← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12
واضع هذا المزمور غالبًا داود النبي، وهو تسبحة رائعة بخصوص الاشتياق نحو السكنى في بيت الرب، أو حتى الوقوف على عتبة بيت الرب كبوّابين له.
كان بنو قورح يتغنون بهذا المزمور المفرح. حقًا لقد حلّ غضب الرب على أبيهم قورح ومعه داثان وأبيرام وجماعتهم، لتمردهم وتعدِّيهم على العمل الكهنوتي، فانشقت الأرض وابتلعتهم (عد 16: 9-11). لكن نسل قورح كانوا كبوَّابين على خيمة الاجتماع (1 أي 9: 19؛ 26: 1-19).
وقد جاء اسمهم كبني قورح على عشرة مزامير 44-48؛ 84-88، وكلها مزامير تتسم بالفرح، دون أية إشارة إلى حزن. فقد اختبروا عذوبة خدمة بيت الرب، ولو وقفوا كبوابين على الأبواب. تذوقوا حلاوة الشركة مع الله.
هذه المزامير تفتح أبواب الرجاء أمام الجميع، فإن كان لنا أب أو جد أو آباء أو أمهات تمردوا على الرب، فإن الله لن يحاسبنا على أخطائهم، بل يقدم لنا تعزيات سماوية إن سلكنا في طريقه.
يرى البعض أن هذا المزمور وضعه المرتل ليتغنى به العاجزون عن الذهاب إلى بيت الرب بسبب قهري كالمرض. فقد طُلب من اليهود أن يصعدوا إلى أورشليم ثلاث مرات سنويًا في أعياد الفصح والبنطقستي والمظال. فمن يعجز عن الصعود لسبب قهري، يعلن بهذا المزمور شوقه للذهاب إلى بيت الرب، والوقوف على عتبته.
يرى المرتل في السكنى في بيت أو الاشتياق إلى السكنى فيه انطلاق النفس بالحنين نحو أورشليم العليا، مدينة الله.
يعلن المرتل ثلاثة أنواع من التطويبات:
1 -4. |
||
5 -7. |
||
8 -12. |
||
من وحي مز 84 |
يعلق القديس جيروم على العنوان "لبني قورح" موضحًا أنهم رمز لأبناء القيامة الذين يختبرون عربون الحياة الأبدية في المسيح يسوع القائم من الأموات.
*سأقدم لكم قاعدة بها تعرفون كيف تتطلعون إلى الكتاب المقدس. أي مزمور نجد في عنوانه "لبني قورح" يكون دائمًا مفرحًا دون أية إشارة إلى الحزن. فبينما عوقب قورح وداثان وأبيرام بواسطة الرب بسبب تذمرهم على موسى (عد 16)، نجد أبناء قورح الذين لم يشاركوا أباهم تمرده، كانوا مطوَّبين بفرحٍ أبديٍ. علاوة على هذا فإن اسم قورح يعني الجلجثة [الجمجمة]، وواضح أنه يرمز إلى موضع القيامة. فمن هو ابن لقورح يكون ابنًا للقيامة. ابن القيامة لن يمكن أن يكون حزينًا [1].
لإِمَامِ الْمُغَنِّينَ عَلَى الْجَتِّيَّةِ. لِبَنِي قُورَحَ. مَزْمُورٌ
"الجتية" يُقصد بها آلة موسيقية تشبه القيثارة، وربما تعني لحنًا موسيقيًا كان يستخدم في مدينة جت الفلسطينية.
1 مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ! 2 تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ. قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلهِ الْحَيِّ. 3 الْعُصْفُورُ أَيْضًا وَجَدَ بَيْتًا، وَالسُّنُونَةُ عُشًّا لِنَفْسِهَا حَيْثُ تَضَعُ أَفْرَاخَهَا، مَذَابِحَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ، مَلِكِي وَإِلهِي. 4 طُوبَى لِلسَّاكِنِينَ فِي بَيْتِكَ، أَبَدًا يُسَبِّحُونَكَ. سِلاَهْ.
مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ [1].
كان المؤمنون في العهد القديم يشتهون ديار الرب، فكل كيانهم الداخلي والخارجي، أي قلوبهم كما أعضاء أجسادهم تتهلل ببيت الرب، حيث يشتهي المؤمن أن يسكن مع الرب أبديًا. وفي العهد الجديد، وهبنا الآب أن يقيم منّا هيكلًا لروحه القدوس مبنيًا على الصخرة (مت 7: 21-29)، أي مسيحنا صخر الدهور، فتصير أعماقنا مقدسات فائقة!
يميز القديس جيروم بين ثلاثة مساكن: خيام (مساكن) الرب [1]، وديار الرب (الساحات) [2]، وأخيرًا بيت الرب [3]، فالمؤمن يجد عذوبة أو حلاوة في خيام الرب وإن كانت مؤقتة متحركة وبلا أساسات، ثم ينتقل إلى ديار الرب التي لها أيضًا أساسات، وأخيرًا يدخل بيت الرب.
*ما أحلى مساكنك (خيامك) يا رب الجنود [1]. الطموح الوحيد لبعض الناس هو أن يقتنوا ممتلكات، وآخرون أن يغتنوا بثروة العالم، بينما آخرون يرغبون في نوال مراكز سامية في الاجتماعات، ويكونون مرموقين بين البشر. أما بالنسبة لي فلي اشتياق واحد فقط، وهو أن أرى مساكنك الأبدية. بالنسبة لي هذه هي المساكن المحبوبة حيث يحتشد فيها الطاهرون لا الفاسدون. "تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب" [2]. هذه هي شهوتي الوحيدة، هذا هو حبي الوحيد، أن أرى ديارك. لاحظوا الترتيب، أولًا يشتاق إلى الخيام (المساكن) التي بلا أساس ويمكن نقلها بسهولة. فالخيمة دومًا تتحرك، ويمكن طيّها وحملها هنا وهناك. أما الديار (الساحات) فمن الجانب الآخر، مع أنها بالتأكيد ليست بيوتًا، لكن لها نوع من الأساس، من الدار (الساحة) ندخل في البيت. مرتلنا إذن يشتاق أولًا إلى الخيمة، وبعد ذلك يشتاق جدًا مع الحب أن يرى ديارك، وإذ يكون في ديارك، يصرخ: "طوبى للساكنين في بيتك" [4] [2].
* "ما أحلى مساكنك يا رب الجنود!" هذه إذن هي المخازن التي فيها تكتنز الحنطة الروحية. "اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم حتى يقبلوكم في المساكن الأبدية" (راجع لو 16: 9). "ما أحلى مساكنك يا رب الجنود!"... خلالها يحول الإنسان إقامته من الأرض إلى السماء! [3]
*هذا القول من قبل الأسرى الذين كانوا في بابل، إذ كانوا مشتاقين إلى الرجوع إلى أورشليم حيث كان هيكلهم. وأما الأصح فهو كأنه صادر من قبل الذين آمنوا بالمسيح وهم يشتاقون إلى الكنائس والهياكل الموجودة في بلاد المسكونة قاطبة التي هي ديار الرب ومذابحه، يشتاقون إليها بالقلب والجسم مبتهجين.
تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ.
قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلَهِ الْحَيِّ [2].
أينما وجد الإنسان غالبًا ما يعاني من الصراع بين اشتياقات الجسد واشتياقات الروح؛ يشعر كأن معركة قد ثارت في أعماقه بين شهوات الاثنين. أما إذا دخل الإنسان إلى بيت الرب تحت مظلة روحه القدوس، فتتحول المعركة إلى انسجام رائع. ترتوي النفس من ينابيع حب الله، ويتهلل الجسد بكل كيانه.
*مثمران وسعيدان هما العقل والقلب اللذان يمتلئان نهارًا وليلًا بالشوق نحو مسكن الرب! عندما يحل الموت بالخاطي لا يكون فكره مشغولًا بهذا المسكن، بل بالعقوبات. إنه لا يتأمل في ملكوت السماوات، وإنما في رعب لهيب جهنم...
انظروا مدى الحب والشوق اللذين ينخسان نفس القديس بالشوق نحو ديار الرب.
ممتاز هو قول المرتل: إني أتأمل في المدخل، أما ما هو في الداخل فلست أعرفه.
"قلبي ولحمي يهتفان بالله الحي..." ها أنتم تلاحظون أن النفس والجسم يشتركان معًا في الشوق نحو ملكوت السماوات. لو كان بالحق الجسم ينحل وينتهي في أهواء ولا يقوم ثانية كما يظن الهراطقة، فكيف يمكن لجسم النبي أن يشتاق إلى ملكوت السماوات؟
"قلبي ولحمي" إذ يتألمان ويتعبان بالتساوي، فإنهما على قدم المساواة ينتظران المكافأة.
إن كان جهادهما مشتركًا، فلماذا لا تكون مكافأتهما مشتركة؟ أتوسل إليكم أن تنصتوا باجتهاد لما سأقوله. الجسم في العالم الحاضر يتعب أكثر من النفس، فإن النفس تأمر والجسم يخدم. تعب الخادم شيء ومباهج الآمر شيء آخر. النفس تتوق إلى الرب!
الجسد يصوم، إنه الجسم هو الذي يرقد على الأرض في البرد، وهو السجين، وهو الذي يُجلد عند الاستشهاد، ويُذبح، ويُشتم، ويُعامل بعنفٍ. والنفس أيضًا تتألم، لكن الألم لا يصل إليها إلا من خلال الجسم [4].
*"قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحيّ" [2] يصعب على جسم إنسان ونفسه أن يكونا في انسجام كامل. إنه بالحقيقة كما يقول الرسول أن الروح تقاوم الجسد، والجسد يقاوم الروح (غل 5: 17)، فماذا تعني الكلمات: "قلبي وجسدي يهتفان"؟ هذه الصلاة تصدر فقط من ذاك الذي نفسه ثابتة بالكامل في حب الله... إنه ذات الفكر الذي يعبِّر عنه مزمور آخر: "عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي" (مز 63: 3). هذا هو الجسد الذي يشتاق إلى الرب، الذي كتب عنه في موضع آخر: "كل البشر يرون خلاص الله" (انظر لو 3: 6). أما الجسد الذي يقول عنه الكتاب: "كل بشر هو عشب" (إش 40: 6) فإنه لا يشتهي الرب [5].
*لأني سأدخل موضعَ الخيمة العجيبة، إلى بيت الله، بصوت الفرح والحمد، بصوت جمعٍ معيَّد واحد" (مز 42:4). بكى (داود) بحق لأنه كان يسكن الأرض، بينما المظال السماوية تنتظره، حيث يدخل في الوقت المناسب إلى قدس القدير (قابل مز 84:2، 3، 10)، وفي الحقيقة، فقد فضل وآثر ذلك الموضوع على كل ثروةِ مملكته، كما شهد هو قائلًا في نصٍ آخر: "واحدةً سألتُ من الرب، وإياها التمس أن أسكن في بيت الرب كلَ أيام حياتي، لكي أنظر إلى فرحِ الرب" (مز 27: 4) وفرحُ الربِ في الكنيسة.
الكنيسة أيقونة السماويات وبعد أن يزول الظل حقًا، تظهر الأيقونة جلَّيةً (قابل عب 10:1؛ كو 2:17). والظل هو المجمع اليهودي. وفي الظل الناموس، لكن في الإنجيل الحق. لهذا فإن أيقونةَ الحق تسطع في نور الإنجيل، لهذا بكى المرتل بسبب تأجيل الخيرات التي امتلأت حتى الحافة كاملةً بالنعمة والفرح [6].
اَلْعُصْفُورُ أَيْضًا وَجَدَ بَيْتًا،
وَالسُّنُونَةُ عُشًّا لِنَفْسِهَا حَيْثُ تَضَعُ أَفْرَاخَهَا،
مَذَابِحَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ مَلِكِي وَإِلَهِي [3].
لتطر نفسنا إلى بيت الرب، وتستقر أعماقنا في الأحضان الإلهية، وتلتهب قلوبنا بالحنين إلى البيت السماوي.
*يتحدث المرتل هنا مجازيًا: الطيور حرة، تطير في الجو كيفا تريد، ومع هذا تتذكر أعشاشها، وترجع إليها. لذلك إن كانت العصافير تطلب أعشاشها، فلماذا لا تطلب النفس البشرية مسكنها الذي أُعد لها بالرب؟
"مذابحك يا رب الجنود"... في الرؤيا شاهد يوحنا مذبح الرب الذي تحته نفوس الصديقين (رؤ 6: 9)... إنها تحت مذبح الله، لأنها قُدمت قربانًا في الاستشهاد من أجل المسيح، ذبيحة الرب المخلص استحقت أن تكون في السماء تحت المذبح [7].
*"العصفور أيضًا وجد بيتًا، والسنونة عشًا لنفسها حيث تضع أفراخها" [3]... أشتاق إلى موضعٍ للسكنى، إلى عشٍ لنفسي وجسمي. الطيور التي تطير هنا وهناك دون عائق، بعد طيرانها تجد موضعًا وعشًا لتستريح فيه، فكم بالأكثر لجسمي ونفسي أن يدبرا لهما موضع راحة! [8]
*كما أن الطيور الطاهرة -كالعصفور والحمامة- تبني عششها في الأماكن العالية، هكذا فإن الخيام والساحات والبيوت (التي للرب) لا توجد على أرضٍ سفلية، وإنما في العلا في ملكوت السماوات [9].
*إننا نحن الذين من الأمم قبل تجسدك يا رب فكنا ضالين مثل عصفور لا عش له، كذلك كان معلمونا ذوو الألباب الحسنة. لكن الآن قد وجدنا مساكنك المحبوبة والجميلة، واتخذناها عشًا لنضع فيها أفراخنا، أي تلاميذنا الذين يفتحون أفواههم لكي يقتاتون من لذيذ خطاب أقوالك، يتناولون ذلك من المعلمين الذين هم نسور تقدمه إلى أفراخها، أي إلى تلاميذهم.
طُوبَى لِلسَّاكِنِينَ فِي بَيْتِكَ،
أَبَدًا يُسَبِّحُونَكَ. سِلاَهْ [4].
ليس لنا من عمل في كنيسة الله مثل مشاركة السمائيين تسابيحهم الأبدية.
* "طوبى للساكنين في بيتك"، أي في الكنيسة، سواء الكنيسة الحاضرة، أو كنيسة الأبكار (عب 12: 23). "أبدًا يسبحونك". لاحظوا عمل الشهداء في السماء وعمل الملائكة. ما يفعلونه في السماء نقتدي به نحن على الأرض. عندما نُدعى للتسبيح بالمزامير ونتراخي في خدمتنا نستخف بتمجيدات الله [10].
*لاحظوا ماذا يقول المزمور بعد ذلك: "طوبى للساكنين في بيتك". إننا لا نقيم في خيام بل نرحل. وفي الساحات مهما طالت مدة بقائنا فيها، فإننا لا نبقى ساكنين فيها، وإنما نكون رُحَّل، نرحل من الساحة إلى البيت. عندما نأتي إلى البيت، ماذا يقول المرتل: "طوبى للساكنين في بيتك". البيت الذي له أساس، فإننا لا نرحل من ذاك البيت، وإن كنا نرحل من الساحة [11].
*لكي عندما تنتهي هذه الحياة لا نبحث لا عن الخبز الذي نجوع إليه، ولا نأخذ الأسرار المقدسة من على المذبح، لأننا سنكون هناك مع المسيح الذي نأخذ جسده الآن. ولا تحتاجون إلى الحديث إليكم بالكلمات التي أحدثكم بها الآن، ولا يُقرأ الكتاب المقدس عندما نرى ذاك الذي هو نفسه كلمة الله، الذي به صُنعت كل الأشياء، وبه تتغذى الملائكة، وبه تستضيء الملائكة، وبه تصير الملائكة حكماء دون حاجة للمناقشات المستمرة، بل يشربون من الكلمة الوحيد، ممتلئين من ذلك الذي به ينفجرون غير منقطعين عن التسبيح. لأنه يقول المزمور: "طوبى للساكنين في بيتك، أبدًا يسبحونك" (مز 84: 4) [12].
*يقول النبي طوبى لا للذين يتمسكون بشرائع موسى، أعني بهم الذين اختتنوا، والذين يحفظون السبوت، والذين يقربون الذبائح والمحرقات، بل الذين يواظبون على مساكن الله التي هي الكنائس المسيحية المقدسة، لأن فيها يتكلم الروح القدس بواسطة الرسل والمبشرين والكارزين والأنبياء وفيها أيضًا يوجد كل نوعٍ من الأدوية للأمراض الروحية.
5 طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. 6 عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا. أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ. 7 يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ. يُرَوْنَ قُدَّامَ اللهِ فِي صِهْيَوْنَ.
طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ.
طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ [5].
جاء في الترجمة السبعينية: "طوبى للرجل الذي نصرته من عندك. رتب مصاعد في قلبه".
*"طوبى للرجل الذي قوته هو أنت". بالحقيقة نحن نشتاق إلى خيامك، وساحاتك وبيتك، إنما لكي ننال شهوة قلوبنا التي ليست في طاقتنا. إنها لا تعتمد على قوتنا بل على عونك... الطوباويون الذين يجدون قوتهم في الرب، هم أولئك الذين يُرتبون أن يصعدوا درجة فدرجة. يبلغ القديسون إلى الأمور الصالحة أمامك يومًا فيومًا، غير مفكرين في الماضي...
الإنسان القديس يضع في قلبه الصعود، أما الخاطئ فيضع الانحدار. كما أن الإنسان المقدس يتقدم يومًا فيومًا، هكذا الخاطئ ينحدر يومًا فيومًا. طوبى للرجل الذي بكل قلبه يصعد الطرق الصاعدة [13].
*مغبوط هو الرجل الكامل الفطنة والذي يصون الرجولية، والذي لا يحدر هواه إلى الأرضيات العالميات. إنما يصعد بقلبه إلى فوق نحو السماء، ويفكر في الآخرة، فهذا تأتي نصرته من قبلك.
يرى القديس مار أفرام السرياني [14] أن الكاروبين اللذين فوق التابوت يشيران إلى القس والشماس اللذين يخدمان جسد الرب ودمه... ينبغي عليهما أن يكونا في الطهارة وملازمة التقديس والخدمة بغير فتور، مثل الكاروبين اللذين قال عنهما النبي إنهما يسبحان ويقدسان بغير فتور (مز 83: 5).
* "طوبى لأناسٍ عزهم بك". إنها مسئوليتنا أن نقوم بالعمل، ودور الله أن يساعدنا. "يضع في قلبه أن يصعد على درجات". يتأمل كيف يصعد كل يوم ولا يزل. أما الخاطي فيضع في قلبه لا أن يصعد بل أن ينزل.
"يضع في قلبه أن يصعد على درجات"، إنه يخطط من أجل أعماله الصالحة، لكنه يترك النتيجة بالكامل لله. إنها مسئوليتنا أن نأخذ القرار، وهو الذي يحققه [15].
عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ،
يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا.
أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ [6].
يتساءل القديس جيروم لماذا يضعنا الله في ساحة صراع، ويجيب إنما لكي يهبنا بركات النصرة والإكليل، فننطلق من قوةٍ إلى قوةٍ.
*ليتنا نتأمل إلى لحظة في أننا في هذا الوادي. إننا لسنا على الجبل، لسنا في جنة عدن، لسنا في أعالي الفردوس، وإنما في أسافل الأرض، في الأرض التي حلت بها اللعنة والتي تُخرج شوكًا وحسكًا، طعام الحيات، والتي قيل عنها لآدم: "أنت تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19). مادمنا نحن في وادي الدموع يلزمنا لا أن نضحك بل نبكي، إذ يقول الرب: "طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون" (لو 6: 21). فإننا حاليًا في وادي الدموع، وهذا العالم هو موضع البكاء، لا الفرح... العالم القادم هو عالم الفرح... هذا الموضع هو وادي الدموع، ليس فيه حال السلام أو الأمان بل هو ساحة صراع واحتمال [16].
*لنأخذ في اعتبارنا أين عيّن صعوده: "في وادي الدموع، في الموضع الذي يعينه" (مز 84: 6) LXX. نقرأ في سفر القضاة أنه عندما جاء الملاك وبشر بالتوبة للشعب، قائلًا: "أنتم تتركون الرب، فسيترككم الرب" (راجع قض 2: 4-5). بكى الإسرائيليون بصوتٍ عالٍ عند سماعهم التهديد، ودُعي ذلك الموضع "وادي البكاء" (بوكيم)... لنفهم وادي البكاء رمزيًا أنه هذا العالم، فإننا لسنا على الجبل، أي في ملكوت السماوات، وإنما في الوادي، في ظلمة هذا العالم. خلال الخطأ طُردنا من الفردوس مع آدم في وادي الدموع المنخفض حيث توجد التوبة والبكاء. "في وادي الدموع، في الموضع الذي يعينه".
ماذا يعني النبي؟ خلق الله هذا العالم كساحةٍ، فها نحن نجاهد ضد الشيطان، ضد الخطية، حتى ننال الإكليل في السماء.
لماذا أقام هذا الصراع؟
أما كان يمكن أن يخلصنا بدون الصراع؟
إنه كما لو كان قد أعطانا أن نكون سادة في النزاع، أعطانا مدرج (إستاد) فيه نصارع ضد الرذائل حتى نُكلل بعد ذلك باستحقاق، وليس كنائمين، وإنما كمجاهدين [17].
*بواسطة (الأسفار المقدسة) تفهمين لماذا في إطاعة الإنسان الأول لبطنه لا لله طُرد من الفردوس إلى وادي الدموع، ولماذا استخدم الشيطان الجموع ليحارب الرب نفسه في البرية (مت 4: 2-3(، ولماذا يصرخ الرسول: "الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة، والله سيبيد هذا وتلك" (1 كو 6: 13) [18].
"أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ": "مورة" أو "بلوطات مورة" موقع قريب من شكيم، غالبًا ما كان يتميز ببرك تقوم على مياه الأمطار. جاءت في بعض النسخ: " ببركات يكسبه المطر المبكر" أو "وباكورة الأمطار تغمرهم بالبركات".
يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ.
يُرَوْنَ قُدَّامَ اللهِ فِي صِهْيَوْنَ [7].
يرى القديس جيروم أننا في صراعنا هنا ننال قوة، لكي نتأهل إلى قوةٍ أعظم هناك. فمن لا يختبر حياة القوة هنا لا ينعم بها هناك.
*ما لم نكن هنا أقوياء لا نقدر أن نصير في قوة أعظم هناك. لا يقول المرتل: "من ضعفٍ إلى قوةٍ، وإنما من قوةٍ إلى قوةٍ. أتريد أن تكون رجل ثباتٍ هناك؟ إذن كن هنا أولًا هكذا. أتريد أن تتكلل هناك؟ حارب هنا...! من له قوة هنا، سيقتني القوة نفسه هناك (1 كو 1: 24)...
*ماذا يربح أولئك الذين يذهبون من قوةٍ إلى قوةٍ؟ ماذا تكون مكافأتهم؟ أنهم يرون إله الآلهة في صهيون (مز 84: 7) LXX. "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8). المكافأة كافية للمنتصرين وهي وجه المسيح. المكافأة كافية للذين يحاربون! أن ترى الله هو الإكليل اللانهائي. "يرون إله الآلهة في صهيون". أي فرح، أي تطويب أن تنطلق من قوةٍ إلى قوةٍ وتنال رؤية المسيح كمكافأة لائقة! [19]
* "يذهبون من قوة إلى قوة"؛ يحاربون هنا فيتقبلون بعد ذلك الإكليل. إنهم يتقدمون من قوةٍ إلى قوةٍ. لم يقل: "يذهبون من ضعفٍ إلى قوةٍ"، فإنهم إن لم يصيروا أقوياء هنا لن يكونوا أكثر قوة فيما بعد [20].
*إن إله الآلهة هو الله الحقيقي الذي يظهر متجسدًا ومنظورًا بأعين بشرية في صهيون، وهو يضع عهدًا وشريعة. فالذين يحفظونها يعوضهم واضعها ببركاتٍ، وينجحون نامين ومرتفعين من فضيلة إلى فضيلة، ومن قداسة إلى قداسة. وأما قوله من قوة إلى قوة، فمعناه من هذا العمر الزمني إلى الحياة الأبدية.
*يُمتحن الإيمان بالتجارب، وحين ينتصر إنسان على التجربة ويثبت إيمانه، يأتي إلى تجربة أخرى، وهكذا ينتقل من تجربة إلى أخرى، وإذ يجتاز التجارب واحدة فأخرى، يُقال عنه إنه ينمو في الفضائل التي يمارسها واحدة تلو الأخرى. وبهذه الطريقة يتحقق ما كُتب: "يذهبون من فضيلة (قوة) إلى فضيلة (قوة)" [(مز 84: 7) الترجمة السبعينية] حتى تبلغ النفس غايتها، أعنى تبلغ قمة الفضائل، وتعبر أنهار الله، وتنال الميراث الذي وعد الله به [21].
*إن لم تُملح النفس بالتجارب الدائمة، تصير في الحال ضعيفة وهشٌة. لذلك تأسس القول بأن كل ذبيحة تُلمح بملح (لا 2: 13) [22].
*التجربة في اعتقادي تعطي نوعًا من القوة والدفاع عن النفس، لأن التجارب تختلط مع الفضائل، حتى إنه ما من فضيلة تظهر لائقة أو كاملة دون التجارب [23].
* إنه من حق النفس أن تفرح لأنها وصلت إلى مركزٍ عالٍ أثناء صعودها إلى قمة رغباتها. ما هو أعظم من سعادة من يصل إلى رؤية الله؟ ولكن ما حققته هو بداءة لما تأمَّل فيه بعد ذلك. ومرة ثانية تسمع عريسها يشجع الصيادين لكي ينقذوا الكروم الروحية ويتعقبوا الحيوانات -هذه الثعالب الصغيرة- التي تُخرب الفاكهة. ومتى تحقق هذا يتحد العروسان: الله في النفس، والنفس مرة أخرى تسكن في الله. تقول العروس: "حبيبي لي، وأنا له، الراعي بين السوْسن"، هو نفسه الذي غيَّر الحياة الإنسانية من خيال الظلال إلى قمة الحق. لاحظ الارتفاع الذي صعدت إليه العروس، متقدمة من قوة إلى قوة كما يقول النبي (مز 84: 7)، وتظهر كأنها حصلت على قمة أمانيها. ما هو أعلى من أن تكون في المحبوب، ويكون هو في نفسك؟ تشعر العروس باضطراب وحزن، لأنها لم تحقق رغباتها وتظهر انزعاج نفسها عندما تصف كيف وجدت ما تبحث عنه [24].
* سأل إخوةٌ شيخًا: "قال أنبا أرساني: ’إن طلبنا الله نجده، وإن أمسكناه يثبت عندنا‘، فما معنى ذلك؟" فقال الشيخ: "يعني أن نحب الهدوء، ونثبت في الأعمال والجهاد والصلاة والتواضع، فتتنقّى قلوبنا، ونعاين المسيح كما هو مكتوبٌ: "يذهبون من قوةٍ إلى قوة" (مز 84: 7)، أي من عملٍ إلى عملٍ، ومن درجةٍ إلى درجة، حتى يظهر إله الآلهة في صهيون، وكما قال الطوباوي بولس إننا ننتقل "من مجدٍ إلى مجد" (2 كو 3: 18)، هذا إن كنا نتمسّك به".
فردوس الآباء
*بمجرد أن يبلغ الأطفال في رحم أمهاتهم إلى الطور الكامل على أساس إنقاص الغذاء إلى حدٍّ بعيد، يكونون قد بلغوا إلى هذه الحالة الصحية المتقدِّمة. هكذا أيضًا الأبرار، فإنهم يعتزلون من الحياة الدنيوية إلى رحلة الصعود حسب المكتوب: "يذهبون من قوةٍ إلى قوة" (مز 84: 7). ومن الناحية الأخرى، فإنّ الخطاة يُسلَّمون "من ظلمةٍ إلى ظلمة" مثل الجنين الذي مات في رحم الأمّ. إنهم أموات على الأرض من الناحية الفعلية، مخنوقون من خطاياهم المتعدِّدة، وبمجرد أن يؤخَذوا من هذه الحياة يُقادون إلى أماكن الظلمة والجحيم.
إننا قد وُلِدنا للحياة ثلاث مرات: أولها هو العبور من رحم أمّهاتنا حيث جيء بنا من ترابٍ إلى تراب. والولادتان الباقيتان تقوداننا من التراب إلى السماء: فالأولى منهما هي بالنعمة التي تأتينا في المعمودية المقدسة، ونحن نسمي هذه الولادة بالصواب "ولادة ثانية”. أمّا الولادة الثالثة فهي تُمنَح لنا كنتيجة لتغييرنا وأعمالنا الصالحة. ونحن حاليًا في هذه المرحلة الثالثة.
*في الماضي (خلال الناموس) ينغرس الرعب في أذهان غير المؤمنين. فيما بعد (خلال الإنجيل) عطية البركات تنسكب على المؤمنين [25].
الأب خروماتيوس
8 يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ، اسْمَعْ صَلاَتِي، وَاصْغَ يَا إِلهَ يَعْقُوبَ. سِلاَهْ. 9 يَا مِجَنَّنَا انْظُرْ يَا اَللهُ، وَالْتَفِتْ إِلَى وَجْهِ مَسِيحِكَ. 10 لأَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا فِي دِيَارِكَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ. اخْتَرْتُ الْوُقُوفَ عَلَى الْعَتَبَةِ فِي بَيْتِ إِلهِي عَلَى السَّكَنِ فِي خِيَامِ الأَشْرَارِ. 11 لأَنَّ الرَّبَّ، اللهَ، شَمْسٌ وَمِجَنٌّ. الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْدًا. لاَ يَمْنَعُ خَيْرًا عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ. 12 يَا رَبَّ الْجُنُودِ، طُوبَى لِلإِنْسَانِ الْمُتَّكِلِ عَلَيْكَ.
يَا رَبُّ إِلَهَ الْجُنُودِ اسْمَعْ صَلاَتِي،
وَاصْغَ يَا إِلَهَ يَعْقُوبَ. سِلاَهْ [8].
لئلا يحصر اليهود أفكارهم في هيكل سليمان بطريقة حرفية، فإن غاية الحديث أو الصلاة مع رب الجنود في بيته هي اللقاء مع إله يعقوب.
لم ينعم يعقوب بالدخول إلى هيكل سليمان لكنه تمتع بالسلم السماوي، وشاهد باب السماء! الإله الذي أعلن مجده في الهيكل يوم تدشينه ليس بإله جديد بل هو السرمدي.
*يقول النبي: "يا إله يعقوب" لكي ما يخبر بأن المسيحيين لا يعبدون إلهًا جديدًا، لكنهم يعبدون إله الآباء الذي نظره الصديقون والأنبياء برؤية العقل عندما استناروا بالروح القدس.
يَا مِجَنَّنَا، انْظُرْ يَا اللهُ،
وَالْتَفِتْ إِلَى وَجْهِ مَسِيحِكَ [9].
بدالة قوية نتحدث مع الآب بكونه حصننا وملجأنا وسلاحنا الروحي ومجننا، فإنه يُسر بنا إذ يرى وجه مسيحه المخلص في أعماقنا.
*ما يقوله المرتل هو: انظر إلينا، فإنك ترى فينا مسيحك الساكن فينا [26].
*وجه المسيح الإله يُقال عن حضوره وتجسده، الذي به افتقد العالم وصنع خلاصه. وأيضًا نحن المؤمنون به نُدعى وجهه وأعضاؤه.
لأَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا فِي دِيَارِكَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ.
اخْتَرْتُ الْوُقُوفَ عَلَى الْعَتَبَةِ فِي بَيْتِ إِلَهِي،
عَلَى السَّكَنى فِي خِيَامِ الأَشْرَارِ [10].
ما هو هذا اليوم الواحد الذي في ديار الرب سوى يوم الرب العظيم، حيث يدخل بنا إلى دياره الأبدية، كيومٍ واحدٍ بلا ليلٍ.
*هذا هو معنى "يوم واحد": ملكوت السموات هو يوم واحد، هناك لا يكون ليل، ولا ظلمة بل نور دائم. من يكون في ملكوت السموات ليومٍ واحدٍ إنما يكون هناك إلى الأبد [27].
*ما يقصده النبي بكلماته: "اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي"، هو: "اخترت أن أكون الأقل في السماء عن أن أكون الأول في هذا العالم [28].
*إذا كان أحد يعيش في إثم بابل ولا يقدم توبة يكون "هلاكه" أمرًا طبيعيًا. لاحظ كيف أن العهد القديم رغم أنه مترجم من العبرية إلى اليونانية، إلا أنه قد نجح جيدًا في التعبير عن الكلمات وتوضيح الفروق بينها إلى حد كبير. فلقد قال على سبيل المثال: "اخترت أن أصير مرفرضًا (مطروحًا) في بيت إلهي إلخ." (مز 84: 10). فهو لم يقل: "اخترت أن أصير مطرودًا". ونفس الشيء بالنسبة للآية التي نفسرها، فهي لم تقل: "لا تصيروا مرفوضين بإثمها" بل: "لا تصيروا مطرودين (لا تطردوا) بإثمها" [29].
*يشتاق البشر إلى آلاف الأيام، ويريدون أن يعيشوا هنا عمرًا طويلًا. ليتهم يستخفون بهذه الآلاف من الأيام، ويشتاقون إلى يومٍ واحدٍ، الذي لا يشرق ولا يغيب، يوم واحد، يوم أبدي، ليس له أمس، ولا يضغط عليه غد. ليتنا جميعًا نتوق إلى هذا اليوم. ماذا نفعل بهذه الأيام الألف؟ لنذهب من الألف يوم إلى اليوم الواحد. لنسرع إلى ذاك اليوم الواحد، إذ نذهب من قوةٍ إلى قوةٍ [30].
*"اخترت لنفسي أن أُطرح في بيت الله ، أفضل من أن أسكن في مظال الأشرار" (مز 84: 10) LXX لقد وجد وادي البكاء. وجد التواضع الذي به يقوم. أنه يعرف أنه إن أقام نفسه سيسقط، وإن تواضع يرتفع. لقد اختار أن يُطرح لكي ما يرتفع.. لقد اختار ألا يكون إلا في بيت الرب، في أي موضع فيه، فلا يكون خارج العتبة [31].
* (بخصوص الثلاثة فتية القديسين) لا تكلموني عن الكرامة التي كانوا يحوزونها في البلاط الملكي، لأنهم إذ كانوا أبرارًا وصدّيقين كانوا يختارون ألوفًا من المرات ثروتهم الضئيلة في بيتهم الأبوي والتمتع بخيرات الهيكل. وكان كل منهم يقول مع النبي: "إن يومًا في ديارك خير من ألف، فاخترت الوقوف على عتبة بيت إلهي على السكنى في خيام المنافقين". فكانوا يختارون ألف مرِة أن يعيشوا في بيوتهم على أن يملكوا في بابل [32].
*أسألكم أن تتأملوا كيف كان إبراهيم محبًا للسلام والهدوء، تجتذبه العبادة الإلهية على الدوام. يقول النص (تك 13: 3) إنه نزل إلى ذلك الموضع الذي بَنَى فيه قبلًا المذبح (بيت إيل). بدعوته اسم الله بحق حقق مسبقًا قول داود: "اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكنى في مساكن الأشرار" (مز 84: 10) LXX. بمعنى آخر كان يفضل العزلة التي تتحول إلى استدعاء اسم الله عن المدن. فوق الكل، عرف تمامًا أن عظمة المدن لا في جموع السكان بل في فضيلة القاطنين بها. لهذا فإن البرية أيضًا صارت مفضلة جدًا عن المدن، مزينة كما بفضيلة البار، وهكذا صارت أعظم تألقًا من العالم كله [33].
*قال القديس أثناسيوس الجليل إن العبادة الموسوية الناموسية قد امتد زمانها ألف سنة منذ زمان سليمان وبناء الهيكل إلى حضور المسيح. فإذا قال النبي إن يوم الأحد الذي فيه كانت قيامة ربنا يسوع المسيح من الأموات هو أفضل من آلاف الشريعة العتيقة. لأن ذلك اليوم يُقال أنه يوم ديار الرب، به تبتهج كنائس الله.
لأَنَّ الرَّبَّ اللهَ شَمْسٌ وَمِجَنٌّ.
الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْدًا.
لاَ يَمْنَعُ خَيْرًا عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ [11].
في بيت الرب يشتهي المؤمن إلى يوم انطلاقه إلى المجد الأبدي، هذا الذي يتمتع به خلال مراحم الله نحو المخلصين في توبتهم ونموهم الروحي بالنعمة الإلهية.
*"الرب يعطي رحمة ومجدًا" [11]. أولًا يهب غفرانًا للخاطئ، وبعد ذلك يمنحه إكليلًا [34].
*محبة الله تحتضن كلًا من الرحمة والإخلاص. لو أنه فقط رحوم فإنه بهذا يدعونا جميعًا أن نخطئ (فيرحمنا). وإن كان فقط أمينًا (عادلًا) لما كان لأحدٍ رجاء في التوبة. لهذا فإن الله له كلاهما (الرحمة والعدل)، الواحدة تكمل الأخرى. فإن كنت خاطئًا الجأ إلى رحمة الله ولا تيأس، بل تب. ومن الجانب الآخر لا تكن متهاونًا، فإن الله بار ويحب المخلصين [35].
*"الله يحب الرحمة والحق" [11 LXX]. يحب الرب الرحمة، التي بها يأتي أولًا لمساعدتي. إنه يحب الحق، لكي ما يعطي من يؤمن بما يعد به (رو 11: 20). لتسمع في حالة بولس الذي كان أولًا شاول المضطهد. لقد احتاج إلى الرحمة، وقد قال بأنها أظهرت له.
"أنا الذي كنت قبلًا مجدِّفًا ومضطهدًا ومفتريًا ولكنني رُحمت... ليُظهِر يسوع المسيح فيَّ أنا أولًا كل أناة، مثالًا للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية" (1 تي 1: 13، 16). حتى متى تقبل بولس الغفران عن مثل هذه الجرائم الخطيرة لا ييأس أحد من أن تُغفر له أية خطايا... إننا نرى بولس يقتنيه مدينا، إذ ينال رحمة، طالبًا الحق... لقد جعل الرب نفسه مدينًا لا بنوال شيء وإنما بتقديمه وعود. لا يُقال له رد ما قد تقبلته، وإنما رد ما قد وعدت به...
"إنه يحب الرحمة والحق". إنه يعطي نعمة ومجدًا. أية نعمة إلا تلك التي قال عنها نفس الشخص: "بنعمة الله أنا ما أنا" (1 كو 15: 10)؟ وأي مجد إلا ما قال عنه: "قد وُضع لي إكليل المجد" (راجع 2 تي 4: 8)؟ [36]
*أعني أن الله لا تسره الذبائح الناموسية، بل عمل الرحمة والمحبة للحق الذي هو ربنا يسوع المسيح القائل: "أنا هو الحق". فمن يصنع الرحمة ويحب الحق يغنيه الله بنعمته في هذا الدهر الحاضر، وبالمجد في الدهر الآتي، ولا يعد الخيرات في الدهرين، لأنه اتكل عليه (أي على الله).
يَا رَبَّ الْجُنُودِ،
طُوبَى لِلإِنْسَانِ الْمُتَّكِلِ عَلَيْكَ! [12]
في بيت الرب تطمئن النفس، إذ تتكئ عليه، وتنعم بقوته الغافرة للخطايا، والواهب الأمجاد الأبدية.
*"طوبى للإنسان المتكل عليك" [12]. الإنسان الذي يتكل على الرب هو ذاك الذي ضميره متحرر من الخطية، الذي يرفع عينيه إلى السماء بثقة. الإنسان المفعم بالثقة هو ذاك الذي يعرف أنه يستسلم لمعصية ضد ربه [37].
*ما أحلى مساكنك يا رب الجنود،
فيها يلتهب قلبي بتحول إقامتي من الأرض إلى السماء.
لأرى بيتك هنا، فأشتهي الإقامة فيه،
وأقدم لك قلبي مسكنًا،
وأشتهي أن تقيم أنت فيه.
أدخل بيتك المقدس فأتقدس،
وتدخل قلبي فتقدسه لك.
*بيتك عجيب، يعمل في أعماقي.
أدخل فيه فتتحول معركة شهوات الجسد مع شهوات الروح إلى سيمفونية رائعة.
روحي مع جسدي يهتفان لك.
روحك القدوس يعزف عليهما أغنية حب لا تنقطع.
*بيتك أيقونة السماء.
أدخل فيه فيلتهب قلب حنينًا نحو مسكني السماوي.
نفسي تئن، يمتزج فيها الحزن مع الفرح.
ترى متى أنطلق وأكون معك،
متى أستقر في حضنك،
وأعيش في السماء؟
العصفور ينطلق إلى عشه،
ونفسي تنطلق إلى حضنك.
بيتك يسحب كل كياني إليك.
*لأنطلق إلى بيتك.
هناك أشارك السمائيين تسابيحهم الدائمة!
أنطلق كما من وادي الدموع إلى الحياة السماوية المطوّبة.
*لأصعد إلى بيتك.
فإن من ينطلق بقلبه إليه لا يعرف الانحدار بل الصعود
يصعد لا على درجات حجرية أو رخامية،
بل ينطلق كما على سلم سماوي،
يصعد من قوةٍ إلى قوةٍ.
*تشتهي نفسي البقاء في بيتك.
هناك تمطر عليّ بفيض نعمتك.
أتشدد بقوتك، وأتأهل لقوةٍ سماوية أعظم.
أنعم بجمال وجهك هنا،
وهناك أنعم باللقاء الأبدي وجهًا لوجه.
*لألتقِ بك يا إلهي في بيتك،
كما التقي بك يعقوب في الطريق إلى خاله لابان،
والتقي بك سليمان يوم تدشين الهيكل.
إنك تتراءى للمؤمنين في كل الأجيال.
*لأقف أمامك أيها الآب في بيتك.
تُسر بي، لأنك ترى ابنك الوحيد المسيا فيّ!
*تنطلق نفسي إليك فأشتهي أن أنعم بالأبدية.
أتمتع باليوم الأبدي الذي بلا ليل ولا ظلام.
_____
[1] On Psalms, homily 16.
[2] On Psalms, homily 16.
[3] On Psalms, homily 63.
[4] On Psalms, homily 63.
[5] On Psalms, homily 16.
[6] Prayer of David 4:2:9.
[7] On Psalms, homily 63.
[8] On Psalms, homily 16.
[9] On Psalms, homily 16.
[10] On Psalms, homily 63.
[11] On Psalms, homily 16.
[12] Sermon on NT Lessons,9: 6.
[13] On Psalms, homily 16.
[14] تفسير (خر 25: 10-22).
[15] On Psalms, homily 63.
[16] On Psalms, homily 16.
[17] Homilies on Psalms, Alternate Series 63 (Ps. 83).
[18] Letter 22 to Eustochium, 10.
[19] On Psalms, homily 16.
[20] On Psalms, homily 63.
[21] In Num. hom 27:5.
[22] In Lev. hom 27:12.
[23] In Lev. hom 27:12.
[24] عظة 6 على نشيد الأناشيد ترجمة الدكتور جورج نوّار.
[25] Tractate of Matthew 17:3: 4.
[26] On Psalms, homily 16.
[27] On Psalms, homily 16.
[28] On Psalms, homily 16.
[29] عظات للعلامة أوريجينوس على سـفر إرميا ترجمة جاكلين سمير كوستى، L.II:4.
[30] On Psalms 84 (83).
[31] On Psalms 83 (82).
[32] الأب الياس، ص 365.
[33] Homilies on Genesis, 33: 5.
[34] On Psalms, homily 16.
[35] On Psalms, homily 16.
[36] On Psalms 83 (82).
[37] On Psalms, homily 16.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 85 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 83 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/k4bn4jq