محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
الآيات 1-7:- "فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: «الْيَوْمَ أَيْضًا شَكْوَايَ تَمَرُّدٌ. ضَرْبَتِي أَثْقَلُ مِنْ تَنَهُّدِي. مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ، فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ، أُحْسِنُ الدَّعْوَى أَمَامَهُ، وَأَمْلأُ فَمِي حُجَجًا، فَأَعْرِفُ الأَقْوَالَ الَّتِي بِهَا يُجِيبُنِي، وَأَفْهَمُ مَا يَقُولُهُ لِي؟ أَبِكَثْرَةِ قُوَّةٍ يُخَاصِمُنِي؟ كَلاَّ! وَلكِنَّهُ كَانَ يَنْتَبِهُ إِلَيَّ. هُنَالِكَ كَانَ يُحَاجُّهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَكُنْتُ أَنْجُو إِلَى الأَبَدِ مِنْ قَاضِيَّ."
نجد هنا رد أيوب على أليفاز. ونلاحظ أن أيوب بعد أن كان قد هدأ عاد للشكوى مرة أخرى والسبب إثارة أليفاز له بإصراره على الاتهام السابق فرفض أيوب الاستسلام لاتهامات أصحابه وبدأ يدافع عن نفسه. وهذا ما يسمى صراع الروح مع الجسد. فالروح كان نشطًا بسبب عمل الروح القدس فيه الذي أعطاه رؤية الولي الحي الذي يشهد له في السماء. ولكن الجسد استجاب مرة أخرى للغضب بسبب اتهامات الأصحاب. ونلاحظ أن أيوب لو كان قد صمت فترة ليتأمل فيما أعلنه له الروح القدس، وأنصت لصوت الروح القدس لكان الروح القدس قد أظهر له خطيته، فالروح القدس يبكت على الخطية أي يظهر فساد ونهاية طريق الخطية بأن يقنع الإنسان (يو16: 8)، وطالما أن الروح كان قد بدأ العمل مع أيوب فهو كان سيكمل العمل ويبكته، ولكان أيوب قد دان نفسه فعلًا وإعترف أمام الله بخطيته. بل كان قد أعطى الفرصة للروح القدس أن يبقيه في حالة السلام والفرح. ولكن ثورته للدفاع عن بره أمام أصدقاءه أعطى الفرصة للجسد أن يهزمه فيثور مرة أخرى، وهذا ما يسمى بالأنا وهي نقطة ضعف أيوب. أما المتواضع القلب هو يعطي فرصة للروح ليعمل.
اليوم أيضًا شكواي تمرد= لقد اعتبر الأصحاب شكوى أيوب أنها تمرد ضد الله بلا سبب. أما أيوب فيقول أأنا أشكو بلا سبب إن ضربتي أثقل من تنهدي= أي ألامي أكثر بكثير مما قلته. من يعطيني أن أجده= أيوب يتمنَى أن يرى الله ويقف أمام كرسي قضائه فهو كان واثقًا من عدالة قضيته. وكان واثقًا أنه سوف يسمع الحكم وأنه في مصلحته فاشتاق أن يسمعه = فَأَعْرِفُ الأَقْوَالَ الَّتِي بِهَا يُجِيبُنِي.. أَبِكَثْرَةِ قُوَّةٍ يُخَاصِمُنِي؟ = كان أيوب هنا واثقًا أن الله لن يرهبه بمجده في تلك المحاكمة، ولن يكون قاسيًا معه كما كان أصحابه في منتهَى القسوة في مناقشاتهم. وبالعكس فالله كان ينتبه إليَّ= يشددني ويشجعني ويعطف عليَّ لكي أستمر في كمالي.
ومن ثقته في نتيجة المحاكمة قال. هنالك كان يحاجه المستقيم وكنت أنجو= أي أمام محكمة الله في السماء سوف أتناقش وأثبت استقامتي وبري. وآخذ حكم البراءة للأبد.
الآيات 8-12:- "هأَنَذَا أَذْهَبُ شَرْقًا فَلَيْسَ هُوَ هُنَاكَ، وَغَرْبًا فَلاَ أَشْعُرُ بِهِ. شِمَالًا حَيْثُ عَمَلُهُ فَلاَ أَنْظُرُهُ. يَتَعَطَّفُ الْجَنُوبَ فَلاَ أَرَاهُ. «لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ. بِخَطَوَاتِهِ اسْتَمْسَكَتْ رِجْلِي. حَفِظْتُ طَرِيقَهُ وَلَمْ أَحِدْ. مِنْ وَصِيَّةِ شَفَتَيْهِ لَمْ أَبْرَحْ. أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَتِي ذَخَرْتُ كَلاَمَ فِيهِ."
اللسان بالنسبة للجسد كالدفة بالنسبة للسفينة، يقود الجسد حيث يشاء (يع3). ولقد بدأ أيوب بلسان الشكوى ثانية وها نحن نجده يعود للكلام القاسي عن الله. وهنا يشكو أيوب من أنه لا يجد الله، هو يتمنّى أن يظهر أمام محكمة الله ليظهر براءته، ولكن المشكلة أنه لا يجد الله ليبرر نفسه أمامه، وهو بحث شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا فلم يجده، وكان خطأه أنه لم يبحث عن الله في الأعالي، هو لم ينظر إلى فوق، خطأ أيوب أنه بحث عن الله في مستواه. وخطأه الثاني أنه لم ينظر إلى داخله ليرَى شروره. والطريق للتبرير ليس بأن أدافع عن نفسي أمام الله لأثبت له بري، بل أن أقترب لله القدوس العالي الذي فوق وأشعر أنني تراب ورماد وخاطئ نجس ومحتاج للتبرير من الله، والله يظهر ويكشف لي عن خطاياي وهو الذي يعطي معونة وهو الذي يبررني، لذلك خرجت المرأة الخاطئة التي بكت وبللت قدمي المسيح بدموعها ومسحت قدميه بشعر رأسها، خرجت مبررة، أما الفريسي الذي هو في نظر نفسه بار لم يتبرر أمام الله بالرغم من أنه أولم وليمة للمسيح. وخرج العشار مبررًا حين قال اللهم ارحمني أنا الخاطئ، ولم يتبرر الفريسي الذي تباهَى ببره. مشكلة الإنسان أنه يريد أن يبرر ذاته أمام الله كأن البر يأتي من داخلي وبأعمالي، والحقيقة أن الله هو الذي يبرر، إذا شعر الإنسان باحتياجه لهذا التبرير. وما صنعه أيوب هنا صنعه يوحنا أيضًا في سفر الرؤيا، فهو أخذ يبحث عمن هو مستحق أن يفتح السفر ويفك ختومه ولما لم يجد بكَى كثيرًا فنبهه الملاك أنه بحث كثيرًا في مستواه ولم يجد، ولكن عليه أن ينظر للمسيح، الأسد الخارج من سبط يهوذا، ثم نظر يوحنا للأسد الذي قال عنه الملاك فوجد خروف قائم كأنه مذبوح، هذا هو الأسد الذي له الحق أن يفتح ولا أحد يغلق، وهو الذي يبرر بأن ذبح واشترانا (رؤ 1:5-14). وطريق التبرير الآن أن نعترف بخطايانا، وأننا لسنا أبرارًا من أنفسنا، ونشعر في داخلنا بعدم الاستحقاق، والاحتياج لدم هذا الفادي، ودمه يطهرنا (1يو 7:1-9). ونلاحظ أن اعتراف اللص اليمين على الصليب بأنه بعدل قد جوزي فتح عينيه وعرف المسيح بل وانه سيأتي في ملكوته ثانية. وهذا ما عمله داود حين أخطأ فهو إعترف وإنسحق أمام الله وشعر بغفران الله له فقال "طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ" (رو4: 6، 7). وما فعله داود جعل الله يقول عنه "وجدت داود بن يسى رجلا حسب قلبي" (أع13: 22) فهذا الإنسحاق والاعتراف هو الذي يطلبه الله.
هأنذا أذهب شرقًا.... شمالًا حيث عمله فلا أنظره، يتعطف الجنوب فلا أراه= وكلمة يتعطف الجنوب أي يستتر بالجنوب أو يتغطى به. ففي نظر القدماء أن الجنوب مجهول ومكان ظلام، أما الشمال فهو مكان العمل. فكأن المعنى أنني لا أجد الله في أي مكان لا في الشرق ولا في الغرب، لا في الشمال حيث تظهر أعمال الله (ونحن يجب أن نرى الله من خلال أعماله وعنايته) ولا في الجنوب حيث ارتدي ثوب الاختفاء، أو ارتدي الجنوب كثوب يختبئ فيه. ومع أنه لا يجد الله ليقدم قضيته أمامه، إلا أنه متأكد من بره وكماله.
وفي ترجمة أخرى لكلمة يتعطف جاءت العبارة "أميل إلى الجنوب فلا أبصره". وفي ترجمة إنجليزية جاءت العبارة هكذا "حين يعمل من ناحية اليسار لا أنظره، وإذا انعطف ناحية اليمين لا أقدر أن أراه". والمعاني كلها تؤدي نفس المعنى أن أيوب لا يقدر أن يجد الله لكي يثبت له أنه بار نقي كالذهب، وأنه كان يحفظ طريق الرب. ويعقوب يقول أن الله يعرف هذا = لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. ولكن الله كان أقرب لأيوب مما يتصور بل كان يعطيه رؤية للمستقبل، فتنبأ وقال كلاما عجيبا لم يدركه أحد في العهد القديم "وَلِيِّي حَيٌّ.. وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ" (أى19: 25-27). فلو كان قد هدأ وأنصت لصوت الروح القدس بدون هياج لسمع ما هو أكثر. لذلك يقول القديس يعقوب "ثمر البر يزرع في السلام" (يع18:3).
ولاحظ أننا لا يمكننا أن نستمع لصوت الروح القدس إلا في الهدوء. وكما يقول مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة "والأذن قد أخليتها من حديث الناس حتى أسمعك" (قصيدة قلبي الخفاق). وراجع قصة سماع إيليا النبي لصوت الله الذي كان "صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ خَفِيفٌ" (1مل12:19). أما في ضوضاء العالم فنحن لا يمكننا أن نسمع صوت الله المنخفض الخفيف. لهذا السبب قالت عروس النشيد أنها طلبت عريسها في المدينة وفي الأسواق وفي الشوارع، فلم تجده (نش2:3). وهذا هو ما يجب أن نعمله يومياً، أن نختلي بعريسنا المسيح على إنفراد في المخدع ونقول له مع صموئيل النبي "تكلم يا رب لأن عبدك سامع" (1صم9:3).
إذا جربني أخرج كالذهب. [ولنلاحظ فعلًا أن الله يختبر أولاده ويؤدبهم بالتجارب، وتكون التجارب كنار ممحصة تنقيهم كما تنقي النار الذهب من شوائبه، لكن أيوب لا يقولها بهذا المفهوم، ولكن معنى كلامه أنني بار وإن اختبرني الله سيجدني بارًا].
أكثر من فريضتي ذخرت كلام فيه = الفريضة هي الطعام الضروري. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فأيوب يقول أنه حفظ وكنز كلام الله أكثر من قوتَه، أي اهتم بحفظ وصايا الله أكثر من طعامه. وهذا ما يعلمنا إياه الكتاب فـ: "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ". وكلمة ذخرت تعني"كما يذخر القوم المؤونة وقت الحصار".
الآيات 13-17:- "أَمَّا هُوَ فَوَحْدَهُ، فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَنَفْسُهُ تَشْتَهِي فَيَفْعَلُ. لأَنَّهُ يُتَمِّمُ الْمَفْرُوضَ عَلَيَّ، وَكَثِيرٌ مِثْلُ هذِهِ عِنْدَهُ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَرْتَاعُ قُدَّامَهُ. أَتَأَمَّلُ فَأَرْتَعِبُ مِنْهُ. لأَنَّ اللهَ قَدْ أَضْعَفَ قَلْبِي، وَالْقَدِيرَ رَوَّعَنِي. لأَنِّي لَمْ أُقْطَعْ قَبْلَ الظَّلاَمِ، وَمِنْ وَجْهِي لَمْ يُغَطِّ الدُّجَى."
لأن أيوب بدأ بالتبرم والشكوى، انزلق لتبرير نفسه، ومن ثم هوَى أكثر إلى الصدام مع الله. ولذلك على الإنسان المتألم أن يصلي طالبًا المعونة وأن يسلم لله فيجد سلامًا، هذا أفضل من الشكوى التي تزيد النفس مرارة، فالصبر يقود لحال أفضل. وهنا نجد أيوب يفسر آلامه بالرغم من بره بأن الله سيد له سلطان مطلق وفي سلطانه إن أراد، أن يعذب بار، ولا يستطيع أحد أن يقول له لا تفعل، وفي هذا منتهَى القسوة على الله. أما هو فوحده فمن يرده= هو له خطته التي لا تتغير ولا أحد يستطيع أن يقنعه ببري فيتوقف عن تعذيبي. لأنه يتمم المفروض عليَّ= فهو سيتمم ويكمل كأس عذابي المفروض عليَّ بلا رجوع. وكثير مثل هذه عنده= وما زال لديه الكثير من الآلام التي سيعذبني بها. من أجل ذلك أرتاع = مسكين أيوب فبعد أن بدأ الله يسكب تعزياته في قلبه، عاد وانهزم وبدأ الشكوى ففقد سلامه ودخله الرعب. وهناك قانون يجب أن نعرفه. تعزيات الله وسلامه ينسكبان في النفس خلال قناة واحدة هي الثقة في الله والتسليم له= أي الإيمان بأنه إله صالح خير. أما الصدام مع الله فلا نتيجة منه سوى الإحساس بالمرارة.
لأن الله قد أضعف قلبي = بالكوارث التي أتت واحدة تلو الأخرى، والخوف من كوارث أشد ينتظرها في المستقبل. وأشد كارثة في نظره أنه لم يمت حتى الآن= لأني لم أقطع قبل الظلام = أي لم يمت قبل أن تحل به متاعبه ويشبهها هنا بالظلام. ومن وجهي لم يغط الدجى ولا من الدجى التي تُغَشِّي وجهي (اليسوعيين). أي كنت أتمنَى أن أموت قبل أن تأتي عليَّ هذه الضربات التي مثل الظلام، وقبل أن تغطي وجهي مثل الدُّجَى = الظلام الكثيف.
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أيوب 24 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أيوب 22 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8cxktah