St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   04-Sefr-El-Adad
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنطونيوس فكري

العدد 6 - تفسير سفر العدد

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب عدد:
تفسير سفر العدد: مقدمة سفر العدد | مقدمة أسفار موسى الـ5 | العدد 1 | العدد 2 | العدد 3 | العدد 4 | العدد 5 | العدد 6 | العدد 7 | العدد 8 | العدد 9 | العدد 10 | العدد 11 | العدد 12 | العدد 13 | العدد 14 | العدد 15 | العدد 16 | العدد 17 | العدد 18 | العدد 19 | العدد 20 | العدد 21 | العدد 22 | العدد 23 | العدد 24 | العدد 25 | العدد 26 | العدد 27 | العدد 28 | العدد 29 | العدد 30 | العدد 31 | العدد 32 | العدد 33 | العدد 34 | العدد 35 | العدد 36

نص سفر العدد: العدد 1 | العدد 2 | العدد 3 | العدد 4 | العدد 5 | العدد 6 | العدد 7 | العدد 8 | العدد 9 | العدد 10 | العدد 11 | العدد 12 | العدد 13 | العدد 14 | العدد 15 | العدد 16 | العدد 17 | العدد 18 | العدد 19 | العدد 20 | العدد 21 | العدد 22 | العدد 23 | العدد 24 | العدد 25 | العدد 26 | العدد 27 | العدد 28 | العدد 29 | العدد 30 | العدد 31 | العدد 32 | العدد 33 | العدد 34 | العدد 35 | العدد 36 | العدد كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نذير الرب

بعد كشف حقيقة بنوتنا لله وأن لكل واحد سمة خاصة (الراية) , وأن شعب الله هو شعب لهُ خدمة كهنوتية وهو شعب في غربة مرتحل تجاه أورشليم السمائية , الله في وسطه. وهذا الشعب قد عزل الخطية من وسطه نأتي هنا لنرى أن علينا أن نكرس ذواتنا لله تمامًا.

فكلمة نذير مأخوذة من الفعل العبري "نذر" أي تكرس أو تخصص. ويعقوب أطلق لقب نذير على يوسف (تك 26:49) لأن قلبه كان قد تخصص للرب ولم يقبل أن يخون الرب. ولاحظ أن من كرس قلبه للرب مثل يوسف تنهال عليه البركات مثله.

وهذا الإصحاح يأتي مباشرة بعد شريعة كشف الخاطئة ، فنجد هنا من ينذر نفسه بإرادته لله. ومن يتقدس ويتكرس لله، يباركه الله، فيضيء وسط إخوته مثل يوسف. والعكس فإن الخطية تسبب العار لمرتكبها. وراجع مراثي إرمياء (مرا 8،7:4) فترى صورة النذير الحقيقي وأنه "أنقى من الثلج..." ثم إذا أسلم ذاته للخطية فتصير صورته أشد ظلامًا من السواد.

وكما كان البرص رمز للخطية ونتائجها , والأبرص رمز للإنسان بعد السقوط فالنذير رمز لآدم قبل السقوط. ولا يوجد نذير حقيقي في هذا العالم سوى المسيح الذي قال "طعامي أن أصنع مشيئة الذي أرسلني". ولاحظ أن آدم كان ممنوعًا من شجرة , والنذير ممنوع من الكروم أي شجرة أيضًا.

وكما كان النذير لهُ سمات معينة مثل الشعر الطويل هكذا المسيحي يجب أن تكون عليه سمات الرب يسوع.

وانتذار الأشخاص للرب كان بثلاث طرق:

أ‌- أن يختار الرب شخصًا بذاته ليخدمه مثل شمشون , ويوحنا المعمدان (اختيروا وهم في البطن).

ب‌- أن ينذر الآباء أولادهم للرب مثل أم صموئيل (1صم11،10:1).

ج- أن ينذر شخص نفسه للرب فترة من حياته وهذا هو موضوع هذا الإصحاح.

وكان النذير في العهد القديم ينذر نفسه لفترة معينة أما المسيحي فهو مكرس لله كل الحياة.

وربما كانت شريعة النذير هي الأساس للحركات الرهبانية في المسيحية وفيها يتخلى الراهب عن كل رباط دموي يربطه بالعالم (الأب والأم والزوجة...) ويتخلى عن كل مباهج العالم.

 

آية (1): "وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا:"

 

آية 2:- "«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا انْفَرَزَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ لِيَنْذُرَ نَذْرَ النَّذِيرِ، لِيَنْتَذِرَ لِلرَّبِّ،"

إذا إنفرز = هي دعوة اختيارية لمن يريد وكان النذير يقضي وقته في دراسة الشريعة وممارسة العبادة وأعمال المحبة للآخرين

 

الآيات 4،3:- "فَعَنِ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ يَفْتَرِزُ، وَلاَ يَشْرَبْ خَلَّ الْخَمْرِ وَلاَ خَلَّ الْمُسْكِرِ، وَلاَ يَشْرَبْ مِنْ نَقِيعِ الْعِنَبِ، وَلاَ يَأْكُلْ عِنَبًا رَطْبًا وَلاَ يَابِسًا. كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ لاَ يَأْكُلْ مِنْ كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنْ جَفْنَةِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَجَمِ حَتَّى الْقِشْرِ."

الخمر يشير للفرح العالمي، وهنا يمنع عن النذير أن يفرح بأفراح العالم فيمتنع عن الخمر وكل ما يمت لهُ بصلة حتى البذار = العجم. هو من أجل الرب يترك حتى ما هو محلل بمحض إرادته، لا كشيء دَنِس بل لأنه مهتم بالطعام الآخر، قائلًا مع المسيح: "طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ". ولعل الله أراد أن لا يسكر النذير فينسى وصايا الله (أم 5:31) , والمسيحي حين يتخلى عن مباهج العالم وملذاته فهو لأن عينه على السماء وأفراحها ( وهذا ما نفعله في الصيام). ويقول بولس الرسول "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل إمتلأوا بالروح" (أف5: 18). وهذا يعني أننا كمسيحيين لا نذهب لنبحث عن الفرح بوسائل العالم بل نحن نعرف طريق الفرح الحقيقي الذي يعطيه الروح ، لذلك نجاهد لكي نمتلئ بالروح. بل نرى النذير يمتنع عن كل ما يمت للعنب بصلة ، حتى قشره وبذوره، والمعنى الروحي لنا أن لا نبحث عن أي مصدر للفرح العالمي مهما كان طالبين مصدرا واحدا للفرح وهو الامتلاء من الروح.

 

آية 5:- "كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِ افْتِرَازِهِ لاَ يَمُرُّ مُوسَى عَلَى رَأْسِهِ. إِلَى كَمَالِ الأَيَّامِ الَّتِي انْتَذَرَ فِيهَا لِلرَّبِّ يَكُونُ مُقَدَّسًا، وَيُرَبِّي خُصَلَ شَعْرِ رَأْسِهِ."

أولاً:- تَرْك الشعر عيب للرجل (1كو14:11) فيكون مَن يترك شعره مثلاً لِمَن يَتَخَلَّى عن المجد العالمي والكرامة الزمنية، لينشغل بالكرامة والمجد السماوي (المسيح رفض الملك في العالم) وعدم قص الشعر إشارة لإهمال زينة الجسد والإنفصال عن العالم.

ثانياً:- النذير وَحَلْق شعر الرأس:

الشعر هو نقطة تلامس مع العالم الخارجي أو هو نقطة الإنفصال عنه. ولذلك كان النذير يطلق شعره كمن إنفصل عن كل نجاسة ويكون مقدساً. ولو حدث وتنجس فكان عليه أن يحلق شعره كرمز لأنه فقد هذا الانفصال. لذلك كان هذا ما يميز أنبياء العهد القديم والنذيرين:- 1*إعتزالهم مجتمع الشر. 2*إرتدائهم لباس من الشعر تعبيراً عن إنفصالهم عن الشر المحيط. 3*عدم حلق شعر الرأس (1صم11:1)

أمثلة: (1) هكذا كان يوحنا المعمدان "كان لباسه من وبر الإبل" (مت3: 4) + (2) شمشون يطلق شعره كسر لقوته، وكان خطأ شمشون أنه إكتفى بالحرف، أطلق شعره كنذير للرب ولكنه لم يعتزل الخطية. + (3) إعتزال النبي (إر17:15 + زك4:13).

 

الآيات 6-8:- "كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ لِلرَّبِّ لاَ يَأْتِي إِلَى جَسَدِ مَيْتٍ. أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَخُوهُ وَأُخْتُهُ لاَ يَتَنَجَّسْ مِنْ أَجْلِهِمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، لأَنَّ انْتِذَارَ إِلهِهِ عَلَى رَأْسِهِ. إِنَّهُ كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ."

الموت يساوي الخطية والمعنى أن لا يتلامس من كرس نفسه لله مع الخطية. وأيضًا مطلوب من النذير أن لا ينشغل بالعلاقات الجسدية فهو منشغل الآن بالله فقط وهذا معنى كلام السيد المسيح " من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني". ولاحظ أن الله لا يرفض العلاقات الدموية = الأسرية، بل يريدنا أن نرتفع بأفكارنا بأننا أعضاء في العائلة السماوية وأن الذي مات لنا هو في السماء وأننا ذاهبون إليه (مت 47:12 + لو60:9).

هنا نرى أن الشركة الروحية تبتلع كل علاقة جسدية وترتفع بها.

لأن إنتذار إلهه على رأسه = كان الشعر غير الحليق علامة على أن هذا الشخص نذير للرب، والناس يرون الشعر المسترسل ويعلمون هذا. فإذا تلامس النذير مع ميت يكون هذا أمام الناس فيه إهانة لله فهو في مدة تكريسه قد تخصص بالكامل لله. وهذا لنا نحن المسيحيين لهُ معنى أن الناس ترى فينا أننا شعب المسيح فلا يجب أن يرانا الناس ونحن نخطئ بل: ليرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي في السموات: "هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 5: 16).

ولاحظ أن النذير مطلوب منه أكثر مما يطلب من الكاهن في العهد القديم فكان يسمح للكاهن أن يشرب الخمر لكن بعيدًا عن الخيمة. وفي لمس الميت تشابهت شريعة النذير مع رئيس الكهنة.

 

الآيات 9-12:- "وَإِذَا مَاتَ مَيْتٌ عِنْدَهُ بَغْتَةً عَلَى فَجْأَةٍ فَنَجَّسَ رَأْسَ انْتِذَارِهِ، يَحْلِقُ رَأْسَهُ يَوْمَ طُهْرِهِ. فِي الْيَوْمِ السَّابعِ يَحْلِقُهُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يَأْتِي بِيَمَامَتَيْنِ أَوْ بِفَرْخَيْ حَمَامٍ إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً وَيُكَفِّرُ عَنْهُ مَا أَخْطَأَ بِسَبَبِ الْميْتِ، وَيُقَدِّسُ رَأْسَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. فَمَتَى نَذَرَ لِلرَّبِّ أَيَّامَ انْتِذَارِهِ يَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ، وَأَمَّا الأَيَّامُ الأُولَى فَتَسْقُطُ لأَنَّهُ نَجَّسَ انْتِذَارَهُ."

رأس إنتذاره = أي شعر رأسه في أيام إنتذاره.

والآن كيف يتطهر النذير لو تلامس مع ميت مات فجأة وتلامس معهُ دون أن يقصد. فمع أن ما حدث لا ذنب لهُ فيه ولكن إلى هذا الحد يريد الله أن يشرح كراهيته للخطية وحبه للطهارة والنقاوة. الإنسان العادي إذا تلامس مع ميت يظل نجسًا 7 أيام (عد19: 11-14). وفي هذه الحالة على النذير أن يحلق رأسه يوم طهره أي بعد 7 أيام. وفي اليوم الثامن يقدم ذبائح. وحيث أن الذبائح تشير للمسيح فلا تطهير سوى بدم المسيح. وحلق الرأس والبدء من جديد مع الذبيحة هذا ما حدث مع المسيح حينما مات وقام وقمنا معهُ فكان لنا بداية جديدة. لأنه لو قلنا أن النذير يشبه آدم قبل السقوط فالتلامس مع ميت يشبه السقوط. ففي البداية الجديدة مع الذبيحة وفي اليوم الثامن (يوم القيامة) نرى صورة لما حدث مع المسيح وكنيسته. ولاحظ أن الخطية تجعلنا نخسر الكثير فقد خسر النذير مدة انتذاره الأولى ليبدأ من جديد. وعلى النذير أن يقدم ذبيحة إثم بعد أن يقرر أن يبدأ ثانية فهو قد أخطأ في حق الرب (آية12). يتضح هنا الصرامة في القداسة.

فإذا كان التلامس مع ميت = التلامس مع الخطية، فتقديم الذبائح يعني = لا غفران للخطية سوى بدم المسيح. وهذا معنى هذا الطقس.

 

الآيات 13-27:- "«وَهذِهِ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ: يَوْمَ تَكْمُلُ أَيَّامُ انْتِذَارِهِ يُؤْتَى بِهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، فَيُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ لِلرَّبِّ خَرُوفًا وَاحِدًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا مُحْرَقَةً، وَنَعْجَةً وَاحِدَةً حَوْلِيَّةً صَحِيحَةً ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا صَحِيحًا ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ، وَسَلَّ فَطِيرٍ مِنْ دَقِيق أَقْرَاصًا مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقَ فَطِيرٍ مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ مَعَ تَقْدِمَتِهَا وَسَكَائِبِهَا. فَيُقَدِّمُهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَعْمَلُ ذَبِيحَةَ خَطِيَّتِهِ وَمُحْرَقَتَهُ. وَالْكَبْشُ يَعْمَلُهُ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ مَعَ سَلِّ الْفَطِيرِ، وَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ تَقْدِمَتَهُ وَسَكِيبَهُ. وَيَحْلِقُ النَّذِيرُ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ رَأْسَ انْتِذَارِهِ، وَيَأْخُذُ شَعْرَ رَأْسِ انْتِذَارِهِ وَيَجْعَلُهُ عَلَى النَّارِ الَّتِي تَحْتَ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ. وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ السَّاعِدَ مَسْلُوقًا مِنَ الْكَبْشِ، وَقُرْصَ فَطِيرٍ وَاحِدًا مِنَ السَّلِّ، وَرُقَاقَةَ فَطِيرٍ وَاحِدَةً، وَيَجْعَلُهَا فِي يَدَيِ النَّذِيرِ بَعْدَ حَلْقِهِ شَعْرَ انْتِذَارِهِ، وَيُرَدِّدُهَا الْكَاهِنُ تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ. إِنَّهُ قُدْسٌ لِلْكَاهِنِ مَعَ صَدْرِ التَّرْدِيدِ وَسَاقِ الرَّفِيعَةِ. وَبَعْدَ ذلِكَ يَشْرَبُ النَّذِيرُ خَمْرًا. هذِهِ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ الَّذِي يَنْذُرُ، قُرْبَانُهُ لِلرَّبِّ عَنِ انْتِذَارِهِ فَضْلًا عَمَّا تَنَالُ يَدُهُ. حَسَبَ نَذْرِهِ الَّذِي نَذَرَ كَذلِكَ يَعْمَلُ حَسَبَ شَرِيعَةِ انْتِذَارِهِ». وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: «كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ قَائِلًا: هكَذَا تُبَارِكُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ لَهُمْ: يُبَارِكُكَ الرَّبُّ وَيَحْرُسُكَ. يُضِيءُ الرَّبُّ بِوَجْهِهِ عَلَيْكَ وَيَرْحَمُكَ. يَرْفَعُ الرَّبُّ وَجْهَهُ عَلَيْكَ وَيَمْنَحُكَ سَلاَمًا. فَيَجْعَلُونَ اسْمِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَا أُبَارِكُهُمْ»."

عندما تكتمل أيام النذر التي نذرها النذير (قال التلمود أن أقل مدة هي ثلاثون يومًا) كان عليه أن يلتزم بطقس معين نراه في هذه الآيات.

وإذا كان المسيحي هو نذير لله كل العمر فيكون أن مدة انتهاء أيام النذر هي إشارة لموته. أي أن المسيحي الممسوح بالميرون هو مكرس لله العمر كله.

1- يقدم النذير ذبائح فكأن كل جهادنا على الأرض لا يقبل إلا في ذبيحة المسيح. والمسيح الذي أعطانا حياته، وكان بلا خطية وهذا يعبر عنه تقدمة الفطير.

2- هو يقدم ذبائح (رمز لتقديم المسيح نفسه ذبيحة) ويقدم فطير رمز لحياة المسيح التي كانت بلا خطية فالمسيح أعطانا حياته.

3- يحلق رأس إنتذاره = أي شعر رأسه الذي كان مسترسلًا أيام إنتذاره. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ويحرق شعره في نار ذبيحة السلامة. *فإن كان إرخاء الشعر عيب وعار فها هو يحلقه رمزًا لعودة كرامته لا على أساس زمني عالمي بل كرامة شركة الأمجاد الأبدية فالشعر يُحرق الآن وتأكله النار الإلهية على المذبح. *والشعر يحرق مع ذبيحة السلامة. فذبيحة السلامة تشير لشركة الكنيسة كلها كهنة وشعب مع الله (ويمثله هنا نار المذبح). والمعنى بالنسبة لهذا النذير أنه قدم كرامته ذبيحة لله، والله قبلها على مذبحه، رمزًا للمسيحي الذي يقبل شركة الصليب مع المسيح. *وكان شعر النذير قد تم حلقه في بداية فترة إنتذاره، فصار الشعر الجديد هو علامة لنذره، وبتقديمه على المذبح، يكون بهذا كأنه يقول لله لقد قدمت حياتي لك يا رب خلال فترة نذري. *وهناك معنى آخر يراه النذير في العهد القديم أنه هو كنذير يريد لو قدم نفسه ذبيحة، وحيث أنه لن يقدر فها هو يقدم شعره على المذبح. والنذر عمومًا نوع من تقديم الإنسان نفسه ذبيحة. *وتقديم الشعر على المذبح إشارة لقبول الله لهذه الذبيحة فالنار هي نار إلهية مقدسة. وتقديمها مع ذبيحة السلامة يشير أن كل ما نقدمه لا يقبل سوى بالذبيحة والترديد أمام الرب علامة لعرض النذير عمله وتكريسه وتقدماته أمام الرب (الكل منك وإليك) ثم يأخذ الكاهن نصيبه علامة قبول النذير لنذره، باشتراك الكاهن مع النذير (فالكاهن هنا أيضًا وكيل لله وأكله من الذبيحة هو علامة لقبول الله لنذره). *وفي (1كو15:11) نجد أن بولس الرسول يرى أن المرأة التي ترخي شعر رأسها فهذا مجد لها. فإذا فهمنا أن المرأة تشير للنفس البشرية التي عريسها المسيح، فكون النذير يرخي شعره علامة تكريسه لله، فتكريسه لله هو مجد له "إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ" (رو17:8).. هو عار أمام الناس للرجل ولكن هو كعروس للمسيح فهذا مجد له = وأليس هذا هو تعريف الصليب تمامًا، فالصليب هو عار أمام الناس لكنه مجد أمام الله. والعار هنا هو شركة صليب مع المسيح حامل صليب العار. وهذا معنى حرق الشعر على نار المذبح وفوق النار ذبيحة السلامة. والمعنى أن السلام الذي يشعر به مقدم الذبيحة ناتج عن قبول كل من يقبل أن ينذر نفسه لله. وبالنسبة لنا السلام والشركة مع المسيح هو في شركة الصليب بين المسيح والكنيسة. (* هذه العلامة كانت لتشير لكل معاني إرخاء الشَّعْر).

4- يشرب خمرًا رمزًا للتمتع بالفرح وهذا يشبه قول سفر الرؤيا " هناك يمسح الله كل دمعة من عيونهم " هناك في السماء الفرح الحقيقي حيث ننسى كل أحزان وآلام العالم ويشبه قول السيد المسيح "إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربهُ معكم جديدًا في ملكوت أبي " (مت 29:26). فالمسيح بموته ثم قيامته ثم صعوده للسماء انتهت أيام إنتذاره على الأرض. وبعد انتهاء مدة إنتذارنا نحن أيضًا , سيشرب المسيح مع شعبه كأس الفرح الحقيقي.

5- يقدم النذير تقدمات أخرى اختيارية قدر إمكانياته. فذبيحة المسيح ألهبت قلوب شعبه بمحبته فهم يريدون أن يقدموا لهُ كل شيء. وهناك معنى آخر فالشريعة هنا تلزم النذير أن يقدم حتى لا يشعر أنه بنذره أصبح مدينًا لله بل يظل مديونًا له.

 

ملحوظات:-

1- كان يمكن لشخص أن يكون نذيرًا بالنيابة عن آخرين كأن يتحمل نفقات نذره ومن هنا نفهم كيف اشترك بولس مع آخرين في نذر أنفسهم (أع 23:21-26).

2- كما وضع الله شريعة النذير في العهد القديم وطلب من إبراهيم أن يترك أهله وبلده ليعتزل الشر. هكذا في العهد الجديد يقول معلمنا يوحنا "لا تحبوا العالم ولا الأشياء...." (1 يو 2: 15).

3- نرى في الشعر أيضًا رمز للقوة (شمشون) ففي وقت النذر يكون الإنسان قويًا بالله. وحلق الشعر هو رمز للضعف كما حدث مع شمشون. وفي هذا قال بولس الرسول "فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِٱلْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ ٱلْمَسِيحِ . لِذَلِكَ أُسَرُّ بِٱلضَّعَفَاتِ وَٱلشَّتَائِمِ وَٱلضَّرُورَاتِ وَٱلِٱضْطِهَادَاتِ وَٱلضِّيقَاتِ لِأَجْلِ ٱلْمَسِيحِ. لِأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ" (2كو12: 9-10).

وجميل أن ينتهي هذا الإصحاح بالبركة فكما قلنا، يوسف لأنه كان نذير كان بركة. وكل من كرس نفسه لله يجد بركة .

 

آية 24:- "يُبَارِكُكَ الرَّبُّ وَيَحْرُسُكَ."

يباركك = بركات روحية ومادية وفي كل ما تمتد إليه يده والبركة هي كل ما هو خير وجيد وصالح. ونحن كمسيحيين نفهم الآن أن البركة الأهم هي البركة الروحية.

يحرسك = من أعداء الجسد والروح ومن خطر يرعاك الله (مز 5:121-8).

 

آية 25:- "يُضِيءُ الرَّبُّ بِوَجْهِهِ عَلَيْكَ وَيَرْحَمُكَ."

يضيء الرب بوجهه عليك = أي يشرق بنوره عليك فيملأك من الفهم وينير بصيرتك ويهديك.

ويرحمك = ينظر إلى ضعفك واحتياجك له وتجد نعمة في عينيه ويعاملك بالرحمة.

 

آية 26:- "يَرْفَعُ الرَّبُّ وَجْهَهُ عَلَيْكَ وَيَمْنَحُكَ سَلاَمًا."

يرفع الرب وجهه عليك = أي ينظر إليك نظرة خاصة وينظر إليك طول السنة بل كل العمر.

ويمنحك سلامًا = سلام روحي ونفسي ومادي وجسدي. سلام مع الله والناس والنفس.

 

ملاحظات على هذه البركة الكهنوتية

1- تعجب اليهود من ذكر اسم الرب في هذه البركة ثلاث مرات واعتبروه سر إلهي يفوق العقول وهذا نفهمه نحن كمسيحيين فهو إشارة لسر الثالوث الأقدس. كقول السيرافيم في (أش:6 قدوس قدوس قدوس + رؤ 8:4).

2- البركة الأولى : خاصة بالآب وهي البركة والحماية والحراسة فهو يحرس تابعيه فهو القادر على كل شيء. والبركة الثانية: خاصة بالابن النور الحقيقي الذي يضيء والذي أرسله الآب كنور للعالم وبصليبه كانت المراحم الإلهية فكلمات النور والرحمة في البركة الثانية تختص بالابن. وعبارة يضيء بوجهه تشير لظهور المسيح بالجسد الذي رأينا فيه صورة الله " الذي رآني فقد رأى الآب + هو بهاء مجد الآب ورسم جوهره: "وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ" + هو صورة الله غير المنظور " (يو14: 9 + عب1: 3 + كو1: 15) والمسيح تجسد ليرحمنا بصليبه، ونوره أضاء علينا. والبركة الثالثة: خاصة بالروح القدس وعمله، فمن ثماره السلام , والسلام الذي يفوق كل عقل (غل 22:5+في 7:4)، ورفع الرب وجهه علينا تشير لرضا الله علينا بعد الصلح الذي عمله المسيح بدم صليبه. والنتيجة إرسال الروح القدس ليسكن فينا وهو يأخذ من الأشياء التي للمسيح ويعلنها لنا.

3- الطلبة الثانية في الثلاث بركات هي نتيجة للأولى:- يباركك الرب ويحرسك = فالحراسة هي نتيجة أنه يبارك. يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك = هو رحمنا بعد أن أشرق نور المسيح أي بعد أن تجسد. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاما = السلام هو ثمرة من ثمار الروح القدس.

4- المسيح قبل صعوده بارك التلاميذ وبركة الكاهن هي نموذج لعمل المسيح على الأرض فبركة الكاهن تكون باستخدام اسم الرب.

5- بناء على هذه البركة الثالوثية نفهم لماذا أمر المسيح التلاميذ حين يعمدون أن يعمدوا باسم الآب والابن والروح القدس. (راجع 2كو14:13). فالبركة دائما هي بركة ثالوثية.

6- هكذا تصنع الكنيسة فدائمًا: يصلي الكاهن "السلام لجميعكم" ويرد الشعب "ولروحك".

7- الكاهن لا يبارك من نفسه بل هو يستمدها من الله واهب البركة.

هذه البركة الثالوثية نرى فيها نوع من التدرج فالبركة الأولى أن يحرس الرب ويحمي ويمنع الأذى هي مرحلة أولية , والبركة الثانية نجد فيها تعبير أعمق يدل على بدء تكوين علاقة شخصية مع الله , وأن الله يضيء الذهن ويرشد ويقود الإنسان ولكن هذا حدث لجميع المسيحيين , ثم نأتي للبركة الثالثة فأن يرفع الرب وجهه لإنسان ويبين رضاه ويثبت سلامه لهُ (هذا معنى الكلمة الأصلي) هنا نصل لكمال عمل الله مع الإنسان ونرى فيه مدى خصوصية العلاقة. بل أن كلمة سلام العبرية هي شالوم لا تعني مجرد انقطاع العداء بل تدل على التمام والكمال والسلامة.

 

أية (27):- "فَيَجْعَلُونَ اسْمِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَا أُبَارِكُهُمْ»."

حقا الكاهن كان يتلو البركة بفمه، ولكن الله هو الذي يبارك. الله يريد أن يعطي بركة لشعبه، ولكن الشعب هم بشر لا يدركون شيئا سوى ما يدركونه عن طريق حواسهم، فالله يستخدم الكاهن كوكيل له، يتكلم فيسمع الشعب ويفرح، ويمضي الشعب واثقًا أن البركة ستأتي.

والكاهن القبطي يفعل نفس الشيء حين يصلي في القداس قائلًا "السلام لجميعكم" حينئذ يحل السلام على المصلين، وهذا نفهمه مما قاله الرب لتلاميذه " وحين تدخلون البيت سلموا عليه. فإن كان البيت مستحقا فليأتي سلامكم عليه. ولكن إن لم يكن مستحقا فليرجع سلامكم إليكم " (مت10: 12 ، 13). إذًا فهناك بركة تحل على المصلين عند قول الكاهن "سلام لكم" بدليل قول الرب لتلاميذه، أنه إن كان من يسمع لا يستحق ترجع البركة إليهم، فهناك شيء يرجع وهو البركة. ولكن الكاهن أيضًا محتاج لهذه البركة وهو يأخذها أيضًا حينما يجيب الشعب بقولهم "ولروحك أيضا".

فَيَجْعَلُونَ اسْمِي = الاسم في العبرية يعبر عن قدرات وإمكانيات وشخصية الشخص، فقول الوحي اسمي فهذا يشير للبركات التي يمكن لله أن يفيض بها على شعبه وهي لا نهائية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات العدد: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/04-Sefr-El-Adad/Tafseer-Sefr-El-3adad__01-Chapter-06.html

تقصير الرابط:
tak.la/angksf5