← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10
إن كان المرتل في المزمور السابق يصرخ من الضيق الشديد الذي يحل على كنيسة الله من الأشرار المتعجرفين، ويبدو كأن الله لا يسمع لصرخاتها، الآن يقدم المرتل تسبحة حمد وشكر لله الذي يتدخل في الوقت المناسب.
جاء هذا المزمور مشابهًا لتسبحة الشكر التي قدمتها حنة أم صموئيل (1 صم 2 إلخ.)، غير أن هذا المزمور يمثل تسبحة ليتورجية تبدأ بالحمد أو الشهادة التي تقدمها الجماعة المقدسة من أجل تدخل الله.
يتدخل الله كديان وقاضٍ عادل لا يقبل الظلم [2، 6، 8، 10]. بهذا يرفع من نفسية الأبرار الذين تحطمت نفوسهم بسبب سخرية الأشرار المستمرة.
1 |
||
2 -3 |
||
4 -8 |
||
9 -10 |
||
من وحي المزمور 75 |
لإِمَامِ المُغَنِّينَ.
عَلَى لاَ تُهْلِكْ.
مَزْمُورٌ لآسَافَ. تَسْبِيحَةٌ
جاء العنوان في الترجمة السبعينية: "للنهاية (للتمام). لا تهلك، مَزْمُورٌ تَسْبِحَةٌ لآسَافَ".
"لا تهلك": يرى البعض أن هذا المزمور عبارة عن تسبحة، يقدمها داود النبي لله الذي منع يديه عن أن يقتل شاول. وأن هذا المزمور وضعه داود وقام آساف إمام المغنيين بتلحينه والتسبيح به.
*الكلمة "تهلك (تفسد)
corrupts" لها ظلال معانٍ كثيرة. استخدمها داود عند حديثه مع البعض بخصوص أصدقائه: "لا تهلك"، أي "لا تقتل" (1 مل 26: 9)، أي شاول. المعنى هنا واضح. في موضع آخر (1 مل 26: 11، 23-24؛ 25: 32-34؛ 24: 11، 13)، نتعلم أن داود يبارك الرب لأن يديه قد أُمسكتا عن قتل شاول [1].*"للتمام. لا تفسد": يتضمن هذا المزمور خبر عدم الفساد العتيد أن يكون للقديسين في التمام، أي عند انقضاء الدهر. كما كتب السليح "بولس" في الفصل 15 من رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: "ثم الانقضاء"، رفع الملكوت إلى الإله والآب، ومتى أبطل كل رياسة وكل سلطان واقتدار، فحينئذ يصير الذين قضوا الجهاد الحسن في عدم الفساد.
نقول أيضًا أن هذا الرسول في الفصل 6 إلى أهل أفسس يدعو الفضيلة "عدم الفساد" بقوله: "النعمة مع كافة الذين يحبون ربنا يسوع المسيح بغير فسادٍ آمين".
بمعنى أن المزمور يقول إنك إن ابتدأت بعملٍ صالحٍ لا تفسد، أي لا تزل حتى تبلغ النهاية، وحينئذ تصير في عدم فسادٍ.
دُعي "مزمور تسبحة": أما مزمور فلأنه يخبر بما كان مزمعًا وقوعه. وأما تسبحة، فلأنه اعتراف بنعمة الله، وشكر له من قبل الصديقين من أجل إحسانه.
نَحْمَدُكَ يَا اللهُ.
نَحْمَدُكَ وَاسْمُكَ قَرِيبٌ.
يُحَدِّثُونَ بِعَجَائِبِكَ [1].
نحن هنا أمام مشهد عبادة ليتورجية (جماعية كنسية) تقدم أمام الله بجوار الهيكل أو المقدس. وقد تطلعت الجماعة إلى الله القادم ليدين الأشرار المقاومين لها، وكأنها تردد: "هوذا اسم الرب يأتي من بعيد، غضبه مشتعل، والحريق عظيم. شفتاه ممتلئتان سخطًا، ولسانه كنارٍ آكلة" (إش 30: 27) وأيضًا: "يقوم الله؛ يتبدد أعداؤه، ويهرب مبغضوه من أمام وجهه" (مز 68: 1). صارت الجماعة قادرة أن تسمع صوت الديان القادم للدفاع عنها، وترى أعماله الخلاصية العجيبة. تحركت كل مشاعرهم بالحمد والتسبيح لعظمة الله المدافع عن المساكين والضعفاء المظلومين.
*تكرار "نعترف لك" يشير إلى تزايد اشتياقه إلى شكر الله ورغبته فيه وأيضًا الاعتراف لله يجب أن يكون بالنطق بالتسابيح واجتناب المعاصي، مع فعل الأعمال المرضية له.
أيضًا يشير إلى أن الاعتراف صنفان: اعتراف بما أذنبنا به، واعتراف بالشكر على ما أحسن الله به إلينا. ويشير إلى ملازمة الشكر...
"ندعو باسمك" الذي يُعيِّره الأعداء، كما نُدعى نحن مسيحيين، أي نُدعى باسم ربنا يسوع المسيح.
*لا تدعوا اسمه قبل أن تعترفوا (تحمدوا)؛ اعترفوا ثم ادعوه... متى دُعي بواسطتكم، بمعنى إن دُعي إليكم إلى من يقترب؟ إنه لا يقترب إلى الإنسان المتكبر. عالٍ هو بالحقيقة، ولا يقدر أن يقترب إليه من يرتفع (متشامخًا). فلكي يمكننا الاقتراب من الأمور العلوية نرتفع، فإن لم نستطع بلوغها نتطلع إلى أدوات تساعدنا أو قادة حتى نرتفع ونبلغ إلى الاقتراب من الأمور العلوية. على العكس فإن الله عالٍ والمتواضعون هم الذين يقتربون إليه. مكتوب: "قريب هو الرب من المنكسري القلوب" (مز 34: 18).
انكسار القلب هو التقوى والتواضع. من ينسحق يغضب على نفسه. ليغضب (الإنسان) على نفسه ليجعل الله رحيمًا عليه. ليكن ديانًا لنفسه، فيجعل من (الرب) مدافعًا عنه. عندئذ يأتي الرب عندما يُستدعى. إلى من يأتي الرب.
لا يأتي إلى المتشامخ... لهذا اعترف وعندئذ أدعو الله.
بالاعتراف يتطهر الهيكل الذي إليه يأتي الرب عندما تدعوه. اعترفوا وادعوه.
ليته يصرف وجهه عن خطاياكم، ولا يصرفه عنكم. يصرف وجهه عما تفعلوه، ولا يصرف وجهه عما عمله هو، فإنك أنت كإنسانٍ هو خلقك، أما خطاياك فهي من عملك أنت [2].
هكذا إذ نعترف لله سواء عن خطايانا أو عن مراحمه ورعايته، نتمتع بروح التواضع، فيقترب إلينا، ونقترب نحن إليه، ونشعر بحضوره في وسطنا كما في داخلنا. وبحضوره نختبر عجائبه فينا، ونشهد لها بكل وسيلة "يحدثون بعجائبك".
*"ونحمد اسمك" [1]. اسم الله هو "الآب". هذا الاسم لم يكن معروفًا في الأزمنة الماضية، إذ يقول الرب: "أيها الآب...أنا أظهرت اسمك للناس" (يو 17: 5-6). كل ابنٍ يحمل بالحق اسم أبيه [3].
2 «لأَنِّي أُعَيِّنُ مِيعَادًا. أَنَا بِالْمُسْتَقِيمَاتِ أَقْضِي. 3 ذَابَتِ الأَرْضُ وَكُلُّ سُكَّانِهَا. أَنَا وَزَنْتُ أَعْمِدَتَهَا. سِلاَهْ.
لأَنِّي أُعَيِّنُ مِيعَادًا.
أَنَا بِالمُسْتَقِيمَاتِ أَقْضِي [2].
إذ يسحب المرتل قلوبنا لنمارس الاعتراف والحمد لله، ونلمس حضوره في وسطنا، ونختبر عجائبه في أعماقنا وفيما يدور حولنا، نتساءل: "متى يتحقق هذا؟" نتلهف إلى هذه العطية الإلهية. هنا تأتي الإجابة: يأتي الرب في أعماقنا في ملء الزمان (أف 1: 10؛ غل 4: 4)، إذ لكل شيء زمان معين (جا 3: 1). يقول الرب: "إني أُعين ميعادًا".
هذا التعبير "أُعين ميعادًا" له أهميته في العهد القديم بخصوص تدبير الله للعالم، ووضع فصول معينة للسنة بسماتٍ معينة (تك 1: 14)؛ وتحديد الأعياد (لا 23: 2)، حيث يُحدد نوعًا معينًا من العبادة في كل عيدٍ، كما كان يوجد وقت معين للمجيء الأول للسيد المسيح من أجل خلاصنا، وأخيرًا وجود ميعاد معين تسبقه علامات وردت في الأناجيل المقدسة وفي سفر الرؤيا لمجيئه الأخير [4].
يرى القديس چيروم أن الحديث هنا عن الدينونة الأخيرة [العالم الحاضر ليس وقتًا للدينونة بل للصراع [5].]
ويرى القديس أغسطينوس أن الآن وقت للكرازة للتمتع بالخلاص، ولم يحن بعد موعد الدينونة. فمن مراحم الله وطول أناته أن يتركنا للتمتع بالخلاص حتى متى جاء موعد الدينونة نتبرر أمامه.
يرى القديس غريغوريوس النزينزي أنه يليق أن يكون لكل شيء الميعاد اللائق به، ضاربًا المثل حتى بالدخول مع المتكلمين في حوارٍ، هذا له وقته اللائق به.
يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن المرتل في العبارة السابقة يتحدث في صيغة الجمع، وهنا في صيغة الفرد. فالجماعة المقدسة كلها تشترك في الحمد لله، بل وكل الخليقة، وفي نفس الوقت يشعر كل مؤمن بالعلاقة الشخصية مع الله، ومعاملات الله معه فيتحدث عن عجائب الله معه.
يرى القديس أثناسيوس أن الذي يتحدث بعجائب الرب بصيغة المفرد هم في الحقيقة الحرس الذين يتحدثون باسم الأمم أو كنيسة الأمم التي رأت عجبًا في محبة الله دون محاباة.
*ما هو الوقت المناسب لهذه المناقشة؟ إنه الوقت الذي نتحرر فيه من الوحل والضوضاء في الخارج، ولا تتشتت ملكاتنا الحاكمة (عقولنا) بصورٍ وهميةٍ وشاردة، وتؤدي بنا إلى عدم التمييز بين الكتابة الجميلة والقبيحة أو بين الرائحة الجميلة والعفنة. إننا نحتاج إلى أن نلزم السكون (مز 45: 10) لنعرف الله. وعندما تُتاح لنا الفرصة نحكم بالصلاح في اللاهوت كما يقول المزمور: "أنا بالمستقيمات أقضي" (مز 75: 2) [6].
ذَابَتِ الأَرْضُ وَكُلُّ سُكَّانِهَا.
أَنَا وَزَنْتُ أَعْمِدَتَهَا. سِلاَهْ [3].
كأن الله يوبخنا على تسرعنا في الحكم على الأشرار، أو في إنقاذنا منهم، فيقول: "لماذا تتعجلون الأمر، فإن الأرض التي تعيشون عليها أنتم والأشرار هي من عملي، فإن نزعت عنها عنايتي أو قوتي ذابت كالشمع. فليس لشيءٍ ما أو ولكائنٍ ما على الأرض أن يحيا أو يستقر بدوني. لا تضطربوا حتى من الذين يقاومونني. ويقاومون كنيستي وشعبي. أنا حامل أعمدة الأرض، وواهبها توازنها، أنا أعرف بدقة وزنها. سيأتي الزمن المحدد لتنحل الأرض وتزول وتتحقق العدالة الإلهية، ويتمتع المظلومون بالمكافأة!
يرى القديس أغسطينوس في الأرض وكل سكانها الإنسان المحب للأرضيات بكل طاقاته، فبمحبته للخطايا والعالم ينحل وتذوب كل طاقاته.
يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن الأرض التي ذابت هي أورشليم، وسكانها هم اليهود الذين رفضوا الإيمان بالسيد المسيح، واضطهدوا كنيسته، أما الأعمدة التي أوجدها الله لتزن الأرض فهم جماعة الرسل الأطهار الذين شددهم الله وأيَّدهم وأعطاهم قوة للكرازة بالإنجيل المقدس.
يرى أيضًا أن الأرض وكل الساكنين فيها هم المنهمكون في الأرضيات فكثر شحمهم وسمنوا، فيذيب الرب الأرض بالنار ليذيب ذلك الشحم الذميم.
*إن كانت الأرض تنحل، ما الذي يحلها سوى الخطايا؟ لذلك دعيت (الخطايا) أيضًا جنوح عن القانون. والجنوح هو أشبه بانزلاق من الثبات في الفضيلة والبرّ وانحدار في ميوعة. فإنه باشتهاء السفليات يخطئ الإنسان، وإذ يتقوى بمحبة العلويات هكذا يسقط ويصير كمن قد ذاب بمحبة السفليات.
"أنا قوَّيت أعمدتها" ما هي الأعمدة التي قوَّاها الرب؟ إنه يدعو الرسل أعمدة. لذلك يقول الرسول بولس عن زملائه الرسل: "المعتبرون أنهم أعمدة" (غلا 2: 9). وماذا لهذه الأعمدة إلا أن تتقوى به؟ فإنه في حالة وقوع ما يشبه الزلازل حتى هذه الأعمدة اهتزت؛ عند آلام الرب يئس الرسل. فاهتزت الأعمدة عند آلام الرب، وبالقيامة تقوَّت [7].
4 قُلْتُ لِلْمُفْتَخِرِينَ: لاَ تَفْتَخِرُوا. وَلِلأَشْرَارِ، لاَ تَرْفَعُوا قَرْنًا. 5 لاَ تَرْفَعُوا إِلَى الْعُلَى قَرْنَكُمْ. لاَ تَتَكَلَّمُوا بِعُنُق مُتَصَلِّبٍ». 6 لأَنَّهُ لاَ مِنَ الْمَشْرِقِ وَلاَ مِنَ الْمَغْرِبِ وَلاَ مِنْ بَرِّيَّةِ الْجِبَالِ. 7 وَلكِنَّ اللهَ هُوَ الْقَاضِي. هذَا يَضَعُهُ وَهذَا يَرْفَعُهُ. 8 لأَنَّ فِي يَدِ الرَّبِّ كَأْسًا وَخَمْرُهَا مُخْتَمِرَةٌ. مَلآنةٌ شَرَابًا مَمْزُوجًا. وَهُوَ يَسْكُبُ مِنْهَا. لكِنْ عَكَرُهَا يَمَصُّهُ، يَشْرَبُهُ كُلُّ أَشْرَارِ الأَرْضِ.
قُلْتُ لِلمُفْتَخِرِينَ: لاَ تَفْتَخِرُوا،
وَلِلأَشْرَارِ: لاَ تَرْفَعُوا قَرْنًا [4].
في نوع من الجنون يفتخر الأشرار بشرورهم، ويرفعون قرنًا كالحيوانات المتوحشة التي تنطح بقرونها بعنفٍ وفي غير وعيٍ.
كان من عادات الأمم القديمة خاصة في الشرق، ولا زالت في بعض القرى، بل وحتى بين الأطفال حينما يعبرون عن فرحهم بالنصرة، يرتدون على رؤوسهم أشبه بقرن مخروطي ويناطحون به كأبطالٍ غالبين.
يطلب المرتل بروح الله ألا يفتخر الأشرار في كبرياء بشرورهم، فإنهم وإن ظهروا كأبطالٍ غالبين إنما إلى حين، فستنحل الأرض التي يقفون عليها.
لعل القديس أغسطينوس يرى الأشرار وقد أمسكوا بالقرن الذي يستخدم لتضخيم الصوت كبوقٍ، فيطلب منهم أن يكفوا عن هذا ليسمعوا بوق الإنجيل واهب التوبة والخلاص والمجد الحقيقي.
*قرنكم من الإثم، وقرن المسيح من الجلالة (العظمة الحقيقية) [8].
يرى القديس كيرلس السكندري أن المرتل يتحدث عن الهراطقة والرسل الكذبة والأنبياء الكذبة الذين في تشامخهم وكبريائهم يقدمون اختراعات واهية، ويعتمدون على فلسفات زمنية، فيُحرفون كلمة الله [9].
اُختتم المزمور السابق بالصراخ: "قم يا الله، أقم دعواك" (مز 74: 22). لقد تحققت الصلاة هنا، فقد تطلع المرتل إلى السيد المسيح ربنا الذي قام من الأموات وأعلن قوة الصليب المجيد، وظهر السيد بكونه الملك المخلص الذي يملك على قلوب مؤمنيه.
*ماذا يعني "القرن" على الأرض؟ القوة، والمجد، والشهرة، حيث يُستخدم كرمزٍ من الحيوانات الوحشية. لقد غرس الله فيها القرن فقط كطريقٍ للمجد، وكسلاحٍ للدفاع عن نفسها، فإن فقدته تفقد أكثر قوتها. كالجندي الذي بلا سلاح هكذا الثور بدون قرنين يمكن السيطرة عليه بسهولة [10].
لاَ تَرْفَعُوا إِلَى العُلَى قَرْنَكُمْ.
لاَ تَتَكَلَّمُوا بِعُنُقٍ مُتَصَلِّبٍ [5].
يحذر المرتل الأشرار الذين يتشامخون على الله، ويتكلمون بعنقٍ صلبٍ وعنيفٍ. يليق بهم أن يتشبهوا بحنة أم صموئيل، فعوض رفع القرن ضد العليّ يقولون معها: "ارتفعَ قرني بالرب... لا تكثروا الكلام العالي المستعلي، ولتبرح وقاحة من أفواهكم (1 صم 2: 1، 3).
يقول المرتل: "لتُبكم شفاه الكذب المتكلمة على الصديق بوقاحة بكبرياء واستهانة" (مز 31: 18). "يبقون يتكلمون بوقاحةٍ، كل فاعلي الإثم يفتخرون" (مز 94: 4).
*كثيرون ينطقون بهذا الإثم، لكنهم لا يتجاسرون على ممارسته علنًا، لئلا يمقتهم الأتقياء كمجدفين... قيل في مزمور آخر: "قال الجاهل في قلبه: لا إله" (مز 14: 1). يقول الجاهل، لكنه يخشى الناس، فلا يقول هذا حيث يسمعه بشر، إنما يقوله حيث يسمعه ذاك الذي ينطق عنه هكذا (الله) [11].
لأَنَّهُ لاَ مِنَ المَشْرِقِ وَلاَ مِنَ المَغْرِبِ،
وَلاَ مِنْ بَرِّيَّةِ الجِبَالِ [6].
إذ يطلب من الأشرار أن يكفوا عن التكلم بكبرياء وتشامخ ضد الله يلزمهم ألا يكفوا عن هذا خوفًا من الناس سواء القادمين من المشرق أو المغرب، من برية أو جبال، إنما من الله نفسه. إنه لا يطلب الكف عن الشر خوفًا من الناس، لئلا يمارسوا هذا خفية في قلوبهم.
يُحذر الله الأشرار المتكبرين والذين يقاومون الحق الإلهي، فإنه إذ يدينهم لا يجدون موضعًا في المشارق أو المغارب يهربون فيه من وجه الديان.
وَلَكِنَّ اللهَ هُوَ القَاضِي.
هَذَا يَضَعُهُ وَهَذَا يَرْفَعُهُ [7].
الله الذي لا يحده مكان، حاضر أينما وُجد الشرير، وهو يسمع ما ينطق به قلبه وفكره. هو العالم بالخفيات، وفي نفس الوقت هو الديان القدير. إنه يقيم أممًا ويزيلهم (دا 4: 17، 32، 35).
* الله هو ديان آثامكم. إن كان هو القاضي فهو حاضر في كل مكان. أين يمكنك أن تهرب من عينيّ الله حتى تنطق في زاوية لا يسمعك فيها...؟ اِحذر أن تتكلم بالإثم ضد الله... إنك تنسحب إلى قلبك (لتنطق فيه بالإثم)، إنه أكثر عمقًا من قلبك. أينما هربتَ تجده هناك... هل تهرب منه؟ اهرب إليه [12].
*يضع الله الظالم ويهينه، ويرفع المظلوم، وذلك بأحكام لا يمكننا نحن البشر أن ندركها، كما حفر للأشوريين بسبب ظلمهم، ورفع الإسرائيليين لتواضع قلوبهم. وكذلك وضع أهل الختان لاستكبارهم وعدم إيمانهم، ورفع الوثنيين لأنهم تواضعوا وآمنوا، كما يقيم الفقير من الأرض والمزبلة، ويجلسه على الكرسي، أما الجالسون على الكراسي فيطرحهم على الأرض، لأنه هو الديان العادل الذي بقدرته الفعّالة ينصب ملوكًا ويعزلهم.
لأَنَّ فِي يَدِ الرَبِّ كَأْسًا،
وَخَمْرُهَا مُخْتَمِرَةٌ.
مَلآنَةٌ شَرَابًا مَمْزُوجًا.
وَهُوَ يَسْكُبُ مِنْهَا.
لَكِنْ عَكَرُهَا يَمَصُّهُ يَشْرَبُهُ كُلُّ أَشْرَارِ الأَرْضِ [8].
كانت العادة هي تقديم كأس الخمر في كل المناسبات، المفرحة كما في الأحزان الشريرة، بل وكان شرب الكأس يُعبِّر عن الدينونة والقصاص. "يمطر على الأشرار فخاخًا ونارًا وكبريتًا وريح السموم تصيب كأسهم" (مز 11: 6). "اِنهضي، اِنهضي، قومي يا أورشليم التي شربت من يد الرب كأس غضبه، ثقل كأس الترنح، شربت مصصت" (إش 51: 17). "لأنه هكذا قال لي الرب إله إسرائيل: خذ كأس خمر هذا السخط من يدي، واسقِ جميع الشعوب الذين أرسلك أنا إليهم إياها، فيشربوا ويترنحوا ويتجننوا من أجل السيف الذي أرسله أنا بينهم" (إر 25: 15-16). "في طريق أختك سلكتِ، فأرفع كأسها ليدكِ، هكذا قال السيد الرب. إنك تشربين كأس أختك العميقة الكبيرة. وتكونين للضحك وللاستهزاء، تسع كثيرًا. تمتلئين سكرًا وحزنًا، كأس التحير والخراب، كأس أختكِ السامرة" (حز 23: 31-33).
يرى القديس أغسطينوس أن الأبرار يشربون من يد الرب الخمر النقي، الذي يسكرهم بالحب النقي الذي يسكرهم بالحب الإلهي. أما الأشرار فيشربون الحثالة أو التفل الذي في أسفل قاع الكأس، لا ليهلكهم الرب، بل ليردهم بالتوبة إلى برِّه. لذلك قيل عن الخمر إنها نقية بالنسبة للأبرار، وإنها ممزوجة بالنسبة للخطاة.
9 أَمَّا أَنَا فَأُخْبِرُ إِلَى الدَّهْرِ. أُرَنِّمُ لإِلهِ يَعْقُوبَ. 10 وَكُلَّ قُرُونِ الأَشْرَارِ أَعْضِبُ. قُرُونُ الصِّدِّيقِ تَنْتَصِبُ.
أمَّا أَنَا فَأُخْبِرُ إِلَى الدَهْرِ.
أُرَنِّمُ لإِلَهِ يَعْقُوبَ [9].
ابتدأ المزمور بالحمد والشكر وانتهى بالترنم لله الذي وإن أطال أناته جدًا لكنه يترقب خلاص الكل، فلا يتعجل في كسر قرون الأشرار لعلهم يتوبون.
وَكُلَّ قُرُونِ الأَشْرَارِ أَعْضِبُ.
قُرُونُ الصِدِّيقِ تَنْتَصِبُ [10].
*سأكسر قرون الخطاة، وهناك ترتفع قرون الأبرار. هذا هو الذي يضعه والآخر يرفعه... قرون الأشرار هي كرامات المتكبرين. قرون الأبرار هي عطايا المسيح. فإنه يُفهم بالقرون المَباهج. أنت تكره على الأرض المباهج الأرضية لكي ما تقتني السماوية. أنت تحب الأرضية، لن يهبك السماوية [13].
*عرفتك أيها الآب القدوس؛
فقد أرسلتَ ابنك الوحيد يكشف لي عن أبوتك.
اسمك قريب إليّ،
فأنت أبي وخالقي وصانع العجائب لحسابي!
من لي أقرب منك؟
من لي أحكم منك يا كلي الحب والحكمة والقدرة.
*لن أأتمن يدًا لي سوى يدك.
أنت عجيب في حبك وتدبيرك ومعرفتك.
تحدد لكل شيء ميعادًا،
تقيس السماوات بشبرك،
وتزن الأرض بميزانك!
*إني أدهش لمن في كبريائهم يرفعون قرنًا عليك.
يتشامخون وبعنقٍ متصلبة يهاجمونك.
أنت القدير: ترفع من تشاء، وتضع من تشاء.
تسقي هذا خمر الفرح السماوي،
وذاك عكارة الخمر المرة.
*لأهرب، لا منك، بل إليك!
أنت ملجأي وحصن حياتي!
أنت بهجتي وغناي ومجدي!
[2]On Ps. 75.
[3] On Psalms, homily 8.
[4] cf. Kinder, p. 271.
[5] St. Jerome: On Psalms, homily 8.
[6] العظة اللاهوتية الأولى: عظة رقم 27 عظة تمهيدية ضد أتباع يونيموس، 3.
[7]On Ps. 75.
[8]On Ps. 75.
[9] cf. St. Cyril of Alexandria: Commentary on Luke, homily 77.
[10] Homilies on Hammah, 4.
[11]On Ps. 75.
[12]On Ps. 75.
[13]On Ps. 75.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 76 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 74 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/q3j7z5r