محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
سفر رويا يوحنا الإنجيلي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20
آية 1."عْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا."
إعلان REVELATION من REVEAL أي يكشف القناع أو شيء ينكشف للعيان أو يُباح به فيظهر ما كان خفيًا، فهو كشف الأسرار الإلهية للبشر. ويسمى أيضًا الجليان من جعل الشيء جلي أي واضح. وكلمة إعلان باليونانية هي أبو كاليبسيس αποκάλυψη أي رفع الغطاء ومنها جاءت في لغتنا العربية العامية ليلة أبوغالمسيس التي نطلقها على ليلة سبت النور إذ نقرأ فيها سفر الرؤيا كاملًا.
ويسمى سبت النور لأن المسيح أشرق بنوره على الجالسين في الظلمة وظلال الموت ونقلهم من الجحيم إلى الفردوس فهو نزل إلى الجحيم من
قِبَلْ الصليب (أي بعد أن مات على الصليب مباشرة) لينقل الذين رقدوا على رجاء، وكانوا قد أرضوا الرب بأعمالهم في العهد القديم ، ينقلهم من الجحيم إلى الفردوس (إش2:9) + (مت16:4) + (زك12،11:9) + (أف9،8:4) + (1بط19:3). وأثناء قراءة سفر الرؤيا تضاء سبعة قناديل رمزًا للسبعة الكنائس (التي وجه الرب لها رسائل عن طريق يوحنا في الإصحاحين (3،2) وهي كنائس في آسيا الصغرى والتي كان يوحنا يرعاها) وحيث أن رقم 7 هو رقم كامل فالمقصود أن السبعة قناديل هي رمز للكنيسة كلها التي صارت نورًا للعالم. ونحن نقرأ سفر الرؤيا ليلة سبت النور لأن المجد المعد للكنيسة قد انكشف وصارت تنعم بالفردوس بعد صلب المسيح إذ فتح باب الفردوس للكنيسة . والكنيسة تجعلنا نحلق مع المسيح في الفردوس الذي ذهب إليه في هذه الليلة، والله يكشف عن أسراره لمن يحبهم، لذلك يكشفها ليوحنا الحبيب كما كشف لإبراهيم من قبل عن خراب ودمار سدوم وعمورة، ويعلن كذلك للكنيسة التي أحبها وأحبته أسراره في هذه الرؤيا.إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ
= الرب يسوع هو الذي اقتبل هذا الإعلان كرأس للكنيسة. وإذ هو فكر الله الأزلي والحكمة الإلهية فهو يعرف كل شيء من ذاته. ولكن المقصود هنا أن الآب أعطى للابن أن يكشف للكنيسة عن هذه الأسرار. ودائمًا الآب يريد والابن والروح القدس يحولان هذه الإرادة إلى فعل. فالآب يريد أن الجميع يخلصون والابن نفذ هذا بتجسده وصليبه والروح القدس يعمل في الكنيسة الآن ليثبتها في المسيح. وهنا الآب أراد أن يعلن للكنيسة هذه الأسرار بالابن ( راجع تفسير الأصحاح الخامس من إنجيل القديس يوحنا). والابن نفذ إرادة الآب وأعلن هذه الأسرار ، وما كان هذا ممكنًا لولا أن الكنيسة أصبحت مقبولة بسبب دم المسيح، وأن المسيح صار رأسًا لها. وصار يوحنا بل صارت الكنيسة كلها في المسيح، فنحن نعرف هذه الأسرار من خلال وجودنا وثباتنا في المسيح يسوع.يَسُوعَ
= المخلص.الْمَسِيحِ
= أي الممسوح والمفرز والمخصص ليفدي الكنيسة ويكون كاهنًا يقدِّم ذبيحة نفسه ، ونبيًا وملكًا عليها. والمسيح مُسِحَ بالروح القدس على هيئة حمامة (شيء كامل لأن الروح القدس حل على المسيح كاملًا). أما الأنبياء والملوك ورؤساء الكهنة في العهد القديم، وكل فرد مؤمن في الكنيسة الآن فهو يحصل بقدر ما يحتمل . لذلك حل الروح القدس على هيئة ألسنة نارية منقسمة على التلاميذ يوم الخمسين، أي ليس حلولًا كاملًا. وفي العهد القديم كانوا يمسحون بدهن المسحة ليتمكنوا من القيام بأعمالهم (كأنبياء وملوك ورؤساء كهنة فقط).فحين يقول الله أعطى ليسوع المسيح فهذا بحسب ناسوته وكرأس للكنيسة لكي يعلنه لها، والمسيح أعطاه ليوحنا ليعطيه يوحنا للكنيسة التي هي جسد المسيح.
عبيده = المسيح يقول لا أسميكم عبيدًا لكني قد سميتكم أحباء (يو15:15) ولكننا نحن نتلذذ بأن نستعبد أنفسنا لله، فالعبودية لله تحرر، بل إن حتى إخوة المسيح بالجسد مثل يعقوب ويهوذا لم يسموا أنفسهم إخوة المسيح بل سموا أنفسهم عبيدًا له (يع1:1) + (يه1) + (رو1:1) لقد صرنا أسرى محبة المسيح، تذوب إرادتنا في إرادته، ونطيعه حتى الموت. ملحوظة: الأقرباء عند اليهود، أولاد العم والخال وهكذا يُقال عنهم إخوة، فالعذراء مريم البتول لم تتزوج ولم تنجب، بل عاشت بعد صُلِبَ المسيح في بيت القديس يوحنا.
ما لا بُد أن يكون =
1. مقاصد الله حتمية.
2. الله يرى المستقبل حاضرًا أمامه كأنه الآن.
مرُسلًا بيد ملاكه = فالملائكة هم خدام الإعلانات منذ العهد القديم ولهم دور محوري في الإعلانات.
التدرج في الخدمة والإعلانات:- المسيح هو الله، ولكنه يتكلم عنه هنا كوسيط بين الله والناس، ليس الابن الأزلي فقط بل الابن المتجسد الوسيط، الابن هو أقنوم المعرفة والحكمة وكل ما هو للآب هو للإبن. وقيل عن الابن أنه مخبأ فيه كل كنوز الحكمة. وقيل لا يعرف الآب إلا الابن، فهو أقنوم المعرفة في الثالوث القدوس، وفي (1 كو 24:1) قيل عنه أنه حكمة الله. وهو بهذا يعرف كل الأشياء فالمعرفة هي للآب والابن لكنها في سلطان الآب وحده، يعلنها حين يريد، ويعلنها عن طريق الابن للكنيسة كرأس للكنيسة. مثال:- الوزراء كلهم يعرفون الأسرار ولكن هناك وزير واحد له سلطة الإعلان، فالآب والابن يعرفان ولكن الإرادة هي للآب. فالآب يريد والابن ينفذ هذه الإرادة. وتشبيه آخر نقول أن العقل أعطى أن يظهر الفكر للناس. والمسيح حين أراد أن يظهر الفكر للناس (عن طريق يوحنا) أعطى
الملاك، والملاك أعطى ليوحنا ، ويوحنا أعلن للكنيسة. فالله يحب الترتيب. نقول هذا لمن يقولون لا داعي لأن يوجد كهنوت، فلنتصل بالله مباشرة ونرد على هذا، أولًا بالتدرج الذي رأيناه هنا وثانيًا بمعجزة الخمس خبزات حيث أعطى المسيح لتلاميذه، والتلاميذ أعطوا الجموع.ونرى أن الملاك صار مرافقًا ليوحنا خلال هذه الرؤيا، وهذا يشير للمحبة والصداقة التي صارت بين الملائكة والبشر (أف10:1). ونلمس خلال السفر فرح الملائكة بالمجد المعد للبشر، وأن الملائكة صاروا ينذرون الأشرار، فهم يفرحون بخاطئ واحد يتوب. وكان الملاك يشرح ليوحنا ما يحتاج إليه من إيضاحات، فالملائكة أرواح خادمة (عب14:1).
أية 2."لَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ اللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مَا رَآهُ."
الذي شهد = فيوحنا كان شاهدًا ينقل ما رآه وسمعه من المسيح في بطمس.
أية 3."وبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ."
ويحفظون =
1. ينفذون وصايا السفر.
2. يتجنبون ما حذر منه السفر.
3. يتعلمون التسابيح التي في السفر وهي لغة السماء.
4. يقرأونه كثيرًا ليحفظونه ويحفظون كلماته.
ولاحظ فالله لم يطوب من يفهم أسرار سفر الرؤيا، وتوقيت كل حدث بل طوَّب مَنْ يحفظ ما جاء بالسفر.
فالسفر مكتوب بأسلوب نبوي، والنبوات لا يمكن فهمها إلا حينما تتم ومثال ذلك:-
1. من كان يستطيع أن يفهم أن العذراء تلد ابنًا (أش 14:7).
2. من كان يستطيع أن يفهم أن هناك من يموت ويقوم بعد 3 أيام (هو 2،1:6).
3. من كان يستطيع أن يفهم أن الله الأزلي سيولد في بيت لحم (مى 2:5).
إذًا المطلوب فهم السفر روحيًا وحفظ ما جاء فيه، أما النبوات الغامضة فلن نفهمها إلا في حينه، حين يريد الله أن يكشف القناع عن النبوة،
حينئذ سنكتشف أمرًا يوجهه لنا الله لننفذه.وهناك دراسات تحدد يوم المجيء الثاني، وهناك من حدده بأنه في سنة كذا أو يوم كذا.... ولا نستطيع أن نعلق على هذا إلا بأن هؤلاء يلزمهم أن يتعلموا التواضع، فإن كان السيد المسيح يقول أن هذه الساعة لا يعلمها أحد ولا الملائكة ولا الابن إلا الآب (مر32:13) فمن هذا الذي يستطيع أن يحدد هذا اليوم. وبعد ما قلناه سابقًا فما معنى أن المسيح لا يعلم هذه الساعة؟
1. هو لا يريد أن يعلنها، فحين يقول لا أعرف فالمعنى لا أريد أن أعلن كما قال عن بعض الأشرار
"لا أعرفكم" (مت 23:7) بمعنى أنه يستنكر تصرفاتهم.2. الآب لا يريد أن يعلن، فهو لم يعط للابن أن يعلن. وكتشبيه لذلك فاللسان لن يبوح بسر إلاّ لو سمح العقل بذلك، والعقل واللسان في الإنسان الواحد.
فمن هذا الذي يستطيع أن يحدد الساعة التي لا يعلمها ابن الإنسان؟!
أي الساعة التي لا يريد الآب إعلانها عن طريق الابن رأس الكنيسة، وأيضًا لا يريد الابن إعلانها، فإرادة الآب والابن والروح القدس واحدة، لكن الآب أقنوم الإرادة والابن والروح القدس أقنومي التنفيذ.ولكن السيد المسيح أعطى لكنيسته هذه العلامات للاستعداد والسهر دائمًا (مر33:13) اسهروا وصلوا وأيضًا في (مر7:13) يقول لا ترتاعوا فإذا كان الله يعلم وقد أخبرنا بما سيحدث قبل 2000 سنة فهو إذًا ضابط الكل الذي كل شيء بيده، ويعرف كيف يحفظ أولاده وسط هذه الضيقات ولكن علينا نحن أولاده أن نصبر كما قال في (مر13:13) ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ونلخص ما سبق فالمسيح يكشف لنا كل هذا حتى:
1. لا نرتاع،
2. نستعد ونسهر،
3. أن نصبر.
فالله سبق وأخبرنا أنه سيكون هناك
ضيقات، ولكنه طلب الصبر في الضيقة والسهر والصلاة، ومن يصبر ولا يتذمر يفتح الله عينيه على المجد المعد لمن يصبر ويعطيه الله تعزيات تسنده في ضيقته فيزداد صبرًا واحتمالًا ومن ثم تنفتح عينيه بالأكثر ويزداد عزاؤه وهكذا.طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون = يسمعون أي ينفذون ما يقرأون، ويصبروا على الضيقات التي تواجههم، هؤلاء يتعزون ويزداد اشتياقهم للسماء. الطوبى هي لكل من يخبئ كلام الله في قلبه ويحيا بحسبه.
النبوة = سفر الرؤيا هو السفر النبوي في العهد الجديد.
آية 4."وحَنَّا، إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ."
إلى السبع الكنائس = ربما تشير للسبع كنائس التي خدمها يوحنا في آسيا الصغرى والتي سترد أسماءها في الإصحاحين 3،2. ولكن لأن رقم 7 هو رقم كامل، فالكلام إذن موجه إلى كل الكنائس أو كل الكنيسة في كل زمان ومكان. ولكن هنا في الرسائل كلام يصلح لهذه الكنائس التي عرفت يوحنا كرسول عاش بينهم ولكن هذا الكلام يصلح للكنيسة عبر العصور.
نعمة لكم وسلام = النعمة هي إرسال الروح القدس ليحل على البشر باستحقاقات دم المسيح، والنعمة هي أيضًا عمل الروح القدس في تجديدنا، وهو يعطي شفاء للنفس ويهبها سلام. لذلك فمن ثمار الروح القدس السلام (غل23،22:5) وفي آية 9 يقول يوحنا في تواضعه "أخوكم وشريككم" ولكنه كرسول له أن يعطيهم السلام ولكن الذي يمنح السلام هو الله. لذلك نفهم أن الكاهن حين يقول "إيريني باسي" Iryny paci أي السلام لكم فهو يعطي السلام ليس من نفسه بل من الله. فالكهنة أناس استؤمنوا على بركات الله ليوصلوها للناس فالكهنوت حامل بركة.
الكائن = الكائن الآن بذاته، غير معتمد على أحد في كيانه بينما كيان الإنسان معتمد على الله.
الذي كان = الأزلي، أنا كائن منذ الأزل أي لا بداية لي.
الذي يأتي = الأبدي، الدائم للأبد، وسيأتي للدينونة وهذا شرح لكلمة يهوه.
ومن السبعة الأرواح = هناك رأيان أولهما أن السبعة الأرواح هم سبعة ملائكة للسبع الكنائس أو هم ميخائيل وغبريال وروفائيل وسوريال...
والرأي الثاني أن هذا وصف لعمل الروح القدس الكامل، فرقم 7 هو رقم كامل. فالروح القدس يعمل في السبع الأسرار وهو الذي يعطي الثمار والمواهب، هو يعمل كل شيء للكنيسة، يقود ويبكت ويعلم ويذكر ويخبرنا بكل ما هو للمسيح. هو يملأ الكنيسة ويملأ كل مؤمن على حدة ليُثبِّت الكل في المسيح (هذا طبعًا لمن يريد ويجاهد) والرأي الثاني هو المرجح فاسم المسيح جاء بعد السبعة الأرواح
(آية5 تكمل هذه الآية فتقول ومن يسوع...) ولا يعقل أن اسم المسيح يأتي بعد الملائكة في الترتيب.التي أمام عرشه = في (زك14:4) رأينا ابنا الزيت الواقفان عند سيد الأرض كلها، وكان هذا إشارة لاهتمام الله واشتياقه لإرسال الابن والروح القدس للأرض لإعداد الكنيسة كعروس للمسيح ورجوعها للأحضان الأبوية. والآن وقد أُرسِل الابن لذلك وقد تَمَّمَ عملهُ. نرى الروح القدس أمام العرش، بمعنى أن اهتمام الله الأول الآن هو عمل الروح القدس في تجديد الخليقة لتصبح عروسًا للمسيح لتعود للأحضان الإلهية الأبوية. أمام عرشه؛ أي أمام عينيه. أنظاره أي اهتمامه موجه لهذا العمل ولقد ذكر الروح القدس قبل المسيح لأن الكلام سيكمل بعد ذلك عن المسيح.
آية 5."مِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ."
الشاهد الأمين = هو الذي كان في حضن الآب وأتى ليخبرنا بكل شيء ويشهد للحق بأمانة (يو37:18) وكل من يطيع وصاياه يخلص فهو الحق وكل ما يقوله هو الحق. وهو شهد لنا بمحبة الآب ببذله نفسه على الصليب. البكر من الأموات= هو بكرنا (1 كو23:15) فكما قام المسيح سنقوم، فنحن نستمد قيامتنا منه والأدق فيه.
رئيس ملوك الأرض = هو ملك الجميع، ومعطي كل ذو سلطان سلطانه (رو2،1:13) وهو ملك على دوميتيانوس فلماذا الخوف منه أو من غيره.
آية 6."جَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ."
جعلنا ملوكًا = الله أعطانا طبيعة جديدة متحررة من حتميات الإنسان العتيق وعبوديته المرة، فصرنا ملوك ذواتنا بنعمة المسيح ولا يسيطر علينا الجسد الذي أماته الرب على الصليب. (وبالمعمودية متنا معه والأدق فيه) ولا يسود علينا العالم الذي فضحه الرب وكشف زيفه ولا الشيطان الذي أسقطه الرب مثل البرق من السماء. فصرنا نسيطر على ذواتنا فلا تستعبدنا الخطية ولا يقتادنا الشيطان لنخالف إرادة الله ولا يستهوينا العالم فنحن نراه فانيًا. ونحن صرنا ملوكًا لأننا أولاد ملك الملوك، والمسيح يملك علينا كملك الملوك. ونحن كأولاد الله سندين العالم (1 كو2:6). ونحن نملك وعودًا بميراث سماوي في عرش المسيح سنمتلكه في الدهر الآتي. وتم التعبير عن هذا المُلْكْ رمزيًّا في مثل الأمناء "فَجَاءَ ٱلْأَوَّلُ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، مَنَاكَ رَبِحَ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ. فَقَالَ لَهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ! لِأَنَّكَ كُنْتَ أَمِينًا فِي ٱلْقَلِيلِ، فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَشْرِ مُدْنٍ" (لو19: 16-17). أما الآن ونحن ما زلنا على الأرض فنحن بالإيمان نثق أن لنا هذا الملك، وهذه الثقة تجعلنا نزهد في كل ماديات هذا العالم، فلا تسود علينا شهوة ما، وكما يقول الحكيم "مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة" (أم16: 32).
وكهنة = هناك كهنوت عام يشترك فيه كل المسيحيين، وبهذا المفهوم فكل المسيحيين كهنة. والكاهن يقدم ذبائح، فما هي الذبائح التي يقدمها المؤمنين.
1. ذبيحة التسبيح (عب 15:13).
2. ذبيحة فعل الخير (عب 16:13).
3. ذبيحة الانسحاق (مز 17:51).
4. أجسادنا كذبيحة حيَّة (رو 1:12).
5. الصلاة (مز 2:141).
ولكن هناك كهنوت خاص يُسام فيه الأساقفة والكهنة لخدمة الأسرار. وهناك من فهم هذه الآية خطأ واعتبر أن كل مؤمن هو كاهن بالمفهوم الخاص والعام وهذا خطأ.. فكيف يفهمون قوله ملوكًا إذًا بالمفهوم الخاص والعام. فالكتاب يطلب الخضوع للملوك (رو1:13) + (1بط13:2).
هل نطبق الآية خطأ ونقول كلنا ملوك فلا نخضع للملوك والرؤساء، بلا شك فهذا الفهم متعارض مع الكتاب كما قلنا وما يثبت الكهنوت الخاص:
1. (أش 21:66) فيها يتكلم عن إيمان الأمم ويقول "وأتخذ منهم أيضًا كهنة ولاويين قال الرب" ولم يقل يكون الكل كهنة.
2. (أش 19:19) "يكون مذبح في مصر" والمذبح يخدمه كهنة.
3. حديث بولس الرسول عن الأساقفة والكهنة والشمامسة (أع 3:13) + (2 تى6:1) + (1 تى14:4) + (1 تى22:5) + (تى5:1).
4. نرى في (رو16:15) بولس مباشرًا لإنجيل الله ككاهن.
5. الكهنوت وظيفة يختار الله بنفسه مَنْ يشغلها ولا يأخذها أحد مِنْ نفسه (عب5: 4).
6. سلطان الحل والربط ومسحة الزيت للمرض والمعمودية وحلول الروح القدس أُعْطِيَ للرسل فقط وخلفاؤهم من رجال الكهنوت. والسيد المسيح أعطى هذا السلطان لتلاميذه عندما نفخ فيهم الروح القدس (يو20: 22-23).
7. ثم صار في الكنيسة بعد ذلك بوضع اليد والنفخة المقدسة من الأسقف للكاهن ومن الكاهن للمعمد وهكذا (مر6: 13) + (مت19:28) + (مت19:16) + (مت18:18).
8. قول بولس الرسول "لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن (أي هيكل اليهود) أن يأكلوا منه" (عب10:13).
9. وهذا واضح من تاريخ الكنيسة لمدة 1500 سنة، ولم يعترض أحد إلا مع بداية الكنيسة البروتستانتية فكانت ثورتهم على الكهنوت كثورة قورح.
10. قال الله لموسى "وانتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة" (خر 19: 6) فهل سمح الله لكل شعب إسرائيل أن يكونوا كهنة.
11. المشكلة أن هناك من يرفض الكهنوت لأنهم تصوروا أنه مجرد رياسة وتسلط وهم لا يريدون لأحد أن يتسلط عليهم، ولكن هؤلاء لا بُد أن يفهموا أن الكهنوت خدمة والكاهن خادم للأسرار ولشعب الله. والمقصود عدم جعل الأمور فوضى إنما منظمة فإلهنا ليس إله تشويش (1كو 14: 33).
12. بمقارنة (مت6: 14، 15) مع (يو20: 23) نفهم أنه حتى لا يوجد تناقض، يجب أن نفهم أن هناك كلام يوجه لطغمة معينة هم رجال الكهنوت الذين لهم سلطان الحل والربط للخطايا (يو20) وهذا لتدبير الكنيسة والسماح بالتناول وليس للأمور الشخصية. وكلام آخر يوجه لكل الناس بما فيهم الكهنة (مت6) وفيه لزوم غفران الخطايا لكل من أخطأ في حقي حتى يغفر الله لي خطاياي.
آية 7."وَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ."
هوذا يأتي مع السحاب = السحاب إشارة لمجد الله الذي يحل. هكذا كان السحاب مرافقًا دائمًا لحلول مجد الله في الخيمة والهيكل وذلك لأن الإنسان لا يحتمل مجد الله فكما أن الشمس لا يُحتمل حرّها، والسحاب يلطف حرارتها هكذا مجد الله يخفيه السحاب حتى نحتمل نوره ومجده. عمومًا فالأشرار لن يروا مجده، أما الأبرار فسيعاينون مجده ولكن بقدر ما يحتملون، إلا أن الله سيزيد من طاقة احتمالهم ليتمتعوا بضياء مجده للأبد. وقوله هوذا هي إشارة للانتباه أن المسيح قد يأتي الآن أو في أي لحظة وستنظره كل عين = سيظهر عيانًا للكل وليس سرًا.
والذين طعنوه وينوح عليه = سينظره الأشرار ولكنهم لن يتمتعوا بمجده بل سيرتعبون أمامه، وينوحون لسابق رفضهم له إذ كانوا بأعمالهم يصلبون ابن الله ثانية ويشهرونه (عب6:6)، (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والمؤمنين ينوحون فرحًا بجراحاته التي كانت سببًا في خلاصهم. أما الذين طعنوه بإنكارهم له وبخطاياهم وزناهم... إلخ. سينوحون لأنهم سيدركون خسارتهم الأبدية وأن الفرصة الممنوحة لهم قد انتهت، ومن هيبة الجالس على العرش سيقولون للأرض انفتحي وابلعينا وللجبال غطينا من وجه الجالس على العرش (رؤ15:6-17) وراجع (مت 30:24).
وقارن مع "فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، ٱلَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ" (زك12: 10) وهنا في نبوة زكريا المتكلم هو يهوه.
نعم آمين = عبارة مصادقة أوردها يوحنا بلفظين أحدهما عبري والآخر يوناني، والمعنى أن دينونة الله هي لكل العالم.
آية 8."أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ» يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ."
أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ
= إن كان هناك لغة نعرف بها السماويات ونعرف بها محبة الآب، فهذه اللغة هي المسيح يسوع نفسه، فالمسيح يسوع هو كلمة الله، هو ألف وياء هذه اللغة (ألفا α)، (أوميجا ω) باليونانية أي أول ونهاية الحروف في اللغة فالمسيح أتى ليعلن لنا عن محبة الآب، لذلك قال من رآني فقد رأى الآب، المسيح أتى ليستعلن لنا الآب فنعرفه، فهو في مجده لا يراه الإنسان ويعيش. فهو حينما أقام الموتى أعلن أن الآب يريد لنا حياة أبدية ولا يريد لنا الموت، وحينما فتح أعين العميان أعلن لنا أن الآب يريد لنا البصيرة المفتوحة التي ترى وتعرف الآب نفسه وترى مجد السمائيات، وليست تلك التي ترى وتدرك الفانيات. وحينما علق على الصليب أعلن لنا محبة الآب غير المحدودة للبشر التي بها بذل ابنه عن الخطاة. إذًا كان المسيح هو اللغة، الألف والياء التي بها أعلن الله ذاته وأعلن عن إرادته وعن فكره، هو اللغة التي بها عرفنا الآب = "الله... كلمنا... في ابنه" (عب1: 1، 2) + " من رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). وحرف الألفا، وحرف الأوميجا نجدها رمزًا للسيد المسيح في رسومات كثيرة فهما أول وآخر حروف الأبجدية اليونانية ويشيرا لأننا كنا لا يمكننا تصور محبة الآب ومداها إلا عندما رأينا المسيح على الصليب. وهل كان يمكننا أن نتصور تواضع الله إلا حينما رأينا المسيح يغسل أقدام تلاميذه ويقبل أن يُضرب من عبد رئيس الكهنة. وهل كان لنا أن يحل فينا الروح القدس الذي يعرفنا أسرار الله ما لم يتمم المسيح فداءه على الصليب (1كو9:2-13) +(يو39:7) ونحن لن نفهم ولن نرى مجد الله إلا بالمسيح الذي أتى من السماء ليحملني فيه إلى السماء. إذًا المسيح هو الألف والياء وكل الحروف التي بينهما، بل كل ما تعبر عنه كل الكلمات في تشكيلاتها جميعًا من أفعال ومعانٍ وأوصاف وتعبيرات خرجت وتخرج من الله لتعبر عن الله وتعلنه لنا وتعرفنا محبته ومشيئته.الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ
= كل شيء قد بدأ في الزمان بالمسيح، فالمسيح هو الكلمة عقل الله الذي به كان كل شيء (يو1:1-3) وكل شيء راجع له ولمجد إسمه. الابن خلق الكل لمجد إسمه "بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِٱسْمِي وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ" (إش43: 7) + "ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِق" (كو1: 16).والمسيح هو مُحَرِّك التاريخ، لا شيء يجوز من وراء ظهره، بل عبر مشيئته المقدسة. وهو رأس الكل أي خالق الكل وضابط الكل، لا يوجد شيء خارجًا عنه هو الذي يحتوي كل شيء ولا شيء يحويه = "غير المُحْوَى". وهو تجسد ليجمع فيه كنيسته ويحتوي الكل فيه، هو جمع الكنيسة كلها فيه. هو البداية والنهاية في الزمان والمكان. هو الخالق الذي خلق كل شيء
لمجده أي لتمجده الخليقة وتعكس صورة مجده. ولما سقط الإنسان وفقد صورة المجد التي أرادها له الله، فهو تجسد ليحوي كل الكنيسة ويعيدها لصورة المجد كما أرادها الله منذ البدء . وقوله البداية = تعني أنه بدأ الخليقة في الزمان لمجد الله، والنهاية أنه تجسد ليتمم الفداء ويعيد الصورة كما أرادها الله منذ البدء لتمجده الخليقة للأبد، وذلك إما بعودة الإنسان لصورة المجد فيظهر فيه مجد الله، أو بأن تظهر قداسة الله ومجده ورفضه للخطية في عقوبة الأشرار.الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
= لو أراد أن ينهي حكم دومتيانوس أو حتى حياته لأنهاها ولو أراد أن يوقف أي اضطهاد لأوقفه فورًا. والكلمة الأصلية "بانطوكراطور" Pantocrator أي "ضابط الكل" = لا شيء يحدث في كل الخليقة إلا بسماح منه.
آية 9."نَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ. كُنْتُ فِي الْجَزِيرَةِ الَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ."
شَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ
... وَصَبْرِهِ = كلمة صبر تتكرر كثيرًا في هذا السفر. والمسيح يرسل رسائل ويوحنا يكتب لكنائس أسيا الصابرة على اضطهاد دومتيانوس. هنا نرى مثالًا حيًا لاحتمال الضيقة والاضطهاد بصبر، بل نرى أن الله يكافئ يوحنا على احتماله وصبره بأنه قد فتح عينيه على أسرار السماء . وهناك من يرفض أي ألم وأي ضيقة ويشكو ويتبرم ويتذمر. ولكن من يرفض الضيقة فهو يرفض معها أن يفتح الله عينيه على التعزيات وعلى أسرار محبته. لذلك قال القديس العظيم الأنبا بولا "من يهرب من الضيقة يهرب من الله" فنحن عن طريق الألم والصليب نشترك مع المسيح في صليبه وبالتالي في مجده (رو17:8) ولنلاحظ أن أسلوب إبليس الذي يتبعه دائمًا في أثناء الضيقات هو أنه يُصور لنا أن الله تخلى عنا بسبب أنه تركنا في الضيقة، بل هو فعل هذا حتى مع المسيح في جوعه، إذ طلب منه أن يطلب من الآب أن يحول له الحجارة إلى خبز. وهكذا يطلب إبليس مني في كل ضيقة أن أطلب من الله أن يحلها فورًا فإذا لم يستجب الله ويحل المشكلة يأتي التشكيك في محبة الله. وكان رد المسيح على إبليس "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" ولنتعلم من هذا الرد أن نجيب إبليس هكذا.... ليس بحل المشكلة فقط يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله. فمن يحتمل ضيقته بصبر واثقًا في محبة الله وأن كل ما يسمح به هو للخير، يرى يد الله القوية في خلال الضيقات، ومن يتقبلها بشكر ينمو إيمانه (كو2: 7) ويكون ذلك سببًا في خلاصه وسببًا في تعزيات كثيرة، وكلما كثرت التعزيات ازداد الإنسان صبرًا على ضيقاته. مثل هذا الإنسان يضع الله بينه وبين الضيقة فيتعزى. ولكن هناك من يضع الضيقة بينه وبين الله فيخسر الله ويزداد إحساس هذا الإنسان بالمرارة. ونلاحظ أن الصبر هو عطية من الله لمن يثق فيه. لقد عانى زكا من قصره. بل ربما كان قصره سببًا في سخرية الناس منه، لكنه كان سببًا في خلاصه والمولود أعمى عانى كثيرًا ولكن تجربته الأليمة كانت سببًا في أنه آمن بالسيد المسيح بعد ذلك وخلص.ولنعلم أن هناك منهجان في التعامل مع الله في حياتنا:-
1. أن يشعر الإنسان أنه كابن لله هو محاط بحب الله وتدليله (إش66: 12-14)، وحتى الآلام يحتملها لأنها من يد الله، مثل هذا الإنسان يعيش في فرح وتنفتح عيناه على محبة الله أكثر وأكثر كل يوم، ويرى يد الله التي تعطيه البركات. وهذا الإنسان لا يتذمر ولا يشكو، فكيف يشكو من حَسِب الألم هبة من الله (فى29:1). وهذا ما نراه هنا.. فلاحظ قول يوحنا.. كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس = ولم يقل منفيًا أو مطرودًا من دومتيانوس فهذا قد عرفناه من التاريخ، فهو لا يشتكي ضيقته. لكن هذا لمن كان قلبه نقيا فانفتحت عينيه على محبة الله له، وهذا ما عبر عنه بولس الرسول " محبة المسيح تحصرنا" (2كو5: 14)
2. هناك إنسان آخر يرى الضيقات كأنها كل شيء في حياته فيشكو ويتذمر ولا يرى بركات الله في حياته، بينما قد تكون هذه البركات واضحة للآخرين فيحيا حياة التذمر التي تؤدي إلى قسوة القلب، ومثل هذا تعمى عينيه فلا يعود يرى بركات الله ومحبة الله، بل قد يرى أن الله يتعمد الإساءة إليه. مشكلة مثل هذا الإنسان أن قلبه ليس نقيا فلم يدرك الله ولا محبة الله " طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8)
وعمومًا عمل الخدام هو إيضاح محبة الله لكل إنسان ولذلك يسمي بولس الرسول الخدمة أنها "خدمة المُصالحة مع الله".
وهنا نرى يوحنا في ضيقته وفي منفاه بعد أن عذبه دومتيانوس بإلقائه في الزيت المغلي أولًا ثم نفيه... فهل يقول يوحنا أن الله قد تخلى عني أو أنه لا يحبني، بل كان يوحنا في صبره ذا عين مفتوحة على تعزيات السماء التي تصاحب كل من في ضيقة، بل رأى هذه الرؤيا العجيبة، كما أن أيوب في ضيقته رأى الرب، وحزقيال في سبيه رأى الرب على عرشه، ويعقوب وهو هارب رأى السلم السمائي لذلك قال شريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح أنا يوحنا أخوكم = هكذا يخاطب الرسول وهو من الأعمدة أساقفة الكنائس بتواضع فهو وإن كان رسولًا للمسيح إلا أنه يشعر بالأخوة للجميع... = "أبانا الذي في السموات".
آية 10."نْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا عَظِيمًا كَصَوْتِ بُوقٍ".
كنت في الروح = إن شرط أن تنفتح عين الإنسان على رؤى الله هو أن يكون في الروح. والبشر نوعان:-
الإنسان الروحي أو من هو في الروح وهذا يقوده الروح القدس، والإنسان الشهواني الجسداني أي من تقوده شهوات جسده، ومن هو في الجسد يكون مستغرقًا في شهواته وملذاته ويجتهد في سبيل إشباعهما، تجذبه شهواته الجسدية للأرض، وكأنه بلا روح. (راجع تفسير 1كو6: 15-19).
أما من هو في الروح فهو يقاوم شهوات جسده، بل يصلب أهواءه وشهواته (غل 24:5) + (غل 20:2). مثل هذا الإنسان يكون كأنه روح بلا جسد وهذه درجات فكلما ازداد الإنسان تقشفًا وزهدًا ارتفع في درجته الروحية ولذلك نجد فلسفة الكنيسة الأرثوذكسية هي زيادة أيام الأصوام لتعطي فرصة للإنسان ليكون في الروح بصلاته مع صومه. لذلك قال السيد المسيح أن الشيطان لا يخرج إلا بالصلاة والصوم.
ونحن نعلم أن الروح يشتهي ضد الجسد والجسد يشتهي ضد الروح (غل 17:5).
مثال:-المنطاد وهو بالون مملوء بالغاز الخفيف كالهيليوم Helium ومعلق به مركبة تحمل ركابًا ويربطه بالأرض حبال ويوضع به أكياس رمل حتى لا يطير لأعلى. ثم حينما يريد القائد الطيران يلقى بأكياس الرمل ويفك الحبال فيرتفع لأعلى. وكلما تخلص القائد من أكياس الرمل يرتفع أكثر لأعلى وهذا المنطاد هو أنا، وكلما قطعت حبال الخطايا والشهوات التي تربطني بالأرض أنطلق للسماويات وأكون في الروح وأعبد الله بروحي (رو 9:1).
وكلما تخلصت من أكياس الرمل (الأكل والشرب والملذات وأحمل الصليب بشكر) كلما كان لي فرصة للتعرف على مناظر السموات.. لماذا؟
لأنه كلما صار الإنسان في الروح يسهل على الروح القدس أن يتعامل معه ويخطف روحه أو عقله وقد يغيب بحواسه الطبيعية عما حوله، ويرى أشياء تُعلَن له من الله (1كو9:2-12) وهكذا حارب الآباء السواح الجسد، فكان لهم فرصة أن يصيروا في الروح بتقشفهم الزائد. ورأوا مالا يراه البشر العاديين.
وهكذا كان يوحنا المتألم المنفي الذي يحيا في جزيرة قاحلة يندر فيها الأكل والشرب فصار في الروح إذ صار الجسد كأنه ميتًا والحياة في الروح درجات نراها هنا في سفر الرؤيا:-
1. درجة أقل..... قيل عنها "كُنْتُ فِي الرُّوحِ"، وبهذه الدرجة استطاع يوحنا أن يحصل على رسائل للكنائس السبع.
2. درجة أعلى..... قيل عنها "صِرْتُ فِي الرُّوحِ" (رؤ 2:4) فيها أعطاه الله إمكانيات روحية أعلى ليرى المستقبل، بل ليرى عرش الله والسماء. وهذه الدرجات الروحية هي خروج عن رباطات الحواس الجسدانية التي تجذب الإنسان للأرض. وبهذه الدرجات الروحية رأى بولس السماء الثالثة وقال عن هذه الحالة "أفي الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم، الله يعلم" (2كو2:12) هي حالة من السمو الروحي.
وكلما تخلى الإنسان المؤمن عن ملذات جسده يسهل تعامل الروح القدس مع روحه ويجذبه لدرجة روحية أعلى. بل أن الله يساعد أحباؤه ببعض الآلام (الصليب الموضوع علينا) حتى يفنى الإنسان الخارجي، حينئذ يتجدد الداخل يومًا فيوم (2 كو 16:4). ويصبح مثل هذا الإنسان في الروح ويرى إعلانات، لذلك اعتبر بولس الرسول الألم هبة من الله (فى29:1).
في يوم الرب = أي يوم قيامة الرب يسوع فسُمِّيَ "يوم الرب"، وفيه بدأت الكنيسة تقدم فيه عبادتها الإفخارستية. فيوحنا مع أنه في المنفى إلا أنه كان يتذكر الصلوات ويصلي فرأى هذه الرؤيا. إذًا يوم الرب هو يوم الأحد تذكار راحة الرب من إعداد الخليقة الجديدة بقيامته ليقيم كنيسته من موتها.
وسمعت ورائي =
1. للتدرج: فيوحنا لن يحتمل رؤية المسيح في مجده مرة واحدة.
2. لأن الأمور التي سيتحدث عنها محجوبة عن الأعين البشرية.
3. للإعداد، فصوت البوق سيثير الخشوع في نفس يوحنا فيكون مستعدًا أن يرى المسيح. وهذا حدث مع الشعب في البرية ومع إيليا، فقد كان يسبق رؤية الله أو كلام الله معهم أصوات ورعود... لإثارة الخشوع فيكونوا مستعدين لرؤية الله.
كصوت بوق = يوحنا يشبه الصوت الغريب الذي سمعه بصوت معروف هو صوت البوق. ولماذا كان الصوت يشبه البوق. فيوحنا يعلم أن البوق يستخدم في:
1. الإنذار بالحروب:- والسفر مليء بأخبار حروب مستمرة ضد الكنيسة.
2. الرحيل:- والسفر إنذار بأن رحلة الحياة قصيرة.
3. الأعياد:- وهذا السفر يعلن عن أعظم عيد وهو حفل عشاء عرس الخروف حيث نجتمع مع عريسنا في السماء (رؤ 9:19).
حقًا كان يوحنا غائبًا عن كنيسته في يوم الأحد، يوم سر الإفخارستيا ولكنه كان بالروح شريكًا مع الكنيسة في الصلاة وشريكًا مع السمائيين في رؤياه.
آية 11."ائِلًا: «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ. وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثِيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ»."
الأَوَّلُ وَالآخِرُ
= أي لم يبدأ قبله شيء وليس له نهاية، فهو الأزلي الأبدي الذي لا يحصره الزمن لأنه واجب الوجود (إش 6:44 + 12:48). هو يحوي كل الخليقة ولا يحويه شيء، هو غير المُحوَى. الابن هو أول الخليقة أي مُبْدِأها = رأسها، هو خلقها وهو مدبرها. وتنازل ليصير عبدًا بل ليضرب من عبد رئيس الكهنة. هو احتضن الخليقة كلها من أولها لآخرها. الأول فليس قبله والآخر فليس بعده، وهو يحوي ويضبط كل شيء.والكنائس التي أرسلت لها هذه الرسائل هي كنائس حقيقية في أسيا الصغرى (تركيا) لكن تفهم الرسائل أنها مرسلة لكل الكنيسة عبر الزمان.
آية 12."الْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ."
سبع منابر من ذهب = هم السبع كنائس. وهم مناير لأن الكنيسة هي نور العالم. وهي من ذهب فالذهب رمز للسماويات التي تحياها الكنيسة فالتفت لأنظر الصوت = أي أنظر مصدر الصوت.
آية 13."فِي وَسْطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ."
من أروع ما يمكن أن نرى المسيح وسط كنيسته يرعاها ويقودها لبر الأمان وسط زوابع اضطهادات هذا العالم، كما كان في السفينة وكان البحر هائجا ، فلا يمكن أن تغرق السفينة.
شبه ابن إنسان = كان المسيح له شكل إنسان ولكن بسبب المجد الذي صار فيه إذ جلس عن يمين الآب قيل عنه شبه ابن إنسان، ويوحنا تحير إذ أراد وصفه، فهو يشبه المسيح يسوع الذي سبق وعرفه حينما كان على الأرض ولكنه الآن له صورة مجد لم يراها من قبل فقال شبه ابن إنسان.
متسربلًا بثوب إلى الرجلين = هذه ملابس الكهنة، لأن السيد المسيح هو رئيس كهنتنا الأبدي والذي يشفع فينا وسيظل كذلك إلى الأبد.
متمنطقًا عند ثدييه بمنطقة من ذهب = المنطقة عند الثديين هي ملابس القضاة. ونلاحظ أن دانيال حين رأى السيد رآه متمنطقًا بمنطقة عند حقويه (دا 5:10). وذلك لأن دانيال حين رآه كان ذلك في العهد القديم قبل التجسد، ومَنْ يتمنطق عند حقويه يكون في وضع الاستعداد لعمل ما، فهو إذًا كان يستعد للتجسد. ولكن يوحنا حين رآه في سفر الرؤيا رآه متمنطقًا عند ثدييه لأنه يستعد لعمله كديان (يو 22:5). والذهب يشير للسماويات، فهو قاضٍ سماوي يدين بحسب قوانين السماء وليس كالبشر. المنائر ذهبية لأنها سماوية (أف6:2 + 12:6) فالذهب رمز للسمائيات فالذهب لا يتحد بشيء من الأرض كالماء والهواء، فلا يصدأ رمزا للسمائيات التي لا تفسد.
آية 14."أَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ."
وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ
وهذه لها تفسيران:1. الشعر الأبيض رمز الحكمة والأزلية فهو قديم الأيام (دا13:7).
2. الشعر يشير للكنيسة فهي شعر المسيح الملتصق برأسه. فالشعر عدده كثير جدًا وملتصق بالرأس، وهو أبيض فالمسيح بررنا وغسلنا وبيضنا بدمه. تغسلني فأبيض أكثر من الثلج (مز 7:51) + (رؤ 14:7) + (رؤ 5:1) + (أش 18:1).
عيناه كلهيب نار = نرى فيها عريسنا الساهر الذي لا ينعس ولا ينام ولا يقدر أن يخطفنا أحد من يده. ويراها الأشرار حارقة لهم، فاحصة لأعماقهم الشريرة.
كيف يبدو المسيح لكل واحد:- راجع (رؤ 6،5:5) فالشيخ قال ليوحنا عن المسيح أنه الأسد الخارج من سبط يهوذا، وحينما نظر يوحنا إليه وجده خروف كأنه مذبوح. وهذا يشير لأن السيد المسيح هو أسد وخروف في نفس الوقت. أسد في قوته وانتصاره على إبليس وخروف في تقديم نفسه ذبيحة على الصليب. والمسيح يظهر لكل منا بحسب احتياجه. فهناك من هو في ضيقة محاط بأعداء أقوياء هذا يحتاج للمسيح كأسد ليحميه ويدافع عنه ولا ينفع مع هذا صورة المسيح الحمل الوديع. ولكن هناك من هو ساقط في يأس من خطيته، وهذا يحتاج أن يرى المسيح كخروف أو كحمل قدم نفسه ذبيحة عنه ليرفع خطيته، مثل هذا لا تنفع معه صورة المسيح الأسد لأنها سترعبه. وهناك خاطئ مستهتر يحتاج أن يرى صورة المسيح الأسد المفترس فيخاف ويتوب فيخلص (هو14:5). وبهذه الطريقة يمكننا أن نفهم لماذا اختلفت أو قُل تعددت صور المسيح التي يظهر بها لكل كنيسة من الكنائس السبع (إصحاحات 3،2) فهو يظهر لكل كنيسة بحسب احتياج الكنيسة وبحسب حالة كل كنيسة. بل إن صورة المسيح التي يظهر بها للخاطئ فترعبه هي هي نفسها التي يظهر بها للمؤمن فتكون له مصدر قوة وتعزية. فالشرطي في الليل هو مصدر اطمئنان لفتاة ضعيفة تسير وحدها، وهو مصدر رُعب للص يجول ليسرق وينهب.
فحينما نرى المسيح وله عينان كلهيب نار نراها كمؤمنين فتكون لنا مصدر اطمئنان فهي تحرق خطايانا وشهواتنا، وكلما احترقت خطايانا في قلوبنا تزداد المحبة في قلوبنا إلى أن تلتهب كما بنار. ولكن هذه النظرات النارية تخيف أعداء المسيح، يراها الأشرار فيرتعبون من نظرات الله الفاحصة المخيفة الغاضبة فيقولون للجبال اسقطي علينا (رؤ16:6).
وحينما نسمع صوته كصوت مياه كثيرة نفهمها نحن المؤمنين أنها أصوات التسابيح التي ترددها الكنيسة في كل مكان، وقد علمهم الروح القدس كيف يسبحون فرحين بكل لسان وكل لغة ومن كل مكان في العالم. ويسمع الأشرار هذا الصوت فيجدون فيه صوت هدير مرعب كصوت رعد.
وحينما نسمع أن المسيح له سيف ماضٍ ذو حدين يخرج من فمه، فنرى فيه نحن المؤمنين حده الأول الذي يقطع خطاياي المميتة كما يقطع الجراح بمشرطه الورم الخبيث القاتل من جسم الإنسان ليعطيه حياة. ويكون هذا بكلمة الله التي هي سيف ذو حدين (عب12:4) والحياة الجديدة تكون كولادة جديدة (1بط23:1) وكان هذا بكلمة الله. فالحد الأول من السيف يبكت وينذر وينقي ومن يستجيب يحيا (يو25:5) فيولد الإنسان من جديد وإن لم يستجب ويتوب تكون له كلمة الله هي الحد الثاني للسيف وهذا للدينونة (رؤ16:2) + (يو29:5، 48:12).
آية 15."رِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ."
رجلاه شبه النحاس = النحاس في الكتاب المقدس يرمز للدينونة، والمسيح تجسد ليدين الخطية ويطأ إبليس بقوة. فالنحاس يشير لجسد المسيح الذي أتى به ليدين الخطية. كأنهما محميتان بالنار = النار إشارة للاهوت فإلهنا نار آكلة (عب 12: 29) والنحاس المحمي بالنار إشارة لإتحاد اللاهوت بالناسوت. والقدمين يشيران للإمكانية التي يعطيها لنا الرب يسوع لندوس الحيات والعقارب وكل خطية وكل شهوة ردية.
صوته كصوت مياه كثيرة = روح الله يشبه بالمياه (يو39،38:7) وحين يعمل في كل الذين أتوا من المشارق والمغارب وآمنوا بالمسيح وصار التسبيح لغتهم يشبه هذا بصوت مياه كثيرة أي عمل كثير في قلوب المؤمنين.
والمسيح لما كان على الأرض لم يسمع أحد في الشوارع صوته (مت19:12) ولكنه كديان سيكون صوته مرعبًا.
آية 16."مَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا."
معه في يده اليمنى سبعة كواكب = هم الأساقفة وهم في يده إشارة لحمايته لهم، هم وأفراد شعبهم. هنا يشبه المسيح نفسه بأم تحمل أطفالها لترعاهم.
واليد اليمنى إشارة لقوة حفظه لنا، فهو يحمي الأساقفة وكنائسهم بقوة. والأساقفة مشبهون بكواكب إذ هم نور للعالم يعكسون نور المسيح الذي هو كشمس، هو شمس البر (ملا 2:4).
سيف ماضٍ ذو حدين = السيف ذي الحدين هو كلمة الله (عب 12:4) لذلك نجده هنا يخرج من فمه.
ووجهه كالشمس = هذا تشبيه بشري عن مجد وبهاء الابن بعد أن جلس عن يمين أبيه وتمجد. والشمس تشير لأنها نور ونار مطهرة وتعطي الدفء وبالتالي الحياة. وملاخي النبي أطلق على المسيح اسم "شمس البر" (ملا4: 2). ولأن الشمس تشرق من الشرق فنحن نصلى تجاه الشرق لأننا منتظرين مجيء المسيح الذي سيشرق بنوره من المشارق (مت24: 27).
أيات 18،17."لَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلًا لِي: «لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ."
لا يحتمل بشر مجد المسيح، وهذا حدث
مع دانيال من قبل (دا10: 6، 8) ومع حزقيال (حز28:1) ومع التلاميذ عند التجلي (مت6:17). لكن دانيال رآه كمنظر البرق وهذا يظهر نوره لحظة ثم يختفي على قدر احتمال العهد القديم، فدانيال ما زال في العهد القديم قبل فداء المسيح، أما يوحنا فرآه كالشمس وهذه نورها ولكن كلاهما سقط ولم يحتمل فمازال كلاهما في الجسد الضعيف.فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ =
والرب من محبته وضع يده اليمنى عليه ليعطيه قوة وليعطه طمأنينة، والتهدئة من الخوف والرعب وأقامه إذ سقط. أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا = هذه الآية لا يستطيع أتباع شهود يهوه الرد عليها. فلو قلت لهم أن المسيح قيل عنه إله أو رب قالوا هذه تعني سيد. ونحن نعترف به سيدا ولكنه ليس يهوه العظيم. ولكن هذه الآية تحرجهم جدًا فلقب الأول والآخر قيل عن يهوه في (إش6:44) ولكن الحي وكنت ميتًا هذه لا تقال سوى عن المسيح. وبذلك عليهم أن يعترفوا أن المسيح يسوع هو يهوه العظيم الذي تجسد ومات وقام. وهو الديان لِه مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ = له سلطان على الهاوية = الجحيم يغلقه في وجه أحبائه ويلقي فيه أعدائه. وهنا نرى الطبيعة الواحدة للسيد المسيح فهو الأول والآخر بلاهوته وهو الذي كان ميتًا وقام بناسوته. الحَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ = الحياة هي طبيعتي أما الموت فكان شيء عارض ولن يحدث ثانية. آمين = هذه بفم يوحنا تصديقا لما قاله الرب يسوع.
آية 19، 20."اكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا. سِرَّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ: السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ، وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ».
ما رأيت = المسيح وسط كنيسته حاملًا إياها كما تحمل الأم رضيعها وقارن مع (أش12:66) + (يو12:17) لتعرف محبة المسيح وحمايته لكنيسته . ما هو كائن = أحوال الكنيسة (السبع الكنائس) لتعرف أخطائها وتتوب. ما هو عتيد = أي ما سيحدث للكنيسة حتى المجيء الثاني.
هناك مفهوم عالمي للمجد:-
وهذا يتمثل فيما يملكه الإنسان من أموال ومقتنيات وقصور وشهادات....إلخ وقد عَبَّر الكتاب المقدس عن هذا المفهوم البشري بأن جاءت كلمة المجد لأول مرة في الكتاب المقدس على فم أولاد لابان حين قالوا " أخذ يعقوب كل ما كان لأبينا. ومما لأبينا صنع كل هذا المجد " (تك31: 1). فكان المجد في نظرهم هو مجرد قطيع من الماعز. وما زال هذا هو المفهوم البشري للمجد أي ماذا تملك من مال وقوة وسلطة... إلخ. وهذا ما يحدد كم المجد الذي لك.المفهوم الحقيقي الروحي للمجد:- يتضح هذا من قول الكتاب في نهاية العهد القديم " وأنا يقول الرب أكون لها سور من نار من حولها وأكون مجدا في وسطها" (زك2: 5). وبهذا نفهم أن كلمة المجد هي كلمة خاصة بالله فقط، وحيثما يوجد الله يوجد المجد. فالمجد هو طبيعة الله بل هو الله نفسه. ونحن لن ندرك هذا المجد إلا في السماء حين نرى الله ونعرفه لأننا سنراه كما هو (1كو13: 12 + 1يو3: 2).
"السموات تحدث بمجد الله" (مز19: 1).
"في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك1: 1).
"بكل من دعي باسمي ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7).
"الكل به وله قد خلق" (كو1: 16).
نرى في هذه الآيات أن الله في أول آية في الكتاب المقدس يعلن عن طبيعته وخيريته وأنه إله حي تخرج منه حياة ومخلوقات سمائية وملائكة، وخليقة عظيمة في سمائها وأفلاكها، في شمسها وقمرها، في نظامها وترتيبها. في خضوعها له كأنها كتيبة جند يحركها فتأتمر بأمره، فهو رب الجنود (ملائكة ونجوم وبشر). ونرى الأرض بكل ما فيها من جمال الخليقة (بحار وخضرة وزهور)، بل وما فيها من مخاوف (أعاصير وزلازل)، فندرك طبيعة الله المجيدة، ندرك قوته وسلطانه وعظمته ومحبته وجماله فمن يخلق هذا الجمال فهو أجمل بما لا يقاس ومن يتحكم في هذه القوى الطبيعية فهو أقوى وأعظم بما لا يقاس. ونسمع في الكتاب أن الجبال تهتف والأنهار تصفق والمعنى أنها في جمال خلقتها تشهد لعظمة من خلقها. ونفهم إرادة الله في أن يعطي الخليقة حياة وأنه لا يخلق موتًا. إرادة الله أن ندرك ونفهم مجده ونعلنه بل ونعكسه،
فالإنسان لأنه مخلوق على صورة الله فهو يعكس ويظهر مجد الله، فالسيد المسيح يقول "أنا هو نور العالم" ويقول لنا "أنتم نور العالم" (يو8: 12 + مت5: 14). وبهذا نمجده بأن نشهد له ونسبحه ونعلن مجده أي يظهر مجده فينا فهو يستحق، وهذا ما يعمله السمائيون "أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهي بإرادتك كائنة وخلقت" (رؤ4: 11)، بل ليس فقط السمائيون بل كل الخليقة. لم يفشل في تمجيد الله سوى الشيطان والإنسان.وراجع الآيات (إش43: 1-21) لنرى الله يعلن عن محبته لشعبه إسرائيل (رمزا للكنيسة) وأنه سيخلصها من عبوديتها لبابل (رمزا لعبودية البشر للشيطان) وسيحطم كل العوائق التي تحول دون عودتهم (وللكنيسة كان هذا بالصليب) وسيجمع شعب إسرائيل من الشتات " أقول للشمال أعطِ وللجنوب لا تمنع. إيتِ ببنيَّ من بعيد وببناتي من أقاصي الأرض. بكل من دُعِيَ باسمي ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (6، 7) (وكان كل هذا رمزًا لدخول الأمم للإيمان بالمسيح). "هذا الشعب جبلته لنفسي. يحدث بتمجيد."(آية 21). ومن يدرك عمل الله هذا يمجده ويشهد له " أنتم شهودي يقول الرب وأنا الله" (آية 12). فالشهادة لله الفادي والمخلص هي دعوة للآخرين ليعرفوا ويؤمنوا، وهذه هي إرادة الله " أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى2: 4) ودخول الكثيرين للإيمان يمجد الله. وهذا ما قاله السيد " أنا مجدتك على الأرض" (يو17: 4) = بأن استعلن لنا الآب وتمم الفداء فأعاد الإنسان لحضن الآب.
إذًا من يريد أن يمجد الله عليه أن يشهد لله سواء بفمه أو بحياته في محبة للآخرين وفي حياة قد انتصرت على الخطية بعمل النعمة، بالفرح وسط الضيقات والتسبيح والشهادة والشكر لله وسط التجارب، ويرى الناس صورة للمسيح فينا والفرح الذي فينا، ويسألوننا عن سبب الرجاء الذي فينا (1بط3: 15) فيؤمنوا به. لذلك نحن نور للعالم وسفراء كأن المسيح يعظ بنا (مت5: 14 + 2كو5: 20).
إذًا معنى أن الله خلق كل شيء لمجد اسمه، أنه يريد أن تدرك كل الخليقة مجده وتعرفه فتسبحه وتمجده، بل وتعكس مجده وتظهره. وهذا ما أدركته الملائكة حينما رأوا عمل الله في الخليقة " أين كنت حين أسست الأرض.... عندما ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بني الله" (أى38: 1-7).
من هذه الآيات من سفر أيوب نفهم معنى التسبيح:- فالتسبيح هو التعبير عن حالة الفرح بما رآه الملائكة من أعمال الله في الخليقة. وهذا ما عمله الملائكة القديسون. وهذا أيضًا عمل كل أبناء الله القديسون الذين تكون قلوبهم نقية وبالتالي تكون عيونهم مفتوحة، فيعاينون الله (مت5: 8) ومن يعاين الله ويعرف أعماله يسبحه ويمجده. فالتسبيح ليس هو فرض يجب أن نقوم به سواء الآن أو في السماء، بل هو حالة من الفرح حين نعرف الله ونراه، والتعبير عن هذا الفرح هو ما يسمى التسبيح.
والعكس فمن هو مستعبد للخطية لن ترى عيناه مجد الله وعمله، وبالتالي لن يسبح، وهذا ما عبر عنه المرنم بقوله عن من سباهم البابليون من شعب الله إلى أرض العبودية بابل " على أنهار بابل.. بكينا..علقنا أعوادنا. لأنه هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة.... كيف نرنم ترنيمة الرب في أرض غريبة" (مز137: 1-4). ففي العبودية لا أفراح، وبالتالي لا تسبيح (السبي في بابل رمز لسبي الخطية للإنسان).
الله خلقنا لنعاين مجده:- فنرى الله يتكلم مع آدم وحواء (تك1، 2) ولما أخطئا اختبئا (تك3: 8). وبسبب الخطية احتجب الله عن الإنسان."قا أنت إله محتجب يا إله إسرائي."(إش45: 15) وما عاد الإنسان يرى مجد الله لئلا يموت،
وما عاد الإنسان يظهر فيه صورة مجد الله ويعلنها. لنفهم لماذا لا نستطيع أن نرى مجد الله، نقول أن هذا يشبه أن الإنسان لا يستطيع أن يحدق في نور الشمس لئلا يفقد نظره بسبب ضعف الجسد ونحن ضعف جسدنا بسبب الخطية ، وهذا ما قاله الله لموسى النبي حين أراد أن يرى مجد الله "لا يراني الإنسان ويعيش" (خر33: 20). ولكن في النهاية أراه الله النذر اليسير بقدر احتماله فلمع وجهه. وهذه القصة تظهر أن الله يوَّد لو رأى الناس مجده فيفرحون، ولكن هذا لا يمكن الآن ونحن في هذا الجسد الذي سكنت فيه الخطية (رو7: 14 – 25) ولنفهم هذا لنرى مقدار الرعب الذي حدث لشعب إسرائيل حين رأوا النذر اليسير على قدر احتمالهم، وشيوخ إسرائيل رأوا بقدر استحقاقهم (خروج إصحاحات 24، 33، 34) (أما في السماء فسنرى الله ونعاين مجده (يو17: 24 + 1كو13: 12). بل تتغير صورتنا إلى صورة جسد مجده (فى3: 21 + 1يو3: 2) . ونرى أن هدف الله منذ البدء أن يوجد الإنسان في مجد الله، ويظهر هذا من وعد المسيح لملاك كنيسة لاودكية أنه لو غلب يجلس معه في عرشه (رؤ3: 21).مجد الله هو الله نفسه لا نراه الآن ولكن هو في وسطنا وفينا كأبناء لله، إذًا نحن في مجد لكنه غير مستعلن. أما في الأبدية فسوف يستعلن وينعكس علينا هذا المجد فيكون لنا أجساد ممجدة "المجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو8: 18).
أي يظهر في أجسادنا صورة مجد الله وهذا ما أراده الله من البدء.مما سبق نفهم أن الله خلق الإنسان ليوجد في حضرة الله ومجد الله ويفرح بالله ويراه في مجده ويعكس مجد الله ويظهره ويعلنه لكل الخليقة، لذلك طلب المسيح من أبيه أن نكون معه ونراه في مجده (يو17: 24) وذلك لينعكس علينا مجده ونحيا في مجد للأبد.
والله خلق الإنسان ليحيا حياة أبدية بلا موت:- فكان معروضا على آدم أن يأكل من شجرة الحياة،
فالله قال له من جميع شجر الجنة تأكل، وشجرة الحياة كانت في الجنة . لكنه حينما أكل من شجرة معرفة الخير والشر بحريته مات "أنا اختطفت لي قضية الموت" (القداس الغريغوري).والله خلق الإنسان ليفرح
ويحيا في مجد:- فقد أعد الله الأرض في مليارات السنين لتكون جنة جميلة يعيش فيها الإنسان في فرح (عَدْنْ كلمة عبرية עֵדֶן تعني فرح وبهجة). ولما فقدنا هذا الفرح بسبب الخطية أتى المسيح ليعيد لنا هذا الفرح وقال "الآن عندكم حزن ولكن أراكم فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22). ويعيد لنا الحياة "من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو11: 25)، ويعيد لنا المجد (يو17 : 22).والإنسان هو نفخة حياة من الله، حياة خرجت من الله لا لتنفصل عنه، بل تظل في حضن الله، فالانفصال عن الله هو انفصال عن الحياة، فالله حياة. فلما أخطأ الإنسان انفصل عن الله فمات الإنسان وخسر حياة الفرح وهذا معنى طرد الإنسان من الجنة. وحينما لم يعد الإنسان يرى الله ما عاد يعكس مجده.
لكن الخطية أضاعت كل هذا من الإنسان فهل يبطل قصد الله.
من المستحيل أن يفشل قصد الله فتجسد المسيح كلمة الله ليتمم قصد الله.
الآن نرى أن إرادة الله أن نعرفه ونراه ونعرف وصاياه وبلا خوف، ونرى مجده ونفرح به، ونظل غير منفصلين عنه، ولكن الخطية الساكنة فينا تمنعنا (رو7: 17). ورأينا مدى الرعب الذي شعر به بني إسرائيل حين رأوا الله بقدر ما أمكن، فطلبوا من موسى ألاَّ يروا الله ثانية فلا يموتوا، بل يصعد موسى وحده ويكلم الله وينقل لهم كلمات الله (تث18: 15-19) ونرى هنا وعد الله بإرسال ابنه يسوع المسيح الذي قال عنه هنا " نبي من وسط بني إسرائيل من إخوتهم ويضع كلامه في فمه".
الكلمة في اليونانية تعني من أخطأ في إصابة الهدف فلم يحصل على مكافأة. وهذا ما قاله القديس بولس الرسول "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو3: 23). والهدف الذي يجب أن نسعى إليه كأولاد الله هو كيف
نرضي الله بأن نطيع وصاياه، ووصايا الله ليس هدفها سوى راحة وفرح الإنسان، فالله يحب الإنسان وخلقه ليفرح وهو في مجد الله، وأعطاه الوصايا التي تؤدي لأن يفرح ويستمر حيا للأبد في مجد الله ويعكس هذا المجد. ولو عرف الإنسان الله لأحبه ووثق فيه، ووثق أن وصاياه هي لصالحه فيطيعها. وكان الله يريد أن يكتشف الإنسان محبته ويبادله هذه المحبة، وتكون عطايا الله للإنسان هي علامة محبته له، وتكون طاعة الإنسان لله هي علامة محبة الإنسان لله. ولما أخطأ آدم الهدف (خطية آدم) خسر المجد وخسر كل بني آدم هذا المجد. وكان فداء المسيح ليعيد آدم وبنيه لهذا المجد. ولكن ما زال الإنسان حرا في أن يأكل من شجرة الحياة فيحيا للأبد في المجد أو يرتد للخطية ويضيع منه هذا المجد.والآن فإن من يضل عن الله سعيا وراء شهوات العالم لن يجد سوى الضلال والعدم فالعالم باطل كالسراب. أما من يطيع الله يثبت الله فيه فيكون في مجد غير معلن (زك2: 5) ويستعلن هذا المجد في الدهر الآتي (رو8: 18).
الخطية فصلتنا وأبعدتنا عن الله فما عدنا نراه وما عدنا نعرفه ولا نعرف إرادته، وكان أن تجسد كلمة الله فرأينا في المسيح صورة الآب نفسه = "هو بهاء مجده ورسم جوهره" (عب1: 3)." وهو صورة الله غير المنظور" (كو1: 15) لذلك قال السيد المسيح " الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9) فالمسيح أعلن الآب " الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّرَ (يو1: 18) = الألف والياء. ولقد ظهر مجد الله في المسيح فرأينا فيه مجد الآب.
والخطية فصلتنا عن الله. وتمرد الإنسان على الله ولم يعد الكل خاضعًا لله معلنا سيادة الله على كل الخليقة (عب2: 8). كان قصد الله أن يظهر محبته للإنسان بعطاياه وجنة الفرح التي هيأها له، وحين يكتشف الإنسان هذه المحبة يحب الله الذي أحبه، ويكون علامة حب الإنسان لله الخضوع لله وطاعته إذ يكتشف أن وصايا الله هي لصالحه، فمن أحبه كل هذا الحب لن يعطيه وصايا إلاّ ما يقوده ليفرح ويحيا حياة أبدية.
نحن كنا حياة خرجت من كلمة الله
الذي هو في حضن الآب = فالمسيح هو بداءة خليقة الله أي هو الذي بدأ الخليقة، خرجت منه الخليقة، وبه كان كل شيء (رؤ3: 14 + يو1: 3). وكانت إرادة الله وفرحته أن يعطي حياة للإنسان ويسعد الإنسان ويعلن محبته، ويعكس هذا الإنسان مجد الله كما تعكسه كل الخليقة، على أن يظل الإنسان في اتصال مع الله بلا انفصال عنه داخل دائرة الحب الإلهي حاضرًا أمام مجده فيعكس مجده. فالإنسان كان أولًا في الابن فالإنسان خرج من الابن، ولأن الابن كان في حضن الآب كان الإنسان أولًا في حضن الآب، ويرى الإنسان مجد الله ويفرح به فيسبح كعلامة لفرحه كما تعمل الملائكة. ولما أخطأ الإنسان فقد كل هذا فأتى المسيح ليتحد بنا ويعيدنا إلى حضن الآب (تصمم الكنائس لتشرح هذا المفهوم). وعاد الوضع كما أراد الله، كنا حياة خرجت منه فأعادنا المسيح إلى حضن الآب = فهو البداية والنهاية بدأ الخليقة أو خرجت منه وأبدأها، ولما تمرد الإنسان تجسد المسيح ليعيده للآب ثانية ويثبت قصد الله الأزلي. ونكون في نور أبدي فالله نور (رؤ22: 5). لذلك قال الآب عند معمودية المسيح "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" إذ أننا بالمعمودية نعود لله كأبناء لله. البداية = أن الحياة خرجت من ابن الله بهدف أن نعلن مجد الله. والنهاية = المسيح يعيدنا لدائرة الحب الإلهي والخضوع لله فنعود لما أراده الله منذ البدء ونعكس مجد الله ، ونتبادل الحب مع الله بعد أن انفتحت أعيننا وعرفناه إذ أعلنه المسيح لنا= الألف والياء . ولذلك يقول بولس الرسول أنه في النهاية "يخضع الكل لله ويكون الله الكل في الكل" (1كو15: 28) فهو سيجمع الكل فيه ويكون هذا الخضوع بالحب والثقة إذ عرفناه . ونحن لن نجد أنفسنا سوى في الله.أما الأشرار فلن يروا الله إذ قد رفضوه وهم على الأرض فسيبقون في الظلمة الخارجية (مت25: 30). وسيتمجد الله فيهم أيضًا بأن ينهي تمردهم وعصيانهم، ويعلن سلطانه عليهم.
الكل سيخضع لله إما عن حب وتمجد كل الخليقة الله
، وهذا سيحدث مع القديسين الذين مجدوا الله على الأرض، وإما بالدينونة. لذلك نرى المسيح هنا يظهر مرتديا الثياب الكهنوتية = شبه ابن إنسان متسربلا بثوب إلى الرجلين فهو رئيس كهنة يشفع في القديسين، لكن على صدره منطقة وهذه ملابس القضاة = ومتمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب فهو الديان للأشرار.إذًا في النهاية لا بُد وأن يتمجد الله ويثبت القصد الإلهي، فالقديسون سيتمجد الله معهم بإعلان محبته وبالمجد المُعَّدْ لهم فالمسيح تجسد ليمجد جسده الإنساني (ناسوته) وبالتالي يمجد جسدنا (يو17: 5 + 17: 22) وذلك بأن يعيدنا إلى الوجود في حضرة الآب، في حضن الآب وينعكس علينا مجد الله ونوره فيكون لنا الجسد الممجد والنوراني وهذا كان قصد الله من البداية وهذا يتضح من وعد المسيح لكنيسة لاودكية " من يغلب أعطيه أن يجلس معي في عرشي" (رؤ3: 21) وبالمسيح ثبت قصد الله في النهاية.
المسيح الأزلي الأبدي غير الزمني = الأول والآخر هو أبدأ الحياة في الزمان، فبه كان كل شيء وبه عادت الخليقة لله كما كان قصده منذ البدء = لذلك هو البداية والنهاية.
أما من رفض الله وهو على الأرض فسيتمجد الله أيضًا فيه بإعلان قداسته وعدله في عقوبته في البحيرة المتقدة بالنار المعدة لإبليس وملائكته (مت25: 41 + رؤ20: 15).
كيف نمجد الله الآن:- " لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت5: 16)، ويكون هذا بمعرفة الله وهذه المعرفة يعطيها الروح القدس الذي يعلمنا ويأخذ مما للمسيح ويخبرنا" (يو14: 26 + يو16: 14). وحينما نعرفه نحبه ونلتصق به. وبالتصاقنا بالله في عبادة مستمرة نثبت في المسيح ونسلك في محبته وتواضعه وخدمته للآخرين فنكون صورة للمسيح يراها الناس (غل4: 19) فيعرف الناس المسيح ويؤمنون به فيتمجد الله بإيمانهم.
هذا التعبير يتكرر مع كل رسالة يوجهها رب المجد إلى كل كنيسة من الكنائس السبع. والمعنى أنه كما رأينا أن الله خلقنا لمجده أي لنراه ونحيا في فرح في مجده، نراه ونعكس مجده ونسبحه فهو يستحق هذا التسبيح، ويكون هذا التسبيح تعبيرا عن فرحتنا بالله وبعمله.
ولكن ونحن في الجسد الآن نجد أنفسنا في صراع بين الجسد والروح وراجع (غل5: 16-26). فإن ضلَّ الإنسان عن الهدف وهو الله والتفت إلى الخليقة دون الخالق ساعيا وراء شهوات الجسد الخاطئة، ينفصل عن الله، ويفقد وجوده في دائرة الحب الإلهي والمجد الإلهي فيفقد صورة الله. ولذلك نجد الإنسان مخيرا بين الحق وهو الله وهو أيضًا مجد الله، وبين العالم الباطل وملذاته التي ينشغل بها الإنسان عن الله فيفقد الإنسان رؤية الله ومعرفته. ونرى صورة لصراع الإنسان بين الحق مع الباطل في رسالة لاودكية (رؤ3) فمن غلب ينال مكانا في عرش المسيح أي في مجده. وعرش المسيح حق ومجد أبدي. ولكن مَنْ ضلَّ وانجرف إلى محبة العالم فيصير شقي وبائس وفقير وأعمى وعريان ولا نصيب له في المجد الأبدي. ولأن المسيح هو عريس نفوسنا، والنفس هي عروس المسيح، لذلك فإن من يخطف النفس من يد المسيح يثير غيرة الله (يع4: 4-6) وتترجم كلمة غيرة هنا حسد فهما نفس الكلمة. ولذلك يعتبر الكتاب أن محبة العالم عداوة لله. والله خلق العالم لنستعمله لا ليصير هدفا لنا نسعى وراءه تاركين الله.
والمسيح أتى ليشهد للحق وليمجد الله، ولأن العالم باطل صَلَبَ المسيح، والمسيح قَبِل الصليب ليأتي بأولاد الله الذين انفصلوا عنه بسبب الخطية ويعيدهم لحضن الآب = "أنا مجَّدتك على الأرض" (يو17: 4). ولذلك فإن الصليب يعتبر مجدًا، فهو اختيار حر لله ورفض للعالم (يو7: 37-39). ونحن نفهم الآن أن قبولنا أي صليب هو مجد لله، فنحن نقبل الصليب حبًا في الله، ورفض العالم والذات والثبات في الله هو مجد لله. وهذا ما فعله الشهداء فانتشر الإيمان إذ رأى الوثنيون هذا الحب لله وإنكار الذات حتى الموت. وما معنى أن المسيح مجَّد الآب؟ هذا يعني أن المسيح أعلن الآب ومحبته للناس، وأعاد الإنسان لحضن الآب فثبت القصد الإلهي، وكون أن البشر يعودون لله فهذا يمجد الله.
هو ابن الله الأزلي غير الزمني الأول والآخر. هو البداية والنهاية = في الزمان خرجت منه الخليقة كاملة وحسنة جدًا (تك1: 31) كما أرادها الآب وبعد السقوط أعادها كما أرادها الآب. هو ابن الله الذي تجسد ليستعلن لنا الآب ويعلن لنا إرادته، هو كلمة الله = الألف والياء. وفي تجسده اتحد لاهوته بناسوته = رجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون. والنحاس إعلانا عن أنه سيدين الخطية التي دخلت إلى العالم ويدكها. وليس هذا فقط بل يصل التطهير إلى مستوى حرق الخطية من داخل الإنسان فيتطهر ضميره " مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير.." (عب10: 22) = عيناه كلهيب نار فهو فاحص القلوب والكلى (رؤ2: 23). ويرسل لنا الروح القدس " روح الإحراق " ليحرق خطايا شعبه فيطهرهم (إش4: 4) = رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج..... رأسه = هو قدوس وبار بلا خطية يبكته أحد عليها، وشعره = برر شعبه بأن غسلهم وبيضهم بدمه (رؤ7: 9، 14) وكان هذا ما سبق ووعد به الله شعبه"...إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف" (إش1: 18). وصار رئيس كهنة وشفيعا لشعبه = شبه ابن إنسان متسربلا بثوب إلى الرجلين.
وأعلن الله كلمته فيه = سيف ماض ذو حدين يخرج من فمه. فهو يعلن إرادة الله بالحد الأول وهذه تنقي وتلد من جديد (يو15: 3 + 1بط1: 23)، ويدين بالحد الثاني (يو12: 48 + رؤ2: 16 + يو5: 22) فهو الديان = متمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب + له مفاتيح الهاوية والموت = فيعلن مجد الله وقداسته بدينونة الشر. وكنيسته المطهرة بدمه هذه صارت كنيسة مُسَبِّحَة كالسمائيين = صوته كصوت مياه كثيرة يقول هنا صوته فهو رأس لكنيسته. ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها = فهو قد تمجد بالجسد ليمجد كنيسته (يو17: 5، 22).
البداية والنهاية = قصد الله لا بُد وأن يثبت، خلق الله الإنسان ليفرح الله به ويفرح الإنسان بالله. وما حدث بسبب الخطية لا يتعدى لحيظة بالنسبة لأزلية الله وأبديته فهو الأول والآخر. وهذا المفهوم يشرحه الله هكذا في سفر إشعياء " لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة وبإحسان أبدي أرحمك قال وليك الرب" (إش54: 7، 8).
متى يرتاح الإنسان ويفرح... ومتى يصيبه الحزن والإحباط؟
عادة يفرح الإنسان إذا ما تحققت رغباته، وبالعكس فهو يحزن إن لم تتحقق هذه
الرغبات. والإنسان أمامه هدفين:- (1) إما أن يطلب راحته. (2) وإما أن
يطلب مجد الله. والإنسان الغير ناضج روحيا عادة ما يطلب راحته غير مهتم بمجد
الله. فنجد المرأة السامرية تطلب من المسيح الماء الذي من يشرب منه لا يعطش
أبدًا، حتى لا تأتي للبئر وتستقي من الماء كل يوم. واليهود بل والتلاميذ
أرادوا أن يملك المسيح كملك أرضي بعد أن رأوا معجزة إشباع الجموع بخمس خبزات
وسمكتين، ووجدوا أن هذا سيجعلهم يحيون في راحة دون مجهود، بل سيكون لهم امتيازات عالمية ومناصب عالية كتلاميذ للملك، بل
استمروا في هذا الصراع حتى
إلى ما قبل الصليب بساعات. ونجد السيد يلزمهم أن ينزلوا للبحر (مت14: 22) إذ
وهو العالم بكل شيء كان يعلم بهياج البحر مساءً. وصعد هو إلى الجبل ليفهموا أنه
سيتركهم ويصعد إلى السماء، إنما هم سيكملون عملهم على الأرض وسط هياج هذا
العالم المضطرب كالبحر، ويأتيهم المسيح سائرا على الماء إعلانا لهم أنه هو
المسيطر على كل الأمور. ويسير بطرس على الماء حينما كانت عينه مثبتة على المسيح
ولكن حين نظر للبحر المضطرب الهائج غرق في الماء، ويقول له المسيح لماذا شككت
. من هذا نرى أن المسيح لم يعدنا براحة في العالم، بل قال لنا أنه في العالم
سيكون لنا ضيق ولكن يطمئننا أنه غلب العالم وهذا = سيره على الماء وسط البحر
الهائج. فمن ينتظر الراحة في العالم لكي يفرح فمن المؤكد أنه لن يجد الفرح في
هذا العالم. والبحر تثور أمواجه من هياج الهواء وهذا ما حدث لسفينة
التلاميذ فكادت تغرق " وأما السفينة فكانت في وسط البحر معذبة من
الأمواج لأن الريح كانت مضادة " (مت14: 24). فإذا فهمنا أن هياج الريح
يرمز لهياج الشيطان الذي قال عنه بولس الرسول أنه
رئيس سلطان الهواء (أف2:
2)
. والشيطان الهائج يثير العالم (البحر) ضد الكنيسة وشعب الله (السفينة). لكن
الكل خاضع لسلطان المسيح ضابط الكل، فالهواء والبحر بل وكل الخليقة تطيعه
وتحت سلطانه (مت8: 27) + (مت8: 32) + " ولما دخلا السفينة سكنت
الريح " (مت14: 32). من كل هذا علينا أن نفهم أنه حين تضطرب الأمور أمام
أعيننا فعلينا أن لا نجزع بل نفهم أن الله يريد الأمور كما هي هكذا، فإنه لو
أراد تغييرها لكان قد غيرها فهو قادر على هذا وله كل السلطان. ولنعلم أن الله
لن يسمح بحدوث شيء إلا لو كان هذا الشيء لمجد اسمه. ومن المستحيل أن يحدث شيء
والله لا يريد له أن يحدث. وكيف يحدث شيء لا يريده الله، والله هو ضابط الكل
؟! لذلك نجد أن الطريق الصحيح للفرح هو في أن يكون هدفنا مجد
المسيح وليس الراحة المادية في هذا العالم. ولنعلم أن المسيح قد تمجد بالجسد
لكي يتمجد الإنسان. ولذلك قيل أن الله جعله وارِثًا لكل شيء (عب1: 2) أي يَرِثْ
المجد بجسده (يو17: 5) لكي نَرِث نحن معه هذا المجد (رو8: 17 + يو17: 5). هو
غلب ليتمجد بجسده = يجلس مع الآب في عرشه لنتمجد نحن معه ونجلس معه (مع المسيح)
في عرشه. فكل مجد للمسيح بجسده هو لحساب الإنسان الثابت فيه، لذلك يقول "
اثبتوا فيَّ " (رؤ3: 21).
مجد الله.... وراحة الإنسان
والمسيح ليس في حاجة للإنسان ليمجده، بل حينما يبحث الإنسان عن مجد المسيح سيجد نفسه هو وقد تمجد. فالمسيح تمجد بجسده الإنساني ليمجد الإنسان، فكلما يسعى الإنسان ليمجد المسيح يتمجد الإنسان ويفرح. ولنلاحظ أن الفرح والسلام اللذين يعطيهما المسيح يختلفان عن الفرح والسلام اللذين يعطيهما العالم.
سلام العالم معرض للاختفاء مع أول ألم أو تجربة تَلِّمْ بالإنسان. ولنتصور إنسانا امتلك كل ما يشتهيه من كل شيء (مال وقصور... إلخ) ثم حدث زلزال مخيف فهل نتصور أن يستمر هذا السلام الذي أعطاه له العالم، أم أنه سيتلاشى فورًا؟! والعكس نجد داود النبي يقول " إن نزل عليَّ جيش لا يخاف قلبي. إن قامت عليَّ حرب ففي ذلك أنا مطمئن " (مز27: 3)، ويقول أيضًا " لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار " (مز46: 2). لذلك يقول السيد المسيح ملك السلام "سلاما أترك لكم. سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا" (يو14: 27).
الفرح العالمي أيضًا لا يمكن أن يتغلب على آلام العالم، لكن الفرح الذي يعطيه المسيح قال عنه "ولا ينزع أحد فرحكم منكم " (يو16: 22).
ولنفهم أن مجد الإنسان والكنيسة هو في وجود الله وسطها (زك2: 5). ووعد السيد المسيح لنا هو " لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم " (مت18: 20). لكن هذا يتطلب منا أن نسلك في النور فلا شركة بين النور والظلمة (2كو6: 14).
وكيف نفرح والعالم حولنا مضطرب وبه أحداث مخيفة، فهل هذه الأمور تمجد الله؟!
يقول لنا القديس بولس الرسول "كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله" (رو8: 28). ولكن لا داعٍ أن نحاول فهم كل شيء ونُخْضِع الأحداث للمنطق البشري، فنحن لن نفهم هنا كل ما يفعله الله ويسمح به، لكننا سنفهم فيما بعد (يو13: 7). ولنتأمل في موقف الشعب وحيرتهم بل وحيرة موسى النبي أيضًا وهم محصورين ما بين البحر الأحمر من أمامهم وجيش فرعون من خلفهم .... هل كان يتصوَّر أحد أن يخرج من هذا الموقف ما يمجد اسم الله؟!. فهناك كثير من الأحداث التي تقابلنا في حياتنا ويعسر علينا تقبلها وأن نفرح بها إذ هي ضد راحتنا وضد منطقنا البشري فنحزن.
والأغرب أن هناك من يتصوَّر ويخطط ويرسم طريق للأحداث وكيف يجب أن تسير الأمور ليتمجد الله، فإن حدث عكس ما يتصوره يحزن ويكتئب. فهل نخطط نحن لله أم علينا أن نتقبل نحن ما يدبره الله بحكمته؟!
إذًا طريق الفرح يتلخص في أن نسعى وراء مجد المسيح، ونسلم الأمور له فهو العالم كيف يمجد اسمه. وإن ظهر أمامنا أن الأمور معقدة فهو القادر أن يخرج من الجافي حلاوة ليتمجد اسمه (قض14: 14). وإذا فهمنا أن كل ما يحدث بسماح منه مهما غلق علينا فهمه فلنفرح إذًا، وهذا ما عبَّر عنه يوسف حينما قال لإخوته " أنتم قصدتم لي شرًا.أماّ الله فقصد به خيرًا لكي يفعل كما اليوم. ليحيي شعبًا كثيرًا" (تك50: 20).
ببساطة لو وثقت أن الله لن يسمح سوى بما يمجد اسمه، وأن في هذا أيضًا كل الخير لك " فكل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله " (رو8: 28) على شرط أن تضع في قلبك أن لا تثق في نفسك وأفكارك وتصورك لحلول المشاكل، حينئذ سوف تفرح.
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرؤيا 2 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
مقدمة سفر الرؤيا |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ha8mv23