St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   19-Resalet-3ebranieen
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

عبرانيين 1 - تفسير رسالة العبرانيين

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين:
تفسير رسالة العبرانيين: مقدمة رسالة العبرانيين | عبرانيين 1 | عبرانيين 2 | عبرانيين 3 | عبرانيين 4 | عبرانيين 5 | عبرانيين 6 | عبرانيين 7 | عبرانيين 8 | عبرانيين 9 | عبرانيين 10 | عبرانيين 11 | عبرانيين 12 | عبرانيين 13

نص رسالة العبرانيين: عبرانيين 1 | عبرانيين 2 | عبرانيين 3 | عبرانيين 4 | عبرانيين 5 | عبرانيين 6 | عبرانيين 7 | عبرانيين 8 | عبرانيين 9 | عبرانيين 10 | عبرانيين 11 | عبرانيين 12 | عبرانيين 13 | عبرانيين كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

آية 1: "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ."

كلم = كلمة الله لها قوة فعالة (إش10:55، 11). وكانت أقوال الأنبياء تتم في الحال (1مل1:13-5) + (2مل23:2، 24) + (2مل9:1، 10) فالنبوة كانت كلمة الله المنطوقة.

 بالأنبياء = الأنبياء شهدوا للمسيح وأعلنوا شخصه وعمله بل إن شهادة يسوع هي روح النبوة (رؤ10:19) والنبي هو من يسمع قول الرب بأذنه المفتوحة ويرى رؤيا القدير بعينه المكشوفة ويخبر بما يسمع ورأى ولأنه يسمع ويتكلم يسمى نبي ولأنه يرى ويخبر يسمى رائي. والأنبياء أعدوا الطريق للمسيح فجعلوا الشعب ينتظر مجيئه والنبوات أعلنت كل شيء عن المسيح ولكن ظل شخص المسيح غامضا (2بط19:1) + (لو25:24-27) حتى جاء المسيح ورأينا فيه تحقيق كل النبوات فمثلا من كان يدري أن رجل الأوجاع هو المسيح أو أن ملاك العهد هو المسيح أو أن الصخرة هي المسيح (1كو4:10).

بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ = الله كلم آدم وقايين ونوح وإبراهيم وموسى وكلم أنبياء مرات عديدة. كلمهم بالرؤى والأحلام، بالأوريم والتميم، بالأمثال على يد الأنبياء وبواسطة الملائكة. بل تكلم مع موسى فمًا لفم. وكان الله يعلن جزء من الحقيقة لكل واحد بقدر ما يحتمل. ولكن في المسيح ظهر استعلان الله بالكامل. فخروف الفصح وعمود السحاب وعمود النار والصخرة والمن والحية النحاسية... إلخ هذه كلها إعلانات تحققت وظهرت في المسيح الذي قال أنا هو النور، أنا هو الخبز. الآباء والأنبياء نقلوا من الله لشعوبهم كلمة. أما المسيح الابن فنقل لنا ورأينا فيه الله ذاته. فالمسيح هو الله متكلما في ابنه. وهذا هو الاستعلان الكلي والكامل لله في ذاته وصفاته الجوهرية. في محبة المسيح وغفرانه وتواضعه ووداعته رأينا صورة محبة الله وغفرانه وتواضعه.. في معجزات السيد المسيح رأينا إرادة الآب من نحو البشرية ففي إقامة الموتى رأينا إرادة الله في أن تكون لنا حياة أبدية. وفي تفتيح عيون العُمي رأينا إرادة الله أن تكون لنا رؤية له ولأمجاد السماء وهكذا.

 

آية 2: "كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ."

فِي ابْنِهِ = الله يتحرك نحونا دائما بحركة الإعلان عن حبه وهو دائم الحديث معنا. الله ليس في معزل عن الإنسان بل يود أن يتحد معه لينعم بشركة أمجاده الأبدية. وكلام المسيح روح وحياة (يو63:6) وليس مجرد ألفاظ بل هو حياة فعالة (عب 12:4، 13).

والله كان يتكلم عن طريق الأنبياء كآلات تعلن صوته، ولكنه الآن يحدثنا في ابنه الذي هو كلمته الواحد مع الآب وبفدائه وهبنا حق الدخول فيه نازعا العداوة وصرنا واحدًا مع كلمة الله وأعضاء جسده. لم يعد كلام الله مجرد وصايا نتقبلها لنطيعه، إنما بالأكثر قبول للكلمة الإلهي وثبوت فيه. فيه نلتقي مع الآب كأب لنا. الابن واحد مع أبيه يحمل فيه الآب، والابن يحوينا داخله أيضًا بتقديسنا بدمه فنلتقي مع الآب فيه ونتعرف عليه. الفارق الهائل بين استعلان الله بالكلمة على فم الأنبياء وبين استعلانه في المسيح كالفرق بين أن نعرف شيئًا عن الله وبين أن نراه ونسمعه ونلمسه وإن كان كلام الله بالأنبياء لا يزول بل كلام الأنبياء يتحقق في الحال فبالأولى كلمة المسيح التي تخلق. ونرى هنا وحدة العهدين فالله الذي كلمنا في الأنبياء هو هو نفسه الذي كلمنا في ابنه ولكن الآن أكمل الاستعلان. في العهد القديم رأينا ظلال الحقائق أما الآن فنرى الحق عينه بل أعطانا الله الروح القدس الذي به نعرف عقل الله وفكر الله ونرى صورة للمجد (1كو9:2-11).

الأيام الأخيرة = هو لفظ يشير لنهاية النظام اليهودي وبدء المسيحية. وفي المفهوم اليهودي يشير لعمل مقارنة بين الحاضر الزمني والنظام في المستقبل (تك1:49) + (أر20:23) + (أش2:2). وبهذا تشير الكلمة لأيام المسيا وهكذا يفهمها سفر العبرانيين. والتعبير أيضًا يشير للمجيء الثاني والدينونة وبذلك نفهم أنه بإقامة الكنيسة على الأرض بدأ ملكوت الله الذي سيكمل بعد القيامة. وفي (عد14:24-19) تشير للأيام التي تسبق مجيء المخلص وإعلان الإنجيل يمثل الأيام الأخيرة فإعلان الإنجيل هو آخر ما انتظرناه من إعلانات الله. فالإعلان الأول كان الإعلان الطبيعي وتلاه الإعلان للآباء البطاركة سواء بالأحلام أو الرؤى أما أخيرا فكان الإنجيل.

اليهود استعملوا عبارة الأيام الأخيرة عن ظهور المسيح، وتستخدمه الكنيسة الآن عن أيام ما قبل مجيء المسيح الثاني للدينونة. وبولس الرسول استخدم التعبير بحسب الفكر اليهودي ليقول لليهود العبرانيين - ها إن المسيح الذي انتظرتموه قد ظهر.

وارثًا لكل شيء = الابن أخلى ذاته وصار في شكل العبد حاملًا إيانا فيه حتى إذا ما ورث بجسده الإنساني كل شيء ببره الذاتي نرث نحن معه وفيه. الابن لن يزداد شيئًا فكل ما هو للآب هو للابن ولكن نحن سنربح فيه الميراث حين يردنا له (رؤ15:11). والله مهد لميراث السماوات بوعوده لليهود بأن يرثوا الأرض الجيدة ولكنهم كانوا سيفقدونها إن أخطأوا فالبر طريق الميراث. وقوله وارثًا هي للجسد (ناسوت المسيح) فاللاهوت لن يرث شيئًا جديدا فهو لم يخسر شيئًا أصلا. وما ناله الجسد من مجد بجلوسه عن يمين الآب كان لصالح البشر. لذلك هو تجسد فهو لم يكن في حاجة لمجد فهو بلاهوته الأزلي له كل المجد. بل أخذ الجسد ليتمجد به ويعطينا هذا المجد. وهذا ما قاله السيد المسيح في (يو5:17، 22). ففي (يو5:17) الآن مجدني (بالناسوت) بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم (مجد لاهوته الأزلي). أما في (يو22:17) وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني. فهو تمجد بجسده البشري لنتمجد نحن فيه.

عمل العالمين = THE WORLDS فالمسيح هو خالق السماء والأرض (يو3:1). خالق الخليقة السمائية والأرضية. المنظور وغير المنظور، الزمني والأبدي. هو اللوغوس هو قوة الله وحكمته.

 

آية 3: "الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي."

بهاء مجده = في آية 3 نرى طبيعة الابن وعلاقته بالآب وطبيعة عمله الذي أتى ليعمله حين تجسد.وقوله بهاء مجده فلأن المسيح الابن هو الإشعاع البهي لطبيعة الله المجيدة، الابن هو نور من نور كان مع الآب منذ الأزل لأن الله على الدوام يشع الضياء ولم يوجد أبدًا كشمس منطفئة. إذًا هذا التعبير يشير لأزلية الابن. فالآب نور ولا يوجد نور بدون بهائه وإشراقه. بهاء النور لا ينفصل عن النور، بل هو واحد معه. ومن هنا فهم الآباء اصطلاح نور من نور ووضعوه في قانون الإيمان وكون طبيعة الله نورانية فهذا يظهر من لمعان وجه موسى حين رأى جزء يسير من مجد الله. ولكن مع موسى فلقد انعكس على وجهه بهاء خارجي، أما المسيح فهو البهاء بعينه غير منفصل عن الآب هو نور من مجد الله مرتبط بالله ومتحدا به ونابع منه.

المجد : أول مرة نسمع فيها عن المجد في الكتاب المقدس كانت في (تك1:31) حينما اعتبر أولاد لابان أن قطيعا من الغنم هو مجد أبيهم ولكن الله عبر الكتاب المقدس ارتفع بالفكر الإنساني حتى سمعنا هذه الآية في (زك5:2) "أكون مجدًا في وسطها". ومن هنا فهمنا أن المجد هو شيء خاص بالله فقط أو فلنقل أنه هو الله، ونحن نكون في مجد إذا كان الله معنا وفي وسطنا وللأسف فإن كثيرين للآن ما زالوا يفكرون بعقلية أبناء لابان متصورين أن المجد هو في النقود والثروات والقصور... إلخ.

ونحن لن نفهم طالما نحن على الأرض معنى كلمة مجد. فربما كانت تعني النور أو تعني العظمة أو تعني الروعة أو تعني القدرات والقوة وقد تعني هذا كله.

وما يظهر من النور هو اللمعان.

وما يظهر من المجد هو البهاء.

ولا يوجد نور بدون لمعان ولا لمعان بدون نور.

ولا يوجد مجد بدون بهاء ولا بهاء بدون مجد.

ولأننا لا نستطيع أن نرى الآب فلقد ظهر لنا بهاءه فكان المسيح هو استعلان للآب لذلك قال المسيح مَنْ رآني فقد رأى الآب (يو9:14).

رسم جوهره = هو الرسم الدقيق والصورة الحية لجوهر الآب أي أنه مساو للآب يحمل خصائص جوهر الآب ويحمل سماته بكل دقة وكمال. هو ليس مشابه للآب في جوهره بل هو صورة الآب الكاملة وبهاؤه. الابن هو حكمة الآب (1كو24:1) فكيف يوجد زمان يكون فيه الآب بدون حكمته. لذلك فحين تجسد الابن رأينا فيه الآب على قدر ما نحتمل. الذي رآني فقد رأى الآب (يو9:14). نحن لا يمكننا أن نرى الآب ولكن رأينا رسم جوهره متجسدًا، لذلك أدركنا الله في شخص المسيح وفي أعماله.

وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ = هنا نرى المسيح ضابط الكل لا يفلت منه شيء هو خلق العالم وما زال يضبطه ويتحكم فيه ولكننا نراه كراعٍ يحملنا فيه لنكون فيه تحت حمايته، يحملنا كما يحمل الراعي خروفه وكما تحمل الأم طفلها تغذيه وتتعهده برعايتها. يحمل أحزاننا وأفراحنا، يحملنا ليدخلنا إلى أفراحه.

بعد ما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا = لأنه حامل كل الأشياء بكلمة قدرته تجلت إمكانياته الإلهية ليس فقط في خلقته إيانا من العدم، ولكن بعد أن فسدت طبيعتنا وهربنا من وجه الآب نزل لعمق الإنسان وحمل خطايانا مقدما ثمنها عل الصليب ليردنا إلى بيت الآب، وهو الآن يشفع فينا خلال ذبيحة نفسه. والتطهير شمل التقديس والتبرير والتبني لله الآب والميراث (1كو9:6-11).

جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ = (مز6:45) + (مز1:110) + (عب2:12). المسيح بعد صعوده جلس عن يمين الآب. وكلمة اليمين لا تفيد معنى المكان (ونلاحظ في نفس المزمور أن الآب عن يمين الابن (مز1:110، 5) إذًا اليمين ليس مكان، فالله في كل مكان ولكنها بمعنى المجد والكرامة. وجلوس الابن عن يمين الآب يشير للمساواة مع الآب فلا يتساوى مع الله غير الله ولنلاحظ أن الملائكة تقف أمام الله تغطي وجوهها (إش2:6). هذه قيلت بعد أن أخلى ذاته آخذًا صورة عبد. فهو بناسوته أخذ صورة عبد، وأخذ ناسوته وتمجد به وهذه تساوي جلس في يمين العظمة.

وقوله العظمة هو تعبير يميز جلال الله ومجده فوق كل شيء وكل مجد دنيوي. ولنلاحظ أن المسيح نزل وبعد أن نزل صعد، نزل إلينا وصعد ليصعدنا معه، ارتفع ليرفعنا معه وفيه وبه نجلس حيث هو جالس، ارتفع الرأس ليرفع معه الجسد.

 

آية 4: "صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ."

ابتداء من هنا دخل الرسول في موضوع الرسالة مباشرة وبدأ يشرح كيف أن المسيح أعظم من الملائكة، ولأن التقليد اليهودي يقول أن موسى استلم الناموس بيد ملائكة بدأ الرسول بأفضلية المسيح عنهم ثم يتبع بأفضلية المسيح عن موسى وغيره. أما شريعة العهد الجديد فسلمها المسيح مباشرة بدون ملائكة ولا نار ولا زلازل.

أعظم = كان المسيح بالجسد يبدو في حالة اتضاعه أنه أقل من الملائكة. ولكن الرسول هنا يظهر عظمته بالنسبة للملائكة كابن وحيد الجنس. وكلمة أعظم هي في الكرامة والاستحقاق. ونلاحظ في الرسالة تكرار كلمتي أفضل وأعظم في جمال المقارنة بين العهد القديم والعهد الجديد. ونلاحظ أن المسيح بلاهوته هو فوق كل مقارنة ولكن هذه المقارنات هي للمسيح بالجسد أي في حالة اتضاعه ومع هذا فهو يفوق الجميع في المقام والقوة والكرامة.

ورث = قارن مع (فى9:2، 10) و[راجع تفسير عب 2:1] فالميراث لحسابنا فالملائكة خدام الله أما المسيح فهو ابن الله الوحيد.

أفضل = الملائكة لهم اسمًا فاضلا ولكن الابن أفضل.

 

آية 5: "لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»؟ وَأَيْضًا:«أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا»؟"

أنت ابني أنا اليوم ولدتك = هذه الآية من المزمور الثاني لداود.

أنت ابني = هذه تشير لولادة المسيح الأزلية من الآب "نور من نور إله حق من إله حق".

أنا اليوم ولدتك = هذه تشير ليوم ولادة المسيح بالجسد من العذراء مريم. ونلاحظ أن قوله أنت ابني يسبق قوله أنا اليوم ولدتك لأن ولادته الأزلية تسبق ولادته بالجسد. ولكننا كنيسة المسيح نحن أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30:5) لذلك فقوله أنا اليوم ولدتك تشير لميلاد الكنيسة. هنا الآب يخاطب البشرية التي حملها المسيح فيه ولذلك فكلمة اليوم يتسع معناها لتشمل الآتي بالإضافة ليوم ميلاد المسيح بالجسد.

 1. يوم عماد المسيح : فعماد المسيح كان لحسابنا فنحن أيضًا سنولد من الماء والروح ولادة جديدة. وفيه حل الروح القدس على جسد المسيح. لذلك قال الآب هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. في المعمودية نموت بخليقتنا القديمة مع المسيح لنقوم معه بخليقة جديدة. نزول المسيح للماء كان يشير لقبوله الموت عنا، وخروج المسيح من الماء كان يشير لقيامته. فالمسيح قَبِلَ العماد ليؤسس سر المعمودية. وكل من سينزل الماء في المعمودية يعطيه الروح القدس أن يموت مع المسيح، وأن يقوم معه متحدا به (رو6). يخرج من المعمودية ابنًا لله في المسيح يحيا بحياة المسيح. وهذا يتم بطريقة سرية غير مرئية لذلك نسميه سر العماد.

 2. يوم العماد، عماد المسيح سمعنا الآب يقول "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت17:3) + (مر11:1) + (لو 22:3) فهو فرحة الآب برجوع أولاده (أي الكنيسة جسد المسيح عدنا إلى حضن الآب كأبناء له في ابنه الوحيد الجنس) إليه. ويوم عماد المسيح كان هو البداية لذلك فالمسيح رسم في هذا اليوم المعمودية لتكون موتا معه وقيامة معه.

3. يوم قيامة المسيح: راجع (رو4:1). فيوم قيامة المسيح من الأموات تمجد الابن. وفي هذا اليوم استعلنت بنوة الابن للآب وأنه الحي الذي لا يموت بل هو الذي داس الموت. وبالقيامة صار للبشر أن يقوموا أيضًا ويكونوا أبناء في الميراث السماوي.

4. يوم حلول الروح القدس وميلاد الكنيسة وتأسيسها.

 

أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا = راجع (2صم13:7، 14)+ (1أى12:17، 13) هنا بولس الرسول يقتبس بإرشاد الروح القدس هذه الآية التي قالها الله لداود النبي عن ابنه ويفهم من المعنى المباشر أنه يتكلم عن سليمان، ولكن بالتدقيق نفهم أنه يتكلم عن المسيح ابن داود بالجسد الذي كان سليمان رمزًا له. وسليمان هو الذي بنى الهيكل، كما أن المسيح بنى هيكل جسده أي الكنيسة (يو21:2) وبهذا يتفق النصف الثاني من الآية "هو يكون لي ابنا" مع النصف الأول "أنا اليوم ولدتك" في أن الحديث هو عن بنوة الكنيسة للآب بواسطة المسيح.

ولكن المعنى المباشر للآية يأتي في مجال المقارنة بين المسيح والملائكة، فمَن مِن الملائكة قال له الله مثل هذا، مَن مِن الملائكة مجده الله هكذا.

 

آية 6: "وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ:«وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ»."

أَدْخَلَ = المسيح يقول خرجت من عند الآب (يو28:16). والرسول يُسَمِّي تجسد المسيح دخول إلى العالم. فهو خرج خروجا إراديًا من أمجاده ليدخل إلى حياتنا لكي يضم إليه طبيعتنا وحياتنا ويخرج بنا من عالمنا ويدخل بنا إلى حضن أبيه. دخوله إلى العالم لم يمس لاهوته ولكنه قدم للإنسان كرامة. الْبِكْر = يسميه البكر لأنه صار بكرا بين إخوة كثيرين (رو29:8) فهذه البكورية هي لحسابنا لقد صار آدم الأخير (1كو15: 45)، رأس الخليقة الجديدة. وهو أيضًا البكر في القيامة بجسد لا يموت ثانية ، وفي دخوله بالجسد للمجد.

وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ = في (مز7:97) نجد داود يقول "اسجدوا له يا جميع الآلهة" والذين ترجموا الآية من العبرية فهموا أن الآلهة هم الملائكة وهكذا ترجموها ومنهم أخذ بولس الرسول. ولكننا نجد أن هذا هو ما حدث ليلة الميلاد = ليلة دخول المسيح بالجسد إلى العالم أن الملائكة سبحوا وهللوا أي قدموا عبادة ، والعبادة يشير لها كلمة سجود. لذلك فهذه الآية تتفق مع ما حدث ليلة الميلاد (لو9:2-14) ونلاحظ أن الآية (5) السابقة كانت تحدثنا عن الميلاد.

 

آية 7: "وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ:«الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ»."

رياحا = من حيث السرعة والشفافية وعدم رؤيتنا لها راجع (مز4:104).

وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ = من حيث قوة الضياء ورهبتها وقوتها وقوة تأثيرها. والرسول يكتب هذا عن الملائكة حتى لا يفهم أحد أنه يقلل من شأنهم. ولكن بالرغم من قوتهم فهم خليقة الله = الصانع ملائكته . ومزمور 104 يحدثنا عن الخليقة بينما أن المسيح هو الخالق = الذي به أيضًا عمل العالمين. "كل شيء به كان ، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3) أي هو الذي خلق الملائكة. (عب2:1).

 

آية 8: "وَأَمَّا عَنْ الابْنِ:«كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ."

نلاحظ هنا بوضوح أن الابن هو الله. راجع (مز 7،6:45).

 

فنجد أن الملائكة خدام مخلوقين وأما الابن فهو الله وكرسيه للأبد.

قضيب استقامة = القضيب هو الصولجان = وهو قضيب استقامة فالله عادل ونلاحظ أن المزمور الذي اقتبس منه الرسول هو مزمور نشيد زفاف ابن الملك. وابن الملك هو المسيح الذي ملك على شعبه بالحب واتخذهم عروسا له.

 

آية 9: "أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِزَيْتِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ»."

أحببت البر وأبغضت الإثم = الله يحب البر ويبغض الإثم لدرجة احتماله للصلب الذي به حمل خطايانا ومات ليعطينا أن نتبرر. وهو وحده بلا خطية.

مَسَحَكَ إِلهُكَ = كلمة مسحك تعني كَرَّسَكَ وخصصك لهذا العمل المبهج للآب وللبشرية ولأنه عمل مبهج فأسماه بزيت الابتهاج. هو مسح منذ الأزل أي تحدد أن عمل الخلاص سيكون عمل الابن ووظيفته منذ الأزل وذلك في خطة الله لخلاص البشرية وذلك بأنه سيتجسد ويقدم نفسه ذبيحة. فالآب يريد خلاصنا والابن يحقق هذا الخلاص فالآب يحبنا كما الابن. ولكن قوله مسحك بزيت تشير أيضًا لحلول الروح القدس على المسيح يوم العماد (إش1:61) + (أع27:4) + (أع38:10) وحلول الروح القدس يحمل السرور والابتهاج إلى مَن يُعْطَى له = فهو زيت الابتهاج + ومن ثمار الروح الفرح (غل22:5) وقوله مَسَحَكَ إِلهُكَ = مسحك أبيك الذي هو من ناحية الناسوت إلهك.

أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ = حلول الروح القدس على المسيح كان لحساب الكنيسة فبعد صعوده وفي يوم الخمسين حل الروح القدس على كل الشعب. ولكن هل حلول الروح القدس على المسيح سيكون بنفس القدر مثل باقي الشعب؟ طبعا لا. فالمسيح حل عليه الروح القدس بالكامل، لم يوهب الروح بقدر معين. أما بالنسبة لنا فالروح القدس يُعْطَى لنا بقدر معين، وبقدر ما نجاهد نمتلئ لذلك يقول الرسول "إمتلئوا بالروح ويقول لتلميذه تيموثاوس "أذكرك أن تضرم أيضًا موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ" (2تى6:1) ولذلك رأينا في حلول الروح القدس على المسيح أنه حل على هيئة حمامة (هيئة كاملة) ، أما في حلوله على التلاميذ فكان على هيئة ألسنة نار منقسمة على كل واحد حسب ما يحتمل.

 

آية 10: "وَ«أَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ."

قارن مع (مز25:102-27) + (يو1:1) + (تك1:1) نجد مفهوم الرسول أن الابن هو الخالق، المسيح هو الله الخالق الذي يخلق من البدء ولا وجه للمقارنة بين الخالق والمخلوق فالخليقة تتغير والخالق لا يتغير. هو الذي خلق السماء والأرض.

 

آية 11: "هِيَ تَبِيدُ وَلكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى."

قارن مع (مز25:102-27) + (أش6:40-8) + (أش6:51) + (أش4:34)

تبيد = يفهم من الكلمة الانحلال وعدم الديمومة. تبلى = تقدم وتتهرأ.

فالخالق لا يتغير ولكن الخليقة تتغير لأنها وجدت من العدم. ومن له سلطان على كل شيء يُغَيِّر ولا يَتغيَّر. قادر أن يغيرنا من طبيعتنا الخاطئة لنكون قديسين.

 

آية 12: "وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى»."

كرداء تطويها فتتغير = الخليقة كرداء يلبسه الإنسان يمكن أن يطويه فيتغير شكله (أش4:34) فالسماء والأرض مهما بدا أنهما ثابتتان إلا أنهما غير ذلك. ويقال أن الهند كانت ملتصقة بساحل إفريقيا الشرقي والأمريكتين كانتا ملتصقتان بأوربا وبإفريقيا. ويُقال أنه كانت هناك قارة اسمها أطلانتس Atlantis ابتلعها البحر بعد زلزال عنيف وكَمْ مِنْ جزر تظهر، وجزر تختفي. بل إن السماء والأرض تزولان (رؤ1:21).

أنت أنت وسنوك لن تفنى = أنت تظل على الدوام ولن تتعرض سنيك للانتهاء والفناء.

 

آية 13: "ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ:«اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ»؟."

راجع (مز1:110). هذا المزمور استخدمه المسيح عن نفسه لإثبات لاهوته (راجع مت44:22) واستخدمه العهد الجديد كثيرا عن المسيح ، ووضع في قانون الإيمان "وجلس عن يمين أبيه".

حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ = أعداء المسيح هم الخطية والموت وإبليس بل أن المسيح أعطى للمؤمنين هذا السلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب فكل نصرة لنا هي لمجد اسمه القدوس (لو19:10)، فالذي يغلب حقيقة هو المسيح وليس نحن، فما نحن سوى فرس القتال الذي يقوده المسيح (رؤ6: 2). وكأن هذا الوعد للابن أن الآب يضع أعداؤه موطئا لقدميه هو مقدم لجسد ابنه أي الكنيسة والمعنى المباشر للآية هل قيل لأحد من الملائكة مثل هذا الوعد؟!!

 

آية 14: "أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!"

الملائكة خدام لا يعملون بمقتضى مشيئتهم الذاتية ولكن يرسلون من قبل الله لخدمة أولئك العتيدين أن يرثوا الحياة الأبدية. ورأينا ملاكا يخدم إيليا (1مل4:19-8). وملاك يبشر العذراء (لو19:1) وملاك ينقذ بطرس من السجن (أع7:12).

ولنلاحظ أن الغلبة التي أعطاها الله للبشر على إبليس تفرح الملائكة لذلك هم يفرحون بأن يكلفهم الله بخدمة البشر ومساعدتهم ليغلبوا. هي خدمة للبشر الذين سيشتركون معهم في حياتهم السمائية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات عبرانيين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/19-Resalet-3ebranieen/Tafseer-Resalat-Al-Ebranyeen__01-Chapter-01.html

تقصير الرابط:
tak.la/xqyd86h