← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24
[17-24]
إن كان الشاب يحتاج إلى الوصية الإلهية لتقديس قلبه وأعماقه الداخلية، ينعم بها ككنزٍ يستحق أن يخفيه، فيمتلئ فرحًا وتهليلًا، ويتلذذ بالتأمل فيها والتعرف على أسرارها، والعمل بها، والشهادة أمام الغير، فمن جانب آخر يدرك حقيقة موقفه كغريب ونزيل يجد فيها عزاءه.
الأن ما هي بركات الوصية لنا كغرباء على الأرض؟
17. |
||
18. |
||
19، 20. |
||
21. |
||
22. |
||
23. |
||
24. |
||
من وحي المزمور 119 (ج) |
تحدث قبلًا كشابٍ يبدأ طريق حياته العملية باقتناء الوصية الإلهية التي تشبع اشتياقاته وتحقق أماله بكونها الكنز السماوي؛ الآن إذ بدأ الطريق شعر بالغربة، ليس من يسنده في مواجهة المتاعب إلا الله نفسه بكونه صديقه الشخصي الذي يهبه الحياة ذاتها كمكافأة وكل مقوماتها، ويسنده ضد الشر، وينزع عنه العار.
17 أَحْسِنْ إِلَى عَبْدِكَ، فَأَحْيَا وَأَحْفَظَ أَمْرَكَ.
لعل المرتل قد حمل مشاعر الابن الراجع إلى أبيه، فقد تطلع من بعيد ليجد الأجراء ينالون أجرتهم في بيت أبيه ويحيون، أما هو فيموت جوعًا (لو 15). لهذا صرخ إلى أبيه طالبًا منه أن يهبه أجرة فيحيا كأجير، واعدًا إياه ألا يعود إلى كسر وصيته الأبوية. إنه في حكم الميت بسبب عصيانه وتركه بيت أبيه، لهذا يصرخ قائلًا:
"كافئ عبدك فأحيا، واحفظ أقوالك" [17].
لماذا يقول المرتل "كافئ عبدك"؟
كلمة "يكافئ" في العبرية Gamal، وقد جاءت كل عبارات هذا الاستيخون (المقطع) الثمانية تبدأ في العبرية بالحرف "ج gimel".
يقول السيد المسيح: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (رو 63:3). فإننا إذ نلتصق بكلمة الله الثابتة إلى الأبد لا يقدر الموت أن يمسك بنا بل نحيا مع الرب إلى الأبد كمكافأة للبنين. لنطلب أن نُحسب كأجراء، فسيهبنا الله مكافأة البنين.
إذ يرتبط المرتل بالوصية يطلب "الحياة" مكافأة له، إذ بالوصية يدرك قبوله لدى الله، فينعم بالآب أبًا له، وبالكلمة الإلهي أخًا بكرًا ومخلصًا، وبالروح القدس مقدسًا ومعزيًا وقائدًا له. هذه هي الحياة التي يشتهيها المرتل كمكافأة لارتباطه بالوصية خلال النعمة الإلهية.
يقول العلامة أوريجينوس: [قلبنا ليس نقيًا، ولا نملك حرية الحديث مع الله، قائلين في صلواتنا: "كافئ عبدك"، لأنه إن جاء ليكافئنا فسيجازينا على خطايانا.
من كان مثلنا نال رحمة من الله فليقل: "لا تجازينا يا الله حسب خطايانا، ولا مثل آثامنا تكافئنا". أما من له حرية الحديث مع الله بضميرٍ مستريحٍ فيقول: "كافئ عبدك"، لأنه لم يعمل شيئًا يستوجب العقاب. ولئلا يكون حديثه بافتخار ففي حذر لا يقول: "كافئ" فقط وإنما "كافئ عبدك"، أي بكوني عبدك الذي أخدمك.]
ما هي الحياة التي يطلبها المرتل من الله مكافأة له كعبد له؟
*
بقوله: "فأحيا" لا يطلب طول العمر العادي، إذ يطلب حياة مرضية لله، لذلك يقول: "وأحفظ أقوالك"، لأن حفظ أقوال الله وعمل وصاياه هما العمر الحقيقي وعلة الحياة الأبدية.* كلمة "فأحيا" توحي بحركة حياة في المستقبل. فإنني لست أفكر في الحياة الحالية، إذ يقول "سأحيا"، وهذا يتمشى بالتأكيد مع الحياة الحقيقية.
لنسمع القديس بولس وهو يتحدث عن نفسه وعن أمثاله: "حياتنا مستترة مع المسيح في الله، متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تضيئون أنتم أيضًا معه في المجد" (راجع كو3:3).
لنفهم "سأحيا" أنها تخص المستقبل، وأيضًا "أخبئ كلامك" سيكون ذلك حقيقة ليست في مرآة ولا في لغز.
* إنني لا أشعر بأنني أتمم وصاياك بدون مكافأة؛ اعطنا أجر هذا حياة خالدة سعيدة أعيشها وأحفظ أقوالك.
* من يقدر أن ينكر أن عطية الحياة هي عمل العظمة الإلهية؟ مكتوب "أحيي عبدك" [17]. إذن يحيي من هو عبد، أي الإنسان، الذي لم تكن له حياة من قبل، بل تسلمها كعطية له(36).
18 اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ.
"اكشف عن عيني، فأتأمل عجائب من ناموسك" [18].
* دُعي الأنبياء "رائين" (1صم9:9)، لأنهم رأوا هذا الذي لم يره غيرهم.
إبراهيم رأى يومه (المسيح) وتهلل (يو 56:8).
خُتمت السماوات بالنسبة للشعب المتمرد، بينما فُتحت لحزقيال...
الناموس روحي (رو 14:7)، لكن الحاجة إلى إعلان يعيننا على فهمه، عندما يكشف الله عن وجهه لنراه ونعاين مجده(37).
* ليتنا نحن الذين نريد أن نكون كاملين حسب قياس ضعفنا البشري نظن هذا، أننا لم ننل بعد، ولا أدركنا، ولا صرنا كاملين، وإذ نحن لسنا بعد كاملين... لنصلِ مع داود قائلين: "افتح عيني لأرى عجائب من شريعتك"(38).
* إن كان نبي عظيم كهذا يعترف أنه في ظلمة الجهل، كم بالأكثر تظنون يكون ليل عدم إدراكنا نحن الذين هم رضع وأطفال غير مفطومين يحوط بنا؟!(39)
* واجبنا إذن أن نقترب إلى الله ونقول: "افتح عيني فأرى عجائب من ناموسك". هكذا يُعلن لنا عن المسيح(40).
إذ يدرك المرتل أن حياته هي مكافأة أو هبة من عند الله، يشعر بالالتزام أن يكرس هذه الحياة لحساب الله، لخدمته ونمو ملكوته.
كلمة اكشف unveil هنا تعني رفع البرقع عن العينين "اكشف عن عيني، فأتأمل عجائب من ناموسك" [18]. لقد وُجد الناموس بين يدي اليهود لكنهم لم يتمتعوا بعجائبه، أي بالسيد المسيح الذي "يدعى اسمه عجيبًا" (إش 6:9)، لأنه كما يقول عنهم الرسول بولس: "أغلظت أذهانهم، لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف الذي يبطل في المسيح... ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجهٍ مكشوفٍ كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجدٍ كما من الرب الروح" (2كو14:3، 18). وكأن الرسول يطلب نزع برقع الحرف لنفهم وصايا العهد القديم ورموزه ونبواته، كما يطلب رفع برقع الخطية حتى ندخل في حياتنا الجديدة من مجدٍ إلى مجدٍ ونتأهل لرؤية الله.
بمعنى آخر يطلب المرتل وهو بعد تحت ظلال العهد القديم أن يتمتع بالاستنارة، أي ينزع الرب عن عينيه النظرة الحرفية لكلمات الله، ويهبه حياة دائمة النمو في الروح... بهذا يعاين مجد السيد المسيح، أي "عجائب ناموسه".
الكبرياء الذي حجب أعين اليهود عن إدراك شخص المسيا بالرغم من وضوح النبوات عنه هو أيضًا يُفقد الإنسان المسيحي إدراك قوة الإنجيل في حياته العملية.
* أظهر النبي أن عينيه كانتا محتجبتين ببرقعٍ، وذلك مثلما يكون في داخلنا شر وفساد بسبب "الشيخوخة" التي للإنسان العتيق (كو9:3). لا يقدر أحد أن ينزع الفساد إلا واحد، وهو كلمة الله، فقد "أرسل كلمته فشفاهم، وخلصهم من فسادهم" (مز20:106). جاء كلمة الله وكشف عن العيون، ورفع البرقع: "عندما نرجع إلى الله يُرفع البرقع" (2كو16:3؛ خر34:34).
يعرف النبي أنه إذ تملك الوصية تجعلنا نمارس الأعمال الصالحة، لهذا يحاول أن يعرف بركة الوصية لا بطريقة اليهود (الحرفية) وإنما بقوة وروحانية، لهذا يقول: "اكشف عن عيني، فأتأمل عجائب من ناموسك". وإذ يصير لنا الوجه المكشوف يُعلن مجد المسيح كما في مرآة، ونتحول إلى هذه الصورة، ونتأمل عجائب الله وناموسه.
* للإنسان الخارجي عينان، وأيضًا للإنسان الداخلي، إذ قيل: "أنر عيني لئلا أنام نوم الموت" [(مز 13: 3) (12: 3)]...
بحفظ وصايا الرب لا يصير لنا النظر الحاد جسمانيًا، وإنما بحفظ الوصايا الإلهية يصير لنا بصر الذهن الحاد.
ترى عينا إنساننا الداخلي بأكثر كمال: "اكشف عن عيني، فأتأمل عجائب من ناموسك"...
يسوع وحده له أن يكشف عنهما، فيمكننا أن نفهم الكتب المقدسة، ونتأمل ما عُبِّر عنه بطريقة غامضة(41).
لنصرخ دومًا ونحن في أرض غربتنا ليهبنا روح الاستنارة، فنرى وصايا الله في أعماقها، وندرك أسرار عمل الثالوث في حياتنا، فترتفع نفوسنا كما بجناحي الروح، وتتلامس مع عربون المجد المُعد لنا؛ عندئذ نقول: "أقامنا معه وأجلسنا معه في السمويات" أف6:2.
لقد طلب المرتل في غربته عون الله كي يحيا، والآن يطلب الاستنارة، لأنه ماذا ينتفع بحياته إن كان في ظلمة، لا يرى فيها فيض نعم الله وإحساناته عليه؟!
يستخدم القديس أغسطينوس هذه العبارة [ع18] ثم يقول: [أنت تعرف عدم مهارتي وضعفاتي! علمني! اشفني!(42)]
إننا في حاجة إلى عمل الله - المعلم الفريد - القادر أن يُقدم تفاسير للكتاب لا لإشباع الذهن فحسب، وإنما يفتح عن البصيرة الداخلية للتمتع بقوة الكلمة وبهجتها وغناها.
* ليتنا نسأل ذاك "الذي له مفتاح داود الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح" (رؤ7:3)، لكي يفتح لنا حجرات الإنجيل فنقول أيضًا مع داود: "افتح عيني فأتأمل عجائب من ناموسك" [18]...
إننا نتوسل إلى الرب لكي يدخل بنا إلى أسراره، ويُحضرنا إلى حجاله، ويسمح لنا أن نقول مع عروس نشيد الأناشيد: "أدخلني الملك إلى حجاله" (نش4:1)(LXX).
يقول الرسول إن برقعًا قد وُضع على عيني موسى (2كو13:3-17)، وأنا أقول أنه ليس فقط يوجد برقع على الناموس، بل وأيضًا على الإنجيل لمن لا يفهمه... إذن لنترك الحرف الذي لليهود، ولنتبع الروح الذي ليسوع، لا بمعنى أننا نحتقر حرف الإنجيل، وإنما كل شيء قد جاء كي يعبُر - كما هو مكتوب - وإنما بالصعود درجات معينة نتسلق إلى الأماكن العلوية(43).
19 غَرِيبٌ أَنَا فِي الأَرْضِ. لاَ تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ. 20 انْسَحَقَتْ نَفْسِي شَوْقًا إِلَى أَحْكَامِكَ فِي كُلِّ حِينٍ.
"غريب أنا على الأرض،
فلا تخفِ عني وصاياك" [19].
كان داود النبي والملك والمرتل إنسانًا له شهرته، وله إمكانياته وخبراته، ومع هذا حسب نفسه غريبًا، محتاجًا إلى وصايا الله لتكون له قائدًا ومرشدًا ورفيقًا ومعزيًا له في غربته.
عمل الوصية الإلهية الأساسي هو تهيئة الإنسان للمواطنة السماوية؛ بها يدرك حقيقة موقفه كغريبٍ ونزيلٍ فينضم إلى رجال الإيمان (عب 13:11-16). وفي نفس الوقت شعوره بالغربة يدفعه إلى الالتصاق بالوصية كي تسنده كل زمان غربته وترفعه إلى الحياة السماوية.
* من يحب الأرضيات وشهواتها لا يفكر في أن يكون مع المسيح بعد انتقاله، ولا يقدر أن يقول: "غريب أنا على الأرض"، إذ هو مهتم بما للأرض. أما من يقول: "لا تخفِ عني وصاياك" فهو قديس... لذلك يطلب النبي من الله أن يكشف له عظائم وصاياه للحياة السماوية.
* يحتاج الغرباء على الأرض إلى وصايا الله لكي تحميهم من أعمال الجسد ومحبة العالم.
من يتبع هذه الوصايا تعتاد نفسه عليها، ولا يقدر العالم أن يغلبه.
لكن توجد وصايا كثيرة مكتوبة برموز مثل: "والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من أمتعته شيئًا" (مت 17:24؛ مر15:13؛ لو31:17)؛ "دع الموتى يدفنون موتاهم" (مت 22:8)... كل هذه ليست واضحة في المعنى، كذلك الوصايا الخاصة بالذبائح والأعياد والحيوانات الطاهرة والنجسة... لهذا يليق بالغريب على الأرض أن يطلب من الله أن يضيء له وصاياه ولا يخفيها عنه، لكي يتممها ويحبها ويصير بلا لوم.
* إننا أجراء أو غرباء على الأرض، إذ نجد مدينتنا فوق، حيث ننال هنا العربون، وإذ نبلغ ذلك لا نرحل (عنها).
* أولئك الذين محادثتهم في السماء، فإنهم إذ يقطنون هنا بمهارة هم في الحقيقة غرباء.
المؤمن الحقيقي يرى في وصية الرب رفيقًا له في غربته، أشبه بصديقٍ حميمٍ يسنده في مواجهة الحياة. إنها مصدر تعزية له وسط الآلام، ومصدر لذة روحية، تحول وادي الدموع إلى حياة فردوسية مفرحة، لهذا لا يمارس الوصية عن إكراهٍ بل بلذة.
يقول المرتل:
"اشتاقت نفسي إلى اشتهاء أحكامك في كل حين" [20]
يقول القديس هيلاري أسقف بواتييه أن المرنم لم يجسر أن يقول بأنه يريد أحكام الله بل يشتاق أن يكون له نقاوة القلب مع الأعمال حتى يتقبل أحكام الله في كل حين.
سبق فطلب المرتل من الله أن يفتح وصاياه له لكي يتمتع بها، كما طلب أن يفتح عينيه الداخليتين لكي يدرك أسرارها ويتمتع بمعرفتها، الآن يطلب منه أن يفتح نفسه لكي تحمل أرادة نارية ملتهبة بالشوق نحو وصايا الرب. هكذا تصير الوصية مفتوحة والبصيرة مفتوحة والأعماق مفتوحة للتمتع بالوصية في لذةٍ روحية.
* أعني أن نفسي قد تمنت حفظ أحكامك، وأن تصنعها بشهوة لا بضجرٍ ومللٍ، وإنما بإرادة وموالاة دائمًا.
* لماذا لم يقل: "اشتاقت نفسي إلى أحكامك" بل "اشتاقت نفسي إلى اشتهاء"؟ أليس في استطاعتنا اشتهاء أحكام الله...؟
ليس في إمكانية الجميع اشتهاء أحكام الله في كل حين. فإن البعض لا يرتكبون الخطية في وقت ما ويرتكبونها في وقت آخر، هؤلاء عندما يشتهون الأحكام يشتهون المكافأة. أما الإنسان الكامل فهو القادر أن يشتهي الأحكام في كل حين.
* لا يقل "فرائضك" بل "أحكامك"، لنفهم أن أحكام الله تنجي بحنانه الإلهي. لذلك يرغب النبي في اشتهائها في كل حين، إذ لا يريد أن يتممها عن حزنٍ أو اضطرارٍ، وذلك مثل أولئك الذين يتممونها خوفًا من العقاب؛ بل أن يتممها عن حبٍ ورغبةٍ. بهذا يتحمل بمثابرة ليس فقط الأحكام المريحة بل والمتعبة، سالكًا بكل قوة في كل عملٍ صالحٍ.
* بكونه غريبًا على الأرض صلى ألا تُخفي عنه وصايا الله، حيث يتمتع بالحب كأمرٍ فريدٍ أو رئيسيٍ، الآن يُعلن أنه يشتهي أن يكون له الحب من أجل أحكامه. هذه الشهوة تستحق المديح لا الدينونة...
* هكذا هي محبة القديسين في كل الأزمنة، فإنهم لم يتوقفوا قط عن تقديم ذبيحة دائمة للرب بلا عائق، بل كانوا يعطشون على الدوام ويسألون الرب أن يشربوا كما ترنم داود قائلًا: "اشتاقت نفسي إلى اشتهاء أحكامك في كل حين" [20](44).
21 انْتَهَرْتَ الْمُتَكَبِّرِينَ الْمَلاَعِينَ الضَّالِّينَ عَنْ وَصَايَاكَ.
إن كانت الوصية تبعث لذة في النفس، فهي من جانب آخر تعطي قوة على الجهاد ضد خطط المتكبرين الذين حادوا على وصايا الرب، كما تعطي قوة للغلبة على روح الكبرياء الذي يحاربنا كي نحيد عنها.
"انتهرت المتكبرين،
ملاعين الذين حادوا عن وصاياك" [21].
انتهر الله الشيطان المتكبر وطرده من السماء، كما انتهر فرعون وشاول الملك ونبوخذنصر إلخ... فهو ينتهر المتكبرين ويقاومهم (يع6:4؛ 1بط5:5) ويبطل تعظمهم (إش11:13) ويشتتهم بفكر قلوبهم (لو51:1)، ويعطي نعمة للمتواضعين.
* لا يوجد عائق عن نوال أحكام الله، إلا عدم الرغبة فيها... فإن نورها واضح ومشرق.
* الكبرياء هو سبب الانحراف عن وصاياك يا رب. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لذلك انتهرت (يا رب) المتكبرين، بقولك في إرميا النبي إن الإسرائيليين في كبريائهم قالوا: انصرفنا ولا نعود إليك، ووضعت لعنات في شريعة موسى ليس فقط على الذين يخالفون وصاياك بل وأيضًا للذين يميلون عن استوائها المستقيم.
* يضل المتكبرون عن وصايا الله. فإن عدم إتمام وصايا الله عن ضعف أو جهل شيء، والضلال عن الوصايا خلال الكبرياء شيء آخر...
* متى لا يكون للشرير قوة في معركته معنا...؟
يحاربنا الشرير ليس فقط لكي نفعل الخطية بإصرار...، وإنما لكي نتكبر ونشعر أننا كاملون. لكن الله يقاوم المستكبرين ويعطي نعمة للمتواضعين (أم34:3؛ يع6:4ح 1بط5:5). لذلك كلما تتضع ترتفع وتجد رحمة عند الله (سيراخ18:3)...
من يحيد عن الوصية لا يتبعها ما دامت وصية الله مستقيمة. "ملاعين الذين حادوا عن وصاياك"، ليس فقط الذين لا يعملون بها، وإنما حتى الذين ينحرفون عنها ولو قليلًا.
مع كل ما يتمتع به المرتل من بركات في طريق غربته بسبب التصاقه بالوصية ينال اتضاعًا صادقًا لكن بغير خوف من الأشرار المتكبرين. ينال روح الوداعة الغالبة، وذلك كسيده الحمل المبذول من أجل البشرية والأسد الخارج من سبط يهوذا في مقاومته لإبليس وكل جنوده.
2 دَحْرِجْ عَنِّي الْعَارَ وَالإِهَانَةَ، لأَنِّي حَفِظْتُ شَهَادَاتِكَ.
"دحرج عني العار والخزي،
فإني لشهاداتك ابتغيت" [22].
أي عارٍ يريد المرتل من الله أن ينتزعه منه إلا عار الخطية، إذ يجلب الإثم إهانة حقيقية في عيني الله وخزي. فإن الخاطي المصرّ على خطيته يهين ابن الإنسان ويستحي منه، حاسبًا صليبه حرمانًا وعارًا وخزيًا، لهذا فإن ابن الإنسان أيضًا يستحي منه (لو26:9)، أما المؤمن التقي الحقيقي فيقول مع الرسول: "لست أستحي بإنجيل المسيح" (رو16:1)، كما يقول مع المرتل: "تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخزَ" (مز46:119). من أجل هذا يطلب المرتل أن ينزع الله عنه الخجل والعار لكي يشهد لإنجيله حتى أمام مقاوميه، بإيمانه الحق وتوبته الصادقة ونموه الروحي.
يرى المرتل أن الأشرار قد وضعوا عليه حجرًا ضخمًا، كأنهم حسبوه قبرًا يجب إغلاقه بحجر، وها هو يشعر بالعجز التام على دحرجة هذا الحجر، طالبا التدخل الإلهي.
* تستوجب الخطايا العار والخزي، ففي يوم الدينونة يقوم الخطاة إلى الخزي والعار الأبدي (دا 2:12)...
يوجد نوعان من العار: فمن جهة "اختار الله أدنياء العالم والمزدرى" (1كو 28:1)، ومن جهة أخرى: "فاعل الشر مرذول أمامه (الرب)" (مز4:15).
إني أبغض "الإهانة" التي يهينني بها البشر في جهل، فإنهم يهينون من يستحق الكرامة لا من يستحق الإهانة...
إنني أقول: "دحرج عني العار والخزي فإني لشهاداتك ابتغيت" [22]. لا تحسبني مستحقًا العار والخزي لأنني حفظت شهاداتك التي قيل عنها: "طوباهم الذين يحفظون شهاداتك" [2].
* إذ يوجد من يجلب على العار والخزي لأنني حفظت وصاياك، "دحرج" أيها الرب "عني العار" (الذي يجلبه على الأشرار).
كيف يُنزع هذا العار وهذا الخزي؟ عندما يأتون إلى معرفة الحق، هؤلاء الذين يهينونني ويعيرونني ويعتبرونني كلا شيء، فإنهم هم أيضًا سيحفظون وصاياك معي.
* في وقت الاضطهاد يغطيني الكفرة بالعار ويخزونني، حينئذ أطلب الحماية حتى يبطل العار الذي يوجهونه إليّ.
لعل طلبة المرتل هنا إنما تشير إلى دور الآب في قيامة السيد المسيح فقد دحرج الأشرار الحجر على قبر المخلص وطلبوا من بيلاطس حراسته وختمه حتى يطمئنوا أنه لن يقوم. حسبوا أنهم قد دحرجوا عليه عارًا وخزيًا مع أنه لم يرتكب شيئًا إنما اشتهي شهادات الآب، أي الشهادة لحبه الفائق نحو البشرية ببذل ذاته عنهم.
إذ دخل الشعب أرض الموعد أُقيمت الخيمة في "الجلجال" وتعني "دحرجة" وقال الرب ليشوع: "اليوم قد دحرجت عنكم عار مصر" يش9:5. هكذا ترافقنا الوصية حتى تخرج بنا من عبودية إبليس (فرعون مصر) وتدخل بنا في استحقاقات الدم إلى أرض الموعد، أي إلى الحياة الجديدة المقامة في المسيح يسوع.
يتطلع داود النبي إلى الكلمة الإلهي (الوصية) الذي يدحرج عنا العار، ولا يبالي بمؤامرات الأشرار الظاهرة والخفية التي تعمل على دحرجة العار عليه... إن الجلوس مع الكلمة الإلهي أعظم من الانشغال بمؤامرات الأشرار.
* تدعى الشهادات في اليونانية "مارتيريا" μαρτύρια، وتستخدم نفس الكلمة الآن في اللاتينية، حيث أن هؤلاء الذين من أجل شهادتهم للمسيح قد انسحقوا بآلام كثيرة، ويصارعون حتى الموت من أجل الحق، يدعون باليونانية شهداء Martyrs... لذلك عندما تسمعون هذا التعبير الذي صار شائعًا ومبهجًا لنحسب كلمات (المرتل) هنا كما لو كانت: "دحرج عني العار والخزي، لأني ابتغيت أن استشهد من أجلك". عندما ينطق جسد المسيح هكذا فهل يُحسب ذلك عقوبة عندما ينتهره الأشرار والمتكبرون ويجعلونه في خزي، إن كان بهذه الوسائل ينال الإكليل؟
اُنظروا فإن الاستشهاد باسم المسيح... ليس فقط عارًا بل هو زينة عظيمة، ليس فقط في عيني الرب بل حتى في أعين البشر: "كريم هو موت قديسيه". أُنظروا فإن شهداءه ليس فقط لا يُحتقرون بل ينالون كرامات عظيمة.
23 جَلَسَ أَيْضًا رُؤَسَاءُ، تَقَاوَلُوا عَلَيَّ. أَمَّا عَبْدُكَ فَيُنَاجِي بِفَرَائِضِكَ.
"جلس الرؤساء وتقاولوا على،
أما عبدك فكان يهتم بحقوقك" [23].
يرى البعض في جلوس الرؤساء هنا مطابقًا لما حدث قبل السبي البابلي حيث جلس النبلاء والمشيرون مع ملوك بابل وتحدثوا بالشر على اليهود لإثارتهم ضدهم(45).
إنها صورة واقعية تتكرر في كل الأجيال حيث يجلس العظماء للإثارة ضد الأتقياء بلا سبب حقيقي. إنها مقاومة للحق الإلهي نفسه في أشخاص الأتقياء.
لقد تحقق هذا مرة ومرات في حياة المرتل داود، فقد جلس شاول الملك وحوله مشيروه يتقاولون عليه ويخططون لقتله، وتكرر الأمر مع ابنه المتمرد أبشالوم ومعه مشيره أخيتوفل... ولم يكن داود قد أساء إليهم في شيء، إنما دحرجوا عليه العار والخزي لعلة واحدة هي عدم قدرتهم على قبول اهتمامه بحقوق الله.
في هذا كان داود النبي رمزًا للسيد المسيح الذي تقاول عليه الرؤساء أو القيادات الدينية مع المدنية ودحرجوا على قبره حجرًا ليبقى في خزيٍ وعارٍ، أما هو فكان يهتم بحقوق الآب، أي تحقيق عدالته وحبه لخلاصنا بتقديم ذاته ذبيحة!؟
ما تحقق في موت السيد المسيح ودفنه إنما يتم كل يوم في حياة الكنيسة التي هي جسده. لهذا يصرخ المؤمن طالبًا من الله أن يدحرج عنه حجر العار ليهبه الحياة المقامة في المسيح يسوع... لأن ما حلّ به من ضيق إنما هو من تخطيطات الأشرار ومشوراتهم.
* يحمل هذا النص معنى أعمق وهو أن رؤساء هذا العالم (1كو6:2) يسلطون أنظارهم على الأبرار، كما كُتب عن المسيح: "قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا، على الرب وعلى مسيحه" (مز2:2). نعم، هذا هو ما أستطيع أن أقوله أن رؤساء هذا العالم قد اجتمعوا، هؤلاء الذين لهم حكمة هذا الدهر (1كو6:2) يجلسون ويسلطون أعينهم على الأبرار كي ينصبوا لهم الشباك.
ليتكلم هؤلاء الرؤساء أيا كانوا، فإن البار لا يفعل شيئًا سوى التحدث بفرائض الرب؛ هذه الفرائض التي ينطق بها البار ليست كلمات بشرية!
* يعاتبونني تارة عن أخطاء ماضية عارضة وأخرى يهينونني إذ يحسبونني كلا شيء، كمن هو بلا أدنى اعتبار. لكنني أنا جالس على انفراد وتتجه روحي نحو الكلمات الإلهية... كانت فرائضك هي مشوراتي.
* تذكر أنه ليس بين أحكام الله ما هو أصعب وما هو مستحق بالأكثر الإعجاب من أن يلتزم الإنسان بمحبة أعدائه.
24 أَيْضًا شَهَادَاتُكَ هِيَ لَذَّتِي، أَهْلُ مَشُورَتِي.
"لأن شهاداتك هي درسي،
وحقوقك هي مشورتي" [24].
كأن المرتل يقول وإن كان الأشرار أصحاب السلطان الزمني قد اجتمعوا على ليدخلوا بي إلى قبر العار والخزي ويختموا عليه كي لا أقوم، إلا أنني لا أبالي بمشوراتهم ولا بتصرفاتهم، إذ انشغل بأمرٍ واحدٍ هو دراسة شهاداتك والتلذذ بوصاياك. فإن "شهاداتك هي درسي وحقوقك هي مشورتي" أو كما جاء في ترجمة أكيلا: "شهاداتك هي لذتي مثل أهل مشورتي" أو ترجمة سيماخوس: "لكن بالأكثر شهاداتك هي سبب سروري، كالإنسان القريب من قلبي". كأنه يقول: ليهاجمني كل الأشرار بكل فكرهم وقدراتهم ولتبقى وصيتك هي الصديق الأوحد القريب جدًا إلى قلبي، بل في داخلي، هي مصدر قوتي ونصرتي ولذتي وشبعي!
* يغتاب رؤساء هذا العالم عبيد الله ويتقاولون عليهم، أما هم فلا يبالون، بل يهتمون بدراسة حقوق الله، مواظبين عليها.
إذ أدرك المرتل أنه في أرض الغربة طلب من الرب:
1. أن يحسبه ولو كأجيرٍ ليهبه أجرة فيعيش، إذ أوشك أن يموت جوعًا بين الخنازير، وقد وعده ألا يعود بعد إلى عصيان وصيته [17].
2. لا يكفيه في غربته أن يعيش وإنما يحتاج إلى استنارة [18]، فيعاين عجائب الله، فإنه ماذا ينتفع بكنوز ثمينة وثروات طائلة وهو لا يقدر على معاينة ما هو حوله أو ما في داخله؟!
3. تكشف الوصية للمؤمن عن حقيقة موقفه أنه غريب على الأرض [19]، وتذكره بهذا التغرب حتى يطلب المواطنة في السماء، وترافقه في غربته فلا يشعر بالعزلة، وتسنده في طريقه، وترفعه إلى السماء! إنها رفيق عجيب يدخل أعماق القلب ليلازمه كل الطريق بلا توقف، يلهبه بالشوق نحو المجد الأبدي [20]
4. تهب الوصية الغريب شبعًا داخليًا وسندًا في جهاده، كما تعطيه قوة على مقاومة الشر دون تخوف من الأشرار المتكبرين. تهبه روح الوداعة فيصير كسيده الحمل الوديع المبذول لأجل الآخرين وأيضًا كأسدٍ يقاوم الشر ويحطمه [21].
5. ترافقنا الوصية في غربتنا حتى تدخل بنا كما إلى الجلجال (دحرجة)، إلى أرض الموعد، أو إلى الحياة الجديدة، فتدحرج عنا عار الخطية.
6. التصاقه بالوصية في أرض غربته تشغله عن مؤامرات الأشرار الذين يبذلون كل الجهد ليدحرجوا عليه العار والخزي [23].
7. عوض مقابلة مؤامرات الأشرار وخططهم بالمؤامرات ينشغل المرتل بدراسة كلمة الله وطلب المشورة الإلهية [24].
* في غربتي كثيرًا ما أتحسس أعماقي فلا أجد حياة.
هب لي وصيتك، فأتمتع بحياتك في داخلي.
أتمتع بالعمر الحقيقي، إذ تختفي أنت في أعماقي.
* وصيتك تهبني حدة النظر،
لا نظر البصيرة الخارجية، بل بصيرة القلب،
وأسراره مُعلنه في داخلي،
فأرى مخلصي متجليًا في أعماقي، والسماء ليست ببعيدة عني.
تنزع عني برقع الحرف فأرى ملكوتك بقوة الروح.
لتفتح عن عينيَّ فأتمتع برؤية أسرارك!
لتفتح أمامي حجرات كتابك المقدس، فأدخل واستريح واستقر فيه.
هناك أَنعمُ بك في حجالك أيها العريس السماوي!
لتفتح نفسي بالحب ،فتشتهي وصيتك على الدوام، وترتفع إلى سمواتك!
* غريب أنا على الأرض،
وصيتك هي رفيقي ومعزيَّ وقائدي.
تكشف لي عن مواطنتي السماوية فأنهض مسرعًا نحوها.
* وصيتك غريبة عن المتكبرين،
هب لي الاتضاع فالتصق بها في غربتي،
ولا أسقط في اللعنة مع الحائدين عنها.
* يعيرني المتكبرون ويتهمونني بالخزي،
لأقبل العار والخزي من أجل وصيتك،
ولا أسقط تحت عار الانحراف عنها،
ولا يليق بي خزي الكاسرين لها،
وضع الأشرار حجرًا ضخمًا عليَّ كما على فم قبرٍ.
دحرج هذا العار عني،
وأعلن قوة قيامتك وبهجتها فيّ!
اكشف لهم عن الحق، فيعرفون وصيتك!
عوض إهانتي يكرمونك فيَّ أيها الفائق في مجده!
* ليقف المتكبرون ضدي من أجل شهاداتك،
فإنني أشتهي أن استشهد من أجلك.
تتحول مضايقاتهم لي إلى أكليل مجد أشتهيه!
وتصير تعييرات الأشرار لك عند الصليب خلاصًا لنا،
فهب لنا أن تحول تعييراتهم لنا إلى تمجيد لك فينا!
وصيتك هي مجدي في غربتي حتى في وسط ضيقتي!
_____
(36) Of the Holy Spirit, Book 2:4:29.
(37) Letter 53:4.
(38) Against Pelagions. Book 1,14.
(39) Letter 108:9.
(40) Comm on Luke, hom. 53.
(41) Dial. With Heraclides, 156.
(42) Canfessions, 10:70.
(43) Hom 76 on Mark 1:13 etc.
(44) Pashal Letters 20:2.
(45) Bethany Parallel Commentary on the O.T. (Adam Clarke), p. 1157.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 119 (قطعة 4) |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 119 (قطعة 2) |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/s3f5fwc