محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
أيوب هو مثال للصبر ولكنه إنسان، ونجده هنا قد أخطأ بشفتيه، والكتاب المقدس سجل ما قاله أيوب لا لنقتدي به بل "لإِنْذَارِنَا" لكي يحذر من يظن أنه قائم حتى لا يسقط: "إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ" (1 كو 11:10، 12). ونجد أيوب هنا متذمرًا من قسوة تجربته ولنلاحظ أن التذمر هو حكم على الله بأنه أخطأ. أما يسوع فاحتمل الآلام دون تذمر بل بسرور لأجل خلاصنا. والكتاب المقدس أظهر أيوب وغيره من القديسين كبشر لهم ضعفاتهم فليس كامل إلا الله وحده. وفي غضبه:
1. شكا من أنه قد ولد (أي 1-10).. ومنطقه هنا أنه إذا كانت الحياة هكذا صعبة فلماذا وُلِدت.
2. شكا من أنه لم يمت حالما ولد (أي 11-19)... إذا سمح الله وولدت فلماذا لم أمت فورًا.
3. شكا من أن حياته طالت وهو في محنته (أي 20-26).. إذا سمح الله وعشت فلماذا لا أموت وأنا متألم فتقل مدة الآلام.
ونلاحظ من تذمر أيوب أن الخراج المختفي بدأ يظهر من ضغط التجربة وحين تكلم متذمرًا بدأ الخراج ينفتح ليخرج الصديد وظل الله يضغط وأيوب يتألم والصديد يخرج والله يضغط إلى أن شفي تمامًا بقوله ها أنا حقير فبماذا أجاوبك (أي 4:40). هنا كان كل الصديد قد خرج.
آية 1:- "بَعْدَ هذَا فَتَحَ أَيُّوبُ فَاهُ وَسَبَّ يَوْمَهُ،"
لقد سكت الأصحاب لكنهم كانوا ينظرون لأيوب نظرات معناها التساؤل!! لماذا كل هذا إلا لو كنت خاطئًا، فكانت نظرات الإدانة في عيونهم. لذلك بدأ أيوب في الشكوى وهكذا كل من حلت به خسارة يعتقد أن له الحق في أن يشتكي ويتكلم، لكن الشكوى والتذمر لا تعطي راحة بل السكون والتسليم لله.
سب يومه= أي يوم ميلاده. ومعنى أنه يسب يوم ميلاده أنه كان يتمنى لو لم يولد قط، وهو بهذا نسَى الخير الذي ولد لأجله والخير الذي عاش فيه زمانًا طويلًا. وسب يوم الميلاد بسبب النكبات التي تحل بنا معناه أننا نخاصم الإله الذي سمح بهذا. والأفضل أن نكره يوم موتنا الروحي الذي تعلمنا فيه طريق السقوط والخطية. ومن سيكون مصيره جهنم مثل يهوذا يحق له أن يسب يوم ميلاده (مت 24:26) وكثيرون سبوا يوم ميلادهم فهكذا فعل إرميا (إر 10:15 + 14:20). ولكن لا يوجد من سب يوم ميلاده الثاني الذي حصل فيه على نعمة البنوة. ولنلاحظ أن أيوب أخطأ حين سب يوم ميلاده وتذمر لكنه لم يجدف على الله كما تصور الشيطان.
آية 2:- "وَأَخَذَ أَيُّوبُ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ:"
آية 3:- "«لَيْتَهُ هَلَكَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَاللَّيْلُ الَّذِي قَالَ: قَدْ حُبِلَ بِرَجُل."
ليته هلك اليوم= هذا تصور شعري فيه يتصور الشاعر أن يوم ميلاده كأنه شخص يموت ويرتعب، ولا يفرح. والمقصود أنه لو هلك يوم ميلاده ما كان قد ولد لهذا الألم الشديد.
آية 4:- "لِيَكُنْ ذلِكَ الْيَوْمُ ظَلاَمًا. لاَ يَعْتَنِ بِهِ اللهُ مِنْ فَوْقُ، وَلاَ يُشْرِقْ عَلَيْهِ نَهَارٌ."
لا يعتني به الله= تمنى لو غضب الله على يوم ميلاده، فاليوم الذي يكرمه الله يكون مكرمًا. ليكن ذلك اليوم ظلامًا= ليحرم من بركة الشمس والقمر وأي مصدر للنور.
آية 5:- "لِيَمْلِكْهُ الظَّلاَمُوَظِلُّ الْمَوْتِ. لِيَحُلَّ عَلَيْهِ سَحَابٌ. لِتَرْعَبْهُ كَاسِفَاتُ ظُلُمَاتُ النَّهَارِ."
كَاسِفَاتُ.. النَّهَارِ = هو استمر في تصوير سواد اليوم متصورًا أن اليوم يصير ظلامًا بسبب كسوف الشمس.
آية 6:- "أَمَّا ذلِكَ اللَّيْلُ فَلْيُمْسِكْهُ الدُّجَى، وَلاَ يَفْرَحْ بَيْنَ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَلاَ يَدْخُلَنَّ فِي عَدَدِ الشُّهُورِ."
فليمسكه الدجى= الدجى أي الظلام الشديد. لا يفرح= يكون حزينًا ففيه ولد أشقَى الناس الذي هو أنا.
آية 7:- "هُوَذَا ذلِكَ اللَّيْلُ لِيَكُنْ عَاقِرًا، لاَ يُسْمَعْ فِيهِ هُتَافٌ."
الليل ليكن عاقرًا= معنى الكلمة المستخدمة موحشًا ومؤلمًا، أي ليلة ميلادي ليلة موحشة كلها ألم. أو أن الليل هذا لا يفرح بأن يكون له مولود أي لا يعقبه ليل مثله.
آية 8:- "لِيَلْعَنْهُ لاَعِنُو الْيَوْمِ الْمُسْتَعِدُّونَ لإِيقَاظِ التِّنِّينِ."
لاعنو اليوم= إشارة للسحرة الذين ادعوا أنهم لهم سلطة على الأرواح والقوات الطبيعية وأنهم قادرين على جعل اليوم "نحس" وكمثال هم لهم سلطان على الكسوف والخسوف وأن لهم معرفة بالأمور المستقبلة. وكانوا إذا قالوا عن يوم أنه مشئوم لا يجوز العمل فيه. وبما أن القدماء لم يعرفوا علة الكسوف والخسوف ظنوا أن حيوانًا وهميًا كان يبلع الشمس أو القمر أو أنه كان يغطيه بالتفافه عليه كحية عظيمة وأن للسحرة سلطة على التنين فيوقظونه أو يسكتونه حينما يشاؤون.
وكان الكهنة المصريين وهم علماء في الفلك، غالبا كانوا يحددون مواعيد الكسوف ويهددون الشعب إذ يخبرونهم أنهم سيجعلون الشمس تختفي عن طريق تنين هم لهم سلطان أن يطلقونه متى أرادوا. فيهابهم الشعب إذ يحدث الكسوف أو الخسوف فعلًا.
المستعدون لإيقاظ التنين = أي السحرة (أو الكهنة) الذين كانوا يهددون بأن يوقظوا هذا التنين الذي يبتلع الشمس ليتحول النهار إلى ظلام هو الكسوف. إذًا ليلعن السحرة يوم ميلادي ليصير مظلمًا بأن يوقظوا التنين ليلتوَّى حول الشمس (التنين= لوياثان) أو يكون المعنى أنه لو لعن السحرة هذا اليوم لاختفى كما تختفي الشمس ولما كنت قد ولدت. وقد وردت كلمة التنين في الإنجليزية لوياثان (راجع أي 1:41) وهو يرمز للشيطان. وبذلك يكون السحرة يستخدمون قوة الشيطان (لوياثان).
آية 9:- "لِتُظْلِمْ نُجُومُ عِشَائِهِ. لِيَنْتَظِرِ النُّورَ وَلاَ يَكُنْ، وَلاَ يَرَ هُدُبَ الصُّبْحِ،"
لا يَرَ هدب الصبح= الهدب هو رموش العين. والمقصود السحب التي تخرج من بينها أشعة الشمس صباحًا التي تحمل معها السرور والبهجة (وهو تصوير شعري).
آية 10:- "لأَنَّهُ لَمْ يُغْلِقْ أَبْوَابَ بَطْنِ أُمِّي، وَلَمْ يَسْتُرِ الشَّقَاوَةَ عَنْ عَيْنَيَّ."
يغلق أبواب بطن أمي= أساس سخط أيوب على نهار وليل ميلاده أنه لم يغلق بطن أمه حتى لا يولد. وهذا القول ما أسخفه ولكن في ثورة الغضب ينطق الإنسان بسخافات عندما يفلت زمامه. فكيف يتمنى إنسان أن لا يولد فيحرم من بركات الله وميراثه السماوي، فأن يسمح الله بأن نوجد فهذا من مراحمه ورضائه علينا. صورة أيوب هنا صورة إنسان يائس تمامًا من أن يرفع الله عنه ضيقته.
كل الآيات السابقة فيها يلعن أيوب يوم ميلاده بطرق شعرية متعددة والمعنى ليته لم يكن. فلو لم يأتي هذا اليوم ما كنت ولدت لأرى هذه الآلام. ويلعن هذا اليوم لأنه ولد فيه ليتألم.
الآيات 11-19:- "لِمَ لَمْ أَمُتْ مِنَ الرَّحِمِ؟ عِنْدَمَا خَرَجْتُ مِنَ الْبَطْنِ، لِمَ لَمْ أُسْلِمِ الرُّوحَ؟ لِمَاذَا أَعَانَتْنِي الرُّكَبُ، وَلِمَ الثُّدِيُّ حَتَّى أَرْضَعَ؟ لأَنِّي قَدْ كُنْتُ الآنَ مُضْطَجِعًا سَاكِنًا. حِينَئِذٍ كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحًا مَعَ مُلُوكٍ وَمُشِيرِي الأَرْضِ، الَّذِينَ بَنَوْا أَهْرَامًا لأَنْفُسِهِمْ، أَوْ مَعَ رُؤَسَاءَ لَهُمْ ذَهَبٌ، الْمَالِئِينَ بُيُوتَهُمْ فِضَّةً، أَوْ كَسِقْطٍ مَطْمُورٍ فَلَمْ أَكُنْ، كَأَجِنَّةٍ لَمْ يَرَوْا نُورًا. هُنَاكَ يَكُفُّ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الشَّغْبِ، وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ الْمُتْعَبُون. الأَسْرَى يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعًا، لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْمُسَخِّرِ. الصَّغِيرُ كَمَا الْكَبِيرُ هُنَاكَ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ."
هنا أيوب في يأسه يتمنى لو كان قد مات عقب ولادته مباشرة. لِمَاذَا أَعَانَتْنِي الرُّكَبُ، وَلِمَ الثُّدِيُّ حَتَّى أَرْضَعَ؟ = الطفل المولود يكون ضعيفًا جدًا. وإن لم تحفظه قدرة الله وعنايته يهلك. والعناية الإلهية وضعت الرحمة في قلوب الأمهات، بل رحمة وشفقة من كل الناس لأي طفل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وتذمر أيوب هنا معناه، وما فائدة هذه الرحمة والشفقة، ولماذا الركب التي حملت عليها [تدليل الطفل على الركب علامة الحنان (تك 23:50 + أش 12:66)] ولماذا أرضعتني أمي، كان الأفضل لكل هؤلاء أن يتركونني أموت صغيرًا من أن أعاني ما أعانيه الآن. ولنلاحظ أن الجحيم هو المكان الوحيد الذي يصلح أن يقال عنه هذا الكلام فهم هناك سيشتهون الموت ولا يجدونه. أما نحن على الأرض فمهما كانت ألامنا، يجب أن يكون لنا رجاء أن الله سيتدخل وينهيها وحتى إن لم يسمح بأن ينهيها فيجب أن يكون لنا رجاء في السماء. ونلاحظ أننا في العهد الجديد لنا إمكانيات أكبر من إمكانيات أيوب في احتمال الآلام بسبب:-
1. التأمل في يسوع المصلوب والمتألم بسبب خطايانا وهو القدوس البار.
2. ثقتنا الأكيدة في حياة المجد الأبدي التي أعدها الله لنا وهذا يعطينا احتمال وصبر. وكانت فكرة القيامة والمجد الأبدي غير واضحة في العهد القديم. لذلك علينا أن لا نلوم أيوب بشدة على كلماته الصعبة.
3. الروح القدس الساكن فينا الآن، وفي كل المؤمنين هو الروح المعزي الذي يعطي عزاء وقت التجربة فمن ثماره السلام الذي يفوق كل عقل. وأيضًا فهمنا أن الآلام هي لكي نكمل، ولذلك فكل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله (رو 8: 28).
أما حالة اليأس والتذمر ضد أحكام الله فتفقد الإنسان سلامه الداخلي، وهي حالة خصام مع الله فيها تزداد حالة الإنسان كآبة فوق ألمه. وهناك من في يأسه يتمنى الموت، ومن الأقوال المشهورة "يا رب فلتأخذني الآن فأنا لا أحتمل" ومن مراحم الله أنه لا يستجيب لأنه لو مات الإنسان في يأسه لهلك. فالإنسان الذي يؤمن بالله ومملوء بالروح القدس، يكون مملوءًا من الرجاء والثقة في الله. وبدون هذا الرجاء نصير أشقَى جميع الناس. يضاف لهذا أن التذمر وعدم الصبر إذا ملأت القلب يحتقر الإنسان مراحم الله وبركاته، وتخرج الإنسان عن صوابه ويصير ناكرًا للجميل. وهذا عكس قول بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فذاك أفضل جدًا". هنا بولس يشتهي أن يرى أمجاد السماء، هو يقول هذا في ملء الرجاء وليس في حالة يأس، والدليل أنه يكمل "لكِنْ أَنْ أَبْقَى.. أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ" فهو يريد أن ينطلق للسماء لكنه في تسليم كامل لمشيئة الله يسلم لله قائلًا "إن أردت يا رب أن تعطيني حياة لأخدمك فليكن ليس كإرادتي بل كإرادتك. قول بولس هنا في (في 23:1، 24) فيه منتهَى التسليم والرجاء ولنلاحظ أننا حين نشتهي الموت لنكون مع المسيح ولكي نتحرر من خطايانا يكون هذا من عمل النعمة. ولكن حين نشتهي الموت لمجرد أن نتخلص من متاعب هذه الحياة كان هذا دليلًا على اليأس وفساد الإنسان الداخلي. وللأسف كانت حالة أيوب هي هذه الأخيرة فهو تصور أنه في موته يستريح مضطجعًا ساكنًا= كان كل ما يطمع فيه أن يهدأ من آلامه وأفكاره وذكرياته المؤلمة. لكنه لو خضع لمشيئة الله لحصل على هذا الهدوء الداخلي. ولنلاحظ أن الحرب الشيطانية ضدنا دائمًا في ألامنا أن نتذمر، دائمًا الشيطان يدفعنا لأن نتذمر وبدون وعي نندفع لآلام أكثر شدة. نمت مستريحًا= الكتاب المقدس يشبه موت المؤمنين بالنوم (دا 2:12 + يو 11:11 + أع 60:7). لأنهم عند موتهم يستريحون من أتعابهم ثم يستيقظون لحياة أفضل، والموت في تعريف الكنيسة هو انتقال لحياة أبدية بعد حياة غربة "ليس موت لعبيدك يا رب بل هو انتقال "أوشية الراقدين" ويسمى نوم لأنه فترة مهما طالت فهي قصيرة. ومن المؤكد سيكون هناك استيقاظ. أما القدماء فلم يعرفوا تمامًا حالة الإنسان بعد الموت كما أعلنت في العهد الجديد، بل ظنوا أن من يموت يذهب إلى الهاوية فيسمونهم أهل الهاوية (الهاوية مكان الموتى) وأهل الهاوية هؤلاء هم أخيلة بلا أجساد وبلا أفراح الحياة (مز 3:88-6 + أش 9:14، 10 + أش 9:38-20) وأيوب كان له نفس الأفكار لكنه حسب الموت أكثر راحة من الآلام التي يعانيها. بل يتمادى في تصوير راحة القبر ويقول مع ملوك ومشيري الأرض= ولنفهم هذا القول نقول أن هناك أشخاص بعد أن يتذوقوا الغنَى والكرامة لا يستطيعوا أن يتحملوا الفقر والذل. وأيوب هنا يتصور أنه لو مات صغيرًا لكان قد مات في كرامة وعظمة مثله مثل ملوك الأرض، أي لو مات صغيرًا قبل أن يرى هذا الذل وهذه الآلام. ولكنه يندب حظه أنه وصل لسن كبير وبعد هذا فقد كرامته. ولكن القبر يسوي بين الجميع الغني والفقير.. إلخ. الذين بنوا أهرامًا= هكذا فعل المصريين لذلك نقول أن كاتب السفر شعرًا عاش في مصر وتأثر بالثقافة المصرية. رؤساء لهم ذهب غالبًا المقصود الذهب والمقتنيات الثمينة التي توضع في القبور مع الشخص المتوفي. والآثار المصرية شاهدة على ذلك. وهم كانوا يدفنون هذه الكنوز مع الميت حفظًا لكرامته، ويتضح المعنى الذي يقصده أيوب من قوله أو كسقط مطمور فلم أكن= السقط المطمور هو الجنين الذي ولد ميتًا. فواضح هنا أنه كان يتمنى لو مات حالما وُلِدَ فلا يرى هذا الذل والألم الذي هو فيه. ثم يسترسل في تصوير حالة الراحة التي يشعر بها أو يتمتع بها الميت فهو سيستريح من نفاق المشاغبين= هناك يكف المنافقون عن الشغب. والمستعبدون يتحررون= الأسرَى يطمئنون. وهذا صحيح إلى حد بعيد، فالموت راحة ونياح، راحة للجسد وراحة للنفس وراحة للروح، ولكن لمن هذه الراحة، هي فقط لمن كان خاضعًا لله في رجاء.
الآيات 20-26:- "«لِمَ يُعْطَى لِشَقِيٍّ نُورٌ، وَحَيَاةٌ لِمُرِّي النَّفْسِ؟ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ وَلَيْسَ هُوَ، وَيَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ الْكُنُوزِ، الْمَسْرُورِينَ إِلَى أَنْ يَبْتَهِجُوا، الْفَرِحِينَ عِنْدَمَا يَجِدُونَ قَبْرًا! لِرَجُل قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُهُ، وَقَدْ سَيَّجَ اللهُ حَوْلَهُ. لأَنَّهُ مِثْلَ خُبْزِي يَأْتِي أَنِينِي، وَمِثْلَ الْمِيَاهِ تَنْسَكِبُ زَفْرَتِي، لأَنِّي ارْتِعَابًا ارْتَعَبْتُ فَأَتَانِي، وَالَّذِي فَزِعْتُ مِنْهُ جَاءَ عَلَيَّ. لَمْ أَطْمَئِنَّ وَلَمْ أَسْكُنْ وَلَمْ أَسْتَرِحْ، وَقَدْ جَاءَ اَلرُّجْزُ»."
هنا ينتقل لفكرة جديدة وهي إذا سمح الله بأن أولد وإذا سمح بأن أكبر حتى الآن فلماذا يسمح بأن أعيش الآن وأنا متألم= لِمَ يُعْطَى لِشَقِيٍّ نُورٌ = الشقي هو المتألم، هو الذي يحيا في شقاء، والتساؤل هنا لماذا يعطي له نور أي حياة تنفتح فيها عيني المتألم كل يوم ليرَى نور الشمس ويبدأ يومًا جديدًا في رحلة آلامه. فالنور في نظره هنا لا فائدة منه إلا أن يرى به آلامه. ويتمنى أيوب أن لا يرى النور ثانية أي يموت، بل هو يبحث عن الموت مثل كنز ولا يجده. ومن كلام أيوب نتصور أن الانتحار كان فكرة مرفوضة فأيوب كان يبحث عن الموت على أن يكون بيد الله وإرادته وليس بيده هو. وخطأ الفكرة أن يشتهي الإنسان الموت بسبب آلامه، أن بقاء الحياة ونهايتها شيء راجع لمشيئة الله وليس إلى مشيئة الإنسان، وحكمة الله وقضائه لا تقاس بحكمة الإنسان (رو 33:11-36). المسرورين إلى أن يبتهجوا، الفرحين عندما يجدون قبرًا = تترجم هكذا "الذين يفرحون إلى الابتهاج ويستبشرون إذا وجدوا قبرًا. أيوب هنا يتصور أن المتألم مثله يفرح بخبر الموت ويبتهج حين يجد قبرًا يدفن فيه.
ملحوظة:- إن كان هذا الكلام قد قيل عن الموت وراحته والفرح به من رجل عاش في العهد القديم لا يفهم معنى أفراح الحياة الأبدية وأمجادها فماذا يقول من عاش في مفاهيم العهد الجديد.
ويشرح أيوب سبب رغبته الشديدة نحو الموت فيصور حاله قائلًا:
رجل قد خفي عليه طريقه= أي أصابته مصائب لا يقدر أن يفهمها. سيج الله حوله= المشاكل التي أصابه بها الله صارت كسور (سياج) حوله، وصار داخلها مثل سجين لا يرى بابًا للنجاة، وخفي عليه طريق الهرب أو الخروج من هذا السياج مثل خبزي يأتي أنيني= حسب الترجمة اليسوعية "التنهد صار طعام لي" وحسب الترجمة الإنجليزية "قبل أن آكل يأتي أنيني" أي كلما كان يبدأ الأكل تأتيه التنهدات فلا يأكل. مثل المياه تنسكب زفرتي= تأتي كأمواج متلاحقة. "زفرتي" تُرْجِمَت في الإنجليزية "زئيري".
الآيات 26،25:- "لأَنِّي ارْتِعَابًا ارْتَعَبْتُ فَأَتَانِي، وَالَّذِي فَزِعْتُ مِنْهُ جَاءَ عَلَيَّ. لَمْ أَطْمَئِنَّ وَلَمْ أَسْكُنْ وَلَمْ أَسْتَرِحْ، وَقَدْ جَاءَ اَلرُّجْزُ»."
لها معنيين: الأول:- وهو في آلامه كان في رعب دائم من أن تأتي عليه آلام أخرى أشد، وما كان يخاف منه ويرتعب كان يحدث وكانت الآلام تزداد فكان في رعب دائم وألم دائم. وقد جاء الرجز= الألم والاضطراب.
والمعنى الثاني:- أنه في أيام راحته لم يكن يشعر باطمئنان بل كان في رعب من أن تزول عنه نعمته ورخائه، وما كان يرتعب منه ها هو قد حدث. وإن صحّ المعنى الثاني يكون هذا عيب جديد في أيوب فهو لم يكن في سلام كامل مع الله بل كان متخوفًا من المستقبل، وهذا يعني عدم الثقة في أن الله صانع خيرات يحب أولاده ولا يسمح لهم بأي ضرر.
وأيوب في كل هذا لم يجدف على الله بل تذمر من الوضع السيئ الذي كان فيه ولكنه بكلامه المتذمر الذي وضح فيه اعتراضه على مشيئة الله فتح باب المناقشات مع أصحابه حول هذه الاعتراضات.
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، أن القدماء المصريين أول من اكتشفوا ظاهرة كسوف الشمس وخسوف القمر وحددوا مواعيد لكل منها وليس العالم الهولندي جودريك عام 1783 كما هو مدون بكتب علم الفلك.
وقال ريحان: إن كهنة معبد آمون في سيوة نبهوا الجنود لهذه الظاهرة عند محاربتهم لجيوش داريوس الفارسية حتى لا يصاب الجنود بذعر عندما تفاجئهم الظاهرة وأوضحوا لهم أنها تعبير عن غضب الإله على جيش العدو، وذلك طبقا لما جاء في كتاب الدكتور سيد كريم "لغز الحضارة المصرية".
وأضاف أن رسم الزودياك zodiac الذي يغطي سقف بهو الأعمدة بمعبد دندرة "معبد حتحور معبودة الجمال والحب والسعادة حارسة قبة السماء ونجومها" الذي يعود لعام 50 ق.م. يجسد هذه الظاهرة، وقد نقل السقف والقبة إلى المكتبة العامة بباريس خلال الحملة الفرنسية وموجود حاليا بمتحف اللوفر، موضحا أن هذا الرسم يمثل مجسدا لقبة السماء وزعت حولها في توزيع دائري البروج الاثني عشر بأسمائها المعروفة في العالم أجمع حتى الآن "الحمل والثور والتوأمان والسرطان والأسد والعذراء والميزان والعقرب وحامل القوس والجدي والدلو والحوت" بنفس ترتيبها وعلاقتها بأشهر السنة الشمسية.
وأشار إلى أنه قد حدث كسوف للشمس في رسم زودياك معبد دندرة في 7 مارس عام 51 ق.م وصور الكسوف الشمسي على هيئة المعبودة إيزيس وهي تمسك القرد تحوت من ذيله في محاولة لإيقاف القمر من إخفاء الشمس(2)، كما حدث خسوف للقمر في 25 سبتمبر عام 52 ق.م وتم تصويره على هيئة عين الأوجات الكاملة لأن خسوف القمر يظهر فقط عندما يكون القمر بدرًا أي كاملًا، وهي عين المعبود الصقر حورس التي فقدت في أحداث صراعه مع ست والتي شفيت بمساعدة جحوتي، وقد أشير للشمس والقمر بأنهما عينا حورس.
وأكد ريحان أن القدماء المصريين أول من اكتشفوا أسرار السماء ووضعوا دراسات وخرائط كاملة للقبة السماوية ودورة أفلاكها وحركة كواكبها وأنهم أصحاب أول تقويم في تاريخ البشرية، والذي أطلق عليه "التقويم النيلي"، مُشيرًا إلى أن السنة النيلية كانت تتكون من 12 شهرا بكل شهر 30 يوما والسنة 360 يومًا، ثم قام كهنة معبد أون خلال الأسرة الثالثة بتصحيح السنة النيلية بإضافة 5 أيام التي ولد فيها المعبودات الخمس أوزوريس وإيزيس وست ونفتيس وحورس، وما زالت أسماء الشهور المصرية القديمة تستخدم حتى الآن مع بعض التحريف وهو ما يطلق عليه السنة القبطية التي تبدأ بشهر توت وهو تحوت أما الأيام الخمسة المنسية فهي ما يطلق عليها في التقويم القبطي بأيام النسيء.
وأوضح ريحان أن القدماء المصريين أول من اكتشفوا التقويم القمري والشهور والأيام القمرية وهو تقويم أوزوريس وحراسه الـ28 الذين يمثلون أسماء أيام الشهر وهلاله، وأطلق على البدر اسم أوزوريس نفسه وأطلق فيه على كل شهر اسمًا من أسماء المعبودات وعبر فيها عن الشهر برمز الهلال وعند استبدال التقويم القمري بالتقويم الشمسي بقى التعبير عن كلمة شهر في التقويم النيلي والتقويم الشمسي برسم الهلال فوق اسم الشهر.
واعتبر أن كشف ظاهرة كسوف الشمس ليس بغريب على قدماء المصريين الذين اكتشفوا التقويم الشمسي والقمري وهم أول من اخترعوا المزولة لقياس الزمن في ساعات النهار "الساعة الشمسية" ونقلها عنهم بقية الشعوب، كما اخترعوا قامات الرصد لحساب ساعات الليل برصد النجوم وتحركاتها في السماء، واخترعوا الساعة المائية لحساب ساعات اليوم بأكمله ليلًا ونهارًا، كما فسّر المصري القديم علاقة الشمس بالقمر ودورته حولها وانعكاس نورها على سطحه وعلاقته بتدرج شكل القمر من الهلال إلى البدر.
ولفت إلى أن القدماء المصريين اكتشفوا ما وراء الشمس والقمر وهي الكواكب الخمسة السيارة التي لا تستريح وأطلقوا عليها خدام الشمس التي تدور حولها ولا تغفو لحراستها وهي عطارد والزهرة والمريخ والمُشْتَرِي وزحل، وهم أول من جمعوا النجوم في مجموعات ورمزوا إليها بصور ورسموا لها خرائط ووضعوا لها رموزًا وأسماء، كما عرفوا المذنبات ومداراتها فقد سجلوا ظهور ودورة المذنب هالي في برديات في عهد تحوتمس الثالث.
_____
(1) جاء هذا المقال في "جريدة المصري" اليوم بتاريخ السبت 2/11/2013. وتم نقل المقال كما هو دون تعديل.
(2) توضيح من الموقع: عند الضغط على الصورة الأخيرة بالمقال (الرسم التخطيطي الذي يصور دائرة البروج الفلكية لمعبد دندرة)، ستجد الصورة المقصود لإيزيس وهي تمسك بذيل تحوت في دائرة أعلى يسار الصورة (بجانب المنتصف، أسفل شكل السمكة).
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أيوب 4 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أيوب 2 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ts5xg9v