محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
قال سليمان "نهاية أمر خير من بدايته" (جا 8:7). ونرى هنا في هذا الإصحاح إثبات ذلك.
1. عودة أيوب إلى الله وندمه عن كل الكلام الصعب الذي قاله. فكان من المحزن حقًا أن رجلًا كاملًا كأيوب يتخاصَم مع الله. ونرى شفاء أيوب من كبرياءه.
2. عودة الصداقة بين أيوب وأصحابه وانتهاء الجدال بالمصالحة فكان من المحزن أيضًا أن هؤلاء الأصدقاء وكلهم كاملين نجدهم في اختلاف وخصام.
3. نهاية أحزان وآلام أيوب، بل عاد له كل شيء مضاعفًا.
4. ونرى أن الله هو الطبيب الشافي الذي يستخدم الدواء المناسب تمامًا، فتجربة أيوب بالرغم من مرارتها كانت نتيجتها مؤكدة والشفاء كان تامًا.
أية (1):- "فَأَجَابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ فَقَالَ:"
فأجاب أيوب الرب= لقد قال أيوب سابقًا أنه لن يتكلم ثانية (أي 4:40، 5) ولكنه كان يقصد أنه لن يتكلم كلام احتجاج أو جدال مع الله، أو يبرر نفسه ثانية. ونجده هنا يتكلم كلمات توبة وشهادة لله. وما أحلَى كلمات التوبة في أذني الله.
أية (2):- "«قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ."
لقد وصلت رسالة الله، وعلم أيوب أن الله يستطيع كل شيء. لقد بدأ أيوب كلمات التوبة في (أي 4:40، 5). وهنا هو يكملها ليفرح السمائيين. فالسماء كلها تفرح بخاطئ واحد يتوب، وتفرح بكل متمرد على الله حين يعلن خضوعه لله.
قد علمت أنك تستطيع كل شيء= هنا أيوب ينسب لله المعرفة والقوة اللانهائيين. فالتصرفات الفاسدة والاحتجاج ضد الله ينشئ مبادئ فاسدة منها عدم تصديق الحقائق الإلهية. أما التوبة الصادقة فعلامتها تصديق المبادئ الإلهية والحق الإلهي، (2تي 25:2). لقد آمن أيوب أنه من الصعب أن يتخاصم مع الله القدير. وإذا كان أيوب قد إعترف هنا بأن الله يستطيع كل شيء، فقد إعترف ضمنًا أن الله قادر أن يرفع عنه ألامه، الأمر الذي كان ينكره قبل ذلك. ولقد سبق أيوب في مرارته السابقة أن قال هذا المعنى أن الله يستطيع كل شيء ولكنه قالها بنوع من اليأس والشكوى من أن الله إله جبار يسحق من يريد (أي 13:23). ولكنه يقولها الآن بفرح على أن الله قادر أن يخلصه.
أية (3):- "فَمَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا."
لقد وبخ الله أيوب في (أي 2:38) حين قال "من هذا الذي يظلم القضاء بكلام بلا معرفة" وهنا يرد أيوب على الله معترفًا بانسحاق وخجل بأنه هو هذا الشخص، فهو يعترف بغبائه وجهله أنه فعل هذا. واعترف بخطيته السابقة. لقد شعر أيوب هنا بفظاعة خطيته التي عملها حين إتهم الله بالظلم في قضائه ضده، وفي أنه تشاجر مع الله ليبرر نفسه. فأمور الله وقضائه أعلَى من أن نفهمه. ولكن علينا أن نقر بأن الله لا يخطئ فيما يفعل ولكننا نحن الذين لا نفهم. وهنا كأن أيوب يقول"أنا أعترف بخطإي فأنا الذي أخفيت القضاء" وبداية طريق الشفاء من الخطية أن يدرك الإنسان خطورتها وأنها قاتلة.
نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا = مع تطورات العلم الحديث كانت هناك اكتشافات وجد فيها المنتقدون خلافات مع الكتاب المقدس. فبدأوا في نقد الكتاب وأنه متناقض مع العلم الحديث وعلقوا على ذلك بأنه ليس من الله أو أن الله يخطئ. ومع استمرار التقدم العلمي ثبت أخطاء في نظريات العلماء وثبتت صحة الكتاب المقدس. بل وجد العلماء أنه في الكوارث الطبيعية إثبات لأن هناك أخطاء في الخليقة ولنأخذ أمثلة على أن الله لا يخطئ فيما عملته يداه:-
1. الزلازل:- وجدوا أن النشاط التكتوني والمتسبب في الزلازل المدمرة، أن له فوائد في الطبيعة. فهو المسئول عن استمرارية الجزر التي في المحيطات.
2. الأعاصير:- مع كل الدمار الذي تسببه الأعاصير وجدوا أن لها فوائد جمة للخليقة. فبسبب الأعاصير تزداد الأمطار وتتوزع بطريقة منتظمة. والأعاصير تجعل كثافة الكلوروفيل تزداد وتتوزع حسنا. والأعاصير تحمل كمية ضخمة من رذاذ ضباب الهواء المشبع بملح البحر من المحيطات وتحمله لليابسة مما يساعد على تكوين قطرات الأمطار المنتظمة، وتساعد هذه السحب على تشتيت إشعاعات الشمس فتتوازن درجات الحرارة بين الصباح والليل، وبدونها يصير الفروق كبيرة جدًا. فقالوا أن الأعاصير هي ثرموستات Thermostat حرارة الأرض فهي تحمل الهواء الساخن جدًا الناشئ عن ارتفاع حرارة المحيطات فتنخفض درجة حرارة المحيطات. وخلصوا إلى رأي أن هذه الأعاصير توازن بين الحياة المريحة بدون الأعاصير وبين دمار شامل للأرض بدونها.
3. inverted ratina:- الشبكية المقلوبة أو المعكوسة عند الثدييات والطيور:- وهذه تسبب في حجز الضوء فقالوا أن هذا عيب في الخليقة. ومع الوقت اكتشفوا أن بدونها يحدث دمار خطير للعين.
4. appendix :- الزائدة الدودية. سخر منها العلماء سنينا طويلة إذ ليس لها فائدة للهضم. ثم يكتشفوا أن فائدتها هي لجهاز المناعة.
5. صواعق البرق :- وجدوا أن لها دور أساسي في تثبيت النيتروجين Nitrogen الذي يساعد على تكوين النيترات Nitrate التي لها دور حاسم في نمو النبات وجودة التربة الزراعية.
6. المخلوقات العملاقة المندثرة كالديناصور:- قالوا أنها بلا فائدة. ولكن من بقاياها جاء البترول.
7. والسؤال الآن: هل لم يكن من الأفضل أن نأخذ الفوائد التي في الزلازل والبراكين والأعاصير دون الخسائر التي تلحق بنا؟ والإجابة أن لها دور آخر في تأديب البشر. وهذا واضح في كل شيء حولنا، فالمطر مثلا لو شح يهلك الإنسان والحيوان، ولو زاد عن الحد المناسب للحية تكتسح الفيضانات كل ما أمامها. وبنفس الطريقة الهواء فالنسيم الهادئ ينعش وبدونه نختنق، ولو زادت سرعة الريح تحدث الأعاصير المدمرة. لذلك تصلي الكنيسة في أواشي المياه والهواء وتقول "إصعدها كمقدارها، كنعمتك فرح وجه الأرض". فالطبيعة هي سلاح في يد الله ينعم به على الإنسان الذي يتقيه، ويؤدب به الشرير ليتوب فيحيا.
8. أخيرا نقول أن كبرياء الإنسان تجعله يظن أنه أحكم من الله الخالق. وقد يدرك مع الوقت خطأه فيندم، وقد يستمر في عناده فيهلك.
أية (4):- "اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. "
إسمع الآن= يقولها أيوب ليس بكلمات إحتجاج بل بروح الصلاة والتضرع. وهنا يقولها بروح مخالفة لما قاله من قبل في (أي 15:9 + 22:13). فما قاله من قبل كان يريد أن يتكلم أمام الله كخصم ليبرر نفسه أمام الله. ولكنه هنا يتكلم كتائب يريد أن يتعلم وليس كمن يريد أن يُعَلِّم. وكأن لسان حاله يقول: لا تلقي عليَّ يا رب مزيدًا من الأسئلة المحيرة فقد اقتنعت بجهلي وأريد أن أقف أمامك كجاهل فَتُعَلِّمُنِي.
أية (5):- "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. "
بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني. ما أحلَى التوبة وأقواها، فهي تنقي القلب فيعاين الله "طُوبَى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله"
لقد سمع أيوب عن الله من الآخرين، سمع عن قدرته وعظمته ومراحمه والآن هو قد إختبر هذا كله= رأتك عيني. فالسمع فقط يكون للعقل، وهذا وحده يثير الجدل الذي ينشأ من البر الذاتي، والسمع فقط لا يمنع البر الذاتي. أما الرؤيا فهي للقلب، وهي بعكس السمع تدعو التائب الحقيقي ليصمت في حضرة الله شاعرًا بعدم استحقاقه فالرؤيا تفتح العين فترى نور الله ومجده، ونور الله يكشف نجاسات الإنسان وهذا يقوده للتواضع، وكلما ازداد الإنسان معرفة بالله ازداد تواضعًا فهو سوف يرى حقارته بالنسبة لعظمة الله ومجده، وسيدرك جهله فيكف عن المناقشة والجدال.
حين كان أيوب في الماضي يسمع فقط عن الله طلب في بره الذاتي أن يتناقش مع الله. والآن بعد توبته وبعد أن رأَى الله وإختبره سكت ولم يتكلم حتى يتعلم من الله.
وعمل الخدام أن يعلموا الناس عن الله، أن يسمعوهم عن الله. أما عمل الروح القدس فهو أن يفتح أعين قلوبنا لنرَى الله. بل أن يعلن المسيح فينا ويُصَوِّره فينا (غل 16:1 + غل4: 19) فيحولنا إلى صورته (2كو 18:3). عمل الخدام أن يعطوننا معرفة ولكن عمل الله نفسه يذهب إلى أبعد من المعرفة النظرية، يذهب إلى حد الإعلان عن نفسه داخلنا فكأننا رأيناه. وأيوب وصل لهذا الاختبار بعد أن أدبه الله، فالله إذا سمح بعصاه لتؤدب أولاده فهي تعطي حكمة وإستنارة.
وهناك كثيرين سمعوا عن الله من العائلة ومن الكنيسة ولكن قليلين هم الذي رأوا الله، قليلين هم الذين صنع الله عندهم منزلًا وأعلن ذاته لهم، وحتى يصنع الله ذلك هناك شرط أن نحفظ وصاياه. هنا يعلن الله له ذاته (مت 8:5 + يو 21:14-26).
أية (6):- "لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ»."
لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد= في آية (5) كانت عينا أيوب على الله الذي رآه وهنا نجد عينيه على نفسه، فرأَى حقيقة حاله فندم في التراب. ورفض نفسه كما قيل في (حزقيال 9:6 + 43:20 + 31:36). ومن تكرار هذه الجملة في نفس السفر نفهم أنها علامة من علامات التوبة أن يكره الإنسان نفسه بسبب نجاساته.
هنا نجد أن روح الله الذي بكت أيوب قد أقنعه إقناعًا كاملًا. فكانت توبته من قلبه وليس من شفتيه. لقد كان رفضه لحالته الخاطئة شعورًا داخليًا وليس شعورًا سطحيًا. لقد سبق ورقد أيوب في الرماد حزنًا على ألامه والآن كتائب حقيقي يندم في التراب والرماد، فمن المؤكد أن التائب الحقيقي يشعر أن خطاياه محزنة جدًا أكثر من ألامه الجسدية. والتائب الحقيقي يندم على أنه صار هكذا أمام الله القدوس. وبقدر ما نرى مجد الله وحقيقة أنفسنا سنحتقر أنفسنا.
ولقد جاءت كلمة أرفض في الإنجليزية (يمقت بشدة ويشمئز). والكلمة في أصلها العبري جاءت بمعنى أختفي أو أسحب نفسي وأختفي. هنا نرى أيوب ينكمش أكثر وأكثر. هو سبق وقال أنا حقير. ولكنه هنا يقول"أريد أن أتلاشى نهائيًا" أمسح نفسي من الوجود وأخلي نفسي من المركز الذي اتخذته سابقًا أو ظننت نفسي فيه. لقد سبق أليفاز ونصحه بأن يلقي التبر على التراب ليرى الله ويعرفه ولكنه هنا لم يكتفي بأن يلقي التبر فقط بل ألقَى نفسه وتلاشَى بالكلية أمام الله القدير. وهذا لا يأتي لنا سوى بالتوبة. ولكن هذا ليس نهاية الطريق... فأيوب توقف عند الجانب السلبي من التوبة ولكن بولس وصل للجانب الإيجابي منها حين قال "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ". فبالتوبة تشرق رؤيا الله على الإنسان فيأتي وجهًا لوجه أمام الله فيشعر أنه لا شيء وتتلاشَى ذاته أمام الله. ولكن المسيح سيحيا فيه ليرفعه من التراب إلى ملء الحياة. فلا قيامة بدون صليب (صلب الأهواء والشهوات).
أية (7):- "وَكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهذَا الْكَلاَمِ، أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لأَلِيفَازَ التَّيْمَانِيِّ: «قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. "
ابتداءً من هذه الآية عاد الكاتب يكتب نثرًا لا شعرًا.
ونرى هنا الله يشهد ببر أيوب. ونلاحظ أن الله يكرر قوله "عبدي أيوب" 4 مرات في الآيتين (7، 8) وقبل ذلك قالها في (أي 8:1 + 3:2). وهذا يشير لرضا الله، وأن الله يفرح بأن عبده أيوب يعبده بأمانة وها هو يشهد له. وإذا شهد الله لإنسان فماذا يهم هذا الإنسان إذا قال عنه الآخرون أي شيء، فإذا مدحوه فلن يزيدوه كرامة بعد أن كرمه الله وإذا إتهموه بالشر فهذا لن ينقصه شيئًا بعد أن شهد له الله. والله شهد لأيوب ببره ولكنه كان يؤدبه كإبن، كان يؤدبه بينما هو يشهد لبره أمام الآخرين. وفي أثناء التأديب قد تَخْفِي سحب التأديب والآلام بر البار. لكن سريعًا ما يسمح الله ويزيل هذه السحب ليبرر الله عبده البار أمام الآخرين" (مز 6:37).
قد احتمى غضبي عليك وعلى كلا صاحبيك= لأنهم أدانوا أيوب بلا مبرر، والله لا يحب أن أحدًا يدين الآخرين فالدينونة هي عمله وحده فهو الديان العادل، بل هم بدلًا من أن يقوموا بدور المصالحة بين الله وبين أيوب حولوا جدالهم وتعزيتهم إلى صراع شخصي مع أيوب، حاولوا من خلاله الانتصار عليه بلا مبرر. لكن كما أن المسيح أتى لعمل المصالحة بين الله والناس ، أعطى لخدامه خدمة المصالحة (2كو5: 18، 19) وكلام أصحاب أيوب كان كله حكمة وشهادة لله، لكن الله رأَى خطأ الإدانة في قلوبهم فلامهم على ذلك. ولقد نطق أيوب ببعض الأخطاء لكنه شهد لله ولم ينكره ولم يجدف، والله سامحه إذ قالها في مرارة ألامه العنيفة، ولكنه لام الأصحاب بشدة على اتهاماتهم لأيوب فهم لم يكونوا في مرارة نفس مثله، بل وهم في كامل صحتهم وإزدهارهم كانوا في منتهَى القسوة على أيوب بلا أي محبة أو شفقة. وربما كان كلام أيوب أفضل منهم فهو بروح النبوة رأَى خلاص المسيح، وهو رأَى أن مكافأة الأبرار تكون في العالم الآخر بينما أصر الأصحاب أنها لا بُد أن تكون هنا على الأرض. وكان كلام أيوب أفضل فهو في كل جداله كان يبحث عن الحق وكان سؤاله: (لماذا يسمح الله بالآلام للأبرار) هو حقًا في احتداده فقد الرؤية الصحيحة، لكنه كان يبحث عن الحق بينما كان كل هم أصحابه أن يدينوه. والله لم يوجه أي إدانة لأليهو لأنه شهد للرب وكان خادمًا أمينًا. بل هو وحده الذي أجاب على سؤال أيوب، أن الله يسمح بالتأديب للبار. فالألم هو للتأديب.
أية (8):- "وَالآنَ فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَاذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ». "
نرَى هنا أيوب بعد أن كان كشحاذ وسط أصدقائه وكانوا هم كأمراء، أن الله قلب الأوضاع. فرفع أيوب من المزبلة بعد أن جعله تائبًا متواضعًا (لو 52:1). فرفعه وكرمه وعزاه. وهكذا لكي نتعزى بتعزيات الله علينا أن نخضع أولًا لتبكيت الروح القدس داخلنا ونتواضع أمام الله. بل جعل الله أيوب كاهنًا وشفيعًا عن أصحابه، وهكذا عمل مع إبراهيم (تك 7:20). فالله يكرم الذين يكرمونه. هنا أعاده الله لسابق عهده حين كان يقدم ذبائح عن أولاده، بل جعله رمزًا للمسيح الذي يشفع في البشر
حسب حماقتكم= لأنهم كانوا معجبين بأنفسهم وبكلامهم، يظنون أن كلامهم هو منتهَى الحكمة ولكن كلامهم إذ كان مملوءًا عداوة وإدانة لأيوب كان في نظر الله حماقة. فعلينا أن نتواضع. ولا نسمع هنا عن ذبائح خطية فهذه بدأت مع موسى. ورقم 7 هو رقم الكمال.
أية (9):- "فَذَهَبَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ، وَفَعَلُوا كَمَا قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ. وَرَفَعَ الرَّبُّ وَجْهَ أَيُّوبَ. "
حينما قدم أيوب ذبائح عن أصحابه علَّم الله الأصحاب التواضع فهم كانوا يظنون أنهم الأقرب للسماء، فأظهر الله لهم العكس. هم ظنوا أنهم أحباب الله المقربين منه لأنهم في صحة ولم يمسهم شر بينما أيوب هو رجل شرير لذلك ضربه الله بهذه الآلام. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فأظهر الله عدم صحة نظريتهم. ولاحظ أن الصراع بين أيوب وأصحابه لم ينتهي بجدال جديد بل الكل تصالح في الذبيحة (لذلك نبدأ قداساتنا بصلاة الصلح) هي صلح بين الله والإنسان وبين الإنسان وأخيه الإنسان. وأصحاب أيوب نراهم هنا لا يترددوا في تقديم الذبيحة طالما أن هذه هي إرادة الله وهذا يثبت صلاحهم.
ونرى هنا قوة الشفاعة، فأيوب تشفع في أصحابه حتى لا ينصب عليهم غضب الله وهل الشفاعة تتوقف بموت البار؟ أبدًا بل هي تصبح أقوَى. فداود في مزموره يقول "الصديق كالنخلة يزهو كالأرز في لبنان ينمو" (مز 92: 12) والأرز لا تظهر فائدته كخشب ثمين إلا بعد أن يقطع. وعمومًا فإله إبراهيم وإسحق ويعقوب هو إله أحياء وليس إله أموات. فكل القديسين الذين نتشفع بهم هم أحياء وشفاعتهم قوية. ونلاحظ أنه بمجرد توبة أيوب سامحه الله على كل أخطائه.
أية (10):- "وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفًا. "
الله كافأ أيوب ببركات أرضية فالبركات الروحية السماوية لم تكن مفهومة في العهد القديم. وكانت البركات المادية الأرضية علامة لرضا الله ورمزًا للبركات الروحية. بل أن العهد الجديد نرى فيه أن الآلام هي طريق المجد وهي لا شيء بجانب المجد المعد لنا (رو 18:8) ومعلمنا يعقوب يعطينا أيوب كمثال على الصبر(يع 11:5)، بصبره كافأه الله. والكتاب يعلمنا "بصبركم تقتنون أنفسكم"، فالله سيعطينا مجدًا إذا صبرنا واحتملنا الصليب الموضوع علينا في هذا العالم. والله كعلامة على رضاه على أيوب أعاد له الضعف. فالله لا يريد أن يخسر أحد بسببه. وكان هذا مكافأة على صبره وشهادة أمام الكل على رضا الله عليه.
ضعفًا= الضعف هو نصيب الأبكار (تث 17:21). وفي هذا فأيوب كان يرمز للمسيح البكر وسط إخوة كثيرين، وأعطانا الميراث وصرنا فيه أبكارًا نرث ملكوت السموات معه راجع (رو 16:8، 17، 29 + عب 2:1، 6 + 11:2 + 23:12). وكل من يصبر ويحتمل التجربة يرث مع المسيح (يع 12:1). ويكون له نصيب الأبكار في السماء، ونصيب من يرث السماء بمجدها وأفراحها سيكون أضعاف الأفراح الأرضية العالمية. لقد بدأت آلام أيوب بحسد الشيطان وشره، وانتهى أيوب في مجد بدأ بمراحم الله ومحبته وهذه لا يستطيع الشيطان أن يقاومها. لقد إشتكى أيوب سابقًا من أن الله ضده ولكننا ها نحن نرى الله معه ويحبه ويباركه.
ورد الرب سبي أيوب= هو بفقده كل شيء صار كمسبي في بلاد بعيدة، وهو في خصومته مع الله كان كمسبي. وبرؤيته الرب، رُدَّ سبيه من يد إبليس.
ونلاحظ أن الله لم يطلب من أيوب في مقابل كل ما أعطاه له من بركات إلا أن يصفح عن أصحابه ويصلي لأجلهم. والله سامح أصحاب أيوب إذ اتضعوا.
أية (11):- "فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ، وَرَثَوْا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبَهُ الرَّبُّ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطًا مِنْ ذَهَبٍ. "
شكا أيوب سابقًا أن أصدقاؤه قد تركوه في ضيقته. والله نجده هنا قد عزاه بعودتهم ومشاركتهم القلبية والمادية، وربما كانت عطاياهم المادية هي بداءة بدأ بها أيوب وبارك الله في القليل فصار كثيرًا. بل صار ضعف ما كان عنده قبلًا. وربما كانت عودة أصحابه له حينما عرفوا أن الله قد قبله وكانوا قد إبتعدوا عنه إذ شعروا أن نكباته علامة غضب الله. قسيطة = (تك 19:33 + يش 32:24) وهي وزنة أو عيار للذهب ولكن غير معروف قيمتها الآن.
أية (12):- "وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ الإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ. "
واضح أن ما صار له هو ضعف ما كان له سابقًا بالتمام.
أية (13):- "وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. "
أولاده لم يتضاعفوا والسبب أن من ماتوا هم أحياء. وبذلك يصير عدد الأولاد الكلي هو ضعف ما كان لأيوب قبل التجربة. فهو كان له سبعة بنين وثلاث بنات وهؤلاء ماتوا في التجربة. والآن صار له سبعة بنين وثلاث بنات. ويصير العدد الكلي 14 ولد، 6 بنات أي ضعف ما كان له قبل التجربة. النصف في السماء والنصف الآخر على الأرض مثال لكنيسة المسيح الواحدة فهي جزئين كنيسة منتصرة في السماء وكنيسة مجاهدة على الأرض.
أية (14، 15):- "وَسَمَّى اسْمَ الأُولَى يَمِيمَةَ، وَاسْمَ الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَاسْمَ الثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ، وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثًا بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ "
نساء جميلات= في العهد القديم كانت المرأة تمدح لجمالها والرجل لقوته وثروته، وقد تكرر وصف بعض النساء بأنهن جميلات مثل سارة/ رفقة/ راحيل ثم بنات أيوب لكننا لم نسمع في العهد الجديد أن هناك امرأة جميلة، ولم يقال هذا حتى على العذراء. فجمال المرأة في نظر العهد الجديد هو جمال قداستها. بل أن المسيح وحده هو الذي قيل عنه أنه أبرع جمالًا من بني البشر. وصارت كنيسته هي أيضًا جميلة بسببه "أنا سوداء وجميلة" (نش 5:1) فالعروس سوداء أي قبيحة بسبب خطاياها ولكنها صارت جميلة بمسيحها سبب جمالها. وبنفس المنطق نسمع عن أبطال حرب في العهد القديم كأبطال داود (2صم23: 18 -39) وهناك جدعون وشمشون...ولكن لم نسمع عن جبابرة وأقوياء في العهد الجديد فالمسيح هو قوتنا. نحن الآن في المسيح أقوياء ولنا جمال وقادرين على كل شيء.
يميمة= معنى الاسم يمامة/ نهار/ فجر. بسبب بزوغ فجر بركات الله عليه بعد ليل ألامه. والإسم يشير للجمال وأيضًا لبركات الله.
قصيعة= هي عطر ذو عبير ورائحة جميلة ويسمى سَنا. وهذا في مقابل رائحة قروحه سابقًا. والإسم يشير لبركات الله وأفراح أيوب.
قرن هفوك= قرن الدهن. وتعني أيضًا أن الله أعاد ورمم وأصلح بوفرة والإسم يشير لأن الله حول ألامه لأفراح بمراحم كثيرة.
أعطاهن أبوهن ميراثًا= رمز للميراث الذي أعطاه المسيح لكنيسته.
أية (16):- "وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال. "
عاش أيوب 140 سنة = قيل في السبعينية أن عمر أيوب وقت التجربة كان 70 سنة. وعمومًا فرأي كثيرين أن ما دام كل ما لأيوب قد تضاعف فمن المنطقي أن عمره أيضًا قد تضاعف ليصير العمر الكلي لأيوب 210 سنة وهذا يوافق الأعمار في أيام إبراهيم.
أية (17):- "ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ."
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
نظرة عامة على سفر أيوب |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أيوب 41 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f4tgngf