العدد 1 - تفسير سفر العدد

بعد أن أخرج الرب شعبه من أرض العبودية (سفر الخروج) وأعطاهم الوصايا والشرائع أي دستوره الإلهي (سفر اللاويين + سفر الخروج) نجده في سفر العدد مرافقًا شعبه خلال رحلة غربته في البرية، يفيض عليهم من نعمه وحينما ينحرفون يؤدبهم حتى يضمن وصولهم لأرض الموعد. فمن يخطئ تضيع منه أرض الموعد.

ونجد الله يأمر موسى هنا بأن يحصي الشعب بينما أن الله وبخ داود وعاقبه حينما أحصى الشعب والسبب أن التعداد الذي أجراه داود كان بدافع الكبرياء حتى يشبع كبرياء قلبه بقوته وقوة جيشه كأن انتصاراته راجعة لهذا الجيش وليس لمعونة الله لهُ. ولكن لماذا طلب الله التعداد؟

1- حتى يظهر أن الله وفي وعده لإبراهيم وها نسله كتراب الأرض (تك 14:28). بعد أن كانوا 70 نسمة. فإن كان لهم إيمان وتقوى إبراهيم ستشملهم بركة الله.

2- هو شيء معزي جدًا أن يطلب الله التعداد. فهذا التعداد ليس لله , فالله يعلم العدد قبل أن يعدهم موسى ولكن هذا التعداد هو للشعب. فيعلم كل فرد أنه ينتسب للشعب الذي يهتم به الله ويأمر بإحصائه وبالتالي يشعر كل فرد بأهميته لدى الله. فالله يعلم كم شخص ينتمي لهذا السبط وكم شخص ينتمي للسبط الآخر، واهتمام الله بالعدد يعني أن الله لن يترك واحدًا منهم يهلك (مت 30:10).

3- والإحصاء فيه تصنيف من يتبع هذا السبط ومن يتبع الآخر فمن لا سبط له، إذًا هو غريب لا يدخل في الإحصاء. إذًا التعداد فصل بين شعب الله والغرباء. وبالإحصاء يشعر كل واحد أنه منتسب لشعب الله، عضو في العائلة السماوية. ولنلاحظ أن عدو الخير يحارب أولاد الله بأنه يشككهم في أنهم أولاد الله الذي يهتم بهم ويرافقهم

4- الإحصاء يدل على طريقة عمل الله وأنه إله نظام وليس إله تشويش (1 كو 33:14) فالله يهتم بطريقة سير شعبه في البرية وعددهم وموقع كل سبط (معجزة الخمس خبزات).

5- حينما يرى الشعب أن النبوة الأولى لإبراهيم بزيادة نسله قد تحققت يتشجعون في حروبهم ليرثوا الأرض فهذه هي النبوة الثانية لإبراهيم، أن الأرض لنسله.

6- هذا الإحصاء هو إحصاء عسكري حربي. كل خارج للحرب (عد 3:1) فهم في مهمة حربية ولاحظ أن جيش فرعون غرق في البحر ولكن الكتاب لم يذكر أن فرعون نفسه قد غرق. وحياتنا في الكنيسة الآن تشبه هذه الرحلة في غربة البرية (العالم) فنحن في جهاد دائم ضد الشيطان الذي هُزم في معركة الصليب لكنه لم ينتهي للأبد بل يظهر دائمًا في صور مختلفة (عماليق - موآب - لعنات بلعام - زنا مع بنات موآب...) ولاحظ أن الكنيسة ليست ضعيفة فهي مرهبة كجيش بألوية (نش6 :10). وراجع (في 3:4 + 2 تي 19:2) لترى أن الله يعرف خاصته وبأسمائهم.

7- حين يرى الشعب أنهم في 215 سنة صاروا 600,000 بعد أن كانوا 70 نفسًا ببركة الله لا يخافون من الحروب القادمة عليهم.

8- العدد كان 600,000 ورقم 6 يشير للكمال البشري الناقص. فنحن بجهادنا البشري مهما كان نُحسب ناقصين بدون نعمة الله فالحرب هي للرب. فرقم 6 يشير للمصادر البشرية للدفاع والجهاد ضد الأعداء ولكن مع أنه علينا استخدامها في جهاد حتى الدم، إلا أنه يجب أن نعلم أنها بدون نعمة الله لا شيء (لنعرف وزناتنا ونتاجر بها ونربح بنعمة الله).

9- العدد الحقيقي 603550 وحينما يقال 600.000 فهو للتقريب كما في (عد 21:11). ونلاحظ أن تعداد كل الأسباط عدد دائري إما بالمئات أو الخمسين! وهناك احتمالات لهذا:

 أ- الله شاء أن يكون الرقم هكذا.

 ب- استخدم موسى التقريب في ذكر الأرقام.

 ج- استخدم موسى طريقة للتعداد هكذا. يقوم بعد رؤساء المئات ورؤساء الخماسين الذين عينهم بدلًا من عد الشعب نفسه فردًا فردًا (خر 25:18).

10- بعد كل الضربات والأوبئة التي لحقت بالشعب نجد العدد في نهاية الرحلة (رحلة التيه يماثل العدد في بداية الرحلة بل هو أكبر منه وهذا يشير لعناية الله بشعبه.

11- من هم المعدودون؟ أي من هم شعب الله:

 أ - من اجتاز البحر الأحمر = المعمودية.

 ب - من تحرر من عبودية فرعون بدم خروف الفصح = من تحرر بدم المسيح من عبودية إبليس.

 ج - من يقيم الله وسطهم في خيمة الاجتماع = من يحيا داخل الكنيسة.

 د - من يعوله الله بالمن = من يتناول من الإفخارستيا.

 ه - من حصلوا على الشريعة والوصايا = من يحبني يحفظ وصاياي.

 و- من شرب من الماء الخارج من الصخرة = من صار هيكلًا للروح القدس.

 ز- من خرج للحرب ضد عماليق / موآب.. = من يجاهد حتى الدم ضد إبليس.

 ح - أن يكون ذكرًا = فالإناث لا يحاربون لذلك يقول بولس الرسول كونوا رجالًا (1 كو 13:16) وهذه تنطبق على الرجال والإناث.

 ط - أكبر من 20 سنة = من تخطى دور الطفولة الروحية منطلقًا لحياة النضج الروحي.

 ي - قادرون على الحرب = فنحن في حرب مستمرة مع قوات الشر الروحية.

 ك- منتسبون لشعب الله = حاصلين بروح الله على البنوة لله.

 12- اللاويين لا يحصوا مع الشعب فهم لهم دور آخر، هم دورهم الصلاة. مثلما كان يشوع يحارب عماليق وموسى رافع يديه يصلي. والصلاة جهاد لذلك سنجد في إحصاء اللاويين بعد ذلك أن الكتاب يقول عنهم يتجندون (عد 23:4). وكان سر نصرة الشعب على أعدائهم وجود الخيمة وسطهم. وكان اللاويين يحرسون الخيمة.

-----------------------------------------------------

1- اختيار رؤساء علمانيين ليساعدوا موسى تأكيد لدور العلمانيين في تدبير أمور الكنيسة.

2- أسماء الرؤساء لها معاني روحية فتسعة أسماء تختص بعلاقتنا مع الله ففي خلال رحلتنا في برية هذا العالم يريدنا الله أن نركز أنظارنا نحوه كأب معين قوي ولكن خلال رحلتنا سنقابل إخوتنا في العالم ومنهم المعين ومنهم الشرير. كذلك سنقابل محاربات من الشياطين (الحية)

1- جاء تعداده أكبر من باقي الأسباط فهو الذي سيتقدم الموكب نحو الشرق. وهذا السبط هو الذي جاء منه السيد المسيح بالجسد فكأن السيد المسيح هو قائد موكبنا نحو أورشليم السمائية. وفي هذا تحقيق لنبوة يعقوب (تك 10،8:49).

2- قائد السبط هو نحشون بن عميناداب وهو من أسلاف المسيح (مت 4:1 + لو33،32:3) ومعنى اسمه حية. فالمسيح , ورمزه في هذا السفر حيَّة نحاسية (لها شكل الحية ولكن بدون سم داخلها) = أخذ شكل البشر تجسد وتأنس وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، "فهو الذي لم يعرف خطية وصار خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو5: 21).

آية 2:- "«أَحْصُوا كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِعَشَائِرِهِمْ وَبُيُوتِ آبَائِهِمْ، بِعَدَدِ الأَسْمَاءِ، كُلَّ ذَكَرٍ بِرَأْسِهِ،"

بعشائرهم وبيوت آبائهم = كان كل شخص ينتمي لبيت أبيه، وبيت الأب ينتمي للعشيرة والعشيرة تنتمي للسبط، وكلمة عشيرة تعني قبيلة. ونلاحظ أن الاهتمام بالنسب كان لحفظ نسب المسيح. ولنسأل هنا سؤال هام.... هل كان أحدهم يشك في نسبه لعشيرته وبيت أبيه وسبطه. لذلك علينا أن نتأكد من إنتسابنا لله وبنوتنا لهُ، فنحن في حروبنا في برية هذا العالم مع الشيطان نحارب بالشك في بنوتنا، وبأننا لن نستطيع كذا وكذا بسبب تخلي الله عنا، وأن الله رفضنا كأبناء له ولن يغفر لنا، وخلال أي تجربة نحارب بأن الله ينتقم منا.... وكل هذا التشكيك من الشيطان هو لكي نتخاصم مع الله وبدون سبب لكن الشيطان كذاب (يو8: 44).

وطريقة الرد على هذه الحرب بأننا حقًا لا نستحق شيئًا فنحن خطاة، وندين أنفسنا كعشارين وخطاة، كما فعل العشار واللص اليمين، ولا نبرر أنفسنا كالفريسي واللص اليسار، فنطلب أن نحصل على ما هو أفضل نظرًا لبرنا. لكن نقف أمام الله منسحقين لا نطلب سوى الرحمة إذ أننا بخطايانا أحزنا قلبه. ولكن إذا كان الله قد قبل اللص اليمين والابن الضال والمرأة الزانية فلماذا لا يقبلنا، ونحن قد صرنا أبناء له بالمعمودية. ونثق أن الله برحمته ومحبته التي ظهرت على الصليب سيقبلنا ، وأنه سيغفر لنا ويعيدنا إلى أحضانه وتفرح بتوبتنا السماء، وهنا يشهد الروح القدس في داخلنا بأننا أبناء ونشعر بالغفران والقبول (غل4: 5 - 7)، ونفهم أن أي تجربة إنما كانت لتأديبنا فالله يؤدب كل ابن يحبه بل يجلده ليضمن وصوله للسماء (عب12: 6). فنشعر في التجربة بفرح بأن الله يحبنا إذ يجربنا (يع1: 2) فنتأهل للسماء إذ أدبنا الله كأب يؤدب ابنه.

كل ذكر برأسه = أي بمفرده.

آية 4:- "وَيَكُونُ مَعَكُمَا رَجُلٌ لِكُلِّ سِبْطٍ، رَجُلٌ هُوَ رَأْسٌ لِبَيْتِ آبَائِهِ."

رجل هو رأس = كان في كل سبط عدة رؤساء وهو هنا يختار أحسنهم أو أشهرهم كرأس للسبط.

آية 16:- "هؤُلاَءِ هُمْ مَشَاهِيرُ الْجَمَاعَةِ، رُؤَسَاءُ أَسْبَاطِ آبَائِهِمْ. رُؤُوسُ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ."

رؤوس ألوف = كان حما موسى يثرون قد أشار عليه بتعيين رؤساء (خر 21:18).

آية 18:- "وَجَمَعَا كُلَّ الْجَمَاعَةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي، فَانْتَسَبُوا إِلَى عَشَائِرِهِمْ وَبُيُوتِ آبَائِهِمْ بِعَدَدِ الأَسْمَاءِ، مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا بِرُؤُوسِهِمْ،"

لاحظ أن موسى نفذ الأمر فورًا دون إبطاء وبلا رخاوة.

آية 51:- "فَعِنْدَ ارْتِحَالِ الْمَسْكَنِ يُنَزِّلُهُ اللاَّوِيُّونَ وَعِنْدَ نُزُولِ الْمَسْكَنِ يُقِيمُهُ اللاَّوِيُّونَ. وَالأَجْنَبِيُّ الَّذِي يَقْتَرِبُ يُقْتَلُ."

الأجنبي = أي كل من ليس من سبط لاوي.

آية 53:- "وَأَمَّا اللاَّوِيُّونَ فَيَنْزِلُونَ حَوْلَ مَسْكَنِ الشَّهَادَةِ لِكَيْ لاَ يَكُونَ سَخَطٌ عَلَى جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَحْفَظُ اللاَّوِيُّونَ شَعَائِرَ مَسْكَنِ الشَّهَادَةِ»."

سخط = قيلت نفس الكلمة بعد موضوع قورح وداثان.. (عد 1:16-46).

ملحوظة:-

احتمال أن يكون هذا التعداد هو المشار إليه في (خر 26،25:38) والخاص بتحديد فضة الكفارة.