← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12
كانت مملكة إسرائيل تعاني من خراب ودمار قبل استلام داود الملك الحكم. لكن إذ تولى داود العرش على الأسباط، انتصر على الشعوب المحيطة به ماعدا أدوم. هنا يقدم المرتل مزمور شكر لله على ما وهبه من نصرات، وفي نفس الوقت يطلب عونًا للنصرة على أدوم.
إنه مزمور يقدمه كل مؤمن، إذ يذكر ما كان عليه من دمار داخلي حين كان معطيًا ظهره لا وجهه، لله. لكن إذ رجع إلى الرب وهبه الله نعمة النصرة، فيتمتع بنصرات مستمرة تملأ قلبه فرحًا وتهليلًا. هذا الفرح يشجعه بالأكثر على نصرات مستمرة أعظم، فيتجلى ملكوت الله أكثر فأكثر!
استقر داود النبي على العرش، لكنه بعد أن نال نصرات متوالية لم ينس السنوات الحالة المُرّة التي عاشها الشعب بسبب رجوعهم عن الله، ومفارقة الله لهم. الآن يذكر تلك السنوات كدروسٍ لا تُنسى، كما يقدم تسبيح شكر لأجل النصرة (راجع 1 صم 8: 3، 13؛ 1 أي 18: 3، 12).
*
يحتوي هذا المزمور على نبوة خاصة بربنا يسوع المسيح المولود من نسل داود، بأنه في ملء الزمان كان مزمعًا أن يضرب الأجناس الغريبة، أعني بها الأبالسة. أولًا ينوح ويشكو مما جرى له من اليهود، وأنه يجعل الأمم خاصته لإيمانهم به، ويقصي اليهود عن كونهم خاصته. ثم بعد زمان يشعرون بجمالهم ويتوبون ويؤمنون به ويؤهلون لنعمته.في هذا المزمور تبرز بكل قوة قداسة الله وسلطانه وقوته.
1 -3. |
||
4. |
||
5. |
||
6 -12. |
||
من وحي مز 60 |
لإِمَامِ الْمُغَنِّينَ عَلَى السَوْسَنِّ.
شَهَادَةٌ مُذَهَّبَةٌ لِدَاوُدَ لِلتَعْلِيمِ.
عِنْدَ مُحَارَبَتِهِ أَرَامَ النهْرَيْنِ وَأَرَامَ صُوبَةَ،
فَرَجَعَ يُوآبُ،
وَضَرَبَ مِنْ أَدُومَ فِي وَادِي الْمِلْحِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.
أ. السوسن
يربط كثير من الدارسين بين الكلمتين "سوسن" و"شهادة"، فيرون العنوان "سوسن الشهادة"؛ أي أن المزمور هو أشبه بسوسنة شهادة رائعة أو محبوبة أو مفرحة لعمل الله الخلاصي الأكيد.
ب. "عند محاربته أرام النهرين وأرام صوبة"
جاء في الترجمة السبعينية: "عندما يحرق المصيصة Mesopotamia (ما بين النهرين) السريانية وصوبة السريانية. ويرى القديس أغسطينوس بتفسيره الرمزي أنه إذ يحرق المرتل أو يضرب المصيصة وصوبة، فإن هذا يشير إلى عمل ربنا يسوع المسيح فينا، حيث يحرق المصيصة التي تعني في رأيه "الدعوة المتشامخة"، وصوبة التي تعني "القديم الفارغ". ويتحقق ضربهما بالحرق بالنار كما بالقتل بالسيف. وكأن عمل السيد المسيح هو حرق تشامخنا وكبريائنا، وأيضًا حرق أعمال الإنسان القديم الفارغ. يستخدم السيد المسيح النار، إذ يقول: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟" (لو 12: 49). أما عن قتل الأدوميين بالسيف، فإن أدوم ومعناها "أرضي"، فإن السيد المسيح أيضًا يحطم فينا ما هو ترابي وزمني وذلك بالسيف الروحي. يقول السيد: "ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا" (مت 10: 34).
* بالحقيقة هذا الدمار الذي صنعه داود بيد قوية، صنعه مسيحنا الذي كان يرمز إليه هذا الرجل (داود). لقد فعل كل هذه الأمور، صنع هذا الدمار بسيفه وناره، فقد جلب كليهما في هذا العالم. "جئت لألقي نارًا على الأرض" (يو 12: 49)، "جئت لألقي سيفًا على الأرض" (مت 10: 34)، كما جاء في الإنجيل. لقد جلب نارًا يحترق بها ما بين النهرين في سوريا، وصوبة السريانية. وجلب سيفًا ليضرب به أدوم. الآن يتم الدمار من أجل هؤلاء الذين يتغيرون... يضربهم لأجل صحتهم، ليقولوا إنهم قد تغيروا إلى ما هو أفضل. تغيروا إلى ما جاء في عنوان (المزمور) إلى تعليم داود نفسه. ليقولوا: "لقد جعلت رحمتك علينا. لقد دمرتنا لكي تبنينا أنت. لقد دمرتنا نحن البناء الشرير، دمرت إنساننا القديم الفارغ، لتبني الإنسان الجديد يقوم إلى الأبد.
ج. "وضرب من أدوم في وادي الملح اثني عشر ألفًا"
وادي الملح: يحتمل أن يكون هو الغور El-Ghor، يقع على بعد القليل من الأميال جنوب البحر الميت، وعلى حدود أدوم القديم؛ وهو وادي مهجور.
ورد أن عدد القتلى هم ثمانية عشر ألفًا في (2 صم 8: 13؛ 1 أي 18: 12). يرى Yarchi وKimchi أن أبيشاي قتل أولًا 6000 وبعد ذلك قتل يوآب 12000 عند عودته بعد ضربة سوريا.
أما عن ضرب أدوم فيقدم لنا القديس أغسطينوس التفسير الرمزي التالي:
* ضرب أدوم": "أدوم" تُفسر "الأرضي".
يلزم ضرب ما هو أرضي. لماذا يعيش الإنسان أرضيًا، بينما يلزمه أن يعيش سماويًا؟
إذ يُذبح ما هو أرضي يحيا سماويًا. "كما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1 كو 15: 49). أنظروه مذبوحًا: "أميتوا أعضاءكم التي على الأرض" (كو 3: 5).
ولكن عندما ضرب من أدوم، ضرب اثني عشر ألفًا من وادي الملح. رقم اثنا عشر رقم كامل، وينسب إليه الرقم الكامل الخاص بالاثني عشر رسولًا، فإن هذا العدد ليس بدون هدف، وإنما لأن خلاله بلغ الكلمة العالم كله. فإن كلمة الله الذي هو المسيح في السحاب، أي في الكارزين بالحق. والعالم يتكون من أربعة أجزاء (اتجاهات). هذه الأجزاء الأربعة معروفه تمامًا للجميع، وكثيرًا ما يُشار إليها في الأسفار المقدسة. إنها مثل أسماء الأربعة رياح: الشرق والغرب والشمال والجنوب. أُرسل الكلمة إلى هذه الأجزاء الأربعة، حيث يدعى الثالوث في هذه الأجزاء. رقم اثنا عشر هو محصلة الأربعة أزمنة في ثلاثة. لهذا توجد علة أن اثني عشرًا أمرًا أرضيًا قد ضُربوا، فإنه من العالم كله اُختيرت الكنيسة، هذه التي ماتت عن الحياة الأرضية.
لماذا في وادي الملح، الوادي هو التواضع، والملح يعني التذوق. فإن كثيرين يتواضعون ولكنهم فارغون وأغبياء، إذ يتواضعون في أمور فارغة قديمة.
د. شهادة مذهبة لداود للتعليم
إذ بلغ داود ذروة المجد، وتمتع بنصرات كثيرة، يقدم هذا المزمور كاعتراف لله، وشهادة لعمله الإلهي معه. إنه لا ينسى أن سنوات الضيق السابقة كان علتها رفض الله لهم، لأنهم تركوه ورفضوه، فتركهم لأذرعهم البشرية المجردة، وكان ثمرها الفشل التام. كما يشهد أن سرّ نصرتهم هو العون الإلهي.
يمكننا القول بأن هذا المزمور هو اعتراف بضعف الإنسان برجوعه عن الله، واعتراف بحب الله القدير الذي يشتهي خلاصي الإنسان.
كان اللاويون يسبحون بهذا المزمور للتعليم حتى لا ينسى الشعب أن كل نصرة هي من عند الله.
ما أجمل أن يُقدم التعليم بلغة التسبيح والفرح، لأن الوصية الإلهية في جوهرها عودة للالتقاء مع الله مفرح القلوب، وواهب الخيرات، ومقدم النصرة لمن يلتصق به.
ه. مذهبة أو مزمور ذهبي
يرى آدم كلارك أنه دُعي هكذا، لأنه كُتب بالذهب على ورق بردي من مصر.
1 يَا اَللهُ رَفَضْتَنَا. اقْتَحَمْتَنَا. سَخِطْتَ. أَرْجِعْنَا. 2 زَلْزَلْتَ الأَرْضَ، فَصَمْتَهَا. اجْبُرْ كَسْرَهَا لأَنَّهَا مُتَزَعْزِعَةٌ! 3 أَرَيْتَ شَعْبَكَ عُسْرًا. سَقَيْتَنَا خَمْرَ التَّرَنُّحِ.
خلفية هذا المزمور هي تذكر الأحداث المُرّة التي حلت بإسرائيل في الماضي، وما سببته من دمار، حينما لم يكن داود قد استلم العرش على كل الأسباط. إنها صورة مرة يليق بالمؤمن أن يضعها أمام عينيه حيث يكتشف ما كان عليه من دمار داخلي حينما كان بعيدًا عن ملكه الحقيقي السيد المسيح ابن داود.
يذكر أيام الخراب الماضي لتدفعه إلى حياة الشكر على ما تمتع به، ويطلب نمو ملكوت الله الدائم في قلبه كما في قلوب إخوته. بهذا يترنم بحب الله الفائق. "تراءى لي الرب من بعيد، ومحبة أبدية أحببتك، من أجل ذلك أدمت لك الرحمة" (إر 31: 3).
يَا اللهُ، رَفَضْتَنَا.
اقْتَحَمْتَنَا.
سَخِطْتَ.
أرْجِعْنَا [ع1].
يرى متى هنري أن داود النبي وقد بلغ أوج نصرته مع استقرار مملكة إسرائيل كلها في بداية حكمه، يعود بذاكرته إلى ما حلّ بإسرائيل من متاعب وكوارث في أيام شاول الملك، وأيضًا ما عانى منه إسرائيل حين ملك على يهوذا وحدها. فإن سرّ هذه الكوارث هو تخلي الله عن شعبه بسبب انحرافهم. هذا الأمر ينطبق أيضًا على مملكتي إسرائيل ويهوذا حين صارتا تحت السبي البابلي بسبب الخطية. وينطبق على كل إنسان أو جماعة تترك الحق الإلهي، وتعتمد على الأذرع البشرية.
هنا يعترف المرتل أمام الله بما حلّ بشعبه من تشتيت ودمار. يتكلم باسم الأمة كلها أو الشعب كله. هكذا يليق بكل مؤمنٍ كعضوٍ حقيقي في جسد المسيح أن يُصلي باسم الكنيسة كلها، الجسد الواحد. سبق فقدم دانيال اعترافًا باسم الشعب كله (دانيال 9).
"يا الله، رفضتنا": جاءت الكلمة هنا تعني أننا نحمل رائحة كريهة، في حال فساد، وهي تُقال عن المتمردين المقاومين، وعن المحتقرين(189). كأن الله يتعامل معهم بكونهم مقاومين له.
"يا الله، اقتحمتنا" أو "شتتَنا": وذلك عندما تحدث هزيمة في معركة فيتشتت الجيش (2 صم 5: 20). كأن الله قد تخلى عنهم في المعركة، فعوض أن يكون قائدًا لجيوشهم، صار قائدًا لجيوش أعدائهم، فاقتحم جيوشهم، وسبب لها خسائر عظيمة.
"سخطت"، أي تتعامل معنا بكونك ثائر ضدنا.
حينما يتحدث عن سخط الله أو غضبه، فإنه يحدثنا المرتل بلغة يمكننا أن نفهمها. فحقيقة غضب الله ليس انفعالًا في الله، إنما الكشف عن الثمر الطبيعي للخطية. الخطية مهلكة، ملأت بالويلات القلوب والبيوت والأمم وعالمنا. غضب الله ضد الخطية هو العلة الوحيدة لبؤس الجميع، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي، في العائلات والكنائس والأمم. هذه الويلات التي تحل وتدوم مع الزمن وتبلغ إلى الأبدية(190) ما لم نرجع عنها ونتمتع بالشركة مع الله.
* حين نقرأ عن غضب الرب وسخطه، ينبغي ألا نفهم اللفظ وفق معنى العاطفة البشرية غير الكريمة. إنما بمعنى يليق بالله، المنزه عن كل انفعالٍ أو شائبةٍ. ومن ثم ينبغي أن ندرك من هذا أنه الديان والمنتقم عن كل الأمور الظالمة التي ترتكب في هذا العالم.
وبمنطق هذه المصطلحات ومعناها ينبغي أن نخشاه بكونه المخوف المجازي عن أعمالنا، وأن نخشى عمل أي شيء ضد إرادته. لأن الطبيعة البشرية قد ألفت أن تخشى أولئك الذين تعرف أنهم ساخطون، وتفزع من الإساءة إليهم، كما هو الحال مع بعض القضاة البالغين ذروة العدالة.
فالغضب المنتقم يخشاه عادة أولئك الذين يعذبهم اتهام ضمائرهم لهم، بالطبع ليس لوجود هذه النزعة في عقول هؤلاء الذين سيلتزمون بالإنصاف في أحكامهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لكن بينما هم في غمرةٍ من هذا الخوف، فإن ميول القاضي نحوهم تتسم بالعدالة وعدم التحيز واحترام القانون الذي ينفذه. وهذا مهما سلك بالرفق واللطف، موصوم بأقسى نعوت السخط والغضب الشديد من أولئك الذين عوقبوا بحقٍ وإنصافٍ(191).
* لاحظوا دقة التعبير: "تذخر لنفسك غضبًا" (رو 2:5)، موضحًا أن الدينونة لا تصدر عن الديّان، إنما هي نتيجة لعمل الخاطئ، إذ لا يقول "يذخر الله لك" وإنما "تُذخّر لنفسك"... إنه يحاول اجتذابك بكل وسيلة، فإن ظللت على عنادك تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة. ولكن لا يتبادر إلى ذهنك أن غضبه انفعال عنيف إنما هو العدالة، هو "استعلان"، حيث ينال كل إنسان ما يستحقه(192).
* هذا القول كأنه من اليهود، فإنهم يقولون: "أقصيتنا"، أي أبعدتنا عن أورشليم مسكنك، وطردتنا إلى بلاد بابل البعيدة. وهدمتنا، أي سمحت لنا أن نفقد مواهبنا. وفي حزنٍ سخطت، أي بسخطك علينا سقطنا في الأحزان، والشدائد لكي بها نتأدب ونتدرب على الصبر. ثم تراءفت علينا، ورجعت بنا إلى ما كنا عليه من عظم رحمتك ومحبتك للبشر...
قوله "سخطت.."، يترجمه أكيلا: "بغضبك رددتنا"، فيكون معنى قوله دالًا لا على سبيهم إلى بابل، بل ما جرى عليهم بعد صلبهم للمسيح، لأنه في ذلك الحين طرحهم الله عنه وأقصاهم من كونهم خاصته، وقطعهم بالكلية... وشتّتهم في البلاد مهانين...
يقول القديس باسيليوس الكبير: إن الله قد احتد غضبه علينا سابقًا لأننا كنا جاعلين أنفسنا أولاد غضب، ولم يكن لنا رجاء في الخلاص لكوننا كنا عديمي المعرفة بالله. ثم تراءف علينا وأرسل ابنه الوحيد، وجعله لمغفرة خطايانا...
"أرجعنا": ارجع إلينا، ولتكن القائد لنا، وتتقدم جيوشنا. كثير من المزامير تبدأ بالصلاة أو الصراخ لطلب النجدة، وتنتهي بالتمتع بالخلاص، حيث يسمع الله للصرخات، فيقدم المرتل تسابيح الشكر لله.
زَلْزَلْتَ الأَرْضَ فَصَمْتَهَا.
اجْبُرْ كَسْرَهَا،
لأَنَّهَا مُتَزَعْزِعَةٌ [2].
الهزيمة التي حلت بهم جعلتهم يشعرون كأن الأرض قد تزعزعت بواسطة زلازل لا يُمكن مقاومتها. كأن الله قد كسر الأرض وشققها، فارتجت تمامًا. من يقدر أن يُصلح ما قد حلّ بالأرض بسبب الزلازل سوى الله نفسه خالقها.
يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن النبي يقصد بالأرض هنا مدينة أورشليم التي اضطربت لما حاربها الأشوريون (البابليون)، وأيضًا فلسطين كلها اضطربت بما حل بها من ضيقات وشدائد. كما يمكن القول بأن الأرض تشير إلى النفس المرتبطة بالأرضيات.
إن كان شاول الملك قد مزق الشعب وحطمه كما تفعل الزلازل بالأرض، فإن هذا قد تم بسماح إلهي ليعود الكل إليه، فيقوم الرب نفسه يجبر كسرها.
* تُدعى نفوسهم مجازًا "أرضيًا"، فيطلب النبي من شافي النفوس والأجساد، أن يشفي كسرها ويصلح خللها.
* كيف تضطرب الأرض؟ في ضمير الخطاة. إلى أين نذهب؟ إلى أين نهرب عندما يلوح بالسيف مهددًا؟ "توبوا لأنه اقترب ملكوت السماوات" (مت 3: 2؛ 4: 17).
حقًا إن الضيقات التي تحل بنا، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي، كثيرًا ما تدفعنا للانطلاق نحو عرش النعمة الإلهية، وتحتل الصلاة المركز الأول في اهتماماتنا.
أَرَيْتَ شَعْبَكَ عُسْرًا.
سَقَيْتَنَا خَمْرَ التَرَنُّحِ [ع3].
أخذ المرتل هذا التشبيه من الذين يدمونون شرب الخمر، فالإدمان يجعل الإنسان في حالة سُكْر، ويعاني من متاعبٍ كثيرةٍ بسبب عدم وعيه. كما يتحدث هنا عن السكر الذي يدفع بالإنسان إلى الغباوة والترنح بلا تعقل وبلا قوة للعمل بحكمة، كما كان الخمر يستخدم في القتل بوضع السم فيه.
إن كان هذا هو فعل المُسكر بالخمر، فكم يكون عمل السُكر بالخطية التي ترفع بالشخص أو الجماعة للسقوط تحت الغضب الإلهي!
يتطلع المرتل إلى حال الشعب وقد شرب من كأس الخطية، فرأى الضيقات تحل عليهم، كما يراهم وقد صاروا كرجل شرب مسكرٍ، ففقد وعيه، وصار في حالة دوار، يعجز عن أن يضبط اتزانه وهو يمشي، بسبب ما سمح به الله له من متاعب ومصائب. فكيف يمكنه أن ينجح في عملٍ ما، أو ينتصر إن دخل في معركة.
يرى البعض أن المرتل يصف حال إسرائيل بعد هزيمته بواسطة موآب. ويرى آخرون أنه يصف حال إسرائيل بعد قتل شاول الملك حيث حل الاضطراب بإسرائيل إلى أن ملك داود على كل إسرائيل.
* يدعو المصائب التي أصابتهم خمرًا، بما أن المصائب تُسكر القلب وتُذهب العقل، فإن قبل الإنسان الشدائد، وعرف أنها تسقط عليه بسماح من الله، من جراء خطاياه وتاب، فتُدعى خمر الخشوع والندامة.
للأب قيصريوس أسقف آرل تعليق على هذه العبارة بخصوص السكر الروحي.
* كما أن الأشخاص الذين يختبرون شرب الخمر يشغفون بالعطش إليها بالأكثر عندما يصيرون سكرَى، هكذا بالنسبة للنفس المكرسة والطاهرة، التي هي متعقلة وتائبة، وبهذا يمكنها القول مع المرتل: "سقيتنا خمر الترنح" (مز 60: 3) عندما تبدأ النفس في تفكر في الرجاء في الحياة المقبلة وتتشرب بالعطش نحو الخيرات السماوية. إنها تعرف كيف تشبع... ويمكنها أن ترتبط بالنبي في كلمات اشتياقه: "تاقت نفسي إلى خلاصك" (مز 119: 81). وأيضًا: "قد فني لحمي وقلبي يا إله قلبي" (راجع مز 73: 26). وأيضًا: "تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب" (مز 84: 2) (193).
* "أريت شعبك عُسرًا (مصاعب)". كيف؟ في الاضطهادات التي تحل على كنيسة المسيح، عندما تُسفك دماء كثيرة للشهداء. "سقيتنا خمر الترنح (النخس بمهماز). بأي نخس؟ ليس نخس القتل. فإن هذا ليس قتل للتدمير، بل هو دواء بارع.
أَعْطَيْتَ خَائِفِيكَ رَايَةً،
تُرْفَعُ لأَجْلِ الْحَقِّ. سِلاَهْ [ع4].
إن كان الله يسمح لشعبه بمصائب شديدة، حتى تبدو كأن الزلازل قد حطمت الأرض التي تحتهم، أو كأنهم قد صار سكرى يترنحون، لا حول لهم ولا قوة، إلا أن الذين يخافونه يهبهم راية أو علامة تعلن عن نصرتهم لأنهم يحملون الحق، ويشهدون له. في مخافة مقدسة يتمسكون بالوعود الإلهية القادرة على خلاصهم ونصرتهم.
لقد نال اليهود هذه العلامة في ليلة خروجهم من مصر، وهي علامة دم الحمل على أبوابهم. هذه العلامة هي الصليب، العلامة الحقيقية، دم الحمل الحقيقي القادر أن يرفع عنهم خطاياهم، ويدخل بهم إلى الأمجاد السماوية.
كلمة "راية" هنا neec وتُستخدم عن أي شيء مرفوع كما تعني راية أو علامة أو إشارة. لعلها تشير هنا إلى راية الدولة الغالبة التي ترفعها على الجبال والمناطق العالية في الدولة المغلوبة. كما تشير إلى الراية التي تُرفع في مقدمة الجيش. كأن الله قد رفع رايته بكونه القائد لكل الجيش، بعد أن كان مقاومًا له، وساخطًا عليه.
"تُرفع لأجل الحق": استلام الله للقيادة هنا لا يحدث بلا هدف، وإنما لأنهم رجعوا إليه صاروا جنودًا للحق الإلهي. إن كان السيد المسيح هو رأس الكنيسة وقائد موكبها، فيليق بنا أن ندرك رسالتنا ألا وهو إعلان الحق وممارسة الحياة اللائقة بنا في برّ المسيح وقداسته. بهذا نترنم قائلين: "نترنم بخلاصك، وباسم إلهنا نرفع رايتنا" (مز 20: 5).
هذه العلامة التي يربطها المرتل باسم الرب (مز 20: 5)، وبالحق (مز 60: 4)، هي السيد المسيح نفسه، بكونه الحق ذاته (يو 14: 6). يمكننا القول بأن السيد المسيح يسمح بالضيقات فيُقدم نفسه لنا، نقتنيه بكونه علامتنا، أو علامة مجدنا فيه.
تستخدم الرايات على المناطق التي توجد فيها مخاطر حتى يمكن رؤيتها من بعيد فيهرب الشخص من المخاطر. ما هذه العلامة سوى مسيحنا نفسه الذي يعلن عن ذاته في وسط الضيقات، فيرفعنا فوق كل الضيقات، ويحملنا فيه، فنخلص من مخاطر العالم، ونتمتع بشركة أمجاده.
* كما أن الجنود وقت الحرب يعطون علامة لأنصارهم وأعوانهم ليميزوا أصحابهم ويفرزوهم من أعدائهم، كذلك أنت يا الله بعلمك تعرف أتقياءك ولا تدعهم يتأذون من اغتيال الأعداء، وتميزهم بأمرك كأنه بعلامةٍ كما رسمت علامة لقايين بأمرك أنه لا يُقتل، ليست علامة حسية.
يحتوي هذا المزمور على نبوة للعلامة التي أُعطيت لنا نحن المؤمنين، كما قال القديس باسيليوس، وهي دم ربنا يسوع المسيح الذي به ننجو من رشق السهام المحرقة التي تحاربنا بها القوات المضادة. العلامة التي كانت لها رسم، مسحها العبرانيون على بيوتهم في مصر بدم الحمل المذبوح للفصح. وأيضًا العلامة التي كان يرسمها المؤمنون كما ورد في نبوة حزقيال النبي حيث أمر الله الملاك أن يجوز في وسط أورشليم، ويرشم جباه الرجال النائمين (حز 9: 4).
* خلُص العبرانيون وحدهم بواسطة علامة الدم، ليس لأن دم الخروف في ذاته له فاعلية لخلاص البشر، وإنما كان رمزًا للأمور المقبلة(194).
* لا تخجل من صليب مخلصنا، بل بالأحرى افتخر به. لأن "كلمة الصليب عند اليهود عثرة، وعند الأمم جهالة"، أما بالنسبة لنا فخلاص (1 كو 2:1-). إنه عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين فهو قوة الله (1 كو 18:1، 23). لأنه كما سبق أن قلت إنه لم يكن إنسانًا مجردًا ذاك الذي مات عنا، بل هو ابن الله، الله المتأنس.
بالأحرى إن كان الحمل في أيام موسى جعل المُهلك يعبر، أفلا ينزع عنا خطايانا ذاك الذي هو حمل الله الذي يرفع خطايا العالم؟!
دم الخراف غير الناطقة وهب خلاصًا، أليس بالأحرى دم ابن الله الوحيد يخلص؟!
من ينكر قوة المصلوب فليسأل الشياطين!
من لا يؤمن بالكلام فليؤمن بما يرى، فكثيرون صُلبوا في العالم، لكن الشياطين لم تفزع من واحدٍ منهم، لكنها متى رأت مجرد علامة صليب المسيح الذي صُلب عنا يُصعقون، لأن هؤلاء الرجال صُلبوا بسبب آثامهم، أما المسيح فصُلب بسبب آثام الآخرين... "لأنه لم يعمل ظلمًا ولم يكن في فمه غش" (إش 9:53؛ 1 بط 22:2). لم ينطق بهذه العبارة وحده، وإلا لشككنا في أنه منحاز لمعلمه. لكن إشعياء قال أيضًا، ذاك الذي لم يكن حاضرًا معه بالجسد لكنه تنبأ بالروح عن مجيئه بالجسد.
ما بالنا نستشهد بالنبي وحده هنا؟ فها هو بيلاطس نفسه الذي حكم عليه يقول: "لا أجد في هذا الإنسان علة" (لو 23:14) ولما أسلمه غسل يديه قائلًا: "أنا بريء من دم هذا البار".
هناك شهادة أخرى عن يسوع البار الذي بلا خطية، هي شهادة اللص أول الداخلين الفردوس، إذ بكَّت زميله منتهرًا إياه قائلًا: "أما نحن فبعدلٍ، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله (لو 23:41)، لأن كلينا تحت قضائه(195).
* إنها )علامة الدم) توضع في البيوت كما في النفوس حيث يجد فيها روح الرب مسكنه المقدس(196).
* أنت أحد المؤمنين! ارسم علامة الصليب. قل: هذا هو سلاحي الوحيد، هذا هو دوائي، لا أعرف شيئًا سواه(197).
* ليس أحد له علامة الصليب على جبهته يمكن للشيطان أن يضربه، فإنه لا يقدر أن يمحوها، إنما الخطية وحدها تقدر(198).
لِكَيْ يَنْجُوَ أَحِبَّاؤُكَ.
خَلِّصْ بِيَمِينِك،َ
وَاسْتَجِبْ لِي [ع5].
يطلب داود النبي من الله أن يستمع إلى صلاته، حيث يطلب الخلاص لا لنفسه وحده، بل ولكل محبي الله. هذا الخلاص الذي يتحقق بيمين الرب، فهو سلاحهم وسرّ نصرتهم. إنه يطلب النصرة الكاملة، فقد بدأت النصرة بالفعل كهبة من الله، لكن يبقى المرتل يطلب استمرار النصرة حتى يبلغ النصرة النهائية الكاملة.
هذه العلامة الإلهية تدفعنا أيضًا من الحذر لئلا نهلك بسبب عدم رجوعنا إلى المخلص وتمتعنا بالخلاص من خطايانا.
* كما أن الماء قد تحول إلى خمر بمحبة الله، هكذا على العكس يليق بنا أن نحذر لئلا تتحول الخمر إلى ماء خلال محبة العالم، واختيارنا لملذاته(199).
* قوله: "بيمينك"، أي بقدرتك العزيزة، وأيضًا إن يمين الله الآب هو الابن الذي به خلق المخلوقات. وكما جاء في نبوة إشعياء: "قد أيّدتك، وأعنتك، وعضّدتك بيمين برّي" (إش 41: 10). وأيضًا: "يديّ أسست الأرض، ويميني نشرت السماوات" (إش 48: 13). إنه بابنه الوحيد الذي هو ربنا يسوع المسيح، قد صار الخلاص العام لجنس البشر.
* "أمسكت بيميني وأصعدتني بمجد" (مز 23:73-24)...
يتلقى الإنسان إرشادًا طيبًا حينما يمسك الله بيمينه، بيد الله نفسه. مثل هذا يمكنه القول: "الرب عن يميني فلا أتزعزع" (مز 8:16).
لو أن آدم كان قد اختار أن يكون له الرب عن يمينه، ما خدعته الحيّة، لكن لأنه نسي وصية الله وتمم إرادة الحية، أمسك الشيطان بيده، وجعلها تمتد لشجرة معرفة الخير والشر، ليقطف أشياءً حُرَّمت عليه..!
لهذا فإن الرب يسوع الذي أخذ قضية الإنسان وحالته، وضع الشيطان عن يمينه هو، تمامًا كما نقرأ في سفر زكريا (زك 1:3)، هكذا حيث يقف ميراث آدم فهناك وقف المسيح. وكرياضي صالح، سمح للشيطان أن يقف عن يمينه (أي يمين الرب)، لكي يطرحه وراءه قائلًا "أذهب يا شيطان!" (مت 10:4). وحينئذ طُرحَ المُعاند من موضعه ورحل،
ولكي لا يقف الشيطان عن يمينك يقول المسيح "تعال. اتبعني" (مت 21:19)، لهذا تنبأ داود سلفًا بمجيء الرب الذي نزل من السماء ليحررنا من قوة الخصم المُعاند إذ قال: "الرب عن يميني فلا أتزعزع"، لكن الذي الشيطان عن يمينه يتزعزع. وتبرر داود إذن فيما قاله: "أمسكت بيميني" أي حتى لا أخطئ الآن وحتى أتخذ موضعي في مكان الاتكال والثقة، إذ كنت قبلًا أترنح وخطواتي متقلقلة!
كم كان قول الرسول حكيمًا حقًا! لأن الرب إذ رآه منزعجًا مضطربًا مد يمينه، ولم يدعه يسقط بل تبّعه ليمشي دون خوف (مت30:14، 31)، وعند خلاصه، ماذا قال بطرس إلا تلك السطور النبوية:"أمسكتني بيميني وفي مشيئتك قدتني وأصعدتني بمجدٍ؟" وما اليد اليمني إلا قوة النفس العاملة (قوة النفس التي لا تكف عن الجهاد)؟(200)
* ما هو الفخ الذي انكسر (مز 123: 7)؟ يقول الرسول: "(الرب) سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا" (رو 16: 20)، "فتستفيقوا من فخ إبليس" (2 تي 2: 26). ها أنتم ترون الشيطان هو الصيَّاد، يشتاق أن يصطاد نفوسنا للهلاك. الشيطان هو سيِّد فخاخ كثيرة، وخداعات من كل نوع... متى كنَّا في حالة النعمة تكون نفوسنا في أمان. لكن ما أن نلهو بالخطيَّة، حتى تضطرب نفوسنا وتصير كسفينة تلطمها الأمواج(201).
6 اَللهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِقُدْسِهِ: «أَبْتَهِجُ، أَقْسِمُ شَكِيمَ، وَأَقِيسُ وَادِيَ سُكُّوتَ. 7 لِي جِلْعَادُ وَلِي مَنَسَّى، وَأَفْرَايِمُ خُوذَةُ رَأْسِي، يَهُوذَا صَوْلَجَانِي. 8 مُوآبُ مِرْحَضَتِي. عَلَى أَدُومَ أَطْرَحُ نَعْلِي. يَا فَلَسْطِينُ اهْتِفِي عَلَيَّ». 9 مَنْ يَقُودُنِي إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ؟ مَنْ يَهْدِينِي إِلَى أَدُومَ؟ 10 أَلَيْسَ أَنْتَ يَا اَللهُ الَّذِي رَفَضْتَنَا، وَلاَ تَخْرُجُ يَا اَللهُ مَعَ جُيُوشِنَا؟ 11 أَعْطِنَا عَوْنًا فِي الضِّيقِ، فَبَاطِلٌ هُوَ خَلاَصُ الإِنْسَانِ. 12 بِاللهِ نَصْنَعُ بِبَأْسٍ، وَهُوَ يَدُوسُ أَعْدَاءَنَا.
اَللهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِقُدْسِهِ.
أبْتَهِجُ.
أَقْسِمُ شَكِيمَ،
وَأَقِيسُ وَادِيَ سُكُّوتَ [ع6].
إن كان الله يخلص شعبه، ويقيم رايته كعلامة للنصرة، إنما من أجل الحق، هذا الحق الإلهي هو "القداسة" إذ يتكلم الله "بقدسه". سبق فوعد الله وهو في قدسه حيث يفي بوعوده أن يهبهم أرض الموعد، كنعان كلها. وادي سكوت تمثل شرق الأردن، وشكيم تمثل غرب الأردن.
"أبتهج" يشعر داود بالفرح والبهجة كما تطلع إلى القدوس الذي يعد شعبه ويحقق وعوده.
يرى القديسان باسيليوس الكبير وأثناسيوس الرسولي أن الله تكلم في قديسيه بأن يجعل شكيم الخاصة بيوسف ملكًا مشاعًا ومشتركًا لجميع الذين يؤمنون به من الأمم واليهود، وأن وادي المظال أو السكوت يشير إلى المسكونة كلها حيث تمتلئ بالكنائس التي يتمجد فيها اسم الله، ويبتهج الرب بذلك.
* "الله تكلم في قديسيه، أبتهج، وأقسم شكيم، وأقيس وادي المظال". قول الله: "تكلم" معناه أمر وحكم.
وقوله: "في قديسيه"، أي أنه أقسم بقديسيه، أو قضى بما يليق بقديسيه، أو قضى بروح قدسه. وأيضًا إن الله تكلم في قديسيه كما تكلم في رسله وأنبيائه. فماذا تكلم؟ وبماذا حكم؟ قال: ابتهج، أي أُفرح شعبي، وأنا أيضًا أفرح معهم، عندما أردُّهم من سبي بابل إلى بلادهم.
وأقسِّم شكيم...، فشكيم مدينة خصبة في كورة السامرة، ولجودتها خصها يعقوب ليوسف ابنه المحبوب. وحينما انقسمت أسباط إسرائيل في أيام رحبعام الملك ابن سليمان، فالتسعة أسباط التي عصت نصبت ملكًا عليها من سبط أفرايم في شكيم، ولكن بعد جلائهم من بلادهم وأسرهم إلى بابل سكنت في تلك الأرض أمم غريبة. فقد وعدهم الله بأن يعيدهم إلى بلادهم ويهبهم شكيم وينزع عنها الغرباء.
أما وادي المظال (وادي سكوت) فيُقال عن أورشليم وسائر أرض فلسطين، وقد دُعيت وادي المظال لأن أهل بابل خرّبوها، ولم يكن لها أسوار تحصنها، فوعد الله أن يردهم إليها ويكثرهم، ويقوموا بتقسيمها بمقادير القياس.
* تجدون مكتوبًا أن الله قال: "أبتهج، أُقسِّم شكيم" (مز 6: 60)، وهذا هو النصيبُ الأعظمُ والأفضل من كل ما عداه. الذي وزَعه يعقوب على ابنه يوسف، لهذا يقول "أعطيك أكثر من إخوتك، شكيم الرائعة التي أخذتها من يد الأموريين بسيفي وقوسي" (تك 48: 22) LXX، وحق التقسيم من نصيب الرب وحده..
هكذا فإن شكيم هي الكنيسة، لأَن سليمان اِختارها، التي بجَّل حبها المخفي.
وشكيم هذه هي مريم، التي جاز سيف اللهِ نفَسهَا وقسمها. (قابل لو 35: 2).
وشكيم هذه هي "الصعود"، كما يظهر من معنى الكلمة ذاتها. وعما يقصد به هذا "الصعود”، اسمعوا سليمان يتحدث عن الكنيسة قائلًا: "من هذه الطالعة (الصاعدة) في ثيابٍ بيض، المستندِة على أخيها؟" (نش 5: 8 السبعينية). إِنها مشرقة، وهي اللفظة التي يقابلها في اليونانية aktinodes، لأنها ساطعةٌ في الإِيمان والأعمال. وقيل لأطفالها: "لتضئ أعمالكم قدام ابن الإنسان الذي في السماء" (راجع مت 16: 5)(202).
يرى القديس أغسطينوس أن قدسه هنا هو المسيح القدوس، موضع سرور الآب، به يبتهج ويقسم شكيم. كلمة "شكيم" تعني "الأكتاف". وقد قدم أهل شكيم ليعقوب كل الأصنام، فطمرها تحت البطمة التي عند شكيم (تك 35: 4). يشير هذا العمل إلى انقسام أهل شكيم إلى فريقين، فريق حملوا خطاياهم على أكتافهم، وآخر إذ سلموا أصنامهم ليعقوب حملوا نير المسيح الهين والمبهج على أكتافهم.
يقول القديس أغسطينوس: [الحمل الآخر يثقل عليكم ويضغط عليكم، أما نير المسيح فيهبكم راحة. الحمل الآخر له ثقله ونير المسيح له جناحاه... ليحملوا نير المسيح فيدركوا كم هو خفيف وحلو ومبهج، وكيف أنه ينتقل من الأرض إلى السماء بروعةٍ.]
لِي جِلْعَادُ، وَلِي مَنَسَّى، وَإفْرَايِمُ خُوذَةُ رَأْسِي.
يَهُوذَا صَوْلَجَانِي [ع7].
إن كان الله سمح لجلعاد ومنسَّى وأفرايم ويهوذا بالسبي، وجاءت الأمم المحيطة وخرّبوا بلادهم، لكن الله يبقى معتنيًا بخاصته، فيعيدهم إلى تخومهم، وينسبهم إليه.
يتطلع الله إلى شعبه بكونه مملكته، فيعلن هنا ما ورد في العبارة السابقة أن مملكته تمتد إلى شرق الأردن وغربه.
"إفرايم": كان من أقوى الأسباط وأغناها (تك 48: 19؛ تث 33: 17)، فيُحسب كخوذة رأس تحمي كل المملكة.
"يهوذا": هو السبط الملوكي، وكما قال يعقوب: "لا يزول قضيب من يهوذا، ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب" (تك 49: 10).
* "جلعاد" تترجم "كومة من الشهادة". يا لعظم كومة الشهادة في الشهداء!
"لي جلعاد"، فإنه لي هي كومة الشهادة، لي هم الشهداء الحقيقيون.
* خلال كومة الشهادة تنمو محبة المسيح وتتسع، وخلال توسع محبة المسيح يٌقتنى الأمم.
* افرايم تترجم "الإثمار". يقول: لي الإثمار؛ وهذا الإثمار هو قوة رأسي، إذ رأسي هو المسيح.
مُوآبُ مِرْحَضَتِي.
عَلَى أَدُومَ أَطْرَحُ نَعْلِي.
يَا فَلَسْطِينُ، اهْتِفِي عَلَيَّ [ع8].
لقد شمتت هذه القبائل في إسرائيل ويهوذا، وخرّبوا بلادهم بعد السبي. كما أهانوا شعب الله، وذلك بسماح من الله، فسترتد الإهانة إليهم.
يرى البعض أن بقوله "موآب مرحضتي"، أنه نزل بموآب إلى أدنى درجات العبودية(203). حيث تصير أشبه بإناء للغسيل، فيُترك فيه القاذورات المتعلقة بالإنسان أو الأدوات التي تُغسل فيه.
طرح الحذاء أو النعل على أدوم يشير إلى الغلبة عليه، وإخضاعه، ليمارس أدنى الأعمال مثله كموآب.
قام البعض بترجمة الآيتين 7، 8 هكذا: "خضع جلعاد ومنسى لي، وقدم لي إفرايم رجالًا بواسل، ويهوذا رجال تعقل وحكمة. سأنزل بموآب إلى العبودية، وأنتصر على أدوم، وأجعلهما عبيدي؛ وأضيف فلسطين إلى نصرتي"
كأن نصرته على موآب جعلته يفعل به حسبما يشاء، لكن لم يضف إليه شيئًا من القوة، ولا حسب أنه قد أضاف إلى سلطانه أو ممتلكاته شيئًا، إن قورن موآب بغيره من الأجزاء الأخرى لمملكته. إنه كإناء الغسيل الذي يقارن ببقية الأواني لتي يستخدمها المرء.
كان أدوم حتى وقت وضع المزمور لم يُخضع بعد لداود. وكان داود متلهفًا على إخضاعه، إن صح التعبير. كان إخضاع أدوم لازمًا ليكون قد اكتسب كل المنطقة الخاصة بأرض الموعد. وقد عبرّ المرتل في هذا المزمور عن هذه الرغبة مع يقينه أنه سيستولى على أدوم.
بقوله يطرح حذاءه عليه، إشارة إلى أن أدوم يصير ملكه. ففي العصور الوسطى كانت العادة هي إلقاء قفاز على الأرض التي تصير ملكه؛ وفي وقت كولومبس Columbus كانوا يضعون صليبًا بوقار على ما يحسبه الشخص أو الجماعة ملكًا له. وفي الاستيلاء على أراضٍ أو مدنٍ في الحروب يضعون علم الدولة المنتصرة على الأماكن المرتفعة أو يبنون قلعة حصينة(204). أما قوله: "يا فلسطين، اهتفي عليّ"، فتعبير يحمل نوعًا من السخرية والتهكم، يعني أن فلسطين لم تعد في مركز للتفكير في الانتصار عليه(205).
ما ورد في هذه العبارة كلها هو إعلان عن نصرة المرتل داود على كل أعدائه.
يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن النبي يتنبأ هنا عن تمتع الأمم بالإيمان بالسيد المسيح. فالمرحضة هنا أو مرجل الحميم أو طشت الغسيل كما جاء في السريانية يشير إلى المعمودية التي تطهّرهم وتغسل أوساخهم. وأن أدوم وسائر القبائل الغريبة تخضع للسيد المسيح بالإيمان، وأحنت عنقها لنيره الصالح. أما حذاء الله فهو جسده الذي به حلّ على الأرض، ومشى كإنسان. كذلك رسله يدعون حذاءه، لأنهم مشوا وطافوا المسكونة كارزين ينشرون الإيمان المستقيم. وأيضًا معلمو الكنيسة الذين يتمسكون بالحق، وقد امتدت بهم معرفة الله إلى أدوم وإلى سائر الأمم.
* إلى أي شيء يشير النعل سوى إلى الإنجيل؟ "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر بالخير" (إش 52: 7)... في هذه الأزمنة نرى يا إخوة ما أكثر الناس الأرضيين الذين يقترفون الأخطاء من أجل الربح، من أجل أخطاء باطلة. بسبب مخاوفهم يستشيرون العارفين والمنجمين. هؤلاء جميعهم هم أدوميون، أي ترابيون؛ ومع هذا فإن هؤلاء يعبدون المسيح خلال نعله، فإنه حتى على أدوم يطرح نعله.
* الرب نفسه -خلال داود- أعلن أن هذا النعل يشير إلى خطوات الكرازة بالإنجيل، عندما يقول: "على أدوم أطرح نعلي" (مز 60: 8؛ 108: 9)؛ فإنه يأخذ خطوات الكرازة بالإنجيل في كل مكان خلال رسله(206).
مَنْ يَقُودُنِي إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ؟
مَنْ يَهْدِينِي إِلَى أَدُومَ؟ [ع9].
يرى آدم كلارك أن الآيات [6-12] ربما تشير إلى عودة المسبيين من بابل. فالمدينة الحصينة هنا يمكن أن تعني تبرا عاصمة أدوم التي تقع بين الصخور، ويصعب على العدو الاستيلاء عليها. أو بصرة في العربية بجوار جبال جلعاد، ورابة Rabba عاصمة بني عمون، أو صور حسب النص الكلداني Chaldee، عاصمة فينيقية أو أورشليم نفسها التي وإن كانت قد تهدمت لكنها بقيت إلى فترة طويلة من أقوى المدن في الشرق. كأن المرتل يقول: من يهبني سلطانًا على هذه المدن الحصينة السابق ذكرها؟ من يقودني إلى أدوم، ويهبني سلطانًا على شعبها.
كان داود يأمل في البلوغ إلى بترا Petra أو سيلا Sela عاصمة أدوم، وبعد ذلك يستولى على بلاد أدوم ويخضع شعبها، وقد تحقق ذلك خلال القيادة المشتركة بين يوآب وأبيشاي(207).
أَلَيْسَ أَنْتَ يَا اللهُ الَّذِي رَفَضْتَنَا،
وَلاَ تَخْرُجُ يَا اللهُ مَعَ جُيُوشِنَا؟ [ع10].
إنه الله وحده الذي يطردنا أحيانًا، ويقصينا عن بلادنا للتأديب، هو وحده يهبنا ليس فقط أن نسترد ما فقدناه، بل يقدم لنا أكثر مما نسأل. الله في تأديبه لا يترك شعبه ولا من يؤمن به إلى النهاية، وإنما يؤدب إلى حين. يبدو كمن ترك شعبه، لكنه يفتح أبواب الرجاء أمامهم.
* يتحدث النبي عن مدينة أورشليم بكونها المدينة الحصينة، إذ رأى بعين النبوة أهل بابل يهدمون أسوارها، ولكن بعد رجوعهم إليها يبنونها مدينة حصينة. فيقول: من غيرك يقدر أن يبلغني إليها، ويريني إياها حصينة، ومن ثم يهديني إلى أدوم؟ أنت يا الله تقدر على ذلك. يا من تقصينا مرارًا من أجل خطايانا، ولا تتقدم أمام جنودنا تأديبًا لنا.
المدينة هنا تُقال أيضًا عن كنيسة المسيح، لأنها مسكونة سكنًا منظمًا وهي حصينة، لأن قوات الملائكة تحوطها، ونعمة الله تحرسها، فيشتاق النبي أن يرى ببصرٍ حسِّيٍ ما رآه ببصيرةٍ روحيةٍ. هذا ما قاله ربنا له المجد في بشارة متى الإنجيلي: "إن أنبياء وأبرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا" (مت 13: 17).
أَعْطِنَا عَوْنًا فِي الضِيقِ،
فَبَاطِلٌ هُوَ خَلاَصُ الإنسان [ع11].
يشعر المؤمن في وقت الضيق كأن المصائب قد حطمته وابتلعته، بسبب التأديب الإلهي. عندئذ يصرخ إلى الله مخلصه، إذ يدرك أن ذراعه البشري كما أذرع إخوته في البشر عاجزة عن تقديم الخلاص. يبقى الله وحده هو المعين المخلص، لا من الضيقات فحسب، بل ومن الخطايا، فيعين الجسد ويقدس النفس، ويطهرها من الخطايا.
يعترف المرتل بأنه قد فعل كل ما في وسعه، لكن باطل هو تعب الإنسان ما لم تسنده النعمة الإلهية.
بِاللهِ نَصْنَعُ بِبَأْس،ٍ
وَهُوَ يَدُوسُ أَعْدَاءَنَا [ع12].
إذ أدرك المرتل فشله بسبب اعتماده على ذراعه البشري، الآن يرى في الله وحده القوة والقدرة للتمتع بالغلبة والنصرة على الأعداء.
* ماذا يعني هذا؟ "مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحيَّة في السماويَّات" (أف 6: 12).
لنا نحن أيضًا إكليل كما بالغلبة على أعداء آخرين: الفكر الجسداني، والناموس الثائر في أعضائنا، والشهوات بأنواع كثيرة: شهوة اللذة وشهوة الجسد وشهوة الغنى وغيرها. نصارع مع هذه كفرقة عنيفة من الأعداء.
كيف نغلب؟ بالإيمان "بالله نصنع ببأس، وهو يدوس أعداءنا" (مز 60: 12)...
يحدثنا أحد الأنبياء القدِّيسين عن هذه الثقة، قائلًا: "هوذا السيِّد الرب يعينني، من هو الذي يعيرني؟!" (إش 50: 9 الترجمة السبعينيَّة).
ويترنم أيضًا داود الإلهي، قائلًا: "الرب نوري ومخلِّصي ممن أخاف؟! الرب عاضد حياتي ممن أجزع؟!" (مز 27: 1).
هو قوتنا، وبه ننال النصرة، إذ يعطينا السلطان أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوَّة العدو(208).
* إلهي، حضورك في أعماقي يملأ قلبي تهليلًا،
ويفتح فمي للتسبيح لك.
أتطلع إلى الماضي،
حين أعطيتك القفا لا الوجه.
كنت أحسب الحياة معك حرمانًا وكبتًا.
كانت أعماقي أشبه بمزبلة،
رائحتها لا تُطاق،
إذ تفوح منها رائحة العصيان والفساد.
لقد رفضتني،
لأني بإرادتي وددت الهروب منك.
تشتتت أعماقي، كجيش خسر المعركة، فتبدد!
حسبتك عدوًا ثائرًا ضدي،
ولم أدرك أنني أنا علة هلاكي!
* الآن اشهد لك في أعماقي كما أمام إخوتي.
صرخت إليك، فكنت كمن يترقب تلك اللحظات.
رجعت إليّ كمخلصٍ ومنقذٍ من كل مقاومي.
صرت قائد المعركة لحسابي.
رفعت راية صليبك على جبل الجلجثة في أعماقي.
لقد سبيت قلبي بالحب،
وأعلنت ملكوتك في داخلي،
وأقمت من أعماقي مركزًا للحق والبرّ والقداسة.
نفسي تتهلل بك، يا أيها القدوس البار، يا أيها الحق!
* صُرت بكليتي لك، كما أعلنت أنك أنت لي!
حسبتني كإفرايم الجديد،
مملوء قوة كخوذة الرأس!
حسبتني كيهوذا الجديد،
تقيمني ملكًا صاحب سلطان!
أنت في داخلي،
قوتي ومجدي يا ملك الملوك.
* الآن كيف أخاف الخطية؟
هل يرعبني إبليس مع كل جنوده؟
هل يسبيني العالم بكل إغراءاته،
أو يحطمني بضيقاته ومتاعبه؟
لن أخاف، لأنني بكليتي بين يديك.
تحطم الشر فلا يتسلل إليّ.
تقيم من التجارب مرحضة،
خلالها تغسلني برحمتك.
وتجعل إبليس موطئا لقدمي،
لأنك مقيم في داخلي!
* تبقى نفسي تسبحك وتبتهج بك،
من أجل النصرات العجيبة التي وهبتني إياها.
وها هي تمتد إلى قدام،
لتنعم بمواقع جديدة، ونصرات دائمة.
تقود كل طاقاتي وأفكاري وعواطفي ومواهبي.
تقودني كما في موكب نصرة دائم التحرك.
أترقب مع كل صباح نصرة جديدة إلى يوم انطلاقي!
لك المجد، يا واهب الخلاص، ومانح الأمجاد السماوية!
_____
(189) Barnes, Nares.
(190) Plumer, Ps. 60.
(191) Cassian: De institutis caenoboum, 8:2-4.
(192) In Rom. hom 5.
(193) Sermon 167: 10
(194) Lactantius: Divine Institutes 4: 26.
(195) مقال 13: 3.
(196) Pasch Hist.
(197) In Ccolos, Hom 8.
(198) St. Augustine: Sermon on N.T. Lessons 57: 7.
(199) Sermon 169: 9.
(200) Prayer of David, Book 3: 10:27.
(201) On Ps. hom. 20.
(202) Prayer of David 4:4:15-16.
(203) Adam Clarke.
(204) Barnes' Notes.
(205) Barnes' Notes.
(206) Chromatius: Tractate on Matt hom 11: 4.
(207) Barnes' Notes.
(208) In Luc Ser 105.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 61 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 59 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/kk3wah4