St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   12-Resalet-Kolosy
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

كولوسي 3 - تفسير الرسالة إلى أهل كولوسي

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي:
تفسير رسالة كولوسي: مقدمة رسالة كولوسي | كولوسي 1 | كولوسي 2 | كولوسي 3 | كولوسي 4 | ملحق: ماذا قَدَّم لنا المسيح بتجسده

نص رسالة كولوسي: كولوسي 1 | كولوسي 2 | كولوسي 3 | كولوسي 4 | كولوسي كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هنا نرى الرسول يطالب القارئ بأن يكون له جهاد إيجابي وجهاد سلبي. والإيجابي بأن يحيا متأملًا في السماويات حيث هو ذاهب بعد هذه الحياة، ويحيا مصليًا ودارسًا لكلمة الله في الكتاب المقدس متطلعًا إلى اليوم الذي ينطلق فيه إلى موطنه السمائي الذي كله فرح ومجد إذ هو غريب هنا على الأرض. أما الجهاد السلبي فهو أن يحيا كميت أمام خطايا وشهوات العالم. ولاحظ تركيز الرسول على دور المؤمن وجهاده اطلبوا.. اهتموا.. أميتوا.. اطرحوا. فالنعمة تساند من يجاهد حتى الدم (عب4:12).

 

آيات 1، 2:- "فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ،"

إِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ = بما أنكم قد قمتم مع المسيح فإفعلوا كذا وكذا.. والقيامة مع المسيح تمت في المعمودية. فالمسيح قد قام ونحن قمنا متحدين معه في المعمودية، والمسيح صعد إلى السموات ورآه التلاميذ صاعدًا ليجذب إنتباههم وإنتباهنا للسماويات التي ذهب إليها ليعد لنا مكانًا. فالسماء صارت موطنًا لنا، ونحن غرباء هنا على الأرض. أماّ الإنسان العالمي فهو يهتم بما في العالم. أما نحن فقد متنا عن العالم أي انفصلنا عنه. والاهتمام بالعالم هو خاص بالإنسان العتيق "إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما" (1 تي 6: 8). وقول الرسول يعني أنه طالما قد حصلتم على طبيعة جديدة فأطلبوا ما يتناسب معها، وبهذا تتأهلون للميراث السماوي. أبناء الله يتمتعون بالسماويات وهم على الأرض، أما الغنوسيون فهم أرضيون. لذلك ففي بداية كل قداس يسأل الكاهن "أين هي قلوبكم" وهذا لا يعني ترك العالم بل أن نكون أمناء أن لا يدخل العالم لقلوبنا، أو نسلك بمبادئه.

اطلبوا / اهتموا = اطلبوا المسيح واهتموا أن يكون لكم نصيب في السماء وانشغلوا بالسمائيات وبكلمة الله وبالصلاة بلا انقطاع بدلًا من الانشغال بملذات العالم وشهواته. وقوله اهتموا = أصلها انشغال الفكر وانحصاره في أمر هام. وكلمة اهتموا هي درجة أعلى من اطلبوا، فهي تعبر عن أشواق داخلية وإلحاح في الطلب حتى نحصل على ما نريد، أما الطلب فقد نطلب مرة ثم نسكت.

 

آيات 4،3:- "لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ."

لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ = نحن متنا بإنساننا العتيق في المعمودية. وقوله هذا "لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ" إجابة لما قال.. "اهتموا لا بما على الأرض". ومن يظل ميتًا عن الخطية وعن العالم تستمر فيه حياة المسيح التي أخذها بقيامته مع المسيح في المعمودية وهي حياة أبدية. وهذه الحياة الأبدية مستترة = لا تظهر أمام الناس لأننا نموت وندفن وتتحلل أجسادنا مثل باقي الناس. ولكن الحياة التي فينا هي حياة المسيح الذي قام بها من الأموات، وحينما نموت وندفن نكون كبذرة من البقول أو الحبوب حينما ندفنها يخرج منها شجرة (1كو15) وهذا لأن البذرة فيها حياة. ولكن إن كانت البذرة التي ندفنها بها سوس لن يخرج منها حياة. والسوس هو الخطية التي يجب أن نموت عنها. وهذا ما قاله السيد المسيح "من أضاع نفسه يجدها.. ومن وجد نفسه يضيعها". فقوله "أضاع نفسه" أي عاش كميت أمام خطايا وملذات العالم، مثل هذا يحيا المسيح فيه. ونلاحظ أنه عند قيامة المسيح في اليوم الثالث أن حياته الأبدية إتحدت بجسد مائت، وهكذا كل من يعمل على إماتة جسده وشهواته تثبت فيه حياة المسيح (رو 8: 10+ 2كو4: 11).

حياتكم مستترة = المسيح هو حياتنا، الله أحيانا روحيًا به "لي الحياة هي المسيح" (فى21:1) "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2). هذه هي حياة النعمة التي نحياها الآن ولكن هذه الحياة لا تظهر أمام الناس، أي أنها مستترة لأن المسيح نفسه غير ظاهر. كل ما يظهر هو ثمار هذه الحياة. وما أخذناه الآن جعلنا بذرة حية، حياتها مستترة فيها والحياة التي في البذور، لا تظهر إلا بعد أن تدفن البذور وتموت، فتظهر شجرة جميلة والحياة التي أخذناها الآن ستظهر بعد أن نموت وندفن ونقوم بجسد ممجد. والمسيح سيظهر في نهاية الأيام وسنظهر معهُ في المجد (1يو2:3) + (فى21:3). الحياة التي فينا لا يشعر بها العالم غير المستنير ولا يعرفها، ولكن نشعر بها داخليًا.

أمّا الذي يرتد لحياة الخطية بعد المعمودية فيكون كبذرة دخلها السوس، متى زُرعت لا تعطي شجرة، فلقد اختفت الحياة من داخلها. وهذا معنى قول السيد من وجد نفسه (عاش يتلذذ بخطايا العالم) يضيعها (مت39:10).

في الله = ابن الله الوحيد هو الذي وحده "في حضن الآب" (يو1: 18). وخلق الابن آدم (كو1: 16)، فكان آدم فيه. ولكن انفصل آدم ونسله عن الله بالخطية فماتوا. وتجسد الابن ليتحد بالطبيعة البشرية. المسيح وَحَّدنا به فصارت لنا حياته الأبدية التي قام بها من الأموات، وبتجسده حملنا فيه إلى حضن أبيه. ويمثل هذا في الكنيسة بما نسميه حضن الآب وهو الحائط الشرقي للكنيسة المواجه للمذبح. والمعنى أن من يتحد بجسد المسيح الموجود على المذبح يحمله المسيح إلى حضن أبيه السماوي. وهذا ما أعطانا هنا على الأرض أن نحيا حياة سماوية روحية مع الله، وفي مجد مستتر، وهذا معنى "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أف2: 6). فأبونا هو الآب السماوي ورأسنا هو المسيح الجالس عن يمين الآب فصارت "سيرتنا (مواطنتنا) في السموات" (فى3: 20). وهذا معنى أن الابن "طأطأ السموات ونزل" (مز18: 9). ووجود المسيح ابن الله فينا جعلنا في مجد مستتر، فوجود الله في مكان هو حلول المجد في ذلك المكان "أكون مجدًا في وسطها" (زك2: 5). أما في السماء فسيستعلن هذا المجد الذي فينا (رو8: 17) وكانت هذه طلبة المسيح للآب "أيها الآب أريد ان هؤلاء الذين اعطيتني يكونون معي حيث أكون انا، لينظروا مجدي الذي اعطيتني، لانك احببتني قبل انشاء العالم" (يو17: 24). لقد صار لنا الآن أن نحيا هنا على الأرض نتطلع للسماويات، حيث المسيح جالس ونتذوق حلاوتها وأفراحها، لكن ما نحصل عليه الآن هو العربون (أف1: 14)، أما كمال الفرح فسيكون هناك في أمجاد السماء. ولكن هناك شرط حتى نتمتع بهذه الحياة السماوية وهو أن نحيا حياة الإماتة، أي نحيا كأموات عن الخطية لتظهر حياة المسيح فينا (رو6: 11 + 2كو4: 10 ، 11 + هذه الآيات كو3: 1 - 6). ونرى في هذه الآية تحقيقا لطلب السيد المسيح من الآب في صلاته الشفاعية "ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضًا من اجل الذين يؤمنون بي بكلامهم، ليكون الجميع واحدا، كما انك أنت أيها الآب فيَّ وانا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدا فينا، ليؤمن العالم انك أرسلتني. وانا قد اعطيتهم المجد الذي اعطيتني، ليكونوا واحدا كما اننا نحن واحد. انا فيهم وانت فيَّ ليكونوا مكملين إلى واحد، وليعلم العالم انك ارسلتني، واحببتهم كما احببتني" (يو17: 20 - 23).

ونلاحظ أن المسيح يطلب في (يو17: 5) أن يتمجد جسده بمجد لاهوته الأزلي، ونرى أن هذا كان لحساب الكنيسة (يو17: 22). ولكن نلاحظ قول رب المجد "والان مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم، وقوله عند ذاتك كانت تكرارا لقوله ذلك أيضًا في (يو13: 32). فماذا يقصد السيد من قوله "في ذاتك"؟

لاهوتيا الآب في الابن والابن في الآب، ومجد الآب هو مجد الابن هو مجد الروح القدس، فالآب والابن والروح القدس إله واحد. وحين تجسد الابن وإتخذ له جسدا من العذراء مريم كان هذا الجسد مشابه لجسدنا تمامًا، إذًا كان جسد المسيح هذا بلا مجد وهو على الأرض.

وحين صعد المسيح بجسده أخذ هذا الجسد صورة المجد وهذا معنى "جلس عن يمين أبيه". وقول المسيح هنا اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ يعني أن جسد المسيح حين تمجد كان هذا ليس بالانفصال عن الآب. وصار المسيح بجسده كما بلاهوته في حضن الآب أي في الآب (يو1: 1 ، 18) .

وهذا يعني بالنسبة لنا أن كل من يثبت في المسيح سيكون له مكان في حضن الآب أي في الابن وفي الآب. وسيكون لنا هذا بأجسادنا الممجدة. وهذا ما طلبه المسيح في صلاته الشفاعية للآب (يو17: 21) . وهذا معنى قول السيد المسيح في (يو14: 6) أنه هو الطريق الذي به نأتي إلى الآب، وأننا لا يمكن أن نأتي إلى الآب إلا به.

فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ.. فِي الْمَجْدِ = في السماء سيكون المجد علنيًا، "المجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو18:8). المسيح سيظهر في مجده في نهاية الأيام ونحن معه. والمجد الآن مستتر في الله = الله هو مصدر حياتنا وحافظها وحياتنا مستترة فيه، فهو الحي مصدر كل حياة. والمجد سيستعلن فينا في الأبدية (رو8: 18).

 

آيات 6،5:- "فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، الأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ،"

أميتوا = يبدأ هنا دروسًا في السلوك العملي. وأميتوا لغويًا تعني اذبحوا ذبحًا مستمرًا، احسبوا أعضاءكم ميتة أمام شهواتكم، ألم تموتوا مع المسيح في المعمودية؟ إذًا حافظوا على هذا الموت عن العالم وشهواته "احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية..." (رو11:6). ليظهر أمام العالم هذا الموت كطريق اختياري، ومن يفعل ينال معونة من الروح القدس، فالروح القدس هو قوتنا لإماتة شهواتنا "فإن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو13:8). ولكن الروح لن يعين سوى من يجاهد، وذلك بأن يقف أمام الخطية كميت، ويقف أمام الله في الصلاة طالبًا المعونة.

أعضاءكم = ليس المقصود قطعًا أن نقطع ونذبح أعضاءنا الجسدية، بل الخطايا والشهوات التي نرتكبها بها. هذه مثل قول السيد "إن أعثرتك يدك فاقطعها" (مت30:5). أعضاءكم التي على الأرض =

1.  أي طالما نحن على الأرض ستتحرك الشهوات الخاطئة في أعضائنا.

2.  المقصود أن نحسب العضو الذي يشتهي شهوات أرضية، نحسبه عضوًا ميتًا. فلو استجبنا للشهوة الخاطئة الأرضية التي تعمل في هذا العضو لصار آلة إثم.

3.  أعضاء الجسد ليست نجاسة لكن المقصود أن لا نجعل العضو آلة في يد الإنسان العتيق أي الشهوات المنحرفة. ولكن علينا أن نجعل أعضاءنا آلات بر يستعملها الإنسان الجديد المولود في المعمودية، فاليد التي كانت تسرق تتحول ليد ترتفع في الصلاة، والعين التي كانت تشتهي إلى عين تدرس كلمة الله (رو13:6).

4.  من يتجاوب مع الشهوات الخاطئة يطفئ الروح ومن يتجاوب مع الروح القدس ويجعل أعضاءه آلات بر يمتلئ بالروح وتزداد معونة الروح القدس لهذا الإنسان. فالله أعطانا الروح القدس كمعين حتى لا تسود الخطية علينا. والموضوع في أيدينا: فمن يجاهد ليحفظ وصايا الله ويميت أعضاءه (أي شهواته أي يقف أمام الخطية كميت) يفرح به الروح ويعينه ومن يهمل يُحزن الروح ويطفئه ولا يجد معونة من الروح فقد أطفأهُ.

الزنا = راجع 1كو 18:6 

النجاسة = كل ما يتصل بالانحرافات الجنسية.

الهوى = الانفعال الجنسي السريع (التحرق) = عواطف وشهوات خاطئة بلا ضابط.

الشهوة الردية = الرغبة في إتمام الخطية وهي وليدة الهوى.

الطمع = اشتهاء ما للغير والرغبة في اقتنائه وعدم الاكتفاء بشيء وأسماه الرسول عبادة أوثان =

1.  يجعل صاحبه عبدًا للمال.

2.  تعلق القلب بالمال أو المقتنيات.

3.  الشعور بالاطمئنان مع زيادة المال، هنا جعل الإنسان المال إلهًا يضمن له المستقبل.

أبناء المعصية = هم من يعيشون في الخطايا السالف ذكرها.

 

آيات 8،7:- "الَّذِينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا سَلَكْتُمْ قَبْلًا، حِينَ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِيهَا. وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ."

سلكتم قبلًا = أهل كولوسي مثل كل الأمم سلكوا في عبادة الأوثان وما يصاحبها من زنا ونجاسة.. قبل أن يؤمنوا. وأما الآن = لا تضيعوا الفرصة، فلا أحد يضمن عمره للغد، ولا يضمن هل توجد فرصة في الغد للتوبة.

الغضب = من الرذائل المتأصلة في الإنسان وتثمر فيه حقدًا وكراهية.

السخط = التهيج السريع. الخبث = عمل مؤذ للآخرين ناتج عن حقد دفين وكراهية.

التجديف والكلام القبيح = هناك تجديف على الله وتجديف على الناس أي الافتراء عليهم وهم صورة الله (أم5:17) والكلام القبيح هو ترجمة للأفكار والانفعالات القلبية الخاطئة لكلمات ماكرة وبطالة.

 

آيات 9-11:- "لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ، حَيْثُ لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ."

لاَ تَكْذِبُوا = الكذب من أعمال إبليس، فهو الكذاب وأبو الكذاب (يو44:8). وهو صاحب أول كذبة في التاريخ على حواء. ولأنه أبو الكذاب فصار كل من يكذب إبنًا لإبليس. وإبليس مازال يكذب على الناس مصورًا لهم أن في الخطية سعادة وفرح. والكذب من أعمال الإنسان العتيق ولا يليق بأولاد الله. ومن يتسلط عليه الكذب تنقلب حياته تمامًا فهو سيبيح لنفسه أي عمل خاطئ. لذلك فالكذب يساعد على نمو كل الخطايا السالفة. الكذب هو إخراج الله الحق من المشهد، فكل من يكذب، يكذب على الله، ومن يتصور أن الله يقبل الكذب فهو يخطئ في حق الله.

لَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ = هذا تم بالمعمودية، ففي المعمودية لبسنا المسيح وصارت لنا طبيعة جديدة = هذا معناه أن تكون لنا صورة فضائله من محبة وخدمة وتواضع ووداعة.... (غل4: 19) و(راجع رو6) ملحوظة:- في المعمودية مات الإنسان العتيق أي الشهوات القديمة الخاطئة. ووُلِدَ فينا إنسان جديد قادر على صنع البر. لكن الإنسان حر في أن يُحيي الإنسان العتيق بأن يرتد لشهواته ويهمل علاقته بالله، وهو حر أيضًا بل قادر بمعونة الروح القدس على أن يُحيي الإنسان الجديد وينميه وذلك بأن يقف كميت أمام الخطية، ويجاهد في صلاته وتسابيحه، أي أن يلتصق بالله تاركًا العالم بملذاته. فالمسيح أعطانا هذا الإنسان الجديد فماذا أعطت الغنوسية واليهودية في المقابل؟

يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ = خلق الله آدم في الجنة، وكان آدم يرى الله ويعرفه ويعرف إرادته، وكان يحب الله قطعًا وهذا لأن الله حلو، إذا عرفه الإنسان يحبه. وأيضا لأن آدم كان مخلوقًا على صورة الله. والله محبة، فيكون آدم أيضًا مملوءًا من محبة الله. والله حين خلق الإنسان قال "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" فكان لآدم محبة وحرية وحكمة وقداسة وسلطان ... (راجع تفسير الآية تك1: 26) وسقط آدم فاختبأ من الله، وكلما زادت الخطية ابتعد الإنسان عن صورة الله بل وعن معرفة الله، بل عبد آلهة أخرى ولم يعد يحب الله، ولا عاد يعرف إرادته وصار الإنسان ظلمة (أف8:5) وأحب العالم وشهوات العالم، وصارت لذاته في شهوات العالم. وجاء المسيح لفداء البشر، وأرسل الروح القدس ليجدد طبيعتنا.. فماذا عمل؟ كانت أول ثمار الروح القدس المحبة، بل صار يسكب محبة الله في قلوبنا (غل22:5) + (رو5:5) وكلما تزداد محبة الله في قلوبنا، ندرك الله إدراكًا فائقًا وللأمور الروحية أيضا، فبالمحبة يفتح الله سماءهُ وأسراره لنا (أف 19:3) . وكلما عرفنا أسرار الله ومحبة الله لنا والمجد الذي أعده لنا (1كو2: 10،9). نشتاق لنعرف أكثر، ونحب الله بالأكثر، وكلما نعرفه أكثر يزداد اتحادنا به وثباتنا فيه . وكلما عرفنا ماذا يعطيه الله لنا، إذ هو يملأنا بكل ما نحتاج إليه، نطلب أن نمتلىء منه، فنشبع به أي لا يعود فينا مكان لآخر. وهنا تتغير صورتنا إلى صورته بل نعكس مجده (2كو 18:3).

لقد أعطانا المسيح حياته، والروح القدس يقدسنا بأن يجعل كل عضو فينا مكرسًا لله، فيستعملنا المسيح، أي يستعمل أعضاءنا، تصير أعضاؤنا أعضاءً له. ومع الوقت نتحول لصورة له "يا أولادي الذين أتمخص بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل19:4) + "البسوا المسيح" (رو14:13). فالتجديد يكون بأن نعرف الله وندرك محبته فنشتاق أن يملأنا فنتحول إلى صورته، هذا ولن نعود إلى صورة آدم أبينا الأول، بل نتحول إلى صورة المسيح نفسه. والحب الذي سيملأ قلبنا لن يكون لله فقط، بل لكل خليقة الله، اليوناني واليهودي والبربري.. والتجديد ليس لواحد بل لكل الكنيسة. فيملأ المسيح الكل. المسيح هو الكل وسيملأ الكل = المسيح الكل في الكل. وحينما يملأ المسيح الكل، والمسيح محبة، فلا مكان لكراهية احد، لذلك سنحب الكل اليوناني و... وعملية التجديد أي النمو في المعرفة والحب تزداد كل يوم. فالمولود من الله ينمو. التجديد هو عمل جاء فينا بواسطة الروح القدس الذي يستعمل كلمة الله في أن نعرف الله. فبكلمة الله المكتوبة نعرف كلمة الله المسيح ابن الله الحيّ.

والتجديد كما يُفهم من أصل الكلمة اليوناني هو عملية تستمر طول الحياة وليس كما تقول بعض الطوائف أنها تتم في لحظة. وقوله يتجدد للمعرفة فيه إشارة لأن الذي يتجدد سيعرف إرادة الله ومشيئة الله وينفذها. ولكن كلمة يعرف تعني في الكتاب المقدس الإتحاد الذي يثمر حياة (راجع مت11: 25 – 30) والروح القدس يظل يجدد في حياتنا وكل ما نَتَنَقَّى نثبت بالأكثر ويزداد إتحادنا بالمسيح = للمعرفة أي للإتحاد والحياة. وقارن هذا الذي قيل مع قول السيد المسيح "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو3:17) فعدم معرفة الله يعني عدم إتحاد به وهو الحياة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ومن جهة أخرى عدم المعرفة يعني جهل وظلمة ومعرفة آلهة أخرى، وملذات أخرى أي إستعباد وحزن وضياع. أما معرفة الله هي نور ومحبة وامتلاء وشبع ومجد وفرح أبدي لا ينتهي. إذًا إماّ أن يعرف الإنسان الله فيحيا حرًا في فرح ومجد، ويحيا ثابتا فيه للأبد أو لا يعرفه فيحيا في عبودية وظلام والنهاية الظلمة الخارجية أي موت. إماّ أن يعرفه فيتحول إلى صورته وإماّ لا يعرفه فيكون صورة للعالم، والعالم باطل وفانٍ.. فسيموت وينتهي للظلمة الخارجية.

يوناني = له مكانته المتميزة في المجتمع عندئذ وبعد فتوحات الإسكندر صارت اليونانية هي اللغة السائدة في العالم. بربري = بحسب مفهوم اليونانيين فإن البربري هو كل من لا يتكلم اليونانية ومقصود بالكلمة الجاهل والهمجي. يهودي = هذا يعتز بأنه ابن إبراهيم، وهو الذي يعرف الله وله الشريعة والمواعيد. وفي نظر اليهودي فإن بقية الأمم ما هم إلاّ كلاب نجسة. وكان الرومان واليونانيون يحتقرون اليهود. وكان اليهود يحتقرونهم. سكيثي = من سكان شمال البحر الأسود وهم من التتار، وهم من أشد البربر وحشية وتخلفًا. حر = كان للسيد أن يقتل عبده دون مساءلة من أحد. وفي المسيح صار كل هؤلاء واحدًا.

الْمَسِيحُ الْكُلُّ فِي الْكُلِّ = الوحي هنا لا ينظر للمؤمنين كأفراد متفرقين بعضهم عن بعض بل كمن هم مخلوقون ثانية في المسيح، الذي هو حياتهم ورأسهم. ولذلك انتهت حياتهم السابقة وفروقهم الجنسية، الكل صار لابسًا المسيح وخالعًا إنسانه العتيق. صار المسيح لنا كل شيء لا نحتاج سواه، وهو حياة كل مسيحي معمَّد، هو كل شيء لنا وللخليقة كلها، فهو خلقها ويحفظها لذلك هو الْكُلُّ فِي الْكُلِّ = المسيح هو كل شيء للمسيحي الذي عرفه حقيقة، فلا يحتاج سواه، هو كل شيء وكل ما في العالم لا شيء بجانبه، هو يحوي الكل ، الكل فيه وهو في الكل "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4) . المسيحي الفاهِم يعرف أنه مهما كان مركزه فهو لا شيء هو تراب بل تراب خاطئ، وقيمته هي في أن المسيح فيه. إذًا ما الفرق بين فقير لا قيمة له وغني هو أيضًا لا قيمة له فكليهما من تراب، وما يعطي كل منهما، الفقير والغني، قيمته هو المسيح الذي فيهما. والمسيح واحد. المسيح هو هدفنا الوحيد الذي ننظر إليه، هو فينا كلنا كحياة لنا، هو وحده يشبعنا من كل ما نحتاج إليه، هو ما نرجوه في أبديتنا. ولاحظ أن الرسول يركز دائمًا على المسيح ليرد على الغنوسيين. وهذه ضربة موجهة لليهود والمتهودين الذين يشعرون بكبرياء لكونهم يهودًا. وضربة للغنوسيين الذين يشعرون بتميز لمعرفتهم وفلسفاتهم. ولليونانيين الذين يشعرون بتفوقهم ويسمُّون الآخرين برابرة.

ملحوظة:- الذي يتجدد حسب صورة خالقه أي يستعيد الصورة التي خلقها الله أولًا في المحبة والحكمة والسلطان (أنظر سلطان القديسين على الحيوانات مثلا) ولكن هذا يكون للإنسان المملوء بالروح، مملوء محبة، مات الإنسان العتيق الذي فيه، المسيح حياته، المسيح يستخدم أعضاءهُ كآلات بر. لا يخطىء، وإن أخطأ يشعر بتبكيت شديد فيقدم توبة سريعة، كل هذا ناشىء من أنه عَرِف الله وعرف مشيئته وأصبح غير قادر أن يخالف مشيئة الله لأنه أحبه، ولأنه حينما يخالفه يضربه قلبه بشدة، أصبح مختبرًا ماذا يرضس الله مثل هذا يكتسب صورة المسيح حينما كان المسيح على الأرض، وفي السماء أيضًا ستكون له صورة المسيح في مجده. راجع (1صم24: 4-6) + (1يو9:3) + (أف10:5) + (فى21:3) + (1يو2:3) + (غل19:4).

 

آيات 12-15:- "فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا. وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ. وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ."

البسوا = يقصد المظهر الخارجي لا بُد أن يكون مُحلَّى بالفضائل. نحن تعرينا بالخطية وافتضحنا. وبالمعمودية لبسنا المسيح. ولكن قوله البسوا يشير لأهمية الجهاد حتى نكتسب شكل المسيح وتكون لنا فضائل المسيح. ومن يجاهد يعطيه المسيح حياته وفضائله يظهر بها أمام الناس البسوا كمختاري الله = البسوا لأنكم مختارو الله، الله يريد أن يعطيكم هذه الهيئة أن يكون لكم شكل المسيح أي أن تلبسوا المسيح. هنا نرى أهمية الأعمال بالنسبة للخلاص، وينبه المؤمنين لأهمية السلوك المسيحي الواجب عليهم. القديسين = الذين كُرِّسْتُمْ لخدمة الله بالكلية. أحشاء رأفات = الأحشاء هي المشاعر الداخلية، وهي ما نعبر عنه الآن بالقلب. إذًا المطلوب قلب رحيم على الإخوة، وإظهار المحبة للآخرين وهم في شدائدهم. والرأفات تجمع بين الرأفة واللطف. لطفًا = كلام بدون خشونة وتشجيع دون إثارة غضب أحد، ومعونة للآخرين. تواضع = ضد الكبرياء والإعجاب بالنفس، وهو شعور داخلي بعدم الاستحقاق للبركات الإلهية، عالمًا أن كل خير هو من الله وليس من نفسه ويطلب المكان الأخير. وداعة = لا يجرح أحد ولا يُغضب أحد ويحتمل الإهانة ولا يرد بمثلها. قيل عن المسيح الوديع لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته (مت 19:12).

طول الأناة = ضبط النفس وقت الغضب والصبر على المسيئين. والوديع طويل الأناة أيضًا وكلاهما هادئ وبشوش.

مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. مُسَامِحِينَ = يكون المسيح قدوتنا في الاحتمال. والبداية هي الاحتمال والتسامح نهاية المشوار. كُونُوا شَاكِرِينَ= هذا إحساس بإحسانات الله علينا. وهذه أتت بعد وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ = فمن امتلأ قلبه سلامًا يشعر ويثق أن كل الأمور للخير. فيشكر الله حتى في ضيقته. والسلام أي أن يمتلىء القلب هدوءًا وسكينة ورضا وإطمئنانًا مهما كانت الظروف الخارجية أو الضيقات التي تحيط بالإنسان "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف..."(مز27). والعكس "لاسلام للأشرار" (أش 57: 21،20). فالسلام ثمرة من ثمار الامتلاء من الروح القدس، وهذا تجده محبًا للجميع مملوء أحشاء رأفات للجميع الْمَحَبَّةَ رِبَاطُ الْكَمَالِ = المحبة هي أم الفضائل كلها وأشرفها وهي تجمع كل الفضائل. والكمال هو حالة لا يمكن التفوق عليها، والمقصود أن أكمل صورة يرتبط بها شعب الله، هي أن يرتبطوا بالمحبة. فهناك من يرتبطوا لمصالح متعددة ودائمًا نهاية هذه الارتباطات مشاكل، أما كمال الارتباطات فهي المحبة. والمحبة هي أولًا لله وثانيًا لكل الناس حتى الأعداء.

 

آيات 17،16:- "لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْل أَوْ فِعْل، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اللهَ وَالآبَ بِهِ."

الوسائط التي يذكرها لنا الرسول لأجل تعزيتنا وبنياننا:-

1. سكنى كلمة الله فينا ودراستها والتأمل فيها وإتباع وصايا الإنجيل. وتكون كلمة الله في أفكارنا نرددها بألسنتنا ونورًا دائمًا لنا، فنرى في حياة المسيح قدوة لنا ونتتبع وصاياه، ويكون الإنجيل معاشًا (أي ننفذ تعاليمه ولا يكون للجدال). بِغِنىً = لا يكفي أن تكون المعرفة هامشية، بل بفيض وعمق وإختبار أي تنفيذ الوصايا فلا نكون كمن يعلم ولا يعمل فهذا لن يعرف المسيح (مت7: 24 – 27) ، فهذا يحمينا من خداعات العدو، وينير أذهاننا، ويعطينا حكمة.. فنعلم الآخرين = مُعَلِّمُونَ = العقيدة والحياة الروحية (هذه إيجابيات). وَمُنْذِرُونَ بالبعد عن الشر (وهذه سلبيات).

2. حياة التسبيح والترنيم خاصة المزامير المملوءة صلوات والتي تعلمنا كيف نصلي فالمزامير هي كلمات الروح القدس على فم داود. والَتَسَابِيحَ = فالتسبيح عمل الملائكة يرفع النفس للسماء فتتذوق عربون الملكوت. والَأَغَانِيَّ الرُوحِيَّةٍ = هي الترانيم التي تحمل إشتياقات للسماء وللرب يسوع. والصلاة والتسابيح يجب أن تكون بالقلب = فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ، وليست باللسان فقط أو الصوت الجميل. وهذا المنهج الذي وضعه بولس الرسول هو نفسه ما أشار إليه كطريق للامتلاء من الروح القدس في (أف5 : 18 – 21).

3. اعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ= أي مستمدين القوة منه، فالاسم هو إشارة لقدرات الشخص وقوته. والمسيح لن يعطي قوة لعمل يكون ضد إرادته. فلنصلِ قبل كل عمل ونطلب إرشاد الله. ولاحظ تكرار قول الرب يسوع. ففي هذا رد على الهراطقة الذين يريدون أن يقللوا من مكانة المسيح. بِاسْمِ = فهو قد إشترانا ونحن صرنا لهُ. وهو يعني أن المسيح الكل في الكل، هو الذي يمنحنا القوة لعمل أي شيء وهو قال "بدوني لا تقدرون ان تعملوا شيئًا" (يو 15: 5).

4. شَاكِرِينَ = المسيح وهبنا طبيعة جديدة هي طبيعة الشكر عوضًا عن طبيعة الجحود، ونحن لن ننمو سوى بالشكر "كل عطية بلا شكر هي بلا زيادة... القديس مار اسحق السرياني". اللهَ وَالآبَ = الواو ليست حرف عطف، وإلا يكون الله غير الآب، بل شاكرين الله الذي هو أبو يسوع المسيح، والذي أرسل ابنه يسوع المسيح لنصير نحن له أبناءً بإتحادنا بالمسيح.

وفي هذا الرد على من قال بقسوة إله العهد القديم.

 

أيات 18-25: - "أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ. أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ، وَلاَ تَكُونُوا قُسَاةً عَلَيْهِنَّ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لأَنَّ هذَا مَرْضِيٌّ فِي الرَّبِّ. أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ لِئَلاَّ يَفْشَلُوا. أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ. وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ. وَأَمَّا الظَّالِمُ فَسَينَالُ مَا ظَلَمَ بِهِ، وَلَيْسَ مُحَابَاةٌ."

 راجع تفسير رسالة أفسس (أف 5: 22 - 6: 9).

كان النساء في ذلك العصر لا حقوق لهن، ومثل السلعة التي يشتريها الرجل وجاءت المسيحية لتعطي المساواة فتمردت بعض النساء على أزواجهن. ونلاحظ أن النساء مُجَرَّبات بعدم الطاعة، والشعور بأنهن طالما ساوتهن المسيحية بالرجال فعليهن أن لا يُطِعن، أما المحبة فهي غريزة طبيعية في النساء. والرجل مجرب بأن لا يحب امرأته بل ينظر لغيرها ويقسو على امرأته لذلك يقول الرسول للرجال أحبوا = من أغابي `agapy أي الحب الباذل المضحي الذي على شكل حب المسيح.

ويقول للنساء إخضعن. والأولاد مجربون بعدم الطاعة. ونلاحظ أن الابن الذي يتعلم طاعة والديه يسهل عليه طاعة مدرسيه ثم رؤسائه في العمل... فيكون ناجحًا محبوبًا في حياته، وهذا من بركة طاعة الوالدين.

والله لم يطلب طاعة وإكرام الوالدين القديسين فقط، بل أي والدين طالما لم يدعوا الابن لأن يترك الإيمان، أو لعمل خطية تغضب الرب. والآباء مجرَّبون بالقسوة وعقاب أولادهم بشدة وبدون داعي، وهم أيضًا مجربون بإهمال أولادهم لذلك يقدم الرسول لكل واحد ما يتناسب معه.

والله يشجع العبيد بأنهم سيحصلون على الجزاء العظيم إن كانوا أمناء لسادتهم وسيعاقب سادتهم لو ظلموهم. وسيعاقب العبد غير الأمين، فالله ليس عنده محاباة. وهنا بولس يتمشى مع القوانين السائدة التي تسمح بالعبودية. وهو حين يطلب من العبد أن يكون أمينًا فهذا لا ليرضي سيده فقط، بل ليرضي الرب. إذًا علينا أن نعمل كل عمل بإخلاص من الأعماق كمن يقدم عمله لله.

وحين تخضع النساء لرجالهن والأولاد لآبائهم والعبيد لسادتهم، قد يكون هذا سببًا لإيمان الأزواج أو الآباء أو السادة، قد يُربحوا للمسيح بدلًا من أن تكون الزوجات والعبيد سببًا في التجديف على الله (تي 2: 4، 5) + (1 بط 3: 1) + (1تي 6: 1).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات كولوسي: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/12-Resalet-Kolosy/Tafseer-Resalat-Colosy__01-Chapter-03.html

تقصير الرابط:
tak.la/rynjd23