21- ش
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 161 - 162 - 163 - 164 - 165 - 166 - 167 - 168
[161 - 168]
إذ يلتصق المرتل بخلاص الله، وينعم بالحياة الجديدة يُقاوم بلا سبب، لكنه لا يفقد سلامه العظيم ولا بهجة قلبه، لأنه لا يضع قلبه على المقاومات بل على وعود الله العظيمة بكونها غنائم كثيرة.
161. |
||
162 -163. |
||
164. |
||
165 -168. |
||
من وحي المزمور 119 (ش) |
161 رُؤَسَاءُ اضْطَهَدُونِي بِلاَ سَبَبٍ، وَمِنْ كَلاَمِكَ جَزِعَ قَلْبِي.
"الرؤساء اضطهدونى بلا سبب،
من أقوالك جزع قلبي" [161].
إذ يصرخ المرتل: "الرؤساء اضطهدوني بلا سبب"، يكشف عما في داخله من مرارة، فقد كان يليق بهؤلاء الرؤساء أن يهتموا به وبغيره، لكن عوض الرعاية والحب قدموا اضطهادًا وكراهية، بلا سبب. إنه لا يطمع في مراكزهم ولا تمرَّد عليهم، ولا قاوم سلطانهم، لكن ربما شعروا أن برَّه يكشف عن شرهم، ونجاحه الروحي يدفعه إلى النجاح الزمني فيحتل مراكزهم. هكذا كانت مشاعر شاول الملك من نحوه. على أي الأحوال فإن نصيب المؤمنين هو الاضطهاد. فإنه إذ يلتصق المؤمن بالله لا يحتمله الأشرار. المؤمن يشتهي مع الرسول بولس أن يسالم إن أمكن جميع الناس، لكن ليس الكل يقبلون هذا السلام، لا لعلة إلا لأنهم لا يقبلون السيد المسيح الساكن فيه.
إذ قاوم الرؤساء المرتل كمضطهدين ومقاومين وأعداء استخدموا بجانب السيف القانون نفسه، إذ حولوه ضد الحق، وتلاعبوا به لقتل المرتل، مقدمين تبريرات كثيرة. أما هو فلم ينشغل بهذه المقاومة، بل بأقوال الله التي تولد طاقات حب حتى نحو المقاومين. بهذا ينشغل المرتل بالعمل الإيجابي لا السلبي.
إنه لا يجزع من الأشرار لكن من أقوال الله لئلا يخالف الوصية الإلهية. فإن سلطان الله أعظم من كل سلطانٍ بشريٍ.
*
تُوجه تجارب الشيطان بالأكثر ضد الذين تقدسوا، لأنه يشتاق بالأكثر أن ينال نصرة على الأبرار(124).* لا أخشى أعدائي، لكنني أجزع من الموت الذي تحكم به كلمتك.
* تصدر كلماتك من الحق، فهي صادقة ولا تخدع إنسانا، وفيها تُعلن الحياة للأبرار والعقوبة للأشرار. هذه أحكام بر الله الأبدية.
* هل أضر المسيحيون ممالك الأرض مع أن ملكهم قد وعدهم بمملكة السماء؟!
كيف؟ أقول كيف أضروا ممالك الأرض؟!
هل منع ملكهم جنوده من أن يُقدموا الخدمة اللائقة بملوك الأرض؟
ألم يقل لليهود الذين كانوا ثائرين ليفتروا عليه: "أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" (مت21:22)؟
ألم يدفع عن شخصه الجزية من فم سمكة (مت24:17-26)؟
عندما كان جند هذه المملكة يطلبون من السابق له (القديس يوحنا المعمدان) ما يجب أن يفعلوه لأجل خلاصهم الأبدي عوض أن يجيبهم: اخلعوا مناطقكم والقوا عنكم أسلحتكم واتركوا الملك لكي تثيروا حربًا من أجل الرب، أجاب: "لا تظلموا أحدًا ولا تشوا بأحدٍ واكتفوا بعلائفكم" (لو14:3).
ألم يقل أحد جنوده، صديقه المحبوب لديه جدًا (بولس) لزملائه الجنود إنهم إذ يتحدثون عن المسيح: "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة"؟ (رو1:13).
ألم يأمر الكنيسة أن تُصلي حتى لأجل الملوك أنفسهم (1تي1:2، 2)؟
إذن كيف يضاد المسيحيون الملوك؟
أي التزام عليهم من نحوهم لا يمارسوه؟
في أي الأمور لم يطع المسيحيون ملوك الأرض؟
لهذا يضطهد ملوك الأرض المسيحيين بلا سبب... ولكن انظر بماذا يكمل: "من قولك جزع قلبي" [161].
يقف قلبي مرتعبًا من هذه الكلمات: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد..." (مت28:10). إني استخف بالإنسان الذي يضطهدني وأغلب الشيطان الذي يريد أن يغويني.
* يمكن أن ينطق بهذه الكلمات على وجه الخصوص من دُعي للاستشهاد، يضطهده رؤساء هذا العالم وسلاطينه الذين أُوكِل إليهم الحكم على حياة الناس أو موتهم. هلم ننظر إلى الشهيد فإنه يشاهد مختلف أدوات التعذيب ولا يجزع منها، وإنما يتذكر أحكام الله ويجزع منها. فهو مشغول تمامًا بتذكر هذه الأحكام والعقوبات المعدة هناك لمن ينكر الله.
يقول أيضًا: "الرؤساء اضطهدونى بلا سبب"، اضطهدونى ليس لأني سارق أو قاتل أو لأنني ارتكبت فعلًا ما يستحق اللوم، وإنما لأنني أمجدك أنت يا الله خالق الكون، ولأنني آمنت باسم ابنك الوحيد. لأجل هذا اُضطهدت، وفي هذا الاضطهاد أجزع، ليس بسببهم أو بسبب تهديداتهم، وإنما بسبب الخوف الذي أشعر به تجاه أحكامك.
يليق بنا أن يكون لنا المخافة النابعة عن أقوال الله، فنرجع عن خطايانا، خاصة تلك التي تتمثل في إنكار ذاك الذي مات من أجلنا.
من يتمسك بهذا يبتهج بأقوال الله [162].
* الرؤساء الذين اضطهدوا داود هم شاول وأمثاله الذين اضطهدوه بلا سبب، أي بغير حق، وأما الذين يضطهدوننا نحن فهم رؤساء القوات الشريرة (إبليس وجنوده).
وأما الجزع فنوعان: نوع يحدث من الغضب في النفس بلا سبب، وهذا يحدث عن ضعف الإيمان، ولذلك وبخ ربنا بطرس لما جزع عندما أراد أن يمشي على الماء، وقال له: يا قليل الإيمان لماذا شككت؟ وجزع ذو حسيه يحدث في قلب الإنسان وعقله، وهذا حميد.
162 أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلاَمِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافِرَةً. 163 أَبْغَضْتُ الْكَذِبَ وَكَرِهْتُهُ، أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَأَحْبَبْتُهَا.
إن كانت مقاومة الرؤساء مرة، لكن انشغال قلب داود النبي بكلام الرب ولَّد فيه طاقات بهجة، إذ اكتشف ما تحويه من وعود وبركات سماوية.
إذ كان قد جزع قلب المرتل من أقوال الله حمل مخافة الرب، إلا أن هذه المخافة الإلهية التي تحل في قلوبنا تعطي أيضًا بهجة، حاسبين كلمة الله كنزًا ثمينًا، لا يمكننا التفريط فيه. إنها ليست المخافة التي تطرح المحبة الكاملة إلى خارج (1يو 18:4)، بل من ذلك النوع الذي تغذيه المحبة.
باسم كنيسة العهد الجديد يعلن المرتل بهجته بأقوال الله التي تسلمها من كنيسة العهد القديم كغنائمٍ كثيرة تقدم لنا المواعيد الإلهية والناموس والعهود والنبوات والرموز، هذه التي لم يدركها كثير من اليهود رافضوا الإيمان بالمخلص. يقول المرتل:
"ابتهج أنا بكلامك
كمن وجد غنائم كثيرة" [162].
عوض الانشغال باضطهاد الرؤساء ومقاومتهم ابتهجت نفس المرتل بوعود الله والغنائم التي اقتناها خلال كلمة الله. في كل معركة روحية ضد إبليس يخرج المؤمن غالبًا، حاملًا غنائم كثيرة. هي أعماق جديدة في الشركة مع الله وتمتع أكثر بثمار الروح القدس. ما أعظم الفرح الذي يملأ قلب الغالبين وهم يقتسمون الغنائم، وما أعظم فرح المؤمن الغالب عندما يكتشف نصيبه في وعود الله وغنى كنوزه.
* إنه لأمر يستحق البحث أن نعرف لماذا يربط البهجة بالكلام "كمن وجد غنائم"؟
إن أخذنا في الاعتبار من هم الذين كان لهم كلام الله فيما مضى، وإذا فهمنا من هم الذين صار لهم هذا الكلام الآن، لأدركنا أننا نحن المسيحيين قد سلبنا (جردنا) اليهود، وذلك كقول السيد المسيح: "ملكوت الله يُنزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره" (مت43:21).
كثيرة هي الغنائم، أي الأسفار المقدسة، هذه التي لا يمتلكها اليهود الآن، لأنهم لا يعرفون معناها.
يشكو العلامة أوريجينوس من بعض المسيحيين الذين يقاومونه لأنهم يصرون على التفسير الحرفي للكتاب المقدس، ويضطهدون المدافعين عن التفسير الروحي، قائلًا:
[أصدقاء المعنى الحرفي يصرخون ضدي في افتراءٍ. إنهم يهاجمونني قائلين بأنه لا يوجد حق ما لم يستقر على الأرض. أما من جهتنا نحن (كعبيد لإسحق) فيلزمنا أن نفضل آبار المياه الجارية والينابيع الحية. لنهرب من مثل هؤلاء الرجال بحرفهم الذي لا يحمل الحق. لنترك لهم الأرض ما داموا يحبونها هكذا ولنبلغ نحن إلى السموات(125).]
* إذ أشار إلى الأعداء الذين يضطهدونه تحدث عن "الغنائم". يقول إن قتلتهم جميعًا وجمعت كل غنائمهم فلن ابتهج بها قدر ابتهاجي بقولك.
* تؤخذ الغنائم من المنهزمين، فإذ يُغلب (الشيطان) تُنهب الغنائم منه، هذا الذي قيل عنه في الإنجيل: "إن لم يُربط القوي أولًا" (مت29:12).
وُجدت غنائم كثيرة نعجب منها: نرى احتمال الشهداء، فإنه حتى المضطهدين أنفسهم آمنوا، هؤلاء الذين خططوا لإيذاء ملكنا بإيذائهم جنوده.
من يقف في جزع من كلمات الله يخشى لئلا ينهزم، فيفرح كغالبٍ بنفس هذه الكلمات.
لئلا يُفهم من الغنائم أمورًا مادية أو سلبًا لحقوق الغير كغنائم الحرب، يكمل المرتل كلماته، قائلًا:
"أبغضت الظلم ورذلته،
أما ناموسك فأحببته" [163].
الحب والبغضة هما قائدا العواطف الإنسانية، إذا وُضعا في اتجاههما الصحيح أو تقدسا في حياة الإنسان تتحرك بقية العواطف كما ينبغي. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هذا ما حدث مع داود النبي إذ أحب الله وكلمته وخليقته، وكره الشر والظلم وقوات الظلمة، أحب الحق وأبغض الكذب والباطل.
* إنها كلمات إنسان صديق، لا يمتنع عن ارتكاب الظلم فحسب بل ويبغضه...
يريد القول: إنهم يبغضوننى ويشمئزون مني، كأني فار ميت أو جثة إنسان، أو إنسان أبله، أما أنا فأبغض ما يستحق البغضة... أي الظلم.
على نقيضهم لقد أحببت ناموسك، ولم أفهمه كما يفهمونه هم، فهم يستخدمونه في أمور أرضية ويهبطون به إلى حقائق العالم السفلي. فإن كنا قد قمنا مع المسيح فلنهتم بما هو فوق لا بما على الأرض (كو 1:3-2)، ونفهم الناموس بمعناه الروحي.
* هذا الجزع من كلماته لا يخلق كراهية... بل يسند الحب فلا يكون قليلًا. فإن كلمات الله ليست إلا ناموس الله. حاشا أن يتحطم الحب بالخوف، ما دام الخوف نقيًا.
هكذا يخاف الأبناء الودودين آباءهم ويحبونهم في نفس الوقت.
وهكذا تخشى الزوجة العفيفة رجلها لئلا يتركها، وتحبه فتنعم بحبه.
بالأكثر جدًا بالنسبة لأبينا الذي في السموات (مت9:6)، والعريس الأبرع جمالًا من بني البشر (مز2:14)، ليس حسب الجسد بل في الصلاح. لأنه بواسطة من يُحب ناموس الله إلا الذين يحبون الله؟ وأية شدة يقدمها ناموس الأب لأبنائه الصالحين (عب6:12)؟ لنمدح إذًا أحكام الآب حتى عندما يجلد، ما دامت وعوده بالمكافأة تكون محبوبة.
164 سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي النَّهَارِ سَبَّحْتُكَ عَلَى أَحْكَامِ عَدْلِكَ.
لئلا يظن أحد الغنائم أمورًا زمنية يعلن المرتل انشغاله المستمر بالتسبيح لله وفرحه الدائم بعمل الله معه وأحكام عدله.
"سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك" [164].
بينما يجد البعض صعوبة في تكريس يومٍ واحدٍ للرب أو ساعات قليلة كل أسبوع للرب إذا بداود النبي يكرس وقتًا للتسبيح سبع مرات يوميًا، مقدمًا الشكر لله بغير انقطاع، في كل الظروف. وكما يقول القديس أغسطينوس: [رقم 7 بوجهٍ عام يُستخدم عن الشمول وكمال الشيء.(126)]
* ماذا تعني إذن "سبع مرات سبحتك" إلا "إنني لن أكف عن التسبيح لك"؟
فإن من يقول "سبع مرات" يعني "كل الوقت"(127).
* القول "سبع مرات في النهار سبحتك" هو بعينه القول في مزمور آخر: "تسبحته دائمًا في فمي" (مز1:34). يوجد سبب قوي لماذا سبع مرات تُوضع بمعنى "دائمًا"، لأن كل نظام الزمن يتحرك في دائرة منتظمة خلال سبع أيام تجيء وتتكرر(128).
* هكذا تراه لا يكف عن التسبيح للًه. من هو هذا الذي يسبح أحكام الله عدة مرات (سبع مرات، مستخدمًا العدد المقدس الذي يشير إلى الراحة)، إلا الذي يبتهج بأحكام الله بكونها عادلة؟!
* الصديق المضيء يكون في نهارٍ دائمٍ طول حياته، نهار لا تقطعه ظلمة، وهو يسبح الله سبع مرات، لأنه صار مرتفعًا عن هذا العالم الذي خُلق في ستة أيام.
عندما ابلغ فردوس الله، وأتأمل غاية الخلق وحكمة الله، اعترف أن أحكام الله عدل.
* إنني أتذكر دائمًا الأحكام التي أمرت بها بعدلك، طاردًا الرؤساء (الشياطين) المتكبرين، ومخلصًا ضحايا الظلم.
* بالإضافة إلى هذه الخدمة نشترك بالتأكيد في هذه الاجتماعات الروحية سبع مرات في اليوم، ونظهر مسبحين الله فيها سبع مرات(129).
* أُوصينا أن نوقر ونكرم نفس الواحد إذ اقتنعنا أنه الكلمة (اللوغوس) والمخلص والقائد، وبه (نكرم) الآب، لا في أيام خاصة مع آخرين، بل نفعل ذلك باستمرار في حياتنا وبكل وسيلة(130).
* إن كان النبي يقول: "سبع مرات في النهار سبحتك"، مع أنه كان مشغولًا بشئون مملكة، فكم ينبغي علينا نحن أن نفعل إذ نقرأ: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (مت 41:26)(131).
* لنسهر النهار والليل مثل داود الذي يشكر من أجل أحكام الله البارة سبع مرات في النهار [164] كما في نصف الليل(132).
* يُرد على الجيران الأشرار سبعة أضعاف (مز12:79)، ويتأسس بيت الحكمة على سبعة أعمدة (أم1:9)، ويتزين حجر زربابل بسبعة أعين (زك9:3)، ويُسبح الله سبع مرات في اليوم (مز164:119). مرة أخرى العاقر تلد سبعة، الرقم الكامل(133)...
ومما يزيد هذه التسابيح المستمرة عذوبة أنها تنبع عن قلب لا يرتبك بالضيق والاضطهادات، فإن تسبيحنا وسط الآلام أكثر عذوبة منه وسط الفرج.
165 سَلاَمَةٌ جَزِيلَةٌ لِمُحِبِّي شَرِيعَتِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَعْثَرَةٌ. 166 رَجَوْتُ خَلاَصَكَ يَا رَبُّ، وَوَصَايَاكَ عَمِلْتُ. 167 حَفِظَتْ نَفْسِي شَهَادَاتِكَ، وَأُحِبُّهَا جِدًّا. 168 حَفِظْتُ وَصَايَاكَ وَشَهَادَاتِكَ، لأَنَّ كُلَّ طُرُقِي أَمَامَكَ.
"فليكن سلام عظيم للذين يحبون اسمك،
وليس لهم شك" [165].
* الذين يبتغون اسم الرب لهم سلام عظيم، لا يقصد به السلام الخارجي (لأنه لا يتوقف علينا)، وإنما سلام الفكر الذي يصاحب غياب القلق والاضطراب... من لهم هذا السلام يحصلون في ذات الوقت على نعمة الله الآب والرب يسوع المسيح (رو 7:1؛ 1تي 2:1).
إذ يكون لهم هذا السلام باسم الله وهم في سمو كامل، لذلك ليس لهم شك... من كان له السلام يرتفع إلى الدرجة التي فيها لا يمكنه أن يشك (يعثر) في شيء ما. "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق؟!" (رو 35:8). وأيضًا: "ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا، فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع" (رو 37:8-39).
* هذا يعني أن الناموس نفسه ليس عثرة لمن يحبونه أو أنه لا توجد عثرة من أي مصدر للذين يحبون الناموس؟ المعنيان حق هما، لأن من يحب ناموس الله يكرم حتى ما لا يفهمه فيه، وما يبدو له غير معقولٍ، يحكم بالأحرى أنه لا يفهمه، وأنه يوجد معنى خفي، بهذا لا يكون ناموس الله عثرة بالنسبة له...
* لكي تتفادَى العثرات أي موضع تذهب إليه خلف العالم، ما لم تطر إلى الله الذي خلق العالم؟! وكيف يمكننا أن نطير إلى ذاك الذي خلق العالم ما لم نصغِ إلى ناموسه الذي يُكرز به في كل موضع؟ وأن تصغي إليه هذا أمر بسيط جدًا إذ نحبه(134).
* المسيح ربنا هو السلام...
لنحفظ السلام، فيحفظنا السلام في المسيح يسوع(135).
لم يقل "فليكن سلام عظيم للذين يتممون الوصية" بل "للذين يحبون اسمك"، فإنه لا يوجد من يتمم الوصية كما ينبغي، إنما من يحب اسم الله يجاهد دومًا لإتمام الوصية طالبًا عمل المخلص في حياته.
يقول أيضًا: "ليس لهم شك (عثرة)" [165]؛ فإن من يتمتع بسلام الله الحقيقي النابع عن حبه لاسمه القدوس وجهاده لطاعة وصيته لا يتعثر قط بل يقول مع كافة المؤمنين الحقيقيين: "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو 28:8). أنهم لا يتعثرون بسبب الضيق أو الألم أو الظلم الذي يحل عليهم إذ هم واثقون في أحكام الله العادلة ومطمئنون لرعايته الفائقة، سلامهم نابع من أعماقهم وشركتهم مع الله، لا من الأحداث الخارجية.
أخيرًا فإن سرّ سلام المرتل العظيم هو ترقبه للمخلص وتمتعه بعمله الخلاصي القادر أن يسنده فيحفظ الوصية الإلهية دون أن يكسرها، الأمر الذي لا يشك فيه قط ولا يعثره فيه أحد أو حدث ما. يربط المرتل بين التمتع بخلاص الرب المجاني والمثابرة على حفظ الوصايا الإلهية، مؤكدًا ذلك ثلاث مرات، ومعلنًا أن حفظها ينبع عن حبه العميق لها، إذ يقول:
"توقعت خلاصك يا رب،
ووصاياك حفظتها" [166].
"حفظت نفسي شهاداتك،
وأحببتها جدًا" [167].
"حفظت وصاياك وشهاداتك،
وكل طرقي أمامك يا رب" [168].
* إذ أترجى الخلاص الحقيقي القادم من عندك لا أحفظ وصاياك فحسب بل وأحبها. عندئذ أنفذ الوصايا بحب، وبهذا يتم الخلاص المنتظر.
لم أحب وصاياك فحسب [166]، وإنما "حفظت نفسي شهاداتك وأحببتها جدًا".
في البداية كنت أحب وصاياك وصية فأخرى...
ثانيًا: حفظت نفسي شهاداتك.
ثالثاُ: يجمع الاثنين معًا بقوله: "حفظت وصاياك وشهاداتك وكل طرقي أمامك يا رب...
لن يقول الخاطئ: "كل طرقي أمامك"، لأن طرق الخاطئ ليست أمام الله، بل طريق الصديق. لكي تكون طرقنا كلها أمام الله... لنطلب من الله مصلين أثناء سيرنا في الطريق حتى النهاية، حتى نصل إلى الله أب الجميع في المسيح يسوع.
* ماذا ينفع أبرار العهد القديم إذ أحبوا وصايا الله ما لم يحررهم المسيح الذي هو خلاص الله، الذي بروحه يقدرون أن يحبوا وصايا الله؟ لذلك الذين أحبوا وصايا الله توقعوا خلاصه، فكم بالأكثر تكون هناك حاجة إلى يسوع الذي هو خلاص الله، لأجل خلاص الذين لم يحبوا وصاياه؟
هذه النبوة قد تناسب أيضًا قديسي فترة إعلان النعمة والكرازة بالإنجيل، فإن الذين يحبون وصايا الله يتطلعون إلى المسيح حياتنا عندما يظهر معهم في المجد.
* حُفظت شهادات الله ولم تُجحد. هذا هو عمل الشهداء، لأن "الشهادات" دُعيت في اليونانية Martyria. وحيث أنه بدون محبة لا أنتفع شيئًا حتى إن احترقت بالنار (1 كو3:13). لذلك أضاف: "أحببتها جدًا" [167]... لأن من يحب يحفظ الوصايا في روح الحق والأمانة.
إذ يركز على حفظ الوصايا يؤكد هنا الآتي:
* توقعه خلاص الرب، أي رجاؤه في عمل الله الخلاصي، فحفظ الوصايا ليس مجهودًا بشريًا ذاتيًا بل هو عمل الله الخلاصي فيه.
* لن يتمم حفظ الوصية بغير إرادته... "وصاياك حفظتها". لا بُد من التجاوب مع النعمة الإلهية.
* ينبع حفظ الوصايا عن الحب الشديد لها.
* اشتهي السلام مع كل أحد،
لكن الرؤساء اضطهدوني لا لعلة إلا لسكناك فيّ.
استخدموا كل وسيلة لمقاومتي.
لا أخشاهم إنما أجزع من الموت الذي تحكم به كلمتك.
إني استخف بالإنسان الذي يضطهدني،
واستهين بالشيطان الذي يطلب هلاكي،
لكنني أخشى إلهي الديان العادل!
* إذ لا أخاف العدو بل أخشى كلماتك يا إلهي،
فإن مخافتك تولد فيَّ بهجة،
أرى في كلماتك غنائم لا تُقدر بثمن.
مع كل معركة ضد إبليس أتمتع بنصرة،
وأخرج حاملًا غنائم كثيرة...هي عطايا إلهية فائقة!
* ظن إبليس أنه يحطم السيد المسيح بتحطيم مؤمنيه،
فتحطم هو وفقد الكثيرين من تابعيه.
آمن كثير من المضطهدين أنفسهم،
وصاروا أعضاء في مملكة المسيح!
* أتمتع بغنائم الفرح،
فأسبحك سبع مرات في النهار.
يصير ليلي نهارًا،
ومتاعبي تسبيحًا لا ينقطع!
وسط الضيق أبلغ فردوسك،
وأنعم بحمدك الدائم!
* مقاومة العدو لي تزيدني سلامًا،
لأن سلامي العظيم لا ينبع من الخارج بل من الداخل.
في مقاومة العدو أرى مخلصي في داخلي،
يقترب إلى جدًا ويخلصني.
يخفيني فيه فلا أكون طرفًا في المعركة.
* مع كل معركة روحية أتوقع خلاصك،
وأحب وصاياك جدًا وأتممها،
وأرى طريقي ماثلة أمامك حتى أبلغ إلى حضن أبيك!
* مع كل ضيقة وألم أتمتع بحب الوصايا جدًا.
أتمتع بالحب فاحفظها بالحق وأمانة.
ويبقى الحب رصيدي الدائم إلى الأبد!
_____
(124) In Mott. Hom. 2.
(125) De Principiis 13:3.
(126) City of God, 11:32.
(127) Sermons on N.T. Lessons, 45:2.
(128) Ibid 64:1.
(129) the Institutes, 3:4.
(130) Stromata 7:7.
(131) Concerning Virgius, book 3, 4:18.
(132) Paschal Letters 6.
(133) On Pentecost, 3.
(134) Sermons on N.T. Lessons, 31:1.
(135) On Ps. Hom. 41.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 119 (قطعة
22) |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 119 (قطعة
20) |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fpy2mpn