(مت17:26-30): "وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟» فَقَالَ: «اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي». فَفَعَلَ التَّلاَمِيذُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا الْفِصْحَ. وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ اتَّكَأَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ قَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي». فَحَزِنُوا جِدًّا، وَابْتَدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ: «هَلْ أَنَا هُوَ يَا رَبُّ؟» فَأَجَابَ وَقَالَ: «الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي! إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!». فَأَجَابَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ وَقَالَ: «هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟» قَالَ لَهُ: «أَنْتَ قُلْتَ». وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي». وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي». ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ."
بدأ الرب خدمته بتأسيس سر المعمودية يوم اعتمد في الأردن. وبتأسيس سر الإفخارستيا ينهي خدمته. وكما أننا في المعمودية ندفن معه ونقوم معه هكذا في سر الإفخارستيا نرى موته وقيامته ونشترك معه فيهما. وسر الإفخارستيا أيضًا يشير لوليمة عشاء عرس الخروف (رؤ19: 9) في السماء.
مع تلميذيّ عمواس، نجد أنه حينما كسر الرب الخبز أمامهما إنفتحت أعينهما وعرفوا الرب يسوع فاختفى من أمامهما. والمعنى أنهم ونحن لن نعود نراه على الأرض بهيئة جسمية بل في صورة خبز وخمر. فهو يقدم نفسه يوميا لكنيسته = جسده -ذبيحة حية دائمة- خروف قائم كأنه مذبوح (رؤ5: 6) يعطي غفرانًا للخطايا وثباتا فيه -في جسده- وحياة أبدية.
← يرجى مراجعة سر الإفخارستيا في مذكرة الأسرار الكنسية.
كان طقس الفصح اليهودي يشمل أكل خروف الفصح على مستوى عائلي. فرب الأسرة يجتمع مع أسرته ويشتركون في أكل الخروف، وإن لم تكن الأسرة قادرة على شراء خروف تجتمع معها عائلة أخرى. ويأكلون خبز مع أعشاب مرة. وكان رب البيت يمسك الخبز في يده ويقول هذا هو خبز الغم والمحنة الذي أكله آباؤنا في مصر.
وكان رب الأسرة يقدم أربع كئوس خمر للحاضرين وكانت الكأس الثالثة تسمى كأس البركة (راجع مقدمة سر الإفخارستيا تحت عنوان الكأس الرابعة). وكانت الكئوس الأولى والثانية من طقوس عشاء الفصح عند اليهود، وإنجيل لوقا وحده أشار للكأس الثانية (لو22: 17) وهذا يعني أن المسيح إتبع في هذه الليلة طقوس الفصح اليهودي، لكنه بدلا من خروف الفصح قدم الخبز الذي حوله إلى جسده. وكانت كأس العهد الجديد بدم المسيح هي الكأس الثالثة كأس البركة (لو22: 20). والمعنى أن المسيح صار هو فصحنا (1كو5: 7) . وفي نهاية طقس الفصح يسبحون ويشربون الكأس الرابعة ... وهذه هي التي شربها المسيح خلًا على الصليب، وأسلم الروح بعدها ليصير هو ذبيحة الفصح الجديد، ويصير الصليب جزءا من الإفخارستيا، وصارت الإفخارستيا هي نفسها ذبيحة الصليب. فالإفخارستيا ليست ذبيحة جديدة بل هي نفسها ذبيحة الصليب.
وفي الفصح يستخدمون خبزًا غير مختمر أي فطير. ومنذ هذه الليلة ولمدة 7 أيام لا يأكلون سوى الفطير. ومساء الخميس أي عشية يوم الجمعة أسس السيد المسيح سر العشاء الرباني، قدًّم نفسه لكنيسته فصحًا حقيقيًا، قدّم جسده ودمه مأكلًا حق ومشربًا حق. كان اليهود سيقدمون الفصح يوم الجمعة، أمّا المسيح فسبق وأسس هذا السر لأنه كان يعلم أنه وقت الفصح اليهودي سيكون معلقًا على الصليب فالتلاميذ في العشاء السري لم يأكلوا خروف الفصح بل أكلوا جسد المسيح فصحنا الحقيقي. والمسيح بكلماته هنا غيًّر مفهوم العيد تمامًا:-
1. كانوا في عيد الفصح يذكرون ما حدث لهم في مصر من غم ومشقة. فصرنا لا ننظر للوراء أي للفداء الرمزي بل صرنا نذكر موته وجسده الذي أعطاه لنا.
2. عوضًا عن كأس الخمر صرنا نشرب دمه غفرانًا للخطايا ولننال حياة أبدية.
3. لم يَعُدْ الفصح على مستوى عائلي كما كان عند اليهود، بل تغير مفهوم العائلة، وصارت العائلة هي كل المؤمنين والمسيح رأس هذه العائلة. فالمسيح أكل الفصح مع تلاميذه دون النظر لأن يجتمع كل منهم مع عائلته. قدّس المسيح العلاقات الروحية على العلاقة الجسدية.
4. لاحظ أنهم كانوا كغرباء يبحثون عن مكان يأكلون فيه الفصح.
(الآيات 17-19): إعداد الفصح يستغرق وقتًا كبيرًا في تنظيف وإعداد البيت لئلا يكون فيه كسرة خبز مختمر+ شراء ما يحتاجونه، لذلك كان التلاميذ يحتاجون لوقت كبير ليعدوا الفصح يوم الجمعة. والمسيح تركهم يعدوا كيفما شاءوا دون أن يخبرهم صراحة عن أنه سيصلب غدًا ولن يأكل معهم هذا الفصح، بل استخدم الخبز والخمر في تأسيس الفصح الجديد، سر الإفخارستيا. وقتي قريب= لن يتمكن من اللحاق بالفصح فهو سيصلب. إلى فلان= السيد لم يحدد الاسم حتى لا يعرفه يهوذا فيتم تسليمه قبل أن يؤسس سر الفصح. والسيد لم يحدد الاسم لكنه حدَّد لهم علامة أنه شخص حامل جرة ماء (لو10:22) وكان هذا العمل تقوم به السيدات، وكان غريبًا أن يحمل رجل جرة. وغالبًا كان الشخص هو معلمنا مرقس كاروز ديارنا المصرية. وكان العشاء الرباني في منزله (أع13:12-14). وفي هذه العلية قضى التلاميذ العشرة أيام بعد صعود السيد وحتى حلول الروح القدس.
(الآيات 20-25): المسيح هنا يعطي يهوذا فرصة أخيرة ويحدثه برقة ويعلن له أنه يعلم بنيته الشريرة، كان مهتما بخلاص نفسه، ولذلك تكلم وسطهم دون أن يشير إليه حتى لا يجرح مشاعره. وإذ رأى السيد أن تلاميذه حزنوا وتشككوا في أنفسهم خاف عليهم وأعطى إشارة أن من يفعل هذا هو يهوذا يغمس يده في الصحفة= هو طعام عادي. ومع كل هذا لم يتب ولقد خرج دون أن يتناول الجسد والدم. ولقد أعلن السيد بؤسه المنتظر، ومع أن ما حدث كان بتدبير إلهي إلاّ أن يهوذا فعل كل شيء بإرادته. أنت قلت= تعبير يهودي يعني الموافقة، ومع هذا فكانت الخيانة قد أعمت عيني يهوذا. كان يهوذا شريرًا وقد إستخدم الله شره لتحقيق الأمور الإلهية. سؤال: ما ذنب يهوذا والخلاص الذي تم هو كل الخير للبشر؟ والرد أن نيته كانت شرًا وليست خيرًا. هذا كما قال يوسف لإخوته "أنتم قصدتم لي شرا، أما الله فقصد به خيرا" (تك50: 20).
(الآيات 26-28): أخذ يسوع الخبز= الكلمة تشير للخبز المختمر. والإخوة الكاثوليك يستخدمون الفطير بدعوى أن السيد المسيح بلا خطية والخمير يشير للخطية. وكنيستنا تستخدم الخبز المختمر ولها رأي آخر أن المسيح حامل لخطيتنا ولكنه كما أن نار الفرن أفسدت الخميرة وقتلتها، فإن المسيح بنيران آلامه وصليبه وموته قتل خطيئتي. وشكر= لذلك يسمى السر سر الشكر. للعهد الجديد= هو تعاقد إلهي بدم الرب والسيد حول الخبز والخمر إلى جسده ودمه بطريقة سرية. ونحن عندما نأكل جسد الرب ونشرب دمه. ننال الحياة فينا، إذ نكون كما لو أننا واحد معه، نسكن فيه وهو يملك أيضًا فينا. مغفرة الخطايا= مع التوبة والاعتراف فسر الشكر يغفر الخطايا، فسر الشكر هو هو نفسه ذبيحة الصليب.
(آية29): ما هو هذا الجديد الذي نشربه معه في ملكوت الآب، إلاّ تمتعنا بشركة الإتحاد مع الله في ابنه في السموات ، إتحادا نهائيا وبلا انفصال وعلى مستوى جديد. إنه امتداد لليتورجية الحالية (أي ما يحدث في القداس الإلهي من صلاة وتناول) ولكن بطريقة لا ينطق بها. وقوله جديد= يكون جديدًا كل يوم، نستمر في فرحة هذا الإتحاد كأنها جديدة دائمًا. بالمقارنة بما نحصل عليه على الأرض فنحن نشتهي الشيء وبمجرد حصولنا عليه يفقد لذته، أمّا الإتحاد بالله في السماء فيظل جديدًا مفرحًا منعشًا وللأبد.
(آية30): هكذا تسبح الكنيسة المزمور 150 بعد نهاية القداس وأثناء التناول (عب12:2) فماذا نقدم لله على عطية جسده ودمه سوى التسبيح والشكر. وكان اليهود يسبحون المزامير 115-118 بعد أكل الفصح والتلاميذ سبحوا بعد أن أكلوا الفصح الجديد.
(مر12:14-26): "وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْفِصْحَ، قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟» فَأَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيُلاَقِيَكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ. وَحَيْثُمَا يَدْخُلْ فَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: إِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ فَهُوَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً مُعَدَّةً. هُنَاكَ أَعِدَّا لَنَا». فَخَرَجَ تِلْمِيذَاهُ وَأَتَيَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. فَأَعَدَّا الْفِصْحَ. وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ جَاءَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ يَأْكُلُونَ، قَالَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي!» فَابْتَدَأُوا يَحْزَنُونَ، وَيَقُولُونَ لَهُ وَاحِدًا فَوَاحِدًا: «هَلْ أَنَا؟» وَآخَرُ: «هَلْ أَنَا؟» فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يَغْمِسُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ. إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!». وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا، هذَا هُوَ جَسَدِي». ثُمَّ أَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ، فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. وَقَالَ لَهُمْ: «هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ اللهِ». ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ."
لقد سبق السيد وهيأ أذهان تلاميذه في (يو51:6-58) بأنه سيقدم لهم جسده ودمه. وهو قدَّم لكنيسته عبر الأجيال جسده المصلوب القائم من الأموات ودمه المبذول غفرانًا للخطايا. قدًّم لكنيسته ذبيحة الصليب الواحدة غير المتكررة خلال سر الشكر. لقد صار لنا كلنا كأس واحد نشرب منه هو ينبوع واحد للحياة ألا وهو الجنب المطعون. وكلمة للعهد الجديد (24) مأخوذة من (إر31:31) فهو عهد الغفران بالدم. وختم أي عهد يكون بالدم (الذبائح في العهد القديم) ودم المسيح في العهد الجديد. أشربه جديدًا في ملكوت الله= هذا يشير لفرح الله بأن كنيسته عروسه معه في الملكوت وللأبد، وفرح الكنيسة بوجودها مع الله في ملكوته. هو الفرح الذي يكتمل حين يكمل المختارون في ملكوت الله. والفرح الذي نحصل عليه الآن هو العربون.
(لو7:22-23): "وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ. فَأَرْسَلَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلًا: «اذْهَبَا وَأَعِدَّا لَنَا الْفِصْحَ لِنَأْكُلَ». فَقَالاَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ؟». فَقَالَ لَهُمَا: «إِذَا دَخَلْتُمَا الْمَدِينَةَ يَسْتَقْبِلُكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ إِلَى الْبَيْتِ حَيْثُ يَدْخُلُ، وَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ الْمُعَلِّمُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ فَذَاكَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً. هُنَاكَ أَعِدَّا». فَانْطَلَقَا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا، فَأَعَدَّا الْفِصْحَ. وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ اتَّكَأَ وَالاثْنَا عَشَرَ رَسُولًا مَعَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: «شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ». ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ». وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ. وَلكِنْ هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ. وَابْنُ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ!». فَابْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «مَنْ تَرَى مِنْهُمْ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْعَلَ هذَا؟»"
(آية15): شهوة اشتهيت= المسيح لا يشتهي أكل اللحوم والخبز، بل أن يعطيهم جسده ودمه. هو كان يرحب بتقديم جسده ليعطينا حياته.
(آية17): ثم تناول كأسًا.. وقال.. إقتسموها بينكم= هذه الكأس هي كأس العشاء العادي، قبل أن يؤسس سر الإفخارستيا. كانت هذه آخر طقوس يتممها المسيح بحسب طقوس العهد القديم قبل أن يؤسس سر الإفخارستيا. وبعدها غسل أرجل تلاميذه لإعدادهم للإفخارستيا. وكانت العادة اليهودية أنهم يغسلون أرجلهم وأيديهم بعد الكأس الأولى. والسيد هنا هو الذي قام بهذا مع تلاميذه.
(آية18): لا أشرب من نتاج الكرمة= لا أعود أشرب معكم على الأرض ثانية فإني سأترك الأرض. فالخمر رمز للفرح وهو يشير لفرح على مستوى جديد في السماء.
(آية19): أخذ خبزًا وشكر وكسر= هنا السيد المسيح يؤسس سر الإفخارستيا. إصنعوا هذا لذكري= الذكرى هنا ليست معناها أن نتذكر ما حدث في هذه الليلة كما لأمرٍ غائب عنا، بل تحمل إعادة دعوته أو تمثيله في معنى فعال. الكلمة اليونانية المستخدمة تشير لهذا وتعني تذكر المسيح المصلوب والقائم من الأموات وتذكر ذبيحته لا كحدث ماضي بل تقديم ذبيحة حقة حاضرة وعاملة أي ذكرى فعالة.
(آية20): هذه الكأس هي دمه الذي للعهد الجديد. القديس لوقا لا يهتم بالترتيب الزمني ويورد قصة يهوذا بعد تأسيس السر. لكن هذه القصة حدثت قبل تأسيس السر (راجع إنجيل متى ومرقس). ولوقا يذكرها هنا لأنه يريد أن يظهر التناقض بين موقف المسيح الذي يبذل حياته وبين خيانة يهوذا. ثم يورد قصة عتاب المسيح للتلاميذ إذ انشغلوا بالزمنيات بينما هو يقدم لهم حياته ليضمن لهم الحياة الأبدية.
وهناك سبب آخر مهم ليذكر الرب خيانة يهوذا الذي خرج منذ فترة (آية21). فالرب كان قد أشار أنه هو الذي يسلمه (يو13: 18 - 29 + مت26: 20 - 25). وهنا يتحدث الرب عن تقديم دمه على الصليب. لذلك يشير ليهوذا الذي خرج منذ قليل ليشترك مع رؤساء الكهنة بخيانته في تدبير مؤامرة الصليب. وكأن المسيح أراد أن يشير للطريقة التي يُسفك بها دمه، هذا الذي يقدمه لتلاميذه في هذه الكأس، فهذا سيتم على الصليب. فعلى الصليب سيشرب المسيح الكأس الرابعة، فهذا الدم الذي يقدمه المسيح لتلاميذه في هذا العشاء السري هو دمه الذي يسفكه على الصليب. وبهذا صارت الإفخارستيا هي نفسها ذبيحة الصليب. (يرجى مراجعة موضوع الكأس الرابعة في كتاب الجذور اليهودية والموجود في مقدمة سر الإفخارستيا لفهم تفاصيل الموضوع).
ويقول الرب هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ بينما كان يهوذا قد خرج لأنه لم يُرِد أن يفضحه علانية. ولكن كان الرب قد أعلن ليوحنا أن يهوذا هو من سيسلمه.
(لو24:22-30): "وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ أَيْضًا مُشَاجَرَةٌ مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ. فَقَالَ لَهُمْ: «مُلُوكُ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِمْ يُدْعَوْنَ مُحْسِنِينَ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ هكَذَا، بَلِ الْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ، وَالْمُتَقَدِّمُ كَالْخَادِمِ. لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ: أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ الَّذِي يَخْدُمُ؟ أَلَيْسَ الَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ. أَنْتُمُ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي، وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا، لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي، وَتَجْلِسُوا عَلَى كَرَاسِيَّ تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ»."
نرى هنا الضعف البشري للتلاميذ إذ يتشاحنون على المراكز الأولى بينما المسيح يستعد لتقديم نفسه على الصليب، واليهود يتشاورون على قتله في الخارج. هم ما زالوا يظنون أن ملك المسيح سيكون ملكًا ماديًا.
سبب الخلاف هنا كان في أماكن جلوسهم على المائدة قربًا أو بعدًا عن السيد. والتقليد اليهودي أن الابن الأكبر يجلس عن اليمين والأصغر عن اليسار رمزًا للحب. لكن التلاميذ ظنوا أن الذي يجلس أقرب للسيد سيكون له مركزًا أكبر حين يملك السيد.
(آية25): محسنين= هم يسمونهم هكذا تملقًا. وهم يسمون أنفسهم هكذا إذا قدموا خدمات لبلادهم بل هم يعطون عطايا وخدمات ليسميهم الشعب هكذا. ولكن الأمم الوثنيين يفهمون أن المحسنين يجب أن يتسلطوا. وهنا المسيح يشرح لهم أن الأفضل أن يخدموا الآخرين من أن يسودوا ويترأسوا عليهم. والمسيح هنا ينسب التسلط للأمم.
(آية27): المسيح يعطيهم نفسه مثلًا لهم في اتضاعه وخدمته.
(آية28): المسيح يمدح أمانتهم وثباتهم رغمًا عن مضايقات اليهود وأنهم تركوا كل شيء وتبعوه، مع أنهم لم يثبتوا إلاّ بمساندة نعمته. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولاحظ أنه في محبته لم يوبخهم على ضعفاتهم. ونلاحظ أن طلب العظمة الزمنية يسبب انشقاقًا بين الإخوة والعكس فروح الاتضاع والخدمة تولد الحب.
(آية29): هنا المسيح يشرح لهم أنه طلب منهم الخدمة والتخلي عن التسلط والرئاسة وعدم اشتهاء العظمة ليس حرمانًا بل طريقًا للملكوت والمجد الأبدي، وهذا لا نبلغه إلاّ في الصليب وقبول الألم، وهذا ما حدث مع المسيح شخصيًا= كما جعل لي أبي أجعل لكم.. ملكوتًا= أعطيكم الملكوت السماوي مكافأة لما احتملتموه
(آية30): لتأكلوا وتشربوا= من شجرة الحياة والمقصود ليس الأكل والشرب الماديين بل الشبع بالله (رو17:14+ مت6:5). تدينون أسباط إسرائيل= يكونون بقبولهم للمسيح وحياتهم المتضعة وقداستهم علة تبكيت ودينونة لليهود ويفضحوا جحود اليهود وإثمهم على كراسي= يظهر بهذا علو درجة التلاميذ.
ملحوظة: في السماء سيكون لنا نفس رأى المسيح بلا تعارض، وإن دان المسيح أحد سندينه نحن أيضًا. وهذا معنى تدينون أسباط إسرائيل= نحن على الأرض ربما نختلف مع الله في أحكامه أما في السماء فلا اختلاف (1كو16:2).
الآيات (يو1:13-30):-"أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى. فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ، وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ، يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي، قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا، ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا. فَجَاءَ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ. فَقَالَ لَهُ ذَاكَ:«يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ!» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ». قَالَ لَهُ بُطْرُسُ:«لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا!» أَجَابَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ». قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ:«يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي». قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ».فَلَمَّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتَّكَأَ أَيْضًا، قَالَ لَهُمْ:«أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالًا، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ. «لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ. أَقُولُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي».لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي!». فَكَانَ التَّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ. وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ. فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ:«هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ!». فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ. فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ». وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه، لأَنَّ قَوْمًا، إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا، ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ. فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلًا. "
في ليلة خميس العهد غسل السيد أقدام تلاميذه ثم أسس سر الإفخارستيا الذي كمل بالصليب. فما هي العلاقة بين الحدثين؟
علاقة الآب والابن
"الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر" (يو1: 18).
"الآب فيَّ وأنا فيه" (يو10: 38).
"أنا والآب واحد" (يو 10: 30).
الابن
أزلي بلا بداية. وأبدي بلا نهاية = سرمدي.
وهذا تم التعبير عنه بفم ربنا يسوع المسيح.
"أنا الأول والآخِر" (رؤ1: 11).
→ ←
الأول الآخِر
الخليقة
أراد الله أن يخلق = "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك1: 1).
الابن: "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3).
حين بدأ الابن الخلقة في الزمان أخذ اسم
البداية
↓
الابن بدأ الخليقة التي خرجت منه
بدأت الخليقة بالملائكة
↓
ثم خلق الله الإنسان
ما هي الصورة المثالية التي أرادها الله للخليقة؟
الخليقة خرجت من الابن. وكان الابن هو رأس الخليقة، خرجت منه، هو بداءة خليقة الله (رؤ3: 14) أي هو الذي بدأ الخلق. والابن هو الذي يحفظ خليقته "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3). "فيه خُلِقَ الكل ... الكل به وله قد خلق" (كو1: 16). وجاءت عبارة "كل شيء به كان" (يو1: 3) في الإنجليزية "All things were made through him".
فكان الوضع المثالي للخليقة أن تكون في الابن، والابن بطبيعته في الآب. وهذا يعني
الوحدة
لماذا خلق الله الخليقة
"بكل من دعي باسمي ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7).
كانت الخليقة هدفها أن تمجد الله، وتظهر مجده. وتعلن عظمته وخيريته وتفرح بعمله وتسبحه عليه كما قال الله لأيوب (أى38: 1 - 7).
أمثلة
* "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا "أباكم الذي في السموات" (مت5: 16).
* بدون الغلاف الجوي لن يظهر جمال نور الشمس. فالهواء يعكس نور الشمس فتحدث الإنارة. أما من يخرج خارج الغلاف الجوي (كما يحدث في سفن الفضاء). فنجدهم يرون ظلام محيط، ويرون الشمس قرص مشتعل وسط هذا الظلام.
* لو نظرت للبحر في مناطق عميقة ستجد ظلام تام بينما لو نظرت في أعماق ضحلة ستراها منيرة فالأرض تعكس نور الشمس.
* أنظر للخليقة وجمالها، الجبال، البحار، الأنهار، والخضرة، الثلج الذي يغطي قمم الجبال، الطيور المغردة.. كل الخليقة تنطق بجمال وعظمة الخالق. وهذا معنى أن الجبال تسبح والأنهار تصفق كما يقول الكتاب. هي تعلن عن مجد الله.
* وهكذا خلق الله الإنسان ليعكس مجده. ولنذكر ماذا حدث لوجه موسى حينما رأى جزء من مجد الله ـــ ـــ لقد لمع وجهه. فماذا عن وجه آدم قبل السقوط إذ كان يرى الله بلا مانع. كان آدم قبل السقوط يعكس مجد الله. وكان الله فرحا بآدم وإنعكس فرح الله على آدم فكان آدم في فرح (جنة عَدْنْ تعني فرح).
* والمسيح بفدائه لنا أعاد لنا صورة المجد هذه ــــ ــــ (قارن يو17: 5 مع يو17: 22) ويقول أيضًا القديس يوحنا أننا "سنصير مثله لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2) وهذا يعني أننا في السماء سنعكس مجده. ويفرح بنا الله وينعكس علينا فرحه، فنفرح أبديا.
بدأت الخليقة بالملائكة
↓
ثم خلق الله الإنسان
بدأت الخليقة بالملائكة
↘ ↙
بعض الملائكة إستمروا ثابتين في الابن والبعض سقطوا وانفصلوا
↓ ↓
هؤلاء إستمروا ملائكة قديسين هؤلاء صاروا شياطين
فهل يفشل قصد الله؟!
قطعا لا يمكن أن يفشل قصد الله
ولهذا تجسد الابن وقام بفداء الإنسان.
ونجد أن القديس يوحنا يلخص عمل السيد المسيح الخلاصي في الآية (يو13: 3).
يسوع وهو عالم ان الآب قد دفع كل شيء إلى يديه
وأنه من عند الله خرج = التجسد.
وإلى الله يمضي = بعد أن تمم الفداء وتمجد الجسد الإنساني فيه.
↓
كل شيء إلى يديه
1) الآب أعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته (يو5: 26) فوهب لنا الابن حياته.
2) سلطان الدينونة. الآب أعطى كل الدينونة للابن (يو5: 22) فدان إبليس.
فماذا فعل الابن لنا؟
1) أدان الخطية في الجسد (رو8: 3).
2) أدان إبليس وسحقه (لو10: 18 ، 19 + يو16: 11).
3) مات ليميت فينا الإنسان العتيق "دفنا معه في المعمودية" (رو6: 4).
4) أعطانا حياته الأبدية "لي الحياة هي المسيح" (فى1: 21 + غل2: 20).
5) غفران الخطايا والتبرير "غسلوا ثيابهم وبيضوها في دم الخروف" (رؤ7: 14).
قدم المسيح الفداء للإنسان وتمجد بالجسد الإنساني وطلب منا أن نثبت فيه فنحصل على الجسد الممجد. ومضى المسيح إلى الآب بالجسد الممجد. وطلب منا أن نثبت فيه.
"اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4).
ومن يثبت فيه يحمله المسيح الابن إلى حضن الآب أبيه.
ولكن كيف نثبت فيه:-
1) بالمعمودية يموت الإنسان العتيق إذ ندفن مع المسيح، ويقوم فينا إنسان جديد يمكنه أن يثبت في المسيح. ولكن نحن ما زلنا أحرارا ــــ ـــــ ولذلك نخطئ إذ أن المعمودية لا تقيد حريتنا ــــ ــــ فما هو الحل إذ أن الخطية تفصلنا عن المسيح ــــ ـــــ؟
2) كان الحل في سر الإفخارستيا الذي أسسه المسيح يوم خميس العهد وبه نتحد ونثبت في جسد المسيح. ولكن كيف نتحد به ونحن في خطيتنا ــــ ـــــ؟
3) وكان الحل في "دم المسيح يطهرنا من كل خطية ولكن لمن يتوب ويعترف" (1يو1: 7 - 9) ــــ ــــ وهذا ما أشار له غسيل الأرجل. وإستمر هذا عمل الكنيسة كل الأيام، أن تدفع شعبها للتوبة والإعتراف، وتقدم لهم سر الإفخارستيا. لذلك قال السيد لتلاميذه "فانتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض ... حتى كما صنعت أنا بكم، تصنعون أنتم أيضا" (يو13: 14 ، 15) + "إصنعوا هذا لذكري" (لو22 : 19).
* والروح القدس هو الذي يعمل في سري 1) التوبة والإعتراف 2) والإفخارستيا.
* فالروح القدس في سر الإعتراف يحمل خطايا المعترف وينقلها للمسيح.
* والروح القدس هو الذي يحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه في سر الإفخارستيا. وذبيحة الإفخارستيا تحمل الخطية فتغفر الخطايا. ولأنها ذبيحة حية فهي تعطي حياة أبدية لمن يتناول منها.
4) والروح القدس يسكن فينا بسر الميرون ويظل العمر كله يعطي معونة ليميت الإنسان العتيق فيقوم الإنسان الجديد ثابتا في المسيح الابن. وهذا ما نسميه النعمة.
والثبات النهائي في المسيح هو لمن يتجاوب مع عمل الروح القدس ولا يقاومه منجذبا للعالم. وهذا يقال عنه أنه يغلب "من يغلب أعطيه أن يأكل من شجرة الحياة" (رؤ2: 7). وهي حياة أبدية فهي حياة المسيح. لذلك يقول الرسول "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب 3: 7، 8).
وكل من يثبت في المسيح يحمله المسيح فيه إلى حضن الآب.
لذلك نرى أنه بالفداء تحقق قصد الله في الخليقة أي:-
1) الوحدة:- فالإنسان صار في المسيح الابن، والابن في الآب.
2) الخليقة تمجد الله:- إذ صارت الخليقة تمجد الله في فرح، إذ صار للإنسان جسد ممجد يعكس مجد الله ويفرح بالله في سماء مجده فيسبحه ويمجده. ولاحظ أن الله خلق الإنسان في جنة عَدْنْ (عَدْنْ كلمة عبرية تعني الفرح) فهذا كان قصد الله أن تفرح خليقته في مجده. ولاحظ فإن هذه كانت طلبات السيد في صلاته الشفاعية للآب ....
"ليكون الجميع واحدا، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدا فينا.... وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد. أنا فيهم وأنت فيَّ ليكونوا مكَّملين إلى واحد. ... أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني" (يو17: 21-24).
وعاد الإنسان للمجد ليمجد الله. لذلك قال المسيح أنه بصليبه مجد الله (يو17: 1، 2).
وبهذا أخذ المسيح اسم
النهاية
البداية = الابن بدأ الخليقة في الزمن لتمجد الخليقة الله.
النهاية = المسيح بالفداء مجد الله إذ جعل الخليقة تمجد الله للأبد، وهذا كان قصد الله.
* وفي أورشليم السماوية يظهر الله محبته وخيريته وقصده الإلهي في الخليقة التي أحبته ورفضت شرور العالم وثبتت فيه. بأن تحيا خليقته التي غلبت العالم وشروره "ويبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد" (1بط1: 3 - 8).
* أما عن الشيطان ومن تبعه فمصيرهم جهنم التي قال عنها رب المجد "النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت25: 41). وقال عنها القديس يوحنا في سفر الرؤيا "البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني" (رؤ 21: 8؛ 20: 10).
وهؤلاء الهالكين أي الشياطين ومن تبعهم، فهم أيضًا يمجدون الله القدوس الذي يُظْهِر بعقابهم، عدله وقداسته ورفضه لشرورهم.
الله سيتمجد في النهاية في كلا الأبرار والأشرار
فقصد الله لا بُد وأن يثبت
لم يتحدث معلمنا يوحنا عن سر الإفخارستيا فقد سبقه البشيرون وشرحوه وكان الطقس قد أصبح الجميع يمارسونه فلا حاجة لأن يعيد شرحه. وعوضًا عن شرح طقس سر الإفخارستيا نجده يحدثنا عن غسيل الأرجل، أي تطهير تلاميذه قبل أن يناولهم جسده ودمه، وكلمنا أيضًا عن الحب في قلب المسيح والخيانة في يهوذا ولكن يوحنا أيضًا أشار لهذا السر في (يو48:6-59). وغسل الأرجل هو بذل محبة اختياري. إذًا هو مرتبط بالصليب. ولقد سبق السيد وعاتب سمعان الفريسي أن "ماء لرجلي لم تعط" (لو44:7) لنقص محبة سمعان. أما المسيح فلأجل محبته الكثيرة غسل أرجل تلاميذه. ليطهرهم قبل أن يؤسس الإفخارستيا. وسر الإفخارستيا هو قمة الحب، فالمسيح فيه يكسر جسده ليعطينا حياة.
آية (1): "أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى."
لقد تم معنى الفصح اليهودي وأُكمِل الرمز في تقديم المسيح نفسه، جسده ودمه للكنيسة في هذا العشاء الأخير ثم بذبح المسيح فعلًا على الصليب عوضًا عن خروف الفصح بل وفي نفس توقيت تقديم خروف الفصح. ونرى أن سفر الرؤيا قدّم المسيح كحمل الله المذبوح ما يقرب من 15مرّة. وهو عالمٌ= هو يعلم كل شيء بعلمه المطلق. ساعته قد جاءت= هو سيسلم نفسه بإرادته وبسلطانه، فلقد سبق واجتاز في وسطهم دون أن يمسوه بأذى (يو59:8). فهو ليس فقط عالمٌ بساعته بل هو يريدها، لأن حُبَّه لخاصته غطى كل مرارة= إلى المنتهى= غاية المحبة التي جعلته يبذل نفسه عنهم وعنا. والمحبة كانت هي السبب في كل ما يصنع حتى غسل الأرجل. خاصته= هم هنا التلاميذ. لينتقل= من هنا أطلقت الكنيسة اسم انتقال على الموت.
كان قد أحب خاصته .................................. أحبهم إلى المنتهى
↓ ↓
كان فعل ماضي.... فنفهم أن الله
أحبنا قبل أن يخلقنا بل منذ الأزل الله يحب البشر وإلى الأبد ولا حدود لمحبته
كنا في عقل الله منذ الأزل، فالله لا يستجد عليه فكر جديد. لكننا كنا في عقله إرادة وفكرة، كنا فيه منذ الأزل. هو لمحبته أراد أن يخلق الإنسان ويعطيه حياة ليمتع هذا الإنسان بالمجد، هو أحبنا قبل أن يخلقنا فهو محبة
، هو أحبنا فخلقنا، أحبنا منذ الأزل وإلى الأبد. هو ينبوع محبة لا يوجد فيه سوى المحبة "الله محبة" (1يو4: 8)، لذلك فأول آية تقابلنا في الكتاب المقدس هي "في البدء خلق الله" فالخلق هو إعلان عن خيرية الله أي عن طبيعته الخيرة التي تريد أن تعطي حياة لبشر ليمتعهم معه في مجده.ولما جاء ملء الزمان قال الله "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26).
نعمل = هنا الثالوث يقوم بعملية خلق الإنسان.
الآب = يريد أن يخلق ويُكوِّن إنسان له حياة ليفرح معه وبه، لماذا؟ هذا لمحبة الله فهذه طبيعته.
الابن = الذي به كان كل شيء:
"جبل الإنسان ترابا من الأرض وعمل له جسدًا (تك2: 7).
الروح القدس = الروح المحيي:
"نفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية" (تك2: 7).
إذًا كنا في عقل الله، وعقل الله هو أقنوم الابن (1كو1: 24) وحين كوًن الابن جسدنا صار رأسا لكل الخليقة = بكر كل خليقة (كو1: 15) = بداءة خليقة الله (رؤ3: 14) فنحن كنا فيه فكرة ثم صرنا كيانا عاقلا حيا. هو بداية كل خليقة أي به كان كل شيء (يو1: 3).
ووضع الله آدم في جنة عَدْن (جنة أي مكان جميل جدًا، وهكذا كانت الأرض قبل أن تُلعن. أما عَدْن فهي كلمة عبرية بمعنى فرح وبهجة) فهذا ما أراده الله للإنسان أن يفرح.
وأخطأ الإنسان فانفصل عن الله القدوس " فلا شركة بين النور والظلمة..." (2كو6: 14) ولأن آدم انفصل عن الله الحي مات، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس... (رو6: 12).
فلم يتركنا الله المحب لنا " فالله يريد أن الجميع يخلصون" (1تى2: 4). ولكن للخلاص شروط:-
1) أن يتطهر الإنسان من خطيته.
2) يعود ليثبت في المسيح فتكون له حياة فلا يهلك.
وكان أن الله خلقنا خلقة ثانية جديدة بولادة ثانية من الماء والروح = أي المعمودية التي فيها يعطي الروح القدس للخليقة الأولى أن تموت مع المسيح وبهذا تغفر خطاياها. ثم تقوم معه بحياة جديدة. والروح يثبتنا في المسيح فنحيا، وهذا ما قاله بولس الرسول "لأننا نحن عمله (الخلقة الأولى) مخلوقين في المسيح يسوع (الخلقة الثانية)...(أف2: 10). ولأن الله لا يريد أن يقيد حرية الإنسان، فهو تركه حرًا، إن أراد يظل ثابتا في المسيح، هو حر في ذلك، وإن أراد أن يعود للعالم وخطاياه فهو حر أيضا. وهنا يقول الرب للإنسان لو اختار خطايا العالم " أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" (رؤ3: 16) أي لا تعود فيَّ، لا تعود ثابتا فيَّ إذ أنت الذي اخترت هذا الانفصال.
ولكل هذا نرى أسلوب الخلقة الثانية والتي قام بها الثالوث أيضًا:-
الآب = يريد أن الجميع يخلصون.
الابن = يقوم بعمل الفداء (يموت ويقوم).
الروح القدس = يعطينا في المعمودية أن نموت ونقوم ثابتين في المسيح وبهذا تعود لنا الحياة،
وهذا ما تم شرحه تمامًا في سفر حزقيال (راجع إصحاح 37: 1-14).
ويأخذ الروح شكل حمامة ليعلن أنه سيقوم بردنا إلى المسيح بيتنا (مت 3: 16) {فطبيعة الحمام أن يعود إلى بيته} وذلك بأن يبكت ويعين حتى نعود ونثبت في المسيح. ولكن تظل حرية الإنسان مكفولة. بل هذه الحرية كانت لآدم منذ البدء، إذ خيَّره الله بين أن يثبت فيه (الأكل من شجرة الحياة) أو أن ينفصل عنه لو أخطأ (وهذا ما أطلق عليه شجرة المعرفة).
واليوم، يوم خميس العهد نرى الرب في محبة عجيبة يعيد الإنسان إلى الثبات فيه ليحيا :-
يطهر تلاميذه = غسيل الأرجل. وذلك ليُعِّدهم لسر الإفخارستيا (يو13: 10).
يعيدنا للثبات فيه = الإفخارستيا. "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه"(يو6: 56).
يطهر أولًا لأنه لا يكون فيه ولا يثبت فيه إلاّ من كان طاهرًا.
هو حب عجيب أزلي منذ كنا في عقل الله ، وإلى المنتهى.
حب عجيب لا ينطق به. في محبته يخلقنا، لنفرح... نخطئ فيعيد تطهيرنا ويثبتنا فيه فنحيا.
حب عجيب، كنا فيه وخرجنا بإرادتنا، فيقدم لنا فداء عجيبا ليعيدنا فيه، ولكنه لا يقيد حريتنا.
حقًا..... يدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا أبديًا رئيس السلام (إش9: 6).
آية (2): "فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ، وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ،"
[راجع تفسير (لو1:22-6)] (يوم الأربعاء)
ألقى الشيطان= الشيطان لا يقدر أن يأخذ منك إلاّ بقدر ما تريد أنت أن تعطيه إياه. لقد تجاوب يهوذا مع الشيطان وذهب وإتفق مع رؤساء الكهنة من قبل، والشيطان لن يكف عن محاولاته مع يهوذا طالما هو يقبل منه. وهذا يعني أنه يظل يقترح عليه الأسوأ دائمًا. الشيطان هو مجرد قوة فكرية تقترح السيئ، فإذا قبل الإنسان فهو يقترح عليه الأسوأ.
الآيات (3-4): "يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي، قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا،"
العظمة الحقيقية ليست عائقًا في سبيل الاتضاع، إنما هي خير باعث له. فهذه الصورة التي أمامنا نرى فيها مقدار التنازل الذي تنازله المسيح. الآب دفع كل شيء إلى يديه= فهاتان اليدان اللتان تمسكان بكل السماء والأرض يغسل بهما السيد أرجل تلاميذه بكل وسخهما، إشارة لأن المسيح أتى ليغسل قذارة الإنسان، ثم يوحدنا به في سر الإفخارستيا ليعود بنا إلى حضن الله أبيه. والمسيح يعمل هذا بقوة وإقتدار = فلقد دفع الآب كل شيء إلى يديه، ليجمع خاصته ويجعل منهم أعضاء جسده (أف5: 30) . ولا يقدر أحد أن يخطفهم من يديه (يو10: 28 - 30). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). بقوته وإقتداره هزم الشيطان والموت والخطية، ويفتح أبواب الجحيم للأبرار فاتحا لهم الفردوس، وواضعا الشيطان تحت أقدام المؤمنين. وها هو يعلن أنه يطهر تلاميذه بغسل الأرجل استعدادا لتثبيتهم في جسده، "فلا شركة للنور مع الظلمة" (2كو6: 14). وكذلك سيفعل مع كل من يؤمن به بعد ذلك عن طريق الكنيسة، ولذلك طلب السيد من التلاميذ أن يفعلوا ما فعله معهم للكل (يو13: 14). ثم عن طريق الإفخارستيا يثبت أفراد الكنيسة كأعضاء جسده الواحد.
إذًا وهو عالم بكل ما له من سلطان يتصرف كخادم يغسل الأرجل. فهو من عند الله خرج وإلى الله يمضي، ومادام هو الطريق فسيأخذنا إلى حضن الله. وعادة غسل الأرجل كانت عمل العبيد لسادتهم بعد رجوعهم للبيت لغسل أرجلهم من الأتربة العالقة بها. خلع ثيابه= خلع ثيابه الخارجية وهذا لا يفعله سوى العبيد (وغالبًا فقد كانت هذه الثياب الخارجية فاخرة فقد ألقى الجند قرعة عليها) وهو قد تراءى لتلاميذه بهذه الصورة. وأخذ منشفة وإتزر بها= أيضًا فهذا عمل العبيد. ما صنعه المسيح هنا يشير لأنه أخلى ذاته آخذًا صورة عبد، فهو خرج من عند الله= أي تجسد وصار في صورة عبد، ثم يمضي إلى الله= ليأخذنا فيه إلى الله. فالمسيح نزل لصورة العبد ليرفع الإنسان للكرامة والمجد، وهذا بأن يطهره (غسل الأرجل) ويوحده فيه (التناول). فغسل الأرجل هنا هو من صميم عمل الفداء أي التطهير والتقديس. والعجيب أن المسيح غسل رجلي يهوذا وهو عالم أنه سيسلمه.
آية (5): "ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا."
غسل الأرجل له مفهوم يهودي ومفهوم روماني. والمفهوم اليهودي أن الكاهن يغتسل ويستحم في المرحضة في الهيكل عند بدء تكريسه وخدمته ككاهن عندما يبلغ من العمر 30 سنة. ثم يغسل يديه ورجليه فقط في المرحضة كلما دخل للخدمة. أما المفهوم الروماني، فقد كانت هناك حمامات عامة يستحم فيها الشخص ولكنه يغسل قدميه من الأتربة فقط بعد عودته للمنزل. وهذا فيه إشارة لِسِرَّي المعمودية (الغسل الكلي) والتوبة والاعتراف (غسل القدمين). وبالنسبة إلى التلاميذ فهم كانوا قد آمنوا وتطهروا بإيمانهم ومعمودية المسيح لهم (يو3: 26 + يو4: 1 ، 2) وهذه المعمودية للتلاميذ هي (الغسل الكلي)، لذلك قال المسيح في (آية 10) وأنتم طاهرون. والآن وهم قادمون إلى سر التناول لا يحتاجون سوى لغسل الأرجل فقط. ونلاحظ أن من إغتسل لا يحتاج لأن يغتسل ثانية وفي هذا إشارة لعدم تكرار المعمودية. أمّا التوبة فتتكرر مع كل احتكاك بالعالم وهذا مثل كل إنسان يخرج فتتسخ قدميه ويحتاج لغسلها. فالتراب اللاصق بالأرجل إشارة للخطية التي تأتي من الاحتكاك بالعالم.
آية (6): "فَجَاءَ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ. فَقَالَ لَهُ ذَاكَ: «يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ!»"
كان التلاميذ لهم فكر عالمي ويريدون أن يكونوا على يسار وعلى يمين المسيح في ملكه الذي تصوروه ملكًا أرضيًا، ولذلك تشاجروا على من هو الأعظم. وبغسيل الأرجل أعطاهم الله درسًا عمليًا في الاتضاع (مت20:20-28+ لو24:22-27+ لو46:9-48). وكان هذا الفكر المتضع بعيدًا عن بطرس، وعن الباقين أيضًا الذين تشاجروا عمن هو الاعظم.
آية (7): "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ»."
كان الفداء يتطلب الاتضاع الكامل وأن يأخذ المسيح صورة العبد، وهذا لن يفهمه بطرس الآن، لذلك أخذ المسيح على عاتقه أن يقوم بدور العبيد ويغسل أقدام تلاميذه إعلانًا لاتضاعه الكامل، وهذا سيفهمه التلاميذ فيما بعد، حين يدركون ألوهيته فيدركوا كم كان اتضاعه. وهم قد
تعلموا بذلك أن الاتضاع هو سر الارتفاع. وهكذا فكثير من أعمال المسيح وما يسمح به في حياتنا لن ندركه الآن ولكننا سنفهمه فيما بعد، لذلك علينا فقط أن نحبه ونطيعه ونثق فيه وبكل ما يسمح به، ودون تساؤلات فهو لا يخطئ في أحكامه، بل الأمور أعقد مما نتصورها بعقولنا المحدودة زمنيا إذ لا نعرف المستقبل، ومحدودة مكانيا إذ لا نعرف ما يدور حولنا،ومحدودة في إدراكها، وهناك الكثير مخفي عن عيوننا، لكن علينا أن نسلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير.. (رو28:8)
آية (8): "قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا!» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ»."
إن كنت لا أغسلك= فالذي يغسل حقيقة هو السيد المسيح وبدمه الذي يغفر ويطهر. وهو ليس غسيل عادي بل تطهير للقلب. إذًا غسل الأرجل هو عمل تأهيلي لنوال نصيب مع الرب. فهو عمل يتعلق بقضية الخلاص، فهو يشير لتطهير النفوس. وهذا هو عمل الخدام أيضًا، دفع النفوس للتوبة والاعتراف ثم التناول الذي يعطي لمغفرة الخطايا. والكنيسة تحث أولادها على الجهاد ليحيوا في طهارة. معنى كلام السيد لبطرس، إن كنت لا تتطهر من خطاياك فلن يكون لك معي نصيب. لا تغسل رجليَّ= كثيرًا ما نعمل مثل بطرس، إذ نصر على أن آرائنا أفضل مما يفعله الله فنتذمر عليه.
آية (9): "قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي»."
بطرس ظن الموضوع تطهيرًا بحسب العقلية اليهودية التي تفهم أن التطهير يكون بالماء. فطلب غسل جسمه كله وهنا أيضًا نجد بطرس يريد تغيير فكر المسيح ولكن التطهير في المفهوم المسيحي هو بدم المسيح وهنا نحصل على مفاعيله في سري المعمودية والتوبة وكلاهما غسيل.
آية (10-11): "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». 11 لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ»."
هناك كلمتين في اليونانية بمعنى يغسل وكلاهما استخدما في هذه الآية.
الذي قد إغتسل |
.. غسل رجليه |
|
↓ |
↓ |
|
تشير للاستحمام الكلي . | تشير لغسل اليدين والقدمين | |
↓ |
↓ |
|
المعمودية |
التوبة والاعتراف |
الذي قد إغتسل
= هذه إذن تشير لأن المسيح كان قد عمد تلاميذه من قبل. [راجع تفسير (يو3: 22)].ولكن ليس كلكم= هذا تحذير أخير ليهوذا فهو يقصد يهوذا، الذي لم يجدي معه كل ما صنع المسيح. وعجيب مع كل محبة المسيح هذه ليهوذا أن تستمر الخيانة في قلب يهوذا.. ومع هذا غسل المسيح رجليّ يهوذا. وهذا ينطبق عليه قول المزمور "لكي تتبرر في أحكامك وتغلب إذا حوكمت"، فالمسيح لم يمنع عن يهوذا أي بركة أخذها الباقون.
الآيات (12-15): "فَلَمَّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتَّكَأَ أَيْضًا، قَالَ لَهُمْ: «أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالًا، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا."
المسيح يشرح لهم أن قوة الخدمة في أن نتشبه به في اتضاعه ومحبته وبذل نفسه وخدمة الأكبر للأصغر (راجع آية 1 أحب خاصته) والفهم هنا يكون باستنارة من الروح القدس. وإذا فهمنا أن غسل الأرجل إشارة للتطهير فهذا عمل سر الكهنوت وسر الاعتراف الذي أعطاه السيد لتلاميذه (يو21:20-23). فعمل سر الكهنوت هنا هو غسل وتطهير الخطاة = تصنعون أنتم أيضًا أي مساعدة الناس ودفعهم للتوبة ليتقدسوا أي يحيوا في قداسة، ويكون هذا العمل باتضاع.
الآيات (16-17): "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ."
المسيح يضع نفسه كمثال. وعلى التلاميذ أن يصنعوا نفس الشيء. لذلك تصلي الكنيسة طقس اللقان يوم خميس العهد (يوم صنعه المسيح) ويوم عيد الرسل فهذا عمل الرسل أن يكملوا ما عمله المسيح. وفي (17) حسنٌ أن نعلم والأفضل أن ننفذ (ويوجد طقس اللقان أيضًا يوم عيد الغطاس ولكن هذا إشارة للمعمودية ولا علاقة له بغسل الأرجل). والسيد يطوبهم هنا لو عملوا نفس الشيء ليشجعهم في طريق خدمتهم. أي من يفعل سيكافأ في السماء. إن عملتم= هو إحساس داخلي بالحقيقة واستيعاب داخلي للدرس (البذل والاتضاع) ومن يتضع كالسيد يكون تلميذًا حقيقيًا له ورسولًا حقيقيًا له.
آية (18): "«لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ."
يهوذا لن يتقبل ولن يفهم ما أقوله فليست له محبة في داخله. الله يختار خدامه بحسب اللياقة الفردية للعمل المطلوب أداؤه، ويزود خدامه بالمعونة والتأييد، ويكمل نقائصهم إن كانوا خائفين اسمه القدوس (2كو9:12). ولكن كل إنسان حر، ولو اختار الله القديسين فقط لخدمته ينعدم مفهوم الحرية والإرادة، وينعدم مفهوم الجزاء والاجتهاد. والله اختار يهوذا كشخص متميز في الشئون المالية وظل يعلمه ويفيض عليه من محبته ثلاث سنوات وأكثر وجعله من خاصته ولكنه كان ناكرًا للجميل. وبنفس الطريقة فالله اختارني فماذا أنا فاعل. وإستشهد المسيح بمزمور (مز 9:41) ، وما فيه قد قيل عن أخيتوفل الذي يرمز ليهوذا. وهو كان قريبًا جدًا لداود كما كان يهوذا. ورفع العقب بعد الأكل هو من عمل الحيوان الناكر للجميل الذي بعد أن يأكل العلف يرفس صاحبه. وقارن مع قول الكتاب "فسمن يشورون ورفس..." + "الثور يعرف قانيه...أما إسرائيل فلا يعرف..." (تث32: 15 + إش1: 3) . أكل الخبز تعني من يحيا مع الشخص ويلتصق به.
العقب= وهو القدم. إخترتهم= لا يعني اختيارهم للخلاص بل كتلاميذ.
آية (19): "أَقُولُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ."
قبل أن يكون= قبل تسليم يهوذا وقبل الصلب، حتى متى كان تؤمنون= بعد القيامة تنفتح عيونهم ويزداد إيمانهم بالمسيح الذي سيدركون وقتها أنه كان عالمًا بكل شيء حتى خيانة تلميذه، وبالتالي سيفهمون أنه سلَّم نفسه بإرادته. إني أنا هو= يهوه العالم بكل شيء وأنه سلم نفسه بإرادته.
آية (20): "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي»."
هنا يكلمهم المسيح عن إرساليتهم للعالم ليكونوا خدامًا لتطهير العالم. وهذا تشجيع لهم ليتحملوا مشاق الكرازة. بل أن يقبلوا غسيل أرجل من يضطهدهم كما غسل هو أرجل يهوذا.
آية (21): "لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي!»"
المسيح هنا ينظر إلى داخل الضمائر. واضطرابه يشير لطبيعته الإنسانية التي تعرف المعركة التي ستحدث، وصراع النور والظلمة، والتي سيكون هو مركزها أي مركز هذه المعركة جسده هو. وهو إضطرب أيضًا لأنه رأى أن الشيطان قد ملأ قلب تلميذه، بل تقمصه فخانه هذا التلميذ. ولقد سبق المسيح وإضطرب أمام قبر لعازر وها هو يضطرب أمام يهوذا الميت، فهو لا يرضى عن الشر. هو اضطراب التنافر بين الحب والخبث، بين النور والظلمة. واضطرابه أيضًا يشير لطبيعته فـ"الله محبة" والله خلقنا على صورته وهو يتألم بشدة إذ نتحول إلى صورة الكراهية والخيانة هذه.
الآيات (22-24): "فَكَانَ التَّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ. وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ."
كان نظام الجلوس على المائدة بحسب الرسم. ويجلس المسيح في الوسط (هذا مكان رب البيت بالنسبة للأسرة) ويجلس عن يمينه أكبرهم سنًا ثم الأصغر منه وهكذا إلى أن يجلس عن يساره أصغرهم وهو يوحنا. ويبدو أن مشاجرتهم كانت بخصوص الجلوس عن يمين المسيح. فمنهم من اعتبرها بحسب سنه ومنهم من اعتبرها بحسب مقامه. وهم حين سمعوا الرب يقول "واحدًا منكم يسلمني" (آية21) ومن تأكيد المسيح لهذه الحقيقة بدأوا يتساءلون. ولما أُغِلقَ عليهم فهم كلام المسيح،
أومأ بطرس ليوحنا ليسأل المسيح، إذ كان يوحنا عن يسار المسيح وهم كانوا متكئين على يدهم اليسرى (هذه كانت العادة عندما يجلسون ليأكلوا متكئين) ونتصور أن يوحنا لو مال برأسه ليكلم المسيح لصار في حضنه. وربما كان يهوذا هو أكبرهم سنًا وهو الذي جلس عن اليمين (لذلك لم يسمع أحد الحديث بين السيد ويهوذا) لذلك كان أقرب المحبوبين للمسيح هو الجالس عن يساره أي يوحنا.
الآيات (25-26): "فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ!». فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ."
نلاحظ هنا رقة المسيح، فهو للآن لا يريد أن يجرح مشاعر يهوذا. ونلاحظ أن غمس اللقمة في صحن به مزيج من عصير الفواكه (را 13:2-14) الممزوج بالنبيذ هو تقليد فصحي. كان رب البيت يُكَرِّم الابن الأكبر بغمس لقمة فيه ويعطيها له. فالمسيح حتى الآن يُكَرِّم يهوذا ولم يجرحه بكلمة، ويعطيه آخر فرصة. ولكن في (مت23:26) نرى أن يهوذا هو الذي مدّ يده في الصحفة ولكن العلامة أعطيت ليوحنا فقط. وتفسير هذا إمّا أن المسيح وجده يمد يده في الصحفة، فبادره هو بتقديم لقمة مغموسة إليه، ربما لأن الصحفة أقرب للمسيح أو بعد أن كرّمه المسيح وأعطاه لقمة مغموسة من الصحفة تجرأ هو ومدّ يده ورآه التلاميذ يمد يده. لاحظ رقة السيد المسيح فهو لم يرد أن يفضح يهوذا بالاسم، فاستخدم علامة الغمس في الصحفة حتى لا يجرح مشاعره. وهي علامة تدل على إكرام الشخص (الابن الأكبر أو الضيف العزيز) وربما لو أدرك شخص مندفع كبطرس ما يحدث، ربما كان سيقتل يهوذا.
* يُرْجَى الرجوع لكتاب الجذور اليهودية لسر الإفخارستيا في مقدمة كتاب الأسرار. وبإختصار: فقد كان من ضمن طقس الفصح أن يغمس الموجودون على المائدة لقمة من الخبز في طبق من الصلصة ويأكلونها. وهذا ما كان يهوذا يعمله في هذا الوقت بحسب إنجيل متى. ولكن كنوع من إكرام الابن الأكبر إذا أراد رب الأسرة أن يكرمه وسط إخوته أن يغمس هو اللقمة ويضعها في فمه، وهذا ما فعله الرب مع يهوذا بحسب إنجيل يوحنا. فلا يوجد تعارض بين إنجيلى متى ويوحنا لو فهمنا الطقس اليهودي. لقد مد يهوذا يده باللقمة في الصحفة كما يفعل كل الجالسين على المائدة. ولكن بادر الرب بأن يغمس هو اللقمة ويعطيها له، وكانت هذه آخر محاولة من الرب يسوع مع يهوذا. وبعد هذه المحاولة خرج يهوذا ليسلم المسيح ولم يأكل من الإفخارستيا.
*وكانوا بعد طقس غمس اللقمة في هذا الصوص، لهم صلواتهم التي بعدها يأكلون من خروف الفصح، والعجيب أن خروف الفصح هذا المشوى بالنار الموضوع على المائدة، والذي يأكلونه في الفصح كانوا يطلقون عليه إسم "الجسد". والمسيح إستبدل الأكل من خروف الفصح وأعطاهم خبزًا قد باركه وحوله إلى جسده وقال "خذوا كلوا هذا هو جسدي". لقد أبطل المسيح الأكل من جسد خروف الفصح، وإستبدله بالأكل من جسده هو، فقد كان جسد خروف الفصح رمزًا لجسد المسيح.
*ونلاحظ أنه لم يكن هناك خروف على المائدة، فخروف الفصح كان سيذبح يوم الجمعة مساء، هم صلبوا المسيح وذهبوا ليأكلوا الفصح. أما ما كان على المائدة فهو خبز وخمر وطبق الصوص، هذا ما أكل منه يهوذا ثم خرج.
الآيات (27-29): "فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ». وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه، لأَنَّ قَوْمًا، إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا، ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ."
كان الأكل من اللقمة هو آخر شعاع من نور الحب وجهه المسيح ليهوذا الخائن. ولماّ رفضه دخله الشيطان ودخل هو للظلمة. لا يدخل الشيطان في إنسان إلا لو رفض كل محاولات الله معه، ويهوذا أصر على موقفه رافضًا كل محاولات المسيح معه وخرج وقيل عن هذا دخله الشيطان إذ كَفَّ المسيح نور العالم عن محاولاته معه. وطالما كان المسيح يعمل مع الإنسان يقال أن هذا نهار، فنور المسيح مع الإنسان ويعمل معه. ولكن مع العناد يكف المسيح عن العمل فيقال أن الإنسان صار في الليل ويقع في يد الشيطان (الآية 30) "خرج للوقت. وكان ليلا" (راجع تفسير الآيات يو11: 9-10).
فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ = حتى هذه اللحظة التي وضع الرب يسوع اللقمة المغموسة في الصلصة (الصوص dipping) كان الشيطان يتحاور مع يهوذا، ويهوذا يفتح له الطريق. وماذا يعني هذا؟ *يعرض الشيطان مثلاً الشك في المسيح ويتقبل يهوذا هذا الشك، ويفتح يهوذا بابا للشيطان ليدخل منه ويشتكي على المسيح / وكلما فتح يهوذا للشيطان بابا، يعرض الشيطان فكرة أخرى على يهوذا بل يثيره ليكره المسيح / *فمثلاً يثيره بأن المسيح حطَّم أماله برفضه الملك وهذا ضد أحلام يهوذا الطامع في المال والمكسب من وراء قبوله السير مع المسيح والتلمذة له / وحين يتقبل هذه الفكرة يأتي الشيطان بغيرها، مثلًا:– *لماذا ترك المسيح يوحنا المعمدان ليد هيرودس ليقتله ولم يدافع عنه *أو ينتقم ممن قتله، *ولماذا إنسحب المسيح بعد قتل المعمدان إلى الجليل. *ولماذا رفض المسيح عمل آية للفريسييين يثبت بها أنه من الله ويفحمهم. وبهذا يزيد كراهية يهوذا للمسيح. ومع كثرة هذه المحاولات يتسع الباب الذي يدخل منه الشيطان. وهذه طريقة الشيطان معنا: إذا فتحنا له بابا كما فتحت أمنا حواء معه بابا للنقاش يدخل ويأتي بفكر آخر وتشكيك آخر أو تذمر آخر على وضعنا. وكلما نفتح يدخل ويسيطر على فكرنا. ومع يهوذا وصل الأمر أن الباب صار مفتوحا تماما، فلم يعد الشيطان يأتي بأفكار بل أن الشيطان دخل وإستقر داخل يهوذا، وصار هو الذي يحركه ويسيطر عليه. ولاحظ أن المسيح لا يتركه بل يحاول أن يستلطفه ليثنيه عن الشر الذي يفكر فيه وهو رافض لمحاولات المسيح معه.
ومع عناده كف المسيح عن محاولاته، وكانت هذه اللقمة التي أعطاها له هي آخر محاولة للمسيح مع يهوذا. ولنلاحظ أنه من الخطورة أن نفتح باباً للحوار مع الشيطان. وعادة ما يأتي هذا الحوار أو ما قلنا عنه الباب الذي نفتحه بالتذمر على تجربة أصابتنا أو مقارنة أحوالنا المادية أو الصحية بالآخرين. وحين يبدأ التذمر من تجربة يثيرنا الشيطان بفكرة أخرى وتذمر آخر ويكون الشيطان هو المشتكي في داخلنا ضد المسيح، وهكذا يدخل الشيطان أخيراً إذ وجد أبواب قلوبنا وأفكارنا مفتوحة له تماما. وهنا يسيطر على قرارنا وأفكارنا تماما، وهذا ما حدث ليهوذا إذ أنه صار منقادا للشيطان وهذا ما يعنيه القول = فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. وللأسف فإن قبولنا لأفكار التذمر والشكوى التي يلقيها الشيطان في داخلنا، فأن هذا يفتح له الباب أن يقودنا إلى التصادم مع المسيح ورفض قراراته ضدنا. ونبدأ بالشكوى ضد المسيح وهنا يصعد هذا العدو ويشتكينا للمسيح طالبا عقابنا إذ إشتكينا المسيح. لذلك يُسَمَّى الشيطان بالمشتكي.
كانت آخر محاولات المسيح مع يهوذا إعطاءه اللقمة في فمه وذلك ليثنيه عن خيانته وتسليمه، ولكن كان يهوذا قد قرر الخيانة وأنه سيسلم المسيح. وهنا قال له المسيح «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ». والعجيب أن الرب يسوع يعود بعد قبلة يهوذا الغاشة في بستان جثسيماني ويقول ليهوذا "يَا يَهُوذَا، أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ"(لو48:22). هنا تمت الخيانة ووضعوا يدهم على يسوع. فماذا يريد الرب يسوع أن يقول ليهوذا بهذا العتاب اللطيف؟ هذا معناه: لو قدمت توبة ورجعت سأقبلك.
الإجابة بلا. فاللقمة كانت لقمة عادية، هذه اللقمة كانت لقمة مغموسة في صوص (صلصة) يُعْمَل من أجل طقس الفصح. والسر تأسس بعدما خرج يهوذا لأن:-
1- التناول ليس فيه غمس.
2- كيف يسمح السيد لهذا التلميذ الذي دخله الشيطان أن يتناول وهو الذي قال لا تلقوا درركم قدام الخنازير (مت6:7).
3- الكنيسة لا تناول إلاّ من كان مستعدًا تائبًا، وقد تعلمت هذا من معلمها المسيح الذي قبل أن يعطى تلاميذه من جسده ودمه غسل أرجلهم، والرسل الذين قالوا في الدسقولية أن الكنيسة يجب أن تمنع المصر على خطاياه.
4- يقول معلنا بولس الرسول في (1كو27:11) إن الذي يتناول بدون استحقاق يصبح مجرمًا في جسد الرب ودمه فهل كان يهوذا يعلم أن ما يعطيه له المسيح يجعله مجرمًا، وهل طلب يهوذا التناول أم أن المسيح هو الذي أعطاه، لو كان يهوذا يعلم وتقدم للتناول بإرادته باستهتار إذ كان مصرًا على خطيته ومصرًا على تسليم المسيح، في هذه الحالة يصبح مجرمًا في جسد الرب ودمه ويدخله الشيطان بسبب هذا الإستهتار. ولكن هذا لم يحدث أن يعطى الرب جسده ليهوذا. فهل يعطي المسيح جسده لمن لا يستحق! حتى التلاميذ ما كانوا فاهمين ما يحدث في تلك الليلة. فهل يُعطى الرب جسده لشخص لا يفهم وقد دخل فيه الشيطان ثم يُحاسبه بعد ذلك على أنه أكل من جسده دون إستحقاق.
5. القول الفصل في هذا الموضوع هو الطقس الذي وضعه الله بنفسه في العهد القديم وسلمه لموسى النبي "وَكُلُّ أَجْنَبِيٍّ لَا يَأْكُلُ قُدْسًا..... وَإِذَا أَكَلَ إِنْسَانٌ قُدْسًا سَهْوًا، يَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ وَيَدْفَعُ ٱلْقُدْسَ لِلْكَاهِنِ. فَلَا يُدَنِّسُونَ أَقْدَاسَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلَّتِي يَرْفَعُونَهَا لِلرَّبِّ، فَيُحَمِّلُونَهُمْ ذَنْبَ إِثْمٍ بِأَكْلِهِمْ أَقْدَاسَهُمْ. لِأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ مُقَدِّسُهُمْ" (لا22: 10-16). فقوله فيحملونهم ذنب إثمهم يعني أنه حين يُعطى الكاهن ضيفًا عنده من لحم الأقداس، فهو يكون بعدم إعتنائه بمنع مَنْ لا يجوز له أن يأكل الأقداس، فوق كون أن الكاهن يكون إثمًا بفعله هذا، أنه يكون سببًا لأن يُحَمِّل غيره الإثم بأكله من الأقداس بغير إستحقاق. وهذه الآية تثبت وجهة النظر التي تقول أن ما تناوله يهوذا ليلة تأسيس سر العشاء الربانى، لم يكن جسد المسيح ودمه، فالمسيح قطعًا كان لا يريد أن يزيد آثام يهوذا، خصوصًا أن التلاميذ في ذلك الوقت ما كانوا فاهمين تمامًا ما هو سر الإفخارستيا. فإن كان الأكل من لحم ذبيحة حيوانية هو إثم، فكم وكم يكون إثم من يتناول من جسد الرب بدون إستحقاق. وهل يكسر المسيح وصية هو وضعها ويعطى الأقداس لِمَنْ لا يستحق.
وبالرجوع إلى (مت20:26-25) نجد أن السيد يكشف للتلاميذ من الذي يسلمه بعلامة الأكل من الصحفة، ونرى يهوذا في جرأة يسأل السيد هل أنا هو يا سيدي والسيد يرد عليه سرًا حتى لا يجرحه قائلًا أنت قلت. وكان الرب قد قال ليوحنا الذي يغمس يده معى في الصحفة هو يسلمنى". أما في إنجيل يوحنا نجد أن العلامة التي أعطاها المسيح ليوحنا كانت "هوذا ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه" (يو26:13). وحل هذا الإشكال واضح من كتب تقاليد اليهود. ففى طقس الفصح كانوا يغمسون كل واحد لقمة في طبق صوص (صلصة) يعملونه خصيصا ليوم الفصح (dipping). ولكن إن أراد رب الأسرة إكرام الابن الكبير يغمس هو اللقمة ويعطيها له في فمه. وهذا ما عمله الرب يسوع مع يهوذا، فإذ أراد يهوذا أن يمد اللقمة في الصوص سبقه المسيح وغمس هو لقمة في الصوص وأعطاها ليهوذا في فمه. وكانت هذه آخر محاولات المسيح ليلاطف يهوذا فيتوب، لكنه أصر على الخيانة، فقيل فدخله الشيطان. وفي إنجيل يوحنا الذي نحن بصدده نرى أن يهوذا خرج فورًا بعد قصة اللقمة. ثم في (مت26:26) نجد أن السيد يؤسس سر الإفخارستيا بدون وجود يهوذا الذي كان قد خرج. ونفس الترتيب نجده في إنجيل مرقس فيهوذا حضر العشاء العادي وأعطاه السيد من الصحفة وأعلن أن يهوذا يسلمه ثم يؤسس السر بعد أن خرج يهوذا بحسب ما قال يوحنا أمّا إنجيل لوقا فالغالب أنه لم يتتبع نفس التسلسل الزمني كما فعل متى ومرقس ثم يوحنا لكنه عرض أولًا العشاء العادي وأن المسيح شرب آخر كأس من كئوس الرمز اليهودي وألحق هذا بتأسيس السر ليعلن أن الطقوس اليهودية قد بطلت وانتهت بتأسيس هذا السر (لو14:22-23) وبعد أن انتهى من سرد الرمز والمرموز إليه أورد نبوة المسيح عن تسليم يهوذا له، فبتسليم يهوذا له تبدأ مراحل الصلب الذي سر الافخارستيا هو امتداد له. ولكن يهوذا كان قد خرج، فيكون قول المسيح "ولكن هوذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة" (لو21:22) قد قصد به أنه سوف يسلم للموت بواسطة من كان معه على المائدة. ولكنه لم يعلن إسمه للتلاميذ الأحد عشر، فلم يقل مثلا الذي خرج الآن هو يسلمنى وإلا كانوا قد خرجوا وراءه ومنعوه. ولكن أعلن السر ليوحنا فقط. وتأكيدًا لهذا نجد أن لوقا لم يورد قصة إعطاء اللقمة ليهوذا إذ كان قد خرج. ويكون لوقا بهذا لم يهتم بقصة اللقمة التي أعطاها السيد ليهوذا.
ملحوظة: الصورة الطقسية للعشاء الرباني يكون فيها السيد المسيح مع (11) تلميذ إذ أن يهوذا كان قد خرج.
(آية27) يبدو أن يهوذا بدأ يفكر في الخروج وقبل أن يستأذن سمح له المسيح بذلك، هو أعطاه سؤل قلبه. (مز4:20). وموافقة المسيح على ذلك هي موافقة على الصليب فهو له سلطان أن يضعها (يو18:10). ما أنت تعمله= أي تكميل خيانته. هذه العبارة ربما بها يراجع يهوذا ضميره. ولكن هذه العبارة تشير أن ما يحدث من يهوذا هو بموافقة السيد المسيح. وقوله هنا دخله الشيطان= أي أحكم القبضة على إرادته. فهو جلس مع الرب للأكل وقبل اللقمة بشكل ودي والقلب مملوء خبثًا وهذا فتح الباب للشيطان ليدخل ويمتلك القلب. ولاحظ أن المسيح وتلاميذه بالرغم من فقرهم كانوا يعطون الفقراء.
(آية28): أما هذا= هذا قد تعني *يهوذا ولم يذكره يوحنا باسمه فقد سقط من عداد التلاميذ إذ خرج. وقد *تعني هذا الكلام الذي قاله يسوع ليهوذا. وهذا الكلام لم يفهمه أحد.
(آية29): إشتر ما نحتاج إليه للعيد= هذا يؤكد أن الفصح كان يوم الجمعة وأن عشاء الخميس لم يكن هو عشاء الفصح.
1. أعد التلاميذ مائدة الفصح كما أمرهم الرب يسوع (مت26: 18). ولكن بدون الخروف الذي كان سيقدم مساء الجمعة. فلم يكن على المائدة سوى الخبز والخمر والأعشاب المرة وطبق الصوص.
2. المسيح يخبر التلاميذ أن أحدهم سيسلمه (مت26: 20 + يو13: 21).
3. التلاميذ يتساءلون كل واحد "هل أنا هو يا رب" (مت26: 22 + يو13: 22).
4. يهوذا يتساءل سرًا "هل أنا هو يا سيدى" والمسيح يجيبه سرًا "أنت قلت". وكان كلام المسيح سرًا حتى لا يحرجه أمام بقية التلاميذ لئلا يؤذونه (مت26: 25).
5. يوحنا يسأل المسيح من الذي سيسلمه (يو13: 26) فيغمس الرب اللقمة وأعطاها ليهوذا كنوع من إكرام يهوذا ليعلن ليوحنا أنه بهذا هو الذي سيسلمه.
6. أعطى الرب لتلاميذه كأس خمر ليقتسموها بينهم، وكانت هذه الكأس من ضمن طقوس مائدة الفصح (لو22: 17) ولكن هذه الكأس لم تكن هي كأس دمه.
7. أمام إصرار يهوذا على الخيانة، كف المسيح عن محاولاته معه، فدخله الشيطان سلطان الظلمة (لو22: 53 + كو1: 13). وهذا هو المقصود بقول الكتاب "فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت. وكان ليلا" (يو13: 30).
8. بعد خروج يهوذا أسس المسيح سر الإفخارستيا وأعطاهم خبزا وقال لهم "هذا هو جسدي" وأعطاهم أيضا "كأس البركة" وقال "خذوا إشربوا هذا هو دمى الذي للعهد الجديد" (1كو10: 16 + مت26: 28).
9. بعد ما أسس المسيح سر الإفخارستيا، وكان يهوذا قد خرج، قال المسيح لبقية التلاميذ "وَلَكِنْ هُوَذَا يَدُ ٱلَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى ٱلْمَائِدَةِ" (لو22: 21). وهو بهذا ينبئهم أن واحدًا منهم سيسلمه ليصلب، وهو يهوذا. حقا كان يهوذا قد خرج، ولكن المسيح يقصد أن: 1) واحدًا منهم سيسلمه وسيصلب. 2)الذي سيسلمه كان معهم على المائدة. 3) بخروجه بدأت عملية الصلب عمليًا وبهذا يكمل سر الإفخارستيا، فسر الإفخارستيا سيتم بالصليب حين يسفك دم المسيح، دم المسيح هذا الذي قدمه المسيح لتلاميذه ليشربوه سُفِك بالصليب.
10. وفتح قلبه لتلاميذه الأحباء وتكلم معهم عن الباراقليط وصلى أمامهم صلاته الشفاعية.
آية (30): "فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلًا."
وكان ليلًا= هذا ليس إشارة للتوقيت الزمني فقط بل لحالة الظلمة الروحية التي كان فيها يهوذا (يو35:12) هو خرج من دائرة النور للظلمة الخارجية. إذ خرج وترك يسوع. أخذ اللقمة= اللقمة ليست من سر الإفخارستيا بل طعام عادي.
الآيات (31-32): "فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ يَسُوعُ: «الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللهُ فِيهِ. إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ تَمَجَّدَ فِيهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ، وَيُمَجِّدُهُ سَرِيعًا."
فلما خرج= قول الكتاب فلما، فيه إشارة لأن المسيح فتح قلبه لأحبائه بعد خروج يهوذا الخائن.. وأعلن إعلانات لم يعلنها من قبل (أناجيل الباراقليط) ففيها المسيح يعزي أولاده وأنه لن يتركهم وحدهم بل يرسل لهم الروح المعزي ويقول لهم يا أولادي.
الآن تمجد= فبخروج يهوذا بدأت حقيقةً أحداث الصلب التي تمجد بها المسيح. حقًا هذه الأمور محددة أزليًا، لكنها الآن دخلت التنفيذ لذلك ففي بداية القداس يمسك الكاهن الحمل ويقول (مجدًا وإكرامًا..) فالمجد هنا بدأ بالصليب. ويقول تمجد (في الماضي) كأن الأحداث قد وقعت وهذه عادة الكتاب المقدس حينما يتكلم عن أحداث ستحدث يقينًا.
تمجد= أي انتصر على أعدائه وهم الشيطان والخطية والموت. فأي ملك يتمجد حين يهزم أعدائه. وبالصليب هزم المسيح هؤلاء الأعداء الثلاثة. وتمجد الله فيه= الله يتمجد حين يسلم إنسان نفسه للموت لأجله. هنا يوحنا يظهر أن المسيح قدًّم نفسه ذبيحة على الصليب للآب ليتمجد الآب (آية32) بطاعة الابن له، وبرجوع الناس إليه. لقد فشل البشر في طاعة الآب وهذا عمله المسيح الذي أتى بنا فيه طائعين للآب. والمسيح كرر كلمة المجد في الآيات (31-32) خمس مرات ليعلن قبول الآب لذبيحته، وبهذه الذبيحة تمجد الله فيه وبسببه. والمجد يعلنه المسيح هنا لإبن الإنسان الذي سريعًا ما سيتمجد أيضًا بجلوسه عن يمين الآب. فبخروج يهوذا تبدأ أولى خطوات الصليب الذي يذبح المسيح عليه لتتم إرادة الآب وإرادة الابن في خلاص الإنسان وينجح الابن في تحقيق الهدف، والنجاح انتصار والانتصار مجد. وإذ تمجد ابن الإنسان تمجد الله الآب أيضًا فبه ظهرت محبة الله الآب للبشر (يو16:3). وإن كان الآب قد تمجد في ابنه فإن الآب سيمجد ابنه في ذاته= فهو متحد به إتحادًا كاملًا وبالتالي فمجد الآب هو مجد الابن ومجد الابن هو مجد الآب، وقوله في ذاته أي في ذات الله (تفسير هذا نجده في 4:17-5) أي دخوله لعرش الآب وسيكون له نفس مجد الآب فهو في الآب والآب فيه. وهذا يقال عن الناسوت. ونلاحظ أنه في (31) تمجد= هذه تشير للتمجيد العلني للمسيح أمام الناس، فإن الله سيمجده= بقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب وخضوع البشر له، ويوم يأتي للدينونة مع ملائكته.هذا تمجيد سري خاص، فيه يرفع ابن الإنسان ويقبل إلى المجد الذي يتمتع به الآب ذاته فيكون الجو المحيط به مجدًا في مجد. وقوله يمجده في ذاته هو إصطلاح لاهوتي يفيد وحدة الآب والابن، لذلك يقول خرجت من عند الآب فهما كيان واحد، يخرج منه ليتجسد ويعود إليه ليتمجد دون انقسام، فهما لا يتجزآن (راجع تفسير يو28:16).
لاهوتيا الآب في الابن والابن في الآب، ومجد الآب هو مجد الابن هو مجد الروح القدس، فالآب والابن والروح القدس إله واحد. وحين تجسد الابن وإتخذ له جسدًا من العذراء مريم كان هذا الجسد مشابه لجسدنا تمامًا، إذًا كان جسد المسيح هذا بلا مجد وهو على الأرض.
وحين صعد المسيح بجسده أخذ هذا الجسد صورة المجد وهذا معنى "جلس عن يمين أبيه". وقول المسيح هنا اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ يعني أن جسد المسيح حين تمجد كان هذا ليس بالانفصال عن الآب. وصار المسيح بجسده كما بلاهوته في حضن الآب أي في الآب (يو1: 1 ، 18) .
وهذا يعني بالنسبة لنا أن كل من يثبت في المسيح سيكون له مكان في حضن الآب أي في الابن وفي الآب وهذا ما طلبه المسيح في صلاته الشفاعية للآب (يو17: 21) . وهذا ما سيقوله المسيح في الآيات القادمة أننا لا يمكن أن نأتي إلى الآب إلا به فهو الطريق.
وخرج يهوذا وكان ليلًا. هذه الآية تجعلنا نتأمل في المقارنة بين خارج العلية وداخل العلية.
خارج العلية: كان ليل (ظلام الخطية واليأس والحرمان من رؤية نور المسيح ومحبته) هذه قيل عنها الظلمة الخارجية (مت30:25).
خارج العلية: لا شركة في جسد المسيح، إذًا هناك موت فالمسيح هو الحياة، لذلك من يأكل جسده يحيا . ويهوذا بإصراره على الانفصال عن من في العلية اختار طريق الموت. ويهوذا دخل في حالة يأس دفعه للإنتحار.
خارج العلية: كانت الخيانة والمؤامرات ضد المسيح في حلف مع الشيطان.
خارج العلية: يأس من غفران الخطية، وثقل الخطية لا يُحتمل لذلك إنتحر يهوذا.
خارج العلية: كان يهوذا طامعًا في مال أو مراكز دنيوية، ولا يُفكر في حياته الأبدية وهذا هو ظلام الليل خارجًا.
داخل العلية: نور، فالمسيح نور العالم، ورمز هذا كان النور مُضاء داخل العلية. والكنيسة تحرص على إضاءة الأنوار في أثناء القداس الإلهي رمزًا لوجود المسيح والملائكة النورانيين (أع8:20). إذًا في العلية نور داخلي والتلاميذ يخطئون ويشتهون المراكز العالمية والجلوس عن اليمين واليسار، لكن هناك غسيل للأرجل وغفران للخطية.
داخل العلية: شركة حُبْ صنعها المسيح بمحبته (يو1:13). وهذه المحبة جعلت المسيح يُدلِّل تلاميذه قائلًا: يا أولادي (يو33:13) ويُعزيهم ويَعِدْهُم بالمجد المُعَدْ لهم.
داخل العلية: إفخارستيا أي شركة في جسد المسيح أي حياة. في الداخل شبع وسلام وفرح لوجود المسيح معهم. الشبع المادي (هم تعشوا) ثم الشبع الروحي (إفخارستيا).
داخل العلية: نور ، ومن له النور لا يضل في الطريق وتكون له العين المفتوحة لمعرفة المسيح وطريق المجد في السماء.
داخل العلية: حياة سماوية فهم كانوا في علية (مر15:14). والعلية مُرتفعة عن المنزل كله رمزًا للسماء. فهي تُشير لأورشليم السماوية التي يُنيرها المسيح (رؤ5:22). وكعربون لهذا تحيا الكنيسة حياة سماوية على الأرض (فى20:3) والمسيح وسطها مجدًا (زك5:2). ولكنه مجد سيُستعلن أخيرًا ( رو18:8).
إذًا كيف نختار العالم تاركين المسيح؟! ففي المسيح الحياة والغفران والسلام والفرح والتعزية وسط ضيقات العالم ، وفي المسيح الشبع فلن نحتاج لسواه. بينما خارج المسيح لا يوجد سوى اللذات الشهوانية سلاح إبليس وهذه لا تشبع، فهي كالمياه المالحة، لا بل يصاحبها إنعدام السلام والفرح الحقيقي والتخبط في العالم.
الشبع = لاحظ أنه مهما حصل الإنسان على المجد والمال ... إلخ.، في العالم فلسوف يظل يشتهي ويطلب أكثر. ولا شيء يُشبعنا سوى شخص المسيح اللانهائي... ولكن المسيح تمجد بالصليب وكانت نهاية هذا الجلوس عن يمين الآب. والقصة بدأت برفض كل إغراءات الشيطان في التجربة على الجبل . فهل تقبل أن ترفض إغراءات الخطية التي في العالم وتقبل الصليب حتى الموت والاستشهاد؟
* انظر أيضًا: كتاب البصخة المقدسة.
9-2-
يوم الخميس من أحداث أسبوع الآلام:
2- خطب المسيح الوداعية |
تفسير العهد الجديد |
8-
يوم الأربعاء من أحداث أسبوع
الآلام |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9zzjghj