← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13
هذا المزمور هو مرثاة شخصية، صلاة مقدمة لله من أجل الخلاص من الضيقة، في اتكال كامل على الله الذي ينقذ مؤمنيه من الأعداء.
لما كان الأعداء في العهد القديم يشيرون إلى إبليس وجنوده، فإن المرتل يرى في أعدائه سمة الظلم بعنفٍ مع غدرٍ، ينصبون له الفخاخ.
يؤمن المرتل أن الشر يرتد على الشرير، بينما يسند الله المظلومين الأبرياء.
لن يتوقف عدو الخير عن محاربة من يريدون أن يتمموا مشيئة الله، دون استثناء. وتزداد ضراوته بالأكثر ضد القادة الحقيقيين، خاصة الرعاة والكارزين.
1. سلاحا العدو: يصوّب عدو الخير سلاحين خطيرين هما اللسان الغاش [1-3] والفخاخ المخفية [4-5].
2. أسلحة الله: يليق بنا أن نواجه هذا العدو بأسلحة إلهية، وهي الصلاة [6-11]، والتمسك بوعود الله [12]، وممارسة التسبيح [13].
وضع داود النبي هذا المزمور بخصوص شاول الذي كان يذعن إلى وشاية المفسدين ضد داود.
*أعتقد أنكم أدركتم ما يحويه هذا المزمور حينما رُتل به. فيه نجد الكنيسة وقد وُضعت في وسط الأشرار، تشتكي وتتنهد وتسكب صلاة لله. فإن صوتها في كل نبوة هو صوت من هو محتاج وفي عوزٍ، ومع هذا لم تشبع، بل جائعة وعطشى إلى البرّ (مت 5: 6). هذه التي إلى ملءٍ معين تتمتع به في النهاية حسب الوعد، وهو محفوظ لها [1].
1 -3. |
||
4 -5. |
||
6 -7. |
||
8 -13. |
||
من وحي المزمور 140 |
لإِمَامِ الْمُغَنِّينَ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "في الانقضاء (النهاية) لداود".
يعلق القديس أغسطينوس على هذا العنوان قائلًا:
* إلى النهاية: ليس من نهاية تطلبها سوى تلك التي يقدمها لنا الرسول: "غاية الناموس هي المسيح" (رو 10: 4).
إن السيد المسيح هو من نسل داود، ليس حسب اللاهوت الذي به هو خالق داود، وإنما حسب الجسد. فالمزمور مقدم إلى ابن داود نفسه؛ إنه صوت جسده، أي الكنيسة.
1 أَنْقِذْنِي يَا رَبُّ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ. مِنْ رَجُلِ الظُّلْمِ احْفَظْنِي. 2 الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ بِشُرُورٍ فِي قُلُوبِهِمْ. الْيَوْمَ كُلَّهُ يَجْتَمِعُونَ لِلْقِتَالِ. 3 سَنُّوا أَلْسِنَتَهُمْ كَحَيَّةٍ. حُمَةُ الأُفْعُوَانِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. سِلاَهْ.
أَنْقِذْنِي يَا رَبُّ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ.
مِنْ رَجُلِ الظُّلْمِ احْفَظْنِي [1].
يبدأ المرتل المزمور بتقديم صلاة لله كي ينقذه من افتراءات الأشرار وتشويههم سمعته، ومن الظالمين الذين يضعون خططًا مرعبة ضده.
لن يكف إبليس عن مقاومة المؤمنين بكل وسيلة، فهو العدو الحقيقي لله نفسه في أشخاص مؤمنيه.
في كل جيل يوجد "رجل الظلم" المقاوم للحق الإلهي، خاصة في نهاية الأيام، حيث يظهر إنسان الخطية (2 تس 2).
أما سرّ نصرة الكنيسة فهو الصلاة لله القادر وحده أن يحصن كنيسته ويحفظها، ويسند المؤمنين في ضيقاتهم.
يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي متى وُصف الإنسان أنه شرير، فإن كلمة "شرير" في اليونانية ترجمتها متألم. فالشر يورث صاحبه ألمًا وشقاءً. عندما قتل قايين أخاه، أرسل أخاه مكللًا بالمجد إلى حياة بلا فساد، أما هو فصارت حياته مملوءة شقاءً. وأيضًا إخوة يوسف، إذ صنعوا بأخيهم شرًا وخانوه، امتلأت حياتهم بالوساوس.
مع التزامنا الحرص من الأشرار، غير أن الأشرار في الحقيقة يصوبون رماح شرورهم ضد أنفسهم.
يرى القديس أغسطينوس أن المرتل بعد أن تحدث عن الخلاص من الإنسان الشرير، تحدث عن الظالم، لأن الشرير ظالم دومًا حتى لمن يدخل معه في صداقة عميقةٍ.
حقًا يطلب منا الكتاب المقدس ألا ندين الذين في الخارج، بل الذين في الداخل، وهو لم يعزلنا عن غير المؤمنين، بل ويطلب منا أن نحبهم، لكن الصداقة التي تنزع الحدود اللائقة تسبب ضررًا للنفس.
لعل القديس أغسطينوس يخشى على شعبه من العشرة دون ضوابط مع الهراطقة، فيؤثرون بأفكارهم على الأبناء، وينحرفون بهم عن الحق الإنجيلي. أحيانًا بالكلمات التي تبدو رقيقة يحطمون الإيمان المستقيم، ويبثون الأفكار المسمومة في النفوس.
* "أنقذني يا رب من إنسان شرير". ليس من شخصٍ واحدٍ فقط بل من الصنف كله (الأشرار). ليس من الأواني فقط، وإنما من رئيسهم نفسه، أي من الشيطان. لماذا من إنسانٍ إن كان يعني الشيطان؟ لأنه دُعي أيضًا إنسانًا في رمزٍ (مت 13: 24-28)...
الآن إذ صرنا نورًا ضد الظلمة فقط، أي ضد الخطاة، هؤلاء الذين لا يزال الشيطان يقتنيهم، وإنما ضد رئيسهم، الشيطان نفسه، الذي يعمل في أبناء المعصية.
"ومن رجلٍ ظالمٍ أحفظني" هو نفسه مثل الإنسان الشرير، إذ يدعوه شريرًا لأنه غير بارٍ، لئلا تظن أن أي إنسان غير بار يمكن أن يكون صالحًا. إذ يبدو كثير من غير الأبرار أنهم غير مؤذين، وليسوا عنفاء، ولا شرسين، لا يضطهدون ولا يضايقون، إنما هم غير أبرار، لأنهم يمارسون عادات أخرى معينة، يعيشون في ترفٍ، يسكرون، ويتنعمون...
الشرير هو كل إنسان غير بارٍ، وهو مؤذٍ، سواء كان لطيفًا أو شرسًا. من يسقط في طريقه، ويؤخذ بشباكه، فهو مؤذٍ، هذا الذي يبدو بلا أذية [2].
*نقول: "نجني يا رب من إنسانٍ شرير، ومن رجلٍ ظالم أنقذني". لأن ربنا له المجد أمرنا بذلك، قائلًا: "صلوا لئلا تدخلوا في تجربة".
يلزمنا ألا نعبر إليها باختيارنا، لكن إن حلت بنا نحتملها بشجاعة. ونلتمس المعونة من الله، مقربين له من جانبنا ما يرضيه من الأعمال الصالحة، لأن شرهم غير ظاهر.
*تأمل أيها المسيحي، إنه لم يطلب من الله النجاة من الوحوش والسباع والأفاعي والعقارب، بل يسأله الخلاص من الإنسان الشرير. لأن هؤلاء السابق ذكرهم قد نشأوا حسب طبيعتهم، أما الإنسان فيظهر بخلاف طبيعته، فيصعب الاحتراس منه.
*ليس شيء مضرًا للكائن البشري سوى الخطية، من يتخلص منها يجعل كل شيءٍ بلا متاعب، كل شيءٍ سهلًا ومملوء سلامًا. كما أنه بوجودها يصير كل شيء منحدرًا مثيرًا للعواصف ومُحطمًا.
الآن ليته لا يديننا أحد على قولنا إن الإنسان المتمسك بالرذيلة أكثر وحشية من الحيوان المفترس. أقصد أن الأخير إن كان غير لطيف بالطبيعة يمكن خداعه بسهولة، وما تراه فيه يليق به. أما الإنسان الذي يعتزم على الشر، فيتبنى مظاهر كثيرة، والتخلص من أذيته أصعب كثيرًا مما يصدر عن الحيوان، فإنه ذئب في زي حمل. ولهذا كثيرون يصيرون ضحية لمثل هؤلاء وهم لا يدرون. مثل هؤلاء يصعب اكتشافهم، لهذا يتجه النبي إلى الصلاة، ويطلب العون من الله، لكي يتحرر من خداعاتهم.
في الواقع كثيرًا ما يستخدم الشيطان مظاهر مثل هؤلاء الناس، ويضرب بهم.
لهذا فإن المكر له نتائج كثيرة من كل جانبٍ، والإنسان الشرير ينشغل به، والشيطان المتوحش توَّاق للقتال، والتجربة غير المحتملة تسبب متاعب. لهذا تعلمنا أن نصلي: "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير".
متنوعة هي الصراعات، وكثيرة هي طرق الهجوم، لهذا فالحاجة ماسة إلى الاستعداد لهذا كله. وذلك كمن قصد الإبحار في المحيط، يلزمه الحذر من قوة الأمواج العاصفة، ومن هجوم الرياح القاسية، وضخامة السحب، والصخور المخفية، والعقبات الخطيرة، وهجوم المخلوقات البحرية، وكمائن القراصنة، والتعرض للجوع والعطش، والمد والجزر، وعدم وجود مرساة للحماية والنزاع بين البحارة، ونقص المئونة، وما شبه ذلك.
يتطلب هذا تبني خطط خفية ضد هذا كله. هكذا لكي يواجه الإنسان شدائد الحياة الحاضرة، يلزمه أن يكون حذرًا ضد شهوات الجسد، وقلق النفس، وخداعات الناس، وهجوم الأعداء، وخطط الأصدقاء الكذبة والعوز والآلام والإهانات وحشد الشياطين وجنون إبليس، حتى يبلغ الإنسان إلى المدينة الملوكية ويدخل بالحمولة إلى الميناء [3].
*ليس من طريق ينجح فيه إبليس مثلما أن يخدعنا خلال البشر. يصلي النبي للخلاص من غدرٍ من هذا النوع [4].
الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ بِشُرُورٍ فِي قُلُوبِهِمْ.
الْيَوْمَ كُلَّهُ يَجْتَمِعُونَ لِلْقِتَالِ [2].
يئن المرتل من الأشرار، لأنهم يقاومون بلا سبب سوى أنهم يجدون سعادتهم في الدخول في معارك مهلكة.
يصرخ المرتل إلى الله، لأن الأشرار يخفون شرورهم في قلوبهم، فما يظهرون به غير ما يبطنون. قلوبهم مملوءة بالشر حتى إن كانت لهم صورة الوداعة واللطف. هذا من جانب، وأما الجانب الآخر، فإنهم يجتمعون اليوم كله للقتال، ويقصد باليوم كله، حياتهم كلها. ينتهزون كل فرصة لممارسة القتال العنيف. عوض القتال ضد إبليس والخطية يمارسون العنف ضد بعضهم البعض.
*من السهل تجنب الأعداء الظاهرين. من السهل الابتعاد عن العدو الصريح والظاهر، عندما يكون الظلم على شفتيه كما في قلبه، لكن العدو الذي يسبب قلاقل، خفي، يصعب تجنبه ذاك الذي يقدم أمورًا صالحة بشفتيه، بينما يخفي شرورًا في قلبه [5].
*إنهم يغتالون بفكرهم، ويتخيلون الشرور في قلوبهم. والنهار كله يستعدون للقتال، أي طول مدة عمرهم.
سَنُّوا أَلْسِنَتَهُمْ كَحَيَّةٍ.
حُمَةُ الأُفْعُوانِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. سِلاَهْ [3].
عمل الأشرار الأول هو أن يسنوا ألسنتهم لتكون حادة وقاتلة كالسيوف. تخرج كلماتهم كالسم القاتل.
يعلق القديس جيروم على هذه العبارة بقوله: "إنه يحذرنا من الهراطقة".
* "حُمة الأفعوان تحت شفاههم"، فإن كلماتهم تحمل ودًا على السطح بما فيه الكفاية، وهي مملوءة سمًا قاتلًا [6].
*إن كنتم تريدون أن تعرفوا هذا الرجل (الشرير)، لاحظوا مقارنته (بالحية). فالحية دون سائر الوحوش يوجد فيها مكر وخداع للأذية، لذا فهي تزحف. ليس لها أقدام حتى يمكن أن يُسمع صوت مشيها عندما تأتي. في سيرها تزحف بنفسها كما تبدو بلطفٍ، ولكن بدون استقامة. هكذا إذن أولئك الذين يزحفون ويتقدمون ببطءٍ للأذية، يحملون السم مخفيًا تحت لمسات لطيفة. لذلك يكمل: "سم الأفاعي تحت شفاههم" [7].
*هل ترون خسة الخطية؟ إنها تحول الناس إلى وحوشٍ مفترسة وحيات وأفاعي، وتحول لسان العقل إلى وحشية مرعبة [8].
*تعلموا من هذه الحيوانات وما أشبهها لكي تبلغوا الفضيلة، وتتجنبوا الرذيلة بما يضادهم.
فكما أن النحلة تتبع الصلاح، فالأفعى مهلكة. لذلك تجنبوا الشر، حتى لا تسمعوا: "سُم الأفعوان تحت شفاههم"...
مرة أخرى الثعلب ماكر ومخادع. لا تقتدوا به، بل بالنحلة التي تطير في المروج ولا تختار أية زهرة، إنما الزهرة النافعة وتترك الباقي. هكذا افعلوا أنتم أيضًا، وبينما تبحثون في كل جنس الحيوانات غير العاقلة، فإن وجدتم ما هو نافع منها اقبلوها، وانتفعوا منها طبيعيًا، ومارسوا عملكم بحرية اختياركم [9].
*لدغة الحية تقتل الجسم بسمها، وأيضًا الكلمة المسمومة تقتل النفس بخداعها. هذا يمكن أن ينطبق على كل من يحيطون الآخرين بملاحظات فيها قذف بالآخرين، وأيضًا الذين يلطخون تعليمهم الهرطوقي بسم إبليس، يخدعون نفوس البسطاء [10].
*قتالهم أشد من الحروب التي تندلع بآلات الحرب، لأن تلك الحروب تتعاقب مشتبكة في محرابٍ واحدٍ. وأما هؤلاء الأشرار فألسنتهم الناطقة الموهوبة لهم من الله لكي تكون آلات تمجده، قد جعلوها تلدغ مثل الحية، وتسمم القلوب بوشايتها وبهتانها وشتائمها وتجديفها.
هذا القتال يحدث في كل موضع: في البيوت والأسواق...
يخفون حيلهم مثل فخاخٍ وحبائل وأشراكٍ، ينصبونها في مسيرة الناس معاثر ومناخس تجلب الهلاك. إذًا لا يقدر أحد على نجاتنا منهم سوى الله!
*لأن الهراطقة، الذين هم أنجس من كل شيءٍ قد سنوا ألسنتهم (مز 140: 3) ضد الروح القدس أيضًا، إذ تجاسروا ونطقوا بأشياء مملوءة نفاقًا كما كتب إيريناؤس المفسر في توصياته ضد الهراطقة. تجاسر البعض فادعوا أنهم هم أنفسهم الروح القدس. من هؤلاء سيمون الساحر المذكور في سفر الأعمال، لأنه حين طُرد أخذ ينادي بهذه التعاليم [11].
4 احْفَظْنِي يَا رَبُّ مِنْ يَدَيِ الشِّرِّيرِ. مِنْ رَجُلِ الظُّلْمِ أَنْقِذْنِي. الَّذِينَ تَفَكَّرُوا فِي تَعْثِيرِ خُطُوَاتِي. 5 أَخْفَى لِي الْمُسْتَكْبِرُونَ فَخًّا وَحِبَالًا. مَدُّوا شَبَكَةً بِجَانِبِ الطَّرِيقِ. وَضَعُوا لِي أَشْرَاكًا. سِلاَهْ.
احْفَظْنِي يَا رَبُّ مِنْ يَدَيِ الشِّرِّيرِ.
منْ رَجُلِ الظُّلْمِ أَنْقِذْنِي.
الَّذِينَ تَفَكَّرُوا فِي تَعْثِيرِ خُطُواتِي [4].
كثيرًا ما تحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن خطورة الأشرار، قائلًا بأن عدو الخير إبليس يرى أن أفضل وسيلة لمقاومة الصديقين هي استخدام الأشرار. لكن في نفس الوقت فإن ما يصيب الشرير نفسه بخداعه للصديقين أخطر مما يحل بالصديقين. ما يمارسه الشرير من شرور، يملأ الكأس التي يشرب هو منها.
*ليس شيء مقاوم للبرّ مثل أولئك الذين يمارسون الشر، الذين يخطئون إلى نفوسهم قبل أن يخطئوا إلى الآخرين [12].
*هنا يلزمنا أن نصلي، لا أن نسأل من هم. ولكن كيف يمكنكم أن تصلوا ضد مثل هؤلاء الناس، هذا يُظهره فيما يلي. لأن كثيرين يصلون بطريقة غير بارعة ضد الأشرار.
"الذين تفكروا في تعثير (عرقلة) خطواتي". لا يمكن فهم هذا بطريقة جسدانية... إنه يعرقل خطواتك إن عاقك عن طريق الله، حتى يعثرك وأنت تتجه مباشرة في الطريق المستقيم، أو يجعلك تسقط من الطريق، أو تسقط في الطريق، أو يسحبك من الطريق، أو يجعلك تقف في الطريق، أو ترجع إلى حيث كنت...
ما يحدث لك من هذا إنما هو أعاقة لك وخداع.
يلزمك أن تصلي ضد هذا، حتى لا تفقد الميراث السماوي، لئلا تفقد المسيح إذ أنت شريكه في الميراث، فقد وُضع لك أن تعيش معه إلى الأبد، ذاك الذي جعلك وارثًا. فإنك صرت وارثًا ليس لمن تخلفه بعد موته، إنما ذاك الذي تحيا معه إلى الأبد [13].
أَخْفَى لِي الْمُسْتَكْبِرُونَ فَخًّا وَحِبَالًا.
مَدُّوا شَبَكَةً،
بِجَانِبِ الطَّرِيقِ وَضَعُوا لِي أَشْرَاكًا. سِلاَهْ [5].
لا يتوقف عدو الخير عن نصب شباك وفخاخ خفية ليصطاد الأبرياء. إنه يدَّرب عبيده العاملين لحسابه لكي يكونوا مهرة وخبراء في نصب فخاخه. يستخدمون كل وسيلة لوضع إغراءات تجتذبهم، فيسقطون في شبكة إبليس.
يطلب المرتل من الله أن يحفظه من السقوط، ويحميه بروح التمييز والحكمة والقوة، فإنه لا خلاص له إلا بعمله الإلهي.
*إنه يصف باختصار كل جسم الشيطان، بقوله: "المستكبرون". هذا لأن غالبيتهم يدعون أنفسهم أبرارًا وهم أشرار. ليس شيء خطير عليهم مثل عدم اعترافهم أنهم خطاة. إنهم أناس أبرار زائفون يحسدون الأبرار الحقيقيين... هذا ما أراده الشيطان أولًا، فإنه إذ سقط بنفسه حسد الإنسان القائم...
ما هي الحبال؟ يقول الكتاب: كل واحدٍ "بحبال خطيته يُمسك" (أم 5: 22). ويقول إشعياء بصراحة: "ويل للجاذبين الإثم بحبلٍ طويلٍ" (راجع إش 5: 18). ولماذا دعيت حبلًا؟ لأن كل خاطي يُحفظ في خطاياه، يضيف خطية إلى خطية، وإذ يلزم أن يُتهم بخطاياه لأجل إصلاحه، إذ يدافع عن نفسه يضاعف خطاياه التي كان يلزم إزالتها بالاعتراف. وغالبًا ما يقوي نفسه بارتكاب خطايا أخرى بجانب الخطايا التي بالفعل ارتكبها... هؤلاء يبسطون خطاياهم للأبرار لكي يحثوهم أن يمارسوا الشر الذي يمارسونه هم...
"بجانب الطرق وضعوا لي أشراكًا"، ليس في الطرق بل بجانبها. الطرق هي وصايا الله. هم يضعون العثرات بجانب الطرق. ليتكم لا تنسحبوا من الطرق، وبهذا لا تندفعون وتسقطون بالعثرات [14].
*إنه يمد شبكته ليس للأقرباء وحدهم، ولا للأصدقاء، ولا لزوجته وإنما يمدها حتى لشخصه هو نفسه! [15]
* "بجانب الطريق وضعوا لي أشراكًا". إنهم يحاولون أن ينصبوا فخًا لي في الكتاب المقدس، بتقديم برهان ظاهري أكثر من الحقيقي [16].
* "مطمورة في الأرض فخاخهم، وحبالهم كلها في السبيل" (أي 18: 10) LXX. هذه حقيقة، فإن الشيطان يُخفي الشباك في الأرض بطريقة بها يستخدم الذين ينخدعون، أي الذين يعيشون حسب حكمة العالم (1 كو 2:6؛ 3: 9)، وحسب شهوات الناس (1 بط 4: 2؛ 2 بط 1: 4). يضع (الشيطان) الواشي الذين حوله على السبيل، أي بكل سبل البشر. فإنه يريد أن يصطادهم ويأسرهم بكل الطرق. يصطاد البار بالبرّ الذاتي، والخاطي بجشعه. يتغنى داود متنبأ: "بسطوا حبالهم شباكًا لقدمي، وضعوا عثرة لي بالقرب من السبيل" (مز 140: 5).
*كيف يمكن لإنسان أن يقول إنه في مأمن من هؤلاء الأعداء؟
لقد بدأت أتكلم عن هذا، ولكنني أظن أنه ينبغي أن أعالج موضوع هؤلاء الأعداء في شيء من الإيجاز. الآن قد عرفنا الأعداء دعنا نبحث عن طريقة دفاعنا ضدهم "أدعو الرب الحميد، فأتخلص من أعدائي (مز 18: 3). لقد رأيت ما ينبغي أن تفعله أدعُ بحمد، أي أن تدعو الرب بحمدٍ، لأنك لا تكون في مأمن من أعدائك إن مدحت ذاتك.
"أدعو الرب الحميد، فأتخلص من أعدائي". لأنه ماذا يقول الرب ذاته؟ "ذابح الحمد يمجدني، والمقوم طريقه أريه خلاص الله" (مز 50: 23).
أين هو الطريق؟ في ذبيحة الحمد. لا تدع أرجلك تحيد عن هذا الطريق. كن فيه ولا تبتعد عنه، لا تبتعد عن مدح الرب خطوة ولا قيد أنملة، لأنك إن حدت عن الطريق، ومدحت ذاتك بدلا من أن تمدح الرب، لا تنجو من أعدائك. فقد قيل عنهم: "مّدوا شبكة بجانب الطريق" (مز140: 5). لهذا إن ظننت أن لك صلاحًا في ذاتك، ولو إلى أدنى درجة، تكون قد حدت عن طريق مدح الله. عندما تضلل ذاتك لماذا تتعجب إن ضللك عدوك؟ استمع إلى الرسول: "لأنه إن ظن أحد أنه شيء، وهو ليس شيئًا فانه يغش نفسه" (غل 6: 3) [17].
*كأنه يقول: بأي طريق تذهبون؟ "أنا هو الطريق".
إلى أين تذهبون؟ "أنا هو الحق".
أين ستقطنون؟ "أنا هو الحياة".
لنسر إذن في الطريق بكل يقينٍ، لكننا نخشى الشباك المنصوبة على جانب الطريق. لا يجرؤ العدو أن ينصب شباكه في الطريق، لأن المسيح هو الطريق، لكن بالتأكيد لن يكف عن أن يفعل هذا في الطريق الجانبي.
لهذا أيضًا قيل في المزمور: "وضعوا لي عثرات في الطريق الجانبي" (مز 140: 5) LXX. وجاء في سفر آخر: "تذكر أنك تسير في وسط الفخاخ" (ابن سيراخ 9: 13). هذه الفخاخ التي نسير في وسطها، ليست في الطريق، وإنما في الطريق الجانبي.
ماذا يخيفك؟ سرْ في الطريق!
لتخف إذن إن كنت قد تركت الطريق. فإنه لهذا سُمح للعدو أن يضع الفخاخ في الطريق الجانبي، لئلاَّ خلال أمان الكبرياء تنسى الطريق، وتسقط في الفخاخ...
المسيح المتواضع هو الطريق، المسيح هو الحق والحياة، المسيح هو الله العلي الممجد. إن سلكت في المتواضع (المسيح) تبلغ المجد.
إن كنت ضعيفًا كما أنت الآن، لا تستخف بالمتواضع، فإنك تثبت بقوة عظيمة في المجد [18].
* عندما تتَّهم نفسك لا يجد العدو فرصة يحتال بها ضدَّك أمام القاضي. فإن كنت تتَّهم نفسك، والرب هو مخلِّصك، فماذا يكون العدو سوى مجرَّد محتال؟!
بهذه يستطيع المسيحي أن يحصِّن نفسه ضد أعدائه غير المنظورين (إبليس وجنوده). فبكونهم أعداء غير منظورين ينبغي مقاومتهم بطرقٍ غير منظورة.
لقد قيل عنهم: "مدُّوا شبكة بجانب الطريق" (مز 140: 5). فإن ظننت أنك بذاتك صلاح ولو إلى أدنى درجة، تكون بذلك قد انحرفت عن طريق تمجيد الله. وإذ تُضلل نفسك، كيف تتعجَّب إن ضلَّلك العدو؟! استمع إلى قول الرسول: "لأنه إن ظن أحد أنه شيء، وهو ليس شيئًا، فإنَّه يغش نفسه" (راجع غل 6: 3).
* أبصر أنبا أنطونيوس فخاخ الشياطين مبسوطةً على الأرض كلها، فتنهَّد وقال: "يا رب مَنْ يفلت من كل هذه؟" فجاءه صوتٌ من السماء قائلًا: "المتواضعون يفلتون منها."
سأل الإخوة شيخًا بخصوص القول السابق، قائلين: "كيف رأى هذا القديس فخاخ الشيطان، هل بطريقة محسوسة أم معقولة؟ ومَنْ هم الذين قالوا له إنّ التواضع يخلِّص منها؟"
فأجاب الشيخ: "لقد رأى القديس أنبا مقار ما يشبه ذلك في البرية الداخلية من الإسقيط، فقد رأى شبه رجلين، الواحد عليه ثوبٌ مثقّبٌ وفيه أشياء ملونة والآخر يلبس ثوبًا باليًا مشبّكة به قوارير كثيرة، وكل واحدٍ منهما له أجنحةٌ كشبه غطاءٍ ملفوفٍ فيها، إلاّ أنه رأى ذلك بعين الجسد. أما القديس أنطونيوس فرأى بعين العقل جميع فخاخ الشيطان التي ينصبها للمتوحدين في كل حينٍ، ويكبِّلهم ويعوِّقهم عن السعي في طريق الفضيلة، كما هو مكتوب: "في طريقي نصبوا لي فخاخًا، وحبالًا شبكوها في مسالكي" (مز 140: 5). فلما رآها منصوبةً كشبه الفخاخ التي ينصبها الصيادون للوحوش تعجّب واحتار من كثرتها، ومن أنّ الذين يسقطون فيها لا يخلصون، وهي مثل فخّ الشره وامتلاء البطن، وفخّ محبة الفضة، ومحبة الزنا، والمجد الباطل والكبرياء... وبقية الأوجاع التي أظهرتها له الملائكة. كما أظهروا له جميع الحيل والخداعات التي يُخفون بها فخاخهم، ويقيِّدون الإخوة بها."
بستان الرهبان
6 قُلْتُ لِلرَّبِّ: «أَنْتَ إِلهِي». أَصْغِ يَا رَبُّ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي. 7 يَا رَبُّ السَّيِّدُ، قُوَّةَ خَلاَصِي، ظَلَّلْتَ رَأْسِي فِي يَوْمِ الْقِتَالِ.
قُلْتُ لِلرَّبِّ: أَنْتَ إِلَهِي.
أَصْغِ يَا رَبُّ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي [6].
يبدأ طريق الخلاص بالاقتراب من الله بكونه إلهي الشخصي، الذي ينصت إلى تضرعاتي. بدالة أقدم تضرعاتي إليه.
*ما هو العلاج وسط مثل هذه الشرور، في مثل هذه التجارب والمخاطر؟ "قلت للرب أنت إلهي". عالٍ هو صوت الصلاة، إنها تبعث الثقة. أليس هو إله الآخرين؟ .... إنه خاص بمن يتمتعون به ويخدمونه ويخضعون له بإرادتهم. لأن الأشرار أيضًا يخضعون له، بغير إرادتهم.
"أصغ (بأذنيك) إلى صوت تضرعي"... صوت صلاتي هو حياة صلاتي، نفس soul صلاتي، ليس صوت الكلمات، بل الصوت الذي يعطي حياة لكلماتي [19].
* "قلت للرب: أنت إلهي" هذه كلمات يحق للقديس وحده أن يقولها، ذاك الذي ليس للخطية سلطان عليه، الإنسان الذي يحمل شهادة "نصيبي هو الرب" (مرا 3: 24) [20].
*بعد أن أشار إلى القتال والخطط، وأظهر الكوارث التي لا يُنطق بها، وجد ملجأ في العون الذي لا يُقاوم، بطلبه العون من السماء، القادر أن يزيل هذه الأمور. هذا هو البرهان على الروح السامية، هذا تفكير سليم، وهو ألا يلجأ الإنسان إلى عونٍ بشريٍ عندما تحل هذه المتاعب من كل جانب، أو وجود خطط مُهلكة، وإنما يتطلع إلى السماء، ويدعو الله الحاضر في كل مكان، ولا ينهار قلبه أو يسقط ضحية الرعب أو الذعر [21].
يَا رَبُّ السَّيِّدُ قُوَّةَ خَلاَصِي،
ظَلَّلْتَ رَأْسِي فِي يَوْمِ الْقِتَالِ [7].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "يا رب يا رب، قوة خلاصي".
خلال هذه الدالة أدرك أن الله هو قوة خلاصي. لست أتكل على قدراتي وإمكانياتي وخبرتي البشرية، إنما على القدير المشغول بخلاصي. إنه يحوط حولي، ويصير خوذة تحمي إيماني وتفكيري. يحفظني من سهام أفكار العدو وحيِّله المهلكة.
*"يا رب يا رب، قوة خلاصي"، بمعنى يا من تعطي قوة لصحتي.
ما هو معنى قوة صحتي؟ لقد اشتكى من عثرات الخطاة وشباكهم، من الناس الأشرار، من أواني الشيطان، هؤلاء الذين كانوا ينبحون حوله، وينصبون الشباك حوله، هؤلاء المتكبرون الذين يحسدون الأبرار. لكنه في الحال يضيف راحة: "من يصبر إلى المنتهى يخلص". هذا ما لاحظه وخافه، وحزن عليه بسبب كثرة الآثام، عاد فاتجه نحو الرجاء.
حقًا إنني سأخلص إن كنت أصبر إلى المنتهى، لكن الصبر لنوال الخلاص يتوقف على القوة؛ أنت هو قوة خلاصي. أنت تجعلني أصبر فأخلص...
وإذ يتعب في هذا القتال، عاد فنظر إلى نعمة الله. وإذ بدأ بالفعل يعاني من الحر والجفاف، وجد كأن ظلًا تحته يعيش. "ظللت رأسي في يوم القتال" [22].
*إنني أجد قوتك تتوجه دائمًا لخلاصي [23].
* "غطيت رأسي في يوم القتال". إلا ترون الروح الشاكرة؟ إنه يتذكر الأحداث السابقة أن الله ثبته في أمانٍ. هذا هو معنى "غطيت". لاحظوا كيف أظهر تسهيلات الله له. إنه لم يقل: "قبل هذا (أعددت الأمان)"، بل قال: "في يوم القتال" نفسه، عندما هدَّدت الضيقة، عندما بدأت المعركة، عندما كنت في خطر من مصيرٍ محتومٍ، ثبتني في أمانً. ها أنتم ترون أن الله لا يطلب إعدادًا ولا مناشدة. لاحظوا أنه هو كل شيءٍ: الحاضر والمستقبل والماضي، قادر على كل شيءٍ، ودائمًا يقف مستعدًا للمساعدة.
عندئذ لكي يشير إلى سمة النصر غير العادية والأمان، لم يقل: "أنت أنقذتني"، وإنما قال: "غطيت"، بمعنى أنك أكدت لي أنني لا أعاني أدنى خطر أو لسعة حرٍ. إنما ثبتني في أمانٍ عظيمٍ، وفي شبعٍ وراحةٍ كما في طمأنينة. فلا أذوق أي حرٍ مؤلمٍ، بل أجد متعة في الغطاء، أي في التحرر من الكارثة.
هذا هو السبب أنه أضاف "غطيت"، لكي يشير إلى هذا، ويظهر سهولة المعونة التي يقدمها الله بقول كلمة "غطاء". وكأنه يقول: يكفيني فقط أن تكون حاضرًا، فيُحل كل شيء [24].
*كما ظللت على الإسرائيليين أثناء عبورهم في البرية باهتمام، كي لا تصيبهم حرارة الشمس، كذلك أطلب أنا منك المعونة، ليس فقط كي تحفظني من أذية الأشرار، بل وتسترني أيضًا لئلا تصيبني حرارة خبثهم وشرورهم.
8 لاَ تُعْطِ يَا رَبُّ شَهَوَاتِ الشِّرِّيرِ. لاَ تُنَجِّحْ مَقَاصِدَهُ. يَتَرَفَّعُونَ. سِلاَهْ. 9 أَمَّا رُؤُوسُ الْمُحِيطِينَ بِي فَشَقَاءُ شِفَاهِهِمْ يُغَطِّيهِمْ. 10 لِيَسْقُطْ عَلَيْهِمْ جَمْرٌ. لِيُسْقَطُوا فِي النَّارِ، وَفِي غَمَرَاتٍ فَلاَ يَقُومُوا. 11 رَجُلُ لِسَانٍ لاَ يَثْبُتُ فِي الأَرْضِ. رَجُلُ الظُّلْمِ يَصِيدُهُ الشَّرُّ إِلَى هَلاَكِهِ. 12 قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ يُجْرِي حُكْمًا لِلْمَسَاكِينِ وَحَقًّا لِلْبَائِسِينَ. 13 إِنَّمَا الصِّدِّيقُونَ يَحْمَدُونَ اسْمَكَ. الْمُسْتَقِيمُونَ يَجْلِسُونَ فِي حَضْرَتِكَ.
لاَ تُعْطِ يَا رَبُّ شَهَوَاتِ الشِّرِّيرِ.
لاَ تُنَجِّحْ مَقَاصِدَهُ.
يَتَرَفَّعُونَ. سِلاَهْ [8].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "يا رب لا تسلمني من قبل شهواتي للخاطئ. تشاوروا عليّ، فلا تتركني عنك لئلا يرتفعوا".
يتوسل المرتل إلى الله أن يُبطل خطط عدو الخير، كما أبطل مشورة أخيتوفل الذي كان يود هلاك داود الملك والنبي. يطلب المرتل ألا يسمح للشرير أن يحقق ما في قلبه وفكره من كراهيةٍ وعنفٍ.
إذ يظلل الله عليه يحميه من ضعفاته الشخصية، ويعطيه قوة، فيحتمل الضيق بصبرٍ لكي يخلص. لكن المرتل يخشى إغراءات العدو لكي يثير فيه شهوات خاطئة فيصطاده.
يقدم لنا القديس أغسطينوس مثلًا لذلك. إن العدو أحيانًا لا يستخدم العنف، وإنما يلقي أمام الإنسان فرصة لكسبٍ مادي مقابل عدم الأمانة. فيكون ذلك أشبه بُطعم يوضع في الفخ لاصطياد الإنسان. هذا ما يخشاه المرتل، فيطلب من الله ألا يسلمه للعدو.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم إن الأشرار يخادعون إخوتهم مثل الشيطان الذي يجول كأسدٍ زائرٍ ليجد من يبتلعه (1 بط 5: 8). هكذا هاجم أيوب، وهكذا أراد أن يهاجم بطرس، لذلك قال السيد المسيح: "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة" (لو 22: 31). بهذا الروح يعمل الأشرار الذين قيل عنهم: "الفرحين بفعل السوء، المبتهجين بأكاذيب الشر" (أم 2: 14).
*ما يعنيه هو هذا: لا تسلمني لشهوات الشرير، التي هي ضدي، أي لا تسمح له أن ينال شهوته ضدي [25].
*لاحظوا تواضع هذا الشخص. فإنه لم يقل: "لا تتركني لأني مستحق، لا تتركني من أجل حياتي الفاضلة"، وإنما ماذا قال؟ "لئلا يرتفعوا"، لئلا يزدادوا عجرفة، ويصيروا في أكثر غباوة خلال تركك لي [26].
*يقول أوريجينوس في تفسير هذه الكلمة: إني اشتهي الخلاص، أما عدوي الخاطي فيشتهي قتلي. إذًا لا تعطِ الخاطي تحقيق شهوته لئلا يفوز عليّ.
أَمَّا رُؤُوسُ الْمُحِيطِينَ بِي،
فَشَقَاءُ شِفَاهِهِمْ يُغَطِّيهِمْ [9].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "رأس فسادهم وشقاء شفاههم يغطيهم".
حقًا يسمح الله لعدو الخير أن يقاوم، ولإنسان الظلم والخطية أن يُعلن، لكن يحوط الله بمؤمنيه بينما يجني الشرير ثمر شره.
لا تقف طلبة المرتل عند خلاصه، بل يطلب أن يرتد شر إبليس وجنوده عليهم، فما يخططوه يحل بهم. هذا ما حدث حين بذل عدو الخير كل جهده للخلاص من رب المجد يسوع بصلبه في خزيٍ وعارٍ، فإذا بإبليس يفقد سلطانه بالصليب، ويصير في عارٍ. فإن كان السيد المسيح قد صُلب بالجسد، إنما لخلاص العالم، أما عدو الخير فبالصليب سُمر سلطانه، وصار لا حول له ولا قوة على المؤمنين بالمصلوب.
ليس ما يشغل قلب الشرير، ولا ما تنطق به شفتاه الداخليتان سوى الشقاء للآخرين، فما ينطقون به في أعماقهم يحل بهم، إذ "لا سلام للأشرار، قال إلهي".
يرى القديس جيروم أن الهراطقة يتشبهون بالحية التي متى رأت إنسانًا يحاول أن يضربها تلتف حول نفسها، وتخفي رأسها، حتى لا تسقط الضربات على الرأس. هكذا الهراطقة يخفون رؤوسهم بمنطوقات الفلاسفة المشهورين للدفاع عن آرائهم الخاطئة. أما إنسان الله، فيستخدم كلمات الكتاب المقدس كعصا، يكشف رأس الهراطقة ويضربها.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم في كلمة "المحيطين" صورة الأشرار وقد اجتمعوا معًا ليضعوا خططًا فاسدة، ويُنتجوا أو يفقسوا شرورًا ضد المرتل، لكن هذا كله يحطمهم.
*الخطط الشريرة ذاتها، قمة شرورهم، وفساد نظرتهم، تحدرهم إلى أسفل وتحطمهم.
"شقاء شفاههم"، هنا يدعو الشر شقاءً...
في حالة إخوة يوسف، أرادوا أن يجعلوا منه عبدًا ويحطموه، فسقطوا هم في مخاطر قاسية، أما هو وإن عانى من العبودية والموت شكرهم.
أيضًا وضع أبشالوم خطة لتحطيم والده، خلال السطوة الطاغية، لكنه سقط ضحية خطته ذاتها [27].
*يقول (المرتل): بالنسبة لي، فإن ظل جناحيك يغطيني، لأنك "ظللت على رأسي في يوم القتال". أما بالنسبة لهم فماذا يغطيهم؟ "رأس فسادهم"، أي الكبرياء [28].
*ينبغي أن نحذر غير الأمناء حتى يدركوا ثقل الذنب الذي يعاني منه المنافقون. إنهم يحاولون الدفاع عن أنفسهم بخزي، مدفوعين دومًا بالخوف والتوجس. والآن ليس هناك أكثر أمنا من أن نحمي الأمانة، وليس هناك أسهل من النطق بالحق. عندما يضطر الإنسان أن يدافع عن الزيف والكذب، يثقله قلبه بالتعب لذلك كُتب: "فشقاءُ شِفَاهِهِم يُغَطِيهم" (مز 140: 9). إن الذي يمتلئون به الآن في داخلهم سيطفح بعدئذ ويقيدهم بقيودٍ، وما يعتري قلوبهم الآن من قلق بسيط سيقهرهم بجزاءٍ مريرٍ. هكذا يقول إرميا: "عَلَّموا ألسنتهم التكلم بالكذب، وتَعِبوا في الافتراء" (إر 9: 5). بمعنى أنه من كان يمكن أن يكون صديقًا للحق دون تعب، يجتهد الآن ليقع في الخطيئة، وبينما يرفض حياة الأمانة، فإنه يرهق نفسه بالهلاك الوعر [29].
لِيَسْقُطْ عَلَيْهِمْ جَمْرٌ.
لِيُسْقَطُوا فِي النَّارِ وَفِي غَمَرَاتٍ،
فَلاَ يَقُومُوا [10].
ما يطلبه العدو ويبذل كل طاقاته لتحقيقه، إذا به يصير أشبه بمطرٍ ينزل عليهم لا كماءٍ أو بردٍ، بل كجمر نارٍ لا يمكن الهروب منه. بالكيل الذي به يكيل للبشرية يُكال له ويزداد.
هذا المبدأ خطير، يليق أن يضعه الإنسان نصب عينيه: ما يفعله بالآخرين أو ما يشتهيه للغير، يحِّل عليه، سواء كانت بركات أو لعنات.
شهوات الشرير ضد إخوتهم هي جمر نار، ففيما هم يفكرون ويدبرون الشر للغير، إذا بهذا الجمر يسقط عليهم ويغطيهم. هذا وما يحملونه من شرور ومكائد يشعل غضب الله عليهم، إن صح التعبير.
بقوله "في غمرات" فلا يقوموا، يعني أنه وإن أطال الله أناته عليهم لتوبتهم عن شرورهم، فإن لم يتوبوا سرعان ما يحل يوم التأديب هنا أو يوم العقوبة في يوم الرب العظيم.
يرى القديس أغسطينوس أن النار هنا هي نار سماوية، تحول الإنسان من فحم أسود مطفي إلى جمرة نار، ملتهب بالروح، يلهب الآخرين أيضًا.
*كان الرسول فحمًا، إذ كان مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا، كان فحمًا أسود ومطفيًا، ولكن عندما نال رحمة، التهب بنارٍ من السماء، ألهب صوت المسيح فيه نارًا، فزال عنه كل السواد، وبدأ يكون حارًا في الروح، يُلهب الآخرين بذات النار التي التهبت فيه [30].
* "ليسقط عليهم جمر نارٍ، تطرحهم في النار". الآن، ما يعنيه هو هذا: بينما الشر في ذاته كفيل أن يحطم الذين يسقطون في شباكه، فإنهم بجانب هذا يخضعون للغضب الإلهي الذي يحلّ عليهم.
يشير بجمر النار وبالنار هنا إلى العقوبة التي تحل من الأعالي. فإنها غالبًا ما تأخذ شكل النار ذاتها كما في حالة داثان وقورح وابيرام، وأيضًا الذين وقفوا بجوار الأتون في بابل [31].
*من هو النار؟ العدو نفسه الذي قال عنه داود: "ليسقط عليهم جمر محترق" (مز 140: 10) LXX... إنه الشيطان الذي نزل في شكل نار على قطعان الغنم لإلزام أيوب أن يجدف على الله (أي 1: 16)، وكأنه هو الذي نزل من السماء ودمرَّ غنى البار [32].
رَجُلُ لِسَانٍ لاَ يَثْبُتُ فِي الأَرْضِ.
رَجُلُ الظُّلْمِ يَصِيدُهُ الشَّرُّ إِلَى هَلاَكِهِ [11].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "رجل يمتد لسانه، لا يستقيم على الأرض. الرجل الظالم تصيده الشرور إلى الفساد".
يعني بالإنسان صاحب اللسان غير المضبوط (الفالت) ذاك الذي يخطط للشر مع الآخرين، فإنه إنما يُعد لنفسه مصيدة لهلاكه.
استخدم المرتل كلمة "يصيده"، لأن الشر أشبه بصياد يخفي الفخاخ حتى يسقط الشخص فيها، هكذا تخف الشرور عن مرتكبيها فخاخها المهلكة. وكما يقول الحكيم: "الشرير تأخذه آثامه، وبحبال خطيته يُمسك" (أم 5: 22).
من يرتكب الشر، ويود أن يهلك الآخرين يفقد تعقله وبصيرته، ويجد نفسه ضحية شره.
نصرة المؤمنين الحقيقيين أكيدة في الرب، ورد الشر على إبليس أكيد، كما الشرب من كأس الشر يسقط فيه الأشرار المعاندون، ما لم يرجعوا إلى الرب بالتوبة الصادقة.
* "الرجل المملوء كلامًا" يحب الأكاذيب. فأية مسرة له سوى في الكلام؟
إنه لا يحرص على ما يقوله، إنما يحرص أن يطيل الكلام.
إنه لا يمكن أن يستقيم.
ماذا إذن ينبغي على خادم الله أن يفعل، ذلك الذي يلتهب بهذا الجمر، ويصير هو نفسه جمر خلاص؟ إنه يرغب أن يسمع أكثر من أن يتكلم، كما هو مكتوب: "ليكن كل إنسانٍ مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم" (يع 1: 19)...
أستطيع أن أخبركم سريعًا حيث يمتحن كل واحدٍ نفسه، لا بعدم الكلام نهائيًا، بل بدراسة الحالة متى يكون من واجبه أن يتكلم. ليكن سعيدًا أن يصمت متى شاء، ويتكلم ليعَّلم متى لزم الأمر...
"الرجل الظالم تصيده الشرور إلى هلاكه". الشرور تحل، ولا يثبت الظالم، لذلك قيل: "تصيده إلى هلاكه".
لكن كثير من الصالحين والأبرار تحل بهم الشرور، كمن قد وجدتهم...
فشهداؤنا عندما أمسكت بهم الشرور اصطادتهم لكن ليس للهلاك. فقد حلت ضعفات على الجسد، أما الروح فكُللت.
طُردت الروح من الجسم، لكن كأن لا شيء حلّ بالجسد الذي أخفى (الروح) للمستقبل.
ليحترق الجسد ويُجلد ويشّوه، فقد سُلم لمضطهده، فهل ينزع من خالقه؟
أليس ذاك الذي خلقه من العدم يعيده بصورة أفضل؟ [33]
*يقول: "قد علمت" ليُظهر أن هذا سيحدث حتمًا، فإن مصير المخطئين لن يعبر دون عقوبة (ما دام لم يتب).
يدعوهم "مساكين" ليس بكونهم محتاجين، بل لأنهم متواضعون جدًا، ونادمون.
يقول هذا لكي يعطي راحة لمن يُساء إليهم، وليرد المخطئين إلى التعقل، حتى لا يفقد الأولون رجاءهم في المستقبل، ويصير الأخيرون أكثر عدم مبالاة بسبب التأخير (في السقوط في ثمرة أعمالهم).
التأخير في الواقع يقود إلى التوبة، وإن كان يجعل العقوبة أكثر شدة للمتمردين. وهذا حق، لماذا؟ لأنه وإن أُعطي لهم صلاح كهذا لم يصيروا إلى حالٍ أفضل.
فوق هذا كله لطف الله، إذ يسمح للمختارين له أن يحتملوا الظلم، ولا ينتقم لهم حتى يجعلهم يصيرون إلى حالٍ أفضل بالتوبة [34].
*الإنسان الواشي والعدواني لا ينجح على الأرض. والإنسان الظالم لا بُد أن يسقط في مصيدة شره المُفسد والمُهلك له.
*يسقط العقل الكسول خطوة بخطوة بعدم الحذر من كلام العبث، عندما ينحدر فينطق بالكلام الضار.
إننا نكتفي أولًا بأن نتكلم عن شئون الآخرين، ثم بعدها يقرض اللسان قادحًا حياتهم، وأخيرًا ننزع إلى السّب الصريح. وهكذا عندما نَبْذُر الإثارة، تبدأ المنازعات، وتشُبُ النيران في بؤرة الغضب، وينطفئ حينئذ سلام القلب. لذلك حسنًا يقول سليمان: "ابتداء الخصام إطلاق الماء" (أم 17: 14).
إطلاق الماء ما هو إلا إطلاق اللسان بثرثرة. ومن الناحية الأخرى يقول الحكيم: "كلمات فم الإنسان مياه عميقة، (نبع الحكمة نهرٌ متدفقٌ)" (أم 18: 4). هكذا عندما نطلق الماء، نصير ينبوعًا للخصام والمنازعات. والذين لا يتحكمون بألسنتهم يكسرون التآلف. ولذلك نقرأ المكتوب: "رامٍ يطعنُ الكل هكذا من يستأجرُ الجاهل أو يستأجرُ المحتالين" (أم 26: 10).
والأكثر من ذلك، فإن الذين يدمنون كثرة الكلام يحيدون تمامًا عن طريق البرّ المستقيم. لذلك يشهد النبي قائلًا: "رجل لسانٍ لا يثبت في الأرض" (مز 140: 11). ويقول سليمان أيضًا: "كثرة الكلام لا تخلو من معصية (أما الضابط شفتيه فعاقل)" (أم 10: 19). ولذلك يقول إشعياء:" (ويكون صنع العدل سلامًا) وعمل العدل سكونًا وطمأنينة إلى الأبد" (إش 32: 17). وهذا يشير إلى أنه حيث لا يكون هناك ضبط للكلام يفتر برّ النفس. لذلك يقول يعقوب: "إن كان أحد فيكم يظن أنه دَيِّنٌ، وهو ليس يُلْجِمُ لسانه، بل يخدع قلبه فديانة هذا باطلة." (يع 1: 26) كذلك يقول أيضًا: "ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئا في الغضب" (يع 1: 19). وعندما يصف قوة اللسان يضيف قائلًا:" (وأما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس أن يذلِّله) هو شر لا يُضْبَطْ مملوءٌ سمًا مميتًا" (يع 3: 8).
لأجل ذلك يحذرنا الحق ذاته في قوله: "إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يُعْطَوْنَ عنها حسابًا يوم الدين" (مت 12: 36). والمقصود هنا أي كلمة بطالة غير مبررة وليست ضرورية ولا تهدف لأي نفع للتقوى. لذلك، إن كنا سنعطي حسابًا عن أية كلمة بطالة، فينبغي أن نتفكر في العقاب المذخر للثرثرة التي هي مؤذية، وتحمل كل إثم [35].
قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ يُجْرِي حُكْمًا لِلْمَسَاكِينِ،
وَحَقًّا لِلْبَائِسِينَ [12].
يؤكد الكتاب المقدس هذه الحقيقة أن الله دومًا في جانب المساكين والبائسين والمظلومين. إنه لا يطيق الظلم والعنف!
*هذا "المسكين" هو ذاك غير مملوء بالكلمات، لأن المملوء بالكلمات يود أن يكون غنيًا، لا يعرف أن يجوع.
قيل عن المسكين: "طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ، لأنهم يشبعون" (مت 5: 6). إنهم يئنون بين عثرات الأشرار، يصلون لرأسهم (السيد المسيح) لكي ينقذهم من الرجل الشرير.
"وحقًا للبائسين". هؤلاء لا يتجاهل الرب حقهم، وإن كانوا الآن يعانون من المتاعب، فسيظهر مجدهم عندما يظهر رأسهم.
عن هؤلاء قيل وهم هنا: "لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (كو 3: 2).
هكذا إذن نحن مساكين، وحياتنا مختفية. لنصرخ إليه، فهو خبزنا (يو 6: 51) [36].
*بعد أن تحدث عن غضب الله، أظهر للحال أن الشر ذاته كفيل لتحطيم الذين يمارسونه. فإن التسرع وعدم ضبط اللسان في الحقيقة ليس بشكلٍ تافهٍ للشر...
كما أن الشخص الطويل الأناة واللطيف والذي يعرف كيف يحتفظ بالصمت يكون في أمانٍ وموضع ثقة وسرورٍ لكل أحدٍ. هكذا الإنسان الذي يمارس حياة خطرة، يجتذب لنفسه أعداءً له بلا عدد من كل جانب، ويسبب قلقًا لنفسه قبل الآخرين، ولا يسمح لنفسه أن يكون في سلامٍ، بل بالحري يثير عداوة وقلقًا في الداخل دون أن يسببه له أحد.
"رجل الظلم تصيده الشرور إلى هلاكه". وكما يقول حكيم آخر: "الشر يمسك بالإنسان" (راجع أم 5: 32). لاحظوا مرة أخرى أن الشر كفيل بأن يحطم من يمارسه [37].
*هذا القول يخبر عن الدينونة العامة التي فيها يُدفع الخطاة إلى العذاب الأليم، وذلك لأجل تسلطهم على البائسين. أما كافة الصديقين والمستقيمين فيسكنون في ملكوت الله، ويرون وجهه على قدر ما يمكن للناس.
إِنَّمَا الصِّدِّيقُونَ يَحْمَدُونَ اسْمَكَ.
الْمُسْتَقِيمُونَ يَجْلِسُونَ فِي حَضْرَتِكَ [13].
يختم المرتل المزمور بتصور موقف المؤمنين المخلصين والطائعين للوصية الإلهية. إنهم دومًا في حضرة الله، لا يفترون عن تقديم ذبائح الشكر والتسبيح بفرحٍ وتهليلٍ.
يرى القديس جيروم أن المستقيمين يسكنون في حضرته، أي يثبتون في المسيح السماوي.
*عندما تدافع عن حقهم، وتصونه، "يعترفون لاسمك". فإنهم لا ينسبون شيئًا لاستحقاقاتهم الذاتية. لا ينسبون شيئًا إلا إلى رحمتك...
انظروا ماذا يلي هذا. "ويسكن المستقيمون مع وجهك". فمع وجوههم كانت تسكن العثرة معهم، أما مع وجهك فسيسكن الخير معهم.
عندما أحبوا وجوههم الذاتية، صاروا يأكلون الخبز بعرق وجوههم (تك 3: 19). أما وجهك فيجلب عليهم الخير بفيض ويشبعون.
لا يعودون يطلبون شيئًا، لأنهم لا يجدون أفضل مما صار لهم.
لا يعودون بعد يتركونك، ولا أنت تتركهم. لأنه بعد قيامته ماذا قيل عن الرب؟ "تملأني فرحًا مع وجهك" (مز 16: 12) LXX.
بدون وجهه لا يعطينا فرحًا. لهذا نحن نطهَّر وجوهنا لكي ما نفرح بوجهه [38].
* "إنما الصديقون يحمدون (يعترفون) اسمك" ماذا يعني هذا؟ يقول: مهما حدث، يشكرون، حتى إن رأوا المتواضعين يُظلمون والأشرار يرتفعون. إنهم لا يطلبون تصفية الحسابات.
ها أنتم ترون أن العلامة المميزة للأبرار دائمًا وفي كل الظروف أنهم شاكرون.
"الأبرار يجلسون (يسكنون) في حضرتك"، أي يتمتعون بالعون منك، مفكرين دومًا فيك، وهم دائمًا معك، لن يتركوك.
مهما حدث لا يشتكون، لا يجدون خطأ مهما حدث [39].
*لا يكف عدو الخير عن مقاومة مؤمنيك بكل وسيلة.
لكن له سيفان خطيران: لسانه وفخاخه.
لسانه مملوء خداعًا، قد يقدم عسلًا، لكنه مسموم.
وفخاخه ينصبها على جانب الطريق، لكنها مخفية.
إنه كالحية تزحف بلا أقدام.
تتسلل ولا يُسمع لها صوت.
مملوءة سمًا مميتًا، وتتحرك في دهاء.
هب لي أن أسلك فيك يا أيها الطريق.
فإن العدو لن يجرؤ أن ينصب شبكة فيك.
هب لي ألا انحرف عنك يمينًا ولا يسارًا،
فأكون دومًا في أمان من فخاخ العدو.
*من هو عدوي سوى إبليس،
الذي ينصب شباك الخطية على جانبي الطريق.
إنه مخادع وكذَّاب وقتَّال.
لن يستريح حتى يدفعني للسقوط في تجربةٍ.
من يقدر أن ينقذني منه سواك؟
صراعاته كثيرة ومتنوعة،
لن يكف عن أن يستخدم شهوات الجسد،
يفسد حواسي وعواطفي،
يقلق نفسي، ويحطم سلامي الداخلي.
يثير حتى الأصدقاء وأهل البيت،
يشَّوه كل شيءٍ ليحطم نفسي.
يجد سعادته في شقائيّ
من يحميني منه سواك؟
أحملني على يديك،
واسترني بغنى نعمتك،
حتى تدخل بي إلى ملكوتك!
*يا للعجب! لا يعرف العدو وقتًا للراحة.
يظن أن راحته في استمرار مقاومة مؤمنيك.
لا يهدأ قط ليلًا ونهارًا.
دائم الحركة، لكن بغير استقامة.
جائع على الدوام، وطعامه التراب.
يود أن أسقط في الخطية،فأصير ترابًا.
يلتهمني ما دمت ترابًا إلى سماء،
لتقيم من البشر ملائكة.
فلا يجسر العدو أن يطمع فيّ.
يبحث عن تراب في داخلي،
فيُذهل إذ يراك تقيم ملكوتك في أعماقي!
*ليعمل عدو الخير بكل طاقاته وخداعاته،
فأنت هو سلاحي الذي لا يُغلب.
تهبني روح التمييز والحكمة والقوة،
بل تهبني ذاتك قائدًا لي، وسلاحًا يحميني.
*تسمح بالمعركة، لكنك لا تتركني وحدي.
يُعد العدو بكل طاقاته المعركة،
وتهبني أن ألجأ إليك بالصلاة والسهر والتسبيح!
ينصب العدو شباكه الخفية،
ولا يدري أنها تدفعني بالأكثر لاختبار حنانك!
يُعد العدو حبال الخطية،
ويظن أنه قادر أن يقيدني، ويسحبني إليه.
ولم يدرك أن بحباله، إنما يُمسك هو.
وعوض أن يسحبني، يسقط تحت القيود الأبدية.
يخفي العدو فخاخه، بطمرها في الأرض.
وأنت بروحك تحملني، لأسلك كمن في السماء.
*يبذل العدو كل جهده لكي أسقط في الكبرياء.
يريدني أن أكون صورة له.
فيكون مصيري مع مصيره.
هب لي روح التواضع والوداعة.
أتمثل بك، وأحمل صورتك بعمل روحك القدوس فيّ!
إذ أسلك فيك، إنما أسلك في التواضع.
ولا أسقط في شباك العدو المتكبر.
هب لي ألا أغش نفسي،
فإنه ليس فيَّ صلاح قط، سوى بفضل نعمتك.
كيف أنسب عطاياك لي، كأني بار؟!
*عيناي تتطلعان إليك، فأنت هو إلهي.
ليس من يخلصني من شباك العدو سواك.
أنت هو قوة خلاصي.
تحوط بي، وتصير لي خوذة، تحمي إيماني.
ودرع يصد سهام العدو النارية ورماحه القاتلة.
تظلل على رأسي، فتحميني من حرارة شمس التجارب.
سندتني في المعارك الماضية،
وتبقى سندي حتى النهاية.
حضورك الإلهي يهبني النصرة.
أتطلع إليك، فتتحول نيران الأتون إلى ندى ممتع.
*أشكرك وأسبح اسمك أيها القدوس،
لأن ما يعده الشرير إبليس لنا،
إنما يشرب منه أبديًا!
يسقط في الشبكة التي يخفيها للمؤمنين.
أما هم، فينعمون بالمجد الأبدي.
لك المجد يا قائد المعركة وواهب النصرة،
فأنت نصرتي وإكليلي!
_____
[1] On Ps. 140 (139).
[2] On Ps. 140 (139).
[3] On Psalms 140.
[4] On Psalms, homily 50 on Ps 139 (140).
[5] On Ps. 140 (139).
[6] On Psalms, homily 50 on Ps 139 (140).
[7] On Ps. 140 (139).
[8] On Psalms 140.
[9] Concerning the Statues, homily 12.
[10] Commentary on Rom 3:13.
[11] مقال 16: 6.
[12] On Psalms 140.
[13] On Ps. 140 (139).
[14] On Ps. 140 (139).
[15] On Psalms 140.
[16] On Psalms, homily 50 on Ps 139 (140).
[17] Sermon on NT Lessons, 17:6.
[18] Sermon on N.T. Lessons, 92:1-2.
[19] On Ps. 140 (139).
[20] On Psalms, homily 50 on Ps 139 (140).
[21] On Psalms 140.
[22] On Ps. 140 (139).
[23] On Psalms 140.
[24] On Psalms 140.
[25] On Psalms 140.
[26] On Psalms 140.
[27] On Psalms 140.
[28] On Ps. 140 (139).
[29] Pastoral Care, 3:11.
[30] On Ps. 140 (139).
[31] On Psalms 140.
[32] Homilies on Job 3: 1: 16.
[33] On Ps. 140 (139).
[34] On Psalms 140.
[35] Pastoral Care, 3:14.
[36] On Ps. 140 (139).
[37] On Psalms 140.
[38] On Ps. 140 (139).
[39] On Psalms 140.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 141 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 139 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/km2s7jc