محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22
آيه1: "كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلًا وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ."
أرض عوص= على حدود بلاد أدوم وبلاد العرب شرق البحر المتوسط وشمال خليج العقبة بالبحر الأحمر ونلاحظ أن السبئيين هم قبيلة سكنت بلاد العرب والكلدانيين، وكانت أرضهم أولًا بين سوريا ونهر الفرات قبل أن يستقروا في بابل. والصديق أليفاز التيماني صاحب أيوب كان من أدوم فتيمان من بلاد أدوم. وراجع (مراثي 21:4) وقد اشتهرت أرض عوص بالحكمة. لذلك كان أصحاب أيوب من جيرانه الأدوميين والعرب. فأيوب لم يكن إسرائيليًا لا هو ولا أصدقاؤه. فالله اختار إسرائيل ليأتي منهم المسيح ولكن ليس معنى هذا أن الله قصر تعامله على إسرائيل وترك باقي العالم (راجع نقطة رقم 7 في المقدمة).
اسمه أيوب= الاسم له أكثر من تفسير:-
1) أنه رجل يحزن ويئن؛
2) قيل أنه مشتق من الفعل العربي آب أي رجع ويكون معنى الاسم رجع وتاب.
كاملًا= كمالًا نسبيًا بالنسبة لمن هم حوله، هو أفضل ممن حوله. كطالب في الابتدائي حصل على 100% ولكنه لا يفهم في دروس الثانوي. وأيوب كانت له خطية البر الذاتي فهو لم يقدم ذبائح عن نفسه بل عن أولاده فقط وكثر كلامه عن كماله وبره. وهذا عكس ما قيل عن موسى في (خروج 29:34) "أن موسى لم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع". لأن موسى لم ينظر إلى نفسه ليعجب بنفسه بل كان منشغلًا بالنظر إلى الله فلم يدري ما حدث له. ولنتعلم أن ننظر فقط للسماء ونقارن أنفسنا مع السماء "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" فحين ننظر للسماء نجد أنفسنا خطاة. وهذا ما وصل إليه أيوب أخيرًا حين أضاء الله بنوره عليه فرأى حقيقة نفسه. أما من ينظر للآخرين ويقارن نفسه معهم هو معرض:-
1) أن يشعر ببره الذاتي؛ 2) يرى عيوب الآخرين ويدينهم.
يتقي الله ويحيد عن الشر= يقول الكتاب في (أم 21:12) "لا يصيب الصديق شر" فلماذا تألم أيوب؟ كلمة شر في (أم 21:12) تعني ضرر أو أذَى. وما أصاب أيوب لم يؤذه بل نقاه وطهره... "فكل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" لذلك نسمي الله صانع خيرات في صلاة الشكر. فمهما يحدث فهو للخير. وقد لا نفهم أحيانًا، وهذا راجع لقصر إدراكنا (يو13: 7). وكان سر نجاح أيوب أنه يتقي الله وكان أن باركه الله وأكثر له الخيرات من أملاك وبنين. ولكن لكي يكمله سمح له ببعض التجارب فالتجربة تكشف ما هو غائب عنا.
الآيات2، 3:- "وَوُلِدَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. وَكَانَتْ مَوَاشِيهِ سَبْعَةَ آلاَفٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَثَلاَثَةَ آلاَفِ جَمَل، وَخَمْسَ مِئَةِ فَدَّانِ بَقَرٍ، وَخَمْسَ مِئَةِ أَتَانٍ، وَخَدَمُهُ كَثِيرِينَ جِدًّا. فَكَانَ هذَا الرَّجُلُ أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ."
"هذه البركة الكبيرة سببها كمال أيوب. وكانت الثروة في أيام الآباء البطاركة تقدر بعدد المواشي. فدان بقر = الذي يحرثه بقرتان بجانب بعضهم.
أعظم كل بني المشرق= المقصود ببني المشرق من هم شرق أرض فلسطين. وكان أيوب أعظمهم في ثروته وحكمته وصلاحه وكماله. وقال عن نفسه أن الناس كانت تسجد له.
الآيات 5،4:- "وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ، وَيُرْسِلُونَ وَيَسْتَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ الثَّلاَثَ لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ الْوَلِيمَةِ، أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: «رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ». هكَذَا كَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُ كُلَّ الأَيَّامِ."
نجد هنا وصفًا آخر لرخاء أيوب وتقواه. وكيف كان فرحًا بأولاده وغالبًا كانوا متزوجين فلهم كل واحد بيته، يعيشون في محبة ونجاح ولهم حياة مشتركة (مز 1:133).
وبكر في الغد= نلاحظ أهمية أن يبدأ اليوم بالصلاة ليبارك الله اليوم كله ونتقدس. ونلاحظ خطأ أيوب هنا واضحًا. فهو يقدم ذبائح عن أولاده، أما عن نفسه فلا يقدم ذبيحة فهو في نظر نفسه لا يخطئ وهذا هو البر الذاتي. جدفوا على الله في قلوبهم = أي نسوا الله في مسراتهم وهو واهب كل خيراتهم. ولا شيء يبعد العقل عن الله بقدر الانهماك في مطالب الجسد. والإنسان يميل في مسراته أن ينسى الله لذلك اهتم أيوب أن يدعو أولاده للعبادة بعد أن انتهت ولائمهم. أرسل فقدسهم = التقديس يشمل التوبة عما اقترفوه من خطايا والطهارة الجسدية أيضًا (استحمام وغسل ملابس) استعدادًا لتقديم الذبائح والصلاة والعبادة. ونلاحظ هنا أن أيوب كان كاهن الأسرة، هو يقدم الذبيحة ليطلب لهم المغفرة. وهذا يعني أنه كان في زمان الآباء البطاركة قبل الناموس الموسوي الذي حدد الكهنوت وتقديم الذبائح في نسل هرون. هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام = إن من يعبد الله عبادة مستقيمة يجب أن يعبده عبادة مستديمة.
آية 6:- "وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ.".
كما استخدم السيد المسيح الأمثال لشرح طبيعة الملكوت. يشرح هنا الكاتب الملهم بالروح القدس منظرًا سماويًا وأحاديث دارت بين الله والشيطان في وجود الملائكة. ومثل هذا المنظر لم يراه إنسان ولا يمكن أن يتخيله إنسان، فالسماء فيها ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان. ولكن هذا المنظر التصويري أن الملائكة تجتمع في حضرة الله يتلقون أوامرهم منه ثم يأتون ليقدموا تقريرًا عما فعلوه، ويأتي الشيطان المشتكي وسطهم ليشتكي على البشر هو تصوير بلغة البشر على قدر ما نفهم، وهكذا نجد بولس الرسول يعيد رسم نفس المنظر في (رو 33:8، 34) وهناك بعض الملاحظات على هذه الآية:-
1. كان الشيطان طليقًا قبل مجيء السيد المسيح، ولما تجسد الرب متأنسًا... ربط إبليس وقيده (رؤ 1:20-3). وتقييده معناه أنه لا يستطيع أن يجرب الناس على هواه بل هو الآن مثل كلب مربوط بسلسلة فلا يستطيع أن يعض إلا من يدنو منه، هو قد يعوي نابحًا، ويرهب مفزعًا الناس لكنه لا يقدر أن يعض إلا من يقترب إليه.
2. لقد تحدى إبليس الله وصار عدوًا له، بل وصار كل إنسان يتقي الله عدوًا لإبليس، يحارب عبادته وخضوعه لله.
3. كان الشيطان في بادئ خلقته كاروبًا مظللًا منبسطًا يحيط بالعرش الإلهي. لقبه الوحي الإلهي زهرة بنت الصبح قبل معصيته. وزهرة بنت الصبح هو كوكب منير يظهر في الصباح وهو ألمع الأجرام السماوية ويسمى فينوس وباللاتينية لوسيفر ولقد سقط الشيطان من هذه الرتبة اللامعة بعد أن كان ممتلئًا من الحكمة فدخله الغرور وبدلًا أن يمجد الله افتخر بنفسه. وبسقوطه تحول من كاروب للمجد إلى شيطان هالك. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكلمة شيطان من شطن إيل ومعناها خصم أو مقاوم أو ضد الله. وسمي باليونانية ذيافلوس διάβολος ومعناها مشتكي زورًا أو ثالب ونقلت بالعربية إبليس وهو المفتري ظلمًا. ومن أسمائه أيضًا التنين أو الحية القديمة لقوته ودهائه في الحرب وهو يشتكي على البشر دائمًا، يكتشف نقاط ضعفهم ويغريهم بالوقوع وإن وقعوا يشتكي عليهم، بل هو أيضًا يشتكي الله في أسماعنا بأن الله قاسي لا يحب الإنسان ومع أي تجربة يقع فيها الإنسان يأتي إبليس ليشتكي الله في آذاننا فإن صدق الإنسان شكوى إبليس وردد معه "لماذا لا يحبني الله ويوقعني في هذا الألم" هنا يذهب الشيطان ليشتكي الإنسان لله بأنه جدف وهذا ما حاوله إبليس مع أيوب.
4. نرى في التصوير السابق أن الله هو ضابط الكل والشيطان ليس مطلق الحرية في التصرف بل إن حياتنا يتم تدبير أمورها في السماء... فلماذا نخاف؟ بل لماذا نتساءل عن مصدر أي ألم يقع علينا هل هو من الله أو هل هو من إبليس. وعلينا أن نردد مع أيوب أألشر من الرب لا نقبل؟ فالله هو ضابط الكل وكل ما يحدث هو بسماح منه وتحت سيطرته، بل أن الله في أول مرة سمح لإبليس أن يجرب أيوب في كل شيء ولكن لا يمس جلده وجسمه. وفي المرة الثانية سمح بهذا على أن لا يمس حياته أي لا يموت. فنفهم أن سلطان إبليس محدود وفي حدود ما يسمح به الله. وما يسمح به الله هو لخير الإنسان فالله يحب الإنسان (رو 28:8).
5. هذا المنظر السماوي:- الله وحوله ملائكته والشيطان في وسطهم يتكرر في الكنيسة على الأرض فكلما يكون هناك تجمع لأولاد الله يدخل إبليس في وسطهم ليزرع الشك والكراهية بينهم. فلنحذر.... فالشيطان جرب المسيح نفسه.
6. قبل أن يحدثنا الكتاب عن كيف فاجأت الآلام أيوب، وحلت به في هذا العالم المنظور، حدثنا عن كيف تم تدبير الأمور في السماء في عالم الأرواح، لأن الشيطان الذي كانت بينه وبين أيوب عداوة شديدة بسبب تقواه إلتمس الإذن ليعذبه من الله، فإن كان الله هو الذي يسمح فنحن إذن في يدي الله فلماذا الخوف. حقا الشيطان هو قوة معادية للإنسان ومؤثرة في حياته وهي أرواح لا تكف عن الحرب ضد البشر (أف6: 12). ولكن:- * الله ضابط الكل يحدد له الحدود التي يتحرك فيها، ويتحرك تحت سيطرة الله وبسماح منه. ويخرج من الآلام التي يتسبب الشيطان في أن تلحق بنا ما هو خير لخلاص نفوسنا. وهذا ما حدث لأيوب هنا. فالله "يخرج من الجافي حلاوة"، و"كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله". * وهناك أيضًا قوَى أخرى غير مرئية تساندنا وهم الملائكة "أليس جميعهم أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14). فإبراهيم أضاف ملائكة وهو لا يعلم (عب13: 2).
7. اعترض البعض كيف يكون للشيطان القدرة أن يصل إلى حيث العظمة الإلهية ومقر الملائكة الأطهار؟ والرد أن الله ليس محصورًا في مكان (راجع 1مل 27:8 + مز 1:139-12 + أش 15:57 + 1:66 + أر 24:23) فالله موجود في كل مكان ومثول الملائكة والشيطان أمام الله هو تنازل العزة الإلهية وتجليها أمام خليقته سواء البارة أو الأثيمة لكي يكشف مقاصده. ولكن يجب أن نفهم أن هناك فرق فالملائكة تعاين مجد الله وتفرح وتبتهج وتسبح، أما إبليس فيرى عدل الله وحكمه ضده فيقشعر ويزداد هيجانًا على أولاد الله، إبليس إذا جاء وسط الملائكة لا يرى مجد الله بل يرى وجه الله الغاضب الذي يدينه.
آية 7:- "فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟». فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا»."
من أين جئت = هذه لا تعني أن الله لا يعرف بل تعني أنه مهما ذهب فهو تحت عين الله الفاحصة وبنفس الطريقة سأل الله آدم أين أنت. هو سؤال يشير أن الله يعرف كل ما كان يعمله الشيطان. الجولان في الأرض= الكلمة تعني العمل الدائم الثابت وبنشاط واسع وفي كل مكان. والشيطان لم يقدر أن يدعي بأنه كان يصنع خيرًا فهو يعرف أن الله فاحص كل شيء ولم يجسر أن يعترف بأنه كان يصنع ضررًا فهو يقشعر بوجوده في حضرة الله.
آية 8:- "فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ»."
الله هو الذي يبدأ بالسؤال فهو يعرف أن الشيطان حاقد على أيوب بل على كل بار. والله يعرف أن الشيطان وضع في قلبه أن يشتكي أيوب ويلتمس الإذن بأذيته وتجربته. فبدأ الله يتكلم عن أيوب بإعزاز ويفتخر بعبده ويشهد لكماله وأنه يسلك باستقامة فمما يفرح الله أن يتكلم عن أبنائه الأبرار "أكرم الذين يكرمونني" وكون الله يبدأ بالسؤال فهذا يعني أن الله هو الذي في يده كل الأمور كضابط للكل، ويظهر اهتمام الله بأيوب كشخص وهكذا بكل منا. وهو الذي بدأ لأنه كان يعرف نية الشيطان وأنه يريد أن يجرب أيوب وأن الله كان يريد هذه التجربة لصالح أيوب وحتى يكمل أيوب بالأكثر ويتنقى من بره الذاتي. وأن يبدأ الله بالكلام عن أيوب فهذا يعني أن الله يقول أنا أعرف مهمتك يا شيطان وأنا أعرف في ماذا تفكر، بل الله يعلم الغيرة والحسد اللذان في قلب الشيطان ضدنا، وأن الشيطان لن يحتمل كلمة مديح من الله لأحد من البشر، لذلك بادر الله بمدح أيوب أمام الشيطان وهو يعرف رد فعله. ومن كل هذا نفهم أن: 1) لنا شفيع مستعد أن يدافع عنا حتى قبل توجيه الاتهام إلينا. 2) الله كضابط الكل استخدم الشيطان كأداة تنقية لأيوب حبيبه وذلك عن حب له. وبعد أن تنقَّى أيوب رَفَع الله عنه هذه العصا. وهكذا يفعل الله مع كل منا. 3) بهذا نفهم معنى أن كل الأشياء تعمل معا للخير.
آية 9:- "فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟"
هل مجانًا يتقي أيوب الله= لم يحتمل الشيطان أن يسمع الثناء على أيوب وهو لا يحتمل أي إنسان بار مجاهد فيوجه كل سهامه ضده. ولذلك تزداد حروب إبليس ضدنا حينما نعترف ونتوب ونتناول. وكل من لا يحتمل أن يوجه مديح لشخص آخر غيره فهؤلاء يشبهون الشيطان. وبدأ الشيطان شكواه وهجومه ضد أيوب وهو لم يجد خطية في أيوب يشتكيه عليها فافترى عليه بأنه لا يعبد الله من أجل الله ولكن لأنه يحصل على خيرات زمنية أي أن عبادته هدفها النفعية، وأنه إن لم يحصل على امتيازات زمنية ما كان يعبد الله (وهناك من هو حتى الآن يعبد الله للحصول على امتيازات وبركات مادية فإن خسرها ترك الله أو تصور أن الله تركه) بل إنها حرب من إبليس، فهو يتحايل على أولاد الله ويقنعهم أنهم لا بُد أن يحصلوا على أجر مادي وامتيازات مادية في مقابل عبادتهم، ولكن علينا أن نتطلع إلى الجزاء الأبدي والميراث السماوي فهذا ما أعده الله لنا.
ولنلاحظ أن الشيطان يشتكي على أولاد الله إذا أخطأوا وهكذا أولاد إبليس. أما أبناء الله فيسترون الخاطئ. راجع قصة القديس الأنبا مقار حين تستر على خطية الراهب الزاني فسمع الصوت "طوباك يا مقاريوس لأنك صرت شبيها بالله".
ولنفهم أن الله ما كان يسمح للشيطان أن يشتكي على أيوب إلا لأن هناك خطية ملأت قلب أيوب وهي البر الذاتي. لذلك استطاع المجرب أن يجد فيه مكانًا ليشتكي عليه وهذا ما جعل الله يوافق على أن يجرب إبليس أيوب. أما المسيح فلأنه بلا خطية قال عن إبليس "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء".
آية 10:- "أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ."
سيجت حوله= أي لحمايته وحماية أسرته وممتلكاته. ودائمًا شعب الله يتمتع فعلًا بحماية الله (زك 5:2). وبدون بركة الله ما كانت ثروته قد ازدادت.
آية 11:- "وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ»."
يتحدث الشيطان هنا بخبث وحقد أن أيوب لو سمح الله وجربه فهو سيكف عن تقواه بل سوف يجدف على الله. فالشيطان يريد أن يثبت أن أيوب لا يتقي الله حبًا في الله لكن حبًا في عطاياه، ويريد إثبات أن الله ليس له عبد أمين واحد بين البشر وأنه لا يوجد في العالم إخلاص حقيقي في التقوى، وكل التدين ما هو إلا إدعاء باطل وتظاهر. وبذلك يصير الشيطان هو الملك الفعلي على كل البشر. ومع أن الشيطان له قوة خارقة لكننا نجده هنا قد أخطأ في حساباته فلا أيوب جدف ولا ترك الله، وذلك لأن الله وحده هو الذي يعلم ما في القلب ولذلك سمح الله بتجربة أيوب فهو يعلم أنه لن يجدف. والله وحده هو الذي يسمح بالتجربة ويحدد مداها حتى لا نيأس ونفشل (مز 125: 3) وهو يسمح إن كان هناك فائدة من التجربة للشخص نفسه.
آية 12:- "فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ."
الله هنا يعطي الإذن للشيطان أن يجرب أيوب ولكن في حدود= وإنما إليه لا تمد يدك = أي لا تمس جسده لكن أملاكه فقط. إذًا السلطان المُعْطَى للشيطان محدود. والله لا يسمح بتجربة إلا في حدود ما نستطيع ونحتمل (1 كو 13:10) والله عَلِم أن رصيد النعمة لدى أيوب يسمح له بأن يحتمل (راجع مز 23:37-25).
خرج الشيطان من أمام وجه الرب= وهكذا فعل قايين وهكذا يفعل كل شرير تابع للشيطان فهو لا يستطيع أن يبقى أمام وجه الرب.
آية 13:- "وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَبْنَاؤُهُ وَبَنَاتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ،"
من شر الشيطان وكراهيته للإنسان خصوصًا الإنسان البار نجده هنا بمجرد أن حصل على سماح من الله بأن يؤذي أيوب شرع فورًا في التنفيذ. ونلاحظ في خطة الشيطان أن ضرباته ضد أيوب كانت في يوم فرح حتى يكون للضربات وقع أكثر إيلامًا على نفس أيوب. وكانت الضربات متلاحقة متتابعة حتى لا يعطي لأيوب فرصة أن يلتقط أنفاسه أو يستريح فيتعزَّى. ونلاحظ في خطة الشيطان أيضًا أنه حاول الوقيعة بين الله وبين أيوب، وبين أيوب وبين الله. فهو حاول أن يشتكي أيوب لله وحاول أن يصور لأيوب أن كل هذه الضربات هي لغضب الله عليه، فالنار والريح هما بيد الله والله، تركهم ضد أيوب وهجوم السبئيين والكلدانيين معناه أن الله لم يحافظ على عبده أيوب أو يحميه منهم، ولذلك وضع الشيطان في فم الغلمان قولهم نار الله سقطت من السماء.
آية14:- "أَنَّ رَسُولًا جَاءَ إِلَى أَيُّوبَ وَقَالَ: «الْبَقَرُ كَانَتْ تَحْرُثُ، وَالأُتُنُ تَرْعَى بِجَانِبِهَا،"
الشيطان يثير أيوب ضد الله، مع أن الشيطان هو الذي أوعز للسبئيين بأن يهجموا على ممتلكات أيوب. ولقد كانت خسائر أيوب مطابقة لكل أملاكه السابق ذكرها فكأنه خسر كل شيء وبسرعة، فلم يعطه الشيطان فرصة أن يتأمل في حياته السابقة وربما اكتشف خطية فيندم عليها أو يهدأ بين الضربة والضربة، فيكون له خضوع مبارك أمام الله وقال أيوب بعد ذلك "لأن البوار من الله رعب عليَّ" (أي 23:31).
آية 15: "فَسَقَطَ عَلَيْهَا السَّبَئِيُّونَ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ»."
السبئيون= هي في الأصل شبا بالعبرية وكانوا غزاة ووصلت حروبهم وغزواتهم حتى اليمن التي تنسب أيضًا إلى نفس القبيلة. وكانوا غزاة يغيرون على البلاد ويسبون ساكنيها ويتاجرون في العبيد. الغلمان= الفلاحون والرعاة وهؤلاء قتلوا وهم يدافعون عن أملاك سيدهم (تك 3:25).
آية 16:- "وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «نَارُ اللهِ سَقَطَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتِ الْغَنَمَ وَالْغِلْمَانَ وَأَكَلَتْهُمْ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ»."
نار الله= هو برق غير عادي وبكثافة شديدة واتجه نحو أملاك أيوب مباشرة. ومما يثير أيوب أنه كان يقدم ذبائحه لله في عبادته من مواشيه والآن يجد أن الله يسقط ناره ليلتهم كل مواشيه بدلًا أن يباركها. في العبرية حين يضاف اسم الله إلى شيء فهذا للتدليل على ضخامة الشيء فنار الله = نار عظيمة جدًا، وجيش الله = جيش ضخم جدًا وهكذا.
آية 17:- "وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «الْكَلْدَانِيُّونَ عَيَّنُوا ثَلاَثَ فِرَق، فَهَجَمُوا عَلَى الْجِمَالِ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ»."
الكلدانيون= نسبة إلى المكان الذي سكنوه وهو كلديا جنوب بابل. وكان منهم الكهان القدامى وكانوا قبلما يستولون على بابل يقومون بغزوات في الغرب، يتجولون في الأرض بين شرقي الأردن والفرات وبعد ذلك استوطنوا بابل.
آية 18:- "وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ،"
ضربة بنوه وبناته هي التي جرحت قلبه جرحًا عميقًا فهم أثمن ما يملك. لذلك حفظ الشيطان هذه الضربة لتكون آخر ضربة ليدفعه للتجديف على الله. والريح في يد الله فإذا جاءت الريح بهذه الشدة لتقتل الأولاد يفهم أن الله هو الذي فعل هذا وهكذا فهمها بلدد (أي 4:8). زوبعة = عاصفة تدور في سيرها فتدمر.
آية 19:- "وَإِذَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ جَاءَتْ مِنْ عَبْرِ الْقَفْرِ وَصَدَمَتْ زَوَايَا الْبَيْتِ الأَرْبَعَ، فَسَقَطَ عَلَى الْغِلْمَانِ فَمَاتُوا، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ»."
آية 20:- "فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ،"
تمزيق الجبة وجز الشعر علامة الحزن، وهذه هي المشاعر الطبيعية، لقد تصرف أيوب كإنسان في محنته وهكذا بكى المسيح على قبر لعازر فالمسيح شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية. والله لا يتضايق من المشاعر الطبيعية بل هو في كل ضيقة تلم بنا يتضايق. ولنلاحظ أن أي إنسان يتعرض لما تعرض له أيوب ولا يحزن يكون صخرة صماء لا إنسان. ومع كل هذا لم يصدر عن أيوب أي كلمة تجديف وظل محتفظًا بسلامه الداخلي حتى جاءه خبر موت بنيه بل هو خر على الأرض وسجد فهو في ضيقته لجأ إلى الله ولم يجدف عليه، لجأ إليه في عبادة وسجود ولم يهرب منه ويتركه. (هناك عادة رديئة عند بعض الناس الذين إذا مات لهم شخص محبوب ينقطعون عن الكنيسة فترة) وأن يلجأ الإنسان لله في ضيقته فهذا يعطيه فرصة أن يهدأ أمام الله ويعطيه الله سلامًا يصعب أن يجده الإنسان بعيدًا عن الله.
آية 21:- "وَقَالَ: «عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا»."
هنا تظهر عظمة أيوب واقتبس بولس الرسول هذه الآية (1تي 7:6). والخطية هي التي جعلت الإنسان عريانًا (هكذا يولد وهكذا يموت) ولكن الأنفس التقية تخرج لابسة ثوب البر (2كو 3:5). الرب أعطَى = هو نسب كل خيراته لله ولم يقل يداي وقوتي عملت بهما ثروتي. والرب أخذ= فنحن لا نهتم بمن هو سبب النكبة هل هو الشيطان أم الأعداء (سبئيين وكلدانيين) أم هي الطبيعة (نار ورياح) بل نحن في يد الله، والله هو ضابط الكل وحين يضيع منا شيء نقول الرب سمح بهذا. بل أن بعض الناس يقولون في خسارتهم أن حظهم سيئ وهذا ضد الإيمان بأن الله هو ضابط الكل، وكل شيء تحت سيطرته هو. ولنلاحظ أن أيوب قال هذا القول الرائع وهو ساجد مصليا أمام الله فالعبادة وسط الضيقة تعطي قوة وعزاء للمتألم. وهذه الروح الخاشعة تؤدي للتسليم أمام الله باقتناع. فليكن اسم الرب مباركًا = هذه من بركات الصلاة والروح الخاشعة فهو لم يلعن السبئيين ولا البرق ولا الريح ولا حظه السيئ، بل من فضلة القلب يتكلم اللسان، وقلب أيوب الخاشع لا يقدر أن يلعن لذلك بارك الله وشكره (وهكذا الكنيسة تعلمنا أن نشكر في كل مناسبة) فالتذمر والضجر وعدم الصبر تتهم الله في الواقع بالجهالة.
آية 22:- "فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ للهِ جِهَالَةً."
الروح القدس يعترف لأيوب في شهادة كريمة بثباته وقداسته لأنه لم يخطئ.
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أيوب 2 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
مقدمة سفر أيوب |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ah678nh