← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9
يحمل هذا المزمور وضعًا مختصرًا لمُلك ربنا وسموه ونصرته.
جاءت ثلاثة مزامير بالافتتاحية "الرب قد ملك"، لكن التكملة مختلفة.
ففي المزمور 96: "الرب قد ملك. لبس الجلال".
وفي المزمور 97: "الرب قد ملك، فلتبتهج الأرض".
وفي هذا المزمور: "الرب قد ملك. ترتعد الشعوب".
يرى القديس جيروم أنه جاء في المزمور 96: الرب قد ملك، لبس الجلال. الجلال هنا يشير إلى سمو الآباء بالبطاركة والأنبياء وإيمان الشعب. وهم ثوب المسيح المتمنطق به، المملوء بهاءً كما جاء في (إر 13: 11).
*ألا تعرفون أن القديسين هم منطقة الله وثوبه؟ الله نفسه يقول في إرميا: "لأنه كما تلتصق المنطقة بحقوي الإنسان هكذا ألصقت بنفسي شعبي" (راجع إر 13: 11).
شعب الله هم ملتصقون به، كما تلتصق ثياب الإنسان بجسده.
ولكن لأن هذه المنطقة السامية التي التحف بها الرب طُرحت على الجانب الآخر من الفرات، وُألقيت في شق في صخرة وفسدت (إر 13: 4-12)، أُخذت إلى السبي بواسطة الأشوريين، فماذا يفعل الرب؟
إنه لا يكون عاريًا، لا يمكن أن يبقى بدون منطقة، لا يمكن أن يبقى بدون غطاء. فإذ فُقد شعبه الأول جعل لنفسه ثوبًا من الأمم [1].
وجاء في المزمور 97: "الرب قد ملك، فلتبتهج الأرض".
*لتبتهج الأرض، العالم كله، بالذين يؤمنون.أتريدون تأكيدًا من الكتاب المقدس أن الأمم هم مثل منطقة؟ أنه يقول: "الرب قد ملك، فلتبتهج الأرض، ولتفرح الجزائر الكثيرة" (مز 97: 1). ليست جزيرة واحدة، اليهودية، بل جزائر كثيرة، بمعنى آخر، كل العالم [2].
*خطتنا الآن الكاملة، عندما نسمع مزمورًا كتبه نبي أو الناموس قبل مجيء ربنا يسوع المسيح في الجسد، نرى المسيح فيه، ونفهم المسيح.
لتصغوا معي إلى هذا المزمور، ولنبحث عن المسيح الذي ظهر أولًا للذين لم يبحثوا عنه، والذي خلص الذين تجاهلوه.
انظروا إلى المزمور الذي يبدأ عن المسيح، وعنه يقول: "الرب هو ملك، لتغضب الشعوب" [3].
1 -4. |
||
5 -6. |
||
7 -9. |
||
من وحي مز 99 |
1 اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. تَرْتَعِدُ الشُّعُوبُ. هُوَ جَالِسٌ عَلَى الْكَرُوبِيمِ. تَتَزَلْزَلُ الأَرْضُ. 2 الرَّبُّ عَظِيمٌ فِي صِهْيَوْنَ، وَعَالٍ هُوَ عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ. 3 يَحْمَدُونَ اسْمَكَ الْعَظِيمَ وَالْمَهُوبَ، قُدُّوسٌ هُوَ. 4 وَعِزُّ الْمَلِكِ أَنْ يُحِبَّ الْحَقَّ. أَنْتَ ثَبَّتَّ الاسْتِقَامَةَ. أَنْتَ أَجْرَيْتَ حَقًّا وَعَدْلًا فِي يَعْقُوبَ.
اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ.
تَرْتَعِدُ الشُّعُوبُ.
هُوَ جَالِسٌ عَلَى الْكَرُوبِيمِ.
تَتَزَلْزَلُ الأَرْضُ [1].
إذ يملك الرب ترتعب الشعوب من الجالس على الكاروبيم ليدينهم، أما الذين صاروا أبناء الله فيتهللون بمجيئه.
في تشامخ يظن البعض أنهم كالجبال العظيمة أو المحيطات العميقة، لكنهم أمام الرب يرتعبون، لا لكي يتحطموا، وإنما يتحطم إنسانهم القديم، ويتهلل إنسانهم الجديد.
كلمة "شروب" أو "كروب" في العبرية تعني معرفة.
فالله يجلس على كرسيه أو الكاروبيم. ونحن إن أردنا أن تكون نفوسنا عرشًا أو كرسيًا لله، يلزم أن تكون نفوسنا مملوءة بالمعرفة الروحية الحقيقية أو الحكمة السماوية. ويرى القديس أغسطينوس أنه إن وُجد الحب في القلب يتم كمال الناموس (رو 13: 10) ويسكن الله فيه.
*بدأ ربنا يسوع المسيح يملك، بدأ يُكرز به، بعد أن قام من الأموات وصعد إلى السماء، بعد أن ملأ تلاميذه بالثقة في الروح القدس ألا يخافوا من الموت، الذي قتله فيه فعلًا.
بدأت الكرازة بربنا يسوع حتى أن الذين يرغبون في الخلاص يلزمهم أن يؤمنوا به. والشعوب التي عبدت الأصنام غضبت...
لقد غضبوا من ربهم لحساب أصنامهم، هؤلاء الذين وإن كانوا يغضبون من عبيدهم لحساب أصنامهم يُدانون. لأن عبيدهم أفضل من أصنامهم. لأن الله خلق عبيدهم، وأما النجار فصنع أصنامهم [4].
* الكروبيم هم كرسي الله، كما يُظهر لنا الكتاب المقدس. إنهم عرش سماوي أكيد، لا نراه، لكن كلمة الله يعرفه، يعرفه ككرسيٍ له.
كلمة الله وروح الله يظهران لخدمة الله أينما يجلس الله. ليس بمعنى أن الله يجلس مثل البشر، بل إن أردتم أنتم يجلس الله فيكم. إن كنتم صالحين تكونون كرسي لله. مكتوب: "نفس الصديق كرسي الحكمة". فإن العرش في لغتنا يُدعى كرسيًا [5].
*لا تضطرب، فقد أُخبرت باختصار، فإنك إن أردت أن يكون لك كمال المعرفة وأن تصير عرشًا لله، يقول الرسول: "المحبة هي تكميل الناموس" (رو 13: 10)...
اسأل قلبك إن كان فيه المحبة. فإن وجدت فيه المحبة، يكون فيه تكميل الناموس أيضًا، وبالفعل يسكن الله فيك، وتصير عرشًا لله... وتصير سماءً لله... تصير سماءٍ.
فإن هذه السماء التي نتطلع إليها بالعيون التي لنا ليست بثمينة أمام الله.
النفوس المقدسة هي سماء الله، عقول الملائكة، وعقول خدامه هي سماء الله [6].
*كما أن الشاروبيم (كروبيم) معناها "كنز المعرفة"، فإن الإنسان الذي يقتني كنز المعرفة هو عرش الله. كنز المعرفة هذا ليس معرفة مجردة، بل هو أيضًا كنز الأعمال، فإن المعرفة الحقيقية هي وحدها التي تُثبت بالأعمال [7].
*لما نظر البشر قدرة الجالس على الشاروبيم تزلزلوا، أي انتقلوا من الحزن إلى الفرح، لأن الرب الملك قد ملك. فهو للصديقين فرح وللأثمة حزن.
كذلك عندما كان اليهود يسمعون عن المسيح أنه ملكهم كانوا يخجلون ساخطين، ويقولون لبيلاطس: ليس لنا ملك إلا قيصر...
لتتزلزل الأرض، لأن سكانها عندما أبصروا ضعف قوة الأبالسة، وبطلان أفعالهم، اهتزوا، وانتقلوا من ضلالة آبائهم لإنذهالهم من حكمة تعليم المسيح، وعظم قدرته، ودعوة ملكًا وسيدًا.
الرَّبُّ عَظِيمٌ فِي صِهْيَوْنَ،
وَعَالٍ هُوَ عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ [2].
الله العظيم يسكن في وسط شعبه، كنيسته، صهيون الروحية، يحتضنهم ويقدسهم. أما الشعوب المتشامخة عليه فهو عالي عليهم، لن يلتقوا به ما لم يتواضعوا.
*هذا الذي تكلمت عنه أنه على الكروبيم هو عظيم في صهيون.أسألكم الآن: ما هي صهيون؟ نحن نعرف صهيون أنها مدينة الله. مدينة أورشليم تُدعى صهيون. وبحسب تفسير أكيد "صهيون" تعني السهر (المراقبة) أي الرؤية والتأمل.
فالسهر (المراقبة) هو أن تتطلع إلى شيءٍ، وتركز بالعينين عليه لتراه.
الآن كل نفسٍ هي صهيون، إن حاولت التركيز على ذاك النور الذي يُرى.
فإن ركزت نظرها على نورها الذاتي تظلَّم، أما أن ركزت على نور (الله) تستنير...
مدينة الله هذه تدعى صهيون، لذلك فإن الكنيسة هي صهيون. الله عظيم فيها [8].
يَحْمَدُونَ اسْمَكَ الْعَظِيمَ وَالْمَهُوبَ.
قُدُّوسٌ هُوَ [3].
ذاك الذي هو عظيم في كنيسته، أي صهيون الروحية، وعالٍ على كل الشعوب، يُكرز به بكونه مصلوبًا عن العالم، قد جاء في ضعفٍ من أجل محبته لنا ولخلاصنا، فمن يحمده ويعترف به كمخلصٍ، يدرك أنه الديان العظيم المهوب والقدوس، قادم لكي يدين.
*إنه يصفح في الوقت الحاضر عن الشعب الذي يجدف عليه، لأن طول أناة الله إنما تقتاد إلى التوبة (رو 2: 4). فإن ذاك الذي يصفح الآن، لا يصفح على الدوام، ولا ذاك الذي يُكرز به الآن أنه سيكون مخوفًا يتوقف عن أن يأتي ليدين. سيأتي يا إخوتي. فلنخشه ولنحيا بما يليق حتى متى جاء ويدين نوجد عن يمينه [9].
*اسم ربنا عظيم كما كتب الرسول في الفصل الثاني من رسالته إلى أهل فيلبي: "لذلك رفعه الله أيضًا، وأعطاه اسمًا فوق كل اسمٍ، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبةٍ ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (في 2: 9-10). إذًا لاسم يسوع تعترف الشعوب كلها لكون معناه "خلاص"، وهو مهوب لغير المؤمنين، وأيضًا للشياطين، لأنها إذا سمعته هربت، وقدوس للذين آمنوا به.
وَعِزُّ الْمَلِكِ أَنْ يُحِبَّ الْحَقَّ.
أَنْتَ ثَبَّتَّ الاِسْتِقَامَةَ.
أَنْتَ أَجْرَيْتَ حَقًّا وَعَدْلًا فِي يَعْقُوبَ [4].
*يلزمنا أن يكون لنا نحن أيضًا الحق والبرّ. وهو يعمل فينا بالحق والبرّ، نحن الذين خلقنا ليعمل فينا. كيف يلزمنا أن يكون لنا الحق والبرّ؟ يكون لكم الحق عندما تميزون الشر من الصلاح، ويكون لكم البرّ إن كنتم تسلكون بالصلاح وتتجنبون الشر. بالتمييز بينهما يكون لكم الحق، وبالعمل يكون لكم البرّ [10].
*كل خاطي يخشى عدل الله، لا يريد أن يعرف الديان؛ بل يريد أن يلتقي بالرحمة. رجل القداسة يلتفت إلى الله ويمجده في جسده. إنه لا يخاف الديان بل يحبه... الخادم الأمين لا يخاف الله بل يحبه. عندئذ يتحقق الكتاب: "عز الملك أن يحب الحق (العدل) [11].
*تتأيد رئاسة الملك وسلطته، إذ حكم بالعدل. أما قوله أنت هيأت الاستقامة فمعناه أن الله الذي نحن نعبده ليس بحديثٍ. فالقول يعني: أنت يا الله سبق ووضعت الاستقامة والقضاء والعدل لآل يعقوب، أي للإسرائيليين، وذلك عندما أعطيتهم الشريعة على يد موسى... أما الآن فقد وفيت بوعدك، وحققت قضاءك، لأنك خلصتنا من عبودية العار بتجسدك ونزعت الظلمة.
*إن كنا نصنع كل عمل باتزانٍ، غير فاحصين آراء الناس الآخرين من جهة نقاوة قلبنا، بل نفحص ضمائرنا ذاتها، فإن هذه الفترة التي للراحة لن تقلل من حزمنا وضبطنا لأنفسنا. ذلك فقط كما قلت لو فكر عقلنا في الحدود المعقولة الخاصة بالسماح لنا بالأكل أو عدم السماح به، ممتنعين عن كل إفراط في أي الجانبين، مميزين بإفراز حقيقي إن كان اندفاعنا في التنعم ثقل على أرواحنا أو مغالاتنا الزائدة في الصوم ما يثقلها أيضًا... فإن ربنا لا يرضى أن نفعل شيئًا من أجل مجده دون أن نمزجه بالإفراز (التمييز) لأن عز الملك أن يحب التمييز (الحق) (مز 4:99). لهذا نجد سليمان - أحكم الناس - يحثنا على عدم الانحراف في أي الجانبين، قائلًا لنا أن نكرم الرب بالأتعاب المملوءة برًا ونقدم له ثمار البرّ [12].
5 عَلُّوا الرَّبَّ إِلهَنَا، وَاسْجُدُوا عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ. قُدُّوسٌ هُوَ. 6 مُوسَى وَهَارُونُ بَيْنَ كَهَنَتِهِ، وَصَمُوئِيلُ بَيْنَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِهِ. دَعَوْا الرَّبَّ وَهُوَ اسْتَجَابَ لَهُمْ.
عَلُّوا الرَّبَّ إِلَهَنَا،
وَاسْجُدُوا عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ.
قُدُّوسٌ هُوَ [5].
دعا الرب الصليب مجدًا، إذ يعلن حبه الفائق للبشرية. يرفعهم إلى سماواته ويقدسهم، ويتمجد فيهم.
يقول القديس غريغوريوس النيسي إن الإنسان ولو رفع عقله برؤيته على قدر استطاعه لا يقدر أن يفهم علو اللاهوت، لكنه يلبث أسفل عند موطئ قدميه.
يرى القديس جيروم أن التفسير الحرفي لهذه العبارة تعني أننا نسجد في الموضع الذي وُلد فيه يسوع المسيح، والذي فيه صُلب، والذي فيه قام من الأموات. أما بالتفسير الروحي فإن ربنا يسوع يطأ قدميه في النفس المقدسة له لأنه قدوس، إنه عريسها الذي يلتصق بها ما دامت مقدسة له. أما إن التصقت بالشر فإنه يفارقها، لأنه ليست شركة بين القدوس والشر.
*يسجدون للاهوته كما لموطئ قدميه، كما هو مكتوب: "اسجدوا عند موطئ قدميه، فإنه قدوس". وإن أنكروا أن في المسيح أيضًا أسرار تجسده يُسجد لها، الأمر الذي نحن نراعيه إذ نعبِّر عن آثار لاهوته، وطرق الكلمة السماوي، فليقرأوا أن الرسل أنفسهم سجدوا له عندما قام في مجد جسده (مت 28: 17) [13].
*لنحمده ونعظمه، ذاك الذي صنع البرّ ذاته الذي لنا. صنعه فينا بنفسه. من هو هذا إلا الذي يبررنا، ويصنع البرّ فينا؟ يقال عن المسيح إنه: "يبرر الفاجر" (رو 4: 5) [14].
*موطئ قدمي يسوع هو نفس من يؤمن. طوبى للإنسان الذي يطأ يسوع قدميه في قلبه! إن كان فقط موطئ قدميه يلتصقان بقلبي إلى الأبد! إن كنت فقط أقول للعريس: أمسكت به ولم أدعه يذهب (نش 3: 4). سريعًا ما يستاء العريس، إذ يحب الطهارة الدائمة، فإن رأى نجاسة ينسحب للحال [15].
*عندما نستخدم تعبير "سجود" بخصوص الإنسان كمثال سجدت سارة أمام إبراهيم، وإيليا أمام أخاب الملك الكلي الشر، لا يعني أن إيليا عبد أخاب كما لو كان الله، إنما هذا السجود هو مجرد تحية [16].
*كرّم إبراهيم الرجال عديمي الإيمان الذين باعوا له المغارة التي أصبحت قبرًا، وركع بركبتيه إلى الأرض، ولكنّه لم يعبدهم مثل الله.
بارك يعقوب فرعون، الذي كان وثنيًا وعديم التقوى، لكنّه لم يباركه كإله. ومرّة أخرى سجد إلى الأرض عند قدميّ عيسو، لكنّه لم يعبده مثل الله.
ألم يأمرنا الله أن نسجد أمام الأرض والجبال؟
"علّوا الرب إلهنا واسجدوا في جبل قدسه عند موطئ قدميه. قدّوس هو" (مز 99: 5). الأرض هي موطئ قدميه، لأنّه يقول: "السماء عرشي، والأرض هي موطئ قدمي".
من يستطيع القول أن موسى عبد يثرون الذي كان وثنيًا (خر 18: 7)، أو أن داود عبد نبوخذنصر عديم التقوى؟
كيف لكم أن تعنفوني لتكريم هؤلاء الذين كرموا وعبدوا الله؟
أخبروني: أيهما مناسب أكثر أن نكرم القدّيسين أو أن نلقيهم بالحجارة كما تفعلون؟
ألاّ يناسب أن نبجّلهم، بدلًا من تقطيعهم إلى قطع ورميهم في الوحل؟
لو كنتم تحبون الله، لكنتم تتشوقوا لتكريم خدمّه أيضًا. وإذا كانت عظام الأبرار غير نظيفة، فلماذا إذًا أُحضرت عظام يعقوب ويوسف بكل تكريم من مصر؟ (تك 50: 5).
مُوسَى وَهَارُونُ بَيْنَ كَهَنَتِهِ،
وَصَمُوئِيلُ بَيْنَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِهِ.
دَعُوا الرَّبَّ،
وَهُوَ اسْتَجَابَ لَهُمْ [6].
يرى القديس أغسطينوس أن كلمة الله تحدث مع أنبيائه وكهنته، لكن خلال عمود السحاب، خلال ظلال الناموس والرموز والنبوات، أما بالنسبة لنا فقد نزل إلينا خلال تجسده لندرك أسرار محبته الفائقة.
*لم يُذكر عن موسى أنه كان كاهنًا. فإن لم يكن هكذا، فماذا كان؟
هل كان أعظم من كاهنٍ؟ يعلن هذا المزمور أنه هو نفسه كان أيضًا كاهنًا...
لقد ذكر هؤلاء، لأن الله تكلم معهم من خلال عمود السحاب. ماذا يعني بعمود السحاب؟ إنه يتكلم بطريقة رمزية...
ذاك الذي تكلم أولًا من عمود السحاب، جاء بشخصه يتكلم معنا في موطئ قدميه، أي على الأرض، وذلك عندما أخذ جسدًا. لهذا نسجد عند موطئ قدميه، لأنه هو قدوس.
هو نفسه اعتاد أن يتكلم من السحاب، ولم يكن يُفهم؛ تكلم من موطئ قدميه، ففُهمت الكلمات التي تكلم بها من السحاب [17].
* "مُوسَى وَهَارُونُ في كَهَنَتِهِ" (مز 99: 6)
من يُقدَّم لأجل ترشيحه للكهنوت يلزم أن يكون كموسى... حتى عندما يُصب على الشعب الموت المرهب لبعض العصاة، يتقدَّم ليكون هو بين الموت والحياة كي لا يهلك أحد من شعبه.
الإنسان الذي له روح الكهنوت وفكره، هو ذاك الذي بكونه راعيًا صالحًا يتقدَّم بروح ورعة للموت من أجل قطيع الرب. وبهذا يكون (كموسى) في كسر شوكة الموت، وصد قوَّته وإزالته إلى أبعد الحدود.
فالحب هو العضد الذي يذكِّيه، مقدِّما نفسه للموت من أجل مقاوميه.
*أخطأ الكثيرون إذ ظنوا أن الطوباوي صموئيل كان كاهنًا. لم يكن كاهنًا بل لاويًا... الأولان كانا كاهنين، والأخير لاويًا. مع هذا موضع السؤال أمام الله ليس الكرامة بل العمل... موسى وهرون وصموئيل حملوا ألقابًا مختلفة، لكنهم مارسوا أعمالًا قديرة متشابهة؟ [18]
7 بِعَمُودِ السَّحَابِ كَلَّمَهُمْ. حَفِظُوا شَهَادَاتِهِ وَالْفَرِيضَةَ الَّتِي أَعْطَاهُمْ. 8 أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، أَنْتَ اسْتَجَبْتَ لَهُمْ. إِلهًا غَفُورًا كُنْتَ لَهُمْ، وَمُنْتَقِمًا عَلَى أَفْعَالِهِمْ. 9 عَلُّوا الرَّبَّ إِلهَنَا، وَاسْجُدُوا فِي جَبَلِ قُدْسِهِ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا قُدُّوسٌ.
بِعَمُودِ السَّحَابِ كَلَّمَهُمْ.
حَفِظُوا شَهَادَاتِهِ وَالْفَرِيضَةَ الَّتِي أَعْطَاهُمْ [7].
إن كان السحاب يشير إلى نزول الكلمة وتجسده لكي نلتقي معه في مجيئه الأول في تواضعه، والثاني في مجده، يتحدث معنا بعمود السحاب. والعمود يعطي المبنى قوة، كما يسكب عليه نوعًا من الجمال. وكأن مسيحنا يتحدث معنا ليهبنا قوته ويسكب بهاءه علينا.
أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا أَنْتَ اسْتَجَبْتَ لَهُمْ.
إِلَهًا غَفُورًا كُنْتَ لَهُمْ،
وَمُنْتَقِمًا عَلَى أَفْعَالِهِمْ [8].
استجاب الرب الكلي الحب والرحمة لأنبيائه وكهنته، فغفر لهم خطاياهم، وعاقبهم على الخطية لينالوا المغفرة. فعقابه في جوهر حبّ.
*لم يُقل عن الله كغافرٍ لشيء سوى الخطايا. عندما يصفح عن الخطايا يغفر. وماذا يفعل عندما يعاقب سوى أن يغفر عن صفحه عنها؟ إنه يغفر عندما يصفح، وأيضًا يغفر عندما يعاقب عليها [19].
عَلُّوا الرَّبَّ إِلَهَنَا،
وَاسْجُدُوا فِي جَبَلِ قُدْسِهِ،
لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَنَا قُدُّوسٌ [9].
يقول كل من إشعياء وميخا النبيين إنه في آخر الأيام يكون جبل الرب ظاهرًا، أي يصير لنا معرفة علوه والإيمان بلاهوته، وأيضًا جبل صليبه.
يقول الرب: "لأني الله لا إنسان، القدوس في وسطك، فلا آتي بسخطٍ" (هو 11: 9).
تعبير "قدوس" خاص بالله وحده، ليس فقط لإبراز الفارق الشاسع بين طهارته وكل الخليقة السماوية والأرضية، وإنما بكونه السرمدي الخالق، والكل من صنع يديه. هذا القدوس العجيب في حبه، تنازل وصار إنسانًا من أجل بني البشر، لم يخجل أن يحل بيننا، ويحسبنا أبناء لله، وينسب نفسه إلينا. إنه القدوس الذي صار لنا برًا وفداء وقداسة!
*أننا نعليه (نعظمه). ذاك الذي هو رحوم حتى عندما يضرب. كيف يُحمد وكيف يُعظَّم؟ أترى هذا حتى في تعاملك مع ابنك، ولا تراه مع الله؟ فهل أنت صالح عندما تضربه؟ عندما تعتني به أنت أبوه، وعندما تضربه أيضًا أنت أبوه. إنك تعتني به حتى لا يخور، وتضربه حتى لا يهلك [20].
*النوع الثاني من العبادة النسبيّة هي العبادة المقدمّة للأشياء المخلوقة الأماكن التي استخدمها الله ليتمّم خلاصنا، سواء كان قبل مجيء الرب، أو بعد التجسّد، مثل جبل سيناء، والناصريّة، الكهف والمزود في بيت لحم، جبل الجلجثة المقدّس، خشبة الصليب، المسامير، الأسفنجة، القصبة، الحربة المخلّصة، الرداء القماش، القماط، القبر المقدّس الذي هو نافورة خلاصنا، الحجر الذي أغلق القبر، جبل إسرائيل المقدّس وجبل الزيتون المقدّس، بركة بيت صيدا حديقة جثسيماني المقدّسة وكل الأماكن المماثلة.
أنا أُبجّل وأكرم كل معابد الله المقدّسة، وكل شيءٍ حيثما يوجد اسم الله، ليس من أجلهم، ولكن لأنّهم أوعية لقوّة الله. فيهم ومن خلالهم سُر الله أن يتمّم الخلاص.
أنا أُكرم وأُبجّل الملائكة، والإنسان، والمادة التي اشتركت في القوّة الإلهيّة، لأن هذه الأشياء ساعدت في خلاصي، وعمل الله من خلالهم.
أنا لا أكرم اليهود، لأنّهم رفضوا أن يشتركوا في القوّة الإلهيّة، ولم يتمنوا خلاصي. صلبوا إلهي، رب المجد، هاجموا على الله المحسن إليهم بالحسد والكراهيّة.
داود يقول: "يا رب أحببت محل بيتك وموضع مسكن مجدك" (مز 26: 8). وأيضًا: "ولندخل إلى مسكنه. لنسجد عند موضع قدميه" (مز 132: 7). وأيضًا: "واسجدوا في جبل قدسه" (مز 99: 9).
الثيؤتوكوس المقدّسة qeotokoc هي جبل الله الحيّ، والرسل هم الجبال المتكلّمة لله. "الجبال قفزت مثل الكباش، والآكام مثل حملان الغنم" (مز 114: 4) [21].
*لك المجد يا من أتيت،
لكي تقيم من نفسي مسكنًا لك.
صهيون المحبوبة لديك!
لتملك ولتسكن في داخلي.
*أنت الجالس على الكروبيم.
هب لي معرفتك الحقيقية،
وأملأ قلبي بحبك الإلهي.
فتتأهل أعماقي لجلوسك.
*لتهج الشعوب ولتتزلزل الأرض.
فإن ثار العالم كله عليك،
فأنت العظيم في صهيون.
أنت العالي القدوس!
ماذا يمكن لقوات الظلمة أن تفعل بك؟!
*هب لي روح الحمد والشكر،
أحمدك واعترف لك مخلصًا.
أتمتع بالاتحاد بك،
فأتقدس بنعمتك!
لتجري في داخلي الحق والبرّ.
فإني صنعة يديك.
هب لي حقك،
فأحمل روح التمييز.
لا يختلط الحق مع الباطل،
ولا الصلاح مع الشر.
هب لي برك، فاعشق صلاحك،
وأسلك بروحك القدوس،
روح الحق والاستقامة.
*نزلت إلينا متخليًا عن ذاتك.
أخذت شكل العب وصُلبت عنا.
هب لنا أن نعظم أسمك ونمجدك.
فأنت مخلص العالم وديان المسكونة.
لتأتِ يا مخلصي فألتقي بك.
ليكن لي نصيب عن يمينك،
ولا أحرم من رؤية بهاء مجدك!
*كنت يا رب تتكلم مع كهنتك موسى وهرون وصموئيل.
كنت تحدثهم من السحاب،
ولم يدركوا سرّ خلاصك بوضوح.
نزلت إلينا على أرضنا،
لنسجد لك عند موطئ قدميك.
وندرك بوضوح ما جاء خلال الظلال والرموز.
_____
[1] On Psalms, homily 26.
[2] On Psalms, homily 26.
[3] On Ps.99 (98).
[4] On Ps.99 (98).
[5] On Ps .99 (98).
[6] On Ps.99 (98).
[7] On Psalms, homily 26.
[8] On Ps.99 (98).
[9] On Ps.99 (98).
[10] On Ps.99 (98).
[11] On Psalms, homily 26.
[12] Cassian, Conferences 21:22.
[13] Of the Holy Spirit, 3: 76.
[14] On Ps.99 (98).
[15] On Psalms, homily 26.
[16] On Psalms, homily 26.
[17] On Ps.99 (98).
[18] On Psalms, homily 26.
[19] On Ps.99 (98).
[20] On Ps.99 (98).
[21] عن الصور المقدّسة، الدفاع الثاني، 34.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 100 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 98 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bv4xqd2