن الكنعانيين الذين طلب الرب من شعب إسرائيل إبادتهم بسبب نجاساتهم، وسكن بنو إسرائيل مكانهم. وتم هذا أولًا مع سيحون ملك الأموريين وشعبه وعوج ملك باشان وشعبه، والكنعانيين كلهم كانوا ملعونون بسبب خطية أبوهم كنعان مع جده نوح . أمك حثية = حث هو جد الحثيين والابن الثاني لكنعان بن نوح ومعنى الاسم في العبرية " مرعب " وعاش الحثيون في كنعان أولًا، وإلى ما بعد الغزو الإسرائيلي لكنعان. ولقد إشترى إبراهيم مغارة المكفيلة منهم، وفيها دفن سارة زوجته. وتزوج عيسو من بناتهم. ويقال أنه كان للحثيين 1000 إله.
وفي هذه الآية نرى أن بتسميتهم أولاد كنعان وحث، فقد نزع عنهم الله بنوتهم لإبراهيم (يو8: 39-41). بل صاروا أولاد لعنة ورعب كما تشير أسماء (أموري وحثي) وهكذا كان حال كل البشر قبل المسيح ملك السلام والذي أتى بالسلام ورفع اللعنة، ولهذا قيل أيضًا عن الأمم في (آية 45) " أمكن حثية وأبوكن أموري " فالجميع زاغوا وفسدوا.
و(آيات 4، 5) صورة مؤلمة للجنس البشري كله، إذ يولد ورجاساته تعمل في داخله "هأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" (مز 51: 5). هذا معنى لم تقطع سرتك = فعن طريق السرة يأتي الغذاء للطفل أولًا في بطن الأم، والمعنى هنا أن مصادر الخطية، خطية أبائك (الأموري والحثي) ما زالت تغذيك = لك نفس خطاياهم، فكنت في نجاسة الخطية الأصلية، ولم يطهرك أحد = ولم تغسلي بالماء للتنظيف.
ولم يسترك أحد فظللت عارية، فالخطية تساوي العري = لم تقمطي تقميطًا = فلا يوجد في البشر من يغسل أدناسنا أو يحمل عارنا ويسترنا بقماط. ولم تملحي تمليحًا الملح يستخدم ليمنع الطعام من الفساد (كالفسيخ مثلًا)، فلم يكن هناك ثلاجات أو ثلج في ذلك الزمان. فكان الملح علامة عدم الفساد (2أي 13: 5 + مر 9: 49، 50 + كو 4: 6) والمعنى أنه لم يكن هناك حماية لك من الفساد. والمسيح أتى ليفتدينا ويستر علينا ويفيض علينا من نعمته التي تحفظنا من الفساد. لذلك فالكنيسة في صلاة الحميم للطفل في يوم ميلاده السابع ، تضع ملحًا في الماء إشارة للنعمة التي سيحصل عليها الطفل في المعمودية فتحفظه من الفساد (وتضع في الماء زيتًا إشارة لعمل الروح القدس وحلوله على المعمد في سر الميرون الذي يعقب سر العماد، فالكنيسة في صلاة الحميم تعلن اهتمامها بالطفل وأنها بأسرارها فيها كل ما يحتاجه الطفل ليحيا في عدم فساد منذ ميلاده وحتى انتقاله).
وَلَمْ تَشْفُقْ عَلَيْكِ عَيْنٌ = بل حين ولدت الأمة اليهودية كان ذلك في مصر في أرض العبودية، وفرعون كرمز للشيطان أذلهم وإستعبدهم. وَطُرِحْتِ.. بِكَرَاهَةِ نَفْسِكِ = فالمصريين كرهوهم بل إعتبروهم رجس، ولنلاحظ أن من عروها قد كرهوها، والشيطان يسهل لنا طريق الخطية ليس حبًا فينا بل كراهية لنا، وليدمرنا.
نجد هنا حصرًا لما قدمه الله للأمة اليهودية أولأ. مدوسة بدمك = نتيجة أنها ورثت خطية آدم كانت مستعبدة للشيطان، فالكل مولود بالخطية [بالخطية ولدتني أمي] (مز 51: 5)، وبدأ الله خطة الخلاص وأتى بهم كنسل إبراهيم إلى مصر ليعزلهم عن نجاسات كنعان. وحافظ عليهم وكون منهم شعبا كبيرا وسط أمة كرهتهم. وكانوا على حافة الخراب والهلاك في مصر، مكتوب عليهم الموت فَقُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي، قُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي = هذه كقول بولس الرسول "أما أنا فكنت بدون الناموس عائشًا قبلًا" (رو 7: 9) وهذه كما يقول المثل العامي عن مريض أو فقير معدم "أهي عيشة والسلام". أي قرر لها الله الحياة. وبالنسبة لكل البشرية فالله نظر إلى هذا العالم في نجاسته يتمرغ في دمه (يموت ويهلك) وهو منبوذ مطرود، لكن الله في صلاحه يريد للبشر الحياة. فقال لهم الله بِدَمِكِ عِيشِي أي تعيش كما هي، مجرد حياة لأنه ما زال هناك دم في عروق البشر يُبقى عليهم أحياء لفترة من الزمن، ولكن الخطية كائنة فيهم تنجسهم، وهم في خطاياهم مدوسين من إبليس = مدوسة بدمك، ومدوسين من خطاياهم، فبقائها بدمها اشارة لاستمرارها في نجاستها بلا تطهير (لا 12 + لا 15: 19 – 30)، هي تحتاج تطهير بدم ذبيحة ، وهي في نجاستها تعتبر ميتة وهذا يعني ان كل البشر هم فاقدين للحياة الأبدية وقول الله هنا بِدَمِكِ عِيشِي = أي لتبقى حياتك البشرية لفترة، وَعِيشِي بحالتك ولا تموتي، حتى أتدخل بنعمتي، فتولدي ميلادًا جديدًا في المعمودية بعد الفداء، وذلك في ملء الزمان، أما الآن فيكفي أنك حية وإنتظري. وتكرار بِدَمِكِ عِيشِي، يعني توجيه هذه الكلمة للأمم واليهود. والله لم يتركها تحيا فقط بل إهتم بها ورعاها وأعطاها بركات زمنية = فربوت وكبرت ونما الجنس البشري وإزدهر في كل مكان. ربوت = من ربوة أي مكان مرتفع، والكلمة مُتَرْجَمَة في الإنجليزية مزدهرة نامية كنبات الحقل = جَعَلْتُكِ رَبْوَةً.. وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ = جعلها الله جميلة، فكم من مدن جميلة وحضارات عريقة وفلسفات وعلوم، لم يبخل الله على العالم بشيء. (وشيء شبيه بذلك فلقد استمر العالم الشيوعي يسب الله أكثر من سبعين سنة، والله يفيض عليهم قوة وعلم وغذاء.. إلخ.). ولاحظ أنه بالرغم من إضطهاد المصريين لشعب الله، قول الكتاب عنهم "وَلكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هكَذَا نَمَوْا وَامْتَدُّوا" [فاختشى منهم المصريون] (خر1: 12). الله أعطاهم نموًا عدديًا. والله أعطى لبقية الشعوب نموًا ونضجًا عقليًا وصار للعالم جمال ونضج وفكر = نهد ثدياك ونبت شعرك = فالتشبيه بعروس، والعروس لا تخطب إلا إذا نضجت وعلامة النضج للفتاة ثدياها، ألن تستعملهما في إرضاع أولادها. والكنيسة ترضع أولادها لينموا في الإيمان. هذا القول يشير لأن المسيح أيضًا أتى في ملء الزمان (غل 4: 4) بعد أن صار العالم ناضجًا مستعدًا لذلك المجيء. واليهود كان لهم ثديان يرضعان منهما أولادهم وهم الناموس والأنبياء. والكنيسة لها أيضًا ثديان هما العهد القديم والعهد الجديد.
عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً = تكرار القول فيه إشارة:-
1) لأنها مولودة بالخطية فَـ:عُرْيَانَةً إشارة للخطية الأصلية، وَعَارِيَةً إشارة لخطاياها الحالية.
2) عريانة إشارة للخطية، فآدم لم يشعر أنه عريان إلا بعد أن أخطأ، وعارية فيه إشارة للشعور بعدم الاحتياج للمسيح (رؤ 3: 17) وبالتالي لا يلجأوا إليه. فالمسيح وحده هو الذي يستر، ورمزا لهذا إستتر آدم بذبيحة.
3) عريانة إشارة لليهود بسبب تعديهم على الناموس، وعارية إشارة للأمم لخطاياهم.
الآيات (8-14):- "فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي. فَحَمَّمْتُكِ بِالْمَاءِ، وَغَسَلْتُ عَنْكِ دِمَاءَكِ، وَمَسَحْتُكِ بِالزَّيْتِ، وَأَلْبَسْتُكِ مُطَرَّزَةً، وَنَعَلْتُكِ بِالتُّخَسِ، وَأَزَّرْتُكِ بِالْكَتَّانِ، وَكَسَوْتُكِ بَزًّا، وَحَلَّيْتُكِ بِالْحُلِيِّ، فَوَضَعْتُ أَسْوِرَةً فِي يَدَيْكِ وَطَوْقًا فِي عُنُقِكِ. وَوَضَعْتُ خِزَامَةً فِي أَنْفِكِ وَأَقْرَاطًا فِي أُذُنَيْكِ وَتَاجَ جَمَال عَلَى رَأْسِكِ. فَتَحَلَّيْتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلِبَاسُكِ الْكَتَّانُ وَالْبَزُّ وَالْمُطَرَّزُ. وَأَكَلْتِ السَّمِيذَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ، وَجَمُلْتِ جِدًّا جِدًّا، فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ. وَخَرَجَ لَكِ اسْمٌ فِي الأُمَمِ لِجَمَالِكِ، لأَنَّهُ كَانَ كَامِلًا بِبَهَائِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ."
فَمَرَرْتُ بِكِ.. وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ = لقد صارت العروس ناضجة الآن، وعلى العريس أن يتقدم لخطبتها. فالشعب اليهودي في مصر صار ناضجًا ليتحرر فأرسل الله لهم موسى، وبالنسبة للكنيسة فلقد جاء المسيح بنفسه لها. كان موسى مخلصًا للشعب في زمن حب الله لهم، وكان المسيح في تجسده أبلغ مثل للحب "ليس حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13). زمن الحب = ملء الزمان = الزمن الذي رآه الله مناسبا لتجسد المسيح حبا في البشر. وحين مر السيد عليها كانت عريانة بفعل الخطية، فستر السيد عليها = وَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ = هذا ما فعله بوعز مع راعوث إشارة للمسيح عريس نفوسنا (را 3: 9). فالقدوس لم يستنكف من أن يأخذنا له عروسًا. ودخلت معك في عهد = كان العهد الأول لآدم وحواء [نسل المرأة يسحق رأس الحية] (تك 3: 15)، والوعد الثاني لنوح بعدم الهلاك "قوس قزح" والوعد الثالث لإبراهيم بالختان والوعد الرابع مع موسى بالذبائح وخروف الفصح، والوعد الخامس والأخير بدم المسيح. هي كانت نجسة تعيش بدمها ولا تطهير سوى بالدم (عب 9: 22) فحممتك بالماء = لليهود بالمرور في البحر الأحمر، ولنا بالمعمودية (= تطهير) (رو 6) التي فيها نموت في المسيح ومسحتك بالزيت = هذا رمز لعمل الروح القدس، فمع اليهود كان هذا للأنبياء والملوك والكهنة. أما في العهد الجديد فكلنا مسحنا بالميرون وصرنا هياكل للروح القدس. وغسلت عنك دماءك = بالمعمودية نغسل من دماء خطايانا الأصلية التي ولدنا بها والحالية التي إرتكبناها بعد المعمودية. وبعد المسح بالروح القدس نصير له = فصرتِ لي = لاحظ أن المسح بالميرون فيه تكريس للممسوح فيصير قدسًا أي مخصصًا لله. وألبستك مطرزة = تلبس أفخر الملابس بعد أن كانت عارية. وأفخر ما نرتديه هو المسيح "الْبَسُوا.. الْمَسِيحَ" فبالمعمودية تصير لنا حياة المسيح الكامل في صفاته (رو 13: 14 + في 1: 21) ونعلتك بالتخس = كما ألبس الابن الضال حذاء في رجليه، هذه حماية لنا لنسير وسط العالم ولا ننحرف عن طريق الله. والكتان = علامة النقاوة والطهارة. بَزًّا = والبَز علامة البر. وَالْحُلِيِّ = هي عربون الروح الذي يكسب النفس جمالًا. ووضع الإسورة في يديها (أَسْوِرَةً فِي يَدَيْكِ) = هو تقديس طاقات العمل لحساب الملكوت وخزامة في أنفها وأقراطًا في أذنيها (خِزَامَةً فِي أَنْفِكِ وَأَقْرَاطًا فِي أُذُنَيْكِ) = لتقديس حواسها. أما تاج جمالها (تَاجَ جَمَال) = فهو السيد المسيح نفسه. وتحليت بالذهب = الحياة السماوية. والفضة = كلمة الله (مز 12: 6). وأكلت السميذ = جسد المسيح غذاء للنفس، أما اليهود فأكلوا المن وقد يكون أيضًا لليهود الحلي والذهب والفضة هي ما أخذوها من المصريين. وَأَكَلْتِ.. الْعَسَلَ = حين أكل حزقيال كلمة الله (الدَرْج) كان في فمه كالعسل. وهكذا داود وإرمياء ويوحنا (راجع تفسير إصحاح 3: آيات 1-15). وخرج لك اسم في الأمم = هكذا جاءت ملكة سبأ لسليمان. والكنيسة دائمًا منارة للعالم كله.
والله عادة يحب أن يرفع من شأن أولاده الذين يحبهم إذ هو يكرم من يكرمونه (1صم2: 30)، وكما إشتهرت حكمة سليمان إشتهرت بركة إبراهيم وإسحق (تك26: 26 – 30) وهذا ما حدث مع حزقيا الملك حين غيَّرت الشمس اتجاهها، وهي من آلهة البابليين فأتى أمراء بابل ليروا من هو هذا الإنسان الذي فعل هذا.
14وَخَرَجَ لَكِ اسْمٌ فِي الأُمَمِ لِجَمَالِكِ، لأَنَّهُ كَانَ كَامِلًا بِبَهَائِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ = سر جمالنا الحقيقي وقوتنا وبركتنا هو الثبات في المسيح.
الآيات (15-34):- "«فَاتَّكَلْتِ عَلَى جَمَالِكِ، وَزَنَيْتِ عَلَى اسْمِكِ، وَسَكَبْتِ زِنَاكِ عَلَى كُلِّ عَابِرٍ فَكَانَ لَهُ. وَأَخَذْتِ مِنْ ثِيَابِكِ وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَاتٍ مُوَشَّاةٍ، وَزَنَيْتِ عَلَيْهَا. أَمْرٌ لَمْ يَأْتِ وَلَمْ يَكُنْ. وَأَخَذْتِ أَمْتِعَةَ زِينَتِكِ مِنْ ذَهَبِي وَمِنْ فِضَّتِي الَّتِي أَعْطَيْتُكِ، وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ صُوَرَ ذُكُورٍ وَزَنَيْتِ بِهَا. وَأَخَذْتِ ثِيَابَكِ الْمُطَرَّزَةَ وَغَطَّيْتِهَا بِهَا، وَوَضَعْتِ أَمَامَهَا زَيْتِي وَبَخُورِي. وَخُبْزِي الَّذِي أَعْطَيْتُكِ، السَّمِيذَ وَالزَّيْتَ وَالْعَسَلَ الَّذِي أَطْعَمْتُكِ، وَضَعْتِهَا أَمَامَهَا رَائِحَةَ سُرُورٍ. وَهكَذَا كَانَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. «أَخَذْتِ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ الَّذِينَ وَلَدْتِهِمْ لِي، وَذَبَحْتِهِمْ لَهَا طَعَامًا. أَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ زِنَاكِ أَنَّكِ ذَبَحْتِ بَنِيَّ وَجَعَلْتِهِمْ يَجُوزُونَ فِي النَّارِ لَهَا؟ وَفِي كُلِّ رَجَاسَاتِكِ وَزِنَاكِ لَمْ تَذْكُرِي أَيَّامَ صِبَاكِ، إِذْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً وَكُنْتِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ. وَكَانَ بَعْدَ كُلِّ شَرِّكِ. وَيْلٌ، وَيْلٌ لَكِ! يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، أَنَّكِ بَنَيْتِ لِنَفْسِكِ قُبَّةً وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَةً فِي كُلِّ شَارِعٍ. فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق بَنَيْتِ مُرْتَفَعَتَكِ وَرَجَّسْتِ جَمَالَكِ، وَفَرَّجْتِ رِجْلَيْكِ لِكُلِّ عَابِرٍ وَأَكْثَرْتِ زِنَاكِ. وَزَنَيْتِ مَعَ جِيرَانِكِ بَنِي مِصْرَ الْغِلاَظِ اللَّحْمِ، وَزِدْتِ فِي زِنَاكِ لإِغَاظَتِي. «فَهأَنَذَا قَدْ مَدَدْتُ يَدِي عَلَيْكِ، وَمَنَعْتُ عَنْكِ فَرِيضَتَكِ، وَأَسْلَمْتُكِ لِمَرَامِ مُبْغِضَاتِكِ، بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، اللَّوَاتِي يَخْجَلْنَ مِنْ طَرِيقِكِ الرَّذِيلَةِ. وَزَنَيْتِ مَعَ بَنِي أَشُّورَ، إِذْ كُنْتِ لَمْ تَشْبَعِي فَزَنَيْتِ بِهِمْ، وَلَمْ تَشْبَعِي أَيْضًا. وَكَثَّرْتِ زِنَاكِ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَبِهذَا أَيْضًا لَمْ تَشْبَعِي. مَا أَمْرَضَ قَلْبَكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِذْ فَعَلْتِ كُلَّ هذَا فِعْلَ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ سَلِيطَةٍ، بِبِنَائِكِ قُبَّتَكِ فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق، وَصُنْعِكِ مُرْتَفَعَتَكِ فِي كُلِّ شَارِعٍ. وَلَمْ تَكُونِي كَزَانِيَةٍ، بَلْ مُحْتَقَرةً الأُجْرَةَ. أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ الْفَاسِقَةُ، تَأْخُذُ أَجْنَبِيِّينَ مَكَانَ زَوْجِهَا. لِكُلِّ الزَّوَانِي يُعْطُونَ هَدِيَّةً، أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ أَعْطَيْتِ كُلَّ مُحِبِّيكِ هَدَايَاكِ، وَرَشَيْتِهِمْ لِيَأْتُوكِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلزِّنَا بِكِ. وَصَارَ فِيكِ عَكْسُ عَادَةِ النِّسَاءِ فِي زِنَاكِ، إِذْ لَمْ يُزْنَ وَرَاءَكِ، بَلْ أَنْتِ تُعْطِينَ أُجْرَةً وَلاَ أُجْرَةَ تُعْطَى لَكِ، فَصِرْتِ بِالْعَكْسِ."
نجد هنا حصرًا للشر العظيم الذي إرتكبوه في نكران واضح لجميل الله. كانت جريمتهم هي الوثنية ويسميها الكتاب زنا روحي، فهي خيانة بالقلب = إذا أحب الإنسان أحدًا غير الله وعبده. وبدأت العبادة الوثنية في أواخر أيام سليمان واستمرت. هنا انحراف هذه العروس وراء آخر غير عريسها. وفي حالتنا هو ارتباطنا بالأمور العالمية على حساب الله. وبدء السقوط هو الكبرياء = إتكلت على جمالك = فالنفس التي تثق في جمالها وتظن أنها بارة تقوم بدور الزانية، لأنه فيما تفعله حسنًا لا تفعله لإعلان مجد الله بل هي تطلب مجدها الذاتي، وزنيت على إسمك = أحسن شرح لهذه الآية هو ما حدث من حزقيا الملك، فحينما أتى له أمراء بابل مبهورين من معجزة تغيير الشمس لاتجاهها بسببه والشمس من آلهتهم، وربما كان في فكرهم إلتماس بركته أو طلب حمايته إذ صنع له الرب إسمًا عظيما، إذ بحزقيا يسقط ويتباهى بنفسه وكأنه يطلب عمل حلف معهم طالبا حماية البابليين له، هذا بدلا من أن يشهد لله فيعرف البابليون الله. وكانت هذه السقطة من حزقيا الملك في نظر الله زنا روحي، إذ لجأ حزقيا لغير الله. وهذه السقطة لم يسقط فيها بولس الرسول إذ حين أراد شعب لسترة أن يذبحوا له كإله رفض بشدة وبشرهم بالله (أع14: 8 – 18).
وسكبت زناك على كل عابر = أي عبدوا كل أوثان جيرانهم. وَفَرَّجْتِ رِجْلَيْكِ لِكُلِّ عَابِرٍ= وهذه العبارة جاءت في الترجمة الإنجليزية (new kjv) هكذا " قدمت نفسك لكل عابر" وجاءت في الـ(old KJV) كما جاءت في الترجمة العربية. فنفهم أن هذا كان تعبير يهودي عن اللواتي يحترفن الزنى ويعرضن أنفسهن.
وأخذت كل ما أعطاها الله من مواهب وزينة (صحة ومال وإسم...) زَيْتِي وَبَخُورِي وَخُبْزِي.. وَزَنَيْتِ عَلَيْهَا = بالنسبة لليهود فهم قدموا كل شيء للأوثان التي عبدوها. ولنا الآن فهذا يعني إستخدام كل شيء في الخطايا. بل هم قدموا أولادهم ذبائح للأوثان (ذَبَحْتِ بَنِيَّ وَجَعَلْتِهِمْ يَجُوزُونَ فِي النَّارِ لَهَا) = هم عملوا هذا فعلًا ولكن روحيًا كم من أولاد لنا، جسديين أو روحيين كنا سببًا في هلاكهم. ولاحظ هنا أن الله يقول ذبحت بنيَّ = فالأولاد هم أولاده هو، أما الآباء فما هم سوى خدام لله يربون الأولاد لحساب الله. ومما ضاعف خطيتها نكرانها لجميل الله عليها = لم تذكري أيام صباك = يوم أخرجهم الله من أرض مصر وفاض عليهم ببركاته مظهرًا لهم تفاهة أوثان وآلهة الشعوب. وبعد خروجهم تذمروا على الله طالبين العودة إلى مصر من أجل الكُرَّات واللحم ونسوا سياط وإذلال المصريين لهم...وهذا يحدث مع كل تائب، إذ بعد أن ينعم بغفران خطاياه ويشعر بالسلام والطمأنينة، فإن أهمل جهاده نجد الشيطان يذكره بلذة الخطايا وينسيه بؤس آلام أيام عبوديته للخطية فيبدأ حنينه لخطاياه القديمة، وهذا ما يقال عنه في القداس الإلهي " تذكار الشر الملبس الموت " (صلاة الصلح بالقداس الباسيلي).
وَبَنَيْتِ لِنَفْسِكِ قُبَّةً = في كل مكان صنعوا لأنفسهم مذابح للأوثان. وروحيًا فهذا يعني أينما سار الإنسان لا يهتم سوى بملذاته وشهواته. وهي تدعو الآخرين للزنا معها أي بالنسبة لليهود يُدخِلون كل أصنام جيرانهم مصر وأشور... إلخ كآلهة يقدمون لها البخور ليسترضونها طالبين حمايتها وبركتها المزعومة، وعاقدين أحلافا مع شعوب هذه الآلهة. هذا يشبه من تتحول الخطية في حياته إلى حالة مرضية، يخطئ بلا شبع، وفي خطايا قد تكون متضادة (زنا وكبرياء مثلًا) والنتيجة أنها رَجَّسْتِ جَمَالَكِ = فبالخطية نفقد صورة المسيح فينا. وَبَنِي مِصْرَ الْغِلاَظِ اللَّحْمِ = أي من كانوا في نظرهم أقوياء قادرين على حمايتهم. زنيت معهم = هذه تشير غالبًا لإتكالهم على مصر، وعملهم معاهدات وحلف مع مصر لتحميهم، وكانت العادة في عقد المعاهدات للحماية أن من يطلب الحماية يقدم العبادة لآلهة من يطلب منه الحماية، وهذا حدث أيضًا مع أشور (آية 28). ولنلاحظ أنهم عبدوا آلهة الفلسطينيين فأسلمهم الله ليدهم، وهكذا مع مصر وأشور وبابل. وهكذا من يحب خطية تحرقه نيران هذه الخطية. وهي زانية تحتقر الأجرة، بل تعطي مَنْ يزني معها هدايا (زَانِيَةٍ.. مُحْتَقَرةً الأُجْرَةَ.. أَعْطَيْتِ كُلَّ مُحِبِّيكِ هَدَايَاكِ) = هذه إشارة للذهب والفضة التي يدفعونها للشعوب لعقد معاهدات معهم. وهم بعبادتهم لأوثان هذه الشعوب يرتكبون الزنا الروحي. والتشبيه هنا أن من عادة الزواني أنهن يأخذن أجرًا، ولم يسمع أن زانية دفعت هدية لأحد، أما هؤلاء فقد دفعن لآلهة الشعوب المجاورة. أو ليس هذا مثل من يضيع صحته ويصرف أمواله في سبيل خطاياه. تأخذ أجنبيين مكان زوجها = الزوج هنا هو الرب، وزوجها هو الذي يدافع عنها، لكنها أخذت أوثانًا مكان زوجها.
الآيات (35-43):- "«فَلِذلِكَ يَا زَانِيَةُ اسْمَعِي كَلاَمَ الرَّبِّ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ أُنْفِقَ نُحَاسُكِ وَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُكِ بِزِنَاكِ بِمُحِبِّيكِ وَبِكُلِّ أَصْنَامِ رَجَاسَاتِكِ، وَلِدِمَاءِ بَنِيكِ الَّذِينَ بَذَلْتِهِمْ لَهَا، لِذلِكَ هأَنَذَا أَجْمَعُ جَمِيعَ مُحِبِّيكِ الَّذِينَ لَذَذْتِ لَهُمْ، وَكُلَّ الَّذِينَ أَحْبَبْتِهِمْ مَعَ كُلِّ الَّذِينَ أَبْغَضْتِهِمْ، فَأَجْمَعُهُمْ عَلَيْكِ مِنْ حَوْلِكِ، وَأَكْشِفُ عَوْرَتَكِ لَهُمْ لِيَنْظُرُوا كُلَّ عَوْرَتِكِ. وَأَحْكُمُ عَلَيْكِ أَحْكَامَ الْفَاسِقَاتِ السَّافِكَاتِ الدَّمِ، وَأَجْعَلُكِ دَمَ السَّخْطِ وَالْغَيْرَةِ. وَأُسَلِّمُكِ لِيَدِهِمْ فَيَهْدِمُونَ قُبَّتَكِ وَيُهَدِّمُونَ مُرْتَفَعَاتِكِ، وَيَنْزِعُونَ عَنْكِ ثِيَابَكِ، وَيَأْخُذُونَ أَدَوَاتِ زِينَتِكِ، وَيَتْرُكُونَكِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. وَيُصْعِدُونَ عَلَيْكِ جَمَاعَةً، وَيَرْجُمُونَكِ بِالْحِجَارَةِ وَيَقْطَعُونَكِ بِسُيُوفِهِمْ، وَيُحْرِقُونَ بُيُوتَكِ بِالنَّارِ، وَيُجْرُونَ عَلَيْكِ أَحْكَامًا قُدَّامَ عُيُونِ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ. وَأَكُفُّكِ عَنِ الزِّنَا، وَأَيْضًا لاَ تُعْطِينَ أُجْرَةً بَعْدُ. وَأُحِلُّ غَضَبِي بِكِ فَتَنْصَرِفُ غَيْرَتِي عَنْكِ، فَأَسْكُنُ وَلاَ أَغْضَبُ بَعْدُ. مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ لَمْ تَذْكُرِي أَيَّامَ صِبَاكِ، بَلْ أَسْخَطْتِنِي فِي كُلِّ هذِهِ، فَهأَنَذَا أَيْضًا أَجْلِبُ طَرِيقَكِ عَلَى رَأْسِكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَلاَ تَفْعَلِينَ هذِهِ الرَّذِيلَةَ فَوْقَ رَجَاسَاتِكِ كُلِّهَا."
نجد هنا أجرة الخطية. فالأمم الذين زنوا معهم سيكونون هم سببًا في خرابهم. أليس في الأمراض الجنسية مثالًا لذلك (الزهري Syphilis والإيدز HIV/AIDS). إذًا الشخص يَهلَك من خطيته. وسيكون تأديبها علنيًا = قدام عيون نساء كثيرة = حتى يتعظ الجميع. والنساء الكثيرة هنا هي شعوب كثيرة، فالله يعلن قداسته لباقي الشعوب في رفضه خطية شعبه. والله يستر كثيرًا على خطايانا، فإذا أصر المرء على خطيته يسمح الله بأن يفضح، فربما يتوب. والأمور الخاطئة التي يظن الإنسان أن فيها سعادته يكون فيها خرابه.
ويتركونك عريانة وعارية = إننا نفضح أمام الجميع، لو تخلى عنا المسيح الذي يسترنا. أُحِلُّ غَضَبِي بِكِ.. فَأَسْكُنُ وَلاَ أَغْضَبُ بَعْدُ = هذه ضربة إفناء للخطاة، وتطهير لمن بقى فيه رجاء، وعندما يفنى الأشرار ويتطهر الباقين يسكن غضب الله. فإلهنا نار آكلة (عب12: 29). وأكفك عن الزنا = هذا ناتج عن التطهير إذ سمح الله بتأديبهم. وتاريخيًا فاليهود بعد عودتهم من السبي لم يعودوا أبدًا لعبادة الأوثان. لاحظ أن خراب الشعب أتى على يد أصدقائه "فإن أرضت الرب طرق إنسان جعل أعداؤه يسالمونه" والعكس إن لم ترضي الرب طرق إنسان جعل أصدقاؤه في حرب معه. ويسحب الله منه كل ما سبق وأعطاه له من بركات، ويتركه بلا زينة = عريانة وعارية .
أكشف عورتك = هذا التعبير حين يقال عن المدن فهو يعني كشف نقاط الضعف فيها حتى يدخل منها جيش الأعداء بسهولة حين يهاجمها. وعادة ما يكون هذا العمل هو عمل الجواسيس الذين يتجسسون نقاط الضعف. وكان هذا الإتهام هو ما وجهه يوسف إلى إخوته [أنهم جاءوا ليروا عورة الأرض] (تك42 : 9).
الآيات (44-59):- "«هُوَذَا كُلُّ ضَارِبِ مَثَل يَضْرِبُ مَثَلًا عَلَيْكِ قَائِلًا: مِثْلُ الأُمِّ بِنْتُهَا. اِبْنَةُ أُمِّكِ أَنْتِ، الْكَارِهَةُ زَوْجَهَا وَبَنِيهَا. وَأَنْتِ أُخْتُ أَخَوَاتِكِ اللَّوَاتِي كَرِهْنَ أَزْوَاجَهُنَّ وَأَبْنَاءَهُنَّ. أُمُّكُنَّ حِثِّيَّةٌ وَأَبُوكُنَّ أَمُورِيٌّ. وَأُخْتُكِ الْكُبْرَى السَّامِرَةُ هِيَ وَبَنَاتُهَا السَّاكِنَةُ عَنْ شِمَالِكِ، وَأُخْتُكِ الصُّغْرَى السَّاكِنَةُ عَنْ يَمِينِكِ هِيَ سَدُومُ وَبَنَاتُهَا. وَلاَ فِي طَرِيقِهِنَّ سَلَكْتِ، وَلاَ مِثْلَ رَجَاسَاتِهِنَّ فَعَلْتِ، كَأَنَّ ذلِكَ قَلِيلٌ فَقَطْ، فَفَسَدْتِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ فِي كُلِّ طُرُقِكِ. حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنَّ سَدُومَ أُخْتَكِ لَمْ تَفْعَلْ هِيَ وَلاَ بَنَاتُهَا كَمَا فَعَلْتِ أَنْتِ وَبَنَاتُكِ. هذَا كَانَ إِثْمَ أُخْتِكِ سَدُومَ: الْكِبْرِيَاءُ وَالشَّبَعُ مِنَ الْخُبْزِ وَسَلاَمُ الاطْمِئْنَانِ كَانَ لَهَا وَلِبَنَاتِهَا، وَلَمْ تُشَدِّدْ يَدَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، وَتَكَبَّرْنَ وَعَمِلْنَ الرِّجْسَ أَمَامِي فَنَزَعْتُهُنَّ كَمَا رَأَيْتُ. وَلَمْ تُخْطِئِ السَّامِرَةُ نِصْفَ خَطَايَاكِ. بَلْ زِدْتِ رَجَاسَاتِكِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ، وَبَرَّرْتِ أَخَوَاتِكِ بِكُلِّ رَجَاسَاتِكِ الَّتِي فَعَلْتِ. فَاحْمِلِي أَيْضًا خِزْيَكِ، أَنْتِ الْقَاضِيَةُ عَلَى أَخَوَاتِكِ، بِخَطَايَاكِ الَّتِي بِهَا رَجَسْتِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ. هُنَّ أَبَرُّ مِنْكِ، فَاخْجَلِي أَنْتِ أَيْضًا، وَاحْمِلِي عَارَكِ بِتَبْرِيرِكِ أَخَوَاتِكِ. وَأُرَجِّعُ سَبْيَهُنَّ، سَبْيَ سَدُومَ وَبَنَاتِهَا، وَسَبْيَ السَّامِرَةِ وَبَنَاتِهَا، وَسَبْيَ مَسْبِيِّيكِ فِي وَسْطِهَا، لِكَيْ تَحْمِلِي عَارَكِ وَتَخْزَيْ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلْتِ بِتَعْزِيَتِكِ إِيَّاهُنَّ. وَأَخَوَاتُكِ سَدُومُ وَبَنَاتُهَا يَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِهِنَّ الْقَدِيمَةِ، وَالسَّامِرَةُ وَبَنَاتُهَا يَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِهِنَّ الْقَدِيمَةِ، وَأَنْتِ وَبَنَاتُكِ تَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِكُنَّ الْقَدِيمَةِ. وَأُخْتُكِ سَدُومُ لَمْ تَكُنْ تُذْكَرْ فِي فَمِكِ يَوْمَ كِبْرِيَائِكِ، قَبْلَ مَا انْكَشَفَ شَرُّكِ، كَمَا فِي زَمَانِ تَعْيِيرِ بَنَاتِ أَرَامَ وَكُلِّ مَنْ حَوْلَهَا، بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ اللَّوَاتِي يَحْتَقِرْنَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. رَذِيلَتُكِ وَرَجَاسَاتُكِ أَنْتِ تَحْمِلِينَهَا، يَقُولُ الرَّبُّ. «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أَفْعَلُ بِكِ كَمَا فَعَلْتِ، إِذِ ازْدَرَيْتِ بِالْقَسَمِ لِنَكْثِ الْعَهْدِ."
وهي كرهت زوجها (الله) وبنيها (فقدمتهم ذبائح). وهنا عدد الله خطايا سدوم، ولم يذكر خطيتهم البشعة وهي الشذوذ الجنسي صراحة ولكن قال عنها فِعْل الرجس (عَمِلْنَ الرِّجْسَ)، ونرى أن الخطايا المذكورة هنا هي التي تقود لهذه الخطية الكبرياء والشبع أي النهم وسلام الإطمئنان أي عدم الخوف من أثار الخطية أو عقوبتها. وظلم الفقير (لَمْ تُشَدِّدْ يَدَ الْفَقِيرِ) لذلك وصلت بهم الحالة إلى فِعْل الرجس (عَمِلْنَ الرِّجْسَ). هذه الحالة المتردية التي وصل لها الجميع، وصاروا سبايا للخطايا، أي إسرائيل ويهوذا وسدوم... لا علاج لها إلا بمجيء المسيح. في هذه الحالة فقط يرجع الله يهيمن على القلب. ففي المسيح تصير الخليقة جديدة (2كو 5: 17) = يرجعن إلى حالتهن القديمة = أي إلى حالة ما قبل السقوط والفساد.
حينما يسقط المؤمن في الشر يكون أشر من غير المؤمن (مت 5: 13). والله دعاهم أولًا أولاد الحثيين والأموريين، والآن يزيد أن لها أختين هما السامرة (مملكة إسرائيل) وسدوم. وسميت السامرة الأخت الكبرى لأنها كمملكة أكبر من يهوذا. وخطية يهوذا فاقت خطايا أختيها فأظهرتهم أبرارا بالنسبة لها = وَاحْمِلِي عَارَكِ بِتَبْرِيرِكِ أَخَوَاتِكِ = ولكن هذه الآية لها معنى آخر إذ هي نبوة واضحة عن أن اليهود هم من سيصلبون المسيح ، وبالصليب سيتبرر أخواتها أي كل العالم يهودًا وأمم = وَأُرَجِّعُ سَبْيَهُنَّ، سَبْيَ سَدُومَ وَبَنَاتِهَا، وَسَبْيَ السَّامِرَةِ وبناتها ولكن يرجع بعض اليهود في البداية = وسبي مسبييك في وسطها (آية 53). وفي نهاية الأيام يرجع اليهود للمسيح = وَأَنْتِ وَبَنَاتُكِ تَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِكُنَّ الْقَدِيمَةِ (آية 55). وتكون خطية اليهود بصلب المسيح عارًا أبديا لهم لا يزيله سوى إيمانهم بالمسيح فيتبررون بدمه، إذ حمل المسيح عار كل البشر، حتى اليهود، بصليب العار، ولكن ذلك فقط لمن يؤمن. وكان الصليب هو طريق التعزية لكل البشر = لِكَيْ تَحْمِلِي عَارَكِ وَتَخْزَيْ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلْتِ بتعزيتك إياهن.
ولاحظ حالة الكبرياء التي كانت عليها يهوذا، فهي لم تكن تذكر سدوم في فمها (سَدُومُ لَمْ تَكُنْ تُذْكَرْ فِي فَمِكِ). وذلك قبل أن ينكشف شرها (قَبْلَ مَا انْكَشَفَ شَرُّكِ) = ولكن بعد أن إنكشف شرهم بصلبهم للمسيح إحتقرهم جميع الذين آمنوا بالمسيح، بسبب ما فعله اليهود إذ صلبوا رب المجد = بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ اللَّوَاتِي يَحْتَقِرْنَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. رَذِيلَتُكِ وَرَجَاسَاتُكِ أَنْتِ تَحْمِلِينَهَا، يَقُولُ الرَّبُّ. ويزيد الله على هذا بقوله إني أفعل بك كما فعلت = ونرى هذا في قول بولس الرسول عنهم " أنظروا الكلاب أنظروا فعلة الشر أنظروا القطع " (في 3: 2). وهذه الصفات كان اليهود يقولونها عن الأمم، وها هي نفسها قد صارت تقال عنهم بفم بولس الرسول.
الآيات (60-63):- "وَلكِنِّي أَذْكُرُ عَهْدِي مَعَكِ فِي أَيَّامِ صِبَاكِ، وَأُقِيمُ لَكِ عَهْدًا أَبَدِيًّا. فَتَتَذَكَّرِينَ طُرُقَكِ وَتَخْجَلِينَ إِذْ تَقْبَلِينَ أَخَوَاتِكِ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ، وَأَجْعَلُهُنَّ لَكِ بَنَاتٍ، وَلكِنْ لاَ بِعَهْدِكِ. وَأَنَا أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكِ، فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لِكَيْ تَتَذَكَّرِي فَتَخْزَيْ وَلاَ تَفْتَحِي فَاكِ بَعْدُ بِسَبَبِ خِزْيِكِ، حِينَ أَغْفِرُ لَكِ كُلَّ مَا فَعَلْتِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ»."
هنا فتح الله باب الرجاء ثانية بالوعد بالمسيح = عهدًا أبديًا قال عنه إرمياء النبي [عَهْدًا جَدِيدًا مَعَ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا] (إر31: 31) وحينئذ ستقبل الجميع فقول الكتاب إسرائيل ويهوذا يشير ضمنا لليهود والأمم، إذ في زمن إرمياء النبي كانت إسرائيل المملكة الشمالية قد إندثرت وإختلطت بالأمم الوثنية. وليس بعهدها السابق، حينما كانوا وحدهم شعب الله المختار. ففي المسيح سيقبل الكل وهذا معنى ولكن لا بعهدك = وأيضًا بلا ختان أو دم ذبائح حيوانية. بل بدم المسيح الذي يغفر = أغفر لك.
هذه الوعود في هذه الآيات هي وعود إنجيلية للكنيسة التي تضم الجميع، أي كل من يؤمن بالمسيح.
← تفاسير أصحاحات حزقيال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير حزقيال 17 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير حزقيال 15 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ma98gcp