← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15
يقدم لنا داود النبي تسبحة شكر لله الذي يدرب أولاده على مقاومة عدو الخير، والقتال، لكي يكتشفوا شخصية الرب المخلص وعمله ومعاملاته الفائقة. يقف المرتل في حيرة، لا يجد ما يمكن أن يعبر به بلغةٍ بشريةٍ عن حقيقة حب الله ومعاملاته مع كنيسته، كما مع كل مؤمنٍ عضو فيها.
إنه أحد مزامير المعارك التي تعيننا في معركتنا الروحية ضد إبليس وقواته. نحتاج إلى الرب نفسه قائد المعركة بالصليب أن يدربنا على المعارك الروحية قبل الدخول فيها.
نحن في أنفسنا لا شيء، لكن الله يحبنا ويهيئنا بنفسه لنتأهل بإمكانيّاته للدخول في المعارك الروحية. إنه لا يخبرنا على الدوام كيف يُعدّنا، لهذا يليق بنا أن نسلم حياتنا بين يديه في يقين أنه واهب النصرة لمؤمنيه الحقيقيين.
لقد سمح الله لداود في صباه أن يصارع دُبًّا وأسدًا، ولم يكن يدرك أنه كان يُعدّه للمعركة مع جليات الجبّار.
يليق بنا أن نرتدي أسلحة الله الواردة في (أف 6: 10-18) في كل صباحٍ، فنكون مستعدين لسماع صوت البوق. إذ نرى بالإيمان الحيّ يد الله القوية تعمل معنا وبنا لا نخاف من الدخول في معركة الرب. إنه لن يتخلّى عنا (2 أي 20: 14-19).
يليق بنا أن نقدم تسبحة شكر لله من أجل مساندته لنا كأشخاصٍ [9-11]، ولعائلاتنا [12]، وللجماعة كلها [13-15].
1 -4. |
||
5 -10. |
||
11. |
||
12 -15. |
||
من وحي مزمور 144 |
لِدَاوُدَ
جاء عن الترجمة السبعينية: "لداود بإزاء جليات".
*عنوان هذا المزمور مختصر في عدد كلماته، لكنه ثقيل في أسراره. "لداود نفسه ضد جليات". هذه المعركة قامت في أيام آبائنا، وتتذكرونها أيها الأحباء معي من الكتاب المقدس... وضع داود خمسة حجارة في جرابه، لكنه قذف حجرًا واحدًا. الخمسة أسفار قد اختيرت لكن وحدتها قد غلبت. لقد ضربته وطرحته، وأخذ سيف العدو، وبه قطع رأسه. لقد طرح (السيد المسيح) الشيطان بأسلحته، وإذ بالعظماء الذين تحت سلطانه حولوا ألسنتهم للعمل ضد الشيطان، فقُطعت رأس جليات بسيفه [1].
1 مُبَارَكٌ الرَّبُّ صَخْرَتِي، الَّذِي يُعَلِّمُ يَدَيَّ الْقِتَالَ وَأَصَابِعِي الْحَرْبَ. 2 رَحْمَتِي وَمَلْجَإِي، صَرْحِي وَمُنْقِذِي، مِجَنِّي وَالَّذِي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، الْمُخْضِعُ شَعْبِي تَحْتِي. 3 يَا رَبُّ، أَيُّ شَيْءٍ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَعْرِفَهُ، أَوِ ابْنُ الإِنْسَانِ حَتَّى تَفْتَكِرَ بِهِ؟ 4 الإِنْسَانُ أَشْبَهَ نَفْخَةً. أَيَّامُهُ مِثْلُ ظِلّ عَابِرٍ.
مُبَارَكٌ الرَّبُّ صَخْرَتِي،
الَّذِي يُعَلِّمُ يَدَيَّ الْقِتَالَ،
أَصَابِعِي الْحَرْبَ [1].
يسبح المرتل الرب، لأنه هو الكل في الكل في معركته في هذه الحياة. هو الذي يدرِّبه على مواجهة العدو. وهو الصخرة، فيه يختفي من إبليس العدو العنيف، ولا تستطيع الحية أن تزحف على الصخرة لتقترب من المؤمن الساكن فيها.
*هذه هي كلماتنا إن كنا جسد المسيح. يبدو هنا تكرار للفكرة: "أيادينا للقتال"، و"أصابعنا للحرب". بلا شك كل من الأيادي والأصابع تعمل. لذلك ليس بدون سبب نستخدم الأصابع عوض الأيادي.
بالأصابع نعرف تنوع العمل، مع نوعٍ من الوحدة.
بهذه الأصابع يحارب جسد المسيح، يقيم حربًا، يقيم معركة...
وبأعمال الرحمة يُهزم عدونا، لكن لن نستطيع أن تكون لنا أعمال رحمة ما لم يكن فينا حب، ولن تكون فينا محبة ما لم نتقبلها بالروح القدس. فهو إذن يعلم أيادينا المعركة وأصابعنا الحرب. وبالحق نقول له: "أنت رحمتي"، إذ به نكون رحماء، فإن الحكم بلا رحمة لمن لا يُظهر رحمة (يع 2: 13) [2].
* "مبارك الرب إلهي الذي يعلِّم يدي القتال، أصابعي الحرب". لنرفع أيادينا في الصلاة دون تشتيت وبدون نزاعات (1 تي 2: 8)، وفي كل مناسبة إذ نرفع أيادينا لله تكون صلاتنا سلاحًا ضد الشيطان. الصلاة هي قيثارتنا [3].
*ماذا تقول - الله مُعلم الحروب والمعارك والقتال؟ هذا كثير جدًا. ليس من ينسب النصرة لله يرتكب خطية. هذا هو معنى "يعلم يدي"، بمعنى يجعلني أغلب العدو وانتصر وأقيم نصبًا تذكاريًا للنصرة. عندما قتل (داود) جليات فإن الله هو المسئول عن النصرة. وعندما قاد معارك كثيرة بنجاح... الله هو الذي سبب له النصرة لهذا في تسابيحه، قال: "الرب القدير الجبار، الرب الجبار في القتال" (مز 24: 8). وفي حاله موسى قام بأعمال كثيرة مشابهة.
على أي الأحوال، توجد حرب أشر من هذه، فيها تحتاج إلى نعمة خاصة من الأعالي، عندما ندخل في معركة ضد القوات المقاومة. الآن لتأكيد أن معركتنا معهم، اسمع قول بولس: "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساء مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6: 12) [4].
*ليس معنى هذا القول أن الله يهيج الحروب ويثير الشرور. حاشا لله! إنما معناه أن به تتحقق النصرة لأحبائه، والانكسار لأعدائه... ولهذا ينسب النبي لله قهره جليات وغلبته عليه، وليس لقوة يديه وسلامه.
لذلك نحن المسيحيين بعد أن خلصنا من أسر بابل المعنوية التي هي الخطية بواسطة المعمودية المقدسة والإيمان بالمسيح، لم يزل قائمًا علينا قتال أشد من القتال الحسي المنظور، لأنه قتال من أجواق طبيعتها غير طبيعتنا، وهي غير منظورة أيضًا، والجهاد القائم بيننا ليس من أجل أمرٍ يسير، وإنما من أجل خلاص نفوسنا أو هلاكها.
وأما المقاتلون فلا تبصرهم أعيننا، ولا لزمنٍ محددٍ، بل في كل وقتٍ وفي كل مكانٍ القتال قائم بلا مهلة له. ليس من شفعاء يتوسطون له، ولا من أعلام للقيام به.
لهذا ينبغي علينا أن نكون دومًا مستعدين، متذرعين من كل جانب، وأما الأتراس والمجن التي نحتمي فيها فهي ممارسة وصايا الله.
وأما غذاؤنا الذي يقوينا فهو دراسة الأسفار المقدسة، واستعانتنا بالله الذي يعلم أيادينا القتال ضد المصاف الشيطانية، ويعلم أصابعنا أن نرشم الصليب على جباهنا وقلوبنا وعلى يسارنا ويميننا.
بهذا الرشم نحارب ونقهر القوات المضادة كما بسلاح قوي، لأنه صليب ذاك الذي رحمنا بأكفانه، ونصرنا على أعدائنا، وأنقذنا من اقتدارهم، ويعضدنا بحمايته.
رَحْمَتِي وَمَلْجَأي،
صَرْحِي وَمُنْقِذِي، مِجَنِّي،
وَالَّذِي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ،
الْمُخْضِعُ شَعْبِي تَحْتِي [2].
المبدأ الذي على أساسه يتعامل الله مع المؤمنين المخلصين والجادين في حياتهم هو الرحمة الإلهية. يحتضن الله مؤمنيه وسط معركة الحياة ويكون لهم الملجأ الأمين، إليه يهربون ويعيشون في أمان. هو الحصن الذي يحتمون فيه، والبرج الذي من خلاله يدركون أبعاد المعركة، وهو واهب النصرة للمتكلين عليه.
من هو هذا الشعب الذي يحتاج الإنسان إلى الله لكي يخضعه، سوى حواس الإنسان وعواطفه وأفكاره، أي إنسانه الداخلي، فبالمسيح يسوع يصيَّرنا ملك الملوك ملوكًا أصحاب سلطان على أعماقنا الداخلية خلال عمل روحه القدوس، وبعمل نعمته الإلهية.
* "رحمتي وملجأي، صرحي ومنقذي". يا له من كفاح عظيم للمقاتل، حيث يشتهي جسده ضد روحه. لتحتفظ بهذا، فتحقق ما تشتهيه، عندئذ يُبلع الموت في غلبةٍ (1 كو 15: 54)، عندما يقول هذا الجسم المائت يتغير إلى حالة الملائكة ويرتفع إلى مستوى سماوي... توجد حياة، أيام صالحة، حيث لا توجد شهوة ضد الروح، ولا يُقال: "حارب" بل "افرح". بالتأكيد كل إنسان يقول: "هأنذا"...
تعلموا أن تقولوا: "رحمتي وملجأي، صرحي ومنقذي، حاميَّ (مجني). لأقل: "صرحي" كي لا أسقط؛ "منقذي" لئلا أُطعن؛ "حاميَّ" حتى لا أُضرب. في هذا كله، وسط كل كدِّي، في كل معاركي، في كل مصاعبي، فيه أجد رجائي "المخضع شعبي تحتي".
انظروا فإن رأسنا يتحدث معنا! [5]
* "رحمتي وملجأي، حصني ومنقذي، حاميّ". بألقاب مثل هذه يتحدث المرتل مع الله الذي له أسماء كثيرة مثل لطفه.
"الذي أخضع لي شعبًا" هذه الكلمات يُنطق بها في اسم المسيح بالطبع بالنسبة لتجسده. هذه أيضًا يمكن أن ينطق بها الرسل. بنفس الطريقة فإن أب الدير يشكر الله ويقول: "مبارك الرب إلهي الذي يخضع لي شعبًا، فإنهم ليسوا خاضعين لي بل لك، يطيعونني لكي يخدموك" [6].
*ألا ترون مرة أخرى كيف يتوسل طالبًا الخلاص على أساس الحنو؟ أو بالحري يقترح هنا شيئًا آخر؛ فبهذا التعبير يُظهر ذلك بقوله أنا لست مستحقًا لرحمته بدون موافقته. لذلك فهو رحمتي.
يقول إنني لا أطلبها خلال أعمالي. فإن كان هو "الرحمة"، إلا أنه لا يتمتع بها كل أحد بالتساوي. يقول: "أرحم من أرحم، وأتراءف على من أتراءف" (عا 8: 11).
يقول المرتل إنه يتقبل عطية الرحمة ذاتها على هذا الأساس (أن الله رحوم). ألا ترون روحه المنسحق؟ ألا تلاحظون سلوكه الشاكر، إذ ينسب كل شيء لله المحب؟
"سندي، منقذي، مُجني، فيه رجائي". على الدوام يوجه الرجاء نحو الله، معلمًا كل أحدٍ ألا يُبتلع بواسطة المتاعب، وإنما في وسط الكوارث ذاتها يشتاق إلى هذا الاتجاه، ولا ييأس ولا يخور قلبه، فهو فوق كل شيء "سندي ومنقذي" [7].
* "المخضع شعبي تحتي". وضع هذا حسنًا، فإنه هنا أيضًا توجد حاجة للعون من الأعالي، حتى يخضع له الذين تحته، ولا يثورون أو يقومون عليه.
يؤكد، أنه ليس فقط خضوع الأعداء والخصوم، وإنما أيضًا شعب الإنسان، فإننا في هذا نحتاج إلى نعمة عظيمة من الأعالي. في الواقع إنه إنجاز عظيم أن يطيعه شعبه حسنًا؛ هنا لا يتحدث عن الغلبة على الأعداء..
بالتأكيد لا يقوم خضوع الجيوش على ملوكية الشخص، وإنما على نعمة الله له [8].
يَا رَبُّ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَعْرِفَهُ،
أَوِ ابْنُ الإِنْسَانِ حَتَّى تَفْتَكِرَ بِهِ؟ [3].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية "يا رب من هو الإنسان أنك ظهرت له، أو ابن الإنسان أنك أعددت له".
على ضوء عظمة الله، خاصة في حبه ورعايته ودفاعه عن الإنسان حتى يقدم كل شيء للإنسان من أجل سعادته وشبعه وفرحه ونموه الدائم، يقف المرتل في دهشة: من يكون الإنسان حتى يقدم الله له كل هذا؟ ويفتكر فيه بهذه الصورة؟
المخلوق الوحيد على صورة الله هو الإنسان، وقد وهبه الله سلطانًا على كافة المخلوقات التي على الأرض، كما قدم له إحسانات فائقة، وقدم له الوصية اعتزازًا به، وفوق الكل تجسد كلمة الله من أجله، وصار إنسانًا ليخلصه من الفساد، ويرد له كرامته المفقودة، ويفتح له أبواب السماء، ويهبه مجدًا أبديًا إلخ. من هو هذا الإنسان الذي قدم له الله كل هذه العطايا الفائقة؟ إنه من التراب وأيامه على الأرض تعبر كظلٍ سريع!
يقول السيد المسيح للأشرار في يوم الرب العظيم: "لا أعرفكم"، فالمعرفة هنا ليست المعرفة العقلية وإدراك حقيقة الشخص وسماته، إنما معرفة الخبرة والالتصاق بالحب. هكذا أيضًا معرفة الله للإنسان هي معرفة اللقاء معه، ليثبت الإنسان فيه، ويتمتع بالشركة معه!
* "يا رب من هو الإنسان أنك صرت معروفًا له... أو ابن الإنسان أنك تقدره". إنك تقَّدره بمعنى تجعله مُهمًا هكذا...
يا لعظمة تقديرك للإنسان، الذي من أجله بذلت دم ابنك الوحيد! فإن الله يقَّدر الإنسان، بغير ما يقدر الإنسان إنسانًا آخر...
تأملوا عظمة تقدير الله لكم "الذي لم يشفق على ابنه... كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء؟" (رو 8: 32) الذي يعطي طعامًا هكذا للمصارع، ماذا يحفظ الله للمنتصر؟ [9]
*إنه لأمر عظيم أن يعرف الإنسان الله، أو بالحري أن يكون موضوع معرفة الله...
لم يقل المرتل "من هو الإنسان لكي يعرفك؟" بل "من هو الإنسان حتى تعرفه؟" لهذا فإن بولس أيضًا باستمرار يتقدم في هذا أكثر فأكثر، فيقول: "لكن حينئذ سأعرف كما عُرفت" (1 كو 13: 12). وأيضًا يقول المسيح: "لستم أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم" (يو 15: 16). مرة أخرى يقول بولس في موضع آخر: "إن كان أحد يحب الله، فهو معروف عنده" (1 كو 8: 3) [10].
* "يا رب، من هو الإنسان حتى تذكره، أو ابن الإنسان حتى تفتقده؟"... يتحدث المرتل هنا عن هشاشة الجسد والضعف البشري.
وماذا يقول؟ إن أخذت في الاعتبار جسده، فمن هو الإنسان؟
إن أخذت في الاعتبار روحه، فهو سامي المنزلة.
ليتنا لا نحتقر الجسد بأية وسيلة، إنما نرفض أعماله.
ليتنا لا نحتقر الجسم الذي سيملك في السماء مع المسيح. "إن لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله" (1 كو 15: 50). ليس الجسد والدم في ذاتهما، إنما أعمال الجسد، كيف إذن سيرثان معًا مع المسيح؛ كيف نجلس في السماء في المسيح (أف 2: 6) [11].
الإِنْسَانُ أَشْبَهَ نَفْخَةً.
أَيَّامُهُ مِثْلُ ظِلٍّ عَابِرٍ [4].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "الإنسان شبه الباطل. أيامه مثل ظلٍ تعبر".
الإنسان كائن سريع الزوال، أشبه بنفخة أو ظلٍ عابر، كأن لا وجود له. هذا بالنسبة لكل بشرٍ، فمن جانب نمجد الله الذي يهتم بنا، ويُعد لنا أمجادًا أبدية، ومن جانب آخر لا نخاف الإنسان مهما قاوم فإلى حين.
* "الإنسان أشبه بالباطل، أيامه مثل ظلٍ عابر".
ما هو الباطل؟ الزمن الذي يعبر ويزول.
يُقال هذا الباطل في مقابل الحق الذي يثبت ولا يسقط، فإن هذا من عمل يده... مكتوب: "فإن الله ملأ الأرض من صلاحه" (سي 3: 14). هنا "هاء" ضمير الملكية، أي تتوافق معه. أما تلك الأشياء الأرضية التي تتلاشى وتزول، إن قورنت بذات الحق، حيث يُقال: "أنا هو الذي هو" (خر 3: 14)، هذه كلها تُدعى "باطلًا". إنها تزول خلال الزمن، كما يزول الدخان في الهواء. ولماذا أقول أكثر من هذا الذي يقوله الرسول يعقوب: "ما هي حياتكم؟ إنها بخار يظهر قليلًا ثم يضمحل" (يع 4: 14) [12].
*في هذه النقطة تدور معالجته حول الجسم، الذي يقول عنه إبراهيم: "أنا تراب ورماد" (تك 18: 27). وإشعياء: "كل جسدٍ عشب، وكل جماله كزهر الحقل" (إش 40: 6).
الآن ما هو معنى "شبه الباطل"؟ يعني كأنه لا شيء، حيث ليس شيء بشري ثابت، وإنما يعبر ويزول.
"أيامه مثل ظل عابر"، بمعنى أنهم وهم حاضرون ليس لهم أية قوة، بل بسرعة يُكنسون. لتلاحظوا هذا في الحياة الواقعية، ولتفكروا في أصحاب المراكز العالية، هؤلاء الذين يركبون المركبات، وأصحاب النفوذ، فإنهم يلقون في السجون ويُجلدون. بماذا يختلفون عن الظل، ليس في لحظة الموت بل وحتى قبل الموت...! ما هو حادث هنا يشبه لعبة طفل؛ الآن هو قاضي، وغدًا هو مُدعي عليه، التغير شديد، والتحول يقلب الأوضاع [13].
* "الإنسان أشبه بنفخة، أيامه مثل ظل عابر". كنت طفلًا؛ كنت صبيًا؛ كنت مراهقًا، كنت فتى، كنت رجلًا بالغ السن، بعد ذلك وقبل أن أتحقق من ذلك أنا شيخ. الموت يزحف نحو الشيخوخة.
إني أتغير كل يومٍ، ولم أدرك أنني لا شيء.
إننا لا نلاحظ ولو إلى لحظة الزمن الذي يعبر بنا خلال الحياة، إنما دائمًا نحن إما نامون أو نتقلص.
إذن يتغير الإنسان من لحظةٍ إلى لحظةٍ.
الكل لا يدرك هذا أنه في طريق الموت... حياتنا ظل، تبدو كأن لا كيان لها. ما هو موجود يعبر سريعًا [14].
* عند شجب كل الجنس البشري، يقول: "الإنسان عدم" (راجع مز 144: 4)، حاسبًا كل الجنس خليقة بائسة غير سعيدة.
كم من كثيرين يشتهون العمر الطويل! كم من كثيرين يحسبون أيام الشباب وقتًا سعيدًا!
هكذا كل فترة مختلفة لها بؤسها. عندما نستهجن أنفسنا بسبب حداثتنا، قائلين: لماذا نحن لسنا أكبر سنًا؟ وعندما تكون رؤوسنا في شيبة نتساءل إن كان شبابنا يعود ثانية.
الأمور التي تحزننا لا حصر لها. يوجد طريق واحد للهروب من هذا؛ إنه طريق الفضيلة. هذا أيضًا له أحزانه، لكن مع الأحزان لا يكون بلا نفع، إنما نحمل ثمارًا ومكاسب ومنافع [15].
* يبدو لي أن النبي يعني البشر المتغربين عن الله، والمنحرفين عن الحق، الذين حياتهم مملوءة بالعادات الشريرة، يحبون الباطل، ويتكلمون كثيرًا فيما لا معنى له.
* الإنسان الذي على صورة الله لا يكون أشبه بنفخة، أما من يفقدها، ويسقط في الخطية، ويهوي في الأمور المادية، فمثل هذا يشبه نفخة [16].
5 يَا رَبُّ، طَأْطِئْ سَمَاوَاتِكَ وَانْزِلِ. الْمِسِ الْجِبَالَ فَتُدَخِّنَ. 6 أَبْرِقْ بُرُوقًا وَبَدِّدْهُمْ. أَرْسِلْ سِهَامَكَ وَأَزْعِجْهُمْ. 7 أَرْسِلْ يَدَكَ مِنَ الْعَلاَءِ. أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي مِنَ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ، مِنْ أَيْدِي الْغُرَبَاءِ 8 الَّذِينَ تَكَلَّمَتْ أَفْوَاهُهُمْ بِالْبَاطِلِ، وَيَمِينُهُمْ يَمِينُ كَذِبٍ. 9 يَا اَللهُ، أُرَنِّمُ لَكَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. بِرَبَابٍ ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ أُرَنِّمُ لَكَ. 10 الْمُعْطِي خَلاَصًا لِلْمُلُوكِ. الْمُنْقِذُ دَاوُدَ عَبْدَهُ مِنَ السَّيْفِ السُّوءِ.
يَا رَبُّ طَأْطِئْ سَمَاوَاتِكَ وَانْزِلِ.
الْمِسِ الْجِبَالَ فَتُدَخِّنَ [5].
سبق فنزل الرب على جبل سيناء ليهب شعبه الشريعة، لكنه نزل ليلتقي بموسى وحده، ولم يحتمل الجبل نزوله، فصار يدخن، وارتعب الشعب الذي لم يصعد أحد عليه مع موسى النبي.
أما في ملء الزمان، فنزل إلينا كواحدٍ منا، وحلّ بيننا، وشاركنا حياتنا ماخلا الخطية. لقد لمس جبل طبيعتنا البشرية، فوهبنا أن يُصلب إنساننا العتيق، وننعم بالخليقة الجديدة التي على صورته.
*ما هي السماوات التي تنحني؟ الرسل الذين تواضعوا. فإن هذه السماوات تمجد الله (مز 19: 1). عن هذه السماوات التي تمجد الله يُقال: "لا قول ولا كلام، في كل الأرض خرج منطقهم" [17].
*بعد أن تحدث عن وضاعة الإنسان، يتحدث المرتل عن قوة الله قدر ما يستطيع الإنسان أن يتحدث، فإن هذا يمثل عجزًا شديدًا عن التعبير عن مخافة جلاله [18].
* "يا رب طأطئ سماواتك وانزل". غنمك التائه لا يقدر أن يُشفي من تيهه ما لم تحمله على منكبيك.
"المس الجبال فتدخن"... لم يقل المرتل "فتحترق"، بل "تدخن". ليتها تحمل علامة العقوبة! [19]
*ما أعمق جرح الطبيعة البشرية "من القدم إلى الرأس. ليس فيه صحة، ليس من يقدر أن يستخدم دهنًا أو زيتًا أو عصائب" (راجع إش 1: 6). لذلك ولول الأنبياء قائلين: "هل من صهيون خلاص إسرائيل؟!" [20]... كما يتضرع أحد الأنبياء فيقول: "يا رب طأطئ سماواتك وانزل" (مز 144: 5). إن جروح الطبيعة البشرية لا تلتئم. "نقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك" (1 مل 19: 10)، وصرنا عاجزين عن إصلاح الشر، محتاجين إليك لتصلحه [21].
أَبْرِقْ بُرُوقًا وَبَدِّدْهُمْ.
أَرْسِلْ سِهَامَكَ وَأَزْعِجْهُمْ [6].
عند نزول الله لكي يسلم موسى الشريعة رافقت البروق والرعود نزوله، فانزعج الشعب، فماذا يكون حال المقاومين حين يأتي الرب ليدين إبليس وجنوده؟!
يرى القديس جيروم أن النفوس المتشامخة يبرق عليها بالبروق لا ليهلكها، إنما ليبددها أي يشتتها، كما فعل حين أراد البشر أن يقيموا برجًا يحتمون فيه من الله، فبلبل ألسنتهم وتشتتوا، وكان ذلك لصالحهم، لإقامة أممٍ كثيرة في أماكن مختلفة.
يرى القديس أغسطينوس أنه كما أعد داود النبي خمسة حجارة في جرابه ليضرب جليات في معركته معه، هكذا بهذه التسابيح يطلب المؤمن من الله أن يرسل بروقه وسهامه ليضرب، لكي يزعج السالكين بالباطل والمنحرفين الذين ينصبون الشباك للنفس.
*البروق والسهام هنا لا تشير إلى تلك البروق والسهام التي نحن نعرفها. إنما يعطي هذه الأسماء عن العقوبات. بالإشارة إلى أشياء نحن نعرف ونقتنع أنها مُزدرى بها وراكدة لا تُرعب، ومع ذلك فهي مخيفة، وتحني الرأس. فإن كنتم لا تحتملون البروق، وهو لم يُرسلها كعقوبة، فكيف يمكنكم أن تقفوا عندما يمارس الله العقوبة؟
الآن سهام الله هي المجاعات والأوبئة والصواعق وغير ذلك من أشكال العقوبة [22].
* "أرسل سهامك وأزعجهم" ليت غير الأصحاء يجرحون بسهام المسيح، حتى إذ يُجرحون يصيرون أصحاء، إذ يصيرون في الكنيسة، في جسد المسيح، ليقولوا مع الكنيسة: "إني مجروحة حبًا" (نش 2: 5) LXX [23].
أَرْسِلْ يَدَكَ مِنَ الْعَلاَءِ.
أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي مِنَ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ،
مِنْ أَيْدِي الْغُرَبَاءِ [7].
ما هي يد الآب إلا الابن، مدَّها بتجسده، لأجل خلاصنا.
يصرخ المرتل إلى الله لكي ينجيه من المياه الكثيرة. وكما يقول القديس جيروم إن هذه المياه هي الهرطقات، عوض هذه المياه نطلب الينبوع الحي، أي المعمودية الواحدة والإيمان الواحد (أف 4: 5).
يرى القديس جيروم هذه المياه الكثيرة هي معموديات الهراطقة، لأنهم أبناء الغرباء، لا أبناء الله.
*مخلص الجسد هو نفسه يد الله.
ما هي النجاة "من يد المياه الكثيرة"؟ أي من شعوب كثيرة.
أية شعوب؟ غير المؤمنين والغرباء (الهراطقة) الذي يهاجموننا من الخارج أو ينصبون شباكًا في الداخل... "من أيدي أبناء الغرباء".
اسمعوا يا إخوة، بين من أنتم، بين من أنتم تعيشون، ممن تريدون أن تُنفذوا. "الذي تكلمت أفواههم بالباطل" [8] [24].
*قوة الله مستعدة ليس فقط للعقوبة، وإنما أيضًا للإنقاذ.
الآن يدعو يدًا هنا للمساعدة والإعانة...
ويدعو "المياه" أي الهجوم الشرس للعدو، والارتباك والتحرك بقوة عظيمة...
يبدو لي أن "الغرباء" (القبائل الغريبة) يُقصد بها هنا المتغربين عن الحق. فإننا ننظر إلى المعينين الحقيقيين هم كأصدقاء وأنسباء، أما الغرباء فهم غير الصادقين [25].
الَّذِينَ تَكَلَّمَتْ أَفْوَاهُهُمْ بِالْبَاطِلِ،
وَيَمِينُهُمْ يَمِينُ كَذِبٍ [8].
جاء تعبير "يد الله" في العهد القديم يشير إلى الكلمة الإلهي المتجسد. أرسله الآب ليتمم الخلاص من إبليس وعبوديته ويحرر المؤمنين من قوات الظلمة، هؤلاء الغرباء على البشر وقد تسلطوا عليهم.
إن كان اليمين يشير إلى الصلاح أو إلى العمل حسب مشيئة الله، حتى أن المؤمنين الحقيقيين يظهرون في يوم الرب عن يمينه، إلا أن الأشرار يمينهم يمين كذب، أي يستخدمون حتى الأمور المقدسة لحساب الشر، مثل الذين يستخدمون اسم الله في الرقي، أو المزامير في السحر، أو المواهب التي للبنيان لحساب الفساد.
كان لابني عالي الكاهن يمين كذب، فإن كان أمام تابوت العهد انشق نهر الأردن وعبر الكهنة مع الشعب إلى أرض الموعد، لكن حين حمله الكهنة الأشرار مثل ابني عالي، انهزم الشعب واستولى الوثنيون على تابوت العهد. هكذا باسم المسيح وبقوة صليبه صنع التلاميذ آيات وعجائب، بينما عندما استخدم أبناء سكاوا الذين يمينهم يمين كذب اسم يسوع لطرد الشياطين، هاجمتهم الشياطين وغلبتهم (أع 19: 14). وهكذا لم ينتفع جيحزي الذي يمينه يمين كذب شيئًا بعصا إليشع، لم يكن الضعف في العصا، إنما في حاملها الذي كان فارغًا من نعمة الله.
يرى القديس جيروم أن الهراطقة يدعون أن لهم الأيدي اليمين، لكن إذ هي شريرة، فهي ليست يمينية بل شمالية. يقف الشيطان عن يمين الأشرار (مز 109: 6)، لأن يمينهم شريرة.
*ألا ترون من هم الذين يدعو غرباء؟ الذين يعيشون في الخطية، الذين يعيشون في الظلم، الذين ينطقون بغباوة، الذين لا ينطقون بأمرٍ نافع. لهذا يمكن التعرف على الغرباء من أفواههم وأعمالهم، كما قال المسيح: "من ثمارهم تعرفونهم" (مت 7: 6)...
"يمينهم يمين كذب"، أي شيء يمكن أن يكون أردأ من هذا، إذ يتحول ما أُعطى لنا لمساعدتنا، ليصير لخداعنا. لدينا يميننا لكي ندافع عن أنفسنا وعن الآخرين من الظلم، لكي ننزع الشر، لكي يكون ميناء وملجأ للذين يصيبهم ضرر. فأي عذر يقدمه هؤلاء الذين يستخدمون هذه الوسيلة لا لخلاص الآخرين بل لدمارهم هم أنفسهم؟ [26]
يَا اللهُ أُرَنِّمُ لَكَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً.
بِرَبَابٍ ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ أُرَنِّمُ لَكَ [9].
خلاص الله يهبنا خبرة يومية مفرحة، خبرة عمل روح الله القدوس اليومي في حياتنا، فتتحول حياتنا كما إلى سيمفونية حب متجددة على الدوام ليس فيها أي فتورٍ أو مللٍ.
ما هي هذه الترنيمة الجديدة إلا العهد الجديد الذي نصوبه ضد إبليس ونحطمه فلا يهلكنا؟ هذا هو الحجر الذي استخدمه داود النبي بمقلاعه لضرب جبهة جليات.
يرى القديس أغسطينوس [27] أن المرتل هنا يربط بين الترنيمة الجديدة والرباب ذات عشر أوتار، فإننا في معركتنا مع إبليس نستخدم العهد الجديد (الترنيمة الجديدة) الذي يكمل العهد القديم (الرباب ذات عشرة أوتار إشارة إلى الوصايا العشرة)، كما يكمل الحب الناموس. الذين ليس لهم الحب لا يستطيعون أن يستخدموا الترنيمة الجديدة ولا الرباب، أي الكتاب المقدس بعهديه.
يرى القديس جيروم أن المرتل يتحدث بصيغة المستقبل "سأرنم ترنيمة جديدة"، حين ينال الإنسان النصرة الكاملة عندئذ يرنم ترنيمة جديدة.
*بعد أن قال أرسل يدك وأنقذني... يعلن ما يقدمه لله مقابل معونته، والتي لا تمثل أية منفعة لله الذي نرد له (معونته).
الآن ما هذا؟ "يا الله، أرنم لك ترنيمة جديدة". فإن هذا قليل بالمقارنة بعظمة الإحسان. إن ما نقدمه هو لا شيء.
فإننا نحن أيضًا لا نطلب شيئًا من المحتاجين، ومن لا يملكون شيئًا سوى الشكر والمديح. لكننا نحن نفعل ذلك من أجل الشهرة، أما الله فيجعل هذا ليس عن احتياج، وإنما ليجعل المسبحين أنفسهم في شهرة، ويقدم لهم إحسانًا آخر.
"برباب ذات عشر أوتار أرنم لك"، أي أقدم لك تشكرات. في تلك الأيام كانت توجد آلات بها يقدمون التسابيح، أما اليوم فنستخدم الجسد كآلات لها. يمكنك أن تغني بالعينين وليس فقط باللسان. وأيضًا باليدين والقدمين والسمع. أقصد عندما تمارس هذه أعمالًا تكرم الله وتسبحه. كمثال عندما لا تنظر العينين إلى أشياء خليعة؛ ولا تمتد اليدان للسرقة بل للعطاء؛ وتستخدم الآذان لاستماع المزامير والتسابيح الروحية، وتسير القدمان إلى الكنيسة. والقلب لا ينتج مكائد بل حبًا؛ بهذا تصير أعضاء الجسم ربابة أو قيثارة، وترنم ترنيمة جديدة لا بالكلمات، وإنما بالأعمال [28].
*إذا حصل للفقراء إحسان ما من ملك، فلا يمكنهم أن يعوضوه شيئًا لائقًا بجلاله، سوى أن ينشدوا له مدائح. هكذا داود المعظم لما رأى من الله خلاصًا جديدًا وبديعًا، حاول أن يسبحه بتسبحة جديدة. بربابٍ ذات عشرة أوتار، لكون وصاياه الإلهية عشرة. كل وتر يختص بوصية واحدة، كان داود يرتل به.
أما نحن أهل العهد الجديد، فنسبح لله تسبيحًا جديدًا كما قال الذهبي الفم: نرنم لكن ليس بآلات عديمة النطق والحس، بل بقوى نفوسنا وأعضاء جسدنا.
نسبحه بأبصارنا وأسماعنا، إن منعناها عن اللهو بالدنيويات.
وبشفاهنا وأفواهنا إذا جعلناها عفيفة عما لا يليق بلفظة ما، وشغلناها بالصلوات والتسبيح الإلهية.
نسبحه بأيادينا إذا مددناها للفقراء بالصدقة والأعمال الصالحة.
وبأرجلنا إذا أسرعنا بها إلى هياكل الله.
هذا التسبيح الجديد نسبحه للإله الذي يخلص الملوك وجنودهم، ويخلصنا نحن أيضًا، ويجعلنا أمة مقدسة وكهنوتًا ملوكيًا. وهو لم يزل مخلصًا للذين تملكوا وتسلطوا على شهوات الجسد وضبطوها.
الْمُعْطِي خَلاَصًا لِلْمُلُوكِ.
الْمُنْقِذُ دَاوُدَ عَبْدَهُ مِنَ السَّيْفِ السُّوءِ [10].
لا يُقصد هنا بالملوك الأرضيين، إنما بالأتقياء الذين تقول عنهم الحكمة: "بي تملك الملوك" (أم 8: 15).
يميز القديس أغسطينوس بين سيف السوء والسيف الصالح. فسيف الأشرار هو كلمتهم الباطلة المهلكة ذات النية الشريرة، أما سيف الله فهو كلمة الله ذات القصد الصالح، سيف ذو حدين.
سبق لنا الحديث عن أفواه الأشرار الباطلة ويمينهم الكاذبة [8].
* "أنقذني من سيف النية السيئة". لا يكفي القول: "أنقذني من السيف"، لذا أضاف "من النية السيئة".
دون شك يوجد سيف بنية صالحة. ما هو السيف بنية صالحة؟ ذاك الذي قال عنه الرب: "ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا" (مت 10: 34). فقد جاء لكي يفصل المؤمنين عن غير المؤمنين، والأبناء عن الآباء، وأن يقطع كل الرباطات الأخرى (الخاطئة).
بينما قطع السيف السقماء، شفى أعضاء المسيح.
القصد الصالح هو السيف ذو الحدين، حاد من الجانبين، العهد القديم والعهد الجديد، مع قصة الماضي والوعد بالمستقبل.
هذا هو إذن السيف ذو القصد الصالح، أما الآخر فهو السيئ، الباطل.
يستخدم الله السيف ذا القصد الصالح، إذ يتكلم بالحق [29].
* "المعطي خلاصًا للملوك"، لا بالجيوش وحشود الجند والحرَّاس، بل بنعمة الله يخلصون.
"المنقذ داود عبده"؛ بعد أن تحدث بتعبيرات عامة يتحدث المرتل أيضًا عن شئونه الخاصة، فلا يقول: "الذي خلصه"، بل "المنقذ (المخلَّص)"، مظهرًا عناية الإلهية الدائمة [30].
أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي مِنْ أَيْدِي الْغُرَبَاءِ،
الَّذِينَ تَكَلَّمَتْ أَفْوَاهُهُمْ بِالْبَاطِلِ،
وَيَمِينُهُمْ يَمِينُ كَذِبٍ [11].
* ما يلزم أن نبحث عنه ونطلبه من الرب الإله هو السعادة. كثيرون دخلوا في حوارات بخصوص طبيعة السعادة، ولكن لماذا تتوجه إلى كثير من الناس أو كثير من الجدل؟ كلمة كتاب الله المقدس مختصرة وحقه: "طوبى للشعب الذي الرب إلهه" (مز 11:144). غاية الوصية هي الحب من كل قلبٍ طاهرٍ وضميرٍ صالحٍ وإيمانٍ صادقٍ، فننتمي لذلك الشعب، ويمكننا التمتع بالتأمل في الله وفي الحياة الأبدية معه [31].
12 لِكَيْ يَكُونَ بَنُونَا مِثْلَ الْغُرُوسِ النَّامِيَةِ فِي شَبِيبَتِهَا. بَنَاتُنَا كَأَعْمِدَةِ الزَّوَايَا مَنْحُوتَاتٍ حَسَبَ بِنَاءِ هَيْكَل. 13 أَهْرَاؤُنَا مَلآنَةً تَفِيضُ مِنْ صِنْفٍ فَصِنْفٍ. أَغْنَامُنَا تُنْتِجُ أُلُوفًا وَرِبْوَاتٍ فِي شَوَارِعِنَا. 14 بَقَرُنَا مُحَمَّلَةً. لاَ اقْتِحَامَ وَلاَ هُجُومَ، وَلاَ شَكْوَى فِي شَوَارِعِنَا. 15 طُوبَى لِلشَّعْبِ الَّذِي لَهُ كَهذَا. طُوبَى لِلشَّعْبِ الَّذِي الرَّبُّ إِلهُهُ.
لِكَيْ يَكُونَ بَنُونَا مِثْلَ الْغُرُوسِ النَّامِيَةِ فِي شَبِيبَتِهَا.
بَنَاتُنَا كَأَعْمِدَةِ الزَّوَايَا مَنْحُوتَاتٍ حَسَبَ بِنَاءِ هَيْكَلٍ [12].
بعد أن تحدث عن إبليس العدو الشرير، والذي يستخدم أفواه الأشرار كسيفٍ ذي قصدٍ سيئٍ، كما يستخدم حتى يمينهم يمين كذب، يود أن يطمئن المؤمنين. فإن هذه الشرور التي يبثها العدو، إذ يقاومها المؤمنون، يتمتعون ببركات كثيرة. وقد جاء الآيات 12-15 تعدد هذه البركات:
أ. بنون كغروسٍ نامية على الدوام [12].
ب. بنات يحملن جمالًا روحيًا، أشبه بزينة بيت الرب [12].
ج. محاصيل بفيض من كل صنفٍ [13].
د. أغنام كثيرة الإنتاج تملأ الشوارع [13].
هـ. كثرة البقر [14].
و. طمأنينة وسلام [14].
ز. حياة مطوّبة، عربون السماء
ثمار الهراطقة أشبه بالغروس الجديدة، إذ يتجاهلون الأنبياء والرسل، ليقدموا تعاليم جديدة من عندهم. وإن اعتمدوا على نصوص من العهد القديم والعهد الجديد، غير أنهم يريدون كل ما هو جديد لأنه جديد، ويرفضون الحق لأنه في نظرهم قديم لا يناسب العصر.
أما البنات اللواتي يحملن الزينة الخارجية مثل منحوتات في داخل الهيكل، فإن الهراطقة يعتمدون على الكلمات المخادعة والفلسفات البرّاقة، لا تحمل قوة الروح.
أما بالنسبة للمؤمنين الأمناء، فيرى العلامة أوريجينوس أنهم يتمتعون بالبنين كرمز لأعمال الروح، والبنات رمز لأعمال الجسد. فمتى تقدس الإنسان يتمتع بثمار روحية للنفس والجسد. يعمل الجسد في تناغم مع النفس تحت قيادة روح الله، فتصير أعمال الروح أشبه بالغروس النامية أو أشجار روحية في فردوس سماوي، وأعمال الجسد كأعمدة مقدسة حيث يصير الإنسان هيكلًا مقدسًا لله وروح الله ساكن فيه.
يرى القديس جيروم أن العبارات 12-14 هي حديث الهراطقة المفتخرين بكثرة عددهم وجاذبية فلسفاتهم المخادعة.
*إنه يريد أن يسرد سعادتهم! لاحظوا يا أبناء النور، أبناء السلام؛ لاحظوا يا أبناء الكنيسة، أعضاء المسيح، لاحظوا من الذين يدعوهم أبناء الغرباء [7]، وسيف السوء [10]، أطلب إليكم أن تلاحظوا هذا، فإنكم إذ أنتم تعيشون في وسطهم، فإنكم في ضيقة. وبسبب ألسنتهم تحاربون شهوات جسدكم. بسبب ألسنتهم تدخلون في معركة مع إبليس، إذ يستخدمها كيدٍ له...
[أورد القديس نصوص الآيات 12-14 ثم أكمل قوله:]
أليست هذه سعادة؟ إنني أسأل أبناء ملكوت السماوات، أسأل نسل القيامة الدائمة، أعضاء المسيح، هيكل الله:
أليست هذه سعادة، إن يكون لكم أبناء سلام وبنات جميلات، ومخازن مملوءة، وقطعان بوفرة، دون أي سقوط، لست أتكلم عن (سقوط) سورٍ، بل حتى سياجٍ؛ ليس من اضطراب وصخبٍ في الشوارع، بل هدوء وسلام وخيرات وفيض في كل شيء في البيوت وفي المدن؟
أليست هذه سعادة؟ [32]
أَهْرَاؤُنَا مَلآنَةً تَفِيضُ مِنْ صِنْفٍ فَصِنْفٍ.
أَغْنَامُنَا تُنْتِجُ أُلُوفًا وَرَبَوَاتٍ فِي شَوَارِعِنَا [13].
يصير الإنسان بعمل روح الله حقل الله، تمتلئ مخازنه بكل المحاصيل المقدسة. وتلد الأغنام ألوف وربوات في شوارع القلب، لتقديم تقدمات لا تنقطع.
مخازن الهراطقة مملوءة من كل صنف من المجادلات الباطلة. أما رجال الله فيفتحون أفواههم والرب نفسه يملأها (مز 81: 11). ما يخزنه إنسان الله هو روح الله الساكن فيه، يملأه بالنعمة الإلهية، يهبه الكلمة القادرة على العمل في الوقت المناسب.
أغنام الهراطقة تنتج ألوفًا وربوات، ولكن في الشوارع، وليس في بيت الله. إنهم يجتذبون الكثيرين، لا ليدخلوا بهم إلى الحياة السماوية، بل ليجولوا في الشوارع!
بَقَرُنَا مُحَمَّلَةً.
لاَ اقْتِحَامَ وَلاَ هُجُومَ وَلاَ شَكْوَى فِي شَوَارِعِنَا [14].
كما تسود الخيرات بفيضٍ في أعماق الإنسان من محاصيل مقدسة وأغنام، فإن السلام يملأ النفس، للعمل الدائم لحساب ملكوت الله، وليس من عدوٍ شرير يقدر أن يحطم هذا السلام الداخلي.
طُوبَى لِلشَّعْبِ الَّذِي لَهُ كَهَذَا.
طُوبَى لِلشَّعْبِ الَّذِي الرَّبُّ إِلَهُهُ [15].
يكتشف الشعب رعاية الله إلههم الفائقة خلال المعارك المستمرة، فيختبروا الحياة المطوَّبة، عربون السماء.
*كما أن حياة الجسد هي النفس، هكذا الحياة المطوبة للإنسان هي الله. وكما جاء في الكتابات المقدسة للعبرانيين: "طوبى للشعب الذي الرب إلهه".
*ألا ترون فضيلة الرجل (المرتل)؟ أقصد أنه بعد أن ذكر كل أشكال الثروة وذكرها بأسمائها، قدم الحكم على هذا غير متأثرٍ بوجهة نظر بشرية، ولا وضع في اعتباره حسد المالكين لها، إنما عبر على هذا كله ليقدم تطوبيًا على الكنز الحقيقي. بمعنى آخر يقول: بينما يعلن الآخرون التطويب لمن يقتنون هذه الخيرات، أعلن أن التطويب هو للشعب الذي الله هو إلهه.
بهذا يركز على فيضهم وكثرة خيراتهم وثروتهم (وهو التمتع بالله إلههم).
الأمور الأخرى تزول وتعبر، أما هذا التطويب فيبقى على الدوام عوض القطعان والأبناء والحصون والكروم، فإن بركة الرب تعد بالثروة والأمان والحصون المنيعة [33].
*يُعد لي عدو الخير معركة دائمة لهلاكي.
وفي صلاحك تسمح لي بالمعركة لبنياني.
وسط القتال اختبئ فيك يا صخر الدهور.
تحميني من ضربات العدو القاتلة.
وتدرِّب يديّ الضعيفتين للقتال مع رئيس الظلمة.
بروحك القدوس تهبني الحب،
وبالحب أقدم أعمال رحمة فترحمني.
بأعمال الرحمة يحترق إبليس الذي لا يحتمل الحب ولا الرحمة.
أنت سلاحي ونصرتي وإكليلي!
ماذا يفعل بي إبليس وكل قواته؟!
بك تحطم خططه وقواته وأماله الشريرة.
تدور المعركة لصالحنا، ما دمنا مستترين فيك!
*تهبنا سلاحًا عجيبًا!
تهبنا الصلاة مع قيثارة التسبيح والشكر.
ليس من سلاحٍ فعَّال ومهلك لإبليس الجاحد،
مثل القلب الشاكر والمتهلل بإلهه!
أنت هو القدير الجبار،
أنت تسمح بالمعركة، وتهب بنيك النصرة!
تهبنا روح التسبيح والفرح،
نصوبه كالسهم القاتل لإبليس الجاحد.
كما صوَّب داود حجرًا صغيرًا بمقلاعه،
فضرب به جبهة جليات الجبَّار،
لنُصوِّب الفرح ضد جبهة عدو الفرح والتهليل،
نحطمه بمسيحنا مصدر الفرح!
* مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ،
بل مع أجناد الشر في السماويات،
وسلاحنا ليس من هذا العالم،
بل صليبك محطِّم قوات الظلمة.
أعداؤنا ليسوا من طبيعتنا البشرية،
أعداؤنا لا ينامون ولا يهدأون،
أعدؤنا متمرِّسون على معارك لا تهدأ.
أما مدربنا على المعركة، فهو أنت يا مخلِّص العالم،
تدرَّبنا ولا تتركنا.
تهبنا وصيَّتك الإلهية،
وتقدم لنا نعمتك عاملة فينا.
تغرس صليبك في قلوبنا،
ويعمل روحك القدوس الناري فينا!
أدخل المعركة متسلِّحًا بوعودك الإلهية،
أقاوم عدو الخير وأنا داخل أحضانك التي لا تُغلب!
أنت هو الحصن العجيب،
والبرج الذي من خلاله أدرك أبعاد المعركة،
بك نغلب، فتقيمنا ملوكًا يا ملك الملوك.
ترفعنا وتحسبنا كأحد الطغمات السماوية.
تهبنا سلطانًا، فننعم بحرية على مستوى أبدي.
بنعمتك أتخلَّص من أعدائي وكل مقاومتهم،
وأنعم بسلامٍ في داخلي،
فأصير بك ملكًا، تعمل كل طاقاتي ومواهبي معًا بروحك القدوس!
*يا للعجب، من أنا حتى تنزل من سماواتك،
تتجسد وتتأنَّس لأجلي،
تدخل في معركة مع إبليس، لتهبني بك وفيك النصرة عليه؟!
يا لعظمة حبك لي، وتدبيرك العجيب لخلاصي!
إنك مشغول بي على الدوام،
تعرفني، لا معرفة أية خليقة بين البلايين من خليقتك،
إنما تعرفني عن قرب،
إذ تجعلني من أهل بيت الله.
تعرفني ابنًا للآب، إذ وهبتني روح التبيني،
تعرفني عضوًا حيًّا في جسدك المقدس،
تعرفني هيكلًا مقدسًا، يسكن فيَّ روحك القدوس!
تعرفني، إذ تنقش اسمي على كفَّك،
وتدعوني باسمي لأرث أمجادًا أبدية!
*حقًا بدونك أنا تراب ورماد،
أيامي تعبر كظلٍ عابرٍ، مملوءة تعبًا وضيقًا.
بك تتهلل أعماقي حتى وسط الضيقات.
وأترقب يوم مجيئك لأحيا معك إلى الأبد.
طأطأت السماوات ونزلت إلينا.
وهبتنا الخلاص من خطايانا،
وأقمت نفوسنا من الموت الأبدي.
أبرقت بنورك الإلهي علينا، فاستنارت نفوسنا.
وصوَّبت سهامك، فحطَّمت عدونا إبليس.
مجيئك ردّ لنا الحياة، وفتح لنا أبواب السماء.
لتأتِ على السحاب في مجدك،
وتحملنا معك إلى سماواتك.
*بمجيئك قدمت لنا قيثارة سماوية وربابًا عجيبًا،
بل أقمت من نفوسنا قيثارتك وربابك.
أعطيتني العهد الجديد قيثارة تعزف بروح الفرح،
ووهبتني المفهوم الروحي للعهد القديم ربابًا ذات عشرة أوتار.
لن تأتمن أحدًا يعزف عليهما سوى روحك القدوس.
يعزف سيمفونية حب،
فيلتهب قلبي بالحب الإلهي كما بالحب الأخوي.
ينفتح قلبي لسكنى الثالوث القدوس،
وتتحول أعماقي إلى عرشٍ إلهي مُفرح!
لن يدخل قلبي قلق أو اضطراب،
بل تهليل بالنصرة مع إكليل سماوي ومجد بديع!
تسكب بهاءك في داخلي، فأصلُح لمملكة.
وأحمل لمسة جمالك العجيب!
حتى أعضاء جسدي كلها تُرنم لك.
تتقدس وتتمم رسالتها في تناغم من الأعماق المتهللة.
تسبحك وتشكرك بالصمت، كما بالعمل، وأيضًا بالكلام.
*أتيت إلى أرضنا لا لتنزع المعركة،
إنما لكي تحوِّلها لبنياننا ومجدنا!
خلال المعركة تقيم منا ملوكًا أصحاب سلطانٍ.
تقدم لنا بركات في هذا العالم وفي الحياة الأبدية.
ننعم بأعمال الروح كما بأعمال الجسد المقدسة.
تتحول أعماقنا في فردوس مثمر بغروس جديدة،
وإلي هيكل بديع في جماله.
يصير لنا أبناء سلام، وبنات جميلات في الرب.
تمتلئ مخازننا بثمار الروح،
ومراعينا بالقطعان الكثيرة.
يملأ السلام أعماقنا، والخيرات كل كياننا.
لا يعوزنا مخلصنا شيئًا،
بل يهبنا أكثر مما نسأل وفوق ما نطلب!
لك المجد يا من تحوِّل أرض المعركة إلى خبرات جديدة معك!
_____
[1] On Psalm 144 (143).
[2] On Psalm 144 (143).
[3] On Psalms, homily 54 on Ps 143 (144).
[4] On Psalms 144.
[5] On Psalm 144 (143).
[6] On Psalms, homily 54 on Ps 143 (144).
[7] On Psalms 144.
[8] On Psalms 144.
[9] On Psalm 144 (143).
[10] On Psalms 144.
[11] On Psalms, homily 54 on Ps 143 (144).
[12] On Psalm 144 (143).
[13] On Psalms 144.
[14] On Psalms, homily 54 on Ps 143 (144).
[15] Homilies on 2 Timothy, 1.
[16] Isaac or the Saul, 2: 4.
[17] On Psalm 144 (143).
[18] On Psalms 144.
[19] On Psalms, homily 54 on Ps 143 (144).
[20] (مز 14: 7) هنا السؤال يحمل فساد الشعب اليهودي فيسأل النبي طالبًا خلاصًا.
[21] مقال 12: 7.
[22] On Psalms 144.
[23] On Psalm 144 (143).
[24] On Psalm 144 (143).
[25] On Psalms 144.
[26] On Psalms 144.
[27] On Psalm 144 (143).
[28] On Psalms 144.
[29] On Psalm 144 (143).
[30] On Psalms 144.
[31] Letters, 130:12:24.
[32] On Psalm 144 (143).
[33] On Psalms 144.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 145 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 143 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/xf5bj9z