محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18
آيات 1-4 يشير فيها الرسول إلى خطورة إهمال استعلان الله لابنه.
آية 1: "لِذلِكَ يَجِبُ أَنْ نَتَنَبَّهَ أَكْثَرَ إِلَى مَا سَمِعْنَا لِئَلاَّ نَفُوتَهُ."
حديث بولس الرسول عن سمو المسيح بالنسبة للملائكة ليس حديثًا نظريًا بل له عمق روحي. فمن يهمل خلاصًا هذا مقداره فكم تكون عقوبته. إذا كان المسيح أسمى بكثير من الملائكة فيجب أن ننتبه لكلامه وكلام تلاميذه في الكرازة بالإنجيل.
لئلا نفوته = لئلا بسبب عدم اليقظة والانتباه يجرفنا التيار وننزلق بعيدًا عن المسار الصحيح للكنيسة التي تسير في طريق الملكوت.
آية 2: "لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً، وَكُلُّ تَعَدٍّ وَمَعْصِيَةٍ نَالَ مُجَازَاةً عَادِلَةً."
تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ
= حسب التقليد اليهودي وهذا أكده بولس الرسول وإستفانوس (أع53:7) + (غل19:3). ومخالفة الناموس لها مجازاة وعقوبة (عب28:10). قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً = تحقق أن كلمات الناموس حقيقية وتحقق ثبوتها على مستوى الالتزام القانوني وكل مخالفة لها عقوبة. أي صارت قانونًا نفذه الآباء لأجيال طويلة وعاقبوا بمقتضاه المخالفين بالإضافة للنبوات التي تحققت.معصية = رفض الوصية في القلب وعدم السماع لها. تعد = الاستمرار في العصيان وتنفيذه.
آية 3: "فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصًا هذَا مِقْدَارُهُ؟ قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا."
في منتهى الخطورة أن نظهر العصيان للإنجيل الذي دعا إليه الرب نفسه وهذا في مقابل الناموس الذي تكلم به ملائكة. ثم تثبت لنا = أي الخلاص تثبت لنا وتبينت لنا صحته وحقيقته وقيمته بواسطة الرسل الذين استمعوا من الله مباشرة.
آية 4: "شَاهِدًا اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ."
الله أكد صحة كرازة الرسل بمعجزات سمح الله أن يصنعوها بواسطة الروح القدس.
آيَاتٍ = مثل إقامة بطرس وبولس لأموات وهذا أثبت أن الموت ليس بالعدو الذي لا يقهر. أضف لهذا أن الآية هي معجزة تظهر حقيقة أو طبيعة من عملها، لذلك كانت الآيات التي صنعها المسيح شاهدة بألوهيته وأنه من عند الآب، والآيات التي صنعها الرسل من بعده شاهدة بصحة إرساليتهم. قال الرب لليهود "تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم" (يو6: 26). والرب يقصد أنكم ما جئتم لأنكم عرفتم حقيقة من أنا فآمنتم، بل أتيتم سعيا وراء الشبع بالماديات.
عجائب = تشير للسلطان فوق الطبيعة مثل انتهار الرياح والسير فوق الماء.
قوات متنوعة = مثلما أقام بطرس الأعرج أمام الهيكل.
مواهب الروح = مثل النبوات والألسنة للإعلان عن الخليقة الجديدة السماوية وبهذا يتثبت أن الخلاص هو من الله. وهدفه خلق إنسان جديد بالروح القدس.
آية 5: "فَإِنَّهُ لِمَلاَئِكَةٍ لَمْ يُخْضِعِ الْعَالَمَ الْعَتِيدَ الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ."
يجب أن ننتبه كثيرًا لنعرف من هو هذا الذي كرز لنا بالخلاص . لأن الله لم يُخْضِع للملائكة العالم الجديد الذي عَيَّن أن يؤسسه بواسطة المسيا الذي نتكلم عنه الأن.
الآيات6-8: "لكِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعٍ قَائِلًا: «مَا هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ؟ أَوِ ابْنُ الإِنْسَانِ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَضَعْتَهُ قَلِيلًا عَنِ الْمَلاَئِكَةِ. بِمَجْدٍ وَكَرَامَةٍ كَلَّلْتَهُ، وَأَقَمْتَهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. أَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ». لأَنَّهُ إِذْ أَخْضَعَ الْكُلَّ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا غَيْرَ خَاضِعٍ لَهُ. عَلَى أَنَّنَا الآنَ لَسْنَا نَرَى الْكُلَّ بَعْدُ مُخْضَعًا لَهُ."
راجع مع (مز4:8-6). ولقد قال داود النبي هذا المزمور قاصدًا أن الله خلق الإنسان وأعطاه سلطانًا على الخليقة ولما فقد السلطان بسبب الخطية أعاده المسيح له ثانية بصليبه. ولكن بولس الرسول رأى في هذه الآيات أن المسيح هو المقصود وأنه في تجسده وضع قليلًا عن الملائكة، بسبب آلامه وإهانته وصلبه وموته، كان كأنه أقل من الملائكة. ولكنه فعل هذا ليقدس الإنسان ويعيده للمجد السماوي و ليخضع العالم لله أبيه. وفي آية (6) يتعجب داود من هو الإنسان حتى تصنع له كل هذا وتفتقده. وفي 7 يشير داود أن الله وضع الإنسان قليلًا عن الملائكة ولكنه أعاده لمجده. لكن كما قلنا فهذه الآية رآها بولس الرسول أنها تشير لتجسد المسيح و اتضاعه ثم تمجيد الآب له (يو12: 28). ورأى بولس فيها أن الآب أعطاه مجدًا و كرامة بجسده المتحد بلاهوته وملَّكه على كل الخليقة. وفي (8) يقول أن الآب أخضع كل شيء له. ولكننا نرى هناك استثناء أي الإنسان، فنحن نرى أن ليس كل البشر قد عرفوا المسيح وخضعوا له، بل هم طاردوه وصلبوه، بل حتى الآن يرفضون الإيمان به والخضوع له. الإنسان هو الخليقة الوحيدة التي تتمرد على الله.
1. قوات الشر في يوم الدينونة ستخضع خضوع الهزيمة الكاملة التي ستتحقق يوم الدينونة العظيم حيث يخضع إبليس وكل جنوده وينهزم الموت تمامًا.
2. خضوع الابن لأبيه:
أ. من ناحية اللاهوت فهو كابن واحد مع أبيه في اللاهوت يحمل إرادة واحدة مع أبيه.
ب. خضوع الابن لأبيه الذي يشير له الرسول في (1كو24:15–28) والذي يقول "أن الابن سيخضع" ، فهذا لا يعني أن الابن ليس خاضعًا الآن. بل المقصود أن الابن إذ حمل طبيعتنا البشرية وصار ممثلًا عنا، وصار هو رأس الجسد (الكنيسة) وصرنا نحن جسده أي أعضاؤه . ونحن الآن ما زلنا غير خاضعين تمامًا (كو1: 24). والبشرية لم تخضع حتى للناموس المُسَلَّم
للملائكة ثم لموسى. ولكننا الآن نحسب مطيعين فيه، هو يكمل نقائصنا إن ثبتنا فيه. هو يملك علينا بصليبه ويتسلط علينا مجددًا طبيعتنا. طاعته لأبيه تحسب لنا حينما أطاع حتى الموت موت الصليب، هو خضع للآب كنائب عنا. خضع لأبيه لنحسب فيه أبناء طاعة. وحين يكتمل جسد المسيح بنهاية هذا العالم يقدم الخضوع للآب بجسده أي كنيسته نازعًا منها تمامًا طبيعة العصيان وتكون كنيسته خاضعة للآب تمامًا وهذا ما يعنيه خضوع الابن للآب. المسيح الابن الوحيد كرأس للكنيسة يعيد الكنيسة جسده خاضعة للآب كما أرادها الآب منذ البدء. فالله خلق الإنسان لأنه يحب الإنسان، وكعلامة لمحبته للإنسان فاض عليه من خيراته في الجنة، جنة عَدْنْ = الفرح. وكان الله يتمنى أن يحبه الإنسان لأنه هو أحب الإنسان أولًا. وكعلامة لهذا الحب يثق فيه ويطيعه. وحدث العكس فمات الإنسان لأنه لم يثق في كلام الله. وكان الفداء الذي به أعاد الابن الصورة كما أرادها الله منذ البدء.ت. حينما تخضع الخليقة لخالقها تنعم بإكليلها الأبدي.
آية 9: "وَلكِنَّ الَّذِي وُضِعَ قَلِيلًا عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلًا بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ."
المسيح مات لفترة محدودة فصار بذلك أقل من الملائكة لأن الملائكة لا تموت. ولكننا نراه بعد قيامته وقد تكلل بالمجد والكرامة وجلس عن يمين العظمة الإلهية.
يذوق = أولًا لأنه لم يبقى ميتًا سوى وقت قصير ثم قام، وثانيًا فكلمة يذوق تشير أنه فعل هذا حتى لا نرهب الموت. دخله قبلنا. كطبيب يتذوق الدواء وهو غير محتاج للدواء ليعطي ثقة للمريض (ذهبي الفم). وهو تذوقه بنعمة الله = قبل أن يتذوق الموت لأجلنا من أجل محبته وهذه المحبة العاملة كانت من نعمة الله علينا.
لأجل كل واحد = أي أن المسيح مات لأجل العالم وليس عن المؤمنين فقط. وقوله لأجل كل واحد وليس عن كل واحد فهذا يشير لأن هناك شرط آخر لكي أنتفع بموته هذا وهو الإيمان والموت معه، فمن لا يموت مع المسيح لا يقوم معه (معمودية + توبة).
آية 10: "لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ، أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ."
لاَقَ
= هذه تفيد أن عمل الفداء كان هو منتهى المناسبة، لائق بعظمة الله ومحبته وسعة قلبه ورحمته وأبوته الحانية ، وليس الحب فقط بل وحكمة الله.*
فلقد ظهر بالصليب معنى أن الله محبة "ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو15: 13)، فلقد رأينا صورة ناطقة لمعنى الحب وبذل الذات حتى آخر نقطة دم.* وما حصلنا عليه من خلاص ومصالحة وبر يشهد لحكمة الله التي تفوق الحد، فلقد رأينا على الصليب صورة عجيبة لكيفية حل مشكلة اتفاق عدل الله ورحمته في وقت واحد، وهذا ما عبَّر عنه المرنم في قوله "الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما" (مز85: 10) مع ملاحظة أن كلمتي العدل والبر هما كلمة واحدة في العبرية. فمن العدل أن يتم تنفيذ حكم الموت في الخاطئ، ومن الرحمة أن يعفو الله عن الخاطئ. وكان الصليب هو الحل إذ حمل المسيح ابن الله العقوبة عنا.
* وكان من اللائق أن الله لا يترك خليقته التي خلقها لتحيا وتفرح وإذ بها تموت، فيفشل قصد الله. فكان تدبير خلاصه للجنس البشري ليقود أناسًا كثيرين للمجد.
مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ
= الله هو الذي صنع كل شيء لمجد اسمه (إش43: 7)، هو غاية كل شيء، هو العلة الوحيدة لكل ما هو موجود. وكل موجود موجود به وله. هو يوجه كل الأشياء إلى نهايتها وكمالها لمجد اسمه. فكان قصد الله أنه يخلق الإنسان ليحيا أبديا في مجده ، فيعكس الإنسان مجد الله فيه. فهل كان من اللائق أنه بعد أن يخلق الإنسان يتركه ليموت للأبد. وكان ما عمله المسيح أنه أعاد للإنسان صورة المجد بجسد ممجد على صورة جسد مجده (فى3: 21) فيتحقق قصد الله في أن يعكس الإنسان صورة مجد الله (1يو3: 2) نحن سنعكس مجده لأننا سنراه كما هو.وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ
= لم يتركنا للموت بل جددنا بابنه بأن سمح بآلام ابنه وموته.بِأَبْنَاءٍ
= هو ابن ونحن أبناء لكن هو يُخَلِّص ونحن به نَخْلُص. هو ابن بالطبيعة ونحن أبناء بالتبني، نحن صرنا أبناء فيه وسنستمر أبناء إن ثبتنا فيه (يو15: 4).يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ
= أي أن المسيح صار كواحد من البشر تمامًا حينما أحتمل الآلام. فالآلام صارت من نصيب البشر بسبب الخطية. ويمكن لنا أن نقول بلغة القداس الغريغوري "أنا اختطفت لي قضية الألم" بخطيتي، والمسيح حتى يشابهنا في كل شيء احتمل الآلام هو أيضًا، بل هو في ألامه بلغ أكملها لتعادل ما وصل إليه الإنسان من بشاعة بسبب خطيته. هو استكمل الآلام اللائقة بخلاصنا. وكمال ألامه ارتد علينا بكمال تقديسنا وبه صرنا مكملين (عب12:10–14). رَئِيسَ = علة وأساس خلاصنا بصليبه.المسيح يكمل بالآلام ليصير شبيه بالإنسان المتألم تمامًا.
ويسمح بالآلام لنا لنكمل ونتنقَّى فنصير
شبهه وعلى صورته (غل19:4) + (1بط6:1، 7 + 1:4). فنحن ورثنا إنسانا عتيقا داخلنا ميالا للشر والخطية، والله في محبته يؤدبنا كما يؤدب الأب الحنون ابنه. فالآلام وسيلة لتقويم نفوسنا المتمردة، التي تريد أن تفعل إرادتها رافضة لوصايا الله، ووصايا الله هي التي تقودنا للحياة. وكلما تأدبنا نتنقى فنقترب من صورة المسيح البار النقي. وهذا معنى "البسوا الرب يسوع المسيح" (رو13: 14).المسيح يكمل بالآلام ليشابهنا في كل شيء حتى الآلام. فالآلام تقع على الإنسان كنتيجة للخطية، والمسيح بلا خطية، فما كان له أن يتألم. ولكنه اختار أن يتألم ليشابهنا في كل شيء ما عدا الخطية وحدها. ونحن نتألم لكي نتكمل (1بط4: 1) فنشبهه في قداسته.
آية 11: "لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً."
الْمُقَدِّسَ = هو المسيح. وَالْمُقَدَّسِينَ = أي المسيحيين. هم الأبناء في الآية السابقة فالمسيح يقدس والأبناء يتقدسون. هو يقدسنا بأن نصير أعضاء في جسده أي أغصان في الكرمة متحدين به، لنا حق القيامة والخلاص خلال إتحادنا بالمسيح وأخوتنا له وهو الحامل لجسدنا. خطيتنا لا يمكن أن تقترب إليه لكن قداسته تقدسنا. ولنا حق التمتع بروحه القدوس ساكنًا فينا يأخذ سمات المسيح المقدسة ليسكبها فينا لنصير نحن مقدسين فيه. مُقَدَّسين = أي مكرسين مخصصين ليكونوا أعضاء في جسد المسيح. ومن يتحد بالمسيح ويصير عضوا في جسده، يمتلئ بالروح، وهذا يظهر في:-
1. عمل الروح المستمر طوال الحياة في تجديد هذا الإنسان.
2. ثمار الروح (غل5: 22 ، 23). ومن يفرح يسبح الله على عمله (مز 22).
لاَ يَسْتَحِي = هو لن يستحي منهم بعد أن قدسهم وغسلهم بدمه وجعلهم جسده، وكنيسته عروسه التي بلا عيب فيها ولا غضن. مِنْ وَاحِدٍ = الآب أبيه بالطبيعة وأبونا بالتبني (يو17:20) وصار للمسيح جسد كجسدنا من آدم. صار للمسيح ولنا جسد بشري واحد. وبإتحادنا بالمسيح الابن، والابن في الآب، بهذا يحملنا المسيح الابن إلى حضن أبيه ويحقق إرادة الله في الخليقة من البدء (راجع تفسير يو17: 20 - 24).
آية 12: "قَائِلًا:«أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ»."
هذا النص مقتبس من المزمور الماسياني 22 الذي يتحدث عن الصليب وبدايته "إلهي إلهي لماذا تركتني". فبالصليب تأسست الكنيسة التي رأسها المسيح. والمسيح في وسط كنيسته دائمًا، بل آخر مشهد رأيناه في (مت29:26، 30) المسيح يسبح مع تلاميذه.
وكان تسبيح المسيح مع تلاميذه بعد تأسيسه لسر الإفخارستيا (سر الشكر) فالتلاميذ ما كانوا فاهمين ما حدث وماذا أعطاه لهم المسيح، لقد أعطاهم سر الحياة الأبدية. وهو يقدم معهم التسبيح والشكر بالنيابة عنهم فهم لم يدركوا ما أخذوه. وبنفس المنطق تسبح الكنيسة في أثناء التوزيع لتشكر وتسبح على سر الحياة الذي حصلنا عليه.
المسيح يقود قلوبنا للتسبيح، فحين نتقدس يلهج فمنا بتسبيح الآب الذي أدركنا محبته وأسراره الإلهية غير المدركة. أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ = (مز22:22، 25) الاسم هو اسم الآب (يو6:17). والاسم هو تعبير عبري عن الشخص، فالمسيح أعلن الآب لنا، وحينما ندرك عظم محبة الآب، علينا أن نسبحه . وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ = المسيح في وسط الكنيسة دائمًا (مت18: 20) أُسَبِّحُكَ = المسيح كرأس للكنيسة أعلن للكنيسة اسم الآب أي أعلن ما لم يكن معلنًا (يو1: 18). أعلن لنا محبة الآب. والروح القدس الآن يشهد لنا عن حب الآب فنسبحه. المسيح كرأس للكنيسة يقول أسبحك. فالمسيح بعد أن أخذ جسدنا أصبح يتكلم بلغة البشر. والمسيح يسبح في (مت29:26، 30) بعد تأسيس سر الإفخارستيا ويشكر في تأسيس السر لأننا حقيقة لا ندرك ما حصلنا عليه من حياة ومجد بسبب هذا السر. المسيح بفدائه اتحد بنا، وبسبب هذا الإتحاد سكن فينا الروح القدس، والروح القدس يفتح أعيننا على من هو المسيح وما عمله المسيح، ويضع الروح القدس كلمات التسبيح والشكر على ألسنتنا وفي قلوبنا إذ أدركنا ورأينا بقلوبنا عظم ما عمله المسيح لنا.
آية 13: "وَأَيْضًا:«أَنَا أَكُونُ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ». وَأَيْضًا:«هَا أَنَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمِ اللهُ»."
أَكُونُ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ
= وهو بناسوته كان متوكلًا على أبيه. هكذا المسيح كرأس للكنيسة يتكلم بلغتها، هنا يظهر أنه بعمله الفدائي أعاد الكنيسة للخضوع والاعتماد على الآب. بل أعاد الكنيسة لحضن الآب وهذا القول مأخوذ من (مز18: 2)، (إش12: 2). هَا أَنَا وَالأَوْلاَدُ = (إش8: 18). هنا المسيح يظهر نفسه أبًا كما أظهر نفسه أخًا من قبل وقوله أولاد فهو الذي بفدائه أتى بنا كما قال بولس الرسول لأهل غلاطية "يا أولادي الذين أتمخض بكم ..." (غل 4: 19). ويقول لأهل كورنثوس "لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" (1كو4: 15). الآيات (11–13) نرى المؤمنين كإخوة للمسيح، بل المسيح يتكلم على لسانهم كواحد منهم.
آية 14: "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ."
هنا نرى كيف حدثت هذه الأخوة، بأن شاركنا المسيح في اللحم والدم. والسبب في أنه أخذ جسدنا حتى يمكن له أن يموت ومن داخل الموت يتعامل مع الموت ويدوسه. أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له (التسبحة) أخذ الجسد منا وحمل خطايانا ليعطينا بره. أخذ موتنا ليعطينا حياته. ونلاحظ أن إبليس انهزم بنفس سلاحه أي الموت. إن سلطان إبليس يتضح في الخطية وعاقبة الخطية هي الموت، ولكن بموت المسيح قد حررنا من الموت كعقاب على الخطية أي حررنا من سلطان إبليس. المسيح قاتل الشيطان بالسلاح الذي قاتلنا به وغلبه، فهو لم يحاربه بعزة عظمته بل بضعف طبيعتنا وبموته بالجسد. فالجسد كان متحدًا بلاهوته الحي الذي لا يموت. وظل متحدًا به حتى في موته بالجسد، إذ انفصلت الروح عن الجسد، ولكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن جسده في القبر ولا عن روحه التي ذهبت للجحيم تنقذ الأبرار. وظل هذا الإتحاد بين الناسوت واللاهوت بسبب بر المسيح بالجسد فهو كان بلا خطية.
آية 15: "وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ."
يعتق = كنا جميعًا تحت العبودية لا سلطان لأحد منا أن يدوس الموت أو يتحرر من أسر إبليس ولكن المسيح حررنا (لو1: 74) + (رو8: 15) + (2تى1: 7).
خوفًا من الموت كانوا... تحت العبودية = هناك من يعيش في رعب خوفًا من الغد ومن العوز فيعيش مهمومًا. وهناك من يعيش في عبودية خوفًا من الموت. وهناك أغنياء خائفين على أموالهم يعيشون والسلاح تحت وسادتهم خوفًا من الموت فهم مستعبدين للرعب. وهناك من يرتعب من المرض خوفًا من الموت. وهناك من بسبب الخوف من الفقر والعوز يجري وراء المال فيستعبده المال. وهناك من يجحد إيمانه خوفًا من الموت فيستعبده إبليس وهناك من يخطئ ويحلف زورًا ويغير ذمته خوفًا من الموت. هي عبودية للشيطان خوفًا من الموت في صوره المختلفة ومنها العبودية للقلق أو للاضطراب أو للمال أو للشيطان مباشرة.
والمسيح حررنا بأن أنهى سلطان الموت، والآن من لا يخاف الموت يصير خارج دائرة طغيان إبليس. ومن لا يخاف أحدًا يصير أكثر حرية من الجميع.
ولاحظ أن بولس الرسول يكلم هنا العبرانيين الذين من خوفهم من اليهود يفكرون في الارتداد.
آية 16: "لأَنَّهُ حَقًّا لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ."
هو تشارك في اللحم والدم حتى يمسك نسل إبراهيم (إش8:41، 9). فالله كما أمسك إبراهيم ليبدأ في تكوين شعب إسرائيل لبدء عملية الخلاص، كذلك هو يمسك بنسل إبراهيم لينفذ عملية تكميل الخلاص. يُمْسِكُ = بمعنى يساعد ويعين = يمسك شخص لينقذه قبل أن يسقط في هاوية فيهلك. ولأن طبيعة الإنسان كانت هاربة منه بعيدًا لا تريد الالتقاء به فاقتفى أثرها وأمسك بها بتجسده. وفي محبة ورعاية أمسك بطبيعتنا إذ حمل ناسوتنا فيه ليعطيه إمكانيات جديدة. وهو لم يأخذ طبيعة الملائكة لأنه أخذ جسدًا والملائكة ليس لها جسد. فلو قصد أن يعين الملائكة لما أخذ جسد إنسان. ولكن أتى ليعين نسل إبراهيم. يُمْسِكُ = هي شهوة قلب المسيح التي عبر عنها في (نش7: 8) قائلًا "قلت إني أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها". والعذوق هو جريد النخلة الرخص إشارة لأولاد الله. لاحظ أن مشقة صعود النخلة فيه إشارة للآلام التي تذوقها المسيح ليأتي بنا إلى حضن أبيه.
آية 17: "مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ."
قارن مع (عب4: 15+1:5، 2). نرى هنا أن شفاعة المسيح عنا تحمل عاطفة ورأفة فهو يشعر بآلامنا إذ كان إنسانًا مثلنا. المسيح ليساعد الجنس البشري شابهه في كل شيء ما عدا الخطية وحدها ليصير رئيس كهنة يترفق بالضعاف.
رَئِيسَ كَهَنَةٍ = كان الكهنة حينما يأتي الخاطئ إليهم تائبًا معترفًا، يأخذون منه الحيوان البريء الذي حمل خطية الإنسان - الذي اعترف الخاطئ بخطيته ممسكا بالحيوان البريء فانتقلت خطيته للحيوان البريء - ويقدمونه ذبيحة فتغفر خطيته ويصير مقبولا أمام الله. وهذا ما فعله المسيح الذي قدم ذبيحة نفسه عنا، حاملا خطايانا. فصار رئيسا لكهنة العهد الجديد. حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ = يغطينا بدمه فنصير مقبولين أمام الله.
أَمِينًا فِي مَا ِللهِ = نحن شعب الله الذين مات المسيح عنا ليعيدنا كراعٍ صالح أمين إلى حظيرة الله. يريد أن لا يفقد خروفًا واحدًا من خراف الله الضالة.
آية 18: "لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ."
صار كطبيب عانى من المرض نفسه فهو يعالج المرض بخبرة وعطف وشفقة.
← تفاسير أصحاحات عبرانيين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير عبرانيين 3 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير عبرانيين 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8vkqxa7