← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23
نرى في هذا الإصحاح عمل المعمودية، وأنها دفن مع المسيح وموت ثم قيامة معه، صلب للإنسان العتيق ليقوم الإنسان الجديد. ويلزمنا هنا أن نضع تعريفات تساعدنا على الفهم:-
الإنسان العتيق:- يقول داود النبي "بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" (مز5:51) وفي (رو20:7) نسمع قول الرسول الخطية الساكنة فيَّ، وفي (رو6:6) نسمع تعبير الإنسان العتيق، وكذلك في (كو9:3 + أف22:4). وفي (رو6:6) نسمع تعبير جسد الخطية. من كل هذا نفهم أننا ولدنا بطبيعة خاطئة شريرة وذلك قبل الإيمان والمعمودية. هذه الطبيعة الخاطئة لها دوافع شريرة وتقود الإنسان ليفعل الشر، وهي تستخدم أعضاء جسد الإنسان كآلات إثم، أي لتنفيذ الشر. والإنسان العتيق هذا يموت في المعمودية ويولد بدلًا منه إنسان جديد.
الإنسان الجديد:- (كو10:3) ونسمع في (2كو16:4) عن الإنسان الداخلي "لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا
فيوم" . والإنسان الجديد الداخلي يقوده الروح القدس.الإنسان الخارجي:- هو أعضاء الجسم (اليد والرجل والعين... إلخ) والله يسمح بأن يتألم الجسد (الإنسان الخارجي) حتى يتجدد الداخلي (2كو16:4) وتشبيه الرسول الخطية بإنسان أو بجسد يعني أنها تمثل كائن حي يتصرف ليسقطنا. ونلاحظ تكرار كلمة عبد في الآيات (15-23) ثمان مرات. وهذا يشير لسطوة الخطية التي تسود الإنسان وتستعبده، هي تستعبد أعضاء الإنسان الخارجي ليطيعها ويصنع الخطية، وتصبح الأعضاء آلات إثم. وبالمعمودية يموت هذا الإنسان العتيق ويولد إنسان جديد يقوده الروح القدس، وهو أيضًا قادر أن يستعبد أعضاء الجسم ويقودها لتصنع البر، وبهذا تصير أعضاء الإنسان الخارج آلات بر. إذًا الإنسان الداخلي، سواء العتيق أو الجديد قادر أن يقود أعضاء الجسم. والمعمودية تعطي موتًا للإنسان العتيق، ولكنه يشبه الموت الإكلينيكي الذي فيه يتوقف القلب، ولكن المخ لا يزال يعمل، وبالصدمات الكهربائية يعود القلب للعمل. وهكذا الإنسان العتيق لو أثرته بالشهوات أو الكلمات أو الصور الخليعة... إلخ يعود لينشط. وأيضًا الإنسان الجديد إذا أعطيته غذاؤه ينشط. بعد المعمودية. أنا حُرْ في أن أُنَشِّطْ أي من الإنسانين الداخليين. الإنسان العتيق ينشط بممارسة الشر، وإثارة الشهوات... إلخ. والإنسان الجديد ينشط بالصلاة والتسابيح ودراسة الكتاب والخدمة... إلخ هذا هو غذاء كل منهما.
والأقوى من الإنسانين الداخليين، هو يقود الإنسان الخارجي.قصة:- أب وأم من أمريكا أرادا الذهاب لنزهة لأسبوع فاتصلا بجليسة الأطفال لتأتي لطفلهما الرضيع، فوعدتهما بأن تأتي، فسافرا وتركا طفلهما الرضيع، ونسيت جليسة الأطفال الموضوع، وعادا الأب والأم بعد أسبوع ليجدا إبنهما وإذا به جثة هامدة لماذا؟ لأنهما نسيا أن يطعماه.
ونحن في المعمودية يولد لنا إنسان داخلي فهل نطعمه ونغذيه أم نتركه يموت. أي الإنسانين الداخليين نغذيه. الموضوع في يدنا. فالمعمودية لا تلغي حريتنا. ولكن بالمعمودية المسيح يحررنا من الطبيعة الخاطئة فلا يجوز أن نعود لعبوديتها مرة أخرى فإن العبودية لها تقود للموت. ولاحظ أننا إمّا في نمو، والإنسان الجديد ينمو والإنسان العتيق يضمحل أو العكس ننحدر وينمو الإنسان العتيق ويضمحل الإنسان الجديد.
نحن مولودين هكذا بطبيعة منفتحة على الشر والخطية والشهوات. طبيعة منحرفة. فيها الإنسان العتيق يستخدم أعضاء الجسم الخارجي كآلات إثم. القائد هنا هو الخطية.
مات الإنسان العتيق ووُلِدَ الإنسان الجديد، حياته هي حياة المسيح القائم من بين الأموات. وهذا الإنسان الجديد منفتح على الله، حواسه مفتوحة على السماء. ولا يشبعه سوى الله. ويستخدم أعضاء الجسد الخارجي كآلات بر لخدمة الله الذي يحبه، القائد هنا هو الروح القدس. هذا يتم بالمعمودية للصغار أو بالإيمان أولًا والمعمودية ثانيًا للكبار. بالمعمودية تموت الطبيعة الفاسدة. مثل هذا الإنسان يجد للنعمة سلطان جبار، قادرة أن تحفظه من الخطية بل تقوده لعمل البر بلذة.
ونحصل على طبيعة الإنسان الجديد كالآتي:
1. من آمن واعتمد خلص (إيمان + معمودية).
2. أميتوا أعضاءكم.. (جهاد سلبي).
3. تغذية هذا الإنسان الجديد (جهاد ايجابي).
"إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق" (كو1:3).
وفى المعمودية لن يموت الإنسان العتيق موتًا كاملًا ونهائيًّا، لأن الله لا يريد أن يحرم الإنسان من حرية الإختيار. نحن مخلوقين على صورة الله أحرارا. كما قلنا أن موت الإنسان العتيق في المعمودية هو موت يشبه الموت الإكلينيكى، ونكون قادرين على إحيائه. ولكن الله بنعمته يعطينا قوة تساندنا لو أردنا. الله يساند من يريد لكن لا يثبتنا فيه دونا عن إرادتنا. يساند من يريد أن يحيا حياة الإماتة. لذلك قال الرب يسوع لملاك كنيسة لاودكية "أنا مزمع أن أتقيأك من فمى" (رؤ3). ويطلب الرب منا قائلا "إثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4).
هذا هو من يثير شهواته ويجعل جسد الخطية يستيقظ. ويهمل جهاده (سلبي وإيجابي). فهو يغذي جسد الخطية بخطاياه ويحرم الإنسان الجديد من غذاؤه (إهمال الصلاة والكتاب المقدس ووسائط النعمة..) هنا يعود جسد الخطية ليقود أعضاء الإنسان ويجعلها آلات إثم، مثل هذا الإنسان لا يشبعه سوى العالم ولا يعود يرى الله، فلا يطلب الله ليشبعه فهو لا يفهم سوى شهوات العالم. هذا الإنسان يجد للخطية سلطان جبار.
يقول بولس الرسول أن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد (غل17:5).
والرسول يقصد بالجسد هنا الشهوة الخاطئة، أو الخطية الساكنة فيَّ والروح يقصد به الروح القدس الذي يقود الإنسان الجديد. ولكن بولس الرسول لا يهاجم الجسد الخارجي بأعضائه، بل يهاجم الإنسان العتيق المنفتح على الشر ويستعبد أعضاء الإنسان الخارجي فتتلذذ بالشر. وحين يكون الإنسان العتيق هو القائد، يكون هذا الإنسان شهواني أما لو كان الإنسان الجديد هو القائد، يكون هذا الإنسان روحاني. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والرسول لا يهاجم الجسد بأعضائه الخارجية، فالجسد ليس نجاسة وإلاّ ما كان المسيح قد أخذ جسدًا مثلنا. بل أن عظام إليشع أقامت ميت. وحتى الآن فعظام القديسين تصنع معجزات.
هناك ظاهرة طبيعية تفسر ما يحدث تسمى ظاهرة الرنين، فهناك آلاف الموجات اللاسلكية تمر في الجو حولنا، ولكن إذا حدث توافق بين دوائر الراديو ودوائر أي محطة إرسال يحدث تقوية لإشارات هذه المحطة ونجد الراديو يذيعها.
هناك عشرات المحطات تبعث بإرسالها ويستقبلها الإيريال. وبحسب مفتاح اختيار المحطات نوفق دوائر الراديو مع إحدى المحطات. وحينما يحدث توافق تتضخم إشارات المحطة رقم 12 مع الاختيار لمحطة رقم 12 فيذيع الراديو صوت محطة رقم 12.
بنفس الفكرة السابقة حينما تتطابق إرادتي مع إرادة الله تتضخم النعمة داخلي. وحينا تتطابق إرادتي مع إرادة الشيطان تشتعل الشهوات الخاطئة داخلي والموضوع في يدي. الاختيار في يدي. فحينما تكون أعمالي وجهادي لحساب مجد الله تنسكب النعمة داخلي، نعمة فوق نعمة (يو16:1) والعكس.
وهذه ميزة لنا عن آدم، أن أصبح داخلنا إنسانين ونحن أحرار في أن نختار أيهما يقود أعضاء جسدنا.
* وإذا حدث توافق بين إرادتي وبين الخطية أجد أن الخطية لها قوة جبارة قاهرة. وهنا يقود الإنسان العتيق أعضاء الجسد الخارجية لصنع الشر، فتكون هذه أعضاء الجسد في هذه الحالة آلات إثم.
*وإذا حدث توافق بين إرادتي وبين إرادة الله، أجد أن النعمة لها قوة جبارة تجعلني غير قادر على عمل الشر، وهنا يقود الإنسان الجديد أعضاء الجسد فيعمل البر بلذة، وتكون أعضاء الجسد في هذه الحالة آلات بر.
*لذلك سأل السيد المسيح المقعد "هل تريد أن تبرأ" (يو6:5). ويقول السيد "كم مرة أردت ولم تريدوا" (مت37:23). وهذا لأن كل إنسان حر في اختياره.
*ومن يغذي الإنسان الجديد بالصلاة والكتاب المقدس (فإنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" مت4:4)، حينئذ تتفق في هذا إرادة الإنسان مع إرادة الله "الذي يريد أن الجميع يخلصون" (1تي4:2). وإذا حدث هذا الإتفاق، يكون للنعمة قوة جبارة حافظة تمنع السقوط.
الآيات (1، 2): "فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟ حَاشَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟"
سبق بولس وقال أنه حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا. وربما أثار هذا القول بعض الناس فتساءلوا أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ والإجابة حَاشَا = أي لا يجب أن ننطق بهذه الأقوال التي لا ترضي الله. هذا سؤال من لا يعرف الثمن الذي دُفِعَ لتزداد النعمة ألا وهو دم المسيح. وهو سؤال يدل على عدم فهم لما حدث على الصليب. فالمسيح لم يمت لأجل خطيته فهو بار بلا خطية، بل هو مات بجسد البشرية، وأنا واحد من هذه البشرية، فهو مات من أجلي. فصار موته لأجل أن أموت معه بحياتي القديمة وذلك بالمعمودية = نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا ، والذي مات هو الإنسان العتيق. ومن يعتمد فهو يموت مع المسيح فتموت خطيته. فالمعمودية أماتت الخطية فينا وأعطتنا أن نكون خليقة جديدة. ولكي تظل الخطية ميتة، علينا أن نستمر في الجهاد بأن نقف أمام الخطية كأموات. المسيح مات بجسد بشريتنا، وأنا أشترك مع المسيح في موته بالمعمودية. وقوة هذا الموت تعمل فينا:
1. بالإيمان.
2. بالمعمودية.
3. بإرادتنا واختيارنا. والبداية بالتغصب بأن نحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية (رو11:6) وهذا ما يسمى الإماتة. وبهذا تظهر حياة يسوع فينا (2كو4: 10، 11).
وبقوة هذا الموت تموت الخطية في أعضائنا بقوة الروح الذي فينا (كو5:3 + رو13:8). هذا ما عناه بولس الرسول حينما قال مع المسيح صلبت (غل20:2). وفي (غل24:5) نرى العمل الإرادي للإنسان بوضوح " ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات".. هؤلاء نجد فيهم ثمر الروح (غل22:5، 23) ومن ثمر الروح.. النعمة. لذلك يقول بولس الرسول "أقمع جسدي وأستعبده". ولكن من يعود بإرادته ويعيش في الخطية يثور فيه جسد الخطية مرة ثانية وبقوة. وكل إنسان حر في أن يختار، إذا اختار أن يموت مع المسيح ويحسب نفسه مصلوبًا عن عالم الخطية سيجد قوة تعمل في داخله هي قوة موت المسيح، ويجد أن الخطية تضمحل في أعضائه وإذا اختار أن يعيش للخطية لن يختبر هذه القوة بل سيشعر أن الخطية تسود عليه بقوة وتقهره.
فالنعمة هي عمل الروح القدس، والروح القدس يملأ من صلب جسده. وهناك سلمَّ قانوني سار عليه المسيح، وينبغي أن نسير عليه نحن أيضًا. فالروح القدس حلَّ على الكنيسة بعد الصعود. والصعود أتى بعد القيامة والقيامة أتت بعد الموت.. والموت أتى بعد الصلب.
وهذا ما هو مطلوب منا.. فلكي نتذوق الحياة السماوية (الصعود) ينبغي أن نقوم مع المسيح، أي يحيا المسيح فيَّ، أي أحيا بحياة المسيح القائم من الأموات (قيامة) وليتم هذا يجب أن أقف كميت أمام الخطية (الموت) وهذا بأن أحكم على جسدي بالصلب عن أهوائه وشهواته، هذا معنى "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2)، والسيد المسيح يقول "من أراد أن يبني برجًا فليحسب حساب النفقة" والبرج هو أن نحيا حياة سماوية. والنفقة هي جسد مائت مصلوب. ونلاحظ أن المسيح عاش على الأرض مختبرًا حياة الموت، ومن أراد أن يكون له تلميذًا فليحمل صليبه ويتبعه في ممارسة الموت الاختياري. ولقد قبل المسيح المعمودية رمزًا لموته قبل أن يموت على الصليب، وكان هذا علامة لقبوله الموت بإرادته. وهذا هو معنى أن تزهر عصا هرون الميتة. وهذا معنى "من أحب نفسه يهلكها". والمرأة التي سكبت الطيب (مر3:14-9). قال عنها المسيح أن عملها هذا سيكون كرازة، لأن الكرازة هي أن يسكب الإنسان نفسه حتى الموت لأجل المسيح. العالم يرى أن هذا إتلاف، ولكن الله يستحق أن أترك لأجله كل شيء.
ونلاحظ أن الرسول تكلم من قبل عن بنوتنا لإبراهيم، وهنا يرفعنا لدرجة أعلى هي البنوة لله في المعمودية ليعيش الكل كأبناء لله (أمم ويهود) في جدة الحياة أي الحياة الجديدة المقامة مع المسيح. فنحن بالمعمودية نموت مع المسيح (عن الخطية) ثم نقوم بحياة المسيح (المسيح يحيا فيَّ) يعطيني بره، فأحيا لأصنع برًا. وتكون أجسادنا آلات بر. وقوة قيامة المسيح تعمل فيَّ لأصنع البر. هذا هو مفهوم الحرية، أي ممارسة الحياة المقدسة بالنعمة الإلهية، بروح البنوة لله.
ولكن هل يوجد إنسان بلا خطية، نقول لا. فكل منا له خطاياه (1يو8:1، 10) لكن أولاد الله يسقطون عن ضعف ويقومون سريعًا مقدمين توبة، يقومون سريعًا كمن هم غرباء عن هذا العمل، ولا يطيقون أن يحيوا في الخطية.
الآيات (3، 4): "أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟"
اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ = هي في أصلها اعتمد في يسوع المسيح اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ = إعتمدنا في موته. صرنا بالمعمودية مشتركين في صليب موته. (هذه تشبه جنين في بطن أمه، لو ماتت الأم يموت الجنين معها) فبالمعمودية أصير في المسيح. وبطن الأم هنا هي المعمودية التي فيها نموت مع المسيح أو نموت في المسيح.
إنساننا العتيق قد صلب ومات كما صلب المسيح على الصليب ومات. المسيح مات ودفن بالجسد، أما نحن فنموت بالنسبة للخطية. فجوهرنا لا يموت، بل إنسان الخطية أي الشر هو الذي يموت. فأنا مت مع المسيح وفيه بجسد الخطية، ثم قمت معه. فلا ينسب للمسيح موت دون قيامة فهو القيامة. بِمَجْدِ الآبِ = أي أنه بالقيامة ظهر مجد الآب وتحققت كل مواعيد الله ونراها الآن بالإيمان. فالمسيح الذي كان يستعلن الآب "الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18)، الآن بقيامته أعلن أن الحياة عادت للبشر بعد أن كانوا قد ماتوا وتحقق قصد الله في خلقة الإنسان، فهذه هي إرادة الآب أن نحيا أبديًا لنمجده ونعلن مجده ونورانيته حين نعكس هذا المجد والنور، ومحبة الآب وإرادته في أن نحيا من بعد موت جعلتنا نمجده .
جِدَّةِ الْحَيَاةِ = أي الحياة الجديدة. نقوم مع المسيح في حياة جديدة فاضلة، وخليقة جديدة (2كو5: 17) ونوجه سلوكنا بما يتفق وهذه الحياة الجديدة. هي حياة بإمكانيات جديدة، هي حياة المسيح القائم من الأموات. جدة الحياة هذه في مقابل حالة الموت التي كنا نحياها كخطاة. وجدة الحياة تعني حياة تتجدد ولا تشيخ. هي حياة لها قوانين جديدة وأهداف جديدة ومبادئ جديدة وأصدقاء جدد.
ولاحظ قوله فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ = فالدفن في المعمودية يشير لأهمية عقيدة التغطيس في المعمودية.
ولكن لنلاحظ ان المعمودية لاتحرمني من الحرية التي جبلني الله عليها. الله خلقني على صورته حرا ولن يعود يحرمني من نعمة أعطاها لي من قبل. إذًا لقد مت في المسيح في المعمودية، وقمت متحدًا به. وبإتحادي به صارت لي حياة المسيح "لي الحياة هي المسيح" (في1: 21) لذلك فلقد حصلت في المعمودية على حياة أبدية، فالمسيح لن يموت ثانية، وحياته التي حصلت عليها هي أبدية. ولكن، عليَّ أن أجاهد أن أظل ميتا أمام الخطية فتظل حياة المسيح فيَّ. ويمكننا أن نقول "كل من يجاهد أن يبقى ميتا بحياة آدم سيظل حيًا للأبد بحياة المسيح". وهذا معنى "من آمن واعتمد خلص" (مر16: 16) فالمعمودية سر يتممه الكاهن ولكن عليَّ أن أجاهد حتى أظل ثابتا في المسيح. لذلك يقول المسيح "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم". المعمودية ليست طقس يتم وانتهى الأمر، لكن لا بُد أن يتبعها قرار باستمراري ميتا أمام الخطية (رو6: 11) فنظل ثابتين في المسيح، وبالتالي فالروح القدس الذي إنسكب على المسيح يوم معموديته يملأنا، وهو الذي يعطي النعمة التي تجدد طبيعتنا وتجعلنا خليقة جديدة. فسر الميرون يسمى سر التثبيت لأن الروح القدس هو الذي يبكتنا إن أخطأنا وهو الذي يعين ضعفاتنا فيعيدنا للثبات في المسيح إن أخطأنا، والخطية قطعًا تفصلنا عن المسيح. وإذا أعادنا الروح للثبات في المسيح تعود لنا الحياة، لذلك نسمي الروح القدس الروح المحيي.
لماذا حلَّ الروح القدس على المسيح يوم المعمودية؟
ولماذا اختار المسيح أن يعلن عن موته وقيامته عن طريق معموديته؟
المسيح إعتمد لكي يُعلن أنه قبل الموت والقيامة لأجلنا. نموت فيه بطبيعتنا القديمة الساقطة، ونقوم بحياة جديدة هي حياته المقامة من الأموات. والروح القدس حلَّ على المسيح يوم المعمودية حتى أن كلٌ منا حين ينزل في مياه المعمودية يشركه الروح القدس في موت المسيح فيموت إنسانه العتيق. وحينما يصعد من مياه المعمودية يشركه المسيح في قيامة المسيح وتكون له حياة المسيح الأبدية
آية (5): "لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ."
مُتَّحِدِينَ مَعَهُ = المعمودية هي فرصة الإتحاد الحقيقي مع المسيح بِشِبْهِ مَوْتِهِ = لأن المسيح مات بالجسد، أما نحن فنموت عن الخطية، الذي يموت فينا هو الإنسان العتيق. إذًا طريق حياتنا صعب فهو طريق موت. لكنه مبهج، فهو أيضًا طريق قيامة. الخطية تموت والبر يعيش ويقوم ونحيا في حياة سماوية (أف6:2) . الإنسان القديم ينتهي والجديد السماوي يعيش. إننا نقوم في هذه الحياة الجديدة لنحيا بحياة المسيح القائم من بين الأموات، فنحن إتحدنا معه في موته وفي قيامته، فالحياة التي فيَّ هي حياته المقامة من بين الأموات. ومن يسمع صوته الآن ويتوب يقوم من موت الخطية. وهذه هي القيامة الأولى، ومن يعيشها تكون له القيامة الثانية أي يقوم من بين الأموات لحياة أبدية في مجد الله في المجيء الثاني (يو24:5-29). إذًا إن كنا قد إتحدنا معه بالمعمودية التي تشبه موته، فإنه كنتيجة طبيعية لذلك سنصبح أيضًا واحدًا معه، مع المسيح، متحدين معه بقيامته، على أساس أن نظل أمواتًا عن الخطايا، فنظل ثابتين فيه. ونلاحظ أن هناك نوعين من الموت:
الموت:- هو عمل المسيح فينا بدفن خطايانا السابقة. وهذا الموت هو هبة منه.
الإماتة:- فلكي نبقي أمواتًا عن الخطية بعد المعمودية يلزمنا الجهاد حتى الدم (عب4:12). ويكون الجهاد موضع اهتمامنا حتى يعيننا الله (كو5:3 + رو11:6). ونلاحظ أنه لم يقل نصير بشبه قيامته. بل نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ فهو قدم لنا عربون القيامة المقبلة خلال حياتنا الزمنية. هذه هي القيامة الأولى = جدة الحياة. إن كان السيد المسيح يهبنا أن نموت معه في المعمودية، إنما ليقدم لنا إمكانية السلوك هكذا، والجهاد كل أيام غربتنا حتى لا نفقد نعمة المعمودية أو ثمرها فينا. فإن المعمودية لا يقف سلطانها عند حد محو خطايانا السالفة، بل تهبنا أمانًا من جهة المعاصي اللاحقة. لكن هذا يحتاج لإظهار تغيير النية (إماتة عن الخطايا، وتجديد للذهن) فالمعمودية موت وقيامة بحياة جديدة.
والآن نفهم لماذا ترتل الكنيسة وتقول " بموتك يا رب نبشر وبقيامتك نعترف "بينما كان المفروض أن ما نفتخر به ونبشر به هو القيامة. لكن السؤال هو... كيف نبشر .. هل يكون هذا بالكلام؟ هذه أضعف وسيلة للكرازة. لكن الكرازة والبشارة تكون فعالة إذا كنا نحيا بما نتكلم به. فإن رآنا الناس نحيا كأموات أمام الخطية، تكون هذه هي الكرازة، وبهذا نكون نورا للعالم. والسؤال التالي يكون.. وما الذي يجعلنا نحيا كأموات أمام الخطية؟....هذا لأننا نؤمن أنه لنا حياة كلها مجد وفرح في السماء، بعد أن نقوم من الأموات. ولكن هذا يستلزم أولًا أن نؤمن بأن هناك قيامة من الاموات ، وبأن قيامة المسيح كانت لحسابنا، أي لكي تكون لنا قيامة من الأموات. إذًا أن نحيا كأموات للخطية فهذا لأننا نعترف بأن لنا حياة أخرى سنحياها، لأن المسيح قام من الأموات.
آية (6): "عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ."
لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ = أي شرور الإنسان. ولا يقصد الجسد، لذلك قال كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ = ولم يقل نستعبد للجسد. فالجسد ليس عنصر ظلمة يجب الخلاص منه ومقاومته فهو من صنع الله الصالح، إنما نحن أفسدناه بانحراف الأحاسيس والعواطف. وعندما تنزع هذه الأعمال المسببة للموت يظهر الجسد في أمان.
وليس الجسد هو الذي يصلب مع المسيح بل السلوك الأخلاقي، أو الطبيعة الفاسدة التي طرأت عليه وأحاسيس الخطية (وهذا معنى ما قاله السيد المسيح "إن أعثرتك يدك فإقطعها.."). ولنلاحظ أن شريكنا في الطريق هو المسيح الذي نموت معه، فيعطينا حياة معه ويهبنا قوة وغلبة ونصرة وفكر جديد وتسبحة جديدة.
وإذ يموت جسد الخطية نتحرر من الخطية التي كانت مالكة علينا، ويقوم إنسان جديد يمجد الله، كبذرة زرعت لتخرج شجرة جميلة.
إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ... جَسَدُ الْخَطِيَّةِ = هو الطبيعة الشريرة التي ولدنا بها من بطون أمهاتنا، قبل الإيمان والمعمودية. ولما مات العتيق ما عاد قادرًا أن يستعمل أعضاء الجسد الخارجي كآلات إثم = ولاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ.
آية (7): "لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ."
هذه تعني:
1. بالموت تسقط الخطية عن المتهم.
2. بالموت تَمَّت عقوبة الناموس فينا.
3. مات الإنسان العتيق وما عاد قادرًا أن يستعمل الأعضاء كآلات إثم. بل صار الجديد يستعملها كآلات بر.
إذًا بالمعمودية يموت الإنسان مع المسيح وبهذا فهو تقبل حكم الموت عن خطاياه. ويقوم مع المسيح متحصلًا على حكم البراءة من خطاياه (رو25:4) والذي مات يكف عن أن يخطئ ولا يتعرض لسلطان الخطية. بهذا الموت تنقطع الصلة بين الإنسان والخطية، إلا إذا شاء الإنسان من جديد أن يعود بجسده إلى ما كان عليه أولًا، أي يعود به إلى عبودية الخطية.
آية (8): "فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ."
خاف بولس الرسول أن يستثقل المؤمن الطريق لأنه موت مع المسيح، لذلك يوضح أن موتنا عن الخطية ليس حرمانًا أو خسارة بل ممارسة لقوة الغلبة والنصرة التي لنا بالمسيح غالب الخطية والموت. هي حياة سنحياها في نصرة مع المسيح. والنصرة في المسيحية تعنى أن لا الألم ولا الموت يرهبنا فالفرح الذي يعطيه المسيح يغلب الخوف والألم (يو16: 22)، ولا الضيقات تزعجنا لأن السلام الذي يعطيه المسيح يتفوق على الحيرة التي في العقل، ويسود السلام بالرغم من وجود الحيرة التي في العقل (2كو4: 7-11 + فى4: 7). نحن قمنا معه بإستحقاق بره وقداسته. وأخذنا حياة من حياته، بهذه الحياة ننال الفرح هنا وحياة أبدية ومجد وفرح أبدي هناك. لذلك قال الرب يسوع "وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ" (يو10: 10)، حياة أفضل هنا في فرح وسلام، ومجد أبدي مستعلن هناك، ولكنه هنا ما زال غير مستعلن (رو8: 18). وطالما حدث إتحاد مع المسيح في موته، فبالضرورة نتحد معه في قيامته، فالمسيح قام ولم يستمر ميتا.
آية (9): "عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ."
المسيح هزم الموت وألغى سلطانه وهو الآن في مجد أبيه وقد أعطانا حياته نحيا بها بالإيمان، وهذه الحياة التي حصلنا عليها بالمعمودية هي حياة أبدية، فحياة المسيح هي حياة أبدية، فهو لن يموت ثانية. ونحن حتى وإن متنا بالجسد فسنعود ونقوم بهذه الحياة الأبدية التي أخذناها وهذا معنى "من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو25:11).
ولكن معنى كلام الرسول أيضا أن المسيح مات بجسد البشرية مرة واحدة وقام بحياة أبدية، وأعطانا بهذا إمكانية أن نموت بالجسد العتيق ونستمر أحياء أبديا.
إذًا لو أردنا أن نصلب جسد الخطية ونحيا للمسيح، ولا نعود للخطية فهذا ممكن، ولا يكون للخطية سلطان علينا ما دمنا معه. ومع أن الخطية عنيفة جدًا إلا أن المسيح هدم سلطانها، فلا نخاف أن نسير معه في الطريق. والآية تعني أنه ما دام المسيح لن يعود للموت بعد أن قام، هكذا لا يصح أن نعود للخطية بعد أن قمنا معه وصرنا نحيا بحياة المسيح، فلماذا نحكم على إنساننا الداخلي الجديد بالموت مع أنه يحيا بحياة المسيح.
آية (10): "لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا للهِ."
كل ما حدث لجسد المسيح له فعل ممتد. ففعل موته ممتد وهكذا فعل حياته. نعتمد فنتحد به في موته "مدفونين معه في المعمودية" (كو2: 12) + "فَدُفِنَّا مَعَهُ بِٱلْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ" (رو6: 4)، وبهذا تموت خطايانا. وهكذا فنحن نتحد به في قيامته "حَتَّى كَمَا أُقِيمَ ٱلْمَسِيحُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ ٱلْآبِ، هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ ٱلْحَيَاةِ" (رو6: 4) + (رو6: 8)، وبهذا تصير لنا حياة جديدة. لذلك رآه القديس يوحنا في رؤياه "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). لاحظ أن الخروف الذي رآه يوحنا هنا فيه صفتين وهما الحياة (قائم) والموت (كأنه مذبوح). المسيح في معموديته مات بحياة آدم وفي قيامته قام بحياة أبدية. لذلك في المعمودية نحن نشترك في الصفتين، الموت بالإنسان العتيق، والحياة بحياة المسيح الأبدية. والمعمودية لا تميت الإنسان العتيق موتا نهائيا، لأن الله يريد أن يحفظ لنا حرية الإختيار لأننا مخلوقين على صورته. ثم في سر الميرون يسكن فينا الروح القدس الذي يملأنا بالنعمة. والنعمة تعيننا، وهي قوة تعطى لمن يريد أن يحيا حياة الإماتة أي أن يستمر ميتا عن حياة الخطية لو أراد. وتعطى لمن يريد أن يسلك في البر قوة لأن يسلك في البر. المسيح لا يجبر أحد على شيء لكنه يسند بنعمته من يريد. نحن في المعمودية صرنا في المسيح، لكن من لا يريد هذا الثبات ويريد الإرتداد لحالة الخطية سيسمع صوت المسيح "أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي" (رؤ3: 16). أي لن تعود ثابتًا فيَّ.
مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ = لم يمت المسيح عن ضعف خاص به إنما بسبب خطايانا، مات بجسد البشرية لكي يعطينا موتا للجسد العتيق، جسد الخطية، فيحطم خطايانا ويبدد قوتها ويحل سلطانها. فلا يعود للخطية سلطان علينا، ما دمنا في إتحاد معه. وهو مات مَرَّةً وَاحِدَةً ولم يسد عليه الموت فقد قام، ولن يموت ثانية بعد قيامته.
وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا ِللهِ = بعد أن قام صار يحيا حياته لكي يمجد الله بأن يهب نفوس البشر حياة مقدسة، يعطينا حياته وبره وبهما نمجد الله... كيف؟ بأن يهبنا الموت عن الخطية، والحياة في بره ثابتين فيه مؤسسا كنيسته كجسد واحد وهو رأس هذا الجسد، ويقدمنا للآب في النهاية كأبناء للآب خاضعين له ونمجده وللأبد (1كو15: 28).
والرسول يريد أن يقول، إن كنا قد حصلنا على حكم براءة أبدية وحرية من سلطان الخطية علينا، وكما يقول القديس يوحنا "أعطانا سلطان أن نكون أولاد الله" (يو1 : 12). فبأي منطق نعود للخطية ثانية ونخسر بنوتنا لله، هذا يكون كمن يعود للقبر بعد أن قام حيا.
الآيات (11-14): "كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً للهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ، وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرّ للهِ. فَإِنَّ الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ."
نرى فيها مفهوم التكريس الحقيقي. فيها يشرح الرسول أننا يجب أن نحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية وأحياء لله في المسيح. إن كان المسيح مات عنا ليبطل لنا سلطان الخطية فإنه لا يليق بنا إلاّ أن نُسَلِّم القلب عرشًا له. إذًا لنمت عن الخطية فلا تملك علينا بعد ولنحيا لله بالمسيح يسوع الذي يملك فينا ويقيم مملكة داخل قلوبنا، مقدمين كل أعضاء جسدنا وكل طاقاتنا لحساب ملكوته كآلات بر بعد أن كانت خاضعة للشهوات كآلات إثم للخطية.
آية 11: أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ = المعنى أن تحكم على نفسك بأنك إنسان ميت أمام الخطية وبلا خوف فلم يعد لها سلطان علينا، بل لقد تبرأنا منها، تبرأنا بما قدمنا عنه توبة وإعترفنا به. وبعد ذلك نقطع كل صلة لنا بها. وأَحْيَاءً ِللهِ = كما أن المسيح يحيا لله (آية10) هكذا يجب عليكم أن تعيشوا متحدين بالمسيح، بحياة جديدة هي حياة المسيح كما يقول القديس بولس الرسول "لى الحياة هي المسيح" (فى1: 21). وبهذه الحياة التي حصلنا عليها في المعمودية نمجد الله. هذه هي رسالة حياتنا الجديدة "فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ" (مت5: 16) + "إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللهَ يَعِظُ بِنَا" (2كو5: 16).
بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا = فبدونه لا نقدر أن نعمل شيئًا (يو5:15) فلا يمكن أن نحيا لله ونمجد الله بحياتنا بدون المسيح، وهذا معنى وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا ِللهِ (آية 10)، المسيح أعطانا حياته "لى الحياة هي المسيح" (فى1: 21) وبحياته يستعمل أعضاءنا لعمل البر وعمل أعمال تمجد الله. وفي المسيح نتراءى أمام الله ونحيا لمجد الآب للأبد.
آية 12: وعلى ذلك فلا يجب أن تتسلط الخطية وتملك على جسدكم الذي مات عن الخطية. أي لا يجب أن نطيعها منجذبين ومندفعين بشهوات هذا الجسد. ومن يفعل ويقرر أن لا يندفع وراء شهواته سيجد أن النعمة تعينه فالروح القدس يجعل الشهوات تهدأ والجسد يكون كميت أمامها. ولكن لو عاد الإنسان وتهاون وبدأ يداعب الخطية تستيقظ حالًا شهواته، فالإنسان كان وسيظل حرًا. إذًا خذوا قراركم واستعملوا القوة والسلطان الذي يعطيه الروح القدس، ولو سقطتم سارعوا بالتوبة. ولاحظ أنه قال لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ = ولم يقل لا تدعها توجد هناك، فهي موجودة بالفعل، مادمنا نحمل جسدًا قابلًا للموت فستحاربنا الخطية. ولكن ليتك لا تملكها. هي فقدت قدرتها على أن تملك، فلا تُمَلِّكْها أنت فلو بدأت تطيعها ستملك. كأن عبدًا قد تحرر بثمن باهظ فنقول له لا تعود تستعبد لأحد ثانية فهو الآن حر لا سيد له. لذلك قال الرب "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا" (يو8: 36). ومن الذي تملك عليه الخطية؟ هو من يجري وراء شهوات العالم فيحيي الإنسان العتيق فتملك عليه الخطية. كثعبان متجمد من الثلج، لو أدفأته في جيبي، فأول ما سيستيقظ يلذعني فأتسمم وأموت. هذا الثعبان المتجمد هو الخطية التي قتلتها النعمة.
آية 13: أَعْضَاءَكُمْ : هي الرجل واليد والعين.. والفهم والذكاء والإرادة بل وكل الملكات الجسدية والنفسية والروحية. فلا تقدموها كآلات ووسائل للإثم، حتى لا تحاربكم الخطية وتنتصر عليكم بواسطة هذه الأعضاء. فلنحذر أن نخضع أي حاسة من حواسنا الجسدانية للخطية... مثال:-
لو غضبت لا تحرك لسانك بالشتيمة ولا يدك للضرب، فحينما لا يكون هناك آلات للخطية ستتلاشى الخطية يومًا فيوم.
والرسول لا يكتفي بمجرد التحذير من الوقوع في الخطية، ولكنه يضيف ناحية إيجابية في حياتنا الروحية. فعلى المؤمنين ليس فقط أن ينقطعوا عن الشر بل يقدموا ذواتهم أي كيانهم كله كتقدمة مكرسة لله. وهو قبل أن يطلب تقديم أعضائنا آلات بر لله يطالبنا بتقديم ذواتنا كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ. قد حصلنا على حياة جديدة مقدسة. بمعنى أنه لن تتقدس أعضائنا الجسدية ما لم يتقدس كياننا ككل، والمعنى أن نحدد هدف جديد لحياتنا وهو أن نحيا لنرضي الله، ونقبل أن نكون كالمسيح أحياء لله (آية 10) أي نحيا لمجد الله. ثم نكرس كل عضو من أعضاء جسدنا لله لكي تكون آلات فضيلة، تستخدم في إظهار مجد الله. وذلك بممارسة الأعمال الفاضلة. وهذا معنى أن الروح يبكت على خطية (تموت أعضائنا عن الخطية) ثم على بر (نصنع برًا). والرسول هنا يؤكد أن الدعوة للموت مع المسيح ليست هي دعوة لتحطيم كيان الجسد بل تقديسه [اليد عوضًا أن أستعملها في الضرب والسرقة (آلات إثم) تموت عن الخطية فلا تمارس هذه الأعمال ثم أستخدمها (كآلات بر) في الصلاة ومساعدة المحتاج، وخدمة الله] فالإنسان العتيق هو الذي يُصْلَب لا أعضاء الجسد. والدعوة للموت مع المسيح ليست دعوة سلبية للخسارة والتبديد، إنما هي دعوة إيجابية للربح. فالموت هنا هو ربح إذ فيه تمتع بالمعية مع المسيح المصلوب القائم من الأموات، القادر أن يقيم أعضائنا كآلات بر واهبًا إياها تقديسًا من عندياته. نحن قد تسلمنا من آدم جسدًا انفتحت حواسه وأعضاؤه وملكاته (فكره وإرادته...) على الخطية (ولكنها غير مجبرة على الخضوع لها). أما المسيح فجاء ليميت فينا هذه الطبيعة المجروحة المفتوحة على الخطية، وأمات الخطية في الجسد ففقدت الخطية تسلطها على أعضاء الإنسان، وحرر المسيح أعضائنا وجعلها مفتوحة على الله لتسمعه وتراه.
آلات بر وألات إثم := الآلة يستخدمها أحد . والمقصود هنا أعضاء جسدي . فإن أعطيتها للمسيح الذي أعطاني حياته تصبح آلات بر وإن تركتها لحياة الإنسان العتيق الذي فيَّ فهي تصبح آلات إثم.
يقول السيد المسيح أن الروح القدس "يبكت على خطية وعلى بر ..." (يو16: 8):-
يبكت على خطية = الروح القدس يبكتنا لو كان الإنسان العتيق ما زال قويًا فينا ويستخدم أعضاء جسدنا كآلات إثم فنستعملها لعمل الخطية.
يبكت على بر = الروح القدس يبكتنا على أننا لا نستخدم أعضاء جسدنا كآلات بر ونعمل بها أعمال بر، بها نمجد الله.
آية 14: وأنتم تستطيعون أن تبلغوا هذه الدرجة من الحياة الروحية لأن الْخَطِيَّةَ لا سلطان لها عليكم= لَنْ تَسُودَكُمْ (لن تتملك عليكم) لأن النعمة سوف تدينها أي تجعلها كامنة داخلي كأنها ميتة (رو3:8). لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ سلطان النَّامُوسِ. الذي كان عمله أن يفصل بين الخير والشر دون أن يهب القوة على بلوغ حياة البر. الناموس هو مجرد مرآة تظهر العيوب ، لكنه غير قادر على تغيير شيء . لكنكم الآن أعضاء في مملكة البر، غُفِرَتْ لكم خطاياكم السابقة وأصبحتم بواسطة هذه النعمة قادرين على السير بأمان في طريق القداسة والفضيلة، وهذا يؤكد على الإمكانيات الجديدة التي صارت لنا خلال النعمة التي تعمل فينا في مياه المعمودية كما في جهادنا اليومي. الإمكانيات الواهبة للغلبة.
تَحْتَ النِّعْمَةِ: النعمة هي قوة عاملة فينا، تميت فينا محبة الخطية. وهي من عناية الله ورعايته وتدبيره لتقود الإنسان لميراثه الأبدي. ولو خضع الإنسان لتيار النعمة لا تعود الخطية تسود عليه. فالنعمة هنا هي قوة الله السرية الخفية التي تَسْكُن أعضاء الإنسان العائش تحت خضوع النعمة والذي يضبط شهواته ويميت أعضاءه عن الشهوات الخاطئة (رو1:12). والروح القدس يعطي لمن يريد قوة وإقناع (إر7:20) لترك الخطية والحياة في بر، بالإقناع أولًا ثم قوة للعمل ثانيًا (رو26:8).
لذلك قيل... الناموس يدين ...... والروح يعين ... وهو يعين بقوة تسمى النعمة .
آية (15): "فَمَاذَا إِذًا؟ أَنُخْطِئُ لأَنَّنَا لَسْنَا تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ؟ حَاشَا!"
أيكون بعد كل ما قيل أن نفهم الحرية في المسيح أنها عودة للخطية. كيف وقد فهمنا أن عمل النعمة هو إدانة الخطية أي أن الخطية ما عاد لها سلطان علينا، وما عاد لنا رغبة فيها. لذلك إذا أخطأ إنسان وقال أنا حر فهو بالحقيقة مستعبد للخطية وما زال لها سلطان عليه، وبالتالي فلا وجود للنعمة عند هذا الإنسان. الحرية الحقيقية هي عبودية لله وفيها يجد الإنسان أن قوة تسانده ليفعل البر، هي عبودية الحب الاختياري وليس عبودية العنف الإلزامي. ولنلاحظ أن النعمة والخطية لا يجتمعان، فلا يقدر أحد أن يخدم سيدين (مت24:6 + يو8: 34، 36). هناك من أساء فهم ناموس النعمة والحرية وقال نخطئ لأننا أحرارًا، ولكن هذا كمن يستغل كرم صديقه بالخيانة والإساءة إليه، الفداء الذي تممه المسيح لأجلي حررني، وعليَّ أن لا أُسْتَعْبَد للخطية ثانية (يو36:8).
وهناك من يسيء فهم عمل النعمة، حين يتصوَّر أن النعمة تعني غفرانا لأي خطية بدم المسيح طالما آمن الإنسان بالمسيح!! وهذا كلام عجيب فمعناه أن النعمة هي تصريح بعمل أي خطية ودم المسيح يغفرها، وهذا ضد مفهوم القداسة. ويقول القديس بولس الرسول "لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللهِ: قَدَاسَتُكُمْ" (1تس4: 3). وبدون القداسة لن يرى أحد الرب (عب12: 14).
النعمة لو وُجِدَت تدين الخطية أي تكتمها وتخنقها وتضعف سلطانها تماما (راجع تفسير آية رو8: 3). بل أن النعمة أيضًا تساعد على عمل البر. فإن وجدت النعمة لن توجد خطية أو قل أنها تضعف جدًا، وإن وجدت الخطية فالنعمة غير موجودة.
المسيح تجسد ومات وقام ليس فقط ليغفر الخطية، بل ليميت فينا الإنسان العتيق، ويقيم فينا الإنسان الجديد الذي نسلك به في البر. ونصير خليقة جديدة يمكن لها أن تخلص حينما يموت فينا الإنسان العتيق وأيضًا نحيا سالكين في البر. وهذا ما قاله السيد المسيح ليوحنا المعمدان حينما ذهب ليعتمد منه "لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" (مت3: 15). وهذا يعنى أنه بالمعمودية يمكن للإنسان أن يسلك في البر وبهذا يخلص. المعمودية فيها نموت بالجسد العتيق ونحيا بحياة المسيح وبها نسلك في البر. وإذا سلكنا في الخطية يبكتنا الروح على خطية، وإذا تكاسلنا عن عمل البر يبكتنا الروح على بر (يو16: 8).
إذًا لنفهم أن النعمة والخطية لا يجتمعان معًا، لذلك كل من يتصور أن النعمة تعنى غفران أي خطية للمؤمن، وأن المؤمن لا يمكن أن يهلك مهما عمل فمثل هذا ما زال ميتا بعيدا عن الخلاص لأن النعمة تقود الإنسان للموت عن حياة الخطية وتقوده لعمل البر. |
آية (16): "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ، أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ: إِمَّا لِلْخَطِيَّةِ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ؟"
نحن أمام سيدين كلٌ منهما يطلب منا أن نطيعه "لِأَنَّ ٱلْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ ٱلرُّوحِ وَٱلرُّوحُ ضِدَّ ٱلْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا ٱلْآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لَا تُرِيدُونَ" (غل5: 17) والسيدين هما:-
1. الروح القدس: وهو يدعونا لنحيا في السماويات ونصنع البر وهو يعين ضعفاتنا.
2. الجسد: وهذا يعنى شهوات الإنسان العتيق الفاسدة، وهذه تدعونا لعمل الشر.
ومَنْ نختار أن نصبح له عبيدًا علينا أن نطيعه. نحن بحريتنا نختار السيد الذي نطيعه.
الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ = من نقبل أن نكون عبيدا له، علينا أن نطيعه.
من نوجه حياتنا وذواتنا له نكون عبيدًا له ونلتزم بطاعته فلا يوجد سوى سيد واحد.
والله كسيد يبرر ويعطي حياة لو أطعناه. أمّا الخطية كسيد فتقود للموت. وبحسب ما رأيناه في مقدمة الإصحاح فالإنسان الداخلي هو الذي يقود الأعضاء الخارجية. ونحن أحرار في أن نجعل أحدهما ينمو والآخر يضمحل أو العكس. ومن هو فيهما الأقوى سيقود الأعضاء الخارجية. فلو جعلت الإنسان الجديد ينمو، هذا الذي حصلت عليه في المعمودية، فهو سيقود الإنسان الخارجي لطاعة الله في البر = تكون أعضاء هذا الإنسان آلات بر. والعكس فلو تغير هدف الإنسان ساعيا وراء شهوات جسده، بهذا يعطي الفرصة لنمو الإنسان العتيق، وهذا لو قاد الإنسان الخارجي لصارت أعضاءه آلات إثم ولقاده للخطية والموت. ولنلاحظ أن هناك من يستعبد لشهواته الخاطئة، وهناك من يستعبد للبر مثال خادم صحته منهكة ولكنه مُصِّرْ على الخدمة، ولا يستطيع ترك خدمته، أو مريض مُصِّرْ على الصيام، ويجد لذته فيه.
هناك سيدين يتصارعان على استخدام أعضائنا: الإنسان الجديد والإنسان العتيق. والأقوى هو الذي سيقود أعضاءنا للبر أو للإثم. ونحن بحريتنا ندعم أحدهما فيقوى. |
آية (17): "فَشُكْرًا للهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا."
أطعتم من القلب= الحرية التي نمارسها ليس عن قوة أو اضطرار إنما تمارس خلال الحب بكامل إرادتنا. صورة = كلمة تفيد طبعة أصيلة للتعليم.
آية (18): "وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ."
إذ تحرروا من الخطية إرتبطوا بالبر، لا يستطيعون إلا أن يعملوا البر كأنهم عبيد للبر، ويجدوا لذتهم في ذلك ولا يقدرون إلا أن يفعلوا ذلك. فالحرية في المسيح هي عبودية للبر.
آية (19): "أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ."
أتكلم إنسانيًا= أكلمكم بحسب ضعف طبيعتكم التي لازالت جسدية لدرجة أنكم تتكلمون وتعتقدون أن عمل الفضيلة كما لو كان فيه عبودية عِلمًا بأن عبودية البر هي في حقيقتها حرية للجسد والروح. فلأنكم لم تنموا بعد في النعمة قد تتصورون أن المسيح أو الكنيسة تريد أن تستعبدكم. وهذا يحدث مع المبتدئين روحيًا، فلو قلنا لشاب أن هناك يوم روحي نقضيه في الصلوات والاجتماعات فسيعترض من كثرتها ولكن نقول له بلغته، ليكن، أنت تتصور أن هذه الصلوات والاجتماعات فيها عبودية، ولكنها عبودية للبر، وإذا مارس هذه مرة بعد مرة سيكتشف لذة طريق الله وأنها ليست عبودية بل هي تنمي الإنسان الداخلي فيحيا في السماويات. وهناك من يعترض ويقول أن الكنيسة تستعبدنا بكثرة صلواتها وأصوامها. فنرد عليهم قائلين "موافقين.. ولكن أيهما أفضل أن تستعبدك الكنيسة بأصوامها وصلواتها، أم تُستَعبد للخطية بفضائحها، لكن عليك أن تعلم أنك لو استعبدت نفسك للبر بحريتك فسيقودك هذا للحرية الحقيقية، كما يحدث الآن ويأتي شخص تذوق لذة الصيامات طالبًا أن يصوم ويعمل مطانيات metanoia في الخمسين المقدسة.
عبيدًا للنجاسة= أي لخدمة الخطية التي تنجس الإنسان. وليس أقسى من أن يستعبد الجسد للخطية أو أحط من أن يُرسَل الابن ليرعى مع خنازير قد متم = أي باختياركم، فالشيطان لا سلطان له على إجبارنا. وهذا ما يبرر الله في هلاك الخطاة، فهم يبيعون أنفسهم لعمل الشر.
الإثم للإثم= إن خطية واحدة تجعل القلب أكثر ميلًا للأخرى. وكل عمل خاطئ يُثبِّت ويُقوِّي العادات الخاطئة. فمن يسلك في طريق الخطية تزداد حياته شرًا ويزداد قلبه قساوة. ومن يزرع الريح يحصد الزوبعة (هو7:8) هذا يصير عبدًا للنجاسة والإثم لخدمة الإثم.
قدموا أعضاءكم عبيدًا للبر والقداسة= عندما تكفّ أعضاؤنا عن خدمة الخطية، يجب أن لا تبقى عاطلة بل لتُستخَدم في خدمة الله. وهذا يبدأ بالتغصب فملكوت الله يغصب (مت12:11) ولكن من يفعل يقوده الروح القدس للقداسة، أي يتخصص الإنسان كله لله، وهذا يلازمه السلام والفرح. ولنلاحظ أن العبودية للفضيلة ليست إلاّ حرية.
* إذًا من يقدم أعضاءه كعبيد للخطية...ينتقل من إثم إلى إثم...وهذا يقود للموت.
* ومن يقدم أعضاءه كعبيد لصنع البر...ينتقل من عمل بر لعمل بر آخر ويسير في طريق القداسة...وهذا هو طريق الحياة الأبدية.
آية (20): "لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ."
لما كنتم عبيدًا للخطية كنتم تحررون أنفسكم من الالتزام بمطالب البر وكنتم تسمون أنفسكم أحرارًا. ولكنكم كنتم في أشد درجات الانحطاط وفي النهاية هلاك. في الواقع هذه ليست حرية بل هي حرية مسلوبة. إذًا أيهما الأفضل أن تستعبدوا للبر فنهايته حياة والآن فرح، أم تستعبدوا للخطية وتعيشوا الآن في مرارة والنهاية هلاك.
آية (21): "فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ."
هنا مقارنة بين العبودية للإثم والعبودية للبر. فالأولى قاسية مخزية نهايتها الموت وتثمر عارًا والثانية تثمر قداسة وحياة أبدية. والسؤال هنا لهم ماذا انتفعتم من حياة الخطية، بل أنتم تستحون الآن من حياتكم السابقة عندما تتذكرونها، بل كنتم معرضين للموت بسبب خطاياكم.
آية (22): "وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ، وَصِرْتُمْ عَبِيدًا للهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ، وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ."
أمّا الآن حيث أنكم قد تحررتم من الخطية بالمعمودية وأخضعتم أنفسكم لله فإنكم قد اكتسبتم بكل تأكيد نموًا وتقدمًا في حياة القداسة= لكم ثمركم للقداسة = أنتم الذين تستطيعون أن تحكموا على ثمركم الآن في ظل حياة القداسة، بالمقارنة مع ثمركم المرّ أيام الخطية. ولاحظ قول بولس أننا بدون قداسة لن نرى الله (عب14:12) والنهاية حياة أبدية.
آية (23): "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا."
كلمة أجرة التي استخدمها الرسول هنا هي بمعنى أجرة زهيدة تعطي لعبد وتأتي بمعنى أدام (طعام أو غموس) يعطي للعبد لسد الرمق. وهي كلمة تشير للمتعة الوقتية الزهيدة للخطية، لأن أجرة الخطية التي تدفعها لمن يتعبدون لها هي الموت. والرسول يريد أن يقول لمن عاش في الخطية مستعبد للذة تافهة، لقد كنتم آنذاك عبيدًا بائسين والنهاية موت أبدي.
أما هِبَةُ اللهِ فهي عطية مجانية وليست أجرة، هذه التي يهبها الله بوفرة لعبيده بكل الحب والابتهاج، وهي حياة أبدية تتحقق لنا بواسطة إتحادنا بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.
← تفاسير أصحاحات رومية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرسالة إلى أهل رومية 7 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الرسالة إلى أهل رومية 5 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tz5j2xs