ثمر الكرمة (تك 49: 11) والجاف منه يسمى زبيب (1 صم 25: 18؛ 30: 12؛ 2 صم 16: 1؛ 1 أخبار 12: 40). والعنب فاكهة مألوفة في فلسطين وما يجاورها من بلاد، وزراعته قديمة جدًا. وقد ورد ذكر العنب في الكتاب بين النباتات المثمرة التي أمر الرب اليهود بترك بعض محصولها عليها، على الكرمة وعلى الأرض، فيأكل منها الفقير أو المسكين المار هنالك. وكان الأكل منها مسموحًا لكل إنسان، شرط أن يأكل هناك، ولا يحمل شيئًا معه، وقد سمي هذا المتروك من العنب للفقراء علالة (لا 19: 10؛ تث 23: 24؛ 24: 21؛ ار 6: 9؛ 49: 9) وباقي الشرح عن العنب موجود تحت كلمة "كرمة".
أولًا:
الجفنة هي الكرمة، ومن معاني "الجفن" في اللغة العربية، أصل الكرم أو قضبانه أو هو ضرب من العنب. وتوجد جملة كلمات في العبرية للدلالة على الكرمة، هي:
(1) "جفن" وهي نفس الكلمة في العربية، وتعني كرمة العنب المزروعة، وتسمى أيضًا "جفنة الخمر" (عد 6: 4؛ قض 13: 14)، وهي نفس الكلمة العبرية المترجمة إلي "يقطينة" برية (2 مل 4: 39). وترد كلمة "جفنة" في العبرية 56 مرة في العهد القديم.
(2) كرم "سورق" (إش 5: 2؛ إرميا 2: 21) أي الكرمة المنتقاة أو المختارة، وكان وادي سورق (قض 16: 4) يشتهر بأجود أنواع الكروم، وهي نفس الكلمة المستخدمة في نبوة يعقوب لابنه يهوذا (تك 49: 11). ويبدو أن الكلمة العبرية تشير إلي العنب الأسود الذي كان حسب التقليد اليهودي، عنبًا حلو المذاق جدًا وبدون بذور.
(3) "نزير" وهي كلمة "نذير" العربية، وقد استخدمت وصفا للكرم في عبارة "الكرم المحول" (لا 25: 5، 11) أي الكرمة التي لم تشذب أغصانها. ولعل في ذلك تشبيهًا لها بخصل الشعر التي كان يتميز بها الرجل النذير (انظر عد 6: 5؛ قض 13: 5).
(4) "عنب" وهي كلمة شائعة في جميع اللغات السامية (كما هي في العربية) وهي تعني العنب بعامة (تك 40: 10؛ تث 32: 14؛ إش 5: 2؛ إلخ.) و"دم العنب" (تك 49: 11) , و"الحصرم" وهو العنب غير الناضج (أي 15: 33؛ إش 8: 5) إرميا 31: 29، 30؛ حز 18: 2). والعنب الرديء (إش 5: 2، 4؛ نش 7: 8، 9).
(5) "كرم" وهي نفس الكلمة في العربية وترد في (نش 2: 15؛ 31: 5) كما تستخدم كلمة "كراميم" جمع "كرام" في العبرية (2 مل 25: 12؛ 2 أ خ 26: 10؛ إش 61: 5... إلخ.).
(6) "إشكول" أي عنقود العنب الناضج (انظر تك 40: 10؛ 13: 23، 24).
(7) "قعال الكروم" وهو زهرها وله رائحة عطرية (نش 2: 13، 15؛ 7: 12).
ثانيًا: الكلمة في اليونانية:
(1) "أمبلوس" أو αμπελώνες وتعني الكرمة (مت 26: 29؛ مرقس 14: 25؛ لو 22 : 18؛ يو 15: 1، 4، 5؛ يع 3: 12؛ رؤ 14: 19).
(2) بتروس (b) ومعناها عناقيد "في عناقيد كرم الأرض" (رؤ 14: 18).
ثالثًا: الكروم وأهميتها:
فلسطين من البلاد التي اشتهرت بزراعة الكروم منذ أقدم العصور التاريخية، كما تشهد بذلك معاصر العنب الموجودة في المراكز الحضارية القديمة وفيما حولها. ويحتمل أن القدماء عنوا بزراعة الكروم كمصدر للسكر، إذا كان عصير العنب يتحول بالغليان إلي سائل غليظ القوام يطلق عليه "عسل العنب" أو "الدبس" Grape syrup، وهو بلا شك العسل الذي تردد ذكره كثيرًا في العهد القديم، وكان مصدرًا رئيسيًّا للسُّكر قبل العصور التي تم فيها استخراج السكر من القصب. وكل أسفار العهد القديم تُبَيِّن لنا أن فلسطين كانت تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الكروم ومنتجاتها، فكان الناس يشربون الخمر علامة على الفرح والبهجة، كما كانوا يعتبرون الكرم من أفضل عطايا الله (قض 9: 13؛ مز 10: 15). لكن كان على النذير أن "لا يأكل من كل ما يعمل من جفنة الخمر من العجم حتى القشر" (عد 6: 4؛ قض 13: 14).
وكانت الأرض التي وعد الله بها بني إسرائيل أرض "كرم وتين ورمان" (تث 8: 8)، فقد ورثوا كرومًا لم يغرسوها (تث 6: 11؛ يش 24: 13؛ نح 9: 25). وتشير بركة يعقوب لابنه يهوذا إلي صلاحية أرضه للكروم (تك 49: 11).
وعند سبي قادة الشعب إلي بابل، ترك الفقراء في البلاد ليقوموا على رعاية الكروم (2 مل 25: 12؛ إرميا 52: 16) حتى لا تتحول الأراضي الزراعية إلي صحراء جرداء، ولكن الأجانب، "بنو الغريب" هم الذين يقومون بهذه الخدمة الوضيعة (إش 61: 5).
رابعًا: زراعة الكروم:
لم تكن المناطق الجبلية من اليهودية والسامرة تصلح لزراعة الحبوب، ولكن كانت تجود به زراعة الكروم، فكانت تجمع منها الحجارة أولًا وتستعمل في بناء سياج لحماية الكروم، أو في إقامة برج يشرف منه الحارس على كل الكرم (إش 5: 2؛ مت 21: 33). وكان بكل مزرعة كروم قديما معصرة تحفر في الصخر. وغالبًا ما كانت جذوع الكروم ترتكز على الأرض، وكانت الأغصان حاملة العناقيد تستند على الحوائط (تك 49: 22). وفي بعض المناطق كانت الجذوع نرفع إلي نحو قدم أو أكثر على قوائم خشبية. وفي أحيان قليلة كانت الأغصان تتسلق الأشجار القريبة منها. كما كانت ترفع أمام المنازل على عريش يقام فوق أعمدة مكونة شبه مظلة (1 مل 4: 25).
وزراعة الكروم تتطلب عناية مستمرة حتى لا يضعف إنتاجها.
وبعد موسم الأمطار، كان السياج يحتاج إلي ترميم ما حدث به من ثغرات، كما كان يجب أن تحرث الأرض وتنظف من الأعشاب، وهذا على النقيض من كرم الرجل الكسلان والناقص الفهم (أمثال 24: 30، 31). وفي أوائل الربيع يجب أن تشذب الكروم، فتقطع الأغصان الجافة والتي لا تحمل ثمرًا (لا 25: 3، 4؛ إش 5: 6) وتجمع وتحرق (يو 15: 6). وعندما تنضج حبات العنب، يجب حراستها من الثعالب وبنات آوي (نش 2: 15) ومن الخنازير البرية في بعض الأماكن (مز 80: 13)، وكان الحارس يقف أحد الأبراج ليراقب مساحة كبيرة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وعندما يحل موعد جني العنب، كانت تأتي أسرة المالك بأجمعها وتقيم تحت مظلة تقام فوق أحد الأبراج الكبيرة وتظل الأسرة هناك حتى ينتهي جني كل العنب، وكان موسم جني العنب موسما للفرح والبهجة (إش 16: 10).
وكان يترك نثار الكرم لفقراء القرية أو المدينة (لا 19: 10؛ تث 24: 21؛ قض 8: 2؛ إش 17: 6؛ 24: 13؛ إرميا 49: 9؛ ميخا 7: 1). وكانت مزارع الكروم تبدو في الصيف كالخمائل الخضراء اليانعة في وسط الأرض الجرداء، أما في فصل الخريف فكانت الأوراق تبدو صفراء ذابلة وقد انتثر معظمها وأصبح المكان موحشًا (إش 34: 4).
خامسًا: المعنى المجازي للكرمة:
إن جلوس "كل واحد تحت كرمته وتحت تينته" (1 مل 4: 25؛ ميخا 4: 4؛ زك 3: 10) دليل على السلام والازدهار والرخاء القومي. لأن غرس الكروم وجني ثمارها كانا يعنيان الاستقرار الطويل الأمد (2 مل 19: 29؛ مز 107: 37؛ 65: 21؛ إرميا 31: 5؛ حز 28: 26؛ عا 9: 14).
أما إن تغرس الكروم، ولا يجني أصحابها الثمار، فكان يُعتبر كارثة (تث 20: 6؛ انظر أيضًا 1 كو 9: 7)، وعلامة على عدم رضى الله (تث 28: 30؛ عاموس 5: 11؛ صفنيا 1: 13).
كما كان الامتناع عن غرس الكروم دليلًا على أن الإقامة في ذلك المكان لم تكن إقامة لزمن طويل (إرميا 35: 7).
وكان ازدهار الكروم لسنين كثيرة دليلًا على بركة الله (لا 26: 5). وتشبه الزوجة الناجحة بالكرمة المثمرة (مز 128: 3). وكان عدم إنتاج الكرمة علامة على غضب الله (مز 78: 47؛ إرميا 8: 13؛ يؤ 1: 7).
وقد تكون الكرمة غير المثمرة امتحانًا لإيمان الإنسان وثقته في الله (حب 3: 17). ويقول يعقوب عن يوسف ابنه انه: "غصن شجرة مثمرة.. أغصان قد ارتفعت فوق حائط" (تك 49: 22).
وقد شبه إسرائيل بـ"كرمة" (إش 5: 1-5) أخرجها الرب من مصر [(مز 80: 8؛ إرميا 2: 21؛ 12: 10) مع ما جاء في (حزقيال 15: 2، 6؛ 17: 6)].
وفي فترة متأخرة كانت تصور أوراق الكروم وعناقيد العنب على العملة اليهودية كما على المباني اليهودية.
وقد ذكر الرب يسوع المسيح الكرمة في ثلاثة من أمثاله (مت 20: 1-16؛ 21: 28، 33-43). وتعليم الرب عر الكرمة الحقيقية (يو 15) جعل من الكرمة رمزا مقدسا في المسيحية.
* هل تقصد: جفنة سدوم، قرية جفنا بفلسطين.
* انظر أيضًا: الخصاصة، زرجونة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/qhac7yb