19- ق
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152
[145 - 152]
يؤمن المرتل بعدالة الله ويثق في أحكامه مهما كانت الظروف المحيطة به، بهذا تخرج صلاة القلب لتستقر في قلب الله، وتجد هناك تجاوبًا معها. يصرخ بقلبه إلى الله العادل والقريب إليه جدًا، ليسمعه ذاك الحالّ في قلبه.
145 -146. |
||
147 -149. |
||
150 -152. |
||
من وحي المزمور 119 (ق) |
145 صَرَخْتُ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. اسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ. فَرَائِضَكَ أَحْفَظُ. 146 دَعَوْتُكَ. خَلِّصْنِي، فَأَحْفَظَ شَهَادَاتِكَ.
"صرخت من كل قلبي،
فاستجب لي يا رب؛
أطلب حقوقك" [145].
بينما كان موسى النبي صامتًا بفمه قال الرب: "مالك تصرخ إليّ؟!" (خر15:14). هكذا إذ كان قلب موسى النبي مقدسًا سمع الله صرخاته الخفية واستجاب لها قبل أن يعبِّر عنها بشفتيه. على العكس قد يصرخ إنسان لله لساعات طويلة فيسمع القول: "ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات".
لكي يسمع الله صرخاتنا يلزمنا أن نقدمها من كل القلب، فلا يكون القلب مشغولًا بآخر غير إلهه، وأن يكون القلب مقدسًا متجاوبًا مع الله القدوس، وأن تكون الصرخة متفقة مع فكر الله وإرادته.
لقد كان داود رجل صلاة بحق يعرف كيف يقدم صلواته فتستجيب له السماء:
*
كان يقدمها من كل قلبه [145]. هذا هو جوهر الصلاة، حيث تتكرس النفس بكل طاقاتها ومشاعرها لحساب الله.* كان يطلب حقوق الله، أي صلاة حسب إرادته الإلهية [145].
* يطلب لنفسه الخلاص لا الأمور الزمنية [146].
* يطلب عونًا ليحفظ وصاياه، أيضًا ينفذها ويثابر عليها [146].
* يطلب استجابة الصلاة من الله وحده، إذ لا رجاء له في ذراع بشري. لقد أدرك أن الحاجة إلى واحدٍ (لو 42:10).
* الصرخة ليست إلا صوتًا قويًا يدل على أهمية ما ينقله إلى الله. في الحقيقة، يصرخ الصديق إلى الله عندما يطلب أمورًا عظيمة وسماوية. هكذا قيل عن هابيل الصديق عند موته: "صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض" (تك10:4). قيل هكذا لتوضيح أن الصديق يصرخ إلى الرب مصدرًا صوتًا قويًا.
يقول الرب لموسى النبي المُطارد من المصريين: "مالك تصرخ إليّ؟" (خر15:14). أما نحن، فعندما نصير قديسين، تكون في داخلنا هذه الصرخة، لأن الروح الساكن فينا يصرخ، قائلًا: "يا أبَّا الآب" (رو15:8؛ غل6:4)...
أيضًا اسمع القول: "وقف يسوع وصرخ قائلًا: "إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب" (يو35:7). إذن، من هو هذا الذي يصرخ إلى الله؟ ذاك الذي يتضرع من أجل أمورٍ عظيمةٍ، ولا يطلب أمورًا تافهة.
كيف صرخت؟ "من كل قلبي، فاستجب لي"... يقول المرتل: إنني لا أنطق بفتور، ليس بشفتي ولا بالفم فقط، وإنما انطق بقلبي... أوجه إليك صلاتي طالبًا منك أن تستجب لي يا رب، إذ أنا أطلب حقوقك، كي أنال فهمًا دقيقًا وأصير بها حكيمًا.
* إلى أي مدى تنفع صرخته، يجيب: "إني أبحث عن البرّ. لهذا الهدف يدعو الله من كل قلبه". لقد اشتهي أن ينال هذا من قِبل الرب الذي ينصت إليه طالبًا برَّه.
"صرخت إليك فخلصني،
لأحفظ شهاداتك" [146].
كانت صلاته قصيرة جدًا: "خلصني"، لكنها تحمل معانٍ كثيرة، منها:
* خلاص من مؤامرات الأعداء.
* خلاص من التجارب القاسية.
* خلاص من الخطايا والإغراءات.
* خلاص للنفس بتجديدها المستمر.
* خلاص من العار وللتمتع بالمجد الفردوسي المفقود.
أما غاية هذه الصلاة أو غاية خلاصه فهو: "لأحفظ شهاداتك"، أيضًا يبقى شاهدًا أمينًا لله مخلصه بحياته الملتهبة حبًا لله والناس.
يقول القديس أغسطينوس أنه في بعض النسخ اليونانية واللاتينية جاءت "دعوتك" بدلًا من "صرخت إليك". ماذا تعني "دعوتك" إلا أنه بدعوتي إليك أبتهل إليك.
* عندما قال: "خلصني"، ماذا أضاف؟ "لأحفظ شهاداتك". فإنه متى كانت النفس سليمة (غير مريضة، أي متمتعة بالخلاص) فإنها تتمم ما يلزم أن تعمله. فتجاهد حتى إلى موت الجسد، وذلك عندما تمتد التجربة إلى هذه الدرجة من أجل الدفاع عن الحق الخاص بالشهادات الإلهية. أما إذا كانت النفس عليلة فيغلب عليها الضعف ويصير الحق مُستهانًا به.
* طلبتك بصوتٍ عالٍ لذلك "خلصني"، وأنا أتعهد أنني إذ أخلص أحفظ الأوامر التي سلمتني إياها أمام الشهود من أجل خلاصنا.
147 تَقَدَّمْتُ فِي الصُّبْحِ وَصَرَخْتُ. كَلاَمَكَ انْتَظَرْتُ. 148 تَقَدَّمَتْ عَيْنَايَ الْهُزُعَ، لِكَيْ أَلْهَجَ بِأَقْوَالِكَ. 149 صَوْتِيَ اسْتَمِعْ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. يَا رَبُّ، حَسَبَ أَحْكَامِكَ أَحْيِنِي.
إذ كان الأمر جد خطير للغاية يمس أبديتي رفعت صوت قلبي بصرخات متوالية طالبًا الخلاص مع تعهدي بحفظ شهاداتك حتى وسط الضيق. ولما كان الوقت مقصرًا والأيام شريرة (1كو 29:7) فإنني أسرع لأقدم صرخات عاجلة في الليل والسحر حتى تشرق عليَّ يا شمس البرّ وتحول حياتي إلى نهارٍ دائمٍ. إنني لا أتوقف عن الصراخ ودراسة مواعيدك لي:
"سبقت فبلغت في غير وقت (في وقت الظلمة) وصرخت،
وعلى كلامك توكلت.
سبقت عيناي فبلغتا وقت السحر
لتدرسا في أقوالك" [147،148].
* يمكننا أن نستفيد بتفسير النص حرفيًا، كما ننتفع بتفسيره روحيًا أيضًا.
هذا هو المعنى الحرفي: إنني لم أنتظر قدوم النهار لأصلي لك، لكنني نهضت في وقت الظلام، في الليل، مصليًا إليك... حتى أنال شروق نور الحق في نفسي. هذا وخلال رجائي (في كلامك) "انتظرت" من جديد، ناميًا في الحب، حيث أن "المحبة ترجو كل شيء" (1كو7:13).
أما المعنى الروحي فهو: أنه ليس بالأمر المدهش أن ينهمك شيخ لم تعد تزعجه شهوات جسده، وإنما ما هو مدهش أن شابًا (سبق فبلغ في غير وقت) يحتقر الرذائل الشبابية ولا ينتظر، بل في وقت الظلمة يريد أن ينتصر على شهواته الشبابية بحكمة الشيوخ. حينئذ أستطيع أن أقول عن هذا الشاب أنه حقق المعنى الروحي لهذه الكلمات: "لم أنتظر وصرخت في وقت الظلمة. انتظرت كلامك في رجاء متزايد".
* فتحت عيني في السحر، منشغلًا بالصلاة إليك، لكي ألهج بكلامك قبل أي عمل.
* كان أولًا "في وقت الظلمة" [147]، التي يمكن أن تُشبه بالعالم الحاضر، فإننا كثيرًا ما نسميه ليلًا بمقارنته بالعالم العتيد الذي يُطلق عليه "نهار"، كما يظهر من النص التالي: "قد تناهي الليل وتقارب النهار" (رو12:13).
* ما يُسميه هنا "عينيه" [148] يعني به قدرته على الرؤيا، فإنه لم ينتظر شروق شمس البرّ (ملا 20:3) حيث يستنير ويحل ملء النهار، بل صار يلهج في أقوال الله لتهبه أجنحة فينطلق إلى المرتفعات، ويدخل إلى الشركة مع النور الحقيقي نفسه دون استخدام برقع، فلا يكون "وقت ظلمة" بل يتواجد في النور الكامل، الذي هو نور الظهيرة.
* يتطلع إليك "الشمس" بنظرة متجردة إذا ما أشرق ليجدك في السرير تغط في شخير وكسلٍ عميق! فأنت مدين بأبكار ثمار قلبك وصوتك لله حيث أمضى الرب يسوع ليالٍ في الصلاة. إعطه ما أعطاك.
* إن كنا هنا نشير إلى كل مؤمن... فغالبًا ما تستيقظ (فيه) محبة الله في تلك الساعة من الليل، وتحثنا محبة الصلاة بقوة في ساعة الصلاة، التي تريد أن تكون قبل صياح الديك.
أما إن فهمنا هنا ليل هذا العالم، فإننا بالحقيقة نصرخ إلى الله في منتصف الليل، قبل نهاية الزمن الذي فيه سيُصلح من حالنا كما وعدنا...
إن اخترنا أن نفهم هذا الليل بالزمن الذي لم يتم بعد، أي قبل مجيء ملء الزمان (غلا4:4)، حيث يظهر المسيح في الجسد، فإنه في ذلك الوقت في أيام العهد القديم لم تكن الكنيسة صامتة، بل كانت تصرخ خلال النبوات، واثقة في كلمات الله القادر أن يتمم ما وعد الله به، أن جميع الأمم تتبارك بنسل إبراهيم (تك3:12؛ 18:22). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى).
ربما عني المرتل أنه وهو في وقت الظلمة، أي تحت ظلال العهد القديم، حيث لم يشرق بعد شمس البرّ استطاع المرتل بصرخات قلبه الداخلية ودراسته لوعود الله وأقواله أن تنفتح بصيرته الداخلية ويعاين أسرار الخلاص كما في وقت السحر! لقد حسب المرتل نفسه كمن يعيش في ظلمة الليل حيث يرى المسيح قادمًا ليشرق بنوره على الجالسين في الظلمة. لقد رآه خلال النبوات والرموز، خلال الظلال، لذا ما أن حلّ السحر وبدأت بوادر النور الإلهي حتى أسرع يدرس في أقوال الله ليتعرف على شخص المسيا القادم لخلاصه.
يترجم البعض تعبير "وقت السحر" ب "الهجعات" وحراسات الليل، فقد اعتاد اليهود أن يقسموا الليل إلى ثلاث هجعات، كل هجعة 4 ساعات، بينما يقسم الرومان الليل إلى أربع هجعات، كل هجعة 3 ساعات. مع كل هجعة كان حارس الليل يعلن عن حلول ساعات الليل. أما المرتل فكان يقوم قبل صياح حارس الليل ليصرخ إلى الله، فإنه ليس بمحتاج إلى من ييقظه أو يذكِّره بحلول ساعة الصلاة، إذ كان قلبه يطير مع كل ساعة من ساعات النهار والليل. كان الجنود يتناوبون ليلًا في ورديات للحراسة، أما داود النبي فكان يخدم الله طوال الليل دون ترقب لآخر يحتل مكانه، إذ كرَّس كل ساعات عمره للشركة مع الله.
اعتاد المرتل أن يستيقظ قبل شروق الشمس ويبدأ صلواته بالصراخ لله مقدمًا تضرعات حارة إلى الله إلهه. يمزج صرخاته بدراسته للكتاب المقدس، فإن الصلاة ودراسة الكتاب لا ينفصلان بل يمثلان حديثًا بين الله والإنسان.
* لنحسب "الصباح" هنا بمعنى الوقت الذي فيه أشرق النور على الجالسين في ظلال الموت (إش2:9)، فإن عيني الكنيسة لم تتوقفا في وقت هذا الصباح، وذلك في القديسين الذين كانوا قبلًا على الأرض، إذ سبقوا فرأوا مقدمًا أن هذا (الوقت) يعبر، فكانوا يلهجون في أقوال الله التي أعلنت عن هذه الأمور خلال الناموس والأنبياء.
"استمع صوتي يا رب نظير رحمتك،
وبحسب أحكامك أحيني" [149].
إذ صار المرتل وهو في وقت الظلمة يدرس أقوال الله ويتفحص وعوده بالخلاص استنار ولو جزئيًا كما في وقت السحر، طالبًا محبته الفادية، ومتمسكًا بالوعد الإلهي، قائلًا: "بحسب أحكامك أحيني" [149]. هكذا تحوَّلت حياة داود الدراسية لكلمة الله إلى صلوات وصرخات. وكأن إنجيلنا ليس للدراسة المجردة إنما هو كنز يلزمنا التمتع به خلال حديثنا الودي مع مخلصنا واهب الحياة.
* لست أتوهم ولا أطلب أن تحيني حسب سلوكي (برِّي الذاتي) وإنما حسب أحكامك، بمعنى آخر أحيني بالطريقة التي تريدني بها أن أحيا، فإنني أريد أنا أيضًا أن أحيا.
* أولًا رفع الله العقوبة عن الخطاة برأفاته وسيهبهم الحياة العتيدة، وذلك للأبرار حسب دينونته. فإنه ليس باطلًا قيل له: "رحمة وحكمًا أغني، لك يا رب أرنم" (مز1:101). هذا الترتيب في الاصطلاحين (رحمة أولًا ثم الحكم، أي تقديم الرحمة في هذا الزمان والحكم في يوم مجيء الرب)، وإن كان في عصر الرحمة نفسه لا تكون الرحمة بدون الحكم، حيث يقول الرسول: "لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا" (1كو31:11)... وأيضًا الحكم الأخير لا يكون بدون رحمة، حيث يقول المزمور: "يكللك بالمراحم والرأفات"، لكن سيكون الحكم بلا رحمة للذين هم على اليسار، الذين لم يمارسوا الرحمة (يع13:2).
150 اقْتَرَبَ التَّابِعُونَ الرَّذِيلَةَ. عَنْ شَرِيعَتِكَ بَعُدُوا. 151 قَرِيبٌ أَنْتَ يَا رَبُّ، وَكُلُّ وَصَايَاكَ حَقٌّ. 152 مُنْذُ زَمَانٍ عَرَفْتُ مِنْ شَهَادَاتِكَ أَنَّكَ إِلَى الدَّهْرِ أَسَّسْتَهَا.
كلما رفع المؤمن قلبه بالصراخ إلى الله وكرس حياته لدراسة أقوال الله ووعوده يقترب إليه الأشرار ليطردوه خارجًا حتى يتحطم، فإذا به يجد الرب المطرود خارج المحلة أو خارج أورشليم قريبًا إليه جدًا، بل وفي داخله. لقد عانى داود النبي من ذلك إذ قال ليوناثان بن شاول: "إنه كخطوة بيني وبين الموت" (1 صم 3:20). لكنه وجد أيضًا في ذلك سعادته فإنه كلما اقترب الشرير إليه جدًا يقترب إليه الرب ليدافع عنه وينقذه.
"اقترب بالإثم الذين يطردوننى،
وعن ناموسك ابتعدوا" [150].
لقد سمع داود النبي بآذانه الداخلية وقع أقدام مطارديه، فقد جاءوا من ورائه ليطاردوه. ركضوا خلفه ليسيئوا إليه، لذلك رفع أمره إلى الله وتوسل إليه أن يتدخل. لقد أبغضوه لأنهم ابتعدوا عن ناموس الله، وكأن بغضتهم له هي بغضه لله نفسه.
* يُستفاد من هذا النص معرفة مصير من يضطهد الصديق. كلما اقترب لاضطهاده ابتعد عن الناموس، وابتعد عن الحياة، لأن الناموس هو "حياتنا" (تث47:32).
* بقدر ما اقتربوا من البار المُضطهد كانوا بالأكثر بعيدين عن البرّ.
أي ضرر يصيبون به هؤلاء (الأبرار) الذين يقتربون إليهم بالاضطهاد ما دام اقتراب ربهم إلى المضطهدين أسرع، هذا الذي لا يتركهم؟!
وكافة وصاياك حق هي" [151].
إن كان العدو يقترب إلينا من خلفنا لمقاومتنا فالله أقرب إلينا، هو في داخلنا، قادر أن يسندنا، يسمع صرخاتنا الخفية ويطارد أعداءنا.
* في موضع آخر يقول الرب: ألعلي إله من قريب يقول الرب ولست إلهًا من بعيد؟! (إر23:23). حقًا إن ربوبية الله هي في كل مكان، حيث تؤكد عنايته الإلهية بالخليقة. يقول بولس الرسول لليونانيين كما جاء في سفر أعمال الرسل: "نطلب الله، وهو ليس بعيدًا عنا، لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع28:17). كما قيل: "روح الله يملأ المسكونة" (حكمة7:1). إذن كيف يكون الله قريبًا؟
إذ يقترب الله منّا، فإننا ما لم نقترب نحن منه لا نبتهج بقربه منّا. لهذا فإن الخطاة بعيدون عنه. "هوذا البعيدون عنك يبيدون" (مز27:73)؛ أما البار فيقترب من الله. لأن الله ليس فقط الخالق (للبشر) وإنما يدخل بهم إلى الشركة معه. "ويقترب موسى وحده إلى الرب وهم لا يقتربون" (خر2:24). يقترب إلى الله من كان على اتصال (شركة) به، وذلك حسب استعداده ودرجة كماله، فيقول عنه الرسول بولس: "من التصق بالرب فهو روح واحد" (1كو17:6).
"قريب أنت يا رب، وكافة وصاياك حق هي" [151]. لا يستطيع اليهودي الجسداني أن ينطق هكذا بالحق، لأن ممارسته هي في مجال الحرفية. إنه مختون، لكن ليس ختانًا حقيقيًا. أنه يحتفل بعيد الفطير، لكن ليس بالعيد الحقيقي. في كلمة واحدة نصفه بأنه يقضي وقته في "الحرفية" مع أنه لم ينلها بعد. أما من يدرك حقائق و"أسرار ملكوت السموات" (مت11:13؛ مر11:4؛ لو10:8)، ويعرف ما هي حقيقة كل كلمة في الكتاب المقدس، مثل هذا يستطيع القول: "كافة وصاياك حق هي".
* يوجد تفسير آخر للنص: "وكافة طرقك حق هي"، لتعني الطرق المؤدية إلى الله. "كافة هذه الطرق" هو ذاك الذي يقول: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو6:14). من يبلغ كافة هذه الطرق يكون في "الحق"، ويكون الحق وأبوه في داخله.
* يعترف القديسون لله حتى وهم في وسط متاعبهم، ناسبين الحق لله، لأنهم يتعذبون ليس عن غير حقٍ. هكذا فعلت الملكة إستير (إش6:14، 7)، والقديس دانيال (دا16:4)، والثلاثة فتية في الأتون (تسبحة الثلاثة فتية 2-10)، وغيرهم. ففي قداستهم يعترفون لله.
لكن ربما يتساءل البعض: بأي معنى قيل هنا: "كل طرقك حق هي"؟ نقرأ في مزمور آخر: "كل سبل الرب رحمة وحق" مز10:25. من جهة القديسين كل سبل الرب رحمة وحق في نفس الوقت، حيث يعينهم حتى في الحكم، وبهذا لا يكون هناك نقص في الرحمة. وبرحمته عليهم يتمم ما يعد به فلا يكون هناك نقص في الحق. هكذا نحن جميعَا، سواء الذين يحررهم أو يدينهم، نجد كل سبل الرب رحمة وحق، فحينما لا يُظهر الرحمة يظهر حق انتقامه، فإنه لا يدين أحدًا لا يستحق الدينونة.
"منذ البدء عرفت من شهاداتك،
أنك إلى الدهر أسستها" [152].
عرف داود النبي أن الله أسس شهاداته منذ البدء، وأنها تبقى ثابتة في كل العصور، لا تستطيع قوى الظلمة أن تحطمها. إنها أساس صخري عليه يبني المؤمنون حياتهم في الرب. مواعيد الله ثابتة لا يغيرها الزمن، هذا ما يملأ نفوس المؤمنين رجاءً مفرحًا.
* عندما كنت في بدء حياة التقوى ونلت معرفة شهاداتك... استنرت بها، وجئت إلى المعرفة.
"عرفت من شهاداتك أنك إلى الدهر أسستها"، إن كان الرب قد أسس هذه الشهادات، فإن هذه الشهادات... تنتظر ما يُبنى عليها. لكن ماذا يبني الله على هذا الأساس؟ إنه يبني الأوامر والوصايا والأحكام والشريعة والحكمة والمعرفة. هكذا يجعل البناء متكاملًا في كل شيء بالأعمال الصالحة وبكلمات الحكمة والعلم والمعرفة... فيستحق أن يسكن الله فيه ويسير فيه (2كو16:6؛ لا12:226).
* أسس الرب الشهادات فلا يقدر أحد أن يزعزعها ولا أن يحطمها؛ وكلمتك الذي هو حكمتك وابنك هو أسسها... لذلك يقول: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" (مت35:24؛ مر31:13؛ لو33:21).
* ما هي هذه الشهادات سوى تلك التي فيها يُعلن الله أنه يُعطي ملكوتًا أبديًا لأبنائه؟
إذ أعلن أنه سيُعطي هذه الشهادات في ابنه وحيد الجنس قال (المرتل) أن الشهادات نفسها قد تأسست أبديًا. ما قد وعد به الله خلال هذه الشهادات هو أبدي، ولهذا السبب فإن الكلمات "أنت أسستها" بحق تُفهم هكذا، إذ تظهر حقيقية في المسيح (1كو11:3).
يرى القديس أغسطينوس أن هذه الشهادات التي أسسها الله قد عرفتها الكنيسة منذ البدء، بكرها القديس هابيل الذي ذُبح كشهادة لدم الوسيط المقبل، والذي سُفك بواسطة أخٍ شرير.
* لأقدم مع داود صلاتي صرخة من كل قلبي،
أطلب حقوقك لكي تتم إرادتك السماوية،
أطلب الخلاص لا الأمور الزمنية.
أطلب منك أن تقترب إليّ، لأن الأشرار يقتربون لهلاكي.
* اقترب إليَّ وخلصني من مؤامرات الأعداء.
خلصني من قسوة التجارب.
خلصني من الخطايا والشهوات .
خلصني من طبيعتي الفاسدة بتجديدها.
خلصني من العار فأتمتع بمجد الفردوس المفقود.
* قبل شروق الشمس أقوم، أصرخ إليك لتشرق بنور الحق عليّ!
في وسط ظلمة الشهوات أصرخ إليك لتحول حياتي إلى نهارٍ.
أعطيك بكور حياتي،
قبل البدء بالعمل في الصباح أصرخ إليك لكي تقترب مني.
* كم من ليالٍ قضيتها في الصلاة وأنت السامع للصلوات؟!
هب لي أن أقضي ليالي حياتي في الصلاة لألتقي بك.
* هب لي أن أمزج صرخات الصلاة بجدية الدراسة في كلمتك،
ففي كليهما أدخل معك في حوار شيق وارتبط بوعودك!
تقترب إلى، وتعلن سكناك فيّ!
* يتسلل العدو خلفي مقتربًا إلى لإهلاكي،
لكنك تسرع فتقترب إلى لخلاصي!
أنت اقرب إليَّ من العدو، أنت في داخل نفسي!
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 119 (قطعة
20) |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 119 (قطعة
18) |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ycz85bd