محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
سفر رويا يوحنا الإنجيلي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22
الآيات 1-6 "وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ: «هذَا يَقُولُهُ الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ وَالسَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ. كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ. فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ، فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ، أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ. عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ. مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ»".
كلمة ساردس تعني بقية ولنذكر أن الكنيسة السابقة كان اسمها المسرح. فبعد أن دخلت المظهرية والحياة السطحية إلى الكنيسة، لم يتبق في الكنيسة سوى عدد قليل من المؤمنين. فالحياة السطحية والمظهرية هي حياة بلا عمق وهذا يؤدي إلى عدم معرفة الله وبالتالي يؤدي إلى عدم محبة الله ومن يحيا هكذا:
1. لن ينفذ وصايا الله، فالحب هو الذي يدفع لتنفيذ الوصايا (يو 23:14).
2. مثل هذا أيضًا تجذبه إغراءات هذا العالم فيتنجس إذ لم يكتشف اللؤلؤة كثيرة الثمن أي شخص المسيح. فيبيع بقية اللآلئ (العالم بملذاته).
لذلك طلب المسيح من تلاميذه ومنا أن ندخل إلى العمق، عمق المعرفة وعمق المحبة، أما من عاش في السطحية بلا عمق معرفة ولا عمق حب فهو لن يعود يهتم برأي الله فيه، بل كل اهتمامه سيكون في رأي الناس فيه، وهذا ما يسمى الرياء. وهذه هي مشكلة هذه الكنيسة أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ. مثل هذا الإنسان يهتم أن يراه الناس كإنسان عظيم متدين = حَيٌّ ولكنه بسبب قلبه الخالي من المحبة هو إنسان في نظر الله مَيْتٌ. ولاحظ قول السيد المسيح في مثل الابن الضال عند عودته بالتوبة أنه كان ميتا فعاش. إذًا من يحيا في الخطية يكون ميتا في نظر الله. وما الذي يجعل إنسانا يحيا في الخطية؟ الإجابة هي نقص المحبة (يو 23:14).
ولنلاحظ أن كل إنسان له خمس حواس خارجية يتعرف بها على العالم ومن تتعطل حواسه الخمس عن العمل فهو بالقطع ميت. وكما أن لنا حواس خارجية ندرك بها العالم حولنا، فنحن لنا حواس داخلية ندرك بها السماء ونتعرف بها على الله. فبالمعمودية يولد داخلنا إنسان داخلي له خمس حواس داخلية يتعرف بها على الله وعلى السماء. بها نرى الله ونسمع صوته ونتذوق حلاوة عشرته ونتلامس معه.
الحواس الداخلية هي قنوات اتصالنا بالله وبالسماء.
فالكتاب يقول طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله (مت8:5) هذا عن النظر الروحي ويقول الكتاب من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس (رؤ6:3) والخراف تتبع المسيح لأنها تعرف صوته (يو4:10) وهذا عن السمع الروحي.
ويقول داود "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز8:34) وهذا عن تذوق عشرة الله. ونذكر أن الرب يسوع خرجت منه قوة للشفاء لأن امرأة لمسته لمسة فيها إيمان وهكذا من يتلامس مع الله تلامس فيه إيمان سيدرك قوته ومحبته ويأخذ منه ما يطلبه.
ولكن ما الذي يمنع هذه الحواس من العمل؟ الإجابة هي الخطية. فنحن نسمع أن من يريد أن يرى الله يلزم أن يكون نقيا (مت8:5). ويطلب منا بولس الرسول قائلًا "اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب14:12).
إذًا فالخطية هي التي تسبب فقدان الحواس الداخلية. ومن يفقد حواسه الداخلية فهو في نظر الله ميت إذ لا قنوات اتصال بالله، فهو لا يرى الله ولا يسمع صوته ولا يتلذذ بعشرته، وبالتالي فلن يكتشف اللؤلؤة كثيرة الثمن. أما المؤمن الذي يحيا في نقاوة فيستطيع أن يقول مع يوحنا "الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو1:1).
إذًا مشكلة هذه الكنيسة أن بها أشخاص هم أحياء في نظر الناس إذ:
1. ربما لسمعتهم القديمة.
2. أو ربما لريائهم إذ يتظاهرون بالتدين.
لكنهم في نظر الله أموات فهم بلا عمق وبالتالي بلا معرفة وبالتالي بلا حب. حتى لو كان لهم نشاط كنسي لذلك فالمسيح لم يبدأ كلامه لهذه الكنيسة بأي مدح، بل بدأ بالهجوم عليهم مباشرة وعتابهم والسبب أنهم أخذوا مدحهم من الناس وهم غير مهتمين برأي الله فيهم. ولاحظ قول المسيح هنا عندك أسماء قليلة (أي البقية) في ساردس لم ينجسوا ثيابهم = إذًا فالسبب أنهم أموات في نظر الله لأنهم يحيون في نجاسة.
من يغلب = هو من يحيا في العمق فيعرف الله ويحبه وبالتالي ينفذ وصاياه ويتحاشى الخطية فلا ينجس ثيابه بمحبة هذا العالم. من ينجح في هذا ويغلب فسيعطيه السيد أن يتبرر أمامه ويغفر خطاياه، ويعطيه حياة جديدة نقية، هؤلاء قال عنهم فسيمشون معي في ثياب بيض لأنهم مستحقون. إذًا من يسير في الطريق الصحيح وهم قلة يرثون مع المسيح في مجده.
الصورة التي ظهر بها المسيح:- الذي له سبعة أرواح الله = أي الذي له الروح القدس المحيي. فهو يكلم أشخاص أموات محتاجين لمن يحييهم، لذلك يقول لهم أنا مستعد أن أعطيكم الروح القدس الذي يحييكم. والروح القدس هو الذي يبكت على الخطية (يو8:16) ويدفع الخاطئ للتوبة لذلك نصلي "توبني يا رب فأتوب" (أر18:31). وهو يعين ضعفاتنا (رو26:8) أي بعد أن يبكت يعطي قوة ومعرفة. وكأن المسيح يقول لهذه الكنيسة ما عليكم إلا أن تطلبوا مني الامتلاء من الروح وأنا أعطيكم فتحيوا. فالروح القدس يعطي لمن يسألونه (لو13:11) ومَنْ يسأل يعطي له الروح، ومَنْ يتجاوب مع عمله تعود حواسه الداخلية للعمل، هذه الحواس يدربها الروح القدس فتتصل بالسماويات (عب14:5).
والروح القدس أيضًا يعلمنا ويذكرنا بما قاله المسيح (يو26:14). ومن قدم توبة تنفتح أذناه فيسمع صوت الروح القدس المعلم. ومن يتوب ويتعلم ينتقل للدرجة الأعلى وتنفتح عيناه ليرى ما لم تره عين. يرى أمجاد السماء الآن كمن ينظر في مرآة (1كو9:2-12) + (1كو12:13). فعندما يسير المؤمن في طريق القداسة يرتقى خطوة خطوة. ومَنْ يبدأ بالتوبة يصل لأن يمنحه الروح أن يكون له فكر المسيح (1كو16:2) ويكشف له أمجاد السموات، ولكن هذا لا يُعْطَى إلا لمن استجاب للخطوة الأولى أولًا أي قدم توبة. فلا يمكن لإنسان أن يبني الدور العاشر إن لم يبني أولًا الدور الأول.
له السبعة الكواكب = المسيح يقول أنتم لي، فلماذا أنتم مهتمون برأي الناس فيكم فأنتم لي ولستم للناس. وأنا قادر أن أمنحكم الروح القدس، ولكن لا أستطيع أن أعمل شيئًا بدون أن تطلبوا "اسألوا تعطوا" فلنسأل الله أن يملأنا من الروح القدس. ولنهتم فيما لله وليس فيما للناس.
ومن كلمات عتاب السيد المسيح لهذا الأسقف = لم أجد أعمالك كاملة أمام الله = كان اهتمامك بأن تكون كاملا أمام الناس. لكن أنا فاحص القلوب والكلى، وأنا أعلم ما في قلبك، أنا أعلم ما في الداخل. والمهم أن يكون المدح من الله وليس من الناس فتقديرات الناس يمكن أن تخدع، فهم يجهلون الحقيقة أو هم يجاملون ليس بحسب الحقيقة. وهذه الآية رد على من يقولون أن الخلاص بالإيمان ولا أهمية للأعمال ونصائح السيد لهذا الأسقف:
1. أسهر = كُن ساهرًا وكُن مستعدًا لملاقاة الرب في يقظة وانتباه ووعي وإدراك.
2. شدد ما بقى = الله يطلب منه أن يضرم نار الروح القدس، والله لا يترك فتيلة مدخنة بل يعمل فيها حتى لا تنطفئ، ولا يترك قصبة مرضوضة بل يتعهدها برعايته حتى لا تنقصف. ولكن دوري أنا أن أجاهد وأعمل وأطلب بلجاجة والله يسكب على نعمته أي روحه القدوس. والجهاد يضرم فينا نار الروح القدس.
3. أذكر كيف أخذت = تَذَكَّر إحسانات الله عليك، وكيف أعطاك بسخاء ولم يُعيِّر، بل كان الله يعطيك بكل محبة. وأذكر ماذا قدمت أنت له وأذكر الإيمان الصحيح الذي تسلمته ولا تشوهه.
4. تذكر أن يوم الدينونة يأتي بلا سابق إنذار أي فجأة = أقدم عليك كلص.
5. إذًا من نصائح الله لهذا الملاك أنه عليه أن يذكر كيف أخذ، أي يذكر إحسانات الله عليه فيخجل، أو يذكر يوم الدينونة فيندم إذ يذكر أن أعماله كانت ناقصة. ويوم الدينونة الذي يأتي فيه الرب كلص ليس هو يوم الدينونة العامة لكن هو يوم يموت أي شخص
6. كيف سمعت.. وأحفظ = كيف سمعت البشارة التي بشر بها رسل المسيح وتذكر كيف كنت عند بداية إيمانك واحفظ إيمانك وتقواك الأولين وهذا يحتاج لتوبة. نرى هنا صورة سبق الله وأراها لحزقيال، إذ رأى عظاما ميتة، وعندما دخل فيها الروح صار لها حياة (حز1:37-10). ونرى هنا اهتمام الله بكل نفس حتى هذا الملاك الذي يراه ميتًا، فهو يهتم به ويرسل له رسالة ويعطيه فرصة ليغلب ويحيا لذلك فعلى كل خادم أن يعطي رجاء لكل إنسان.
ما بقى = الكنيسة لم يتبق بها سوى بقية قليلة، أدركهم يا أسقف حتى لا يموتوا.
عتيد أن يموت = هم في طريقهم للموت، وقد اقتربوا من الهلاك فأدركهم.
والوعد لهذه الكنيسة لمن يغلب:-
الثياب البيض = أي تبرير= مسح كل خطية وهذه الثياب البيض أعطاها الأب للابن الضال حين عاد، فالتوبة تبيض. والثياب البيض تعطي لمن يستحق ويجاهد ليحفظ ثيابه بلا نجاسة. أما من يهتم برأي الناس فيه وليس رأي الله فسيكتب اسمه في سفر الأرض الفانية.
لن أمحو اسمه من سفر الحياة = بالمعمودية تكتب أسماؤنا في سفر الحياة. وإذا كانت حياتي حياة توبة مستمرة تستمر ثيابي نقية "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" أي أن من يتجاوب مع عمل الروح القدس لن يمحى اسمه من سفر الحياة الأبدية.
سأعترف باسمه = أشهد بإخلاصه أمام أبى، ويكون من خاصتي ومكانه معي (يو17: 24).
يمشون = إذًا الملكوت ليس حالة من السكون بل نشاط وحركة.
قوله من يغلب يلبس ثياب هو إشارة لما كان يفعله القادة الرومان، إذ كانوا إذا وجدوا جنديا نائما يحرقون ملابسه ويجعلونه يمشي عاريًا. إذًا هذه الكنيسة محتاجة للسهر والصلاة للامتلاء بالروح فلا يفتضحوا.
ولاحظ في قوله لن أمحو إذًا هناك من ستمحى أسماءهم لأنهم وجدوا غير مستحقين.
آيات 7-13 "وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي فِيلاَدَلْفِيَا: «هذَا يَقُولُهُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي. هنَذَا أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ، مِنَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ يَكْذِبُونَ هنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ. لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ. هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إِلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ»".
معنى كلمة فيلادلفيا هو محبة الإخوة. وهذه تشير للعصر الأخير قبل مجيء ضد المسيح. ومحبة الإخوة تشير لعصر وحدة وتآلف بين الكنائس يسمح به الله ليسبق الأيام الصعبة عند ظهور ضد المسيح، والضيقة العظيمة التي تصاحبه. وكما قلنا من قبل فإن كنيسة لاودكية الأخيرة تمثل زمن مجيء ضد المسيح التي سيكون فيها ضيق لم ولن يكون مثله (دا1:12). وتكون وحدة الإخوة كاستعداد لمواجهة هذه الأيام الصعبة.
ومشكلة هذه الكنيسة:- لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً = فهم عندهم قوة يسيرة هذا بالرغم من أنهم لم ينكروا الإيمان بالمسيح. وهذه الحالة قد تصيب الإنسان وبالذات الخدام حين يواجهون مشاكل كثيرة. وأمام ضغط المشاكل التي تبدو بلا حل ومن كثرتها يصاب الخادم بشيء من الإحباط وأنه على مشارف اليأس. فالمشاكل كثيرة وأكبر من طاقته ويبدأ التوقف عن الخدمة إذ يشعر أنها بلا فائدة. والسيد المسيح يبغض هذا الشعور. فالكنيسة بيت الله هي كنيسته هو وما نحن سوى خدام لديه وآلات في يديه لذلك يجب أن يتغلب على شعور الإحباط هذا، بالاتكال على الله من كل القلب، عارفين قوته وأن الخدمة هي خدمته. هذه الحالة هي حالة الكنيسة في فترة ما قبل ضد المسيح حيث يبدأ فك الشيطان فتزداد الخطايا والعثرات وتزداد المشاكل جدًا.
والمسيح يشجع هذا الملاك ويقول له = قد حفظت كلمتي ولم تنكر إسمي = فهو إنسان صالح ولكنه يشعر أنه لا يقوى على العمل بسبب مشاعر الإحباط التي يواجهها.
ومن له ثقة وإيمان يعلم أن الله سوف يظهر مجده، وبالتالي بإيمانه هذا وثقته هذه يعمل الله فيه ويشعل الخدمة معه، أما من له قوة يسيرة فلن يقوى إلا على أن يخلص نفسه فقط. هذا الملاك مشكلته أنه ظن أن الأبواب مغلقة أمامه من كثرة المشاكل.
والصورة التي ظهر بها المسيح لهذه الكنيسة هي صورة القادر على كل شيء فلماذا الإحباط؟
الذي يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح = إذًا الخادم عليه أن يعمل بلا كلل ولا ملل ولا يأس، لكن الله هو الذي يتولى حل المشاكل وقتما يريد فهو المسئول عن الكنيسة وعن خلاص النفوس، ويستخدمنا كآلات في يديه. ضرب السيد المسيح هذا المثل لشرح هذه الحقيقة "هكذا ملكوت الله كأن إنسانًا يلقي البذار على الأرض وينام ويقوم ليلًا ونهارًا والبِذار يطلع وينمو وهو لا يعلم كيف" (مر27،26:4) القدوس الحق = يقف السمائيون أمام الله يتأملون في عظمته وقدرته وقوته وجبروته ومحبته ومجده، فيفرحون به ويسبحونه قائلين قدوس قدوس قدوس وبتسبحتهم هذه تشتعل قلوبهم بنار محبته لقداسته ومجده.
وكلمة
قدوس تعني لغويًّا اللاأرضي، السماوي المرتفع والمتسامي عن الأرضيات. ويقول بولس الرسول "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو3: 1). والمقصود أن المسيح ينبه الأسقف ويقول "إلى أين تنظر أيها الأسقف، هل إلى السماء من حيث تأتي المعونة أم إلى المشاكل التي على الأرض". هذا الأسقف أخطأ خطأ بطرس إذ نظر للبحر الهائج بدلا من المسيح فغرق في الماء. ولو ثبت نظره على المسيح ما كان قد غرق.ومشكلة هذا الأسقف أنه كان ينظر لمشاكل الخدمة الكثيرة فيصاب بحالة يأس، ومعنى قول المسيح هنا عن نفسه أنه
القدوس الحق فهذا ليشير على الأسقف أن ينظر للسماء ويتأمل في المسيح القدوس كما يفعل الملائكة ويسبح معهم قائلًا "قدوس قدوس قدوس" فيفتح الله عينيه ويرى المسيح الذي يفتح ولا أحد يغلق ، ويرى الحق عنده فلا ييأس.وبولس الرسول يعلمنا أنه لكي نمتلئ بالروح القدس علينا أن نسبح ونرنم ونرتل (أف19،18:5). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهذه الصورة للمسيح هنا أنه القدوس الحق تعلمنا أن نعمل عمل السمائيين أي نتأمل في الله القدوس ونسبحه مثلهم فتشتعل قلوبنا محبة له وثقة فيه عوضا عن الإحباط، فنعمل ونخدم بأمانة. وكلما خدمنا بأمانة نكتشف يد الله القدوس معنا، والله الحق الذي ينتصر على الباطل، فتلتهب قلوبنا داخلنا ولا يعود لنا قوة يسيرة، بل نعمل بقوة كما بنار وتلتهب مشاعرنا بالرغبة في الخدمة، وهو الذي يفتح ولا أحد يغلق، فهو يفتح أمامنا الطريق ولنلاحظ أن هناك نوعين من المشاعر الخاطئة قد تصيب الخادم:-
1. الأول هو الشعور بالكبرياء لنجاح خدمته وإحساسه بأنه هو الذي يعمل وليس الله.
2. الثاني هو الشعور بصغر النفس واليأس وأنه لا أمل في حل المشاكل فهو لا يرى الله في الصورة بل يرى نفسه الخائرة الضعيفة فقط فييأس.
وكلا الخطيتين الكبرياء وصغر النفس هما وجهان لعملة واحدة ففي كلاهما الله خارج المشهد.
أما الشعور الصحيح فهو أن الله هو الذي يعمل فالحرب له وليست لنا، وما نحن سوى أدوات يعمل الله بها. لذلك نسمع قول الرب هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ. والله يفتح لمن له غيرة مقدسة وقلب مملوء ثقة وإيمان ويصلي بلجاجة.
ونحن نعاني من نوعين من المشاكل:
1. مشاكل حالية نعرفها.
2. مشاكل مستقبلية مجهولة نتوقعها ونخشاها.
والله بهذا يعطي الاطمئنان لكل منا بأنه المسئول عن حل المشاكل الحالية والمستقبلية فلماذا الخوف؟
ولأن هذه الكنيسة تسبق زمنيا فترة نهاية العالم ومجيء ضد المسيح فنسمع فيها عن نبوتين:
1. عودة اليهود.
2. التجربة العتيدة أن تجرب العالم كله في نهاية الأيام.
نبوة بعودة اليهود:- عودة اليهود للإيمان هي من علامات الأيام الأخيرة كما نفهم من رسالة رومية ص 11. وهنا نبوة واضحة بعودتهم ففترة كنيسة فيلادلفيا زمنيا هي فترة نهاية الأيام وقبل مجيء ضد المسيح مباشرة. هنذا أجعل القائلين أنهم يهود.. هنذا أصيرهم يأتون ويسجدون = وليس من الخطأ أن نشعر أننا نقترب من أيام النهاية، ولكن الخطأ كل الخطأ أن يتجاسر أحد ويحدد يومًا أو سنة للنهاية. ومما يعطينا الشعور باقتراب النهاية إيمان اليهود المتزايد بالمسيح هذه الأيام. والإحصائيات تقدر عدد المؤمنين منهم بالمسيح من اليهود الموجودين بدولة إسرائيل بحوالي 60,000 مؤمن مسيحي (إحصائية سنة 1992) . والعدد وصل إلى 350000 سنة 2015. ويسمون أنفسهم اليهود الماسيانيين. ويوجد جماعة أخرى من اليهود الذين آمنوا بالمسيح في أمريكا وكندا ويسمون أنفسهم Jews for Jesus وهؤلاء عددهم أكبر. أما. أما الذين ما زالوا على عنادهم ورفضهم للمسيح وأهانتهم له فيسميهم مجمع الشيطان من القائلين أنهم يهود وليسوا يهود بل يكذبون.
نبوة بضد المسيح:- وأيامه هي ضيقة عظيمة على العالم، ولأن أيامه ستكون
أيامًا صعبة جدًا، فهنا نجد أن الرب يعطينا طمأنينة أنه سيحفظ أولاده. أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ. ولاحظ أن هذا الكلام يسبق كنيسة لاودكية مباشرة التي تمثل فترة ضد المسيح أي فترة التجربة العتيدة أن تجرب الساكنين على الأرض. وقوله هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا يشير لأن هذه التجربة (ظهور ضد المسيح) تسبق مباشرة مجيء المسيح الثاني للدينونة. وحقا فاليهود يوجد منهم كثيرون يؤمنون الآن. ولكن هذه الآيات تشير أيضًا لعودة كثير من الخطاة إلى أحضان الله، والله القادر على كل شيء، قادر أن يعيد أشر الخطاة ويجعلهم شهودًا وخداما له.كيف فهم الأسقف هذه النبوة أيامه:-
إن عودة
اليهود وسجودهم هذا يفسر لكنيسة فيلادلفيا نفسها أيام القديس يوحنا بإيمان بعض اليهود المقاومين للكنيسة في وقتها. وهكذا تفهم كنيسة فيلادلفيا أيام يوحنا أن ساعة التجربة العتيدة أن تجرب العالم كله هي اضطهاد الدولة الرومانية للكنيسة. والله سيحفظ إيمان الكنيسة ويعزيها في هذا الوقت.لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي
= أضاف الصبر إلى الكلمة لأن الإيمان المسيحي ينبغي أن يقترن بالصبر أمام الضيق والاضطهاد علامة إيمان وثقة في الله الذي سمح به وقادر أن يسيطر على هذا البحر الهائج وقتما يريد، ولكنه دائما يخرج من الجافي حلاوة. ومن يصبر إلى المنتهى فهذا (1) يأخذ تعزية (2) يرى ثمار الضيقة ويفهم لماذا سمح بها الله (3) يخلص.ها أنا آتى سريعًا = لأن كنيسة فيلادلفيا تسبق كنيسة لاودكية التي تعبر عن نهاية الأزمنة ومجيء المسيح الثاني، نسمع هذه العبارة ولكنها تعني لكل واحد منا أن ساعة انتقالنا للسماء آتية سريعًا فلنصبر على آلام هذا العالم بلا جزع ولا اضطراب.
تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك = أحسن شرح لهذه الآية هو قصة شهداء سبسطية الأربعون. فالمتردد الذي ترك بحيرة الثلج وذهب للماء الدافئ منكرًا المسيح فقد إكليله وأخذه بدلا منه الجندي الذي آمن بالمسيح ونزل في بحيرة الثلج بدلا منه. وهذه الآية تنفي أن للرب مختارين عينهم للحياة الأبدية، ومرفوضين عينهم للهلاك. لأنه إن كان هذا الأسقف مختارا فما معنى لئلا يأخذ أحد إكليلك وإذا لم يكن مختارا فما معنى تمسك بما عندك. الحقيقة أن الله يريد أن الجميع يخلصون (1تى4:2)، أما القرار فهو قراري وبحريتي الشخصية. وهذا لا يمنع معونة الله حتى يكون القرار الذي أتخذه لصالح خلاص نفسي، والمعونة قد تكون بالتشجيع أو بالتأديب. ولاحظ أنه قيل عن اليهود = مجمع الشيطان= فهم بعد أن كانوا شعب الله، وابن الله البكر فقدوا هذه النعمة باختيارهم الخاطئ وقيل عنهم مجمع الشيطان. فلنحذر لئلا نفقد النعم التي أعطاها الله لنا.
يأتون ويسجدون = هو سجود الاحترام وليس العبادة وهذا رد على من ينكر السجود أمام الأب البطريرك أو الأساقفة.
أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ
= هذه الآية رد على البلاميس الذين يقولون أن المؤمنين سيختطفون على السحاب وأن الضيقة ستأتي على الأشرار فقط. وهنا نرى أن الضيقة ستشمل العالم كله، لكن الله سيحفظ المؤمنين. وقيل أنها تجربة لأنها تجرب المؤمنين أي تنقيهم، أما الأشرار الهالكين فلن يستفيدوا منها، لن تكون تجربة بالنسبة لهم.
والوعد لمن يغلب:-
أجعله عمودا = في
هيكل سليمان
كان يوجد عمودان اسمهما بوعز وياكين. وقيل
عن الهيكل أنه كان مستندا عليهما، والبعض قال إنهما كانا فقط للزينة. وهنا الله
يود أن يؤكد لكل أولاده أهميتهم لديه. فكل منا سيكون عمودًا في الهيكل أو
يزينه. فلماذا مشاعر صغر النفس التي تنتاب أولاد الله بالرغم من أن الله يؤكد
على أهميتنا عنده. الشعور بصغر النفس يعرقل حياتنا الروحية ويعرقل الخدمة.
المسيح يقول له بالرغم من قوتك اليسيرة سأجعلك عمودا ويقول له هذا لتشجيعه.
وأيضًا فهذا الابن الضال الذي أنت يائس من عودته فهو له أهميته عندى وحين عودته
سأجعله هو أيضًا عمودًا فلا تيأس ولا تكل من خدمته.
أكتب عليه اسم إلهي = المعنى أننا صرنا مخصصين لله ولخدمته وللشهادة له. ومن يحمل اسم الله لا بُد أن تبدو عليه مظاهر التقوى والقداسة والوداعة والفرح.
واسم مدينة إلهي = هذه تعبر عن تحول الإنسان إلى إنسان سماوي له المواطنة السماوية هذه تشبه جواز السفر المكتوب فيه فيزا دخول بلد ما. والمدينة هي أورشليم السماوية.
وإسمي الجديد = يشير هذا لأننا في السماء سنعرف المسيح معرفة جديدة غير التي عرفناها على الأرض، سنكتشفه من جديد، ونتعرف على قدرته كإله قدير وعلى حلاوة عشرته. وتكون هذه المعرفة متجددة كل يوم، نكتشف من أعماق محبة المسيح لنا ما يجعلنا نفرح بالأكثر. وكل يوم نكتشف قدراته وصفاته فنفرح بالأكثر. فيد الله وأعماله الرائعة تظهر جديدة كل يوم وكأنها تظهر لأول مرة. وأعماله في الكنيسة الآن، وكونه يحمل كنيسته بشعبها وخدامها، واحتضانه للكنيسة يبدو دائمًا جديدًا وبكل الحب.
تكرار كلمة إلهي = يشير للصلح الذي حدث بيني وبين الله الآب والذي صنعه المسيح بفدائه فنحن بالمسيح المتجسد وبفدائه رجعنا شعبا خاصا بعد أن كنا مرفوضين والمسيح يقول إلهي هنا لأنه بعد تجسده وإتحاده بجسد البشرية صار يتكلم بلسانها فالكنيسة جسده. المسيح بلاهوته واحد مع الآب ولكن بناسوته يقول إلهي.
مفتاح بيت داود
= "وأجعل مفتاح بيت داود على كتفه فيفتح وليس من يغلق ويغلق وليس من يفتح" (إش22: 22). داود فتح أورشليم وجعلها عاصمة ملكه وجعل عرشه فيها، ونظم عبادة الله التي هي بحسب قلب الله فيها. بعدما كانت مدينة حصينة في يد الوثنيين (رمز للشيطان).يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ
= لاحظ أن المفتاح في الآية السابقة كان على كتف داود، وداود هو أبو المسيح بالجسد. وكان المفتاح الذي حمله المسيح على كتفه هو الصليب، وبه فتح قلوبنا التي استعبدت لخطايا إبليس، وجعل المسيح عرشه في قلوبنا. وبنفس المفهوم أيضًا تنبأ إشعياء عن المسيح قائلا "انه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلهًا قديرًا أبًا أبديًّا رئيس السلام" (إش9: 6).والله قادر يا أسقف فيلادلفيا أن يفتح قلوب المعاندين ويضع عرشه فيها، وأن يفتح أمام أولاده باب الرجاء والنصرة والخلاص ويغلق أمامهم أبواب الخطية والسقوط ليحميهم. فلماذا اليأس. حقا أيها الأسقف الله قادر، ولكنه لا يُغيِّر القلوب ويجعل الناس تتوب بأوامر منه، بل يحاول الله مع الخاطئ بالحوار والإقناع، وهكذا فعل مع إرمياء النبي "قَدْ أَقْنَعْتَنِي يَا رَبُّ فَٱقْتَنَعْتُ، وَأَلْحَحْتَ عَلَيَّ فَغَلَبْتَ" (إر20: 7). ولاحظ أن قول الرب عن عمل الروح القدس أنه "مَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ" (يو16: 8)، وكلمة يبكت تترجم (يقنع أو يوبخ) فالروح القدس يبدأ بالإقناع ثم بالتوبيخ. ومحاولات الإقناع تحتاج وقت. فلا تيأس أيها الخادم وتقول صليت كثيرا وبلا فائدة فلأكف عن الصلاة فهذه حالة ميئوس منها.
آيات 14-22 "وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ: «هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي. لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ. إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ. هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ»".
من الناحية التاريخية فهذه الكنيسة تشير لأيام الكنيسة الأخيرة، أيام إطلاق الشيطان وظهور ضد المسيح. ولاودكية تعني حكم الشعب وهذا يعني أن الكنيسة تبدأ في مسايرة رغبات الناس. لن تعود الكنيسة هي المثل الأعلى، بل تردد ما يريده الناس. فإن رفضوا الصوم ألغت الكنيسة الأصوام كما فعلت كثير من الكنائس. بل صار كل واحد يؤسس لنفسه كنيسة، فصارت هناك مئات الطوائف.
ووصل الأمر لأن يدخل للكنيسة أسوأ ما في العالم، فلقد رأينا في الأيام الأخيرة أساقفة لبعض الكنائس تم تعيينهم وهم يجاهرون بأنهم شواذ جنسيًا. بل أنه في بعض البلدان يطالبون الآن بحذف الآيات التي تهاجم الشذوذ الجنسي من الكتاب المقدس. هنا نفهم معنى حكم الشعب، فالكنيسة تحكم حسبما يريد الناس. ومن هنا نفهم لماذا سيطلق الله الشيطان في الأيام الأخيرة، فالناس أصبحت تريد خطايا الشيطان، وكأن الله يقول "جربوا ما معنى الاستعباد لهذه الخطايا وستندمون وستفهمون لماذا كنت أمنعها عنكم، وربما يقود الندم البعض للتوبة. وما نراه الآن هو مقدمة لما سيحدث في أيام ضد المسيح.
كنيسة لاودكية تشير لكنيسة الأيام الأخيرة التي يسودها فتور عام ويكثر فيها الارتداد. وقال عنها السيد المسيح أنه لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين (مت12:24) وقال أيضًا عن هذه الأيام "متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض" (لو8:18) فسمة هذه الأيام الأخيرة نقص المحبة لله وللناس ونقص الإيمان. لذلك سيحل الله الشيطان في نهاية الأيام لمدة يسيرة تسبق المجيء الثاني للسيد المسيح (رؤ3:20). والله سيحل إبليس وفقا لما قاله الكتاب "الرب يعطك حسب قلبك ويتم كل رأيك" (مز4:20). وذلك لأن الناس في تلك الأيام سيكونون غير طالبين لله ولا خاضعين له. وهذا ما نرى بداياته الآن من صراعات على المادة حتى بين الإخوة، والجري وراء الشهوات العالمية، ونعلم أن العالم كله قد وضع في الشرير (1يو19:5). وكما عَرَّفَ سليمان الحكيم العالم وما فيه بقوله "باطل الأباطيل الكل باطل" فَمَنْ يجري وراء العالم فهو يجري وراء الباطل.
ومن الناحية الروحية فهذه الكنيسة تعاني من حالة فتور. ولنرى بعض التعريفات:
الحار:- هو المملوء بالروح القدس، ومملوء من الغيرة ومن محبة الله ويتلذذ بعشرة الله وخدمته، ومحبًا لكل الناس حتى أعدائه. مملوء فرحًا وثمار الروح الباقية (غل 23،22:5).
الفاتر:- هو مَنْ كان حارًا وبدأ يبتعد عن مصدر الحرارة، فبدأ يبرد. وهنا فمصدر الحرارة هو الله. فالفاتر هو من كان حارًا وابتعد عن الله.
البارِد:- هو مَنْ لم يسمع عن الله ولم يعرفه مثل شاول الطرسوسي وموسى الأسود، ومثل هذا يسعى الله وراءه ليعرفه بنفسه (شاول الطرسوسي وموسى الأسود والخصي الحبشي). والبارد أيضًا هو مَنْ تَخَطَّى مرحلة الفتور وصار بارِدًا، لكنه كالابن الضال وكالمرأة الخاطئة شَعَرَ بالهوة التي تَرَدَّى فيها وعاد لله شاعِرًا بخطيته مقدما توبة، مُبَلِّلًا قدميه بدموعه كالمرأة الخاطئة وبطرس والعشار ومريم المصرية.
والسؤال هنا ما الذي جعل إنسانًا حارًا يترك الله فيفتر؟ الإجابة واضحة:
أنه وجد أن العالم ألذ (أي إنجذب لشهوات الجسد) كما قيل "ديماس تركني إذ أحب العالم الحاضر" (2تى10:4) لذلك نجد المسيح هنا وقد قدم نفسه على أنه الآمِينُ = وهي كلمة عبرانية غير كلمة الأمين Honest. أما الآمِينُ فتعني الحق Amen. فهناك صراع بين الحق والباطل علينا. المسيح الحق يقول أنا الحق فاتبعوني والعالم ورئيسه إبليس يخدعنا بملذاته الباطلة. هنا نرى المسيح يقول عن نفسه الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ = فالمسيح هنا كأنه يرجو شعبه أن يصدقوه هو، فما يقوله من وصايا هي الحق، وتقودهم للحياة الأبدية، ولا يسيروا وراء أوهام الباطل. فهو الذي يحبهم حقيقة وما يقوله من وصايا هدفها خلاص نفوسهم. أما عدو الخير فهدفه خداعهم بملذات الدنيا الباطلة والنهاية هلاك أبدي معه في بحيرة النار (رؤ15،10:20).
وقارن بين من يسعى وراء الباطل أي ملذات الدنيا وبين المعروض على من يغلب... أي عرش الله وهذا حق. ومن يغلب هو من يترك الباطل طالبا الحق، رافضا العالم وملذاته ذاهبا وراء المسيح الذي أحبه فاختاره. وقول المسيح أنه الشاهد الصادق هي دعوة لنصدق أقواله ونعمل بوصاياه، وكل ما قاله هو أمين فيه ولا غرض له سوى خلاص نفوسنا. وهذا في مقابل الكذاب وأبو الكذاب رئيس هذا العالم الذي يغرينا بملذاته فنترك المسيح الحق. والمسيح هو الشاهد لنا بمحبة الآب وهو الأمين في خدمته على الأرض بجسده ليخلصنا. وهو الصادق = في كل ما قاله ووعد به وهو الطريق والحق والحياة فمن يسير وراء الحق سيجلس في العرش الإلهي وهذا هو الوعد لهذه الكنيسة. ومن يسير وراء الباطل يصير باطلا مثله. والمكافأة لن تكون فقط في الحياة الأبدية في عرش الله، بل في هذه الحياة أيضًا كما يقول الرب "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو10: 10)، فَمَنْ يفتح قلبه للحق ويستجيب لفداء المسيح يدخل المسيح معه في علاقة حب وينير قلبه ويملأه فرحا في شركة حلوة لذيذة قال عنها المزمور "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب". وهذا ما تم التعبير عنه بالعشاء الذي سيكون بين المسيح وبين النفس التي تختار أن تفتح له ولا تفتح قلبها للعالم، ولكن هل يعني كلامنا هذا أن لا نعمل لنأكل؟!
قطعًا لا يعني هذا، بل نعمل ونسعى فالرسول يقول "مَنْ لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا" (2تس3: 10)، ولكن لا تكون المادة هدف حياتنا، بل يكون الله هدف حياتنا. ولنتذكر أن الله طلب أن نعمل ستة أيام واليوم السابع يكون راحة لحساب الله في صلوات وتسابيح. إذًا لنعمل ستة أيام ولكن ليكن للرب نصيبه كل يوم، ونقضي مع الرب يومًا بكامله كل أسبوع. لنعمل في العالم ولا يستعبدنا العالم، ولا يكون العالم هدفنا. ما أجمل قول أحد الخدام حين سألوه عن وظيفته فقال أنا خادم بكنيسة كذا وأعمل مهندسا لأكل لقمة العيش في شركة كذا. وأما من ينسى الله وينغمس في شهواته المادية فهو يعيش في صراع بلا أفراح وبلا تعزيات داخلية، يحيا في قلق واضطراب وما أجمل قول المزمور "الرب يعطي لأحبائه نومًا".
بداءة خليقة الله = بداءة معناها أرشى وهي تعني رأس خليقة الله. وبداءة أي الذي تأخذ الخليقة بداءتها منه، هو أصل كل الخليقة وله سلطان عليها. لاحظ أنه لم يقل أول مخلوقات الله. وقالها بولس الرسول بكر كل خليقة (كو15:1) فإنه فيه خلق الكل. وقالها القديس يوحنا في إنجيله به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان (يو3:1). المسيح هنا يقدم نفسه بسلطان إلهي فهو أصل الخليقة. وبهذا السلطان الإلهي يعد من يغلب بأن يكون مكانه العرش. والمسيح كرأس للخليقة ورأس للكنيسة يود لو نلتصق به ونختاره بحريتنا رأسا وقائدا ومدبرا (أف23،22:1). والمسيح بهذا التعريف يريد أن يقول أنا أصل الخليقة وأعرف الحق من الباطل فالكل خليقتي وأدعوكم للحق وترك الباطل.
ولكن مشكلة هذه الكنيسة إنها في فتور:- محبتها ليست حارة، القلب منقسم بين محبة المسيح ومحبة العالم. والله يريد القلب كله "يا ابني أعطني قلبك". ومن يعطه القلب فهو كرأس للخليقة سيدبر ويهتم بكل أموره. هذه الكنيسة اختارت الباطل وتركت المسيح الرأس المدبر لتبحث عن لذة العالم فدخلها الفتور.
ليتك كنت باردا = من لم يسمع عن المسيح يسعى المسيح وراءه ليعرفه ذاته، هذا حدث مع المرأة السامرية، وأرسل فيلبس للخصي الحبشي. أما الخاطئ الذي شعر بخطيته مثل المرأة الخاطئة فقد تبررت بدموعها والابن الضال ألبسوه الحلة الأولى إذ عاد تائبا وبطرس بعد أن أنكر بكى فعاد لدرجته الرسولية. فمن يعود لله يعود لمصدر الحرارة ويصير حارا.
لأنك فاتر أنا مزمع أن أتقيأك = الماء الفاتر يثير الجهاز الهضمي فيتقيأه المرء، والفرق بين البارد والفاتر روحيًّا أن البارِد شعر بخطيته وعاد تائبًا، أما الفاتر فهو لا يشعر ولا يدري أن حالته سيئة، بل يظن أن حالته جيدة وأنه مقبول أمام الله، ولا يشعر باحتياجه للمسيح، راضي عن نفسه بدون مبرر، لا يطلب معونة من الله. هو يحيا على ذكريات ماضي انتهى إذ ابتعد عن الله، فهو مخدوع. المفروض أننا في المسيح ، وكوني في المسيح فهذا هو مصدر حياتي هنا على الأرض ودخولي للسماء بعد ذلك، وهذا هو الذي يعطيني أن استطيع كل شيء فيه فهو الذي يقويني. ولذلك يقول أثبتوا فيّ، فمن لا يريد أن يثبت في المسيح فالمسيح يقول له سأخرجك خارجًا ولا تعود ثابتا فيَّ وهذا معنى أنا مزمع أن أتقيأك.
لأنك تقول إني أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء = هذا شعور الفاتر أنه في غنى عن الالتجاء بالصلاة للمسيح طالبا المعونة. والمسيح يقول له الحقيقة = ولست تعلم أنك أنت الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان. وهذا حال كل من يجري وراء العالم. فالعالم باطل وأحسن تفسير لكلمة باطل هو ظاهرة السراب وفيها يجري الإنسان وراء أوهام ويموت من العطش دون أن يحصل على شيء، وفسرها سليمان أيضًا بأن العالم هو قبض الريح فما حصلت عليه من العالم مهما كان كأنك قبضت على هواء، ولا تجد شيئًا في يديك. هذا إنسان يحيا في خداع لذلك يظهر له المسيح في شكل:- أنا بداءة كل خليقة = أي هل تظن أنك غير محتاج لي..! أبدًا... أنا أصلك وأصل كل خليقة، كيف تستغني عني. هذا يقال لكل من هو شاعر أنه بماله ومركزه قادر أن يستغني عن الله. هذا الملاك عكس ملاك ساردس. فملاك ساردس خدع الآخرين أما هذا فخدع نفسه. وبداية التغيير أن تعرف الحقيقة أنك فقير وبائس... إلخ. فالمسيح لا يغني غنيًّا ولا يشبع شبعانًا بل يعطي لمن يريد أي لمن يشعر باحتياج إليه.
الشقي = مهما تذوق الإنسان من ملذات العالم، ماذا يفعل وكيف يتعزى أمام مشاكل العالم، كيف يتعزى بملذات العالم لو علم أنه مريض بمرض قاتل. ولا يوجد من ينكر أن العالم مليء بالآلام. والمسيح يقول لهذا الشخص ستصبح شقي لو أصابتك هذه الآلام بدون تعزياتي (العشاء معي) ولن ينفعك كل العالم.
فقير = فمهما امتلكنا من مال فيوجد مشكلات لا يحلها المال. هل نستطيع بأموالنا مهما زادت أن نشتري الملكوت ونشتري أبديتنا بل حتى نشترى صحتنا على الأرض.
بائس = فهو يعيش في عالم مؤلم دون تعزيات إلهية. فالله مصدر التعزيات.
أعمى = لا يرى الحقيقة، ترك الحق أي الله ينبوع الماء الحي وذهب وراء الباطل أي سراب، ذهب وراء أبار مشققة لا تضبط ماء.
عريان = عدو الخير يسهل لنا طريق الخطية لكنه يتلذذ بأن يفضحنا، أما المسيح فهو الذبيحة التي استترنا بها، كفر عن خطايانا ليستر علينا. بل يمنع عدو الخير من أن يفضحنا. المسيح وحده يستر على عبيده (وهذه هي الكفارة = دم المسيح يغطينا فلا يرى الآب خزينا بل يرى دم ابنه فنصير مقبولين فيه). لكن من يُصِّر على طريق الخطية منفصلا عن الله يتركه الله فيفضحه إبليس. لذلك نحن نصلي صلاة الشكر. فلنشكر صانع الخيرات... لأنه سترنا ودارى على عرينا وألبسنا رداء بره. ألبس الابن الضال الحلة الأولى. كما ستر على آدم بالذبيحة، أما العالم فهو ورق التين الذي لا يستر أحد بل يتركه عاريا.
ولاحظ أن هذا الكلام موجه لكنيسة اللاودكيين التي تشير للأيام التي يظهر فيها ضد المسيح وَيُضَيِّق على أولاد الله فلا يستطيعون البيع ولا الشراء. وربما يلجأ البعض لترك الإيمان ليعيشوا في سهولة والله ينبههم هنا بأن العالم لن ينفعهم، هو وحده يستر عليهم (رؤ17:13) فالبيع والشراء سيكون لمن له سمة الوحش.
وهذا الفاتر نجد المسيح مهتما به ويعطي له نصائح للخروج من حالة الفتور هذه والعجيب أنه يقول له = إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ = فهو ما زال يحبه بالرغم من فتوره ولم يرفضه. ويوجه له نداؤه = كُنْ غَيُورًا وَتُبْ = الله يتضايق من الفاتر لأن الفاتر لا يستريح في عشرته مع الله (فقد حرارة عشرته مع الله). صار لا يطيق أن يسمع كلام الله، فهو كان يحيا مع الله ثم تركه إذ أحب العالم الحاضر. ولكن مع هذا فالله لا يريد أن يتخلى عنه بل يوجه له هذه الرسالة وينصحه بأن يعود لحرارته أو غيرته وليتحرك قلبه ويعود يختار الله الحق ويترك الباطل. هذه دعوة للتوبة وبكل دقة يقول فيها ما معناه لا تتضايق من كلامي فأنا مازلت أحبك. وإن كان كلامي قاسيًا فلكي أظهر لك، فترى خطورة وضعك والخطر المحيط بك.
أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ = المسيح يعلم أنه فقير، إذًا كيف يشتري ذهبًا؟ الحل أن المسيح يعطيه مجانًا . لكن هذا لمن يشعر أنه محتاج إليه "اسألوا تعطوا" . كما قال إشعياء "أيها العطاش.... هلموا إلى المياه والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا بلا فضة وبلا ثمن" (إش 1:55). ولكنه يقول له اشتري حفظًا على كرامته بدلًا من أن يقول له سأعطيك مجانا. وتشتري مني تعني أيضًا أنه عليه أن يطلب من الله باهتمام كمن هو محتاج، فأنا لا أذهب لأشتري شيئًا إلا إذا كنت في احتياج إليه. هذه الدعوة هي نفسها "فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال" (مت 24: 15-18) .
والذهب هو الحياة السماوية أو هو المسيح نفسه إلهنا السماوي الذي تألم واجتاز نيران الصليب، ثم قام ليعطينا حياته (غل20:2) فنحيا بحياته هنا على الأرض حياة سماوية. والبداية أن نغصب أنفسنا على إقامة علاقة مع المسيح.
1. بالتوبة.
2. بالصلاة بلجاجة، فملكوت السموات يغصب (مت12:11).
ولماذا أغصب نفسي على التوبة أي ترك الخطية، ولماذا أغصب نفسي على الصلاة؟
الإجابة: الشعور بالاحتياج. ولنفكر للحظات، سنجد أنفسنا في عالم مليء بالمخاوف، ولا تعلم ماذا سيأتي به الغد، ومتى وكيف نغادر هذا العالم وأين سنذهب بعد ذلك؟ وحينئذ سندرك أننا نحتاج لحماية الله فنلجأ له ونقيم معه علاقة بالتغصب. لكن سرعان ما تتحول هذه العلاقة لعزاء وفرح وصداقة = أتعشى معه وهو معي = ونبدأ حياتنا السماوية هنا، والشبع بالمسيح وهذا هو الحق والنهاية مجد في السماء = من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي وثيابا بيضا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك = المسيح يعرض عليه ثيابًا بيض، هذه التي أعطوها للابن الضال حين عاد تائبا. المسيح يعرض عليه أنه وحده قادر أن يستر عليه في الأرض وفي السماء، أما من يستتر بالعالم يفضح. ولاحظ أن ملاك لاودكية هو أسوأ السبع الملائكة والمعروض عليه أعظم عرض أي عرش المسيح فإنه يوجد أعظم رجاء لأعظم خاطئ.
كحل عينيك بكحل لكي تبصر = كحل العين مادة طبية تستعمل للإبصار وفي بعض الترجمات جاءت مرهم للعين. وكانت لاودكية مدينة غنية تشتهر بهذه الصناعة أي كحل العين (تزداد به قوة الإبصار) والثياب (ولاحظ الإشارة للثياب البيض) والمعنى، فلقد قال له المسيح سابقًا أنه أعمى، والأعمى محتاج لأن يشفي بصره بكحل. والمقصود الامتلاء بالروح القدس الذي يعطي استنارة. فيبصر حقيقة نفسه. وهذا يتطلب نقاوة القلب بالتوبة، واللجاجة في طلب الروح القدس. ومن يعود له إبصاره الروحي سيميز بين الحق والباطل ويختار الحق.
إذًا بداية الإصلاح من حالة الفتور:
1. التغصُّب على التوبة.
2. ما الذي يدفعنا لذلك؟ الخوف من الأبدية.
3. الصلاة بلجاجة.
4. ما الذي يدفعنا لذلك؟ الشعور بالاحتياج "إن عطش أحد فليقبل" (يو37:7-39).
5. طلب الامتلاء من الروح القدس فيعطينا استنارة تساعدنا على اتخاذ القرار الصحيح.
6. ويأتي بعد هذا حلاوة العشرة مع المسيح وينتهي التغصب ونلاحظ أن البداية الحقيقية هي من المسيح الذي نجده يُصوِّر نفسه هنا واقفًا على الباب يقرع، منتظرًا من يفتح له. فالبداية هي من المسيح والاستجابة مني. وهذه الصورة للمسيح الذي يقرع على الباب متفقة مع (نش2:5). والرب يقرع باب قلوبنا بإنذارات كلمة الله وبإحساناته تارة وبالتجارب المحيطة بنا تارة أخرى. ولاحظ حرية الاختيار: إن سمع أحد صوتي (نش4:5) ما يمنعنا من السمع هو تداخل صوت الله مع أصوات العالم والشيطان والذات والشهوات.
مَنْ يغلب = نحن في صراع في هذا العالم بين الحق (المسيح) والباطل (العالم) والحق ينادي علينا ويقرع أبواب قلوبنا. ومن يختاره ويثبت فيه يتلذذ بعشرته (العشاء).
ويحيا في فرح حقيقي على الأرض. والنهاية مكان في عرش الله. والمسيح افتدانا بدمه لأجل هذا. لذلك فمحبة العالم عداوة لله (يع4:4) أي من يترك الله يجري وراء ملذات الدنيا فهو يرفض الله ومجد الله ومحبة الله ويعيش معذبا، ومهما جمع من أموال ونال من ملذات الدنيا فهو إما سيتركها أو تتركه لذلك فهي باطل (السراب).
أما من اختار المسيح فهو يعيش في عزاء حقيقي وفرح حقيقي والنهاية مجد حقيقي (حق).
ولاحظ أن عطايا الله بفيض فالفقير والأعمى والشقي يعطيه ذهبًا مصفى بالنار بل يجلس معه في عرشه. حقًا يعطي بسخاء ولا يعير. وما نحصل عليه هنا من عشاء مع المسيح هو عربون المجد هناك.
أتعشى معه = هذا عن العزاء الذي نحصل عليه هنا على الأرض وهو عربون ما سنحصل عليه في السماء. وهو معي = هذا عن عشاء عُرْس الخروف المعد لنا في السماء (رؤ 9:19).
يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي
... وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ = لا يوجد هناك عرشان واحد للآب وواحد للابن. فالآب والابن واحد. ولكن كلمة عرش عمومًا تشير للمجد. فالمسيح تمجد بجسده، ليعطينا فيه أن نتمجد. لكن المسيح بناسوته صار له نفس مجد الآب بعد أن تمم الفداء وصعد إلى السماء. ومجد الآب الأزلي هو نفس مجد لاهوت الابن الأزلي لذلك يقول الرب يسوع في صلاته الشفاعية "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك (المسيح يطلب أن يتمجد بجسده لحسابنا) بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم (مجد الابن الأزلي)" (يو17: 5). وهذا ما يشير له قانون الإيمان "وجلس عن يمين الآب". وهذا هو المقصود بقول السيد هنا جَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ.وراجع (رؤ22: 1) "وأراني نهرًا صافيًا من ماء حياة لامعا كبلور، خارجا من عرش الله والخروف". فهنا نرى أن:-
1*الله والخروف لهما عرشٌ واحد (أي أن الله والمسيح لهما نفس المجد). 2*ونرى أن النهر (الروح القدس) يخرج من عرش الله وهذا يعني انبثاق الروح القدس من الآب. 3*ونرى أن الروح يخرج أيضًا من الخروف (المسيح الذي قَدَّم نفسه ذبيحة) وهذا يعني أن المسيح يرسل الروح القدس للكنيسة بعد أن تمم الفداء على الصليب، ثم تمجد وجلس عن يمين الآب بجسده. (راجع تفسير الآية 22: 1 في مكانها).أما نحن فسنحصل على جزء من المجد. وهذا سيكون بأن نعكس جزءًا من مجد المسيح بحسب جهادنا على الأرض ونقاوتنا "فنجم يمتاز عن نجم في المجد" (1كو 15: 41). وهذا هو المقصود بقول السيد هنا يجلس معي في عرشي. وهذا وعد المسيح لنا (يو17: 22). بل لهذا تجسد المسيح.
أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ
= مشكلة هذا الملاك أنه بعد أن كان حارًا أي قريبًا من الله نجده فاتِرًا أي ترك الله وانجذب إلى العالم. والمسيح يحذره من أنه لو استمر في عناده رافضًا العودة لله. فالمسيح سوف يتقيأه أي يرفضه تمامًا ويلقيه بعيدًا عنه. والمعنى إذا كنت لا تريدني فأنا لا أريد أن أرغمك على شيء وسأتركك على حريتك لتنفصل عني. فنحن في المسيح بحريتنا، ولكن إن أردنا أن نتركه يتركنا كما ترك عروس النشيد (نشيد 5) وهو لذلك يقول "اثبتوا فيَّ" (يو4:15) وفي مفهوم بولس الرسول أن الخلاص هو أننا صرنا في المسيح وهذا تم بالمعمودية (رو6: 1 – 14). والمسيح يطلب منا أن نحافظ على هذا الثبات "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4)، وهذا قراري الحر باختياري، والمسيح يساعدني فيه، لذلك فالآية التالية للرب في (يو15: 5) هي "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" . أما من اتخذ قرارا بترك المسيح، فالمسيح يظل وراءه لا يريد أن تهلك هذه النفس، ولكنه بعد فترة يتركه. والمسيح يخرج هذا الفاتر لأنه "هو أعطى الله القفا لا الوجه" (إر2: 27). وهو اختار العالم وفضَّله عن المسيح كما عمل الابن الضال. فجاع وتألم... لكن حينما عاد أعاده الله لسابق وضعه. وهكذا مع عروس النشيد فحينما تركها العريس ضربوها الشياطين وجرحوها. فمن يتركه المسيح ويخرجه خارجا يفقد الحماية الإلهية من ضربات عدو الخير، ولكن حتى هذه الضربات، يستخدمها الله للتأديب لعل هذا الإنسان يتوب من ضربة الجوع كالابن الضال وكجراح عروس النشيد. ولكن أيضًا حين عادت العروس أعادها العريس، كما وقع الأب على عنق ابنه الراجع ليقبله. "ارجعوا إليَّ يقول رب الجنود فأرجع إليكم" (زك 1: 3).
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تعليق على الرسائل السبع |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الرؤيا 2 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/m2g2wvc