← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2
ظن البعض أن هذا المزمور هو مجرد مجدلة ختامية لأي مزمور آخر، غير أن النص العبري يؤكد بطلان هذا الرأي، بل هو مزمور كامل مستقل. في الحقيقة هو قصيدة قصيرة، لكنها تقدم مشاعر حيَّة ملتهبة [1].
هو مزمور مسياني، ونبوة خاصة بقبول كل الأمم الإيمان، وقيام كنيسة العهد الجديد.
تسبح به الكنيسة في بدء مزامير الغروب، إشارة إلى قيام الكنيسة في ملء الزمان، وانفتاح باب الإيمان أمام الأمم بكونهم أصحاب الساعة الحادية عشرة.
مع صغر حجم المزمور إلا أنه غاية في العذوبة يعطي رجاءً في قبول العالم للسيد المسيح، وبث روح التسبيح والحمد لله في كل موضع.
قام السيد المسيح بشرح هذا المزمور عمليًا قبل صعوده مباشرة، إذ قال لتلاميذه: "دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم له. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 18-20؛ راجع مر 16: 15-16).
أخيرًا فقد جاء هذا المزمور المختصر للغاية كما أيضًا المزمور 119 الذي يُدعى بالمزمور الكبير، وكأن العبادة لا تُقاس بالزمن وطول العبادة أو قُصرها، إنما بعمق العبادة وحرارتها الروحية.
يشتهي الله أن يكون شعبه كله بركة لكل الأمم، فيكون الكل بالحق أبناء إبراهيم الذي نال وعدًا إلهيًا: "وتكون بركة" (تك 12: 2)، وتتحقق وصية السيد المسيح لتلاميذه أن يصيروا بركة للعالم كله (مت 28: 18-20). لقد قدم السيد المسيح الخلاص لحساب العالم على الصليب، وأرسل لنا روحه القدوس لنكون بركة لمن نعرفهم ومن لا نعرفهم.
إنه مزمور مفرح يهب النفس طمأنينة أن معرفة الله تنتشر في كل المسكونة، كما تملأ المياه المحيطات.
سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا كُلَّ الأُمَمِ.
احَمِّدُوهُ يَا كُلَّ الشُّعُوبِ [1]
هذه نبوة تعلن عن حب الله لكل البشرية واشتياقه أن يتمتع الكل بخلاصه، وأن يتحول الجميع مع الطغمات السمائية إلى خورس للتسبيح.
كثيرًا ما عانى شعب إسرائيل من العجز في تقديم تسابيح لائقة بقدسية الهيكل. أما الآن فإذ تشترك كل الأمم في التسبيح لله، تُقدم بأيادٍ طاهرة وقلوب نقية.
لقد وعد السيد المسيح نفسه: "لي خراف أُخَر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا، فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراع واحد" (يو 10: 16-17). تحقق ذلك عندما بدأت الكرازة بين الأمم بدخول كرنيليوس الإيمان، إذ قيل: "كانوا يمجدون الله، قائلين إذًا أعطى الله الأمم أيضًا التوبة للحياة" (أع 11: 18).
*يدعو المزمور ليس أمة واحدة ولا اثنتين ولا ثلاثة بل كل الأرض والبحر. هذا ما حدث فعلًا عندما أشرق مجيء المسيح. وبعد ذلك يشير إلى سبب خلاصهم، أنه ليس لأجل أعمالهم الصالحة قد خلصوا، ولا لأجل حياتهم ولا أجل ثقتهم، إنما من أجل حنوه وحده. "رحمته علينا قد ثبتت"... إنها قوية وأكثر صلابة من الصخر. إنها تنمو يومًا فيومًا (إذ يقبلها كثيرون) [2].
*من زمن طويل قضى الله في [المزمور 116] (LXX) أن بتدخل رحمته يتحد اليهود مع الأمم. تُوهب نعمة للأمم، ليصيروا زملاء اليهود في الميراث، الذين بنعمة الله دُعوا منذ زمن بعيد شعبه. بينما كان اليهود نبلاء كان الأمم وضيعين، لكن الآن برحمة الله صار الأمم نبلاء أيضًا لكي يفرح الكل معًا بمعرفة الحق [3].
الأب أمبروسياتر
لأَنَّ رَحْمَتَهُ قَدْ قَوِيَتْ عَلَيْنَا،
وَأَمَانَةُ الرَّبِّ إِلَى الدَّهْرِ.
هَلِّلُويَا [2].
جاء في الترجمة السبعينية والقبطية: "لأن رحمته قد قويت علينا، وحق الرب يدوم إلى الدهر. هللويا".
ظهرت رحمة الله بكل قوة في ثلاث حقائق إنجيلية هامة: قيامة السيد المسيح التي قدمت لنا الحياة الجديدة المُقامة، وصعود المسيح الذي فتح لنا أبواب السماء، وقبول الأمم للإيمان، حيث تحققت وعود الله بتجديد قلوب الأمم وأفكارهم للتمتع بوعود الله الصادقة. قبولهم للإنجيل أذهل العالم، وشهادة لأمانة الرب إلى الدهر. قدم إنجيل المسيح للمؤمنين عزاءً أبديًا ورجاءً صالحًا بالنعمة (2 تس 2: 16). قدم محبة الآب العملية، واهبًا الحياة الأبدية خلال ذبيحة الابن الوحيد الجنس.
يرى القديس أغسطينوس أن المرتل يشير إلى أمرين: رحمة الرب وحق الرب أو عدله، وذلك كما ورد في (المزمور 116: 5). خضع الأمم لاسم الرب خلال وعده بالرحمة للأتقياء، كما خلال تهديده الأشرار (بعدله).
*يخبر هذا المزمور بأكثر إيضاح عن كرازة الرسل القديسين بالإنجيل في كل الأرض، وانضمام جميع الأمم ودخولهم إلى الإيمان بالمسيح، كما جاء في نبوة زكريا: "ترنمي وافرحي يا بنت صهيون، لأني هأنذا آتي وأسكن في وسطك، يقول الرب. فيتصل أمم كثيرة بالرب في ذلك اليوم، ويكونون لي شعبًا، فأسكن في وسطك، فتعلمين أن رب الجنود قد أرسلني إليك" (زك 2: 10-11). يقول زكريا النبي جهارًا إن الآب رب الجنود الذي أرسل الرب... الذي جعل الأمم شعبه. جاء ابنه الوحيد وسكن في كنيسته المقدسة. وقد قويت رحمته غالبة خطايا الأمم، وحق كلامه الذي أوصاه لأنبيائه سابقًا قد أنجزه. وهو يدوم إلى الدهر مع دوام الإيمان بالمسيح.
* "حقه يدوم إلى الأبد": هذه على وجه الخصوص سمة حقه الذي يشرق. قال هذا أيضًا، لأن أحداث العهد القديم كانت رمزًا وظلًا. هذا ما أشار إليه الإنجيلي بقوله: "لأن الناموس بموسى أُعطى. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو 1: 17) [4].
*تسبحك يا رب نفسي،
من أجل كثرة إحساناتك لي.
بل وأدعو كل الأمم معي،
لنقدم تسبحة الشكر على غنى حبك لنا.
لن يستريح قلبي حتى أرى الكل قد اجتمعوا مع السمائيين.
لنصر جميعًا كنيسة واحدة مقدسة!
نلهج دومًا بحبك ورعايتك.
*رحمتك يا رب هي سرّ قوتنا.
حررتنا من عبودية إبليس،
وأقمتنا أبناء لله الآب أبيك.
حطمت متاريس الهاوية،
وأعطيتنا جناحي الروح،
فنطير وننطلق إليك.
فتحت لنا أبواب السماء،
وقدمت لنا برَّك برًّا لنا.
حقك يسندنا إلى الأبد.
لك المجد يا محب البشر!
_____
[1] W. S. Plumer, Ps 117.
[2] On Ps. 117.
[3] Commentary on Paul’s Epistles Rom (15:11).
[4] On Ps. 117.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 118 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 116 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/mjaw4pf