17- ف
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 129 - 130 - 131 - 132 - 133 - 134 - 135 - 136
[129 - 136]
إذ سبق فتحدث عن بركات الوصية كسندٍ وحيدٍ له وملجأ ضد الظالمين والمتكبرين [121-128]، الآن وقد تمتع بخلاص الرب وانفتحت عيناه على أعماق الوصية شاهد فيها عجبًا!
129. |
||
130. |
||
131. |
||
132. |
||
133. |
||
134. |
||
135، 136. |
||
عجيبة هي شهاداتك من وحي المزمور 119(ف) |
129 عَجِيبَةٌ هِيَ شَهَادَاتُكَ، لِذلِكَ حَفِظَتْهَا نَفْسِي.
"عجيبة هي شهاداتك،
حفظتها نفسي" [129].
*
شهادات الله عجيبة، لأن منها نتعلم كل ما يستوجب العجب وحب كل أنواع الفضيلة مع رفض كل أنواع الرذيلة.منها نتعلم مجازاة كل (فضيلة ورذيلة).
* من يحصي شهادات الله بأنواعها؟ السماء والأرض، أعماله المنظورة وغير المنظورة، تعلن بطريقة ما عن شهادة صلاحه وعظمته... لم يرتعب المرتل من دهشته بسبب الخليقة بل بالحري قال إن هذا يُلزمه بالبحث فيها، لأنها أمور عجيبة. فبعد قوله: "عجيبة هي شهاداتك" أضاف: "لذلك حفظتها نفسي"؛ كمن صار بالأكثر شغوفًا للدخول في صعوبات للبحث فيها. فكلما كان يصعب فهم علة الشيء كان بالأكثر عجيبًا.
عجيبة هي شهادات الرب؛ فهي فريدة في كمالها الذي لا يعرف الحدود؛ عجيبة في نقاوتها، خالية من كل الأباطيل؛ عجيبة في إمكانياتها، فهي قادرة أن تسحب الإنسان إلى حضرة الله؛ عجيبة في صدقها، تقدم وعود إلهية أمينة إلى المنتهي. عجيبة هي كلمة الرب لأنها تكشف عن شخص الله وتعلن عن خطته الإلهية ونظرته إلى الإنسان واهتمامه بخلاصه الأبدي.
كلمة الرب المكتوبة عجيبة في كل جوانبها، وكلمة الله المتجسد يُدعى اسمه عجيبًا (إش 6:9)، لأنه جاء يحدثنا بلغة الحب الإلهي العملي، مقدمًا حياته ذبيحة حب ترفع خطايا العالم كله.
تأثر المرتل بشهادات الرب العجيبة فلم يحفظها في ذاكرته فحسب، وإنما في نفسه، في أعماقه الداخلية، لتثمر روحيًا في فكره وأحاسيسه ومشاعره وحتى في جسده. حفظها داود النبي في نفسه لتقدس قلبه وأعماقه، وتقود كلماته وسلوكه الظاهر أيضًا.
130 فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ، يُعَقِّلُ الْجُهَّالَ.
"إعلان أقوالك ينير لي،
ويفهم الأطفال الصغار" [130]
* من هم الصغار إلا المتواضعون والضعفاء؟ لا تكن متكبرًا، ولا تفكر في قوتك التي هي كلا شيء فتفهم لماذا أُعطى الناموس الصالح بواسطة الله الصالح، وإن كان عاجزًا عن إعطاء الحياة. فقد أُعطي لهذا الهدف أن يجعلك صغيرًا عوض كونك عظيمًا، وليظهر لك أنك بلا قوة لإتمام الناموس بقدرتك، بهذا تشعر بالحاجة إلى العون وأنك فقير للغاية، فتطير بقوة نحو النعمة قائلًا: "ارحمني يا رب فإني ضعيف" (مز2:6)...
ليصر الكل صغارًا مرة، وليكن كل العالم مذنبًا أمامك، "لأنه بأعمال الناس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه، لأن بالناموس معرفة الخطية" (رو20:3). هذه هي شهاداتك العجيبة، التي تبحث عنها نفس هذا الطفل ويجدها، إذ صار متضعًا وصغيرًا. لأنه من يتمم وصاياك كما ينبغي أي بالإيمان العامل بالمحبة (غلا6:5)، ما لم ينتشر الحب نفسه في قلبه بالروح القدس؟ (رو5:5).
* إن بداية أقوالك يا رب تنير وتثقف الأميين الذين بسبب عدم معرفتهم يُدعون أطفالًا. كما تنير الذين باختيارهم رجعوا وصاروا أطفالًا، كما فعل رسلك القديسون وغيرهم. كما أُعطيت حكمة لأطفال اليهود وصبيانهم ووهبتهم إلهامًا لمعرفة أنك المخلص الآتي إلى العالم ومبارك هو اسم الرب، فاستقبلوك بأغصان الأشجار.
ما أن تدخل كلمات الرب وأقواله إلى النفس حتى تنيرها، إذ خلالها يدخل كلمة الله -شمس البر- ويشرق عليها، مبددًا ظلمتها، وواهبًا إياها إشراقته، ساكبًا بهاءه عليها. كلمات الرب تنير لنا الطريق الملوكي لنعبر من العالم إلى السموات.
والعجيب أن هذه الإنارة التي تهب فهمًا ومعرفة وحكمة لا تجلب كبرياءً بل اتضاعًا وبساطة، فيصير المؤمنون كالأطفال الذين من أجلهم تهلل ربنا يسوع بالروح، قائلًا: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (مت25:11).
+ لقد انفتحت بالفعل أعيننا. لقد جاء يسوع ليفتح عيني، ورُفع البرقع الذي غطاهما(114).
131 فَغَرْتُ فَمِي وَلَهَثْتُ، لأَنِّي إِلَى وَصَايَاكَ اشْتَقْتُ.
"فتحت فمي واجتذبت لي روحًا،
لأني لوصاياك اشتقت" [131].
يشَّبه المرتل نفسه بمسافرٍ في جوٍ حارٍ جدًا، يفتح فمه ليجد كوب ماء بارد وسط الحر القاتل، هكذا تشتاق نفس المرتل إلى عمل الروح القدس الذي يلهب القلب بالحنين نحو كلمة الإلهية. في مزمور آخر يقول: "عطشت إليك نفسي في أرضٍ ناشفة ويابسة بلا ماء" (مز 1:63).
الروح الذي فتح أفواه الأطفال والرضع ليسبحوا للمخلص، هو أيضًا يدخل في أذهاننا وفي إنساننا الداخلي لفهم أسرار المخلص والخلاص، فيلهب النفس شوقًا نحو وصايا الرب أو ناموس المسيح الروحي.
يفتح المرتل فمه بعد جري طويل ليجتذب له نفسًا، أي ليتنفس الصعداء... فإن الوصية بالنسبة له هي نسمة يستنشقها في داخله، ترد له حياته.
كثيرًا ما يكرر المرتل قوله "لوصاياك اشتقت"، فقد اشتاق أن ينالها من يدي إلهه كناموسه الخاص، واشتاق أن يتفهمها ليدرك أسرارها، واشتاق أن يحفظها في نفسه ككنزٍ ثمينٍ، واشتاق أن يحملها في الطريق كسراجٍ منيرٍ، واشتاق أن يطيعها كابن يحب وصية أبيه، واشتاق أن يعلمها للغير كي ينعموا بها معه، واشتاق أن يأكلها فهي أشهي من العسل والشهد، واشتاق أن يتمتع بها كميراثه الأبدي.
* ماذا يشتهي إلا طاعة الوصايا الإلهية؟ لكن لم تكن توجد إمكانية للضعيف أن يمارس الأمور الصعبة، ولا للصغير أن يمارس الأمور العظيمة، لهذا فتح فمه معترفًا أنه قد عجز عن إتمام هذا بنفسه. فتح فمه بالسؤال والطلب والقرع (مت7:7)، وعطش ليشرب الروح الصالح، الذي يمكنه أن يفعل مالا يستطيع فعله بنفسه، فإن "الوصية مقدسة وعادلة وصالحة" (رو13:7). ليس أن الذين اقتيدوا بروح الله (رو14:8) لم يفعلوا شيئًا، وإنما لكي لا يتوقفوا عن العمل يحركهم الروح الصالح للعمل. بقدر ما يصير الإنسان ابنا صالحًا يُعطيه الآب الروح الصالح بدرجة أعظم.
* فتحت فمي واجتذبت فيَّ الروح، وسلمت نفسي وكل كياني للروح: عملي وكلامي وصمتي، فقط ليمسك بي ويقودني، ويحرك اليد والذهن واللسان إلى ما هو حق، إلى ما يريد. وليضبطهم في الحق فيما هو أكيد.
إنني آلة الله، آلة عاقلة، آلة يضرب عليها الروح، الفنان الماهر فيقدم انسجامًا.
بالأمس كان عمله فيَّ هو السكون، فعزفت عن الكلام.
هل يضرب على ذهني اليوم؟ فيُسمع صوتي بمنطوقات... إني أفتح بابي وأغلقه حسب إرادة العقل (الإلهي) والكلمة والروح، اللاهوت الواحد(115)...
يربط العلامة أوريجينوس بين تلك الكلمات وبين نشيد الأنشاد: "فليقبلني بقبلات فمه" (نش 2:1)، لأن عروس المسيح تفتح فمها الداخلي لتقبل الروح القدس الذي ينير فكرها، ويهبها استحقاقات نوال قبلات المحبة لعريسها(116).
واقتبس القديس أمبروسيوس نفس الفكر حين تحدث عن هذه النعمة، وهي عندما تُقَبِّل النفس السيد المسيح تتقبل الروح القدس عاملًا فيها. يُقبِّل السيد المسيح من يعترف به بلسانه ويؤمن به بقلبه (رو10:10)، ذاك الذي عندما يقرأ الإنجيل يتعرف على أعمال الرب يسوع ويُعجب بها بروح التقوى فيقبل بورع خطواته التي سار بها. نُقَبِل السيد المسيح بقبلة الشركة معه(117).
132 الْتَفِتْ إِلَيَّ وَارْحَمْنِي، كَحَقِّ مُحِبِّي اسْمِكَ.
إذ يفتح المؤمن فمه الداخلي ويتقبل عمل الروح القدس فيه يمتلئ قلبه حبًا لله فيمارس وصيته، وبممارسته الوصية أو طاعته لها يعلن عن حبه لله ويجتذب نظراته إليه. لهذا يطلب المرتل من الله أن ينعم عليه بنظرته الإلهية التي بها يتطلع إلى محبوبيه الأخصاء، ويهبهم رحمته الخاصة بالذين يحبونه.
"أنظر إليَّ وارحمني،
كرحمتك للذين يحبون اسمك" [132].
في اتضاع لم يطلب من الله أن يمد يده للعون فهذا كثير جدًا، لكنه يكفيه نظرات حنانه وابتسامته له لتلهب الحياة. إنه لا يطلب ما يستحقه بل حسب المراحم الإلهية المجانية لمحبي اسمه القدوس.
* المرحومون من الله صنفان: أحدهما الذين كفوا عن الخطية، يرحمهم الله ويغض نظره عن خطاياهم. والثاني الذين نجحوا في عمل الفضيلة... الذين لأجل محبة اسمك يصنعون ما يجتذب إليهم نظرك.
* لا يزال يصلي، يفتح فمه ويجتذب فيه الروح.
إنه لا يزال يقرع على باب الآب بالصلاة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). يطلب ويشرب، وكلما وجده عذبًا أكثر يعطش بأكثر شغف. اسمع كلماته في عطشه: "أنظر إليَّ وارحمني، كأحكامك للذين يحبون اسمك"... إذ أحببتهم أولًا جعلتهم يحبونك، هكذا يقول الرسول: "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولًا" (1يو19:4).
133 ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ، وَلاَ يَتَسَلَّطْ عَلَيَّ إِثْمٌ.
ممارسة المرتل للوصية من واقع حبه لله يهبه نظرات الرب الخاصة ومراحمه، بهذا تتشدد قدماه للتحرك في الطريق الملوكي بحرية كمن يطير، لا سلطان للإثم عليه، ولا يقدر أن يوقف خطواته الرزينة القوية.
"قوّم خطواتي كقولك،
ولا يتسلط عليّ أي إثم..." [133].
* إن رجعنا عن عمل السوء، واتجهنا نحو عمل الخير يقوِّم (الله) خطواتنا، ويمهد طرقنا، ويصلح سيرتنا، ولن تقدر الخطية أن تتسلط علينا.
تترنم حنة أم صموئيل قائلة: "أرجل أتقيائه يحرس، والأشرار في الظلام يصمتون" (1صم 9:2). هكذا يشعر أتقياؤه أن الله يعين خطواتهم بنعمته، فلا يتحركون إلا حسب مشيئته المقدسة، لأن لا سلطان لهم عليهم ما دام الرب نفسه يقود حركتهم في طريق الكمال.
* بقدر ما يزداد حب الله مالكًا على كل إنسان، يقل بالأكثر سلطان الإثم عليه.
ماذا يطلب سوى أن يعطيه الله أن يحبه؟ لأن بحبه لله يحب نفسه، ويحب قريبه كنفسه بطريقة صحية. على هاتين الوصيتين يتعلق كل الناموس والأنبياء (مت37:22-40).
بماذا إذن يصلي سوى أن الله يقدم معونته في إتمام هذه الوصايا التي فرضها ليرتبط بها؟
134 افْدِنِي مِنْ ظُلْمِ الإِنْسَانِ، فَأَحْفَظَ وَصَايَاكَ.
"انقذني من بغي الناس،
فأحفظ وصاياك" [134].
* تعبير "انقذني من بغي الناس" جاء باليونانية "انقذني من بهتان الناس"، أي من افتراءاتهم، ومعناه "من تعاليم الهراطقة"، لأنهم يفترون على الإيمان الحقيقي بنطقهم ما يخالف الحق.
* ألم يحفظ أناس الله القديسون الوصايا بأكثر مجد وسط هذه المصائب عينها، عندما كانوا في أشد لحظات الضيقة، ولم يذعنوا لمضطهديهم ويرتكبوا سيئات؟ لكن بالحق معنى هذه الكلمات هنا هي: هل بسكبك روحك عليّ تحفظني فلا انهزم أمام رعب المصائب البشرية، ولا انسحب من وصاياك إلى الأعمال الشريرة؟ فإن صنعت هكذا معي، أي إن كنت بوسيلة ما تخلصني بعطية الصبر من مصائبهم، فلا أخاف من الاتهامات الباطلة التي يوجهونها ضدي، بهذا أحفظ وصاياك وسط هذه المصائب.
ذاق داود النبي المرارة بسبب افتراءات الأشرار، فحُرم مرات كثيرة ولفترات طويلة من التمتع من مقدس الرب ومن شركة العبادة الجماعية ومن الوجود وسط الشعب، ليبقى طريدًا بلا ذنب من جانبه. وها هو يطلب معونة الله وخلاصه لئلا تشتد الضيقة فوق احتماله. حقًا في أحلك اللحظات كان وهو مطرود يشعر أنه كشجرة الزيتون المغروسة في بيت الرب، لا يقدر أحد أن يقتلعه من مقدس الرب، ولا من ينزع المقدس من أعماقه... ومع هذا لم يكف عن الصراخ طالبًا العون الإلهي، وكأنه يقول: "لا تدخلنا في تجربة".
إذ يُرفع الظلم عن أولاد الله لا يستخدمون الحرية للانحراف بل لمجد الله، فعندما أُطلق بطرس ويوحنا "أتيا إلى رفقائهما" (أع23:4) يسبحان الله ويمجدانه.
135 أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ، وَعَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. 136 جَدَاوِلُ مِيَاهٍ جَرَتْ مِنْ عَيْنَيَّ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا شَرِيعَتَكَ.
عمل الوصية تقديم الحق الذي ينقذنا من افتراءات الهراطقة، ويهيئنا لمعاينة المخلص "وجه الآب"، شمس البرّ، لذا يقول:
"أضيء بوجهك على عبدك،
وعلمني حقوقك" [135].
* بمعنى أعلن حضرتك بمساعدتك ومعونتك لي، "وعلمني برّك".
علمني أن أصنع برّك، وقد عبَّر عن ذلك بأكثر وضوح في موضع آخر: "علمني إرادتك" (مز10:143). فالذين يسمعون، مع أنهم يحفظون في ذاكرتهم ما يسمعونه، ألا أنهم لا يُحسبون بأية طريقة أنهم يتعلمون ما لم يمارسوا ما يسمعونه. فإن كلمة الحق هي: "كل من سمع من الآب وتعلَّم يقبل إليَّ" (يو45:6). لذلك من لا يطيع بالعمل، أي لا يُقبل (إليه) لا يكون متعلمًا.
كان داود الملك يعتز بلقب "عبد الرب"، حاسبًا هذا كرامة له، يطلب رضاه حتى وإن وقف الكل ضده.
إن كان الأشرار يتهمونني ظلمًا ويفترون عليَّ ليدخلوا بي إلى ظلمة القبر، فأنت تشرق عليّ بوجهك فأمتلئ بهاءً. هم يحثونني على كسر وصيتك وأنت تكشف لي أسرارها وتعلمني حقوقك.
عندما يشرق الله علينا بنوره لا نظن أننا قد بلغنا الكمال فنعلِّم الآخرين في كبرياء وتشامخ، وإنما بالأكثر نشعر بالحاجة إلى التعلم لندخل إلى أعماق جديدة ونتمتع باستنارة أعظم. أما من جهة الآخرين فنعلمهم لا من كراسي المعلمين ولكن بروح الأبوة الحانية، حيث لا تجف دموعنا من أجل توبتهم ورجوعهم إلى الله. فإن إشراق شمس البر علينا يهبنا دموعًا لا تجف من أجل الخطاة.
"غاصت عيناي في مخارج المياه،
لأنهم لم يحفظوا ناموسك" [136].
* لا تتركوا شيئًا يُبعدكم عن الندامة، ففي هذا تشتركون مع القديسين، فإنه بمثل هذا الحزن على الخطية تشبهون القديسين. داود "أكل الرماد خبزًا، ومزج شربه بالبكاء" (مز9:102). لهذا يفرح كثيرًا لأنه بكى كثيرًا، إذ قال: "جرت عيناي في أنهار المياه"(118).
* يقول في نوع من المبالغة أنه في بكائه قد عبر مجاري المياه، أي ببكائه أكثر من المياه التي تفيض من مجاريها.
لم يبكِ داود على آلامه وأتعابه الكثيرة واليومية، لكنه بكى على الخطاة لأنهم يهينون ويفقدون خلاصهم الأبدي. بهذا حمل روح إلهنا القائل: "لأني لا أُسر بموت من يموت" (حز32:18). بكى المخلص أيضًا على مدينة أورشليم لأن سكانها لم يتوبوا. وغسل بطرس إنكاره الثلاثي بدموع غزيرة مرة، محققًا كلمات النبي: "جرت أنهار مياه من عينيْ". وناح إرميا أيضًا على شعبه غير التائب، قائلًا: "يا ليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع فأبكي نهارًا وليلًا... شعبي(119)".
1. فريدة في كمالها ونقاوتها وفاعليتها وأمانتها، لذا حفظها المرتل ليس في فكره بل في نفسه لتثمر في كل جوانب حياته [129].
2. تشرق بالنور في النفس فتمتلئ بهاءً، لكن بروح البساطة والوداعة، فتجعلها كطفلٍ بسيطٍ وحكيمٍ [130].
3. يفتح فمه ليلهث مستنشقًا إياها، ومعلنًا شوقه إليها كي يحفظها في داخله، يأكلها، ويمارسها، ويتفهم أعماقها، ويرثها، ويعلم بها.
4. إذ نحفظها في أعماقنا وفي سلوكنا نتأهل إلى نظرات الله نحونا المملوءة حبًا ورحمة!
5. بالنعمة تسند وصية الرب خطواتنا وتحفظنا من سلطان الشر والأشرار علينا حتى نبلغ الكمال ونتمتع بالقداسة.
6. يشتاق المؤمن أن يحفظه الله من افتراءات الأشرار [134]، وأن يشرق بوجهه عليه فيكسبه بهاءً [135]، ويدخل إلى معرفة جديدة للوصية مع محبة حانية لتوبة الخطاة ورجوعهم.
* عجيبة هي شهاداتك، فهي فريدة في كمالها ونقاوتها،
قادرة في صدقها، تقدم لي مواعيد إلهي الأمينة.
عجيبة هي شهادتك، احفظها لا في ذاكرتي فحسب،
وإنما في أعماقي لتعمل في أفكاري وأحاسيسي وكل كياني.
تقدس قلبي، وتقود كلماتي وسلوكي.
* ناموسك يشرق عليّ، فيكشف لي عن ضعفي!
اعترف لك إني طفل صغير وجاهل.
تهبني العلم والمعرفة لأتقبل عمل الروح فيّ.
إني أفتح فمي لأقبلك، فأتقبل عمل روحك فيّ!
* إذ أهوى شهادتك تتطلع إليّ، تؤهلني لنظراتك المملوءة حبًا ورحمةً!
تتشدد قدماي للتحرك في طريق وصاياك بحرية.
أطير كما إلى السموات، ولا سلطان للإثم عليّ!
لا أبالي بافتراءات الأشرار الباطلة، ولا أنسحب من وصاياك إلى الأعمال الشريرة!
بهذا أعاين وجهك، ويشرق نورك عليّ!
تئن نفسي وأبكي بمرارة على مَن لم يتمتع معي بنورك.
_____
(114) De Principitis 7:6. PG 12:203.
(115) To His Father, Oration 12:1.
(116) See Comm. On Song of Songs 1:2.
(117) Letter 41:15.
(118) Concerning Repentence, book 2, 10:93.
(119) Epistle 122:1.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 119 (قطعة
18) |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير مزمور 119 (قطعة
16) |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/vd5v7f3