محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
سفر رويا يوحنا الإنجيلي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27
آية 1 "ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ."
هذا نفس ما قيل في (إش17:65) + (إش22:66) + (مت35:24) سماء جديدة وأرض جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا.
1. السماء الجديدة والأرض الجديدة هي ما قيل عنها ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان...(1كو9:2) وعن أن الأرض تزول والسماء تزول يقول القديس بطرس الرسول "تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة وأرضا جديدة" (2بط13،12:3). تحترق الأرض وتذوب العناصر وتختفى الصورة الحالية للأرض التي لعنها الله بسبب الخطية، ليخرج من هذا الدمار صورة جديدة للأرض = أرضًا جديدة. وهذا ما سوف يحدث لنا كبشر، إذ نموت ونرجع للتراب ليخرج إنسانا جديدًا في صورة المجد. قال الكتاب عن هذا "يسحق ويداه تشفيان" (أى5: 18). وقال بولس الرسول " لِأَنَّ ٱلْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ ٱلْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلَادِ ٱلله . فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى ٱلْآنَ" (رو8: 21-22). تتمخض أي تتألم كوالدة تنتظر أن تلد مولودًا جديدًا هو الصورة الممجدة للأرض التي سيشرق عليها مجد الله بعد أن إختفت اللعنة.
2. راجع (رو19:8-22) ومنها نفهم أن الأرض والسماء (ما نراه حاليًا من صورة الأرض وما نراه من سماء الكواكب) هي في حالة مؤقتة بسبب لعنة الخطية (تك17:3) ولكن سيعاد تكوين الكون ، ولكنه سيكون في حالة مجد تتناسب مع ما حصل عليه الإنسان من حالة مجد وحرية من الشر. ستكون هناك أَرْضً جَدِيدَةً تنتهي منها صورة اللعنة. وهكذا سَمَاءً جَدِيدَةً لا تَغضَب على الأرض، أي تختفي الظواهر الطبيعية المدمرة كالأمطار المدمرة والفيضانات، والصواعق القاتلة، وحرارة الشمس غير المحتملة أو البَرَدْ hail (رؤ16: 21). ويكون الكل في حالة جمال فائق فمجد الرب سيشرق عليها.
3. السماء الجديدة هي لقاء مع الرب على مستوى جديد وشركة جديدة لم نختبر مثلها ونحن في الجسد الترابي. وهي أيضًا علاقة محبة وأخوة مع السمائيين من الملائكة (رؤ10:12 + رؤ5: 8 - 14) وَالأَرْضً الجَدِيدَةً هي علاقتنا مع البشر إخوتنا في محبة كاملة. والكل متحد مع الرب يسوع في وحدة أبدية.
والبحر لا يوجد فيما بعد = البحر بمياهه المالحة يشير لشهوات العالم الخاطئة "من يشرب من هذا الماء يعطش" (يو4: 13)، والبحر باضطراباته وأمواجه يشير للحياة المضطربة على الأرض ويشير للموت، فمن يحيا في البحر لابد أنه سيموت. وكل هذا قد انتهى في السماء ، فالسماء هي سلام عجيب دائم وإرتواء دائم وشبع دائم وبلا قلق (إش20:57 + إش48: 18). والبحر يشير أيضًا للفواصل بين الناس. وهذا لا يوجد في السماء.
آية 2 "وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا."
هناك تشبيه طريف للقمص تادرس يعقوب يفسر هذه الآية فقد قال عن يوحنا أنه كطفل صغير بالكاد يعرف اللغة ولم ير طائرات من قبل ودخل مطارا ورأى في المطار طائرات كثيرة فعاد ليقول رأيت حمامًا كبيرًا على الأرض. وهنا مع مفردات اللغة البشرية المحدودة (العاجزة عن التعبير عن السماويات) التي يعرفها يوحنا أطلق على المكان الذي سنكون فيه مع الله في السماء مسكن ومدينة فهي مدينة لأن الله يسكن فيها مع البشر، ولأن الله يسكن فيها أسماها المدينة المقدسة وهي أورشليم الجديدة = هي الكنيسة وهي جديدة في مقابل أورشليم القديمة التي سكن الله فيها مع شعبه في القديم وهي جديدة فكل علاقة لنا مع الله في السماء ستكون جديدة، على مستوى جديد لم نختبره من قبل على الأرض وهي جديدة لأن كل ما في السماء سيظل جديدا بصفة دائمة لا يصيبه القدم، والإحساس بالقدم يسبب زهد وملل الإنسان في الشيء، أما لو ظل جديدا في نظر الإنسان فهذا يشير للتعلق بالشيء والإعجاب به، وهذا سيكون شعورنا تجاه السماويات، لن نمل أو نزهد فيها أبدًا.
نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ
= أي لها مجد الله وهي نازلة أي لتستقبل الغالبين ولترفعهم إليها كما نزل المسيح من السماء ليرفعنا إليه في السماء، فهنا نسمع أن أورشليم ستنزل من السماء لترفعنا للسماويات ، هذه مثل "طأطأ السموات ونزل" (مز18: 9). مِنْ عِنْدِ اللهِ = فهو الذي أعدها لنا. هو أصل وجودها ومنبعها السماوي. ولنلاحظ أن الكنيسة رأسها في السماء وهو المسيح، وجسد المسيح يمتد عبر الزمان والمكان ليجمع الكل فيه ويصعدهم للسماء. الله في محبته هيأ لعروسه هذه المدينة السماوية فهي عروس المسيح ، والمسيح أعطاها حياته، وهي لبست المسيح فزينها كعروس له = مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ.مزينة لرجلها = زينها المسيح بالفضائل والكمالات التي أهداها لها.
آية 3 "وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ."
مسكن الله = رمزا للاستقرار النهائي في حضن الله، هناك نرى الله وجها لوجه. مسكن الله مع الناس = ولم يقل مسكن الناس مع الله، فالله هو المشتاق بالأكثر لأن يسكن مع الناس، اشتياق الأب لعودة أولاده لحضنه. فحينما دعاه إبراهيم ليدخل خيمته ويأكل طعاما دخل الله وهو لا يحتاج للأكل لأنه يريد أن يدخل بيت ابنه إبراهيم ويفرح به وهو الذي طلب أن يصنعوا له خيمة اجتماع ليجتمع بهم ويسكن في وسطهم.
وهم يكونون له شعبا. والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم = هم كانوا شعبه وهم على الأرض ولكن الآن سينعمون بمفاهيم أكثر عمقًا لعلاقتهم مع الله، وسيشعرون بلذة جديدة لهذه العلاقة وهذا ما بشر به السيد المسيح مريم المجدلية "قولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو17:20). حقا الله هو إله كل البشرية سواء كانوا أبرار أو أشرار، ولكن المسيح بفدائه صنع صلحا وصرنا لله شعبا خاصا له ينعم علينا بخيراته ومحبته. المسيح أعادنا للأحضان الإلهية، لذلك يوجد في شرقية الهيكل في الكنائس جزء مستدير مواجه للمذبح يسمى حضن الآب. فالمسيح بجسده ودمه اللذان على المذبح أعادنا لحضن الآب. المسيح ابن الله هو في حضن الآب (يو1: 18). وأعادنا فيه لحضن الآب، فنحن في المسيح صرنا أبناء لذلك فلا انفصال بين الله والإنسان، عدنا لأحضان إلهنا وأبونا السماوي = "أبي وأبيكم"، "إلهي وإلهكم". في المسيح صرنا كالابن الضال الذي عاد لأحضان أبيه "فوقع على عنقه وقبله" (لو20:15).
آية 4 "وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ»."
سَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ= ففي السماء فرح كامل وعزاء كامل ولكن السؤال، هل سيكون هناك دموع ليمسحها الله؟ قطعًا لا دموع في السماء حيث الفرح الكامل. ولكن المعنى أن الله سيعطينا أن ننسى كل الآلام والجروح السابقة. فمن المعلوم أن هناك جروحا نفسية وآلام نفسية ناتجة عن أحداث مؤلمة تحدث للإنسان في الماضي، ولكنه لا ينسى جروحها أبدًا مع الزمن، وكل ما يتذكرها يتألم وتهيج فيه جروحه مهما انقضى من زمان. ولكن في السماء لن نذكر شيئا موجعا ولا مؤلما، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ = أي لا حزن ولا صراخ ولا مرض ولا ألم.... فلا خطية هناك . وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ = ستكون لنا حياة أبدية ويبتلع الموت (إش8:25) . لاَ يَكُونُ حُزْنٌ = أورشليم السمائية هي مكان الفرح الدائم الحقيقي.
لا يكون حزن = بهذا يكون قد تم قصد الله من خلقة الإنسان. وما هو قصد الله؟
سؤال:- لماذا خلقنا الله؟ الإجابة:- لكي نفرح في مكان جميل أبدع الله خلقته.
الدليل:- خلق الله آدم ووضعه في "جنة عَدْنْ" جنة = مكان جميل * عَدْنْ = كلمة عبرية بمعنى فرح. وظل الله يخلق هذه الخليقة مليارات من السنين. فالله أب حنون يريد أن يرى أولاده فرحين في مجده.
وبالخطية:- فقد الإنسان الفرح. وكان الفداء:- وأرسل الله الروح القدس ومن ثماره "الفرح". ويقول الرب "الآن عندكم حزن. ولكني سأراكم فتفرح قلوبكم". فالحزن الآن على الأرض هو شيء مؤقت. ومع هذا يعطينا الله عزاء وفرحًا، لذلك نفرح جزئيا على الأرض، وهذا الفرح الآن هو عربون ما سنأخذه في السماء. لذلك يقول بولس الرسول "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضا افرحوا" ويسمع المخلصون قول الرب في النهاية "ادخلوا إلى فرح سيدكم" (غل5: 22 + يو16: 22 + فى4: 4 + مت25: 21).
أما في السماء سيكون فرحنا فرح دائم كامل. وهذا قصد الله من خلقة الإنسان.
والفرح سيكون للإنسان وسيكون لله. هذا الفرح هو فرح متبادل بين الله وأبنائه البشر. عَبَّر سفر إشعياء عن هذا الفرح المتبادل "بل افرحوا وابتهجوا إلى الأبد فيما أنا خالق لأني هاأنذا خالق أورشليم بهجة وشعبها فرحًا. فابتهج بأورشليم وافرح بشعبي ولا يسمع بعد فيها صوت بكاء ولا صوت صراخ" (إش65: 18 ، 19).
نرى في (رؤ21 ، 22) تحقيق الصورة المثالية التي أرادها الله للخليقة وتم تصويرها في (تك1 ، 2) فقصد الله لا بُد وأن يتم.
الله خلق الإنسان في وحدة، فحواء مأخوذة من آدم والأولاد من كليهما. والخطية دمرت هذه الوحدة. وأتى المسيح ليعيد الوحدة في جسده (يو17: 20 - 23 + أف5: 30). وها نحن نرى تحقيق ذلك هنا فلقد صارت الكنيسة في وحدة، جسد واحد، عروسة للمسيح عريسها ومهيأة بلا عيوب (آية 2)، فعريسها ألبسها ثوب البر (أف5 : 26 ، 27 + إش61: 10 ، 11).
آية 5 "وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!». وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ: فَإِنَّ هذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ»."
كل شيء جديدا = المعرفة والفهم وأجسادنا الممجدة كل هذا سيكون جديدًا.
ولن تسأم النفس ولن تشعر بالملل من أي شيء، إذ ليس في السماء شيء يعتق أو يشيخ، بل يشعر المؤمن أن كل شيء كأنه جديد يراه لأول مرة ويفرح به. فرؤية الله تفرح النفس، وليس هذا فقط، بل ويزداد الإنسان شهوة لرؤية الله ومعرفته وإكتشاف محبته ومجده والنظر إليه والسجود له [(السجود والإنسحاق أمام الله يعطي للرب أن يسكن داخلنا (إش57 : 15)]، وكلما ازدادت المعرفة يزداد الفرح. وهذا يمتد إلى ما لا نهاية. ومن هنا نفهم أن ترجمة الـ24 قسيسًا بأنهم 24 شيخًا هي ترجمة خاطئة، فمن هم في السماء لا يشيخون. بل هم 24 قسيسًا يقدمون لله صلواتنا كبخور من مجامرهم مشفوعة بصلواتهم عنا.
ولن تسأم النفس ولن تشعر بالملل من أي شيء، إذ ليس فيها شيء يعتق أو يشيخ، بل يشعر المؤمن أن كل شيء كأنه جديد يراه لأول مرة ويفرح به. فرؤية الله لا تشبع النفس. بل يزداد الإنسان شهوة لرؤية الله ومعرفته واكتشاف محبته ومجده والنظر إليه والسجود له وهذا يمتد إلى ما لا نهاية . أكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة = ربما لا يصدق الإنسان أن الله أعد له كل هذه الأفراح لذلك يؤكد الله لنا صدق هذه الأقوال.
آية 6 "ثُمَّ قَالَ لِي: «قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي الْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الْحَيَاةِ مَجَّانًا."
قد تم = كل ما وعد به الله قد تم. فالله قد أعد بيت الزيجية، وتم الزمان لتدخل العروس له وتكون في أفراح وأمجاد أبدية. وهذا ما قاله الرب يسوع "أنا أمضي لأعد لكم مكانًا" (يو14: 2).
أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ
= أنظر التفسير في (رؤ 1) = هذه عبارة قالها الرب في بداية السفر ويكررها في نهايته. وهذا ليؤكد أن القصد الإلهي لابد وأنه سيتم. أنا أصل كل الأشياء وستؤول كل الأشياء لمجدي كما قصدت منذ الأزل "بكل من دعي باسمي ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7).أنا أعطى العطشان من ينبوع ماء الحياة = ينبوع ماء الحياة هو إشارة للروح القدس. وهذا هو نفس ما قاله السيد المسيح للسامرية (يو10:4).
وراجع أيضًا (يو37:7-39). والله يعطي الروح القدس للعطشان ليرويه أي من يشعر بالاحتياج فيطلب، فالله يعطي الروح القدس للذين يسألونه (لو13:11). بل هذا وعده هنا في سفر الرؤيا "لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم، ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية" (رؤ7: 17).
مجانا = 1- لأن المسيح دفع الثمن بدمه.
2- يستحيل أن نقدر على الثمن.
قصة:- صنعوا دواء لمرض خطير تكلف 700 مليون جنيه إسترليني وصنعوا منه ما يكفي لعلاج شخص واحد وأرادوا تجربته، وجاءت لهم امرأة، ابنها مصاب بهذا المرض ليجربوا فيه الدواء، وشفى الولد وسألت عن الثمن فقالوا لها أنه مجانا لأن السيدة ستعجز عن دفع الثمن لأنه باهظ. فهل نستطيع نحن أن ندفع ما يقابل دم المسيح.
آية 7 "مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلهًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا."
من يغلب = حقا لا يوجد ما يساوي دم المسيح، ولكن الروح القدس، وميراث السماء لا يعطي إلا لمن يجاهد ويغلب ولا يتكاسل، وماذا يعطي الغالب؟
يرث كل شيء = يرث الله يرث مع المسيح (رو17:8) فإكليل البر لا يوضع سوى لمن جاهد الجهاد الحسن وأكمل السعي (2تى8،7:4). راجع تفسير (يو17 : 1–5، 22).
آية 8 "وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي»."
هؤلاء لا يرثون مع المسيح بل نصيبهم في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت. الخائفون = أي الجبناء الذين ينكرون الإيمان خوفا على حياتهم الزمنية ومصالحهم المادية. وهؤلاء أشر الفئات لذلك تصدروا القائمة. ولكن من الذي ينكر؟ لا ينكر إلا الضعيف. وإذا كان الروح القدس هو روح القوة (2تى7:1). والروح القدس هو الذي يشهد فينا إذا وقفنا أمام الملوك والولاة (مت20،19:10) إذًا فالذي ينكر هو الخالي من النعمة، أي غير المملوء من الروح القدس، الذي لم يشعر في حياته بالاحتياج، ولم يطلب في حياته الامتلاء من الروح القدس، هو من انشغل بالزمنيات تاركا الروحيات، هذا الإنسان حينما تأتي عليه ساعة يطالبونه بإنكار الإيمان سينكره. هذا لم يستفد من عمل المسيح.
السحرة = من يستخدمون قوة الشيطان.
سؤال:- هل الخائفون أشر من غير المؤمنين والسحرة حتى يتصدروا القائمة؟ قطعا. فالخائف هو مؤمن وله كل الإمكانيات حتى يمتلئ ويغلب (يمتلئ بالروح القدس) ولكنه أهمل وتكاسل وتراخي، ولم يعد يثق في الله. ولو فهمنا أن الروح القدس هو مَنْ يجدد طبيعتنا فنصير خليقة جديدة، وأن الخلاص هو لمن صار خليقة جديدة في المسيح (تى3: 5 ، 6 + 2كو5: 17 + غل6: 15). وأن الروح القدس يعمل ويجدد من إمتلأ بالروح القدس. إذًا نفهم أن هذا الخائف الذي ليس لديه روح القوة هو غير ممتلئ من الروح القدس روح التجديد. إذًا هو ليست له الخليقة الجديدة التي بها يخلص، وبالتالي لا خلاص له. ولذلك يطلب القديس بولس الرسول منا "إمتلئوا بالروح .." (أف5: 18).
عبدة الأوثان = يدخل فيها عبادة الذات والشهوات والمال...
جميع الكذبة = هم أتباع الشيطان الكذاب (يو 44:8) والشيطان هو الكذاب وأبو الكذابين. وهؤلاء يستخدمون الغش والخداع في معاملاتهم. ويدخل مع هؤلاء أتباع الوحش.
آية 9 "ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتِ الْمَمْلُوَّةِ مِنَ السَّبْعِ الضَّرَبَاتِ الأَخِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلًا: «هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْخَرُوفِ»."
إذا كان الملاك قد حمل جامًا يسكب منه ضربات، فليس معنى هذا أن الملاك يحمل مشاعر كراهية للبشر، بل هو ينفذ أحكام الله العادلة ضد الأشرار. وهنا نرى فرح الملائكة بما أعده الله من مجد للبشر. هنا الملاك يعلن عن قلبه المملوء محبة للكنيسة. ولكن هناك من له مجد عال (جبل عظيم) آية (10) وهناك من له ضربات. والملاك يعلن عدل الله بهذا وذاك. وهذا معنى السيف المتقلب الذي كان مع الكاروبيم شرقيّ جنة عدن (تك3: 24). فالسيف هو كلمة الله، ومتقلب لأن له حدان.
الحد الأول :- هو وعود الله للأمناء من المؤمنين، وهؤلاء ستكون شجرة الحياة من نصيبهم. فمعنى أن الملاك يمنع البشر من الأكل من شجرة الحياة هو رفض الله أن يحيا الإنسان إلى الأبد مشوها وفاقدا لصورة المجد. والحد الثاني:- الوعيد لعدم الأمناء بالحرمان منها. وإعلانا عن قداسة الله ورفضه للشر.
الكروبيم شهود أمانة الله الذي لم يُرِد أن يحيا الإنسان للأبد فاقدا صورة المجد بعد سقوطه، بل على الإنسان أن ينتظر فترة حتى يتم الفداء. والكاروبيم شهود على رحمة الله أيضا، إذ أمر الله بوضع كاروبين من ذهب فوق تابوت العهد شهودا على دم الكفارة الغافر. ورأيناهم في (رؤ15: 7) يعطون السبعة الملائكة جامات الغضب الإلهي لينفذوا الضربات وهم بهذا شهود على قداسة الله.
آية 10 "وَذَهَبَ بِي بِالرُّوحِ إِلَى جَبَل عَظِيمٍ عَال، وَأَرَانِي الْمَدِينَةَ الْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ الْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ،"
جبل عظيم = إشارة لأن أورشليم السماوية ستكون مرتفعة جدًا وسماوية، لا يقدر إبليس وهو في بحيرة النار أن يصل إليها أو يقترب منها. وأيضًا في قوله جبل عظيم إشارة لثباتها وعدم اهتزازها. ولكن لعلوها السمائي لا يستطيع مخلوق أن يصل إليها. لذلك رآها القديس يوحنا نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ لتأخذ شعب الله إلى السماويات. وهذا ما عمله السيد المسيح الذي نزل من السماء ليحملنا فيه إلى حضن الآب السماوي. وهذا ما قاله لنا الرب يسوع ووعدنا به "وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 3). وهكذا قال الرب يسوع عن نفسه "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو3: 13). فالرب نزل من السماء ليصعدنا للسماء لنبقى معه أبديًّا في السماء.
آية 11 "لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ."
لها مجد الله.. كحجر يشب = سمعنا من قبل أن الله الجالس على العرش في المنظر شبه حجر اليشب (رؤ3:4). وهنا نسمع أن الكنيسة ستكون كحجر يشب. وهذا ما شرحه يوحنا في (1يو2:3) "لم يظهر بعد ماذا نكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر ذاك نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" وشرحه بولس الرسول" الذي سيغير شكل جسد تواضعنا (صحتها جسد وضاعتنا our lowly body) ليكون على صورة جسد مجده" (فى21:3). ومجد الكنيسة ليس من ذاتها بل من الله، الله يعطي مجده لعروسه "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني" (يو22:17) نحن سنعكس الأمجاد الإلهية. سيكون لنا جسد ممجد ليس من نفسه ولكن لأن مجد الله ينعكس عليه وسيكون لنا جسدا نورانيا ليس من نفسه ولكن لأن نور الله ينعكس عليه وهذا معنى "لأننا سنراه كما هو" (1يو2:3).
آية 12 "وَكَانَ لَهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَال، وَكَانَ لَهَا اثْنَا عَشَرَ بَابًا، وَعَلَى الأَبْوَابِ اثْنَا عَشَرَ مَلاَكًا، وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ."
كان لها سور عظيم وعال = الله لها سور من نار (زك 5:2) إذا فالله هو الذي يحميها وهي آمنة تمامًا. ولا تعود تُحارِب إبليس أو تُحارَب من إبليس.
لها اثنا عشر بابًا | = 12 = 3 | { |
المؤمنين بالله مثلث الأقانيم |
} | ||
قاموا من موت الخطية |
× 4 (كل العالم) | |||||
عمل فيهم الأقنوم الثالث |
إذًا رقم 12 هم شعب الله في كل زمان وفي كل مكان، الذين هم لله، ويحيون حياة توبة (أف14:5) ومملوءين من الروح القدس الأقنوم الثالث.
على الأبواب إثنا عشر ملاكا = رأينا رقم 12 باب، حتى يدخل للمدينة السماوية كل شعب الله في كل زمان ومكان. ووجود ملائكة على الأبواب إشارة لأنهم يمنعون دخول الشياطين وغير المستحقين كما وقف قديمًا كاروب على باب الجنة.
وأسماء مكتوبة هي أسماء أسباط بني إسرائيل = لا تفهم بمعنى حرفي وإلا فلن يدخل إبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب ونوح، فهم ليسوا من نسل الأسباط، ولكن المعنى أن أبرار شعب العهد القديم سيدخلون، فالأبواب مفتوحة لشعب العهد القديم والجديد. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هي كنيسة واحدة، هي إسرائيل الله (غل16:6). ولكن هذه الكنيسة تبدأ من العهد القديم، هي بدأت بآدم ثم نسله ثم الأسباط ثم كنيسة العهد الجديد التي يمثلها أيضًا 12 تلميذًا بنفس المعنى.
ولكن الأبواب نُسِبَت للعهد القديم، فآباء وأبرار العهد القديم كانوا المدخل لكنيسة المسيح. أما الأساسات (آية 14) فَنُسِبَت لتلاميذ المسيح الذين علَّموا وكرزوا بالمسيح ابن الله، وهذا هو الإيمان الذي أسماه السيد المسيح ("الصخرة" أو "الأساس") الذي تُبْنَى عليه الكنيسة (مت16: 18). وهذا أيضًا تعليم بولس الرسول (أف2: 20). وكان هذا الإيمان الذي هو الصخرة سبب كتابة القديس يوحنا لإنجيله (يو20 : 31). ونرى من تعليم (رسالة رومية 3: 25) أن المسيح برر بدمه أبرار العهد القديم كما برر قديسي العهد الجديد (رو3: 26). وهذا أيضًا معنى رجوع الظل في قصة شفاء حزقيا الملك (2مل20).
فكنيسة العهد الجديد هي امتداد لإسرائيل. أما اليهود الذين لم يؤمنوا بالمسيح بعد أن أتى المسيح فهم حكموا على أنفسهم بالخروج من إسرائيل الله (الزيتونة رو11)، هم أغصان قطعت من الزيتونة. ولفظ *إسرائيل الله يعني الكنيسة الكبيرة الممتدة شرقا وغربا عبر الزمان، التي بدأت بشعب العهد القديم وممتدة حتى الآن في كنيسة المسيح (هذه الكنيسة هي الزيتونة الواحدة). وبالتالي فاليهود غير المؤمنين غير مستطيعين الدخول من الأبواب الـ12. فهم أغصان تم قطعها. الأبواب نُسِبَت لأباء العهد القديم. شعب الله في العهد القديم والعهد الجديد يُشَبَّه بشجرة زيتون، هي زيتونة واحدة. بدأت بآباء العهد القديم (إبتداءً بأبينا آدم وأمنا حواء ... حتى إبراهيم وإسحق ويعقوب ثم الأسباط. – وأيضًا شعب نينوى مثلًا - أفبعد التوبة المدهشة العظيمة لشعب نينوى – هل يعود الله ويهلكهم؟!). وهي مستمرة بشعب الله في العهد الجديد. ولكن كل الداخلين إلى أورشليم السماوية هم مبنيين على أساس إيمان أسسه السيد المسيح "فيسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8)، وعَلَّم به وكرز به رسل المسيح الـ12 في كل العالم، هذا الذي تأسست عليه الكنيسة. وقيل عن نبوات الأنبياء "فإن شهادة يسوع هي روح النبوة" (رؤ19: 10). فكان كل الأنبياء يشيرون للمخلص يسوع المسيح. لذلك كان شعب العهد القديم يحيا في ظلال هذا العهد الجديد (عب10: 1).
*إسرائيل الله:- من عادة العبرانيين أنهم إذا أرادوا أن يشيروا لضخامة الشيء أضافوا اسم الله على هذا الشيء. فلو قالوا جيش الله فهو جيش ضخم، ولو قالوا جبل الله فهو جبل ضخم. فإسرائيل الله تشير للكنيسة الضخمة التي شملت كل العالم.
آية 13 "مِنَ الشَّرْقِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الشِّمَالِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الْجَنُوبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الْغَرْبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ."
ثلاثة أبواب من كل جهة. حتى أن كل من يؤمن بالله مثلث الأقانيم، وعمل فيه الروح القدس، وكان حيًا أي تائبا، قام من موت الخطية، وكانت له بذلك القيامة الأولى... هذا يمكنه الدخول. ولأي إنسان من كل جهات العالم الأربعة.
آية 14 "وَسُورُ الْمَدِينَةِ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَسَاسًا، وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ الْخَرُوفِ الاثْنَيْ عَشَرَ."
سور المدينة = السور هو لحماية مَنْ هم بداخل المدينة، والله بنفسه هو سور مِنْ نار لحماية شعبه (زك2: 5)، فَمَنْ هم الذين يحميهم السور؟ الحماية هي لِمَنْ لهم أساس.
إثنا عشر أساسا = هي أساسات السور وعليها أسماء رسل المسيح = رسل الخروف الاثني عشر = حماية الله إذن مبنية على أساس الإيمان بالمسيح، لذلك فاليهود رافضي المسيح لن يدخلونها. وكل أنبياء العهد القديم قد تنبأوا عن مجيء المسيح. لذلك قيل أن شهادة يسوع هي روح النبوة (رؤ10:19) وهذا ما قاله بولس الرسول "مبنيين على أساس الرسل" (أف20:2) أي تعاليم وكرازة الرسل بالمسيح.
آية 15 "وَالَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كَانَ مَعَهُ قَصَبَةٌ مِنْ ذَهَبٍ لِكَيْ يَقِيسَ الْمَدِينَةَ وَأَبْوَابَهَا وَسُورَهَا."
في الآيات القادمة نجد أن الله يدعو الملائكة ليتعرفوا على السكان الجدد الذين سيشاركونهم مدينتهم أورشليم السماوية إلى الأبد، من هم ومن أين وكيف أتوا. وما هي مواصفاتهم. كان الملائكة يرون خطايا هؤلاء البشر ونقائصهم وهم على الأرض، وها هم يجدونهم وإذ بهم كاملين في المسيح. ويعلن لهم الله أنهم إنما وصلوا لهذا المكان نتيجة لحمايته لهم وذلك لأنه يحبهم جدًا. وهذا مما يسعد الملائكة قطعًا، فهم يحبون ويفرحون بمن يحبهم الله. وهم كانوا يفرحون بخاطئ واحد يتوب (لو15: 7 ، 10). والملائكة يفرحون أيضًا لأن هؤلاء مجدوا الله في حياتهم إذ آمنوا به، والله كَمَّلَهم إذ ثبتهم فيه.
قَصَبَةٌ = هي قصبة قياس، لقياس المدينة ومعنى هذا:-
1. القياس يتم لتحديد نصيب ميراث كل شخص من تركة معينة. قال المرنم في المزمور "حبال (المُناظرة للقصبة هنا وبها يتم تقسيم الأرض لتوزيع الميراث) وقعت لي في النعماء فالميراث حسن عندي" (مز6:16). ولكن المعنى هنا أننا نحن - كنيسة المسيح، عروس المسيح، الزيتونة الواحدة - صرنا ميراث الرب أو نصيب الرب. والقياس هنا كأن الله يقول هؤلاء هم أولادي، نصيبي، الذين يرثون المجد مع ابني. وهكذا قال بولس الرسول عن شعب الله أنهم ميراث الرب "ما هو غنى مجد ميراثه في القديسين" (أف18:1).
2. القصبة ثابتة وليست مثل الحبل. والمعنى أن القياس لا يوجد فيه أي احتمال للخطأ. إذًا أبناء الله معروفين بالواحد ومقاسين من قِبَل الله ومحفوظين لديه. هؤلاء هم القطيع الصغير، الـ100 خروف الذين لو ضل واحد منهم يذهب الراعي يسوع وراءه ليرده، هؤلاء هم الـ153 سمكة (راجع تفسير يو21).
3. نحن سيكون لنا ميراث سماوي في المجد، والأروع أننا سنكون نحن ميراث الرب.
4. جمال هذه الآية أننا سنصير ميراث الرب. ولاحظ أن البشر يتصارعون للحصول على ميراثهم الأرضي، فالميراث شيء يستحق التمسك به والصراع عليه. وهذا ما تقوله هذه الآية أن قيمتنا عند الله غالية جدًا فاستحق البشر ليس أن يتصارع الله ليكونوا ميراثا له بل أن يتجسد ويموت حتى لا يضيع ميراثه. ويقول الرب "الذين أعطيتني حفظتهم، ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك.." (يو17: 12).
5. مِنْ ذَهَبٍ = أي أن سكان المدينة قد قيسوا بمقاييس البر، المقاييس السماوية (فالذهب رمز للسماويات) فوُجِدوا مستحقين فهم تبرروا بدم المسيح، وصارت لهم الطبيعة السماوية.
آية 16 "وَالْمَدِينَةُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً مُرَبَّعَةً، طُولُهَا بِقَدْرِ الْعَرْضِ. فَقَاسَ الْمَدِينَةَ بِالْقَصَبَةِ مَسَافَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ غَلْوَةٍ. الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالارْتِفَاعُ مُتَسَاوِيَةٌ."
نجد هنا أن المدينة مكعبة أي أن طولها = عرضها = ارتفاعها وإذا رجعنا لخيمة الاجتماع أو الهيكل لوجدنا أن قدس الأقداس وحده هو الذي له هذه المواصفات أي مكعب. وقدس الأقداس يشير لعرش الله في السماء، وهو مكعب إشارة لأن صفات الله كلها متساوية، كمالات الله كلها متساوية. هو كامل كمال مطلق، غير ناقص في شيء. لو تمتع إنسان مثلًا بصفة الرحمة تجد رحمته تسود على عدله والعكس صحيح، أما الله فصفاته كلها كاملة فهو الكامل وحده في كل شيء. والآن نسمع أن أورشليم السماوية ستكون مكعبة أي ستصير كاملة، وذلك راجع لسكنى الله فيها، أو ليست هي مسكن الله مع الناس (آية 3). فالله سيعطيها من كماله لتصير كاملة في نظر السمائيين وسيفرحوا بها. وكمالنا نحن البشر راجع لأننا سنكون ثابتين في المسيح الكامل (كو1: 28).
هنا سيدرك الملائكة بالأكثر عمل المسيح العجيب، وكيف أنه حوَّل البشر الضعفاء الذين كانوا يسقطون دائما إلى بشر لهم طبيعة سماوية. هذه هي قدرته، هو وحده القادر أن يُخْرِج من الموت حياة، ومن الجافي حلاوة ومن الآكل أُكُل (قض14: 14).
فقاس المدينة = الملاك صار يدرك الآن ماذا صار للبشر من كمال.
12000 غلوة = هذه حوالي 4500 كم فهي متسعة جدًا. ولكن ليس هذا الرقم (الـ4500 كم) هو ما يهمنا، بل الـ(12000 غلوة) أي 12×1000 أي شعب الله الذين يحيون الآن في السمائيات. فرقم 1000 هو رقم السمائيات.
شعب الله الآن صار سماويًّا.
آية 17 "وَقَاسَ سُورَهَا: مِئَةً وَأَرْبَعًا وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، ذِرَاعَ إِنْسَانٍ أَيِ الْمَلاَكُ."
قاس سورها 144 ذراع. ذراع إنسان أي الملاك 144 ذراع أي حوالي 70 مترًا. وهذا الطول يعتبر لا شيء بالنسبة لارتفاع المدينة نفسها والمقدر بحوالي 4500 كم. ولكن ليست الأبعاد هي التي تهمنا بل ما تشير له الأبعاد من معاني ورموز.
فكون أن المدينة لها سور، فهذا يعني الحماية. وإذا فهمنا أن الله كان يحمي شعبه في العهد القديم والعهد الجديد، وكان لهم سور من نار (زك5:2) فبالأولى، فإن الله يحمي شعبه وهم في السماء. فالسور يشير لحماية الله لشعبه في العهدين القديم والجديد بينما كانوا على الأرض (زك2: 5)، ويحميهم أيضا في السماء = وَقَاسَ سُورَهَا = سور أورشليم السماوية. وكون السور 144 ذراعًا فهذا إشارة لأن الله كان يحمي شعبه في العهد القديم وفي العهد الجديد (144 = 12×12). فنظرا لضعف الإنسان فهو محتاج لحماية الله. فالإنسان ضعيف وليس كالملائكة. فالملائكة بطبيعتهم أقوياء إذ ليس لهم أجساد ضعيفة. وكون الملاك يقيس هذا السور، فهذا يعني أن الملاك صار يتصور كمية الحماية التي كان الله يحيط بها شعبه. وأن الكل كان ينعم بهذه الحماية عبر التاريخ وكون الملاك كان يقيس بذراع إنسان وليس بذراع ملاك فهذا يعني أنه صار يتصور لزوم هذه الحماية للإنسان الضعيف بسبب جسده وأنه الآن هنا في أورشليم السماوية بسبب تلك الحماية. لقد صار الملائكة يعطون عذرا للبشر في سقطاتهم المتكررة، لقد صاروا يشعرون بضعفهم كبشر وأهمية الحماية التي كان الله يحيطهم بها. ربما في وقت من الأوقات كان الملائكة يندهشون كيف يقبل الله إنسان صنع هذه الخطايا ربما ما كانوا يفهمون، كيف يكون للبشر نفس مجد الملائكة. ولكن كون أن الملاك يقيس السور بذراع إنسان فهذا يعني أنه أصبح يعطي عذرًا للبشر فيما كانوا يفعلونه. وصار يمجد الله على حمايته للبشر التي بدونها ما كان للإنسان أن يدخل هذا المكان، ويمجد الله القادر أن يُخرِج من الجافي (الإنسان الخاطئ) حلاوة (الإنسان في المجد) ومن الضعف قوة.
ولكن السور أيضًا يشير لأن من في المدينة ما عاد معرضا للخروج منها ثانية، كما خرج الإنسان مرة من الجنة، ما عاد الإنسان قابلا للسقوط. ولن يدخل لهذه المدينة شيطان مرة أخرى ولا حيَّة فالشيطان الآن في بحيرة النار.
آية 18 "وَكَانَ بِنَاءُ سُورِهَا مِنْ يَشْبٍ، وَالْمَدِينَةُ ذَهَبٌ نَقِيٌّ شِبْهُ زُجَاجٍ نَقِيٍّ."
بناء سورها من يشب والمدينة ذهب شبه زجاج نقي = اليشب شفاف، والذهب معدن غير شفاف. والمعدن قوي والزجاج شفاف وهش ولكن المعنى كله رمزي. فإذا فهمنا أن اليشب يشير لله نفسه (رؤ3:4) والذهب يشير للسمائيات. والزجاج للشفافية يكون المعنى أن الله نفسه هو سور المدينة السمائية التي تحيا في شفافية بعد أن تخلص البشر من كثافة الأجساد المادية، سيكون السمائيون من البشر لهم صفة النقاوة والشفافية والحياة السماوية. والله يحرس هذه الصفات، وما عاد إبليس قادر أن يسقطهم ثانية من هذه الحياة السمائية. بعد أن كان يحاربهم فيها وهم على الأرض وَيُسْقِطهُم أحيانًا (أف6: 12). وقوله وَالْمَدِينَةُ ذَهَبٌ نَقِيٌّ شِبْهُ زُجَاجٍ نَقِيٍّ = فهذا يشير لحياتنا هناك التي ستكون سماوية، وسنحيا في شفافية، لا يوجد في داخلنا شر أو خبث نخفيه. ولاحظ أن الوحى يذكر أن الله هو الذي يحمى المدينة، ثم يذكر مواصفات المدينة. وكون الوحى يذكر الحماية الإلهية لسكان المدينة السماوية وفي نفس الآية يذكر مواصفات شعبها، فيفهم من هذا أن الله يحمى هذه المواصفات أي الحياة السمائية والشفافية. وبهذا نطمئن لعدم إمكانية سقوطنا مرة أخرى كما سقط الشيطان. فصفة الشفافية بالذات تعنى أنه لن يوجد داخلنا أفكار خبيثة كما وُجِدَ في داخل الشيطان فكر كبرياء على الملائكة ثم فكر التساوى مع الله "وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. (إش14: 13-14). مثل هذه الأفكار الخبيثة هي التي يحاول الإنسان أن يداريها. وفكرة أن يدارى أحد أو يخفى أحد فكرٌ ما يكون هذا ضد الشفافية التي يؤكد الله أنها ستكون صفة لنا في السماء هو يحميها كسور لأورشليم السمائية. أي أن الله يؤكد لنا أنه لن يحدث لنا ما حدث للشيطان ودخل فيه فكر كبرياء أسقطه. إذًا نحن سنكون في السماء في حماية إلهية من أي أفكار داخلية تهاجمنا كما حدث مع الشيطان، وسنكون أيضًا في حماية من أي غواية خارجية، فالشيطان في البحيرة المتقدة بالنار، ولا يمكنه الدخول لأورشليم السمائية.
لاحظ أن المدينة بِنَاءُ سُورِهَا مِنْ يَشْبٍ، أي أن الله هو الذي يحميها. بينما أنه في الآية 11 أنه قال عن المدينة "وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ" لأن المدينة والساكنين فيها سيعكسون مجد الله ونوره، ولكن المجد والنور ليسا من طبيعة البشر الساكنين فيها. لذلك قال عن المدينة شبه أكرم حجر كحجر يشب. فالمجد هو طبيعة الله وحده، الله هو أبو المجد أي أن المجد يُشِّع منه (أف1: 17). أما نحن فسيكون لنا الجسد الممجد والنورانى حينما نراه كما هو، كما قال القديس يوحنا "وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لِأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ" (1يو3: 2). فمجد المدينة ونورها ولمعانها، ومجد البشر في السماء ليس من طبيعتهم ولكن هو إنعكاس لمجد الله عليهم. أما السور فقيل عنه وَكَانَ بِنَاءُ سُورِهَا مِنْ يَشْبٍ وهذا لأن الله بنفسه هو الذي يحميها.
آيات 20،19 "وَأَسَاسَاتُ سُورِ الْمَدِينَةِ مُزَيَّنَةٌ بِكُلِّ حَجَرٍ كَرِيمٍ. الأَسَاسُ الأَوَّلُ يَشْبٌ. الثَّانِي يَاقُوتٌ أَزْرَقُ. الثَّالِثُ عَقِيقٌ أَبْيَضُ. الرَّابِعُ زُمُرُّدٌ ذُبَابِيٌّ الْخَامِسُ جَزَعٌ عَقِيقِيٌّ. السَّادِسُ عَقِيقٌ أَحْمَرُ. السَّابِعُ زَبَرْجَدٌ. الثَّامِنُ زُمُرُّدٌ سِلْقِيٌّ. التَّاسِعُ يَاقُوتٌ أَصْفَرُ. الْعَاشِرُ عَقِيقٌ أَخْضَرُ. الْحَادِي عَشَرَ أَسْمَانْجُونِيٌّ. الثَّانِي عَشَرَ جَمَشْتٌ."
سمعنا أول مرة عن الأحجار الكريمة في الجنة (تك12:2). وكان ذلك قبل السقوط. وسمعنا عن الأحجار الكريمة على كتف وعلى صدرة رئيس الكهنة الذي كان رمزًا للمسيح. والمعنى أن أولاد الله هم الأحجار الكريمة التي يحملها على كتفه ويضعها في قلبه ، ولأجلهم خلق الجنة ليضعهم فيها، ولما خسروها جاء كرئيس كهنة ليحمهلم فيه مرة أخرى وليعود بهم للسماء. هو بفدائه كان رئيس كهنة أعادنا لأورشليم السماوية ولنكون أحجارا كريمة في بيت أبينا السماوي.
ولأن هذه الأحجار موجودة في أساسات السور. والسور يشير لحماية الله.
إذًا نفهم أن حماية الله لأورشليم السماوية مؤسسة على محبة الله لأولاده، هو يحميهم لأنه يحبهم، كأب يحمى أولاده. فهم في نظره كأحجار كريمة.
ولأجل محبة الله لأولاده أسس لهم هذه المدينة السماوية وجَمَّلَهم فصاروا كأحجار كريمة. صار الله الصناع الماهر (نش7: 1)، نحات الحجارة الثمينة. فهم يجدون الحجارة الثمينة في الأرض ولكن الصناع الماهر يصقلها فتخرج في أبهى صورة.
أورشليم السماوية هذه هي التي تجسد المسيح ومات وقام وصعد للسماء ليُعِدَّها لشعبه الذي أحبه. حب المسيح لشعبه، وقيمة شعبه عنده كأحجار كريمة هي الأساس في تأسيس أورشليم السماوية كمسكن الله وسط أولاده، وسيأتى ليأخذنا لنسكن معه فيها (يو14: 3). ويقوم الله بنفسه بحماية هذه المدينة وحمايتها لمحبته لسكانها. ألم يقل الله عن الكنيسة في سفر إشعياء "لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: «هَأَنَذَا أُدِيرُ عَلَيْهَا سَلَامًا كَنَهْرٍ، وَمَجْدَ ٱلْأُمَمِ كَسَيْلٍ جَارِفٍ، فَتَرْضَعُونَ، وَعَلَى ٱلْأَيْدِي تُحْمَلُونَ وَعَلَى ٱلرُّكْبَتَيْنِ تُدَلَّلُون. كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هَكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا، وَفِي أُورُشَلِيمَ تُعَزَّوْنَ" (إش66: 12-13).
وهناك تفسير آخر مُكَمِّل للتفسير الأول أن الوحي استخدم التشبيه بأحجار كريمة لأن في هذا تعبير عن جمال وبهاء أورشليم السماوية بأقصى ما تستطيع اللغة البشرية. عموما فإن أولاد الله هم زينة أورشليم السماوية.
وراجع (رؤ12:3) لنرى أن مَنْ يغلب من أولاد الله المؤمنين يكون عمودًا في هيكل الله. والعمود يُستخدم:-
1- لتدعيم المبنى. 2- للزينة. وبهذا نرى أهمية أولاد الله في نظره.
وفيما يأتي محاولة لفهم بعض خواص أورشليم السماوية وصفات شعبها أولاد الله فيها.
يَشْبٌ
= إذًا لها شفافية الله ومجد الله. ستكون كلها محبة نقية لا مكان فيها لكراهية فاليشب اتُّخِذَ رمزًا لله نفسه (رؤ3:4). وقارن مع (1يو3: 2) ومع (فى3: 21).ياقوت أزرق = هي سماوية ارتفعت تمامًا عن مجد وملذات الأرض.
عقيق أبيض = نقية وطاهرة بلا خطية.
زمرد ذبابي = لونه أخضر إشارة لدوام الحيوية.
جزع عقيقي = لونه أحمر إشارة لانتصارها على أعدائها (رؤ20،19:14).
عقيق أحمر = كل من فيها مفدى بالدم.
زبرجد = أنقى أنواع الذهب، رمزًا للكمال السمائي بلا نقص أرضي فلا أجساد ناقصة لمن هم هناك. الزبرجد ذهب لا يوجد به أي شوائب.
زمرد سلقي = لونه كالبحيرة الهادئة، رمزًا للصفاء والسلام الذي يسود هناك.
ياقوت أصفر = النار تزيده لمعانا، وإلهنا نارًا آكلة. فوجودنا هناك أمام الله يزيدنا بهاءً ولمعانًا.
عقيق أخضر = تأكيد على دوام الحيوية ودوام النمو.
أسمانجوني = يمتاز بالصلابة. يكسر أي شيء ولا شيء يكسره فهو رمز للخلود.
جمشت = يمتاز بالجاذبية المغناطيسية. هكذا سنكون منجذبين للمدينة السماوية لا نريد تركها.
هذه مجرد محاولة لفهم ما تعنيه تلك الأحجار الكريمة. والمعنى العام أن حياتنا هناك ستكون بشكل مجيد مختلف عما نحياه هنا. الله سيعطينا فضائل. وكل منا سيتميز عن غيره، "برهم من عندي يقول الرب" (إش11:54-17) نحن بالفضائل التي سيعطيها لنا الله سنكون كحجارة كريمة. واختلاف أنواع الحجارة الكريمة يشير لأن كل ابن للملكوت يتزين بزينة إلهية مختلفة عن أخيه لكنها ثمينة وجميلة وفي تكامل بينها وبين بعضها البعض.
آية 21 "وَالاثْنَا عَشَرَ بَابًا اثْنَتَا عَشَرَةَ لُؤْلُؤَةً، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الأَبْوَابِ كَانَ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ. وَسُوقُ الْمَدِينَةِ ذَهَبٌ نَقِيٌّ كَزُجَاجٍ شَفَّافٍ."
المسيح هو الباب الذي تدخل فيه الخراف (يو9،7:10) والمسيح هو اللؤلؤة الواحدة كثيرة الثمن (مت46:13). وهناك بالتالي باب واحد من لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن. فمن باع أمجاد الأرض التي هي لآليء كثيرة ليشتري هذه اللؤلؤة الواحدة كثيرة الثمن (المسيح) سيجد نفسه قد دخل من الباب إلى أورشليم السماوية. ولماذا هناك 12 باب لأن الدخول لكل المؤمنين الآتين من كل مكان ومن كل اتجاه (رقم 4) بشرط أن تكون لهم قيامة مع المسيح (القيامة رقمها 3). إذًا المعنى أن كنيسة المسيح، هؤلاء الذين أتوا للمسيح (رقم 12) ليتحدوا به صاروا واحدا فيه، فهو اللؤلؤة الوحيدة كثيرة الثمن. إنما قوله 12 لؤلؤة فهو للتعبير عن شعبه (12) الذين صاروا واحدا فيه. كل واحد يأتي للمسيح اللؤلؤة الواحدة كثيرة الثمن له دخول من الباب الذي هو المسيح، ولكن من يأتي يتحد بالمسيح الواحد فيصير الكل واحدا. وكيف نتحد بالمسيح؟ هذا عمل الروح القدس في الكنيسة الذي يثبتنا في المسيح (2كو1: 21، 22).
هذه كما قيل عن الروح القدس الواحد أنه سبعة أرواح الله (رؤ3: 1) تعبيرا عن عمله الكامل مع الكنيسة، أي عمل الروح القدس مع المؤمن من خلال الأسرار السبعة ليثبت المؤمن في المسيح. فنجد أننا نولد من الماء والروح في المعمودية ثابتين في المسيح. ثم يستمر عمل الروح القدس من يوم المعمودية حيث يسكن فينا بالميرون، ويستمر عمله معنا بالتبكيت والمعونة لنستمر ثابتين في المسيح إلى النفس الأخير، فنخلص. الروح القدس يثبت الكل في المسيح الواحد. بل أن عمل الروح القدس يبدأ مع غير المؤمنين من الخارج أي دون أن يسكن فيهم، ويحاول إقناعهم ليؤمنوا بالمسيح. فالروح القدس يسكن في المعمدين بعد سر الميرون. وهذا ما قاله القديس بولس الرسول "وليس أحد يقدر أن يقول: «يسوع رب» إلا بالروح القدس" (1كو12: 3).
وهنا نقول أن هناك 12 باب هم 12 لؤلؤة مع أن المسيح واحد والمعنى أن الدخول لكل المخلصين من المؤمنين في العالم. فالروح القدس بعمله الكامل في الكنيسة (7) يثبت شعب الله الـ(12) في المسيح الواحد اللؤلؤة الوحيدة كثيرة الثمن، والذي هو الباب الوحيد للدخول. والقيامة معناها أن المؤمن قد إعتمد وقام متحدا مع المسيح (رو3:6-5) ثم ظل متحدا بالمسيح بحياة التوبة. وأن الروح القدس الأقنوم الثالث قد ثبته في المسيح فلا دخول إلا لمن ظل ثابتا في المسيح وهذا عمل الروح القدس. وهذا نراه في تقسيم الجسد في سر الإفخارستيا، فالكاهن يقسم القربانة إلى 12 جزء + الإسباديقون.
الإسباديقون يشير للمسيح وحوله شعبه الذي يمثله الـ12 جزءًا. ولكن الكل أي الـ12 جزء هم جسد المسيح الواحد، وهم متحدين بجسد المسيح الواحد.
رقم7 = هو رقم كامل إستخدمه الوحي ليشير لكمال عمل الروح القدس مع الكنيسة أفرادا، ومع الكنيسة ككل. ليهيئ الكنيسة كعروس واحدة لعريسها المسيح.
رقم12 = هو رقم كامل إستخدمه الوحي ليشير لشعب الله من كل زمان ومكان الذين آمنوا بالمسيح وقاموا من موت الخطية، والذين يأتون إليه ويثبتون فيه بعمل الروح القدس، إذ يجدونه اللؤلؤة الوحيدة كثيرة الثمن.
سُوقُ الْمَدِينَةِ = السوق هو مكان التعامل بين الناس وبعضهم البعض.
ومعاملاتنا مع إخوتنا في السماء ستكون على مستوى سمائي ولن نطلب إلا ما يمجد الله، فلن نكون في السماء كما كنا على الأرض متعلقين بأشياء مادية ونفرح بها، بل بأمجاد السماء التي يمثلها هنا الـ = ذَهَبٌ نَقِيٌّ. وفي نقاء = كَزُجَاجٍ شَفَّافٍ = في السماء لن تكون هناك شهوات جسدية ولا "أنا في التعامل" ولا حسد ولا حقد ولن يوجد في داخلنا ما نخجل أن يظهر للآخرين ... بل سنكون للأبد في محبة كاملة.
تأمل:-
كانت هدايا المجوس ذهب ولبان ومر.
رمزا لكون المسيح سيكون ملكا = الذهب. وأنه سيتألم = المر وسيكون رئيسًا لكهنتنا ويقدم نفسه ذبيحة شفاعة كفارية = اللبان (أي البخور المصاحب لصلوات الكهنة). فكيف نقدم نحن هذه التقدمات فنفرح قلب المسيح.
الذهب = يشير للحياة السماوية. ولنسأل أنفسنا - كيف سنفرح في السماء؟ ولاحظ قول الرسول عن الفرح "فرح لا ينطق به ومجيد" (1بط1: 8) ونلاحظ أن أفراحنا على الأرض هي بالأكل والشرب والملذات الجسدية. أما في السماء فلن نجوع ولن نعطش ولن تكون هناك ملذات جسدية. فكيف سنفرح؟ الفرح سيكون بشخص الله. وما يفرح قلب الله ويكون كهدية له أن نكتشف هذا الفرح منذ الآن (الجوهرة الكثيرة الثمن). وكيف نكتشف هذا؟ - بالتغصب (هنا يأتي دور المر).
المر = مر الطعم جدًا ولكن رائحته جميلة جدًا. فعلينا أن نغصب أنفسنا ونطيل وقت الخلوة والتسبيح والصلوات. لنقضي أطول وقت مع الله فنكتشف لذة الجلوس مع الله، بل قل لذة شخص الله. وهذا ما قاله المرتل "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز34: 8). وهذا التغصب نسميه الجهاد. ولكن سيكون هذا الجهاد له رائحة جميلة يتنسمها الله كرائحة جميلة، كهدية تفرح قلبه. وهذا ما قاله السيد الرب "ملكوت السموات يغصب" (مت11: 12).
اللبان = ومع الوقت يختفي التغصب لأننا سنكتشف حلاوة شخص الرب، وكلما ازددنا معرفة بالرب نتشبه بالكاروبيم المملوئين أعْيُنًا (أي مملوئين معرفة بالله فهذا معنى مملوئين أعْيُنًا) وهنا لن تعود طلباتنا خاصة بنا، بل سنهتم بالصلاة لأجل كل شخص ولأجل كل الخليقة = وهذا معنى اللبان أي الصلاة من أجل الآخرين. وهذا هو عمل الكاروبيم (راجع رؤ4) بل هنا نتشبه بالله نفسه الذي أخلى ذاته آخذا صورة عبد لأجل البشر. وراجع قول بولس الرسول عن أنواع الصلوات وتفسير هذا في مكانه "فأطلب أول كل شيء، أن تقام طلبات وصلوات وإبتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس" (1تى2 : 1). فهنا ترى أن المسيحي كلما دخل إلى العمق تجد صلواته تتجه للآخرين.
آية 22 "وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلًا، لأَنَّ الرَّبَّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، هُوَ وَالْخَرُوفُ هَيْكَلُهَا."
الهيكل هو مكان لقاء الله مع شعبه، والآن الله ساكن مع شعبه بل هو فيهم وهم فيه، فلا حاجة لوجود هيكل بعد هذا الإتحاد. والهيكل تقدم فيه ذبائح غفرانا للخطايا، والآن لا خطايا يقدم عنها ذبائح. لقد صار لقاءنا مع الله على مستوى الوحدة وفي نقاوة بلا خطية.
آية 23 "وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْخَرُوفُ سِرَاجُهَا."
الله نور، وهو سينير المدينة. وكنا على الأرض نحتاج للظلمة حتى نستريح. والآن لا تعب. بل راحتنا أن نكون في الله ونراه دائما.
آية 24 "وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا، وَمُلُوكُ الأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا."
تَمْشِي= تشير لأن المخلصين يمشون وراء المسيح في خضوع كامل، فلقد انتهى كل تمرد وعصيان وتذمر على أحكام الله. معنى تمشي أنه صار لهم نفس فكر الله بلا أي إعتراض. وراجع قول الرسل " لأنه قد رأى الروح القدس ونحن" (أع15: 28). وقوله أن الشعوب تمشي تشير لأننا لن نكون في السماء في حالة سكون إستاتيكية static، بل في حالة حركة وفرح ونشاط وعمل وتمجيد وتهليل.
وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها = هؤلاء من كان لهم كرامة زمنية، حينما رأوا مجد الله احتقروا كل ما كان لهم من مجد ووضعوه تحت قدمي الله. بل لن يدخل أورشليم السماوية إلا كل من وضع مجده تحت قدمي المسيح بينما هو ما زال على الأرض، أي أثناء حياتهم على الأرض احتقروا كل كرامة زمنية واضعين نصب أعينهم مجد أورشليم السماوية التي يريدون الوصول إليها.
آية 25 "وَأَبْوَابُهَا لَنْ تُغْلَقَ نَهَارًا، لأَنَّ لَيْلًا لاَ يَكُونُ هُنَاكَ."
الأَبْوَابُ مفتوحة لأنه لا خشية من أعداء يأتون إليها، فكلهم الآن في البحيرة المتقدة بالنار. لَنْ تُغْلَقَ نَهَارًا = العادة أن تغلق الأبواب في الليل لا في النهار. فما معنى قوله لن تغلق نهارا. الرد في النصف الثاني من الآية لأَنَّ لَيْلًا لاَ يَكُونُ هُنَاكَ = فإذا كان الله نور المدينة فلن يكون هناك ليل، ولن يكون هناك خوف حتى يغلقوا الأبواب. ولن يكون هناك تعب لننام ونرتاح ليلًا .
والليل هو تعبير عن الشر واللصوص والمؤامرات "خرج يهوذا وكان ليلًا" (يو13: 30). وفي أورشليم السماوية لا يوجد أشرار لكي يغلقوا الأبواب خوفًا منهم أو طلبًا للحماية.
آية 26 "وَيَجِيئُونَ بِمَجْدِ الأُمَمِ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا."
كل مجد الأمم وكرامتهم ستوضع تحت قدمي المسيح.
آية 27 "وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ وَلاَ مَا يَصْنَعُ رَجِسًا وَكَذِبًا، إِّلاَّ الْمَكْتُوبِينَ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ."
هنا نجد حدود من يدخل لأورشليم السماوية. لن يدخلها ولن يوجد فيها إلا كل ما هو نقي ومقدس. لن توجد فيها خطية أو شبه خطية. لن يتعرض من فيها للكبرياء كما حدث مع إبليس، ولن يتعرض من فيها لخداع إبليس كما تعرض أبونا آدم لخداعه فسقط ومات. فإبليس الآن في البحيرة المتقدة بالنار ومعه من تبعوه.
وكرمز لهذه الحماية الإلهية، وعدم عودة المخلصين للسقوط، وجدنا سور من يشب أي أن الله بنفسه يحمي من بداخلها. ووجدنا ملائكة تحرس الأبواب. فمن دخل إلى أورشليم السماوية هو محفوظٌ إلى الأبد وهو في حماية الله نفسه. لقد قيل عن أورشليم القديمة أن الله يكون لها سور من نار ليحميها – ولنا أن نتصور حماية أورشليم السمائية.
الله يعدنا بأنه سيحمينا هناك مِن:-
1. أن نُغوَى كما حدث مع الشيطان وندخل في كبرياء فنسقط.
2. أن يُغوينا الشيطان كما كان يحدث على الأرض.
3. وراجع آية 18 لترى أن الله يحمي الصفات السماوية والشفافية التي صارت لنا. فما عاد هناك أي احتمال للسقوط.
وهذا نراه في *السور (حماية إلهية). *وإلقاء الشيطان في البحيرة المتقدة بالنار ومعه من تبعوه، فما عاد لنا أعداء. *و12 ملاكًا يحرسون الأبواب. بل وكتأكيد لهذه الحماية والثقة في إنعدام فرصة الخطية ثانية، *قيل أن الأبواب لا تغلق نهارا، فلا ليل هناك. ونسمع وعد الله *أنه لن يدخل أورشليم السماوية شيء دنس. والدنس والخطية يشار لهما بالليل.
إذًا لن يكون هناك سوى ما قال عنه القديس بطرس الرسول "فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد" (1بط1: 8). وما قال عنه القديس بولس الرسول "ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان: ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو2: 9).
ملحوظة:- الملائكة خُلقوا في المجد وكان أمام الملائكة في لحظة من الزمن أحد خيارين:- *إما الخضوع لله وهذا عمله ثلثيّ الملائكة وإستمروا في طبيعتهم الملائكية النورانية أمام الله. *وأما الثلث الباقي رفضوا الخضوع بل أراد الشيطان في كبريائه أن يكون مساويا لله (رؤ12: 4 + إش14: 14). فسقطوا وصاروا شياطين في مملكة الظلمة. وهذا الوضع سيستمر للأبد فالملاك بطبيعته لا يتردد ولا يغير قرارا إتخذه.
وماذا عن الإنسان؟ نحن الآن في العالم أمامنا أيضًا خيارين:-
1. إما أن نثبت في المسيح ونملكه علينا عن حب أو قل عن خوف من الهلاك فنطيع وصاياه، وإذا بدأ أحد بالخوف سينتهى بالحب بعد أن يعرف شخص المسيح حين يطيع وينفذ الوصية (مت7: 24 – 27).
2. وإما أن نرفض ونتعدى على وصايا الله غير مكترثين بعقوبة وغير مهتمين بمجد مُعَّدْ. ومثل هؤلاء لن يعرفوا معنى حب الله ولن يتذوقوه.
ومن إختار المسيح هنا وهو على الأرض، فهو إختار المسيح بالإيمان أي دون أن ينظر المجد عيانا، أي بثقة فيما يُرجَى والإيقان بما لم يَرَهُ (عب11: 1). مثل هذا حين يذهب للسماء ويرى المجد عيانا لن يسقط كما سقط الشيطان في الكبرياء، فهو إختار المسيح وآمن به وأحبه دون أن يرى، وطوبى لمن آمن ولم يرى. وأضف لذلك كل وعود الحماية لمن هم في السماء كما رأينا سابقا. لذلك فمن دخل السماء فهو غير قابل للسقوط ثانية.
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرؤيا 22 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الرؤيا 20 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/92xz3xf