محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
لاويين: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38
الآيات (1-10):- "«وَهذِهِ شَرِيعَةُ ذَبِيحَةِ الإِثْمِ: إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ. فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَذْبَحُونَ فِيهِ الْمُحْرَقَةَ، يَذْبَحُونَ ذَبِيحَةَ الإِثْمِ، وَيَرُشُّ دَمَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ مُسْتَدِيرًا، وَيُقَرِّبُ مِنْهَا كُلَّ شَحْمِهَا: الأَلْيَةَ، وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الأَحْشَاءَ، وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، الَّذِي عَلَى الْخَاصِرَتَيْنِ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ يَنْزِعُهَا. وَيُوقِدُهُنَّ الْكَاهِنُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَقُودًا لِلرَّبِّ. إِنَّهَا ذَبِيحَةُ إِثْمٍ. كُلُّ ذَكَرٍ مِنَ الْكَهَنَةِ يَأْكُلُ مِنْهَا. فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ تُؤْكَلُ. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ. ذَبِيحَةُ الإِثْمِ كَذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ، لَهُمَا شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ. الْكَاهِنُ الَّذِي يُكَفِّرُ بِهَا تَكُونُ لَهُ. وَالْكَاهِنُ الَّذِي يُقَرِّبُ مُحْرَقَةَ إِنْسَانٍ فَجِلْدُ الْمُحْرَقَةِ الَّتِي يُقَرِّبُهَا يَكُونُ لَهُ. وَكُلُّ تَقْدِمَةٍ خُبِزَتْ فِي التَّنُّورِ، وَكُلُّ مَا عُمِلَ فِي طَاجِنٍ أَوْ عَلَى صَاجٍ يَكُونُ لِلْكَاهِنِ الَّذِي يُقَرِّبُهُ. وَكُلُّ تَقْدِمَةٍ مَلْتُوتَةٍ بِزَيْتٍ أَوْ نَاشِفَةٍ تَكُونُ لِجَمِيعِ بَنِي هَارُونَ، كُلِّ إِنْسَانٍ كَأَخِيهِ."
ذبيحة الإثم تقريبًا في شريعتها مثل ذبيحة الخطية. وفي آية (7) يقول أن لهما شريعة واحدة. ولكن هذه الآية أعقبت تحديد نصيب الكاهن من أكل لحم الذبيحة في آية (6) وسبقت آية (8) التي حددت أن الجلد للكاهن. فذبيحة الخطية والإثم واحد في شريعتهما بالنسبة لهاتين النقطتين. أي الشريعتين واحد من حيث نصيب الكاهن في اللحم والجلد.
ولكنهما كما رأينا يختلفان في نوع الحيوانات التي تقدم، ويختلفان أيضًا في التصرف في دم الذبيحة ففي ذبيحة الإثم يرش دم الذبيحة على المذبح مستديرًا. وكما رأينا أن الاستدارة تشير إلى أن الشيء لا بداية له ولا نهاية وهذا يتفق مع الآية (لا6: 7) التي تنص على أن: الله يصفح عن الشيء من كل ما فعله مذنبًا به: "الرَّبِّ، فَيُصْفَحُ عَنْهُ فِي الشَّيْءِ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَهُ مُذْنِبًا بِهِ". هذه هي لا محدودية فاعلية دم المسيح. إذًا كل ذبيحة تنظر لذبيحة الصليب من ناحية حتى تتبلور أمام عيوننا ويتجسم عمل الصليب. (الشرح الكامل للفرق بين ذبيحتي الخطية والإثم تجده في شرح الآية (لا4: 7) ولا داعي للتكرار.
* تأمل للعلامة أوريجانوس = الكاهن الذي يأكل من الذبيحة يشير للمسيح والذبيحة تشير للمسيح فكيف يأتي هذا؟ هذا إشارة للمسيح الذي يأكل خطايا العالم ويرفعها فإلهنا نار آكلة تأكل خطايا العالم وتحطمها وتبددها وتنقينا منها. والمسيح يقول" جئت لألقي نارًا على الأرض " (لو12: 49) وهي تحرق أشواك الخطية.
* ولاحظ أن نفس الأجزاء التي تقدم على المذبح هي أجزاء ذبيحة السلامة التي تقدم على المذبح وهذا يشير لأن غفران الخطية يستتبعه حلول سلام الله في القلب.
* في مكان مقدس تؤكل = الكهنة كأولاد لله يشتركون في شركة عمل مع المسيح، لا يكفون عن الدخول بنفس كل خاطئ إلى دائرة الصليب حتى تحترق خطاياهم (والمعنى الرمزي لذلك هو أكل لحم الذبيحة = وهذا يساوي خدمة الكهنة للشعب ليتوبوا ويأتوا لله فيغفر لهم). ودائرة هذا العمل هي الكنيسة = في مكان مقدس تؤكل، المكان المقدس الذي يتم فيه الأكل. والكاهن المسيحي يمارس سري الاعتراف والإفخارستيا في الكنيسة، وبداية دخول الإنسان لدائرة الصليب هي المعمودية وتمارس أيضا في الكنيسة. وكأن الكاهن اليهودي حينما يأكل من لحم الذبيحة حاملة الخطية فتغفر الخطية يمارسه الكاهن المسيحي ففي المعمودية وفي الاعتراف وفي الإفخارستيا غفران للخطايا.
* الجلد للكاهن = كان الكهنة يجمعون الجلود ويبيعونها ويقتسمون ثمنها، هذا بالنسبة لذبائح الأفراد أي المحرقات الخاصة، ويتم توزيع الثمن ليلة السبت. أما الذبائح العامة مثل المحرقات اليومية فكان ثمن جلودها يخصص لالتزامات الهيكل والخدمة. وكأن الجلد هنا مكافأة الكاهن على عمله الكهنوتي. ويرى البعض أن في هذا تذكرة بما حدث مع آدم فهو أخذ مكافأة عمله الكهنوتي جلد الذبيحة التي قدمها وبها كسا عريه.
تأمل :- هناك كهنوت عام لكل المسيحيين المعمدين وفيه يقدمون ذبائح تسبيح وصلاة ويقدمون أجسادهم ذبيحة حية.... إلخ. ومن يقوم بعمله الكهنوتي هذا يمنحه الله الجلد أي يستر عريه. فالخطية تفضح وتعري والذبيحة تستر، ومن يقدم نفسه ذبيحة يثبت في المسيح الذي قدم نفسه ذبيحة. لذلك يقول: احمل صليبك واتبعني إذا أردت أن تكون لي تلميذًا(1) [راجع (رؤ3: 17، 18)].
من الواضح أن كل نوع من أنواع التقدمات والذبائح يشير إلى ناحية معينة في حياة الرب يسوع أو في صليبه. وحتى يتجسم المفهوم، كثيرًا ما كانت تقترن بعض أنواع التقدمات والذبائح وسنرى هذا حالًا في طقس ذبيحة السلامة.
1- كانت المحرقة الدائمة اليومية ومحرقة يوم السبت تقترن بتقدمة دقيق (عد 28: 3 – 5، 9، 10) وكذلك في عيد الباكورة (عد 28: 27، 28).
2- كان شحم ذبيحة السلامة يوقد دائما مع المحرقة (لا 3: 3 – 5).
3- كانت ذبيحة الخطية تقترن مع المحرقة وتقدمة الدقيق في المناسبات الآتية:
أ) تقديس اللاويين (عد 8: 8 – 12)
ب) خطية سهو الجماعة (عد 15: 22 – 26).
ت) في رأس كل شهر (عد 28: 11 – 15).
ث) عيد الفصح (عد 28: 19 – 22).
ج) عيد هتاف البوق (عد 29: 2 – 5).
ح) عيد الكفارة (عد 29: 8 – 11).
خ) عيد المظال (عد 29: 13 – 16).
4- كانت ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم مع المحرقة مع تقدمة الدقيق يقترنون معًا في طقس تطهير الأبرص (لا 14: 10 – 20).
5- في عيد الخمسين (لا 23: 18، 19) وعند انتهاء مدة انتذار النذير (عد 6 : 14، 15) وعند تدشين المذبح (عد 7: 87، 88) تقترن ذبائح الخطية والسلامة والمحرقة والدقيق.
6- وكانت تقترن المحرقة مع ذبيحة الخطية عند تطهير الوالدة (لا 12: 6 – 8) وذو السيل وذات السيل (لا 15: 14، 15 + 15: 29، 30).
7- أما عند مسح الكهنة فكانت تقدم كل التقدمات والذبائح العادية ما عدا ذبيحة الإثم مضافًا إليها كبش الملء أو كبش التقديس وكذلك قربان الملء (لا 8: 14 – 29، 9: 2 – 4).
8- كان يقدم خمر مع بعض التقدمات والذبائح مثل المحرقة الدائمة (عد28: 6 – 8). والخمر يشير للفرح (مز104: 15 + قض9: 13) وهذا تعبير عن سرور الله بهذه التقدمة.
الآيات (9-10):- "وَكُلُّ تَقْدِمَةٍ خُبِزَتْ فِي التَّنُّورِ، وَكُلُّ مَا عُمِلَ فِي طَاجِنٍ أَوْ عَلَى صَاجٍ يَكُونُ لِلْكَاهِنِ الَّذِي يُقَرِّبُهُ. وَكُلُّ تَقْدِمَةٍ مَلْتُوتَةٍ بِزَيْتٍ أَوْ نَاشِفَةٍ تَكُونُ لِجَمِيعِ بَنِي هَارُونَ، كُلِّ إِنْسَانٍ كَأَخِيهِ."
رأينا فيما سبق دور الكاهن في خدمة غفران خطايا الشعب، فعمله هو جذب الناس للمسيح وحثهم على التوبة، يكلمهم بكلمة الله، ومن يستجيب ويتجه لله يقوم الروح القدس بتبكيته ومعونته، ومن يتوب يغفر له فيعود للثبات في المسيح. وحتى تكون خدمة الكاهن مؤثرة وفعالة يلزم 1) أن يكون دارسا للشريعة (الكتاب المقدس): فمن فم الكاهن يطلبون الشريعة: "وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ" (مل2: 7). 2) المعلومات وحدها لا تكفي، ولكن هل تحولت الشريعة إلى التزام ثم حياة، يراها الناس فيمجدوا الله (مت5: 16).
من له هذه الحياة يقال عنه صياد ماهر قادر على جذب النفوس.
وكما فهمنا أن الدقيق يرمز للحياة، فبدون خبز لا يحيا الإنسان. ونرى في الآيات التالية كيف يعبر الوحي عن هذا.
هذه الآيات هي تطبيق لما سبق في اقتران التقدمات. ما التصرف في تقدمة الدقيق لو اقترنت مع ذبيحة الخطية أو ذبيحة الإثم؟ ولكن نحاول فهمها في ضوء ما سبق.
هنا نجد نوعين من تقدمات الدقيق:-
أ) مخبوزة أو في طاجن أو على صاج آية (9)....يأكلها الكاهن الذي يقربها.
ب) ملتوتة (معجونة) بزيت أو ناشفة أي مجرد دقيق (10)... توزع على كل الكهنة.
وهناك سبب منطقي فالمخبوزة جاهزة وساخنة فتؤكل فورًا، وأما الأخرى فيمكن توزيعها فيما بعد.
والتأمل الروحي في هذا أن الكهنة يلزمهم أن يأكلوا كلمة الله ليتغذوا بها ويطعموا بها الآخرين (حز2: 8 + 3: 1). والكاهن لن يستطيع أن يقدم كلمة الله للآخرين إن لم تسوى في الفرن = خبزت في التنور أي بنار الروح القدس. خبزت = أي خبز ناضج إشارة لأهمية نضج الكاهن روحيا. والناضج روحيا هو من تغذى بكلمة الله أي عاش بها أولًا، وتحولت فيه إلى حياة يحياها ثم علمها للناس، كما قال رب المجد " وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات " (مت5: 19).
أما ما عمل في الطاجن فسبق أن أشرنا في تفسير إصحاح (2) أنه يشير لجسد الإنسان المأخوذ من التراب، وفي إصحاح (2) كان يشير لبطن العذراء التي حل فيها الروح القدس ليتجسد المسيح. وهنا أيضًا فالروح القدس يعمل داخليًا في بطوننا أي في داخلنا لنعرف المسيح معرفة باطنية حقيقية نختبر فيها المسيح ونحبه وتكون لنا حياته ساكنة فينا، وهذا عمل الروح القدس = عمل في الطاجن = هو عمل الروح القدس في داخلنا أنه يأخذ مما للمسيح ويخبرنا (يو16: 14) وهو أيضًا يسكب فينا محبة الله (رو5: 5) وهذه المحبة تأتي تلقائيا بعد أن نعرفه حقيقة إذ عرَّفنا به الروح القدس. هنا نستطيع أن نخبر به الآخرين.
وأما الصاج = فالتقدمة فيه مكشوفة أي أن معرفة المسيح هذه ظهرت في صورة مكشوفة في شخص هذا الكاهن. هنا فقط تكون كلماته مؤثرة فالشعب يرى فيه صورة المسيح. وبهذا نرى أن الكاهن لكي تكون خدمته فعالة يجب أن يتزود بالشريعة (الكتاب المقدس) ويحيا بها وينفذها، وتكون له خلواته الخاصة في مخدعه يستمع فيها لصوت الروح القدس. ومن له علاقته بالله في الصلاة في مخدعه يسمع فيها صوت الروح القدس، يجازيه الله علانية (مت6: 6). وعلانية هذه = مكشوفة على الصاج ويراها الناس.
ولاحظ الترتيب بالمقارنة مع ما حدث مع حزقيال النبي:-
"فقَالَ لِي: «يَا ٱبْنَ آدَمَ، كُلْ مَا تَجِدُهُ. كُلْ هَذَا ٱلدَّرْجَ، وَٱذْهَبْ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي ذَلِكَ ٱلدَّرْج. وَقَالَ لِي: «يَا ٱبْنَ آدَمَ، أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَٱمْلَأْ جَوْفَكَ مِنْ هَذَا ٱلدَّرْجِ ٱلَّذِي أَنَا مُعْطِيكَهُ». فَأَكَلْتُهُ فَصَارَ فِي فَمِي كَٱلْعَسَلِ حَلَاوَةً" (حز3: 1-3).
وَكُلُّ تَقْدِمَةٍ خُبِزَتْ فِي التَّنُّورِ |
= كاهن دارس لكلمة الله، والروح القدس يشرحها له. |
وَكُلُّ مَا عُمِلَ فِي طَاجِنٍ |
= الروح القدس عمل في باطن الكاهن ليعرف المسيح. |
عَلَى صَاجٍ |
= صارت حياة الكاهن المقدسة ظاهرة للناس. |
أما لو كانت التقدمة دقيق فقط ناشفة فهي تشير لأن ما لدى الكاهن هو مجرد معلومات وحتى لو كانت معجونة بالزيت = ملتوتة بزيت أي بإرشاد الروح القدس، وهم يعلمون الشعب مستخدمين كلمات الكتاب الموحى بها من الروح القدس. لكن حياتهم لم تمر في المراحل السابقة، هذا ما قال عنه رب المجد لتلاميذه "فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. أما حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون " (مت 23: 3) فيحسن أن توزع ويؤجل استعمالها حتى تمر في هذه المراحل وهذا معنى تكون لجميع بني هرون أي توزع عليهم . وهذا يعني أنه يستحسن أن لا يبدأ الكاهن خدمته حتى يحيا بما يقوله ويعلم به، وإلى أن تكون له خبراته الخاصة وحياته في العمق. ولاحظ أن الله لم يحرم الكهنة من الكلمة ولا من عمل الروح القدس = تكون لجميع بني هرون كل إنسان كأخيه = أما مسئولية اختبارها تقع عليهم (تسوية التقدمة بنار الروح القدس) هذا ما عناه الله حينما قال لحزقيال "أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَامْلأْ جَوْفَكَ" (حز 3: 3). وهذا ما قاله بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس:
1) "... كن قدوة... أعكف على القراءة والوعظ...لاحظ نفسك والتعليم " (1تى4: 12 – 16).
2) "..أذكرك أن تضرم أيضا موهبة الله التي فيك..." (2تى1: 6).
ولاحظ أن هذه التقدمات بلا لبان، فهي مصاحبة لذبيحة خطية.
الآيات (11-13):- " «وَهذِهِ شَرِيعَةُ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ. الَّذِي يُقَرِّبُهَا لِلرَّبِّ: إِنْ قَرَّبَهَا لأَجْلِ الشُّكْرِ، يُقَرِّبُ عَلَى ذَبِيحَةِ الشُّكْرِ أَقْرَاصَ فَطِيرٍ مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقَ فَطِيرٍ مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ، وَدَقِيقًا مَرْبُوكًا أَقْرَاصًا مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، مَعَ أَقْرَاصِ خُبْزٍ خَمِيرٍ يُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ عَلَى ذَبِيحَةِ شُكْرِ سَلاَمَتِهِ."
نجد هنا مثلًا آخر لإقتران الذبائح نفهم منه كيف يتجسم ويتبلور عمل الصليب في تجميع الذبائح ليتضح عمل معين أو وجه معين لذبيحة المسيح على الصليب.
ففي ذبيحة السلامة نوعين:- أ) شكر؛ ب) نذر أو نافلة.
وذبيحة السلامة المقدمة للشكر كان يقرب معها أقراص فطير ملتوتة بزيت مع أقراص خبز خمير. ونحن سبق وفهمنا أن ذبيحة السلامة ترمز لسر الإفخارستيا أو سر الشكر.
وما يقرب مع ذبيحة السلامة يشرح تمامًا معنى سر الإفخارستيا:-
1- هي الذبيحة التي نقدم فيها الشكر للمسيح لأنه بها أعطانا الحياة والسلام.
2- من يأكل منها يحيا، فكما رأينا فإن تقدمة الدقيق تشير للحياة، سواء كان هذا الدقيق خبزا أو فطيرا، ومَن يتناول من سر الإفخارستيا يثبت في المسيح، فتكون له حياة المسيح، ومن حياته المسيح يحيا في سلام فهو ملك السلام.
3- أقراص الفطير هي بلا خمير تشير للمسيح القدوس الذي بلا خطية، المتحد لاهوتيًا بروحه القدوس والذي مسح بالروح القدس من أجلنا. وهنا نرى صورة عجيبة يرسمها الوحي لهذه الذبيحة. ولنرى أنواع هذه التقدمة
أ) أقراص فطير ملتوتة بزيت: هذه تشير للإتحاد الأقنومي بين المسيح والروح القدس (الدقيق يشير للمسيح، والزيت يشير للروح القدس. وعندما يتحد الدقيق بالزيت لا يمكن فصلهما ثانية). ونلاحظ أيضًا أن الروح القدس هو الذي حل على العذراء ليتجسد المسيح في بطنها. وكان المسيح بلا خطية ويُشار لهذا بالفطير وكما كان عمل الروح القدس هو أن يتجسد المسيح من جسد العذراء مريم فإن عمل الروح القدس في سر الإفخارستيا هو أن يحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه . والروح القدس كما كوَّن جسد المسيح في بطن العذراء، هكذا يُكوِّن الكنيسة جسد المسيح في بطن المعمودية فتخرج بلا خطية = فطير "لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لَا دَنَسَ فِيهَا وَلَا غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلَا عَيْبٍ (أي فطير)" (أف5: 26-27). وقوله أقراص فهذا يشير للتعدد فهو إشارة للمسيح وكنيسته، المسيح الذي "صار بكرًا بين إخوة كثيرين"لأَنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ" (رو8: 29).
ب) رقاق فطير مدهونة بزيت: هذه تشير للمسيح يوم حل على جسده الروح القدس لحساب الكنيسة يوم معمودية المسيح. ثم انسكب على الكنيسة يوم الخمسين.
ت) دقيق مربوكًا أقراصًا ملتوتة بزيت: الأقراص تشير لتعدد الأشخاص أي الكنيسة فسر الشركة يجمعنا كلنا مع المسيح رأسنا. ملتوتة بالنسبة للمسيح تعني الإتحاد الأقنومي وبالنسبة لنا تعني سُكْنَى الروح القدس فينا، فصرنا هياكل للروح القدس (1كو3: 16).
4- أقراص خبز خمير: الخمير يشير للخطية. وطالما وجدنا هنا أقراص متعددة فهي تشير للمؤمنين الذين سكنت فيهم الخطية (الخمير). أما بالنسبة للمسيح فهو حامل لخطايانا. وكنيستنا تصر على استعمال خبزًا مختمرًا في سر التناول للإشارة إلى أن المسيح حامل خطايانا. فالفطير يشير لحياة المسيح قبل الصليب التي كانت خالية من كل شر. أما وقد حمل خطايانا في جسده على الصليب كان يلزم أن يضاف الخمير في الخبز المقدم في سر الإفخارستيا في القداس القبطي الأرثوذكسي، إشارة إلى الخطية التي حملها في جسده. فذبيحة القداس الإلهي تشمل الصليب وما قبل الصليب. لكن الكنيسة لم تكتفي بوضع الخمير، بل لزم أن يدخل النار حتى تموت هذه الخميرة ثانيًا كما ماتت الخطية في جسد المسيح المقام من الأموات. فالخميرة موجودة في قربان القداس ولكنها ميتة بفعل النار. وكما أبطلت النار فعل الخميرة كذلك أبطل المسيح الخطية بذبيحة نفسه، حينما اشتعلت فيه نار العدل الإلهي على الصليب. ورمز هذا في الشريعة اليهودية أن الكاهن يأكل جزءًا من ذبيحة الخطية، وهذا يشير إلى اختفاء الخطية في الكاهن. ولذلك صار من يتناول من جسد المسيح الذي حمل خطيتنا وأماتها فيه، تغفر خطيته. إذ أنه يتحد بجسد المسيح الذي ماتت فيه الخطية "يُعْطَى لغفران الخطية وحياة أبدية لمن يتناول منه.
1- شكر :- على سلامة من خطر أو شفاء وهذا لخصه المزمور فنجد داود النبي يقول بالروح القدس "فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه. وليذبحوا له ذبائح الحمد وليَعُدُّوا أعماله بترنم" (مز107 : 21، 22). والذبيحة هنا هي ذبيحة سلامة. وهي ذبيحة تسبيح لمجد الله تعالى، فيها نذكر كل أعمال عنايته بنا. ولهذا نجد الكنيسة في أثناء التوزيع تقوم بالتسبيح، والمسيح نفسه كرأس للكنيسة سبح مع تلاميذه بعد أن أسس سر الإفخارستيا.
2- نذر :- يقدمه إنسان في ضيقة، وتقديم النذر اختياري واعدا الله أنه لو مرت هذه الضيقة يقدم نذرًا لله كذا وكذا. ويحمل النذر معنى أكبر فهناك من نذر نفسه لله في ضيقة هذا العالم. أي أصبح مكرسًا للرب تمامًا (نذير).
3- نافلة :- هي تشبه النذور تمامًا. لكن لا يوجد تكرار في الكتاب المقدس بلا داعي، والفرق في هذه التقدمة بين النذر والنافلة. أن مقدم النافلة ليس في ضيقة ولكن هو إنسان فرح، وينتظر من الرب أكثر ويقول من خلال فرحه... الله أعطاني الكثير وسيعطيني ولو حدث سأعطي لله كذا وكذا. ومعنى كلمة نافلة = تقدمة اختيارية لم ينص عليها الناموس. وقد تكون بلا شروط، من إنسان يريد أن يعطي الله لأنه يشعر أن الله أعطاه الكثير.
والآن لنتأمل هذه المعاني!! أليست بهذه المعاني تتبلور ذبيحة وعمل المسيح. فهو قدم حياته لمجد الله (شكر). وهو من خلال ضيقاته كان مكرسًا لله بالكامل، في طاعة كاملة للآب (نذر) ولم يكن هذا عن إجبار بل كان هذا بفرح. فالمسيح فرح بالخلاص وكان يشتهيه كالآب تمامًا. وهو أعطى نفسه بفرح لخلاصنا. والنافلة أيضًا قد تكون تطوعية تمامًا، أي إنسان فرح من كثرة ما أعطاه الله فيذهب ويقدم نافلة.
وكان هناك فرق في طقس النذر عن طقس النافلة، أنه إذا مات الحيوان الذي نذر أو فقد أو أصابه عيب يلتزم صاحب النذر أن يقدم ما يساويه في القيمة. أما في حالة مقدم النافلة فهو لا يلزم بشيء فهو قد تعهد بتقديم حيوان بعينه (لا 22: 17 – 25).
ورد ترتيب الذبائح مختلفًا في المرتين اللتين ذكرت فيها الذبائح.
المرة الأولى عندما حدد الكتاب هذه الذبائح ونوعياتها (الإصحاحات 1:1 – 7:6 ). والمرة الثانية في شرحه لطقوس وشريعة تقديم هذه الذبائح (لا 6: 8 – 7: 34) فلماذا؟
في المرة الأول كان يشرح ماذا قدم المسيح لنا. لذلك بدأ بالمحرقة أي أنه أرضَى الآب حتى نكون نحن مقبولين أمام الآب. ثم شرح تقدمة الدقيق حتى يظهر أنه أعطانا حياته وروحه القدوس. ثم ذبيحة السلامة ليظهر غرضه أنه أتى ليعطينا سلام وآخر الكل ذبائح الخطية والإثم ليظهر كحامل خطايانا. المسيح في هذه المجموعة ظاهرًا أمام الآب مقدمًا نفسه كرأس للكنيسة ساترًا خطاياها.
أما في المجموعة الثانية يشير إلى كيف نحصل على هذا السلام لذلك تأتي شريعة ذبيحة السلامة بعد شريعتي ذبيحة الخطية والإثم. فلا سلام لنا دون أن تغفر خطايانا. وهذا يشير لوجوب التطهير من الخطايا بالتوبة والاعتراف قبل التناول، وإلا نمرض ونموت كما قال القديس بولس الرسول (1كو11: 23-31).
هنا في هذه المجموعة يتقدم المسيح لنا كحامل خطايانا حتى يعطينا السلام. لكن في الحالتين تسبق المحرقة الجميع. فبدون رضاء الآب لم نكن لنحصل على شيء.
المجموعة الأولى (لا 1-6: 7)
|
المجموعة الثانية (لا 6: 8-7: 34)
|
1- تشرح ماذا قدم المسيح لنا 2- المحرقة ثم الدقيق (رضا الآب + حياة المسيح) صرنا مقبولين أمام الآب والمسيح أعطانا حياته. 3- السلامة ثم الخطية والإثم 4- عمل المسيح أمام الآب:- جعلنا فيه طائعين وأعطانا حياته غافرا خطايانا |
1- تشرح كيف نحصل على ما قدمه المسيح 2- المحرقة ثم الدقيق (في هذا تتفق المجموعتان) 3- الخطية والإثم يرفعان أولًا لنحصل على السلام 4- المسيح جعلنا مقبولين أمام الآب ولنا حياته ولكن لنتوب ونتطهر لنشترك في حياته ونكون في سلام. |
الآيات (14-15):- " وَيُقَرِّبُ مِنْهُ وَاحِدًا مِنْ كُلِّ قُرْبَانٍ رَفِيعَةً لِلرَّبِّ، يَكُونُ لِلْكَاهِنِ الَّذِي يَرُشُّ دَمَ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ. وَلَحْمُ ذَبِيحَةِ شُكْرِ سَلاَمَتِهِ يُؤْكَلُ يَوْمَ قُرْبَانِهِ. لاَ يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا إِلَى الصَّبَاحِ."
يقرب منه واحدًا من كل قربان = كان المقدم يأتي بعُشرَيْن دقيق، عُشرًا منها يخمر وعُشرًا يترك بدون خمير. ويخبزون العُشر الأول 10 أرغفة خبز مختمر. والعُشر الثاني يخبز 30 فطيرة. والكل مخبوز بزيت. وكان الكاهن يأخذ 3 فطائر ورغيف خبز = رفيعة للرب. يكون للكاهن. وكلمة رفيعة أي مرفوع أو مقدم لله الذي في الأعالي. وباقي الخبز والفطير يكون لمقدم التقدمة يأكله مع عائلته وأقرباؤه والفقراء الذين يدعوهم، هي مائدة شركة وحب يشكر فيها الله على إحساناته عليه (وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). طبعًا يأكلون من الخبز والفطير واللحم. هذه ذبيحة فرح، الكل يأكل منها حتى مقدمها (المذبح والكاهن ومقدمها والمدعوين).
أما ذبيحة الخطية فمقدمها خاطئ، لا يجوز له أن يأكل منها. وفي كنيستنا فذبيحة شكرنا (ذبيحة الإفخارستيا) هي طعامنا حتى نهاية أيام الكنيسة على الأرض أي يوم القيامة.
لا يبقي منه شيئًا حتى الصباح = كان يشترط على مقدم الذبيحة أن يأكل هو ومن دعاهم من لحم ذبيحة السلامة في نفس اليوم، وكان يفضل أن يكون هذا ليلًا، ويدعو الجميع خصوصًا الفقراء، وهم يأتون ليلًا ولن يشعروا بالخجل فلن يراهم أحد. لحم ذبيحة السلامة هو خاص بالله، له وحده إذ يقول عنها " التي للرب " (آية21).
وهو وحده له حق التصرف فيه، حتى لو أخذه مقدمه إلى بيته، لقد صارت الذبيحة لله من لحظة تقديمها. والله صاحب الحق في التوزيع يأمر من قدم الذبيحة أن يستعملها بكرم مع الآخرين، الكل يأكل منها والفقراء إخوة الرب أولًا. وعلى من يريد أن يشكر الرب فعليه أن يظهر فرحه المقدس بالله باحتفال مقدس يدعو إليه الآخرين. ولذلك نص الله على أن مقدم الذبيحة يجب أن ينتهي من أكلها في نفس الليلة ولا يبقي منها للصباح. فكيف ينتهي منها إن لم يدعو آخرين. هذا النص يشجعه على دعوة الآخرين وأن لا يكون بخيلًا فيبقي منها لنفسه حتى اليوم التالي لاستعماله الشخصي، مما يخالف فكرة الشركة. لذلك يطلقون في الغرب على السر، سر الشركة.
ولكن قوله لا يبقي منه شيئًا حتى الصباح يشير لجانب هام من القيامة، فالمسيح قام والظلام باقٍ أي لم يبق ميتًا كذبيحة في الصباح (صباح الأحد). وهناك معنى آخر أننا نأكل من ذبيحة الإفخارستيا في ليل هذا العالم حتى يجيء صباح يوم القيامة، وهناك في الملكوت لن تكون هناك ذبيحة. وإشارة أنه لا يبقي منه حتى الصباح سبق الإشارة إليها في خروف الفصح (خر12 : 8، 10) وهذه أيضًا تشير للقيامة. ذبيحة السلامة فيها مائدة شبع للجميع (لحم وفطير وخبز) هي مائدة دسمة.
ومائدة التناول أشار لها إشعياء في (إش25: 6) أنها "وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دَرْدِيّ، سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ" (خمر) = وهذه تعني أن معرفة المسيح والإتحاد به والثبات فيه في سر الإفخارستيا تعطي شبع، أي لا نحتاج لغيره. فذبيحة الإفخارستيا تفتح الأعين فنعرف المسيح (تلميذيّ عمواس) ومن يعرفه حقيقة يحبه ويشبع به ويدرك أنه لا يحتاج لسواه.
الآيات (16-17):- " وَإِنْ كَانَتْ ذَبِيحَةُ قُرْبَانِهِ نَذْرًا أَوْ نَافِلَةً، فَفِي يَوْمِ تَقْرِيبِهِ ذَبِيحَتَهُ تُؤْكَلُ. وَفِي الْغَدِ يُؤْكَلُ مَا فَضَلَ مِنْهَا. وَأَمَّا الْفَاضِلُ مِنْ لَحْمِ الذَّبِيحَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيُحْرَقُ بِالنَّارِ."
هذه خاصة بشريعة النذور والنافلة. هنا يسمح بالأكل منها في اليوم التالي لكن لا تستمر حتى اليوم الثالث. فنجد أن الشريعة أعطت الحق لمقدم النذر والنافلة الحق في إستخدام لحم ذبيحته حتى اليوم الثاني فهي تقدمة اختيارية.
ولكن هذه الشريعة إستكملت بلورة قصة القيامة. فهي تشرح قيامة المسيح في اليوم الثالث (هو6: 2)، فهنا تظهر وتكتمل الصورة أنه يقوم في اليوم الثالث قبل الفجر.
وكانوا يملحون لحم ذبائحهم حتى لا تفسد وتتعفن "كل ذبيحة تملح بملح" (مر9: 49).
وأما الفاضل من لحم الذبيحة في اليوم الثالث فيحرق بالنار = تمليح الذبيحة وعدم الإبقاء منها حتى اليوم الثالث، وحرق المتبقي يشير إلى أن جسد المسيح إذ مات لم يتطرق إليه الفساد "لن تدع تقيك يرى فسادًا" (مز16: 9، 10). وهذا راجع لعدم انفصال لاهوت المسيح عن ناسوته أي جسده الميت إنسانيا (= انفصال الروح الإنسانية عن الجسد لكن اللاهوت ظل متحدا بالجسد في القبر، وظل متحدا بالروح الإنسانية التي ذهبت إلى الجحيم لتفتحه وتخرج بالنفوس البارة وتفتح لها الفردوس).
أية (18):- "وَإِنْ أُكِلَ مِنْ لَحْمِ ذَبِيحَةِ سَلاَمَتِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لاَ تُقْبَلُ. الَّذِي يُقَرِّبُهَا لاَ تُحْسَبُ لَهُ، تَكُونُ نَجَاسَةً، وَالنَّفْسُ الَّتِي تَأْكُلُ مِنْهَا تَحْمِلُ ذَنْبَهَا."
من يخالف هذا فقد كسر الرمز الذي يرمز للمسيح في قيامته بجشعه، إذ أراد أن يحتفظ بجزء من الذبيحة لنفسه وإمتنع عن دعوة الآخرين. مرة أخرى، هذه الخطية هي التمركز حول الأنا والذات والخلو من المحبة وفي هذا انفصال عن الله لذلك سمى هذا نجاسة. والذي يقربها لا تحسب له = إذن عليه أن يقرب غيرها، هذا ليشجع مقدم الذبيحة على الالتزام بالطقس الصحيح.
أية (19):- " وَاللَّحْمُ الَّذِي مَسَّ شَيْئًا مَا نَجِسًا لاَ يُؤْكَلُ. يُحْرَقُ بِالنَّارِ. وَاللَّحْمُ يَأْكُلُ كُلُّ طَاهِرٍ مِنْهُ."
هذه الآية تشير لأن إنتقال النجاسة أسهل كثيرًا من إنتقال القداسة أي إذا وُجِدَ إنسان طاهر في مجلس مستهزئين، فستنتقل نجاستهم وخطاياهم إليه، أسهل كثيرًا من أن تنتقل نعمته إليهم. لذلك داود فضل أن لا يجلس في مثل هذا المجلس وأن يعتزل الخطية. وهذا يفسر لماذا سأل حجي النبي سؤاله (حج 2: 12، 13).
الآيات (20-21):- " وَأَمَّا النَّفْسُ الَّتِي تَأْكُلُ لَحْمًا مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ الَّتِي لِلرَّبِّ وَنَجَاسَتُهَا عَلَيْهَا فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. وَالنَّفْسُ الَّتِي تَمَسُّ شَيْئًا مَا نَجِسًا نَجَاسَةَ إِنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةً نَجِسَةً أَوْ مَكْرُوهًا مَا نَجِسًا، ثُمَّ تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ الَّتِي لِلرَّبِّ، تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا»."
الآية (20) متطابقة مع (1كو11: 27) لذلك ينبغي أن نقدم توبة وأن نعترف قبل أن نتقدم لسر التناول. والآية (21) تدعو من يأكل أن يحفظ نفسه طاهرًا ولا يتنجس. وهذه الآية تفسر لماذا رفض اليهود دخول دار الولاية (يو18: 28) لأنهم كانوا يريدون الأكل من ذبيحة السلامة في الفصح وخافوا لئلاّ يتنجسوا، وبحسب هذه الشريعة لن يأكلوا.
تقطع تلك النفس من شعبها = يحرم المخالف من ممارسة الشعائر.
الآيات (22-27):- " وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: كُلَّ شَحْمِ ثَوْرٍ أَوْ كَبْشٍ أَوْ مَاعِزٍ لاَ تَأْكُلُوا. وَأَمَّا شَحْمُ الْمَيْتَةِ وَشَحْمُ الْمُفْتَرَسَةِ فَيُسْتَعْمَلُ لِكُلِّ عَمَل، لكِنْ أَكْلًا لاَ تَأْكُلُوهُ. إِنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ شَحْمًا مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي يُقَرِّبُ مِنْهَا وَقُودًا لِلرَّبِّ تُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهَا، النَّفْسُ الَّتِي تَأْكُلُ. وَكُلَّ دَمٍ لاَ تَأْكُلُوا فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ مِنَ الطَّيْرِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. كُلُّ نَفْسٍ تَأْكُلُ شَيْئًا مِنَ الدَّمِ تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا»."
سبق شرحها فالشحم والدم من نصيب الرب لا يأكل منها أحد:-
الشحم يشير لكل طاقات أعضائنا الدفينة (العضلية والعقلية والعاطفية = يا ابني أعطني قلبك) فهذه ينبغي أن يكون لله وحده. ولاحظ أن الشحم حين يحترق يزيد إشتعال النار على المذبح، والمعنى أننا كلما كرسنا أنفسنا لله، وأعطينا كل طاقاتنا لله، كلما ازداد امتلائنا من الروح القدس الناري، فتشتعل النيران الإلهية داخلنا فتحترق أشواك الخطية، وبالتالي تشتعل نيران الحب والفرح داخلنا.
والدم يشير للنفس أي حياة الإنسان وهذه الحياة هي لله.
أما شحوم الميتة وشحم الحيوانات المفترسة = فكان يحل لهم أن يستعملوها في عمل الشموع والإيقاد لكن لا تؤكل. فمن يأكل من لحم فريسة إلتهمها وحش قبله فلقد صار شريكا للوحش، ومن يأكل من لحم حيوان ميت، فهو تلامس مع جثة ميتة والموت نجاسة، عموما هذا النص يمنع شعب الله من أن يتصرف بدناءة.
الآيات (28-34):- " وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: الَّذِي يُقَرِّبُ ذَبِيحَةَ سَلاَمَتِهِ لِلرَّبِّ، يَأْتِي بِقُرْبَانِهِ إِلَى الرَّبِّ مِنْ ذَبِيحَةِ سَلاَمَتِهِ. يَدَاهُ تَأْتِيَانِ بِوَقَائِدِ الرَّبِّ. الشَّحْمُ يَأْتِي بِهِ مَعَ الصَّدْرِ. أَمَّا الصَّدْرُ فَلِكَيْ يُرَدِّدَهُ تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ. فَيُوقِدُ الْكَاهِنُ الشَّحْمَ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَيَكُونُ الصَّدْرُ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ. وَالسَّاقُ الْيُمْنَى تُعْطُونَهَا رَفِيعَةً لِلْكَاهِنِ مِنْ ذَبَائِحِ سَلاَمَتِكُمْ. اَلَّذِي يُقَرِّبُ دَمَ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ وَالشَّحْمَ مِنْ بَنِي هَارُونَ، تَكُونُ لَهُ السَّاقُ الْيُمْنَى نَصِيبًا، لأَنَّ صَدْرَ التَّرْدِيدِ وَسَاقَ الرَّفِيعَةِ قَدْ أَخَذْتُهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَبَائِحِ سَلاَمَتِهِمْ وَأَعْطَيْتُهُمَا لِهَارُونَ الْكَاهِنِ وَلِبَنِيهِ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»."
يأتي بقربانه... يداه تأتيان = أي يقدم تقدماته بيديه علامة الرضى وأنه يقدم لله هذه التقدمة برضى علامة حب لله باختياره.
الصدر والساق للكاهن = الكاهن هنا يمثل الله، وكونه يقبل الصدر والرجل اليمنى معناه أن مقدم الذبيحة يعطي لله كل مشاعره وقلبه ومحبته (الصدر)، وأعماله (الرِّجل) وبقوة (اليمنى) فهكذا قدم المسيح لنا محبته (الصدر). وعمل فداؤه القوي (الرِّجل اليمنى) فنحن نقدم له ذبيحة سلامتنا (الصدر والرِّجل). وتشير إلى أن الله يعطي لخدامه محبته وقوة تسندهم في خدمتهم، وهم عليهم أن يقدموا محبتهم وأن يسلكوا ببر وبإستقامة. وهذه العطية لهرون ولبنيه = أي لكل الكنيسة، الكل يتمتع بمحبة المسيح وعمله القوي (رجله اليمنى) التي داس لنا بها الشيطان. وعلى الكاهن أن يعطي حبه لرعيته، لذلك نقشت أسماء أسباط إسرائيل على صدرة رئيس الكهنة logion (قلبه) وكتفه.
الترديد = كان الكاهن يضع على يد مقدم الذبيحة الشحم وفوقه الصدر وفوق الصدر الساق والخبز فوقهم ويرددهم، أي يضع يديه تحت يد مقدم الذبيحة ويرفعها ثم يحركها للجهات الأربع شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا. والمعنى أن الكاهن يقدم الذبيحة لله، ويقدم شكره له فهو يملأ المسكونة كلها وأعمال محبته تشمل كل خليقته. ثم يتقبل نصيبه من يد الرب. وكأنه يقدم لله صدره وقدمه ويتسلمهم منه بقوة ليعمل لحسابه. وأيضًا يشكر الرب على إحسانه. وفي تقديم الحمل في الكنيسة القبطية يحرك الكاهن يديه في حركة مشابهة ويقول "إعط يا رب أن تكون هذه الذبيحة مقبولة أمامك عن خطاياي وجهالات شعبك " بمعنى التضرع لله بأن يقبل ويغفر فإحساناته تغمر المسكونة كلها شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا. ولاحظ أن حركة الترديد على مثال الصليب †. فالصليب كائن وراء كل ذبيحة، فالذبائح كلها تشير لشيء واحد وهو المسيح المقدم ذبيحة على الصليب.
رفيعة = هذه لها معنيان الأول أنها ترفع من التقدمة ليأخذها الكاهن، والمعنى الآخر أنها ترفع أمام الله إلى أعلى وتردد أمام جلاله.
الآيات (35-36):- "تِلْكَ مَسْحَةُ هَارُونَ وَمَسْحَةُ بَنِيهِ مِنْ وَقَائِدِ الرَّبِّ يَوْمَ تَقْدِيمِهِمْ لِيَكْهَنُوا لِلرَّبِّ، الَّتِي أَمَرَ الرَّبُّ أَنْ تُعْطَى لَهُمْ يَوْمَ مَسْحِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِهِمْ. "
مسحة هرون = كلمة "مسحة" تعني مسحة الزيت. وهناك كلمة أخرى عبرية لها نفس الشكل وهي مشحة بمعنى آخر وتعني نصيب. ووضع كلمة مسحة في هذه الآية تعني المعنيان، أنه يوم أن قدم هرون وبنيه ليمسحوا أي يتم تكريسهم للرب ، صاروا نصيبًا للرب، والرب أعطاهم نصيب لهم من ذبائحه فهم شركاؤه في الخدمة والعمل. الله هو الكاهن الأعظم وهارون وبنيه هم ممثلوه على الأرض. هذه الآية قد تفهم ماديًا بأنها نصيب هرون وبنيه من الأكل حتى لا يجوعوا وهذا ليس خطأ، ولكن الله الذي قال: أطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه الباقية تزاد لكم: "اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ". يطلب من كهنته أن يهتموا أولًا بالروحيات وخدمتهم الكهنوتية وخلاص نفوس شعبه وهو سيملأهم روحيًا لأجل نجاح هذه الخدمة.. أما امتلاء بطونهم فهذه تُزاد لهم.
فكما رأينا أن الله يعطي لكهنته القوة والشبع الروحي وهذا لحساب خدمة شعبه، هو يعطي لكهنته وهم يوزعون لإشباع شعب الله بالمعرفة. كما كان المسيح يعطي لتلاميذه يوم معجزة الخمس خبزات وهم يوزعون على الجموع .
الآيات (37-38):- "تِلْكَ شَرِيعَةُ الْمُحْرَقَةِ، وَالتَّقْدِمَةِ، وَذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ، وَذَبِيحَةِ الإِثْمِ، وَذَبِيحَةِ الْمِلْءِ، وَذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ، الَّتِي أَمَرَ الرَّبُّ بِهَا مُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ، يَوْمَ أَمْرِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِتَقْرِيبِ قَرَابِينِهِمْ لِلرَّبِّ فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ."
هذه هي الشريعة التي أمر بها الرب = إذًا يلزم التدقيق فيها فهي أوامر من الرب، أوامر مقدسة.
وأما ذبيحة الملء = فهي الخاصة برئيس الكهنة التي يقدمها يوميًا لمدة سبعة أيام عند تكريسه، والخاصة بالكهنة أيضا، حتى يمتلئوا. وهذه شرحها في سفر الخروج إصحاح 29 وسيرد بعض ملحوظات عنها في الإصحاحات التالية.
ملحوظة = قدم صموئيل لشاول الملك من ساق الرفيعة دلالة على أنه ينتظره مركزًا هامًا وينتظره عملًا مقدسًا في خدمة شعب الرب (1صم9: 24).
كانت الذبائح خمسة أنواع:- محرقة، دقيق، سلامة، خطية، إثم. ورقم خمسة كما أشرنا سابقًا يشير للنعمة التي ظهرت بصليب أي ذبيحة المسيح. ولكن رقم خمسة يشير أيضًا للمسئولية وهذا يتضح من مثال الخمس عذارى الحكيمات والخمس الجاهلات. فالله أعطانا نعمة الامتلاء من الروح القدس أي الزيت الذي في الآنية ولكن كون أن نمتلئ فهي مسئوليتنا الشخصية. لذلك يقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس "إضرم موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ" فتيموثاوس قد حصل على موهبة الله ولكن إضرامها أي إشعالها أي امتلاءه من الروح القدس، هو مسئوليته الشخصية (2تى1: 6). ورقم 5 أيضًا يشير للحواس الخمس وبالتالي أيضًا يشير للمسئولية الشخصية، فمسئوليتي هي أن أسمح بدخول أي شيء لداخلي من خلال منافذ التعامل مع العالم، فما يدخل ويستقر يساعد أن أمتلئ أو أفرغ من مواهب الله التي أعطاها لي. والمسيح بذبيحته على الصليب إستوفى كل شيء، فهو أرضى الآب وحمل خطايانا ولعنتنا بدلًا منا. ولكننا واحد مع المسيح نحن جسده من لحمه ومن عظامه، إذًا يجب علينا أن نتبع خطواته ونقدم جسدنا ذبيحة حية لنرضي الله. ونكون نحن الذين نقدم الذبيحة، ونحن بأجسادنا الذبائح أيضًا تُـ"قَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً" (رو12: 1). وكيف يمكن أن يتم هذا؟
1- ذبيحة المحرقة :- رأينا فيها المسيح في طاعة كاملة للآب حتى الموت. فما هو مطلوب منا أن نقدم ذواتنا في طاعة كاملة وتسليم كامل حتى لو قادنا هذا للصليب (صليب أي ألم أو تجربة). ويتضمن هذا طاعة وصايا الله. وقطعًا فهذا له تكلفته، فإذا أردنا أن نقدم خدمة أو نتسامح مع من يريد أن يؤذينا، أو أن نتواضع أمام من لا يحبنا، يصبح هذا شيئًا صعبًا جدًا. ولكن هذا معنى الذبيحة. وهذه أشياء لا تكلل هنا بل في السماء.
2- تقدمة الدقيق :- هنا المسيح يقدم حياته لنا، هو يُطحن ليصير لنا طعامًا وحياة، فهل نقبل أن نكون طعامًا للآخرين، نخدمهم في محبة، نُنفِق ونُنفَق من أجلهم (2كو12: 15) نبحث عن الجوعى والمساجين والمحتاجين. راجع (فى4 : 18) لتفهم معنى هذه الذبيحة. وراجع قوله "كُنَّا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لاَ إِنْجِيلَ اللهِ فَقَطْ بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا" (1تس2 : 8).
3- ذبيحة السلامة :- هي حياة الشركة والحب مع الجميع فيفرح الله بأن يشترك معنا. ولنلاحظ أننا في القداسات ملزمون أن نصلي من أجل الجميع وفي محبة وصلح للجميع، وليس من أجل خلاصنا وحياتنا فقط.
4- ذبيحة الخطية :- حقًا المسيح مات لأجلي وحمل خطيتي ولكن عليَّ أنا أن أموت للخطية، وأن أحسب نفسي ميتًا عن خطايا وشهوات هذا العالم راجع (رو6). فنحن لن نختبر حياة القيامة مع المسيح ما لم نقبل أن نموت معه عن خطايا العالم. وهذه ذبيحة مثل التي قدمها يوسف البار الشاب العفيف، الذي كان جسده الخاطئ يحتاج لهذه الخطية لكنه فضل أن يقدم نفسه ذبيحة ويصلب أهواءه وشهواته. فكان مثالًا لجده إبراهيم الذي قدم ابنه ذبيحة. وهذه الصورة الرائعة صورها قداسة البابا شنودة في ترنيمة "هوذا الثوب خذيه" [وراجع (فى3: 19 + 1كو11: 31 + غل5: 24 + غل6: 14 + 1بط3: 18 + 1بط4: 1).
5- ذبيحة الإثم :- هي تقريبًا متطابقة مع ذبيحة الخطية ولكن نخرج منها بشيء جديد، فلا يكفي أن نعترف بخطيتنا أمام الكاهن ونحصل على الحل، لكن يجب أولًا أن نعوض من أخطأنا في حقه. فلا يصح أن يعترف أحد بأنه أهان شخص آخر ويأتي ليعترف دون أن يذهب أولًا ليعتذر لأخيه المجروح. وقد تقف أمام هذا كبريائنا الشخصية والمقصود أن نقدمها ذبيحة وفي هذا أيضًا من يسرق فلا بد أن يرد المسروق بطريقة أو بأخرى. هكذا فعل زكا وهكذا قال السيد المسيح (مت5: 23، 24).
* ذبيحة المحرقة تشير إلى البر الموهوب لنا في دم المسيح، بينما ذبيحة الخطية والإثم يشيران إلى رفع الخطية عنا. أما ذبيحة السلامة فتكشف عن حق جديد لنا في الدم وهو حق الشركة في حياة المسيح لنوال السلام الأبدي. المقصود بالشركة قطعًا ليست الشركة في لاهوته، بل في محبته وقداسته وحياته ومجده وأبديته...
* ولكن نقف أمام عدم الأكل من ذبيحة السلامة إذا كانت نجاساتنا علينا!!
ونقارن مع قول بولس الرسول عمن يأكل ويشرب بدون استحقاق (1 كو 11)، نجد الطقس لا يقول نجاساتها فيها بل "عليها". وهناك فرق كبير بين قوله عليها وقوله فيها. فهناك استحالة أن أقول: (لا يجب أن يكون فِيَّ خطية)، لأن الرسول يوحنا يقول "إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا" (1يو1: 8). وبولس الرسول يقول "الخطاة الذين أولهم أنا" وفي (رو7: 17) يقول "الخطية الساكنة فِيَّ". إذًا الخطية ساكنة فينا لا محالة. ولكن هذا ليس معناه أن أعيش مستعبدًا للخطية، بل عليَّ أن أحاربها وأحارب أعضائي التي تشتهي الخطية: فنحن لسنا الآن تحت الناموس بل تحت النعمة: "لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ" (رو6: 14) = أنا أحارب بالروح الذي فِيَّ الذي يعطي قوة (رو8: 2) والروح القدس يعين في هذه الحرب (رو8: 26). ومن يجاهد ويقمع جسده ويستعبده ويضبط نفسه حتى بالرغم من وجود الخطية فيه لا تصبح عليه خطية، وراجع (1كو9: 25 + 1كو9: 27 + كو3: 5). فلنقدم توبة واعتراف، "وإن إعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا" (1يو1: 9). وبعد هذا إن لامنا ضميرنا أن هناك خطية قائلا لنا لا يجب أن نتقدم للتناول، فهذا يعتبر تشكيك في فاعلية دم المسيح كذبيحة عن خطايانا وأثامنا راجع (عب10: 19 – 23).
الكاهن يأكل من ذبائح السلامة والخطية وتقدمة الدقيق. وإذا كان الكاهن يشير للمسيح رئيس كهنتنا فما معنى أنه يأكل من هذه الذبائح؟
1) الكاهن يمثل المسيح، فحينما يأكل من ذبيحة الخطية فهذا فيه إشارة لأن المسيح حمل خطايانا ومات بها فأماتها. ولقد تناول المسيح مع تلاميذه ليلة تأسيس سر العشاء الرباني، فهذا ليشير للشركة بين المسيح وبيننا. لكن بالنسبة للكاهن فهو يرمز للمسيح حينما أكل من الذبيحة. وبالنسبة للدقيق الذي يرمز للحياة فهذا يرمز لأن المسيح يعطينا حياته.
2) هناك تأمل في قول إشعياء عن المسيح "من تعب نفسه يرى ويشبع" (إش53: 11) فالمسيح يشبع حين يرى شعبه في سلام ولهم حياته الأبدية وشركة جسده الواحد (ذبيحة السلامة) وهم بدون خطية، مبرَّرين (ذبيحة الخطية)، وحياتهم للآخرين (تقدمة الدقيق).
هذه الإصحاحات تقدم صورة رائعة لحياة التكريس وهي تشير لأن التكريس يبنى على
1- التقديس :- وهذا يكون بدم يسوع. فكان هرون عليه أن يغتسل وأن تتقدس ملابسه.
2- التخصيص :- عدم الإنشغال بالعالم ورمز لهذا أن يبقى في الخيمة 7 أيام. وعليهم أيضًا (هرون وأبناؤه) ألا يفرحوا كالعالم وألا يحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. وعليهم أيضًا أن يعتبروا الرب نصيبهم، هو يعولهم.
والمؤمنين بهذا المفهوم كلهم مكرسين لحساب ربنا يسوع، كل من قبل المعمودية أي أغتسل وقدس ملابسه يصير مكرسًا للرب، كاهنا بالمفهوم العام للكهنوت أي يقدم ذبائح الحمد والتسبيح ومقدمًا نفسه ذبيحة حية.
وكما حدث في سفر الخروج فقد قدم الله شرحًا لموسى عن خيمة الاجتماع في الإصحاحات 25 – 30 وقدم فيها أيضًا شرحًا لملابس الكهنة وطقس تكريسهم نجد هناك في الإصحاحات لا8 – 10 تنفيذ طقس تكريس الكهنة وبدء خدمتهم في الخيمة. وقد أرجئ أمر تكريس الكهنة إلى هنا حتى يأتي بعد الحديث عن شرائع الذبائح والتقدمات
(لا
1 – 7) ليربط الذبائح بالكهنوت، والكهنوت بالذبائح، فلا ذبيحة
بدون كاهن، كما أنه لا عمل كهنوتي خارج الذبيحة. والخيمة بدون كهنة
ستشبه المنارة بدون فتائل الإيقاد.
_____
(1) شواهد إضافة من الموقع: (متى 16: 24؛ مرقس
8: 34؛ لوقا 9: 23؛ 14: 27).
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
← تفاسير أصحاحات اللاويين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير اللاويين 8 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير اللاويين 6 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sgsyrd5