محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29
آية 1: "لِذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا."
سحابة = هم أبطال الإيمان الذين ذكرهم في ص(11). ومن كثرتهم شبههم بسحابة. وهم سحابة لأنهم مرتفعين في السماء هم فوقنا. وهم سحابة إذ بشفاعتهم وصلواتهم تنهمر مراحم الله علينا كالمطر على الأرض، فنحن طبيعتنا ترابية. والسحابة تسير في السماوات لأنه لا ثقل يجذبها للأرضيات. وهكذا كل قديس يحمل يسوع في داخله، فكل من يطرح ثقل الخطية يصير جزءًا من السحابة يحيا مرتفعًا عن الأرضيات، يحيا في السماويات. والعذراء شبهت بسحابة سريعة. أي عالية خفيفة. لشدة قداستها هي أعلى من الكل (إش19: 1). من الشهود = كان هناك في ميادين السباق شهود يراقبون اللاعبين وبحسب شهادتهم ينال الفائز جائزة. الرسول أسماهم شهود فهم:
1. شهدوا للحقيقة والإيمان.
2. هم شهود لنا أن الله أعطاهم قوة فاحتملوا الألم. وفي هذا تشجيع لكل متألم حتى يصبر والله سيعينه.
3. هم شهود يشتكون لله الظلم الذي وقع عليهم ويقع على إخوتهم على الأرض (رؤ9:6-11).
4. هم شهود لنا الآن أنهم في السماء جزاء لهم على احتمالهم الآلام بصبر.
ونلاحظ أن بولس الرسول في ص(11) عدد أصناف من الضيقات ليختار كل منا ما يناسبه حسب آلامه. كل ثقل = أي كل ما يجذبنا للأرضيات. كل ما يثقلنا في جهادنا الروحي من محبة العالم والشهوات والكسل وعبادة المال والعشرة الرديئة.
وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ
= بسهولة يسقط الإنسان في الخطية وبسهولة يتخلص منها لو أراد. والسهولة في ترك الخطية ناشئ من أن المسيح يحملها عنا، وما علينا سوى أن نقبل تنفيذ الوصية فنجد المعونة وهذا معنى قول الرب "نيري هين وحملي خفيف". وَلْنُحَاضِر = معناها الأصلي نجري في جهادنا.بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ
= حقًا المسيح يحمل عنا ويعطي نعمة تساندنا ويشفع لنا في السماء بدمه، ولكن هذه الشفاعة لا يستفيد منها المتكاسلين والمتراخين. لذلك يطلب منهم الجهاد. ولنلاحظ أن الخطية تهاجمنا من كل ناحية وهذا يمثل ثقل على النفس لذا علينا أن نجاهد متطلعين لأبطال الإيمان ونتمثل بهم وهم يسندوننا بصلواتهم.الجهاد = يعني الانضباط والاحتمال، والتغصب على عمل البر وترك الشر.
آية 2: "نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ."
إن كان احتمال القديسين للآلام يعطينا شجاعة واحتمال، فَكَمْ وَكَمْ يُثير فينا هذا آلام المسيح نفسه. رئيس الإيمان = قائد المؤمنين في طريق الجهاد ليحملهم من مجد إلى مجد حتى حضن الآب ينعمون بالكمال. ومكمله يسوع = هو يكمل ما نقص من إيماننا حتى يقدمنا لأبيه بلا لوم = "أكملت ناموسك عني"... (القداس الغريغوري) وكلمة رئيس الإيمان تشير أن المسيح هو الذي أسس الإيمان أما الرسل فكرزوا به فقط من أجل السرور = هنا ينتقل الرسول من احتمال الألم إلى السرور بالألم أو الآلام لأجل السرور. فهو احتمل الآلام بفرح لأنه يعلم أنه بآلامه ستفرح البشرية فكان فرح البشرية مصدر سرور له. وعلينا أن نفهم أنه لا يمكن أن يسمح الله بألم إن لم يكن وراءه سرور (يو16: 21). والمسيح بعد أن احتمل الخزي جلس عن يمين عرش الله.
آية 3: "فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ."
تأملوا وضعوا أمام عيونكم المسيح المتألم حتى يكون هذا مصدر إيمان واحتمال. لذلك وضعت الكنيسة أسبوعًا للآلام نتأمل فيه آلام الرب ليتحول هذا إلى منهج فكري وعملي في حياة أبنائها. حين نتأمل في آلام المسيح وأنه احتملها لا من أجل نفسه بل من أجلنا فهذا يعطينا أن نحتمل الآلام لأجله فهو يسمح بهذه الآلام لكي نكمل بها. لذلك نصلي في الأجبية "أقتل أوجاعنا بآلامك الشافية المحيية" وهو يهبني قوة ومعونة ونصرة (إش63: 9).
آية 4: "لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ."
حَتَّى الدَّمِ
= حتى النهاية. والرسول يقول هذا بعد أن أعطانا أمثلة لأبطال الإيمان الذين فعلوا هذا فعلًا وقدموا حياتهم. ومن يجاهد حتى الدم هو من آمن بالأبدية والمجد المعد، فهناك ارتباط بين الإيمان والجهاد . ونلاحظ أن الاستسلام للخطية من الداخل يفقد الإنسان روح الجهاد واحتمال الآلام والاضطهاد، لذلك يطلب منهم أن يجاهدوا ضد الخطية فتكون لهم قوة على احتمال الاضطهاد. بل علينا أن نرفض الخطية حتى لو وصل الأمر لاستشهادنا.
آية 5: "وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ:«يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ."
الله يسمح بالضيقات لا للانتقام ولا للدينونة بل لمساندتنا وتأديبنا أي لأجل النفع الروحي. والله لو امتنع عن تأديب أحد فهذا يعني اليأس من شفائه
(هو4: 14). لاَ تَحْتَقِر = لا تستخف بالتأديب ولا ترفضه وتتذمر عليه كأنه شيء غير مقبول (يع1: 2). نسيتم الوعظ = نسيتم التحذيرات والوصايا التي يطالبنا بها الله عندما يكلمنا كأولاده. وإذ يخاطبنا الرب كبنين له فهو يقول يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ. والرسول هنا يشير إلى (أم3: 11).
آية 6، 7: "لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ». 7إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟"
المعروف هو أن التأديب هو
للخير، ولكن إن طريقة قبولنا نحن للتأديب هي التي تحدد تأثير التأديب علينا. فاحتمالنا التأديب برضى فهذا بحد ذاته يحول الألم إلى درس منفعة. ومن يحتمل بشكر ينمو إيمانه (كو2: 7). أما رفض التأديب فهو رفض للتعامل مع الله كأبناء وعدم ثقة في أن الله محبة وهو أحبنا حتى الصليب لنصير أبناء له، والله في كل ما يسمح به هو للتقويم حتى لا نهلك بل نستمر كأبناء له، وبالتالي رفض التأديب هو رفض للبنوة. ورفض البنوة يعني رفض المسيح وفداءه. أما لو احتملنا الألم فالله يحوله إلى فرح (يو16: 20) لكن من لا يقبل لا يكون شريكًا في السرور الذي قبله المسيح.
آية 8: "وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ."
نُغُولٌ = أولاد زنا. وعدم قبول التأديب هو علامة خاصة بالنغول. إذًا فلنفرح بالتأديب فهو علامة شرعية بنوتنا لله كما يقول ذهبي الفم. لنفهم الآية نقرأها كالتالي:ولكن إن كنتم بلا تأديب الذي قد صار الجميع شركاء فيه كأبناء فأنتم نغول لا بنون.
آية 9: "ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟"
شفاعة المسيح وبذله أعطانا دالة قوية عند الله. ولكن لو تحولت الدالة إلى استهتار فهنا يأتي التأديب بالمهابة والمخافة. وكنا ونحن صغار نخجل و نخاف من تأديب أبائنا الجسديين. أفلا نحتمل التأديب من الله أبينا الروحي الذي في يده أجسادنا وأرواحنا.. فنحيا = لذلك من يخضع يحيا، أي تكون له حياة أبدية. أما من يتذمر على أحكام الله وتأديبه يهلك كما هلك الشعب في البرية إذ تذمروا على الله.
آية 10: "لأَنَّ أُولئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هذَا فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ."
حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ
= كل اشتياق أبائنا الجسدانيين أن يرونا ناجحين في الزمان الحاضر. أما الله فيؤدب لهدف أعظم، فهو يود أن يرانا شركاءه في حياته المجيدة، شركاء في قداسته بأن نتطهر من خطايانا ونحمل سماته فينا. فإن كنا نتألم معه لكي نتمجد معه (رو8: 17).
آية 11: "وَلكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ."
فالابن يئن تحت ألم التأديب. ولكن كلما نضج عرف أن التأديب كان سر نجاحه.
ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ = التأديب الإلهي هدفه أن ننال هبة هي بر الله = أي تتغير حياتنا بالتأديب فنسلك في البر، ويملأ القلب سلاما من ثمار الروح، والسلام يأتي من رضى الرب.
آية 12: "لِذلِكَ قَوِّمُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ."
الكنيسة حياة شركة فيها يساند كل عضو أخيه حتى لا يخور، فالعزلة تجعل الإنسان ينهار سريعًا. وهنا تصوير كأن أحد يصعد جبل فهو يحتاج ليديه ورجليه ومن يخور سيفشل في الصعود ويهبط للهاوية. ونحن نجاهد لنكون في السماويات، فنحن كمن يصعد جبل وعلى كل منا أن يشد أزر أخوه. والمقصود
بالأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ هو وصف من يصابون بالخوف نتيجة مجابهتهم للشدائد الناتجة عن التأديب. ولكن إن أدرك الإنسان أن هذا التأديب لنفعه فهذا يملأه إيمان وقوة.
آية 13: "وَاصْنَعُوا لأَرْجُلِكُمْ مَسَالِكَ مُسْتَقِيمَةً، لِكَيْ لاَ يَعْتَسِفَ الأَعْرَجُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يُشْفَى."
قارن مع (لو3: 4–6)
"أعدوا طرق الرب اصنعوا سبله مستقيمة" وهذه قالها إشعياء للعائدين من سبي بابل. مَسَالِكَ مُسْتَقِيمَةً = أي لتنخفض كل كبرياء فيكم أما النفوس الذليلة التي تشعر بصغر النفس فلتتشدد وتتقوى والنيات الخبيثة المعوجة لتستقيم. ويقولها الرسول هنا لمن هو متردد، كما قال الرب "من وضع يده على المحراث فلا يعود ينظر إلى الوراء" (لو9: 26). وتقال لكل خاطئ متردد في الثبات في طريق البر.لِكَيْ لاَ يَعْتَسِفَ الأَعْرَجُ
= الأعرج هنا هو من يعرج بين التعاليم المسيحية وبين اليهودية. وعلى هذا الإنسان أن يتمسك بإيمانه الصحيح الواحد.وطبعا من له سلوك مستقيم يتنقى قلبه فتنفتح عينيه ويميز بين الطريق الصحيح والخاطئ. بين المسيحية واليهودية.
آية 14: "اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ."
الرسول يركز على سمتين هامتين من سمات الجهاد:
1. إتباع السلام مع الجميع واحتمال ضعف الآخرين والتعامل بمحبة مع كل واحد.
2. التمتع بالحياة المقدسة. فمن يحب المسيح حقيقة لا يقبل الحياة الشريرة بل ينشغل بالكامل في أن يرضي الله ويحبه من كل قلبه. القداسة هنا موازية لنقاوة القلب في عظة المسيح على الجبل والتي بها يعاين أنقياء القلب الله
(مت5: 8). والسلام هنا موازي في عظة المسيح على الجبل لصانعي السلام (مت5: 9). يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ = يوجد في حضرة الله ويستمتع بميراث الملكوت السماوي. وهنا على الأرض يرى أحد الرب أي يدرك محبته فيفرح بأحكامه ويرى قدرته فلا يخاف شيئا.
آية 15: "مُلاَحِظِينَ لِئَلاَّ يَخِيبَ أَحَدٌ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ. لِئَلاَّ يَطْلُعَ أَصْلُ مَرَارَةٍ وَيَصْنَعَ انْزِعَاجًا، فَيَتَنَجَّسَ بِهِ كَثِيرُونَ."
مُلاَحِظِينَ
= باجتهاد ونشاط لاحظوا إخوتكم حتى لا يسقطوا. لِئَلاَّ يَخِيبَ = التشبيه هنا بسهم منطلق لا يبلغ هدفه وهكذا كل من يريد الارتداد لليهودية، أو سلك بدون سلام وقداسة. لِئَلاَّ يَطْلُعَ = كأنها بذرة مخفية ثم طلعت شجرة مرارة ومعنى شجرة مرارة أنها تكون سببًا في مرارة الآخرين. انْزِعَاجًا = يبلبل أفكار الجماعة من جهة الإيمان بالمسيح فيثنيهم عن الإيمان الصحيح. هنا الرسول يطلب منهم ملاحظة بعضهم لئلا يكون بينهم إنسان يتأخر ويتعوق عن نوال الخلاص الذي هو نعمة الله، ولئلا يكون بينهم أصل مر= من يكون قدوة وينشر تعاليم فاسدة مخادعة تؤثر تأثيرًا سيئًا على حياة الآخرين (تث29: 18).
آية 16: "لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِيًا أَوْ مُسْتَبِيحًا كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ."
ذكر الكتاب المقدس عن عيسو أنه كان مستبيحًا وهذا يتضح من بيعه للبكورية وهذا يشير لاستهانته بالموعد المقدس (أن من نسل البكر سيأتي المسيح). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وعلة السقوط في الحياة الروحية والعجز عن الجهاد هو الاستباحة والاستهتار مثل عيسو بل أن كل استباحة تولد استباحة حتى يصل الإنسان لفساد روحي كامل " احذروا الثعالب الصغيرة". والكتاب المقدس لم يذكر صراحة أن عيسو كان زانيًا ولكن التقليد اليهودي يذكر أنه كان زانيًا وإنسانًا شهوانيًا. وعمومًا فالاستباحة تشمل كل شيء حتى الزنا. والزنا والاستباحة أخطر ما يقف في طريق القداسة. وهكذا كان حال العبرانيين الذين أرادوا بيع مسيحيتهم مقابل هيكل أورشليم فشابهوا عيسو الذي باع بكوريته بأكله عدس.
آية 17: "فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْضًا بَعْدَ ذلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ الْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَانًا، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ."
هو احتقر عهد الله
فرُفِض من النسل المقدس، فمن يستهين بنعمة الله فكأنه داسها. فاحتقار العهد المقدس هو إهانة لله ولذلك حُرِم من أن يكون المسيح من نسله. وكان قرار الله نهائيا وبالتالي فتوبته بلا فائدة في هذا الموضوع.ونلاحظ في توبة عيسو أنه كان مهتما بالأكثر بالبركة المادية فالبكر يرث ضعف أخوته ولكنه لم يكن منشغلا بموضوع أن المسيح يأتي من نسله كما كان أخيه يعقوب.
آية 18-21: "لأَنَّكُمْ لَمْ تَأْتُوا إِلَى جَبَل مَلْمُوسٍ مُضْطَرِمٍ بِالنَّارِ، وَإِلَى ضَبَابٍ وَظَلاَمٍ وَزَوْبَعَةٍ، وَهُتَافِ بُوق وَصَوْتِ كَلِمَاتٍ، اسْتَعْفَى الَّذِينَ سَمِعُوهُ مِنْ أَنْ تُزَادَ لَهُمْ كَلِمَةٌ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَحْتَمِلُوا مَا أُمِرَ بِهِ: «وَإِنْ مَسَّتِ الْجَبَلَ بَهِيمَةٌ، تُرْجَمُ أَوْ تُرْمَى بِسَهْمٍ». وَكَانَ الْمَنْظَرُ هكَذَا مُخِيفًا حَتَّى قَالَ مُوسَى:«أَنَا مُرْتَعِبٌ وَمُرْتَعِدٌ»."
يقارن بولس الرسول هنا بين الرعب الذي حدث في استعلان الله لنفسه في العهد القديم والمناظر السماوية التي يحياها المؤمنون الآن في المسيحية والله حين أراد أن يستعلن نفسه ليفهم الشعب على قدر إمكانياتهم استخدم أشياء من الطبيعة الملموسة. فماذا استخدم الله؟
جبل ملموس = فأعظم وأضخم كيان على الأرض، ثابت راسخ لا يهتز هو الجبل لكنه ما زال ملموسا أي يمكن لمسه باليد. أما الله فلا يمكن لمسه باليد.
نار= أعظم وأخطر قوة في الطبيعة قادرة على الإفناء "وإلهنا نار آكلة".
ضباب = يشير لأن الحقائق السماوية مخفاة مستترة كأنها وراء ضباب.
ظَلاَمٍ
= هنا نرى الحرمان من الرؤية تمامًا. العهد القديم في ظلال وغموض ورموز. والله قال عنه إشعياء أنه "إله محتجب" (إش45: 15).زَوْبَعَةٍ
= حركات الطبيعة التي تعبر عن العنف والشدة التي تجرف أمامها كل شيء، وهذا يعبر عن غضب الله وتأديبه وعقابه الرهيب للعصاة.البوق = يعبر عن شدة وعلو صوت الله، وإنذاراته كما سنسمع في اليوم الأخير إعدادا لمجيء الملك السماوي.
والمقارنة هنا وضحت في طريقة استلام الناموس في العهد القديم على يدي موسى على جبل سيناء، وبين تقبل الكلمة الإلهي ذاته في العهد الجديد والذي يتم في هدوء يؤكد بركات العهد الجديد وسمو العهد الجديد. لذلك عليكم أيها العبرانيين أن تحذروا لئلا تخسروا بركات العهد الجديد. ففي العهد القديم نجد علاقة مرعبة مع الله وغامضة بل نجد الشعب أسفل الجبل، فالناموس لا يستطيع أن يرفعهم إلى فوق للحياة السماوية بل
همْ لَمْ يَحْتَمِلُوا = خافوا بسبب الظواهر الطبيعية المرعبة، فاسْتَعْفَوا = أي طلبوا إعفائهم من أن يكلمهم الله بهذا الأسلوب المرعب مرة أخرى.
لماذا طلبوا إعفاءهم؟
حين أراد الله أن يعرف الشعب أن موسى يكلم الله، وأن ما يقوله موسى هو وصايا الله،
فيؤمنوا بأقوال موسى للأبد ويطيعوا أقواله (خر9:19) . أمر الله موسى أن يُعِّدْ الشعب أي يتطهروا (خر10:19-13). ولما نزل الرب على جبل سيناء دخن الجبل وارتجف (خر14:19-19). ومن أجل هذه المظاهر المخيفة، كلم الشعب موسى وهم مرتعبون أن يكلم هو الله، ثم يكلم موسى الشعب بما كلمه به الله (خر19:20) وذلك حتى لا يموتوا . بل نسمع هنا أن موسى نفسه ارتعب.لأَنَّهُمْ لَمْ يَحْتَمِلُوا مَا أُمِرَ بِهِ
= حينما سمعوا الوصايا وهم في هذا الرعب أدركوا أن مخالفتها نتيجته ستكون مرعبة فاستعفوا. وإذ قارنوا ما يطالبهم به الله من نقاوة، وهم كانوا يُدركون خطاياهم ونجاساتهم ارتعبوا من أن تحرقهم هذه النيران التي يرونها أو ينقض عليهم هذا الجبل، فطلبوا أن لا يكلمهم الله ثانية مباشرة. بل أن ينقل لهم موسى ما يقوله له الله.والله لم يغضب منهم أنهم استعفوا بل قال "أنهم أحسنوا في ما تكلموا" (تث17:18) أي أن لهم حق فلقد كان المنظر مخيفا فعلا. ولكن نسمع هنا أن الله سيكلمهم بطريقة أخرى هي عن طريق نبي يقيمه الله... (تث18:18، 19) وهذه الآيات نبوة عن السيد المسيح الذي اختفى في جسده مجد اللاهوت فصار يكلم الشعب ويعلمهم بدون مناظر مخيفة.
وبمقارنة هذا مع آية 25 نفهم أن قوله "لأنه إن كان أولئك لم ينجوا إذ استعفوا" أنهم لم ينجوا ليس لأنهم استعفوا، فموسى نفسه ارتعب مما حدث، والله نفسه أعطاهم العذر، لكنهم لم ينجوا لأنهم استهانوا أو رفضوا أو لم ينفذوا كلمة الله ووصاياه ولم يؤمنوا بها بعد أن رأوا ما رأوه وسمعوا ما سمعوه . وإذ قارنوا ما يطالبهم به الله من نقاوة، وهم كانوا يُدركون خطاياهم ونجاساتهم ارتعبوا من أن تحرقهم هذه النيران التي يرونها أو ينقض عليهم هذا الجبل، فطلبوا أن لا يكلمهم الله ثانية مباشرة. بل أن ينقل لهم موسى ما يقوله له الله.
ولماذا ارتعب موسى
موسى كان يكلم الله كل يوم
"ويكلم الرب موسى وجها لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" (خر33: 11). هذا نفهمه مما حدث مع إيليا في سيناء. فلقد حدثت نفس الظواهر مع إيليا. وإيليا الذي تعود على سماع صوت الله عرف أن هذا ليس صوت الله، وحينما سمع الصوت الهادئ الخفيف لف وجهه لأنه عرف أن هذا الصوت هو صوت الله الذي اعتاد عليه. ولماذا حدث هذا مع إيليا أولًا؟ لأن الله كان غير موافق على ما حدث من إيليا إذ خاف من إيزابل وهرب. وكان داخله ثورة، والله يصلح الداخل قبل أن يتكلم. فكيف يسمع إيليا صوت الله الهامس المنخفض وهو في حالة الثورة الداخلية .أما موسى فلقد تعود على صوت الله الهادئ فالله يكلمه كما يكلم الرجل صاحبه، لكن حين تكلم الله مع الشعب وحدث ما حدث فوجئ موسى بما لم يكن معتادا عليه. لكن هذا لم يكن لأجل موسى النقي الطاهر بل لأجل الشعب ليخشعوا فيمكنهم سماع صوت الله. فالشعب كان غارقا في خطاياه بعيدا عن الله وهذا ما اتضح بعد ذلك في تذمرهم وفي موضوع العجل الذهبي... إلخ.
إِنْ مَسَّتِ الْجَبَلَ بَهِيمَةٌ، تُرْجَمُ أَوْ تُرْمَى بِسَهْمٍ
= وهذه حتى لا يقترب إنسان ليمسك البهيمة فيموت هو أيضًا. وهذا ليظهر خطورة التعدي على أوامر الله. أما العهد الجديد فكان المسيح، الله بنفسه جالسا معهم على الجبل يعلمهم ويفرحوا به. بل يقضون أيامًا معه في الجبل دون أن يشعروا بالجوع أو العطش أو الخوف.تأمل روحي:- النفس التي تتقبل كلمة الله فيها تصير كالجبل الراسخ الملتهب بالنار الإلهية تحيط به الأسرار الإلهية كضباب ويسمع في داخله أصوات البوق معلنة الحق، بل يصير هو بوق يعلن الحق بحياته الداخلية وسلوكه الظاهر. تهب فيه عواصف الروح وتحطم كل شر يسلك إلى هذه النفس. وكل بهيمة أي كل فكر حيواني يقترب إليها يرجم بحجارة الحق ويضرب بسهم الصليب فلا يكون له موضع في داخلها.
الآيات22-24: "بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ. أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةُ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ."
هنا الصورة المقابلة في المسيحية في مقابل الصورة المرعبة السابقة. بل قد أتيتم = بالمعمودية وقيادة الروح القدس وكلمة الله في إنجيله. إلى جبل صهيون هو جبل غير ملموس وغير مرئي بل هو مسكن الله العلي. إلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية = أي الكنيسة (المجتمع المسيحي) في العهد القديم لم يستطع الناموس أن يرفعهم للحياة السماوية (بل ظلوا أسفل الجبل) ولكن في العهد الجديد دخل المسيح بنا إلى السموات هو في وسط كنيسته. في العهد الجديد التحم كلمة الله بنا خلال تجسده فلم يعد هناك رعب. هنا الرسول يقارن بين جبل سيناء (عهد قديم) وجبل صهيون (عهد جديد) وأورشليم الأرضية كعاصمة لدولة إسرائيل (عهد قديم) في مقابل الملكوت السماوي الذي أسسه المسيح أورشليم السماوية (عهد جديد).
محفل ملائكة = لقد صار الملائكة ضمن زمرة الكنيسة. وهناك ملائكة مبشرون عملهم البشارة ورئيسهم غبريال. وملائكة للحرب ضد إبليس ورئيسهم ميخائيل. وملائكة مرافقين لنا كحراس وللمعونة. الآن صرنا نقف نحن المسيحيين ومعنا الملائكة كلنا أمام عرش الله. والكنيسة مملوءة ملائكة. المسيح وحد السمائيين والأرضيين كما نقول في القداس الغريغوري: "ثَبِّت صفوف غير المتجسدين في البشر" (انظر التفسير في نهاية الإصحاح).
كنيسة أبكار = صرنا بإتحادنا بالمسيح البكر أبكارًا (يع18:1) (أنظر التفسير في نهاية الإصحاح).
مكتوبين = أسماؤنا قد كتبت في سفر الحياة الأبدية (رؤ5:3؛ 8:13) + (دا1:12).
الله ديان الجميع = في جبل صهيون قديمًا وضع داود تابوت العهد رمزًا لأن الله يحكم من هناك والمسيح هو في أورشليم السماوية يجلس ملكا وسيدين كل إنسان.
أرواح أبرار مكملين = هم ما زالوا أرواح لم يلبسوا جسد سماوي بعد ينتظرون كمال غبطتهم بعد أن أتموا جهادهم في حياتهم. وإلى وسيط العهد الجديد = أي المسيح فلا دخول لنا إلى أورشليم السماوية سوى به. كما لم يكن للشعب في العهد القديم أن يهربوا من مصر سوى بوسيط هو موسى. وإلى دم رش = هو دم المسيح الذي يطهرنا من كل خطية فنصبح مقبولين أمام الآب ويصير لنا حق الدخول للسماء (1يو7:1) كان دم الذبيحة يرش على الشيء فيطهره في العهد القديم.
أفضل من هابيل = فدم هابيل كان يطلب ويبحث عن إدانة قايين أما دم المسيح فهو يبحث عن التطهير والغفران وتطهير الضمير وهو يشهد للحق ويقدسنا.
دم المسيح هنا يصل في تطهيره لأعماق الضمير وهذا ما لم يصل إليه رش دم ذبائح العهد القديم.
آية 25: "اُنْظُرُوا أَنْ لاَ تَسْتَعْفُوا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ أُولئِكَ لَمْ يَنْجُوا إِذِ اسْتَعْفَوْا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الأَرْضِ، فَبِالأَوْلَى جِدًّا لاَ نَنْجُو نَحْنُ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ!"
المتكلم = هو دم المسيح الذي يتكلم أفضل من هابيل (آية 24) أي لا تستهينوا بعظمة هذا العهد الجديد فكلما تزداد العطية تزداد المسئولية أيضا. فإن من استهان بالناموس (مع أن الموضوع كان عن ميراث أرض) لم ينجو فكم وكم من يستهين بالكلمة السماوي عن الذي من السماء = أي الذي يدعوهم للسمائيات وحياة أبدية معه.
هم استعفوا أولًا أيام موسى حين كلمهم على الأرض فعليهم أن لا يستعفوا الآن من المسيح الذي يتكلم الآن في السماء بالحب فإن كان عذر آبائهم أنهم خافوا من الظواهر الطبيعية فما عذرهم وصوت المسيح اللطيف يدعوهم الآن بل يتشفع فيهم.
آية 26: "الَّذِي صَوْتُهُ زَعْزَعَ الأَرْضَ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَعَدَ قَائِلًا: «إِنِّي مَرَّةً أَيْضًا أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ السَّمَاءَ أَيْضًا»."
في العهد القديم تزلزلت الأرض أمام كلمات ناموس العهد القديم ويقول الكتاب أنه في المجيء الثاني ستتزلزل الأرض والسماء (حج 5:2-7، 22) + (خر18:19) + (رؤ1:21) + (2بط10:3) + (مز7:68، 8) + (لو26:21) + (مت2:28) + (مر24:13-26).
زلزلة الأرض
= كانت بتجسد وفداء ابن الله، وصلبه وموته.زلزلة السماء= كانت بأن فتح المسيح بجسده السماء ليدخلها جسد إنساني تمهيدًا لدخولنا نحن.
آية 27: "فَقَوْلُهُ «مَرَّةً أَيْضًا» يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الأَشْيَاءِ الْمُتَزَعْزِعَةِ كَمَصْنُوعَةٍ، لِكَيْ تَبْقَى الَّتِي لاَ تَتَزَعْزَعُ.
إن
قَوْلُهُ مَرَّةً = يشير إلى زلزلة الأرض أيام موسى في سيناء، والأرض متزعزعة مصنوعة وهذه تتغير، ولكن الله يقول هناك مرة آتية يتجسد فيها ابن الله على الأرض ليدخل بالجسد الإنساني إلى السماء (وهذا ما سيشير إليه في آية 28)والأرض تتزلزل كثيرًا وتتغير، ولكن السموات
ستنفتح مرة للإنسان وللأبد بلا زعزعة.
آية 28: "لِذلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى."
ونحن قابلون = وها نحن نقبل من يد الله. ملكوتًا لا يتزعزع = هو غير قابل أن يتزعزع بينما السماء والأرض تزولان. ليكن عندنا شكر = الطريقة أو الوسيلة التي بها نمتلك الملكوت هي أن يكون لدينا إحساس بالشكر على نعم الله.
آية 29: "لأَنَّ «إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ»."
هو قادر أن يلهب الجسد والنفس معًا بالروح الناري مُبَدِّدًا كل خطية من الداخل ولكنه قادر أن يحرق المقاومين والرافضين والمضادين (عب26:10، 27) الله إلهنا إله غيور لا يحتمل أن أحدا من أبنائه يرتد عنه. والآية موجهه للمرتدين والآية مأخوذة من (تث3:9).
أفرز الله اللاويين (سبط لاوي) لخدمته بدلًا من أبكار بني إسرائيل (عد3: 44، 45).
وكان الله قد أفرز أبكار بني إسرائيل لخدمته، فأبكار بني إسرائيل قد نجوا من الموت يوم الخروج من مصر بدم خروف الفصح، وكأن الله اشتراهم بدم خروف الفصح فصاروا له. وكان دم خروف الفصح رمزًا لدم المسيح الذي اشترانا به كما قال القديس بطرس الرسول "عالمين إنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح " (1بط1: 18، 19). فاختيار الأبكار ليصيروا مخصصين لله كان ليشرح فكرة أننا كمسيحيين صرنا أبكارا اشترانا المسيح بدمه، فصرنا مخصصين له، مكرسين أنفسنا لخدمته وهذا معنى كلمة مُقَدَّسين، كقول الكتاب أن كل بكر فاتح رحم هو مقدس أي مكرس لله "وكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا، قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ ٱلنَّاسِ وَمِنَ ٱلْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي" (خر13: 1-2 + عد3: 13 + عد8: 17).ولاحظ أن البكر كان له امتيازات كثيرة فهو له نصيب الضعف في الميراث، وهو الذي يرث الكهنوت عن أبيه ويكون رأسا لعائلته بعد أبيه (وذلك في عهد الآباء البطاركة قبل اختيار هرون ونسله ليكونوا هم كهنة الله). فالمسيح لم يشترنا بدمه ليستعبدنا بل ليحررنا ويجعلنا ملوكًا وكهنة، بل ليصير هو بكرًا بين إخوة كثيرين (رو8: 29)، ويعطينا ميراث السماء .
وكان أبونا آدم بكر الخليقة وكان له أن يرث الأمجاد لو التزم بالوصية. وعندما سقط آدم فقد بكوريته. وجاء المسيح آدم الأخير ليصبح هو البكر الجديد الوارث لكل شيء (عب1: 2) وهذه تعني أنه صار له مجد أبيه بجسده الإنساني، ليعطينا نحن ميراث هذا المجد (راجع تفسير يو17: 5 + يو17: 22). فنحن في المسيح صرنا أبكارا أي وارثين للمجد، وهذا لمن يغلب، وراجع تفسير (رؤ3: 21). وعبر الكتاب المقدس شرح الله من خلال الكثيرين أن البكورية بالطبيعة يمكن أن يفقدها الإنسان فيفقد ميراثه كبكر ليأخذ غيره البكورية وبالتالي الميراث: أمثلة لذلك آدم يفقدها ليصير المسيح هو البكر، إسمعيل يفقدها وتذهب لإسحق / عيسو يفقد البكورية ويأخذها يعقوب / رأوبين يفقد البكورية وتذهب البكورية الروحية ليهوذا ويأتي من نسله المسيح، وذهبت البكورية المادية ليوسف فورث نصيب الضعف بالنسبة لإخوته. وكان كل هذا لندرك أن اليهود يفقدونها لتأخذها الكنيسة. ولاحظ قول الله لموسى "فَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ: هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ٱبْنِي ٱلْبِكْرُ" (خر4: 22). وبعد صلبهم للمسيح فقدوا بكوريتهم وصارت الكنيسة كنيسة أبكار، هي البكر ولها ميراث السماء، وكأبكار صرنا مقدسين ومكرسين لله.
لذلك تُسمَّى الكنيسة كنيسة أبكار " بل قد أتيتم إلى جبل صهيون والى مدينة الله الحي أورشليم السماوية والى ربوات هم محفل ملائكة. وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات والى الله ديان الجميع والى أرواح أبرار مكملين " (عب12: 22، 23). وبعد اختيار الأبكار ليكونوا مخصصين لله، وكان هذا ليشرح الوحي فكرة أن الكنيسة كلها هي كنيسة مقدسة أي مخصصة لله، عاد الله ليخصص سبط لاوي للخدمة ونسل هرون للكهنوت، وهذا كوظيفة قال عنها بولس الرسول " لا يأخذ هذه الوظيفة أحد بنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضًا " (عب5: 4).
إذًا معنى أن الكنيسة كنيسة أبكار:-
افتدانا فصحنا المسيح كما افتدى دم خروف الفصح أبكار الشعب في مصر، أي نجونا من الهلاك وصرنا أحياءً بدم المسيح.
صرنا في المسيح أبكار لنا حق الميراث في المجد.
صرنا مقدسين لله أي مُكَرَّسين ومخصصين له.
← تفاسير أصحاحات عبرانيين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير عبرانيين 13 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير عبرانيين 11 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8fgcr8a