← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
كان حكم الله قد صدر بحصار وخراب أورشليم، ولكن اليهود غير المؤمنين لم يصدقوا، وكانوا يوهمون أنفسهم أنهم سيعودون إليها قريبًا، وربما في مراسلات اليهود الباقين في أورشليم مع أقربائهم في السبي كانوا يوبخونهم على بقائهم في السبي، وأن أورشليم ستنتصر على بابل. ولاحظ أن التهديد بخراب بابل لأورشليم كان يقال على فم إرميا النبي في أورشليم، وعلى فم حزقيال النبي في أرض السبي. والشعب المتمرد هنا وهناك رفض كلام كلا النبيين ولكي يكسر الله كبريائهم أعطى للنبي هنا هذه الرؤيا الواضحة عن الحصار العتيد أن يحدث بواسطة بابل لأورشليم وهنا تم تمثيل أمرين:-
أ) التحصينات التي ستقوم ضد المدينة. وهنا أُمِر النبي بصنع نموذج لأورشليم، وعليه أن يرقد مثبتًا نظره عليها كمن يحاصرها.
ب) تمثيل المجاعة الرهيبة التي ستتعرض لها أورشليم، وذلك بأن يأكل النبي كمية محدودة من الخبز والماء طوال مدة رقاده التي تمثل مدة حصار أورشليم.
الآيات 1-8:- "«وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ لِبْنَةً وَضَعْهَا أَمَامَكَ، وَارْسُمْ عَلَيْهَا مَدِينَةَ أُورُشَلِيمَ. وَاجْعَلْ عَلَيْهَا حِصَارًا، وَابْنِ عَلَيْهَا بُرْجًا، وَأَقِمْ عَلَيْهَا مِتْرَسَةً، وَاجْعَلْ عَلَيْهَا جُيُوشًا، وَأَقِمْ عَلَيْهَا مَجَانِقَ حَوْلَهَا. وَخُذْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ صَاجًا مِنْ حَدِيدٍ وَانْصِبْهُ سُورًا مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ، وَثَبِّتْ وَجْهَكَ عَلَيْهَا، فَتَكُونَ فِي حِصَارٍ وَتُحَاصِرَهَا. تِلْكَ آيَةٌ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. «وَاتَّكِئْ أَنْتَ عَلَى جَنْبِكَ الْيَسَارِ، وَضَعْ عَلَيْهِ إِثْمَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. عَلَى عَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا تَتَّكِئُ عَلَيْهِ تَحْمِلُ إِثْمَهُمْ. وَأَنَا قَدْ جَعَلْتُ لَكَ سِنِي إِثْمِهِمْ حَسَبَ عَدَدِ الأَيَّامِ، ثَلاَثَ مِئَةِ يَوْمٍ وَتِسْعِينَ يَوْمًا، فَتَحْمِلُ إِثْمَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فَإِذَا أَتْمَمْتَهَا، فَاتَّكِئْ عَلَى جَنْبِكَ الْيَمِينِ أَيْضًا، فَتَحْمِلَ إِثْمَ بَيْتِ يَهُوذَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَقَدْ جَعَلْتُ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ عِوَضًا عَنْ سَنَةٍ. فَثَبِّتْ وَجْهَكَ عَلَى حِصَارِ أُورُشَلِيمَ وَذِرَاعُكَ مَكْشُوفَةٌ، وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا. وَهأَنَذَا أَجْعَلُ عَلَيْكَ رُبُطًا فَلاَ تَقْلِبُ مِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ حَتَّى تُتَمِّمَ أَيَّامَ حِصَارِكَ."
لبنة = تكون من طين ينقش عليه وهو طري ثم تحرق فتصبح أَجُرَة وأرسم عليها مدينة أورشليم = قال الله قبل ذلك نَقَشْتُكِ عَلَى كَفَّيَّ (أش 49: 16) وكانت أسماء أسباط إسرائيل الـ12 منقوشة على حجارة كريمة على صدرة رئيس الكهنة. أما الآن فنظرًا لخطاياهم البشعة، فهم بمدينتهم أورشليم منقوشون على قالب طوب حقير. وأقام النبي حول هذا النموذج لأورشليم برجًا ومترسة ليمثل أبراج المهاجمين. صاجًا من حديد = إشارة لأن هذا الحصار قوي جدًا ولا يمكن الإفلات منه، وهو نهائي، والمحاصرين لن ينسحبوا ما لم يدمروا أورشليم تمامًا. هذا الشعب ما عاد يفهم بالكلام لقساوة قلبه، فالله يصور له عن طريق النبي ما سيحدث = تلك آية لبيت إسرائيل إن الأسلوب الذي اتبعه الله عن طريق النبي هنا، هو أسلوب يتبع لمن يخاطب صم وبكم، فالنبي هنا لا يعظ ولا يتكلم، بل هو بنفسه صار آية = بحصاره لهذا النموذج ونومه على جانبه. وهم صاروا صم وبكم لأن الخطية تفقد الإنسان حواسه الروحية فلا يعود الخاطئ يسمع ويفهم، بل يحتاج لمثل هذه العلامات، فربما يكون تأثير الصور على العقل أكبر فيفهموا، وربما أرسلوا لأقربائهم في أورشليم أيضًا لتحذيرهم. ولنلاحظ أن النبي نفذ ما طلب منه بالرغم من صعوبته وأيضًا فهو ضد رغبته الشخصية فهو كان يتمنى عدم خراب أورشليم ولا خراب الهيكل.
وكان على النبي أن يرقد على جانبه الأيسر لمدة 390 يومًا أي حوالي 13 شهرًا ثم يتكئ على جانبه الأيمن لمدة 40 يومًا. وهذه المدة هي مدة حصار بابل لمدينة أورشليم. ولكن بالرجوع لسفر إرميا (إر 52: 4-6) نجد أن مدة الحصار كانت 18 شهرًا... فما تفسير هذا؟ بالرجوع إلى (أر 37: 5-8) نجد أن جيش بابل قد انسحب لفترة بعيدًا عن أورشليم ليواجه جيش فرعون. فتكون الفترة الإجمالية للحصار هي 18 شهرًا شاملة الحصار الفعلي بالإضافة إلى فترة الانسحاب (أنظر الرسم):
أي أن البابليين بدأوا حصارًا مدته 390 يومًا انسحبوا بعده ليواجهوا جيش فرعون ثم عادوا لحصار قصير لمدة 40 يومًا نجحوا بعده في تحطيم المدينة بعد أن ثغروا السور (أر 52: 7).
فَتَحْمِلَ إِثْمَ = حاملًا الإثم: آلام النبي في هذا النوم على جانب واحد هي رمز لألام الشعب التي سيلاقونها في الحصار. تَحْمِلُ إِثْمَهُمْ = وحاملًا الإثم، أي حاملًا لعقوبة الإثم. هنا نسمع عن بريء يحمل عقوبة إثم الخطاة رمزًا لمن سيحمل آثامنا.
معنى الأرقام:- الـ390 يومًا إشارة إلى مدة انفصال مملكة إسرائيل عن يهوذا على يد يربعام بن نباط، وهذه المملكة انجرفت في تيار شرور العبادات الوثنية منذ نشأتها. ومملكة إسرائيل انشقت حوالي سنة 975 ق.م. أما خراب أورشليم فكان سنة 586 ق.م. إذن الفترة من الانشقاق حتى خراب أورشليم = 390 سنة تمامًا. وتكون الـ390 يومًا هي إشارة لكل المدة التي ظل فيها شعب مملكة إسرائيل يمارسون شرورهم منذ انشقوا عن يهوذا وحتى خراب أورشليم. ولاحظ أن مملكة إسرائيل قد انتهت على يد أشور سنة 722 ق.م. وهرب من هرب منهم إلى أورشليم ليحتموا بها، ولكنهم أتوا إلى أورشليم بخطاياهم. والله يعاقبهم هنا على كل سنة من خطاياهم بيوم حصار وهذا من مراحم الله. ولكن هناك كلام آخر في العذاب الأبدي.. ونعود لعبارة حاملًا الإثم (فَتَحْمِلَ إِثْمَ) = فلو استمع هذا الشعب الخاطئ لتحذيرات النبي وَقَدَّمُوا توبة لكان النبي قد حمل إثمهم، بآلامه هو في رقاده ولنجوا هم من الهلاك. والمسيح حمل إثمنا على الصليب، وبنفس المفهوم، فلو قدمنا توبة لخلصنا. ومعنى الـ40 يومًا:- هذه إشارة لإثم بيت يهوذا (المملكة الجنوبية) وهذه كانت أفضل حالًا من مملكة إسرائيل. ولكن كأس غضب الله قد امتلأ من ذنبهم خلال أربعين سنة فقط بينما إسرائيل قد ملأت كأسها في 390 سنة والسبب أن يهوذا كان لهم الهيكل والكهنوت بينما إسرائيل كانت محرومة من كل هذا. ومن له أكثر يدان أكثر. والأربعين سنة غالبًا محسوبة منذ العثور على سفر الشريعة أيام يوشيا الملك، أو منذ بدأ إرميا دعوته ونبوته، حتى حريق أورشليم. والمعلوم أن شعب يهوذا رفض إرميا ورفضوا إنذاراته، بل عذبوه كثيرًا.
وذراعك مكشوفة = كشف الذراع معناه الاستعداد للعمل بهمة. وهذا إشارة لتصميم الله على خراب أورشليم. وإذا فهمنا أن حزقيال (كحامل للإثم يرمز للسيد المسيح، فإن كشف الذراع يشير لتجسد المسيح (أش 51: 5، 9؛ 52: 10).
الآيات 9-17:- "«وَخُذْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ قَمْحًا وَشَعِيرًا وَفُولًا وَعَدَسًا وَدُخْنًا وَكَرْسَنَّةَ وَضَعْهَا فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، وَاصْنَعْهَا لِنَفْسِكَ خُبْزًا كَعَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي تَتَّكِئُ فِيهَا عَلَى جَنْبِكَ. ثَلاَثَ مِئَةِ يَوْمٍ وَتِسْعِينَ يَوْمًا تَأْكُلُهُ. وَطَعَامُكَ الَّذِي تَأْكُلُهُ يَكُونُ بِالْوَزْنِ. كُلَّ يَوْمٍ عِشْرِينَ شَاقِلًا. مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ تَأْكُلُهُ. وَتَشْرَبُ الْمَاءَ بِالْكَيْلِ، سُدْسَ الْهِينِ، مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ تَشْرَبُهُ. وَتَأْكُلُ كَعْكًا مِنَ الشَّعِيرِ. عَلَى الْخُرْءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ تَخْبِزُهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ». وَقَالَ الرَّبُّ: «هكَذَا يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ خُبْزَهُمُ النَّجِسَ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهِمْ». فَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، هَا نَفْسِي لَمْ تَتَنَجَّسْ. وَمِنْ صِبَايَ إِلَى الآنَ لَمْ آكُلْ مِيتَةً أَوْ فَرِيسَةً، وَلاَ دَخَلَ فَمِي لَحْمٌ نَجِسٌ». فَقَالَ لِي: «اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ لَكَ خِثْيَ الْبَقَرِ بَدَلَ خُرْءِ الإِنْسَانِ، فَتَصْنَعُ خُبْزَكَ عَلَيْهِ». وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هأَنَذَا أُكَسِّرُ قِوَامَ الْخُبْزِ فِي أُورُشَلِيمَ، فَيَأْكُلُونَ الْخُبْزَ بِالْوَزْنِ وَبِالْغَمِّ، وَيَشْرَبُونَ الْمَاءَ بِالْكَيْلِ وَبِالْحَيْرَةِ، لِكَيْ يُعْوِزَهُمُ الْخُبْزُ وَالْمَاءُ، وَيَتَحَيَّرُوا الرَّجُلُ وَأَخُوهُ وَيَفْنَوْا بِإِثْمِهِمْ»."
قارن هذه الآيات بالمراثي حيث يصف إرميا أهوال الحصار (مرا 4: 3، 4). وهنا أُمِر النبي أن يأكل نوعية رديئة من الخبز بكميات قليلة جدًا إشارة للمجاعة التي ستحدث، ومعنى الوزن للأكل عدم وفرته واضطرارهم لتوزيعه بالوزن. وأسوأ أنواع الخبز هو المصنوع من الحبوب المذكورة وهو طعام كانوا يستعملونه للخيل وللخنازير. والكمية التي يأكلها كانت = 220 جم تقريبًا، ويشرب ما يساوي 1/2 كوب ماء. وهذا إشارة لأهوال الحصار. فعلينا نحن إذًا في أصوامنا أن نلتزم بأن لا نبحث عن الطعام اللذيذ، فنحن لا نعرف ما سيحدث في المستقبل. أما طريقة إلخَبْزْ.. فعليه أن يخبز الخبز على وقود من خرء الإنسان (برازه) وهذا إشارة لنتائج الخطية التي تنجس. الله بهذا الأمر يشير لنجاسة الشعب إذ أن خرء الإنسان في العهد القديم يشير للنجاسة، ومَن يتلامس معه يتنجس، واعتذر النبي عن هذا الأمر، وتسامح الله معه، وسمح له باستخدام روث البقر كما يُصْنَع في الريف المصري. هنا النبي لم يكن يعلم أن ما يدخل الفم لا ينجسه بل ما يخرج منه (مت 15: 11؛ مر 7: 20). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكم أنت رحيم يا رب في أن يتنازل عن مطلبه أمام مطلب النبي. هكذا على الأقوياء أن يتنازلوا للضعفاء. ويشير أيضًا الخبز على خرء الإنسان لأن المسبيين سيضطرون في أثناء وجودهم في السبي أن يعاشروا الأمم الوثنية ويأكلوا معهم ومن طعامهم وفي هذا نجاسة. ويشير أيضًا لعدم وجود وقود نتيجة للحصار.
والله طلب هذا كإجابة على سؤال يسأله كل البشر... لماذا يتألم الإنسان؟ والإجابة أن هذا نتيجة عمله. فما يخرج من الإنسان يعبر عما في داخله، والداخل نجاسة (ار17: 9) كخزان الخارج منه يعبر عما فيه. والطعام هو حياتنا، والوقود المستخدم لإنضاج الطعام هو شهواتنا الفاسدة العفنة التي تحركنا. وانظر كيف شرح الوحي هذه الفكرة في [هوشع 7: 3-7] وراجع تفسير نبوة هوشع.
← تفاسير أصحاحات حزقيال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير حزقيال 5 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير حزقيال 3 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/h2342kv