محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
سفر رويا يوحنا الإنجيلي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15
أجل الوحي الحديث عن معركة هرمجدون التي سمعنا عنها في نهاية الإصحاح السابق، ليعود ويحدثنا عنها في نهاية الإصحاح التاسع عشر. أما في هذا الإصحاح فيحدثنا عن توقيت ظهور الوحش ثم في الإصحاح الثامن عشر يحدثنا عن خراب مملكة الشر في العالم، لإظهار غلبة المسيح على أعدائه وهي نهاية محتومة. وفي بداية إصحاح 19 نرى تهليل السمائيين بغلبة المسيح وظهور مجده وقداسته وعدله وانتصاره، وفرح شعبه معه في السماء.
أية 1 "ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتُ وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلًا لِي: «هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ الزَّانِيَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَالِسَةِ عَلَى الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ،"
ثم جاء واحد من السبعة الملائكة = هؤلاء الذين يسكبون جامات الغضب. هذا أتى ليوحنا ليريه أن الأشرار المكنى عنهم بالزانية العظيمة، هم يستحقون هذه الضربات. ويسميها هنا بالزانية = لأنها تنحرف بالناس بعيدا عن الله. ويسميها العظيمة = من فرط قوة تأثيرها على الناس. والكتاب يسمي "عبادة الأصنام": "زنا روحي". الجالسة على المياه الكثيرة = من آية 15 نفهم أن المياه الكثيرة هي شعوب وجموع وأمم وألسنة بخيراتها التي وهبها لها الله لتمجده، فاستخدمت الخيرات لتستمتع بها بعيدا عن الله، بل استخدمتها هذه الزانية في الشر، وهذا ما نسميه في الروحيات العالم، فالله خلق العالم لنستخدمه، فصار:
1. إلهًا نتعبد له كالمال والجنس.
2. صار استخدامنا له في الشر.
← انظر التعليق على هذه الآية أسفل شرح هذا الأصحاح.
أية 2 "الَّتِي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، وَسَكِرَ سُكَّانُ الأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا»."
التي زنى معها ملوك الأرض= ربما يعني بملوك الأرض، الملوك فعلا، فهم أكثر انغماسا في الملذات، ولكن غالبًا فالمقصود بملوك الأرض= الناس الأشرار الذين يستمتعون بالخطايا المحرمة. وقارن هذا بأولاد الله الذين أسماهم ملوكا وكهنة (رؤ6:1) فملوك الأرض هؤلاء امتلكوا ملذات وشهوات العالم الخاطئة وظنوا أنهم امتلكوا كل شيء، وفي الحقيقة هم امتلكوا أوهام فالعالم باطل الأباطيل... هؤلاء قال عنهم الرب يسوع في قصة الغنى ولعازر "قال إبراهيم (للغنى) يا ابني أذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك" (لو16: 25). هؤلاء تصوروا أنهم إمتلكوا كل ما إشتهوه من ملذات وشهوات أرضية.
أما أولاد الله الملوك الحقيقيين هم امتلكوا إرادتهم وامتلكوا وعودًا مؤكدة بميراث سماوي، ولإيمانهم بهذا الميراث تحكموا في شهواتهم فما عادت هذه الشهوات تستعبدهم فصاروا ملوكًا أحرارًا، بل هم ككهنة قدموا أجسادهم ذبيحة حيَّة وصلبوا أهوائهم فحصلوا على الحرية الحقيقية التي للملوك، وما عادوا عبيدا لملذات وشهوات الأرض. هم كملوك ما عاد يسيطر عليهم شيء من شهواتهم.
سكر سكان الأرض من خمر زناها = فالخطية كالخمر يَنْتَشي بها الإنسان للحظات ثم يكتشف أنها دمرت حياته. والخمر تجعل الإنسان: أ) يسكر والسكران يترنَّح ويتطوَّح. ب) الخمر هي الماء المالح الذي يشرب منه الإنسان فيعطش (يو4: 13) ويطلب المزيد من هذه الخطية فالزانى لا يكتفى بل يطلب المزيد دائمًا (سليمان لم يكتفى بـ999 امرأة وأضاف أخرى ليصبح له 1000 امرأة). ويصل الإنسان لما يُسَمَّى الإدمان وهو إرتباط يصعب جدًا فَكُّه مع الخمر. ج) الزانى ينفصل عن الله لأنه لا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14). د) روحيًّا خطية الزنا تجعل الزانى يتطوَّح بعيدًا عن الله كلما ازداد إرتباطه بهذه الخطية. وما يناظر إدمان الخمر في الحياة الروحية هو إرتباط الخاطئ مع الخطية أو قل مع الشيطان برباط يصعب فكه. وهذا ما يقال عنه رباطات الخطية أو رباطات الشيطان. وتكون النهاية موت هذا الإنسان لانفصاله عن الله، فالله هو الحياة. هـ) وعقوبة الخطية فيها، لذلك نجد عقوبة الزانى بنفس الكلمات "سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفًا في كأس غضبه" (رؤ14: 10) فهنا صوَّرَ غضب الله بخمر. فإذا فهمنا أن الخمر تجعل الشخص السكران يترنح ويتطوح، فهنا الزانى بسبب انفصاله عن الله ساعيًا وراء ملذاته الحسية يتطوح بعيدًا عن الله إذ هو يطلب المزيد فيزداد انفصاله عن الله، وأمام ضيقات العالم نجده يترنح لا يجد حلًا لمشاكله. و) ومثل هذا الإنسان البائس ماذا يفعل أمام الضيقات التي يواجهها حينما لا يجد من يسانده ويرشده ويعزيه؟ ولنرى مثالًا محزنا لهذا في شاول الملك الذي حينما انفصل الله عنه ذهب للشيطان [(عرَّافة بيت دور وهذه تتعامل مع الشيطان (1صم28: 7)].
آية 3 "فَمَضَى بِي بِالرُّوحِ إِلَى بَرِّيَّةٍ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ."
فمضى بي بالروح إلى برية = هنا يحدثنا عن مملكة الشر في العالم ويصورها كامرأة موجودة في برية أي قحط روحي وجفاف وخراب، فالعالم مهما بدا أنه حافل بالملذات والخيرات إلا أنه برية قاحلة لا يُشبع النفس أو يرويها.
وقارن مع (رؤ1:12) تجد أن عروس المسيح أي الكنيسة مشبهة هي الأخرى بامرأة. وحين رآها القديس يوحنا قال "ظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس".
جالسة على وحش قرمزي = الكنيسة كانت متسربلة بالرب يسوع، هو نورها ولها سماته، هي قد لبست الرب يسوع. وهي تحيا في السماء. أما مملكة الشر فهي جالسة على الشيطان، يوجهها ويحملها ويدعمها وهو العامل فيها. وهو قرمزي، لأن الشيطان كان قتالا للناس منذ البدء (يو44:8).
مملوء أسماء تجديف = فهو يدعي الألوهية، وهو مقاوم لله ويسب ويجدف على الله.
له سبعة رؤوس = هي سبعة ممالك كبيرة في التاريخ، قاومت الله.
وعشرة قرون = هم 10 ملوك يأتون في آخر الزمان ليؤيدوا الوحش (ضد المسيح).
آية 4 "وَالْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا،"
الأرجوان والقرمز والذهب = هو لباس الملوك. فعروس الوحش تتزين لتخدع البسطاء وتجذبهم إلى سمومها، تتزين بالزمنيات فهي بلا جمال حقيقي، عكس الكنيسة التي تتزين بالرب يسوع نفسه (فهي متسربلة بالشمس).
مَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا = تروي منه أتباعها ماءً مالحًا من يشرب منه يعطش، هي تقدم الملذات لتابعيها ولكنها لا تستطيع أن ترويهم. كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ = الذهب هنا هو الغنى المادي، فالشيطان هو رئيس هذا العالم يعطيه لمن يسجد له. هو محاولة للشر أن يتزين إذ له صورة قبيحة. بينما أن الذهب يستخدم في أماكن أخرى للإشارة للسماويات كما سنرى في وصف أورشليم السمائية. وهكذا في كل التشبيهات ففي (آية 9) من هذا الإصحاح نجد أن الممالك القوية التي يحركها الشيطان لتقاوم الله مشبهة بجبال، بينما في (مز 125) نجد أن الجبل رمز للمؤمن المتوكل على الرب. فإذا استخدم الجبل للإشارة للمؤمن فهذا يشير لتمسكه بإيمانه والثبات عليه، وأنه يحيا في السماويات. أما في حالة الشيطان فالجبل يشير للكبرياء في علوه ويشير ثباته للعناد. وهكذا الأسد، فالمسيح في حمايته لشعبه يُشار له بالأسد (رؤ5: 5 ، 6). أما الشيطان فيشار له بالأسد في افتراسه للمؤمنين (1بط5: 8). إذًا علينا أن ندرس المكان والمناسبة الذي يستخدم فيها التشبيه.
مثال :- أغنى بلاد العالم نجد فيها الجنس مباح تمامًا، ولكننا نجد بها أعلى نسبة للانتحار والأمراض النفسية. فالإنسان ليس جسدًا ونفس فقط. بل الإنسان له روح وهي نفخة من الله وبهذا فهو لا يرتاح راحة حقيقية سوى بمعرفته لله وبُعده عن الخطية. فهؤلاء نسوا أن فيهم روح وظنوا أن في إشباع أجسادهم الكفاية، لكنهم لم يشبعوا أو يرتووا، بل انتحروا. وعلى العكس نرى رهبانا تركوا العالم وعاشوا في البراري دون طعام أو شراب ودون عواطف بشرية ودون ملذات حسية، لكنهم في قمة الفرح، مملوئين سلاما، فالروح مرتوية بالله.
آية 5 "وَعَلَى جَبْهَتِهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «سِرٌّ. بَابِلُ الْعَظِيمَةُ أُمُّ الزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ الأَرْضِ»."
وَعَلَى جَبْهَتِهَا سِرٌّ بَابِلُ
= كانت العاهرات في المجتمع الروماني يحملن أسمائهن مكتوبة على جباههن كنوع من الدعاية لأنفسهن. وفي هذا منتهى الوقاحة وهذا ما نراه الآن فما عاد الأشرار يخجلون من زناهم ولا من شذوذهم الجنسي بل يفتخرون به. وقوله سِرٌّ أي أن اسم بابل هو اسم رمزي لمملكة الشر في العالم، المعاندة لله، فكما أن الكنيسة تدعى أورشليم أو صهيون بكونها مدينة الرب، هكذا صارت بابل رمزا لمدينة إبليس ورمزا للزنا الروحي والعناد مع الله.هناك عريسين وعروستين:-
العروس الأولى هي الكنيسة (أورشليم)؛ وعريسها هو الرب يسوع تلتحف به.
العروس الثانية هي بابل = مملكة الشر؛ وعريسها الذي يحملها هو إبليس.
أم الزواني = أي ينبوع الرذائل.
آية 6 "وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّبًا عَظِيمًا!"
المرأة إضطهدت شعب الله وقتلتهم وفرحت بدمهم =
سكرى ... وهذا بطريقتين:1. مَنْ كانوا قديسين وأغوتهم فسقطوا وهلكوا، وصارت مسئولة عن دمائهم، وهي الآن سكرَى أي فرحة من دمائهم أي بسقوطهم= من دم القديسين .
2. قتل واضطهاد القديسين = ومن دم شهداء يسوع.
تعجبت =
1. من طول أناة الله على هذه المرأة الشريرة بابل.
2. ممن أُغووا بغوايتها وهم عالمين بنهايتهم المؤلمة.
آيات 8،7 "ثُمَّ قَالَ لِي الْمَلاَكُ: «لِمَاذَا تَعَجَّبْتَ؟ أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ وَالْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا، الَّذِي لَهُ السَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ: الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى الْهَلاَكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ."
الوحش = هو الشيطان.
كان = كان له سلطان على البشر، وكان يشتكي عليهم ويأسرهم، ويأخذ نفوسهم للجحيم عند موتهم.
وليس الآن = فالمسيح بصليبه قيده ألف سنة (رؤ2:20) وما عاد له سلطان علينا بعد أن حررنا المسيح بفدائه (لو17:10-19) + (كو15،14:2). إذًا المؤمن الآن صار له سلطان على إبليس، وليس لإبليس سلطان عليه. مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ = الشيطان موجود ويحارب كل البشر، سواء أولاد الله أو من لا يعرفون الله (وهؤلاء يستخدمهم لتنفيذ أغراضه الخبيثة). ولكن أولاد الله لهم سلطان عليه، وهذا ما عَبَّر عنه بقوله وَلَيْسَ الآنَ. وهذا ما يجعل العالم يتعجب كيف لأولاد الله هذا السلطان بينما هم بلا قوة على ترك الخطية = وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ.ُ وشرح هذا نجده في سفر حزقيال "يَا ٱبْنَ آدَمَ، إِنِّي كَسَرْتُ ذِرَاعَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ ... هَأَنَذَا عَلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأُكَسِّرُ ذِرَاعَيْهِ ٱلْقَوِيَّةَ ...... وَأُسْقِطُ ٱلسَّيْفَ مِنْ يَدِهِ" (حز30: 21-22). فرعون هنا كملك وثني يعبد الشيطان في شخص الأصنام، صار رمزًا للشيطان الذي قطع المسيح ذراعيه بالصليب فأفقده قوته. ولم يتبقى له سوى رأسه والمعنى كما قال الآباء أنه صار قوة فكرية. الشيطان يعرض علينا أفكار الشر ونحن أحرار أن نقبلها أو نرفضها. وأولاد الله لهم القوة أن يرفضوها.
وهو عتيد أن يصعد من الجحيم = في نهاية الألف سنة لا بُد أن يُحَّل إبليس زمانًا يسيرًا (رؤ3:20) وسيكون هذا في مدة ضد المسيح والنبي الكذاب.
ويمضي إلى الهلاك = حين يطرح في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ10:20).
سيتعجب = أولاد الله لهم سلطان على إبليس وعلى شهواتهم ويحتقرون ملذات هذا العالم. وهذا الموقف سيجعل الآخرين = الذين ليست أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة = هؤلاء سيتعجبون من هذا السلطان، فمن لا يعرف سر الصليب سيتعجب من سلطان أولاد الله.
آية 9 "هُنَا الذِّهْنُ الَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ! اَلسَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ هِيَ سَبْعَةُ جِبَال عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةً."
السبعة رؤوس هي سبعة جبال = هذه السبعة رؤوس هي سبعة ممالك قوية عبر التاريخ، اضطهدت شعب الله. لكن رقم 7 هو رقم كامل. والمعنى أنه ربما نستطيع أن نحدد أسماء سبع ممالك فعلا قامت باضطهاد شعب الله. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولكن المعنى أن شعب الله دائمًا مضطهد عبر العصور وفي كل مكان... "فجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون" (2 تى 12:3).
عليها المرأة جالسة = أي أن هذه الممالك دعمت الشر واضطهدت شعب الله. وسمعنا أن هناك شيطان كان مخصصا لملك فارس ليغويه على الشر (دا13:10).
وكان اسمه رئيس مملكة فارس. ولاحظ قوته فهو قاوم جبرائيل الملاك 21 يوما إلى أن أتى ميخائيل لمعاونته. وتشبيه الممالك بالجبال كان لأنها راسخة وقوية كالجبال، ولكن يأتي عليها وقت وتنهار ليأتي غيرها مكانها.
آية 10 "وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَالآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلًا."
سبعة ملوك خمسة سقطوا وواحد موجود = الممالك هي:-
1. مصر:- التي أذلت شعب الله وقال ملكها فرعون "مَنْ هو الرب لأسمع له؟"
2. أشور:- التي سبت عشرة أسباط سنة 722 ق.م.
3. بابل:- التي سبت يهوذا سنة 586 ق.م. ودمرت هيكل الرب وأورشليم.
4. فارس:- التي عطَّل بعض ملوكها بناء الهيكل.
5. اليونان:- أشهر ملوكها الذي اضطهد شعب الله اضطهادًا عنيفا ودنس الهيكل وذبح خنزيرة عليه كان هو أنطيوخس إبيفانيوس.
ووقت الرؤيا التي رآها يوحنا اللاهوتي كان هؤلاء الملوك الخمسة قد سقطوا فهذه الرؤيا كانت في أيام الدولة الرومانية التي قامت على أنقاض الدولة اليونانية، كما قامت كل دولة من الدول الخمسة السابقة على أنقاض من كان موجودا قبلها.
6. الرومان:- هؤلاء من قيل عنهم وواحد موجود فالرؤيا كانت أيامهم.
والرومان كان لهم 10 ملوك اضطهدوا المسيحية بعنف.
7. والآخر لم يأتي بعد ومتى أتى ينبغي أن يبقى قليلا = على أنقاض المملكة الرومانية قام ملك آخر، غالبًا هو حكم الملوك الآريوسيين الذين أنكروا ألوهية السيد المسيح واضطهدوا الكنيسة اضطهادًا عنيفا، وهذا الاضطهاد سيستمر فترة طويلة. وهو مستمر للآن في هرطقات مثل شهود يهوه والأدفنتست (هؤلاء المسيح في نظرهم ليس هو يهوه).
آية 11 "وَالْوَحْشُ الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ فَهُوَ ثَامِنٌ، وَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ، وَيَمْضِي إِلَى الْهَلاَكِ."
المملكة الثامنة هي مملكة الوحش الذي يدعمه إبليس = الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ وَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ = الوحش سوف يعطيه الشيطان الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ كل قدرته وعرشه بعد أن يُحَّلْ من سجنه (رؤ13: 2 + رؤ20: 3). الشيطان كان له سلطان وقَيَّدَه المسيح بصليبه = وليس الآن، ولكنه سيحل في نهاية الزمان ويعطي كل سلطانه للوحش، والشيطان سيحرك الوحش كما كان يحرك السبعة. ولكن ذكره وحده فيه إشارة إلى أن اضطهاده للكنيسة سيكون أعنف وبصورة لم تحدث مع السبع الممالك الأخرى.
وَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ = هو خارج من إحدى هذه الممالك العالمية، أي البحر. وهو لذلك مُسَمَّى وحش البحر.
وَالْوَحْشُ [هو وحش البحر (رؤ13)] الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ الآن (هذه العبارة قيلت عن الشيطان، فَهُوَ ثَامِنٌ (هذه عن وحش البحر) = واضح هنا تداخل الكلام عن الوحش وعن الشيطان. وذلك راجع لأن الشيطان سيعطي كل قوته للوحش، الشيطان سيحركه كما يريد. الشيطان سيلبَسَه تمامًا (يقال عن هذا الشخص تعبير possessed أي خاضع لروح شرير تَلَبَّسَه أو يقال عليه أنه ممسوس). فما عاد هناك فروق أو فواصل بينهما، فما يقال عن هذا يقال عن ذاك.
آية 12 "وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكًا بَعْدُ، لكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ الْوَحْشِ."
سيقوم عشرة ملوك أيام الوحش ليدعموه.
ساعة واحدة = أي مدة قليلة، فلقد اقتربت الأيام.
آية 13 "هؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ."
لهم رأي واحد = أي يعقدون حلفًا مشتركًا سياسيًا وعسكريًا.
ويعطون الوحش قدرتهم = يساندون الوحش عسكريًا، ويقاوم الجميع الكنيسة.
آية 14 "هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ»."
من المؤكد أن النصرة ستكون للمسيح ولكنيسته، فالمسيح يحارب لأجلها ولن يتركها للنهاية... ولكن كيف يغلب الحمل هؤلاء المتحالفين ضد كنيسته.؟
هذا ما سيشرحه في الآيات القادمة.
آيات 15-18 "ثُمَّ قَالَ لِيَ: «الْمِيَاهُ الَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ الزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ، هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ. وَأَمَّا الْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى الْوَحْشِ فَهؤُلاَءِ سَيُبْغِضُونَ الزَّانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ. لأَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْيًا وَاحِدًا، وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ. وَالْمَرْأَةُ الَّتِي رَأَيْتَ هِيَ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي لَهَا مُلْكٌ عَلَى مُلُوكِ الأَرْضِ»."
هؤلاء الملوك العشرة تصوروا أن تحالفهم مع ضد المسيح سيكون سببا في زيادة غناهم ومجدهم ولكنهم سيدخلون حروبا مدمرة تخرب مدنهم. سَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً= ولاحظ أن هذا بسماح من الله ضابط الكل. اللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ = الله سيترك الشر يفسد نفسه بنفسه. يَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ= إشارة لشدة التدمير الذي سيحل بهذه الممالك. ولاحظ أن كل ما يفعلونه سيكون لحساب المسيح وكنيسته، حتى وإن كانوا يفعلونه بدوافع شخصية. ونجد في هذا تطبيقا لما قيل في (رؤ12: 16) "فأعانت الأرض المرأة". وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ = هم تضامنوا مع الوحش وسخروا له كل قدراتهم العسكرية. وكان تضامنهم مع الوحش سبب خرابهم.
المدينة العظيمة =
8. قد تكون بابل مملكة الشر في العالم.
9. وقد تكون أورشليم التي بوجود الوحش فيها خضع لها ملوك العالم = لها ملك على ملوك الأرض.
مقارنة:
قيل عن المرأة المتسربلة بالشمس أن المرأة هربت إلى البرية حيث لها موضِع معد من الله لكي يعولوها. ويقصد بالبرية أنه مكان معلوم ومعد من الله. أما هذه المرأة الشريرة بابل فهي في برية وبدون (ال) التعريف فالمقصود بها كل مكان في هذا العالم يحيا في الخطية. والخطية خراب ودمار وتيه كما سنرى في الإصحاح القادم.
تعليق على عبارة الزانية العظيمة (آية1)
وصية "لا تزنِ" من الوصايا العشر في ناموس موسى (خر20: 14). ومن قَبْل موسى بمئات السنين نجد يوسف ينفذ هذه الوصية ويمتنع عن الزنا - بالرغم من عدم وجود ناموس مكتوب - حتى لا يخالف وصايا الله، التي كانت وقتها وصايا شفوية تسلمها يوسف أبًا عن جد... عن آدم فيما نسميه بالتقليد.
أولًا:- بالنسبة للمسيحي:
نحن كمسيحيين أعضاء جسد المسيح. والزنا يُوَحِّد جسد الزاني بالزانية. وبهذا فالزاني يهين جسد المسيح إذ يجعل أعضاء المسيح، أعضاء امرأة زانية. وراجع تفسير(1كو6: 15 ، 16). ونتائج هذه الخطية مرعبة إذ يقول بولس الرسول "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟ إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" (1كو3: 16 ، 17). ولندرك خطورة هذه الخطية، نجد أن 23000 يموتون من شعب إسرائيل في يوم واحد حينما زنوا مع بنات موآب (1كو10: 8 + عد25).
ثانيًا:- بالنسبة للجميع (مسيحي أو غير مسيحي)
نرى في هذا الإصحاح تشبيه خطية الزنا بالخمر. ومن طبيعة الخمر أنه يجعل الإنسان في غيبوبة غير واعٍ، بل يندفع للمزيد من الخمر، كما قال الشاعر "داوني بالتي كانت هي الداءُ". والسيد المسيح شبه الشهوات والملذات الحسية بماء هذا العالم الذي يشرب منه يعطش كما قال للمرأة السامرية. (العالم مشبَّه بالبحر في الكتاب المقدس وماء البحر ماء مالح. ومن خصائص الماء المالح أنه لا يُروي بل يسبب المزيد من العطش، لأنه يسحب الماء من الأنسجة فتجف ويحدث الموت). فهذه الشهوات الحسية لا تشبع أحد، يظن الإنسان أنها تشبعه ولكن أبدًا. وكمثال لهذا نجد أن سليمان الذي أعطاه الله حكمة غير عادية كان له 1000 زوجة وسرية بل بخَّر لآلهتهن. فنجد أنه لم يشبعه 100 أو 200 بل وصل الرقم إلى 1000. وهذا قاده فعلا لموت روحي إذ بخّر للأوثان ليرضي نساءه.
فمن يندفع وراء خطية الزنا فهو كمن يشرب من الماء المالح فيطلب المزيد ظانًا أنه يرويه، ولكنه يعطش بالأكثر حتى يجف روحيًّا [الجفاف الروحي يعني أن الروح القدس لا يعمل في إنسان إذ أنه أطفأ الروح القدس داخله (1تس5: 19)، لأن هذا الإنسان انجرف بعيدًا عن الله. والله لن يشترك في مكان به شياطين أو أعمالهم] ويظل ينجرف حتى يهلك ويموت. ولنفهم أنه لا يمكن الجمع بين السعي وراء الملذات الحسية والشبع بالله، فبولس الرسول يقول "أية شركة للنور مع الظلمة.. وأي اتفاق للمسيح مع بليعال" (2كو6: 14 - 16) ويقول أيضًا "الله لا يُشمخ عليه" (غل6 : 7) أي لن تتمكن من الحصول منه على أي بركة طالما أنت تتحداه وتخالف وصاياه. أما من يحيا طالبا مجد الله يحيا للأبد. ولنسمع قول الله "أكون مجدًا في وسطها" (زك2: 5) فحين يحل الله في وسطنا أو فينا، يكون المجد في وسطنا أو فينا. ونحيا أبديا، وهذا يفرح قلب الله. وأن يموت أحد فهذا يحزن قلب الله أن يهلك أحد عبيده الذين خلقهم إذ ابتعدوا عنه وهو مصدر الحياة فيموتوا ويهلكوا أبديا، فالسيد المسيح يقول "أنا هو القيامة والحياة" (يو11 : 25).
ملحوظة:- ظن البعض هذه الأيام أن الأفلام الجنسية لأنها ليست زنا فِعلي فلا ضرر منها. ولكننا نفهم أن هذه الأفلام لها نفس خطورة خطية الزنا. فمن يحيا هذه الحياة طالبا فقط الملذات الحسية ظنا منه أنها تشبعه، تاركا الله الذي فيه كل الشبع الحقيقي وفيه الحياة الأبدية – مثل هذا الإنسان يموت ويهلك، ويكون كمن طلب الارتواء بماء البحر. بل نجد أن الكثير من الرجال تركوا زوجاتهم مكتفين بهذه الأفلام. وإعتُبر هذا من الأمراض النفسية الآن. فإن إعتبره العالم مرض نفسي فبالأولى هو مرض روحي يقود للموت الروحي.
النفس التي تندفع وراء خطية الزنا تنجرف وراءها كمن يشرب كأس خمر. وقال الوحي عن ذلك أنها تشرب كأس خمر زناها (رؤ17: 2 ، 4). إذ أنها تتطوح بعيدًا عن الله، ويومًا بعد يوم تنفصل عن الله فتموت. |
*وبقدر ما ينجرف الإنسان بعيدًا عن الله – بقدر ما يغضب الله على هلاك خليقته.
*فالله يحزن على هلاك خليقته.
*لذلك يعاقب الله الزناة لعلهم يتوبون.
*ونجد أن الله بسبب محبته للبشر وحرصه على عدم هلاكهم وضع الله وصية "لا تزنِ" في الوصايا العشر لينقذ البشر من الموت والهلاك. وهذا كما يقول القديس إغريغوريوس في قداسه "أعطيتني الناموس عونًا".
ونجد الوحي يُطلق على العقوبة كأس خمر غضب الله (رؤ14: 10). فبقدر الخطية تكون العقوبة. وتشبيه غضب الله بكأس خمر لأن الله يبتعد عن الزاني فيفقد سلامه وفرحه وراحته، إذ لا يجد الله سندًا له. ومن لا يجد الله سندًا له يترنح كالسكران في حيرة من ألام هذا العالم وضيقاته. فالله وحده هو الذي يعطي السلام والتعزية وسط الضيقات. وحينئذٍ لا يجد سوى الملذات الحسية للزنا فيندفع للمزيد منها (الماء المالح) كسكران يتطوح بعيدًا عن الله بالأكثر. |
*والعقوبة تكون بهدف أن يرجع الإنسان لنفسه ويعود لله كما حدث للابن الضال.
*أما من ارتمى بإرادته في أحضان الشيطان، نجد أن الله لا يعود يؤدبه كما يقول "لا أعاقب بناتكم لأنهن يزنين ولا كناتكم لأنهن يفسقن" (هو4: 14). هنا يصل الزاني لقطع كامل لعلاقته مع الله. والله يؤدب ويعاقب أولاده لأنه يحبهم "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله" (عب12: 6). لكن الله لا يؤدب من ارتموا في حضن الشيطان فما عادوا أولاده ولا شعبه. هؤلاء يكفيهم ما يفعله الشيطان بهم. ولنفهم أن الشيطان لا يقدم خدماته في تسهيل خطية الزنا مجانا، بل هو يُقَيِّد من يقع فيها فيما يُسَمَّى رباطات الشياطين أو رباطات الخطية. ثم يتلذذ بتعذيبهم. فهو قوة شريرة تتلذذ بعذاب من يقع في يديه.
خداع الشيطان خدع الشيطان الإنسان بعد السقوط بأن اللذة الحسية هي الفرح. ولكن شتان الفرق بينهما. 1- الفرح عطية الله بينما اللذة الحسية هي عطية الجسد. 2- الفرح دائم كنور الشمس أما اللذة الحسية فلحظية كنور البرق. 3- الفرح ينتصر على أي ألم أو حزن خارجي (يو16: 22). أما اللذة فتقف عاجزة عن أن تقدم تعزية أمام ألام وضيقات وأحزان الإنسان. |
حزن الله على هلاك خليقته
الله أحب الإنسان أزليا فخلقه. راجع تفسير (يو13: 1).
وكم حزن الله على آدم يوم أخطأ فمات، هو حُزن أب على موت ابنه. ألم يقل الله "لذَّاتي مع بني آدم" (أم8: 31). وهو القائل "في كل ضيقهم تضايق" (إش63: 9). وحينما تضايق يونان النبي إذ لم يُهلك الله نينوى بحسب إنذار يونان لهم، قال له الله "أنت شفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتيّ عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة" (يون4 : 10 ، 11). فالله الذي يشفق على البهائم ألا يغضبه ويحزنه هلاك خليقته التي تندفع وراء شهواتها مبتعدة عنه فتموت وتهلك. ونرى حزن الله على شعبه حين قرر أن يعاقبهم (راجع تفسير هو11: 5 - 8). بل نرى الله يرثي الشيطان على سقوطه (إش14 + حز28).
وصية لا تزنِ
الآية أصلًا المقصود بها الزنا الجسدي. ولكننا نجد أن العهد القديم وبالذات في أسفار الأنبياء يتكلم كثيرا عن الزنا وراء الأوثان فيما قيل عنه الزنا الروحي.
أ- بالنسبة للزنا الروحي:- رأينا أن خطية الزنا تبعد الإنسان عن الله منجرفا في طريق شهواته كمن هو سكران من الخمر. ولذلك سميت عبادة الأوثان بالزنا الروحي، فهي فضلًا عن ممارسة الزنا الجسدي كطقس عبادة وثنية، إلا أن العبادة الوثنية تفصل أيضًا ما بين الإنسان والله. والنتيجة في الحالتين الزنا الجسدي أو الزنا الروحي هي انفصال عن الله أي عن الحياة وهذا يعني الموت. وبسبب ما هو عليه البشر الآن، وكثرة البشر الذين ينجرفون وراء خطية الزنا كانت العبارة الموجودة في هذا الإصحاح لوصف بابل (العالم الخاطئ) بالزانية العظيمة. فالبشر منجرفين وراء شهواتهم الجنسية، وملذاتهم الحسية.
* ولكن قول الكتاب الزانية العظيمة لا تشير فقط للزنا الجسدي بل للزنا الروحي أيضًا فالبشر الآن منشغلين بالعالم وشهواته، ساعين وراء تعظم المعيشة. منحصرين في ذواتهم باحثين كل واحد عن مجده الشخصي، كلٌ يسعى في عمله كالسكران مندفعا وراء مزيد من النجاح أو اكتناز الأموال - ناسين الله مصدر الحياة (ماحدش فاضي لربنا أو ماحدش داريان بربنا بل ماحدش عايز ربنا). والنتيجة هي الموت. أما من له العين البسيطة فهو يبحث عن مجد الله ومن يُرضي الله فقط، هذا يكون له الله مجدا، ويكون له حياة أبدية (زك2: 5).
* كلمة البسيطة أو البساطة تُتَرْجَم (singlehearted) أي لها اتجاه واحد تنظر إليه ألا وهو مجد الله.
* ولنلاحظ أن الله خلق العالم لنستعمله لا ليكون هدفا نحيا لأجله تاركين الله، فهذا هو الزنا الروحي حين نجعل العالم بشهواته إلهًا يُعبد أو يكون هدفا لحياتنا. والآن لا توجد عبادة أوثان بالمعنى القديم. ولكن أليس أن الاهتمام بالعمل [هناك من لو استطاع أن يعمل 24 ساعة كل يوم لَمَا إمتنع، ولو كلمته عن ربنا يقول هو أنا فاضي] أو الاهتمام بكنز المال أو السعي وراء الملذات الحسية ... دون التفكير في الله وعبادته... أو ليس كل هذا نوع من عبادة الأوثان. لا نقول أن نهمل أعمالنا – هذا ضد فكر الكتاب المقدس (2تس3: 6 – 15 + تك2: 15) – بل أن هناك أولويات فماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه. هناك من يعتبر أن كنز الأموال هو ضمانًا للمستقبل، ولكن هذا يعتبر عبادة أوثان - وهذا معنى قول الرب "لا يقدر أحد أن يعبد سيدين ... الله والمال" (مت6: 24). فمن يتصور أن المال فيه الحماية وضمان للمستقبل فهو يعامله كإله. أما أولاد الله فيعملون بجدية ويعطون ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وضمان مستقبلهم هو الله. ولكن للأسف نجد أن هذا هو حال البشر الآن الذين قد انصرفوا عن الله واضعين كل إهتماماتهم وانشغالهم بالعالم، فتحول لهم العالم إلها معبودًا، بعد أن كان الله قد هيأه لهم كمجرد وسيلة يحيا بها الناس. لذلك قال الله عن العالم اسم الزانية العظيمة، لأن العالم جذب الناس بعيدًا عن الله، بل إستخدموا الخيرات التي أعطاها لهم الله في الشر.
* وكانت الوصية الأولى من الوصايا العشر "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي" (خر20: 2 ، 3). ولماذا هذه الوصية - ولماذا هي الأولى؟ لأن الله يُحب شعبه ويريد أن يُحرِّرهم. أما أي إله آخر يصنعه الإنسان ويؤلهه، يُذِّل تابعيه. فمن يؤلِّه المال، يُذِّله المال فيفقد نومه خوفا على ما يملك طالبا المزيد ليشعر بالأمان، ولكنه لا يعرف طريقًا للسلام والأمان. وهكذا مع أي إله آخر غير الله يؤلهه الإنسان.
ب- وبالنسبة للشهوات الجنسية:- نفهم أننا مولودين وارثين لهذا الضعف، فنجد أن داود النبي يقول "بالخطية ولدتني أمي" ونجد أن الله في العهد القديم في محبته لشعبه وحرصه على عدم هلاكهم قد إستعمل العقوبات ليخاف الناس من إرتكاب خطية الزنا. ولذلك قال بولس الرسول "كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح" (غل3: 24). أما في العهد الجديد نجد أن النعمة تسيطر على هذه الشهوة بل تحولها لمحبة متجهة لله "لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23). وراجع أيضًا تفسير (رو8: 3). ونلاحظ أن النعمة تزداد بالجهاد.
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرؤيا 18 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الرؤيا 16 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/k7zdxyk