محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40
فيه يشهد أيوب لنفسه بالبر ويدافع عن نفسه من كل الجرائم التي نسبها له أصحابه ظلمًا [مثال للاتهامات (أي 6:22)] وفي تبريره لنفسه كان يطلب أن يعاقبه الله بعقوبة مريرة لو كان قد فعل أي خطية من التي ينكر أنه فعلها. بل هو دافع عن نفسه بأنه حتى لم يفعل خطايا سرية، أي خطايا لم يشهد أحد عليه أنه فعلها وبالتالي لا يستطيع أحد أن يحاسبه، ويذكر السبب أنه كان يخشى الخطية لأنه يخشى الله.
الآيات 1-12:- "«عَهْدًا قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ؟ وَمَا هِيَ قِسْمَةُ اللهِ مِنْ فَوْقُ، وَنَصِيبُ الْقَدِيرِ مِنَ الأَعَالِي؟ أَلَيْسَ الْبَوَارُ لِعَامِلِ الشَّرِّ، وَالنُّكْرُ لِفَاعِلِي الإِثْمِ؟ أَلَيْسَ هُوَ يَنْظُرُ طُرُقِي، وَيُحْصِي جَمِيعَ خَطَوَاتِي؟ إِنْ كُنْتُ قَدْ سَلَكْتُ مَعَ الْكَذِبِ، أَوْ أَسْرَعَتْ رِجْلِي إِلَى الْغِشِّ، لِيَزِنِّي فِي مِيزَانِ الْحَقِّ، فَيَعْرِفَ اللهُ كَمَالِي. إِنْ حَادَتْ خَطَوَاتِي عَنِ الطَّرِيقِ، وَذَهَبَ قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ، أَوْ لَصِقَ عَيْبٌ بِكَفِّي، أَزْرَعْ وَغَيْرِي يَأْكُلْ، وَفُرُوعِي تُسْتَأْصَلْ. «إِنْ غَوِيَ قَلْبِي عَلَى امْرَأَةٍ، أَوْ كَمَنْتُ عَلَى بَابِ قَرِيبِي، فَلْتَطْحَنِ امْرَأَتِي لآخَرَ، وَلْيَنْحَنِ عَلَيْهَا آخَرُونَ. لأَنَّ هذِهِ رَذِيلَةٌ، وَهِيَ إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ. لأَنَّهَا نَارٌ تَأْكُلُ حَتَّى إِلَى الْهَلاَكِ، وَتَسْتَأْصِلُ كُلَّ مَحْصُولِي."
في الآية (1) "«عَهْدًا قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ؟"
شهوة الجسد ومحبة العالم هما صخرتان يسقط عليهما الكثيرين وهنا يدافع أيوب عن نفسه أنه لم يسقط فيهما. وفي هذه الآية يدافع عن نفسه في أنه لم يشته امرأة قريبه، ولا أي امرأة، بل كان أمينًا لزوجته. وهو حافظ على نفسه من أول خطوات الخطية وهي النظرة، فمن يريد أن يحفظ قلبه طاهرًا فليحفظ عينيه أولًا فهي الطريق والمدخل إلى القلب. ونلاحظ أن أيوب كان يتكلم هنا بروح العهد الجديد وتعاليم السيد المسيح "من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه". وأيوب أمسك عينيه عن أن تنظرا لتشتهيا حتى لا يضرم شهوات قلبه. وفي الآية (2) "وَمَا هِيَ قِسْمَةُ اللهِ مِنْ فَوْقُ، وَنَصِيبُ الْقَدِيرِ مِنَ الأَعَالِي؟". يقول لماذا فضل أن يعيش طاهرًا، ومنع نفسه من التطلع في عذراء، لأنه عرف أن كل خطية تغضب الله تمنع عنه بركات السماء. وما هي قسمة الله من فوق = أي ماذا يتوقع الخاطئ من بركات السماء، الخاطئ لا ينتظر بركات سواء أرضية أو سماوية بعد الموت.
وفي الآية (3) "أَلَيْسَ الْبَوَارُ لِعَامِلِ الشَّرِّ، وَالنُّكْرُ لِفَاعِلِي الإِثْمِ؟"
هنا إجابة السؤال ما هي قسمة الله من فوق (آية 2) والإجابة البوار عوضًا عن البركة. وقد يستهتر الخاطئ بنتائج الخطية ولكن نصيب سدوم وعمورة تشهد بأن الخطية نتائجها مرعبة. النكر = في الإنجليزية جاءت العقوبات الشديدة والمصائب.
وفي الآية (4) "أَلَيْسَ هُوَ يَنْظُرُ طُرُقِي، وَيُحْصِي جَمِيعَ خَطَوَاتِي؟"
هو يشعر بأن الله عينه عليه دائمًا ولا يخفي عليه شيء، وهكذا كان يوسف (تك 9:39). هنا أيوب يعلن إيمانه بالله الذي لا يخفي عليه شيء، أي أن معرفته غير محدودة. وهو يحصي جميع خطواتي= أي أن الله يزن كل عمل من أعمالي، ويحاسبني على ما هو صالح أو ما هو الشرير.
وفي الآية (5) "إِنْ كُنْتُ قَدْ سَلَكْتُ مَعَ الْكَذِبِ، أَوْ أَسْرَعَتْ رِجْلِي إِلَى الْغِشِّ،"
يبرئ أيوب نفسه من أنه حصل على أي ثروة بالغش أو الكذب. فهو يؤمن أن كل ما حصل عليه بالغش لا بُد وسيضيع. وفي الآية (6) "ليزني في ميزان الحق فيعرف الله كمالي". من ثقته في أمانته يود لو وزن الله كل خطواته ليعلن بره ويكون له هذا كرامة. هنا هو يُشهِد الله على صدق قوله وهذا يعني ضمنًا أن الله قد ظلمه إذ أتى عليه بهذه الآلام.
وفي الآية (7) "إِنْ حَادَتْ خَطَوَاتِي عَنِ الطَّرِيقِ، وَذَهَبَ قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ، أَوْ لَصِقَ عَيْبٌ بِكَفِّي،"
يقول هنا أنه لم يحد عن طريق الأمانة بل ربط نفسه بطريق البر، وقلبه لم يسِر وراء شهوة عينيه، ولم يشتهي ما لغيره. ولم يلطخ يديه بأي شيء خاطئ، أي لم يحصل على شيء بعدم أمانة، ولم يحتفظ بشيء ليس له، ولم يلطخ يديه بأجرة عبيده الذين لم يظلمهم، وكان يدفع أجرتهم ولم يحجزها عنهم. ولاحظ قوله ذهب قلبي وراء عيني = أخلاقيات أيوب على مستوى العهد الجديد. فهو لا يحسب الخطايا التي ينفذها فقط أنها خطايا، بل يحسب على نفسه ما فكر فيه في قلبه أيضًا. وفي الآية (8) "ازرع وغيري ياكل وفروعي تستأصل". يقول أنه لو كان قد فعل أي خطية فليعاقبه الله بأن يخسر كل شيء. فروعي = نسلي وكل ما لي.
وفي الآيات (9، 10) "«إِنْ غَوِيَ قَلْبِي عَلَى امْرَأَةٍ، أَوْ كَمَنْتُ عَلَى بَابِ قَرِيبِي، فَلْتَطْحَنِ امْرَأَتِي لآخَرَ، وَلْيَنْحَنِ عَلَيْهَا آخَرُونَ."
إن غوي قلبي امرأة= نرى أن كل الخطايا منبعها قلب مخدوع. أَوْ كَمَنْتُ عَلَى بَابِ قَرِيبِي = أي لم يدبر للزنا مع زوجة قريبه. فلتطحن إمرأتي لآخر= أي تصير عبدة لسيد آخر فالطحن هو عمل الجواري، والعبدة أو الجارية هي سرية لسيدها، له الحق أن يضطجع معها ولينحن عليها آخرون= أي إذا كنت فعلت هذا مع امرأة قريبي فليفعل هذا مع امرأتي.
وفي الآية (11) "لأَنَّ هذِهِ رَذِيلَةٌ، وَهِيَ إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ."
في نظر أيوب أن الزنا جريمة حقيرة فهي تغيظ الله وتأتي على الإنسان بالخراب (روحيًا وجسديًا). ولنرَى الخراب الذي أتى على بيت داود بسبب الزنا مع بثشبع. وهذه الجريمة تميت الضمير وتحرم الإنسان جميع الأفراح الطبيعية وتبعده عن الله.
وفي الآية (12) "لأَنَّهَا نَارٌ تَأْكُلُ حَتَّى إِلَى الْهَلاَكِ، وَتَسْتَأْصِلُ كُلَّ مَحْصُولِي."
نراه يصور الزنا على أنه نار تأكل حتى الخراب النهائي. والشهوة نار للروح تحرق من تسيطر عليهم وتتحكم فيهم، وتذهب كل تعزياتهم تمامًا، بل هي تشعل نار غضب الله الذي يؤدي لخراب النفس الأبدي. فالشهوات المشتعلة تأتي بالأحكام النارية ضد الإنسان (سدوم وعمورة). نار تأكل حَتَّى إِلَى الْهَلاَكِ = هذا ما قاله الحكيم "أيأخذ إنسان نارًا في حضنه ولا تحترق ثياب" (أم6: 27).
الآيات 13-23:- "«إِنْ كُنْتُ رَفَضْتُ حَقَّ عَبْدِي وَأَمَتِي فِي دَعْوَاهُمَا عَلَيَّ، فَمَاذَا كُنْتُ أَصْنَعُ حِينَ يَقُومُ اللهُ؟ وَإِذَا افْتَقَدَ، فَبِمَاذَا أُجِيبُهُ؟ أَوَلَيْسَ صَانِعِي فِي الْبَطْنِ صَانِعَهُ، وَقَدْ صَوَّرَنَا وَاحِدٌ فِي الرَّحِمِ؟ إِنْ كُنْتُ مَنَعْتُ الْمَسَاكِينَ عَنْ مُرَادِهِمْ، أَوْ أَفْنَيْتُ عَيْنَيِ الأَرْمَلَةِ، أَوْ أَكَلْتُ لُقْمَتِي وَحْدِي فَمَا أَكَلَ مِنْهَا الْيَتِيمُ. بَلْ مُنْذُ صِبَايَ كَبِرَ عِنْدِي كَأَبٍ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّي هَدَيْتُهَا. إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكًا لِعَدَمِ اللِّبْسِ أَوْ فَقِيرًا بِلاَ كِسْوَةٍ، إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ وَقَدِ اسْتَدْفَأَ بِجَزَّةِ غَنَمِي. إِنْ كُنْتُ قَدْ هَزَزْتُ يَدِي عَلَى الْيَتِيمِ لَمَّا رَأَيْتُ عَوْنِي فِي الْبَابِ، فَلْتَسْقُطْ عَضُدِي مِنْ كَتِفِي، وَلْتَنْكَسِرْ ذِرَاعِي مِنْ قَصَبَتِهَا، لأَنَّ الْبَوَارَ مِنَ اللهِ رُعْبٌ عَلَيَّ، وَمِنْ جَلاَلِهِ لَمْ أَسْتَطِعْ."
في الآية (13) "«إِنْ كُنْتُ رَفَضْتُ حَقَّ عَبْدِي وَأَمَتِي فِي دَعْوَاهُمَا عَلَيَّ،". نجده ينصف عبيده ويعطيهم حقوقهم، حتى لو اشتكوا منه هو. فهو لم يعتبر عبيده مجرد شيء يقتنيه.
وفي الآية (14) "فَمَاذَا كُنْتُ أَصْنَعُ حِينَ يَقُومُ اللهُ؟ وَإِذَا افْتَقَدَ، فَبِمَاذَا أُجِيبُهُ؟" نجد عدله مع عبيده راجع لخوفه من الله.
وفي الآية (15) "أَوَلَيْسَ صَانِعِي فِي الْبَطْنِ صَانِعَهُ، وَقَدْ صَوَّرَنَا وَاحِدٌ فِي الرَّحِمِ؟". هنا نظرة مسيحية لنظام العبيد، فهو وعبيده لهم سيد واحد هو الله. إذاً هم جميعًا، هو وعبيده إخوة. أما العهد القديم فقد أباح العبودية، ومن قول أيوب هذا نفهم أن نظام العبودية ليس بحسب قصد الله حين خلق الإنسان، فها هو إنسان من العهد القديم وقبل الناموس ويتكلم كلامًا فيه الفكر الصحيح عن العبيد وعلاقتهم مع سادتهم وأنهم أخوة (غل28:3 + أف6: 9). بل هو صنع له أصدقاء بمال الظلم.
وفي الآية (16) "إِنْ كُنْتُ مَنَعْتُ الْمَسَاكِينَ عَنْ مُرَادِهِمْ، أَوْ أَفْنَيْتُ عَيْنَيِ الأَرْمَلَةِ،". يدافع عن نفسه فيما قاله أليفاز، فقد اتهمه أليفاز بأنه يظلم المساكين والأرامل، ويقول أنه كان يلبي لهم رغباتهم= لم يمنع مرادهم (إِنْ كُنْتُ مَنَعْتُ الْمَسَاكِينَ عَنْ مُرَادِهِمْ).
أو أفنيت عيني الأرملة = لم يكن ينتظر الأرملة أن تطلب منه، بل كان يفهم من نظرة عينيها احتياجها ويلبيه، أو لم يكن يتركها تنتظر عبثًا. وفي الآية (17) "أو اكلت لقمتي وحدي فما اكل منها اليتيم". كان يأكل مع اليتامى.
وفي الآية (18) "بَلْ مُنْذُ صِبَايَ كَبِرَ عِنْدِي كَأَبٍ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّي هَدَيْتُهَا."
نجده يربي اليتامى كأب لهم. ومن بطن أمي هديتها = المقصود أنه تعلم أعمال الرحمة على اليتامى والأرامل من بطن أمه، هو مولود بها، منسوجة في طبيعته. هديتها = أرشدتها وهذه ربما تكون عائدة على الأرملة (آية 16) أو على أي يتيمة يرعاها كأب.
وفي الآيات (20،19) "إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكًا لِعَدَمِ اللِّبْسِ أَوْ فَقِيرًا بِلاَ كِسْوَةٍ، إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ وَقَدِ اسْتَدْفَأَ بِجَزَّةِ غَنَمِي."
لم يترك عاريًا إلا وكساه، وحينما استدفأت حقواه باركه الفقير أي دعا له بالبركة.
وفي الآية (21) "إِنْ كُنْتُ قَدْ هَزَزْتُ يَدِي عَلَى الْيَتِيمِ لَمَّا رَأَيْتُ عَوْنِي فِي الْبَابِ،"
هززت يدي على اليتيم= أي لم أظلم يتيم، أو رفعت يدي عليه لأؤذيه أيام مجدي = لما رأيت عوني في الباب = حينما كان القضاة يلتفون حولي والكل يتمنَّى رضائي، لم أستغل معارفي في ظلم أحد. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى).
وفي الآية (22) "فَلْتَسْقُطْ عَضُدِي مِنْ كَتِفِي، وَلْتَنْكَسِرْ ذِرَاعِي مِنْ قَصَبَتِهَا،"
لو كان قد اضطهد أرملة أو يتيم لتصبه أمراض صعبة فلتسقط عضدي= يتعفن لحمي على عظامي. وَلْتَنْكَسِرْ ذِرَاعِي = وأيوب رأى أنه من العدل أن الذراع الذي إرتفع على مسكين لا بُد وأن يكسر.
وتنكسر عظامي= وأيوب رأى أنه من العدل أن الذراع الذي ارتفع على مسكين يكسر.
وفي الآية (23) "لأَنَّ الْبَوَارَ مِنَ اللهِ رُعْبٌ عَلَيَّ، وَمِنْ جَلاَلِهِ لَمْ أَسْتَطِعْ."
هو لم يظلم أحد لخوفه من الله وعقوباته على الظالم. فالظالم يتصور أنه لا يوجد من هو أعظم منه ليحاسبه، أما أيوب فيشعر أن عيني الله عليه كل اليوم.
الآيات 25،24- "«إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ الذَّهَبَ عَمْدَتِي، أَوْ قُلْتُ لِلإِبْرِيزِ: أَنْتَ مُتَّكَلِي. إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ إِذْ كَثُرَتْ ثَرْوَتِي وَلأَنَّ يَدِي وَجَدَتْ كَثِيرًا."
في الآية (24) "«إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ الذَّهَبَ عَمْدَتِي، أَوْ قُلْتُ لِلإِبْرِيزِ: أَنْتَ مُتَّكَلِي.". أيوب كان عنده أموال كثيرة، لكنه لم يكن يتكل عليها. وهذه الآية هي نفس تعليم السيد المسيح (مر 24:10). أما من يتكل على أمواله فهو عابد وثن، ولا يمكن لأحد أن يعبد سيدين الله والمال. [راجع (كو 5:3)] وبنفس المفهوم نجد أيضًا الآية التالية.
في الآية (25) "إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ إِذْ كَثُرَتْ ثَرْوَتِي وَلأَنَّ يَدِي وَجَدَتْ كَثِيرًا.". كان أيوب لا يفرح بزيادة أمواله.
وفي الآيات (26-28) "إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى النُّورِ حِينَ ضَاءَ، أَوْ إِلَى الْقَمَرِ يَسِيرُ بِالْبَهَاءِ، وَغَوِيَ قَلْبِي سِرًّا، وَلَثَمَ يَدِي فَمِي، فَهذَا أَيْضًا إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ، لأَنِّي أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللهَ مِنْ فَوْقُ."
ينفي عن نفسه تهمة الوثنية. وأنه لم يمارس أي طقوس وثنية ولا انحراف قلبه وراءها يومًا. وكانت عبادة الشمس والقمر منتشرة أيام أيوب والإغراءات كثيرة في أمثال هذه العبادات. أما أيوب فلم يكن ينظر للشمس ولا للقمر كآلهة ينبهر بها، بل كمخلوقات الله. فهو ينظر لخالقهم ويسبحه على أعماله العظيمة. [عبادة الأجرام السماوية هي أقدم عبادة، والأجرام السماوية يسمونها tsaba ومنها عبادة الأجرام السماوية sabaism وكرد على هذه العبادات أطلق اليهود على الله رب الصباؤوت فهي خليقته وهو ربها وخالقها].
لثم يدي فمي= علامة وثنية كانت منتشرة لتوقير الشمس والقمر. [وربما نشأت من أن الوثنيين كانوا يقبلون العجول (1مل 18:19 + هو 2:13). ولأن الإنسان لن يصل للشمس والقمر فكان يقبل يده عوضًا عن تقبيل آلهته الشمس والقمر] وأيوب يرى أن من يفعل ذلك يستحق حكم علني من القضاة (آية 28) "فهذا أيضًا أثم يعرض للقضاة لأني أكون قد جحدت الله من فوق". ليرتدع الجميع.
الآيات 29-40:- "«إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ بِبَلِيَّةِ مُبْغِضِي أَوْ شَمِتُّ حِينَ أَصَابَهُ سُوءٌ. بَلْ لَمْ أَدَعْ حَنَكِي يُخْطِئُ فِي طَلَبِ نَفْسِهِ بِلَعْنَةٍ. إِنْ كَانَ أَهْلُ خَيْمَتِي لَمْ يَقُولُوا: مَنْ يَأْتِي بِأَحَدٍ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ طَعَامِهِ؟ غَرِيبٌ لَمْ يَبِتْ فِي الْخَارِجِ. فَتَحْتُ لِلْمُسَافِرِ أَبْوَابِي. إِنْ كُنْتُ قَدْ كَتَمْتُ كَالنَّاسِ ذَنْبِي لإِخْفَاءِ إِثْمِي فِي حِضْنِي. إِذْ رَهِبْتُ جُمْهُورًا غَفِيرًا، وَرَوَّعَتْنِي إِهَانَةُ الْعَشَائِرِ، فَكَفَفْتُ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنَ الْبَابِ. مَنْ لِي بِمَنْ يَسْمَعُنِي؟ هُوَذَا إِمْضَائِي. لِيُجِبْنِي الْقَدِيرُ. وَمَنْ لِي بِشَكْوَى كَتَبَهَا خَصْمِي، فَكُنْتُ أَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِي. كُنْتُ أُعْصِبُهَا تَاجًا لِي. كُنْتُ أُخْبِرُهُ بِعَدَدِ خَطَوَاتِي وَأَدْنُو مِنْهُ كَشَرِيفٍ. إِنْ كَانَتْ أَرْضِي قَدْ صَرَخَتْ عَلَيَّ وَتَبَاكَتْ أَتْلاَمُهَا جَمِيعًا. إِنْ كُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ غَلَّتَهَا بِلاَ فِضَّةٍ، أَوْ أَطْفَأْتُ أَنْفُسَ أَصْحَابِهَا، فَعِوَضَ الْحِنْطَةِ لِيَنْبُتْ شَوْكٌ، وَبَدَلَ الشَّعِيرِ زَوَانٌ».
تَمَّتْ أَقْوَالُ أَيُّوبَ."
أيوب لم يكن ينتقم من أعدائه، وكان لا يشمت فيهم إن أصابتهم بلية وهذا ما قيل في (أم 17:24، 18 + 21:25). من يشمت بعدوه يلحقه بالخراب. أما في العهد الجديد فالمسيح طلب "أحبوا أعدائكم". وكان فكر أيوب بذلك أرقَى من فكر الفريسيين الذين نادوا بأن (حب قريبك وإكره عدوك): "تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ" (مت 43:5). وفي الآية (30) " لم يطلب أي لعنة تصيب أحد أعدائه. وفي الآية (31) نرى مثلًا كيف يربح إنسان أصدقاء بمال الظلم. وفي الآية (32) نجد أن إضافة الغرباء التي عملها إبراهيم ولوط وأوصي بها معلمنا بطرس في العهد الجديد، قام بها أيوب (1بط 9:4). وفي الآية (33) يدفع عن نفسه تهمة الرياء، فهو لم يظهر غير ما يبطن. وهذا ما اتهمه به صوفر (أي 12:20). وفي الآية (34) يدفع عن نفسه تهمة الجبن، فهو لم يرهب أحدًا مهما كانوا جمهورًا. وأنه لمن الجبن أن نخفي الحق، أو نكتم شهادة الحق حين يجب أن نعلنها، أو لا نعطي المظلوم حقه خوفًا من الجمهور. فأيوب كان يخاف الله ولا يخاف صياح الظالمين. وروعتني إهانة العشائر= هو لم يرهب إهاناتهم بل شهد للحق حتى وإن أزعجهم ذلك فأهانوه وفي الآية (35) يرفع أيوب قضيته لله. فهو عرض كل قضيته وأثبت براءته. هوذا إمضائي كأنه يوقع على طلب رفع الدعوى أمام الله، وينتظر إجابة منه= ليجبني القدير.
وفي الآية (36) لو وجد شكوى كتبها خصم له، أي لو أدانه أحد بأي خطية أحملها على كتفي أي أتحمل كل نتائجها وعقوباتها، أما لو ظهرت براءتي من هذه الشكوى = كنت أعصبها تاجًا لي = تاج يكلل كل أعمال بري. لقد بالغ أيوب في كماله وكان هذا ردًا على أصحابه الذين بالغوا في إدانته. وفي الآية (37) من تأكده من براءته وكماله كان مستعدًا أن يعطي لمقاوميه تقريرًا عن كل خطوة من خطوات حياته. فهو لا يخجل من أي تصرف بل كان يدنو منه كشريف (أَدْنُو مِنْهُ كَشَرِيفٍ).
وفي الآيات (38-40) يقول أن أرضه لم تصرخ عليه، أي هو لم يظلم أحد ليغتصبها (حب 9:2-11). وصراخ الأرض هنا كأنها تطلب الانتقام من الظالم، وكأن الأرض شاهدة ضد الظالم وتدينه بصراخها. ثم يصور الموضوع بصورة شعرية فيضيف = وتباكت أتلامها (خطوط حرثها بحسب الترجمة اليسوعية). أي أن الأرض كلها تبكي لو كان حدث ظلم لصاحبها. أطفأت أنفس أصحابها= قتل مالك الأرض ليغتصبها كما حدث مع نابوت. وأكلت غلتها بلا فضة = أي اشترى الأرض ولم يغتصبها وفي الآية (40) الحكم الذي يصدره على نفسه لو فعل أي من الأخطاء المذكورة.
تمت أقوال أيوب = أنهَى أيوب دفاعه عن نفسه هنا. ولن يظهر أيوب ثانية في الحوار إلا حين يعترف أمام الله بأنه خاطئ.
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أيوب 32 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أيوب 30 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fzwdjy9