محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
عدد: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35
هي نفس القصة المكررة دائمًا، فكما خلق الله آدم في الجنة ثم أخطأ آدم وسقط , هكذا نجد الشعب هنا. ولنكرر ما أعطاه الله لشعبه أو بالأحرى ما أعطاه الله لنا:-
1- نحن منتسبين لله ننتمي لهُ (ص1) 2- عَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ (ص2).
3- لنا خدمة كهنوتية والمسيح رئيس كهنتنا (ص3) 4- الله في وسطنا خلال الرحلة (ص4).
5- لنعزل الخطية (البرص...) (ص5) 6- نحن لله " أنا لحبيبي وحبيبي لي" (ص6).
7- فلأقدم لله مما أعطاني (ص7) 8- الروح القدس ينير ويطهر (ص8).
9- الله يقود الكنيسة والمسيرة (ص9) 10- كلمة الله تنذر وتبكت (ص10).
إذًا كل شيء كان مُعد حتى تكمل المسيرة لأرض الميعاد بسلام ولكن هناك تذمر!!
فالله قد أعد المحلة ليسكن فيها لكننا نجدهم هنا مهتمين بشهوة بطونهم. وهكذا سَكَرَ نوح وَتَعَرَّى. وهكذا سكر الشعب ولعب أمام العجل الذهبي. وهكذا سَكِرَ الكهنة فقدموا نارًا غريبة. ولنلاحظ أن الارتداد للشهوات القديمة قاتل. فقد مات آدم ونسله ودخلت اللعنة بيت نوح (في شخص كنعان) وهلك كثير من الشعب بسبب العجل الذهبي وأحرقت النار الكاهنين. وهكذا نرى الشهوات قاتلة مدمرة وهو محزن أن نرى الله وقد تحول لعدو يضرب شعبه فالله قدوس لا يحتمل الخطية. وهذا السفر يكشف الضعفات البشرية. وأن الخطية ما زالت موجودة ولكن من يشتهيها يُدمر نفسه. لقد تأملنا قبل ذلك في إحسانات الله وها نحن نتعرف على طريق الإنسان المعوجة. وسنلاحظ أن هناك تدرج في العقوبات وهناك تدرج في الخطية فقد بدأت الخطية في الداخل بتذمر داخلي ثم وصلت للتذمر المعلن والتمرد.
الآيات 1-3:- "وَكَانَ الشَّعْبُ كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ شَرًّا فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ. وَسَمِعَ الرَّبُّ فَحَمِيَ غَضَبُهُ، فَاشْتَعَلَتْ فِيهِمْ نَارُ الرَّبِّ وَأَحْرَقَتْ فِي طَرَفِ الْمَحَلَّةِ. فَصَرَخَ الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى، فَصَلَّى مُوسَى إِلَى الرَّبِّ فَخَمَدَتِ النَّارُ. فَدُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «تَبْعِيرَةَ» لأَنَّ نَارَ الرَّبِّ اشْتَعَلَتْ فِيهِمْ."
كأنهم يشتكون شرًا = كأن خروجهم من مصر وكل ما حدث لهم هو شر. ربما كانت الشكوى من السير في الطريق والجو حار أو لأنهم تركوا وادي النيل. وهذه هي طبيعة الإنسان القديم فينا، إنه دائم الشكوى والتذمر بلا سبب حقيقي ولكن السبب الحقيقي هو فراغ القلب إذ أفقدته الخطيئة سلامه الداخلي فهو يتلمس أي علة للتذمر والقلق. والشعب سبق لهُ أن تذمر عدة مرات لكن الله لم يضربهم وكان ذلك لسببين:-
1- هم خارجين من أرض عبودية ونفسيتهم مُرة والله يطيل أناته لمن عنده أعذار مُرة.
2- كانوا لم يحصلوا على الشريعة والآن بعد أن حصلوا عليها ورأوا إحسانات الله بل هم رأوا الله نفسه (خر24 + لا9: 23) كان تذمرهم يعتبر تعدي، وهذا يحتاج لتأديب خصوصًا بعد كل ما غمرهم الله به من إحسانات.
ولنلاحظ أنه كان هناك تذمر بعد كل عطية فالله يعطينا الكثير لكننا ننسى بعد أن نفرح ونعتاد على البركة التي أعطاها الله فنبدأ بالتذمر. لذلك تعلمنا الكنيسة أن نشكر كل حين لنتذكر إحسانات الله علينا دائمًا ولا نعطي لإبليس المشتكي فرصة أن يجعلنا نشتكي.
إشتعلت فيهم نار الرب = سمح الله بهذا ليؤدبهم. كان التذمر داخليًا في القلب لكن الله أراد كشفه ليعطي فرصة للتوبة ولا يبقى الفساد كامنًا في الداخل بلا علاج. فحين نشتكي للاشيء فمن العدل أن يعطينا الله شيئًا نصرخ منه ولذلك هم صرخوا لموسى. صرخوا لأنهم فشلوا في إطفاء النار وشعورهم بأنها قوة فوق الطبيعة وربما كانت صواعق. والنار إشتعلت في أطراف المحلة = غالبًا حيث كان هناك المتذمرين ولنلاحظ أنهم تواجدوا عند أطراف المحلة فحيثما ابتعدنا عن الله تنفتح قلوبنا للشر. ولنلاحظ شفاعة موسى ورعايته وصلاته تبعيرة = إشتعالًا (راجع مزمور 106 لترى نتيجة الشهوة).
الآيات 4-9:- "وَاللَّفِيفُ الَّذِي فِي وَسَطِهِمِ اشْتَهَى شَهْوَةً. فَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَيْضًا وَبَكَوْا وَقَالُوا: «مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟ قَدْ تَذَكَّرْنَا السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، وَالْقِثَّاءَ وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ. وَالآنَ قَدْ يَبِسَتْ أَنْفُسُنَا. لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ أَعْيُنَنَا إِلَى هذَا الْمَنِّ!». وَأَمَّا الْمَنُّ فَكَانَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، وَمَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ الْمُقْلِ. كَانَ الشَّعْبُ يَطُوفُونَ لِيَلْتَقِطُوهُ، ثُمَّ يَطْحَنُونَهُ بِالرَّحَى أَوْ يَدُقُّونَهُ فِي الْهَاوَنِ وَيَطْبُخُونَهُ فِي الْقُدُورِ وَيَعْمَلُونَهُ مَلاَّتٍ. وَكَانَ طَعْمُهُ كَطَعْمِ قَطَائِفَ بِزَيْتٍ. وَمَتَى نَزَلَ النَّدَى عَلَى الْمَحَلَّةِ لَيْلًا كَانَ يَنْزِلُ الْمَنُّ مَعَهُ.
نجد هنا التذمر التالي وهو بسبب نقص اللحم، وغالبًا هم كان لهم مواشيهم ولكنهم لبخلهم لم يذبحوا منها ليأكلوا بل كانوا يريدون معجزة. واللفيف الذي في وسطهم = هذه هي لعبة الشيطان أن يجمع قِلة فاسدة لشعب الله تقودهم للفساد. وهذا اللفيف هم الذين خرجوا معهم من مصر وهم غالبًا من المصريين (خر 38:12) وهؤلاء يمثلون الأفكار الغريبة التي تدخل للنفس فتفسد أعماقها. لذلك كان الرب يطلب من شعبه أنهم متى دخلوا مدينة يبيدوها تمامًا. وهذا اللفيف من المصريين ربما أعجبوا بإله اليهود حينما رأوا قوته فتبعوهم، أو هم من أولاد العبرانيين من نساء مصريات ومتأثرين بأمهاتهم وهؤلاء لم ينضجوا روحيًا بل كانت لهم صورة التقوى وهم ينكرون قوتها. ولنلاحظ أنه لم يكن هناك خطر من الشعوب الذين هم من خارج (عماليق...) لكن الخطر من الذين هم من داخل. إذًا المهم أن ننقي القلب ولا نشتكي من قوة المهاجمين. فهذا اللفيف استطاع أن يرد قلوب الكثيرين من الشعب إلى ارض العبودية.
آية 5:- "قَدْ تَذَكَّرْنَا السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، وَالْقِثَّاءَ وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَوَالْبَصَلَ وَالثُّومَ."
السمك... مجانًا = هم يريدون أن يأكلوا مجانًا دون أن يذبحوا مواشيهم. ولاحظ أن السمك لم يكن مجانًا بل بإذلال وعبودية وسخرة. لكن هكذا الشيطان دائمًا يذكرنا بهذه الخطية دون أن يذكرنا بأيام التعاسة والشقاء فيها.
آية 6:- "وَالآنَ قَدْ يَبِسَتْ أَنْفُسُنَا. لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ أَعْيُنَنَا إِلَى هذَا الْمَنِّ!»."
ليس شيء غير أن أعنينا إلى هذا المن = أي سئمنا وسئمت أنفسنا هذا المن , هذا كمن يقول "أليس هناك شيء سوى المسيح والروحيات، حدثونا عن شيء أكثر تسلية وظرفًا. فالمن هو إشارة للمسيح خبز الحياة لكن الجسد يطلب متعته المؤقتة.
آية 7:- "وَأَمَّا الْمَنُّ فَكَانَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، وَمَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ الْمُقْلِ."
كبزر الكزبرة = كان حبوب كروية صغيرة لونها يميل للصفرة والمقل = نوع من الصمغ لونه أيضًا أصفر مشرب بالبياض ورائحته طيبة (غالبًا هو اللبان الذكر) ويستعمل كبخور.
وكلمة المقل تترجم أيضًا در أو لؤلؤ والمسيح هو اللؤلؤة الكثيرة الثمن.
آية 8:- "كَانَ الشَّعْبُ يَطُوفُونَ لِيَلْتَقِطُوهُ، ثُمَّ يَطْحَنُونَهُ بِالرَّحَى أَوْ يَدُقُّونَهُ فِي الْهَاوَنِ وَيَطْبُخُونَهُ فِي الْقُدُورِ وَيَعْمَلُونَهُ مَلاَّتٍ. وَكَانَ طَعْمُهُ كَطَعْمِ قَطَائِفَ بِزَيْتٍ."
ملات:- (تك 6:18) هو خبز غير مختمر ويخمر على الحجر المحمى أو في الرماد المحمى.
وصف الوحي لحلاوته ليخجل الذين إشتكوا منه وتذمروا ضده. ولم يكن العيب في طلب اللحم فاللحم ليس خطية وإلا ما كان الله أعطاهم لحمًا ولكن الخطية هنا هي استخفافهم وإزدرائهم بعطية الله والتذمر ضده.
الآيات 10-15:- "فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى الشَّعْبَ يَبْكُونَ بِعَشَائِرِهِمْ، كُلَّ وَاحِدٍ فِي بَابِ خَيْمَتِهِ، وَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ جِدًّا، سَاءَ ذلِكَ فِي عَيْنَيْ مُوسَى. فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى عَبْدِكَ؟ وَلِمَاذَا لَمْ أَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَنَّكَ وَضَعْتَ ثِقْلَ جَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ عَلَيَّ؟ أَلَعَلِّي حَبِلْتُ بِجَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ؟ أَوْ لَعَلِّي وَلَدْتُهُ، حَتَّى تَقُولَ لِي احْمِلْهُ فِي حِضْنِكَ كَمَا يَحْمِلُ الْمُرَبِّي الرَّضِيعَ، إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفْتَ لآبَائِهِ؟ مِنْ أَيْنَ لِي لَحْمٌ حَتَّى أُعْطِيَ جَمِيعَ هذَا الشَّعْبِ؟ لأَنَّهُمْ يَبْكُونَ عَلَيَّ قَائِلِينَ: أَعْطِنَا لَحْمًا لِنَأْكُلَ. لاَ أَقْدِرُ أَنَا وَحْدِي أَنْ أَحْمِلَ جَمِيعَ هذَا الشَّعْبِ لأَنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيَّ. فَإِنْ كُنْتَ تَفْعَلُ بِي هكَذَا، فَاقْتُلْنِي قَتْلًا إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ، فَلاَ أَرَى بَلِيَّتِي»."
نرى هنا موسى العظيم يمر بلحظات ضعف فهو يتهم الله بأنه اساء إليه وثقل عليه بهذا الشعب بل إشتهى أن الله يقتله قتلًا. بل هو ظن أنه هو الذي حبل بهذا الشعب وولده فهو الملتزم بهم , يعولهم ويحمل أتعابهم... كأن الله لا يرعى شعبه!!
وموسى هنا نسى أنه قبل الأبوة كعطية من الله الذي وحده أب كل البشرية. ومع هذا لم يغضب الله من موسى، فالله ينظر لحياة موسى كلها الحلوة، ولم يغضب على ضعف واحد بل أعطاه حلًا يريحه = "كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة" (نش4: 7).
يبكون بعشائرهم = هي إذًا مؤامرة دنيئة حقيرة ضد الله، هؤلاء يمثلون من يبكي على خسارة شيء في هذا العالم , ولا يهتم أن يبكي على خطاياه ولا يحزن على بركة خسرها. وحقًا فموسى لا يستطيع أن يطعم هذا الشعب جميعه لكن كان عليه أن ينظر لله القادر. لكن يُذكر أن موسى قد غضب وذُكر أنه ساء ذلك في عينيه بعد أن ذُكر أن الرب غضب من تذمر الشعب. هو إذًا غضب مقدس وغيرة على مجد الله.
الآيات 16-30:- "فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اجْمَعْ إِلَيَّ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ شُيُوخُ الشَّعْبِ وَعُرَفَاؤُهُ، وَأَقْبِلْ بِهِمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ فَيَقِفُوا هُنَاكَ مَعَكَ. فَأَنْزِلَ أَنَا وَأَتَكَلَّمَ مَعَكَ هُنَاكَ، وَآخُذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْكَ وَأَضَعَ عَلَيْهِمْ، فَيَحْمِلُونَ مَعَكَ ثِقْلَ الشَّعْبِ، فَلاَ تَحْمِلُ أَنْتَ وَحْدَكَ. وَلِلشَّعْبِ تَقُولُ: تَقَدَّسُوا لِلْغَدِ فَتَأْكُلُوا لَحْمًا، لأَنَّكُمْ قَدْ بَكَيْتُمْ فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ قَائِلِينَ: مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟ إِنَّهُ كَانَ لَنَا خَيْرٌ فِي مِصْرَ. فَيُعْطِيكُمُ الرَّبُّ لَحْمًا فَتَأْكُلُونَ. تَأْكُلُونَ لاَ يَوْمًا وَاحِدًا، وَلاَ يَوْمَيْنِ، وَلاَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ عِشْرِينَ يَوْمًا، بَلْ شَهْرًا مِنَ الزَّمَانِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَنَاخِرِكُمْ، وَيَصِيرَ لَكُمْ كَرَاهَةً، لأَنَّكُمْ رَفَضْتُمُ الرَّبَّ الَّذِي فِي وَسَطِكُمْ وَبَكَيْتُمْ أَمَامَهُ قَائِلِينَ: لِمَاذَا خَرَجْنَا مِنْ مِصْرَ؟» فَقَالَ مُوسَى: «سِتُّ مِئَةِ أَلْفِ مَاشٍ هُوَ الشَّعْبُ الَّذِي أَنَا فِي وَسَطِهِ، وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: أُعْطِيهِمْ لَحْمًا لِيَأْكُلُوا شَهْرًا مِنَ الزَّمَانِ. أَيُذْبَحُ لَهُمْ غَنَمٌ وَبَقَرٌ لِيَكْفِيَهُمْ؟ أَمْ يُجْمَعُ لَهُمْ كُلُّ سَمَكِ الْبَحْرِ لِيَكْفِيَهُمْ؟» فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هَلْ تَقْصُرُ يَدُ الرَّبِّ؟ الآنَ تَرَى أَيُوافِيكَ كَلاَمِي أَمْ لاَ». فَخَرَجَ مُوسَى وَكَلَّمَ الشَّعْبَ بِكَلاَمِ الرَّبِّ، وَجَمَعَ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ الشَّعْبِ وَأَوْقَفَهُمْ حَوَالَيِ الْخَيْمَةِ. فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي سَحَابَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ، وَأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى السَّبْعِينَ رَجُلًا الشُّيُوخَ. فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِمِ الرُّوحُ تَنَبَّأُوا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَزِيدُوا. وَبَقِيَ رَجُلاَنِ فِي الْمَحَلَّةِ، اسْمُ الْوَاحِدِ أَلْدَادُ، وَاسْمُ الآخَرِ مِيدَادُ، فَحَلَّ عَلَيْهِمَا الرُّوحُ. وَكَانَا مِنَ الْمَكْتُوبِينَ، لكِنَّهُمَا لَمْ يَخْرُجَا إِلَى الْخَيْمَةِ، فَتَنَبَّآ فِي الْمَحَلَّةِ. فَرَكَضَ غُلاَمٌ وَأَخْبَرَ مُوسَى وَقَالَ: «أَلْدَادُ وَمِيدَادُ يَتَنَبَّآنِ فِي الْمَحَلَّةِ». فَأَجَابَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ خَادِمُ مُوسَى مِنْ حَدَاثَتِهِ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي مُوسَى، ارْدَعْهُمَا!» فَقَالَ لَهُ مُوسَى: «هَلْ تَغَارُ أَنْتَ لِي؟ يَا لَيْتَ كُلَّ شَعْبِ الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ إِذَا جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَهُ عَلَيْهِمْ». ثُمَّ انْحَازَ مُوسَى إِلَى الْمَحَلَّةِ هُوَ وَشُيُوخُ إِسْرَائِيلَ."
استغل الله هذا الحادث لبنيان الجماعة وأقام 70 شيخًا ليكتمل التنظيم الكنسي (نبي / رئيس كهنة / كهنة / لاويين / رؤساء أسباط / 70 شيخ علماني يشتركوا في التدبير) ونجد هنا اشتراك العلمانيين في التدبير مع الإكليروس.
70 رجلًا = 70 رقم كامل ونجد سنوات السبي 70 سنة ورؤيا دانيال لـ70 أسبوعًا ونجد في إيليم 70 نخلة والمسيح أرسل 70 رسولًا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هم شيوخ للشعب وعرفاؤه = فهم ليسوا فقط كبار سنًا بل لهم نصيب من المعرفة ومشهود لهم بالحكمة.
آية 17:- "فَأَنْزِلَ أَنَا وَأَتَكَلَّمَ مَعَكَ هُنَاكَ، وَآخُذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْكَ وَأَضَعَ عَلَيْهِمْ، فَيَحْمِلُونَ مَعَكَ ثِقْلَ الشَّعْبِ، فَلاَ تَحْمِلُ أَنْتَ وَحْدَكَ."
يرى البعض في هذا أن موسى قد خسر جزءًا من الروح الذي عليه وخسر بهاء إكليله فقد قل بهاؤه عما كان قبلًا. ولكن هذا كلام لا معنى لهُ فالرسامات في الكنيسة تتم بنفس الطريقة فهل حين يقوم أسقفًا برسامة كاهن هل يقل الروح الذي عليه؟ بالتأكيد هذا لا يحدث. ولكن المعنى أن يشعر هؤلاء الشيوخ بأبوة موسى وبوحدة الروح بينهم هذا مثل مصباح ساطع وأضأنا منه عدة مصابيح فلن يتأثر المصباح الأول. هنا الله يعطيهم من الروح القدس الذي سبق وأعطاه لموسى والعجيب أن الله يفعل هذا عن طريق موسى فيشعر الشيوخ بتلمذتهم وبنوتهم لموسى ويقتدوا به ويوقروه.
أنزل = هذا تعبير بشري وقد يمكن أن يكون الشعب قد رأى السحابة تستقر على خيمة موسى. ولكن حين يقول الكتاب عن الله أنه نزل فهو يقصد حزن الله على هذا الشعب الذي يتذمر عليه، وكأنه يتنازل ليرى هذا الخطأ.
آية 18:- "وَلِلشَّعْبِ تَقُولُ: تَقَدَّسُوا لِلْغَدِ فَتَأْكُلُوا لَحْمًا، لأَنَّكُمْ قَدْ بَكَيْتُمْ فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ قَائِلِينَ: مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟ إِنَّهُ كَانَ لَنَا خَيْرٌ فِي مِصْرَ. فَيُعْطِيكُمُ الرَّبُّ لَحْمًا فَتَأْكُلُونَ."
تقدسوا غدًا = يتوبوا ويعترفوا بخطاياهم ويغسلوا ملابسهم وأجسادهم فالله سيعطيهم اللحم غدًا بمعجزة. وموسى قد إستصعب الحل لكن الله لا يستحيل عليه شيء.
آية 19:- "تَأْكُلُونَ لاَ يَوْمًا وَاحِدًا، وَلاَ يَوْمَيْنِ، وَلاَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ عِشْرِينَ يَوْمًا،"
تاكلون لا يومًا واحدًا = هذا يشير أن السلوى حين جاءتهم قبل ذلك كانت لمدة قصيرة يومًا أو يومين ( خر13:16) أما في هذه المرة فستكون لمدة شهر بالكامل
آية 25:- "فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي سَحَابَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ، وَأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى السَّبْعِينَ رَجُلًا الشُّيُوخَ. فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِمِ الرُّوحُ تَنَبَّأُوا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَزِيدُوا."
ولم يزيدوا = هذه معناها لم يعملوا شيئًا سوى أنهم تنبئوا. وكلمة نبا في العبرية معناها يصلي أو يتضرع ومنها نبي لأن النبي يصلي ويتشفع عن شعبه. ولعل كلمة يتنبأون تعني أنهم قاموا بعملهم في قيادة الشعب وبدأوا بالصلاة والتسبيح. وكلمة يزيدوا ترجمت يزالوا = والمعنى أنهم ما زالوا يتنبأون. ولم يزيدوا أيضًا تعني أنهم لم يصنعوا معجزات مثل موسى. ولنلاحظ أن الـ70 شيخًا كانوا هم أساس مجمع السنهدريم الذي كونوه فيما بعد ليكون بمثابة المحكمة العليا أو المجلس الأعلى أو البرلمان.
آية 26:- "وَبَقِيَ رَجُلاَنِ فِي الْمَحَلَّةِ، اسْمُ الْوَاحِدِ أَلْدَادُ، وَاسْمُ الآخَرِ مِيدَادُ، فَحَلَّ عَلَيْهِمَا الرُّوحُ. وَكَانَا مِنَ الْمَكْتُوبِينَ، لكِنَّهُمَا لَمْ يَخْرُجَا إِلَى الْخَيْمَةِ، فَتَنَبَّآ فِي الْمَحَلَّةِ."
لا نعرف لماذا بقى هذين الشيخين في المحلة وربما لتواضعهم وشعورهم أنهم غير مستحقين. ولكن حلول الروح القدس عليهما كانا إشارة لحلول الروح القدس على كل الأمم حين ضم الله إليه الذين كانوا قبلًا في الخارج. كان هذا نبوة عما حدث للكنيسة في يوم الخمسين.
آية 28:- "فَأَجَابَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ خَادِمُ مُوسَى مِنْ حَدَاثَتِهِ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي مُوسَى، ارْدَعْهُمَا!»"
هذا ما حدث مع تلاميذ يوحنا حين غارا من المسيح وتكلما مع يوحنا المعمدان.
آية 29:- "فَقَالَ لَهُ مُوسَى: «هَلْ تَغَارُ أَنْتَ لِي؟ يَا لَيْتَ كُلَّ شَعْبِ الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ إِذَا جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَهُ عَلَيْهِمْ»."
هذه هي عظمة موسى فهو لم يغار من الشيوخ وقارن مع الخادم الذي يغير من زميله.
الآيات 31-35:- "فَخَرَجَتْ رِيحٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ وَسَاقَتْ سَلْوَى مِنَ الْبَحْرِ وَأَلْقَتْهَا عَلَى الْمَحَلَّةِ، نَحْوَ مَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْ هُنَا وَمَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْ هُنَاكَ، حَوَالَيِ الْمَحَلَّةِ، وَنَحْوَ ذِرَاعَيْنِ فَوْقَ وَجْهِ الأَرْضِ. فَقَامَ الشَّعْبُ كُلَّ ذلِكَ النَّهَارِ، وَكُلَّ اللَّيْلِ وَكُلَّ يَوْمِ الْغَدِ وَجَمَعُوا السَّلْوَى. الَّذِي قَلَّلَ جَمَعَ عَشَرَةَ حَوَامِرَ. وَسَطَّحُوهَا لَهُمْ مَسَاطِحَ حَوَالَيِ الْمَحَلَّةِ. وَإِذْ كَانَ اللَّحْمُ بَعْدُ بَيْنَ أَسْنَانِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ، حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى الشَّعْبِ، وَضَرَبَ الرَّبُّ الشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدًّا. فَدُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ» لأَنَّهُمْ هُنَاكَ دَفَنُوا الْقَوْمَ الَّذِينَ اشْتَهَوْا. وَمِنْ قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ ارْتَحَلَ الشَّعْبُ إِلَى حَضَيْرُوتَ، فَكَانُوا فِي حَضَيْرُوتَ."
سلوى = هي طيور السمان. ولاحظ أن الله يستخدم قوانين طبيعية سبق فوضعها لينفذ مشيئته فالريح تسوق كميات ضخمة من الطيور وتجعلها تسقط أمام الشعب فالله يحل مشاكلنا بطرق لا نتصورها، وها هم يأكلون لحمًا ليس بسمك ولا لحم مواشي كما قال موسى ولاحظ كثرة الطيور نحو ذراعين فوق وجه الأرض = وقد تعني أن الشعب حين ذبحوا الطيور وكوموها كانت ذراعين. الحومر = والجمع حوامر هي حمل حمار، 10 حوامر = 250 كجم فبالرغم أن الله قال لهم تأكلوا شهرًا إلا أنهم لم يصدقوا وجمعوا كثيرًا جدًا. وربما كانوا يملحون هذه الطيور لحفظها من الفساد ثم سَطَّحُوهَا لَهُمْ مَسَاطِحَ (سطحوها على مساطح) لتجفيفها.
آية 33:- "وَإِذْ كَانَ اللَّحْمُ بَعْدُ بَيْنَ أَسْنَانِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ، حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى الشَّعْبِ، وَضَرَبَ الرَّبُّ الشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدًّا."
لقد قدم لهم الله لحمًا كثيرًا ولكنهم انقضوا بشراهة وشهوة فغضب الرب عليهم وضربهم ضربة عظيمة جدًا لأن الشهوة تملكت عليهم وليس لأنهم أكلوا لحمًا. وموسى لم يذكر كيف ماتوا ولكن هناك احتمال أنهم ماتوا من التخمة بعد تعودهم على المن. وفي (مز106) نجد أن الشهوة تتسبب في هزال للنفس حين تتم. وفي مزمور (مز 4:20): يعطيك الرب حسب قلبك: "لِيُعْطِكَ حَسَبَ قَلْبِكَ"، فأحيانًا يعطينا الرب طلبات وشهوات قلوبنا حين نُصر عليها ولكن لا يكون هذا في صالحنا ويعود علينا بالضرر فعلينا أن نقول "لتكن مشيئتك".
آية 35:- "وَمِنْ قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ ارْتَحَلَ الشَّعْبُ إِلَى حَضَيْرُوتَ، فَكَانُوا فِي حَضَيْرُوتَ."
قبروت هتأوة = قبور الشهوة إذًا الشهوة تسبب الموت لو كانت خاطئة.
← تفاسير أصحاحات العدد: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير العدد 12 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير العدد 10 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3nqm4zy