محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
سفر رويا يوحنا الإنجيلي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
آيات 2،1 "وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ. فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ."
سمعنا في سفر التكوين عن نهر يسقي الجنة، وأن الجنة بها شجرة حياة (تك2: 9 ، 10) وها نحن في ختام أسفار الكتاب المقدس نسمع عن النهر وعن شجرة الحياة في أورشليم السماوية، فالله يقودنا لما أراده لنا منذ البدء.
والنَهْرً = هو إشارة للروح القدس (يو37:7-39) + (مز5،4:46) + (إش12:66-14). فالروح القدس كنهر يفيض حياة وعزاء وسلام.
والشَجَرَةُ = هي المسيح رأس الكنيسة ونحن جسده (مز1:1-6) وكون أن الشجرة موجودة على النهر فالمعنى أن الحياة التي أعطاها لنا المسيح بتجسده وبجسده ودمه، حياته الأبدية التي قام بها من الأموات. صارت لنا بالروح القدس، الذي أرسله لنا المسيح، فالروح القدس هو الذي يثبتنا في المسيح (يو26:5 + يو7:16 + 2كو1: 21 ، 22).
مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ = راجع (يو14،10:4) فماء الحياة هو روح الله أو حياة الله.
حياة الله خارجة ومتدفقة منه لتملأ الناس حياة وبر وعزاء وفرح وسلام ومحبة حقيقية.
صَافِيًا = أما أنهار العالم أي مصادر الملذات العالمية والأمجاد العالمية. فهي معرضة دائما أن تتعكر، بل هي مشبهة بماء البحر المالح. والله سيقتادنا إلى هذا النهر الذي قال عنه "ينابيع الماء الحية" في (رؤ17:7). فالروح ينبثق من الآب. ويصل لنا بعمل المسيح الفدائي كنهر لنرتوي منه، فنمتلئ فرحًا حقيقيًّا لا يشوبه أي نوع من الحزن ونمتلئ سلامًا حقيقيًّا بلا أي هم أو قلق. ونمتلئ محبة حقيقية لكل الخليقة ولله أولًا. وهذه المحبة هي السبب في الفرح والسلام. والمحبة التي سيعطيها لنا الروح القدس لم نختبر مثلها على الأرض، فسنحب كل من في السماء وسنفرح لهم، حتى لو كان لهم مجد ودرجات أعلى منا بكثير. في السماء يمكننا أن نطبق الآية "فرحًا مع الفرحين" (رو15:12) بصورة كاملة ومطلقة. هي محبة بلا حسد ولا غيرة ولا شهوة فلقد تخلصنا من الأجساد الترابية. هي محبة صافية = وهذا معنى نهرًا صافيًا، فالمحبة ستكون صافية بلا حقد ولا حسد، والفرح سيكون صافيًا بلا حزن.. وهكذا. والحياة التي ستتدفق فينا هي حياة أبدية بلا موت. والكنيسة تصلي على المنتقلين وتقول نيح يا رب نفس عبدك (فلان) في أحضان إبراهيم وإسحق ويعقوب. وهذه مأخوذة من قول الرب يسوع أن "لعازر رأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه" (لو16: 23). وأيضًا "أقول لكم: أن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات" (مت8: 11). والحضن كناية عن المحبة التي ستسود العلاقات بيننا في السماء. والمحبة الحقيقية تنشئ الفرح والسلام. والمعنى أعط يا رب لنفس عبدك المنتقل أن يتذوق المحبة الحقيقية مع السمائيين، والتي ينشأ عنها الفرح الحقيقي.
لاَمِعًا كَبَلُّورٍ = البلور يعكس الأنوار. والمعنى: [1] أن الروح القدس سيعكس الأمجاد الإلهية فنستمتع بها، وهذه تملأ النفس فرحًا وسلامًا. ألم يقل السيد المسيح عن الروح القدس أنه يأخذ مما له ويخبرنا (يو14:16). [2] وأيضًا فالروح القدس الآن يثبتنا في المسيح، فنثبت في حياته (2كو1: 21 ، 22) ولذلك يطلق على سر الميرون سر التثبيت. ونحن نرى الآن أنه في السماء سيثبتنا الروح القدس في المسيح نهائيًّا فنعكس مجده فيصير لنا أجساد نورانية وممجدة (فى3: 21 + 1يو3: 2). ومن هنا نفهم معنى البحر الزجاج شبه البلور الموجود أمام العرش (رؤ4: 6) - وهو تعبير عن أولاد الله المولودين من المعمودية. وهم يعكسون مجد المسيح. وهنا نرى أن الروح القدس هو الذي أعطاهم هذا إذ ثبتهم في المسيح الذي تمجد بالجسد ليعطينا مجده (يو17: 5 ، 22).
*وكل هذا يفعله الروح القدس الآن، ولكن ما نحصل عليه الآن هو مجرد عربون ما سيعطيه لنا في الأبدية (1كو10،9:2 + 1كو12:13) فالبلور اللامع هو التعبير البشري عن الأمجاد الإلهية والتي ستنعكس علينا. والمحبة تأتي أولًا، وأول نتائجها الفرح وهذه سمة الحياة في السماء. وكما قلنا فما نحصل عليه هنا هو مجرد العربون. نحن نحصل هنا على عربون الروح (2كو1: 22). والروح الذي فينا الآن يعطينا عربون المحبة والفرح... إلى آخر ثمار الروح. أما في السماء فالخروف يقتادنا إلى ينابيع ماء حي للامتلاء بالروح وبالتالي بالمحبة الكاملة والفرح الكامل ... وكل الثمار (رؤ7: 17).
ما نحصل عليه الآن هو العربون، أما في السماء فسيكون إتحادنا بالمسيح إتحادا كاملا فنحيا وتثبت فينا حياة المسيح. والغصن الحي يثمر (يو15: 5). وهكذا تكون لنا ثمار الروح القدس كاملة (غل5: 22 ، 23)، أي سنحصل على كل البركات بالكامل :-
المحبة: ستكون كاملة، بلا أي شوائب من كراهية أو غيرة أو حسد.
الفـــرح: سيكون كاملا بلا أي حزن، هناك سيمسح الله كل دمعة من العيون.
السلام: سيكون كاملا ولا مكان للقلق أو الخوف.
التعفف: سيكون كاملا، هناك سنحتقر كل ما كان يمثل لنا غواية على الأرض.
البنوة لله: البنوة لله ليست كاملة الآن، فنحن ما زلنا نخطئ (1يو3: 6 ، 9). وستكمل البنوة في السماء "متوقعين التبني فداء أجسادنا (أي نلبس الأجساد الممجدة)" (رو8: 23).
ومما يؤكد أن سفر الرؤيا مكتوب بطريقة رمزية أننا نجد شجرة الحياة في وسط سوق المدينة وفي نفس الوقت هي عَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ.
خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ = هنا نجد الله المثلث الأقانيم، الآب والابن والروح القدس وهم واحد. عرش الله = هذا إشارة لمجد اللاهوت مثلث الأقانيم، المجد الأزلي الأبدي. والخروف = هو المسيح بجسده الذي مات وقام وصعد به، ليجلس بجسده هذا عن يمين الآب. ويصير لجسده الإنساني هذا نفس مجد لاهوته الأزلي (يو17: 4 ، 5). ولكن ما يؤكد الوحدة بين الله والخروف، وأنهما واحد، وأن لهما نفس المجد قوله هنا أن لهما عرش واحد. خارجا من عرش الله = الروح القدس ينبثق من الآب. والخروف = الله يرسل لكنيسته الروح القدس بعد أن تمم الخروف الفداء وتم الصلح بين الله والبشر.
وعرش الله هو تعبير عن مجد لاهوته والذي صار لناسوت المسيح (يو17: 5). معنى هذه الصورة أن الوحي يرسم لنا صورة الابن الذي تجسد ومات وقام وصعد بجسده ليتمجد بناسوته = جلس عن يمين الآب، فتم الصلح بين الله والإنسان. وأرسل الله الروح القدس للبشر ليهيئ الكنيسة كعروس لابنه = الآب يريد والابن بشفاعته الكفارية أرسل الآب الروح القدس ليسكن في الكنيسة وفينا. وَالْخَرُوفِ = لأن المسيح أرسل الروح القدس ليملأ الكنيسة. والروح القدس منبثق من الآب ليملأ المخلصين باستحقاقات دم الخروف. فلولا دم المسيح ما استحق أحد أن يملأه الروح القدس. والروح القدس يقال عنه هنا خارجا من عرش الله، وهذا لأنه في الآب ومنبثق من الآب (يو26:15).
عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ = هو عرش واحد، فالآب والابن واحد (يُرجى مراجعة تفسير رؤ 3: 21). والعرش كلمة تعبر عن مجد الله الأزلي بلاهوته. وصار نفس المجد للمسيح بناسوته (الخروف).
نَهْرًا .. خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ:-
النهر خارجًا من عرش الله = الروح القدس ينبثق من الآب.
وخارجًا من الخروف = المسيح بفدائه أرسل الروح القدس للكنيسة.
وقوله الخروف كناية عن المسيح وهذا يعني أن الصورة التي سنرى بها المسيح في السماء هي الصورة التي ظهر بها لنا على الأرض. وتكرار تسمية المسيح بالخروف في سفر الرؤيا تأكيدًا على أن ما أوصلنا للسماء والمجد هو ذبيحة المسيح الكفارية.
وفِي وَسَطِ سُوقِهَا = السوق بالمفهوم العالمي هو المكان الذي يتم فيه البيع والشراء والمعاملات المالية بين الناس. والكلمة مترجمة في الإنجليزية "شارع أو قطعة أرض واسعة أو ميدان مفتوح" بنفس المعنى. أما في السماء فلا يوجد بيع أو شراء ولا معاملات مالية. وبهذا نجد أن السوق هنا يشير للمعاملات بين المخلصين مع بعضهم البعض وستكون في السماء بمحبة وشفافية.
هنا يرسم الوحي صورة عجيبة للسماء. فهناك شجرة حياة هي المسيح ، والمسيح موجود في السوق وعلى جانبيّ النهر، فإذا فهمنا أن السوق يشير للمخلصين، فالمسيح متحد بهم وهم جسده. وكون النهر في وسط الشجرة، فهذا إشارة لأن الروح القدس المنبثق من الآب وهو روح المحبة الذي يفيض على المحبوب (أف6:1) صار بإتحادنا مع المحبوب يفيض علينا نحن أيضا، فنحن جسد المسيح ، والمسيح هو الذي يرسل الروح (يو7:16). معاملاتنا إذن مع بعضنا البعض ستتسم بالمحبة بسبب إتحادنا بالمسيح ولانسكاب الروح القدس، روح المحبة فينا.
وفِي وَسَطِ سُوقِهَا = هذا يذكرنا بما رآه القديس يوحنا في (رؤ2: 1) فالمسيح مع أنه رأس الجسد إلا أنه يظهر هنا وكأنه يجول وسط كنيسته يهتم بكل واحد فيها.
ما معنى أن المسيح يرسل الروح القدس؟ هذه تشير لشفاعة المسيح الكفارية (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فنحن صرنا مقبولين أمام الآب بدم المسيح. لذلك يرسل لنا الآب الروح القدس باستحقاقات الدم. وبهذا نفهم لماذا يقول المسيح مرة "متى جاء الْمُعَزِّي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب..." (يو15: 26). ومرة أخرى نجد المسيح يقول "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر" (يو14: 16)؟ هذا معناه أن شفاعة المسيح أي دمه سبَّب الصلح بين الآب وبيننا فأرسل لنا الروح القدس.
فقول المسيح سأرسله = بعد أن أُتَمِّم الفداء بدمي يحدث الصلح.
عموما فما يحدث في دائرة الثالوث نراه واضحا في قول الوحي على فم إشعياء النبي "تقدموا إليَّ إسمعوا هذا. لم أتكلم من البدء في الخفاء. منذ وجوده أنا هناك (أزلية الإبن) والآن السيد الرب (الآب) أرسلني (من يتكلم هنا هو يهوه الإبن) وروحه (الروح القدس)" (إش48 : 16). فلكل أقنوم دوره. هنا نرى الاتفاق داخل المشورة الثالوثية على أن يقوم الابن بعمل الفداء. فنجد الآب والروح يرسلان الابن ليتجسد ويتمم خلاص البشر. ثم بعد أن تمم الابن الفداء، نجد الآب والابن يرسلان الروح القدس للكنيسة ليتمم ما بدأه الابن.
ولأن الروح القدس أُرْسِلَ إلينا بعمل الابن الفدائي، نجد النهر هنا يمر من وسط الشجرة التي تشير للمسيح، فالشجرة موجودة على ضفتيّ النهر = وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ = فالنهر يمر من خلال الشجرة. والمعنى أن الشجرة هي المسيح ونحن صرنا فيه، هو الكرمة ونحن الأغصان. وماء الحياة هو النهر أي الروح القدس الذي يهيئ العصارة التي تسري في الفروع فتحفظها حية للأبد.
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً = الله خلق الإنسان ليحيا إلى الأبد، وكان معروضا على آدم أن يأكل من شجرة الحياة أي ليكون له حياة أبدية. ولما اختار طريق الموت كان الفداء وجاء المسيح ليتحد بالإنسان. وكان ثمر هذا الإتحاد أن عادت الحياة الأبدية للإنسان. والثمار أيضًا هي للشبع وهذا الشبع دائم، وكتعبير عن دوام الشبع يقول = تعطي كل شهر، ففي السماء لن يكون هناك جوع ولا عطش فالمسيح يشبعنا بذاته والروح القدس يروينا. أي شبع دائم وفرح دائم. ورقم 12 يشير لأبناء الملكوت، كأن الثمر مخصص لهم. كلٌ يجد فيه احتياجه وشبعه. وهذا الثمر دائم فهو كل شهر = علامة سخاء النعمة فعطاء المسيح دائم. فطبيعة الثمار الأرضية عدم الدوام فبعض الثمار تظهر شتاءً وبعضها صيفًا، والبعض يظهر لفترات قليلة جدًا ثم يختفي.
تُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ = لن تكون هناك أزمنة في السماء، فلن يكون هناك أيام. فلا ليل ولا نهار بل نهار دائم. ولكن في هذا إشارة لتجديد الثمر، أو أن الثمر سيكون كأنه جديد دائما ومتجدد، فنقف أمام الشجرة في دهشة وعجب وبلا ملل. نأكل منه (رمزيا) فنشبع. ومن فرحتنا نذهب لنقطف من ثمارها ثانية فنجده جديدا وبطعم جديد ولذة جديدة.
شبه أحد القديسين الملكوت بأنه حالة فرح عجيب برؤية الله والتمتع برؤياه ومعرفته. ولمحدودية الإنسان (فنحن سنظل كبشر محدودين حتى في السماء) يصير غير محتمل لهذا الفرح فيصرخ كفى، أنا غير قادر ، هبني يا رب اتساعًا، فيعطيه الله اتساعًا أكثر، فيعرف الله ويعرف عن الله أكثر، والمعرفة حياة (يو3:17). وحينما يعرف يفرح أكثر وأكثر. ولمحدوديته يصرخ كفى، أنا غير قادر فيعطيه الله اتساعًا أكثر وأكثر ليحتمل المزيد.. وهكذا وربما هذا ما أشير له بفترة الشهر، وهذا لن ينتهي بل سيستمر للأبد، فالله غير متناهي. وتكون الأمجاد والأفراح واللذات بمعرفة الله ورؤيته في مجده هي بلا نهاية، بل باتساع أكثر = كل شهر = بحسب محدودية لغتنا البشرية.
ولأنه لا يوجد جوع ولا عطش في السماء، لهذا نفهم أن الثمر يشير لمعرفة المسيح المفرحة والمشبعة والتي نكتشف فيها الجديد والمشبع وبلا نهاية. لذلك فمن يذهب للشجرة كل شهر ليأكل من الثمر نفهم أن هذا يشير لطلب الازدياد والنمو في معرفة الله.
وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ = الأمم هم الشعوب الذين آمنوا فصاروا من المخَلَّصين ودخلوا المدينة السماوية.
لِشِفَاءِ الأُمَمِ = الله خلق الإنسان على صورته، وفقدنا هذه الصورة بالخطية ولندرك مدى ما خسرناه، فلنتأمل في قصة موسى الذي رأى النذر اليسير من مجد الله وهو في داخل كهف في داخل جبل والله أغلق عليه ليحميه حتى لا يموت ومع هذا لمع وجه موسى. والسؤال.. ماذا كان عليه وجها آدم وحواء قبل السقوط وهما كانا يريان الله وجها لوجه. هذه القصة ترينا كم خسرنا بسبب الخطية فصارت أجسادنا ووجوهنا معتمة وفقدت نورها ولكن في السماء ستشفى طبيعتنا ونعود بأجساد نورانية ممجدة. وفي السماء سيتحقق وعد الله بالكامل "أنا الرب شافيك" (خر15: 26) فنُشْفَى جسدا ونفسا وروحا. جسدًا بحصولنا على الأجساد الممجدة (رو8: 18 ، 23 + أف1: 13 ، 14). ونفسًا يملأها الفرح والسلام. وروحًا بالإتحاد الكامل بالله، فما كان يفصلنا عن الله هو الخطية، والسماء لا يوجد فيها خطايا. ويضاف لذلك أننا الآن نشبع من تفاهات العالم وأما هناك فسنشبع فقط بالمسيح. وهذا هو الشفاء الحقيقي والصورة هنا إستعارية من بعض الأشجار في الطبيعة، فثمر الشجرة للأكل والشبع، وأوراق الشجرة تؤخذ كدواء لبعض الأمراض (كشجر الجوافة مثلًا) والمعنى أنه بالمسيح وفي المسيح صار شبعنا وشفاء طبيعتنا. وهذا ما تنبأ عنه ملاخي النبي "... ولكم أيها المتقون إسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها,,," (ملا4: 2). هذه الصورة هنا في هذه الآية صورت قبل ذلك في (حزقيال 47).
هذه الصورة هنا في هذه الآية صورت قبل ذلك في (حزقيال 47).
ولاحظ أن العصارة داخل الشجرة هي حياة المسيح فينا. وهي ثابتة فينا بالروح القدس ، فالعصارة مأخوذة من النهر فالروح القدس ما زال عمله أن يأخذ من المسيح ويعطينا الشبع والشفاء والمجد... ولاحظ أن الثمر يتكرر كل شهر، بينما أن الورق لا يذكر أنه يتكرر. وذلك لأن الثمر يشير كما قلنا لنمو معرفة الله وبالتالي زيادة الفرحة بمعرفته وأنها معرفة متجددة وفرحة متجددة ولذة متجددة. أما الورق فيذكر أنه مرة واحدة فالشفاء تم وحصل الإنسان على الجسد الممجد النوراني وصار فرعًا ثابتًا في الشجرة. ما تنبأ عنه حزقيال (حز 47: 12) تم هنا في أورشليم السماوية.
آية 3 "وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ."
لاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ = بسبب الخطية لُعِنت الأرض ولُعِن الإنسان نفسه بعد ذلك (قايين وكنعان مثلًا). ولكن في أورشليم السماوية لن تكون هناك خطية وبالتالي فلن تكون هناك لعنة ثانية.
ولاحظ أن البركة ببساطة تعني أن الله في حياتنا وفي كنائسنا وفي وبيوتنا. والله يعطي بسخاء ولا يُعيِّر (يع1: 5). وعطايا الله هي البركة. أما من ينفصل عن الله ويعطي حياته للخطية تابعا الشيطان، فمثل هذا يفصل نفسه عن الله فيضربه الشيطان إذ هو بلا حماية إلهية. وهذه هي اللعنة. أما السماء فلا يدخلها شيء دنس (رؤ21: 27) أي الشيطان لا يدخلها، والله يسكن فيها مع أولاده، فمن أين تأتي اللعنة؟!
وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا = لن يحدث ثانية انفصال بين الله والناس. فالانفصال كان بسبب الخطية. وهذا معنى "مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم" (رؤ21: 3).
وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ = أي يسبحونه ويشكرونه ويتعبدون له ويمجدونه ويحققون إرادته بل يفرحون بها. لقد انتهى التمرد والعصيان الذي كان فينا ونحن على الأرض. هناك سنقول لتكن مشيئتك من عمق القلب وعن اقتناع كامل وبلا تذمر بل بفرح وخضوع بحب .
آية 4 "وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ."
سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ = سنرى الله وجها لوجه (1كو12:13) وهذا سر الفرح، فنفرح في لذة عجيبة ولن نفكر سوى في الله.
اسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ = فالجبهة رمز للتفكير، وكون اسمه على جباهنا فهذا يعني أن شغلنا الشاغل هو التفكير في الله، فلا انشغال في أكل أو شرب أو هموم. الله فقط سيصير محور تفكيرنا هناك فهو مصدر سعادتنا الدائمة. من عرف الله حقيقة يفرح بشخصه، كعروس أحبت عريسها لشخصه. أما المبتدئين فهم يحبونه ويفرحون به لعطاياه كعروس تحب عريسها لهداياه، فإن توقفت الهدايا يتوقف حبها.
وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ = هي سمة للملكية فلم نعد عبيد لأحد سوى لله.
آية 5 "وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ."
وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى الأَبَدِ = سيكون لعبيد الله مجدا وكرامة ملوكية وسيكون لهم ميراثا سماويا يملكونه. وسيكون لهم نصيب في العرش ، والمسيح شمس البر سينير عليهم وفيهم ويحيطهم بنوره فالله نور.
نرى في الآيات السابقة أن قصد الله الأزلي من خلقة الإنسان قد تحقق. فها هم البشر (السوق) متحدين بابنه (شجرة الحياة) وصاروا جسدًا واحدًا هو جسد المسيح. في المسيح عادت الوحدة (يو17: 21 - 24). وروح الله القدوس يرويهم (النهر) وها هم يمجدون الله ويعكسون مجد الله (كبلور) إذ هم (ينظرون وجهه)، وكانت هذه إرادة الله الذي خلق الكل لمجده (إش43: 7). و(عبيد الله يخدمونه) وابنه في وسطهم يرعاهم. أما (اللعنة) التي دخلت بسبب الخطية ها هي قد زالت فقد حملها المسيح عنا. فبسبب الخطية تشوه الإنسان فكان الفداء، وبالمسيح تم (شفاء) الإنسان.
لقد تحقق في آخر إصحاحين من الكتاب المقدس (رؤ21 ، 22) الصورة المثالية التي أرادها الله للخليقة منذ البدء والمذكورة في أول إصحاحين في الكتاب المقدس (تك1 ، 2). فقصد الله لا بد وأن يثبت.
1- هذا ما رأيناه في هذه الآيات (رؤ22: 1 - 5).
2- ولذلك ففي بداية سفر الرؤيا نسمع من فم الرب يسوع أنه هو الألف والياء والأول والآخر والبداية والنهاية (رؤ1: 8 ، 11). وهنا في آخر سفر الرؤيا يكرر الرب أنه الأول والآخر والبداية والنهاية (رؤ21: 6 + 22: 13) والمعنى أن الرب يقول ما أردته منذ الأزل لا بد وسيكون كما قصدته. البداية كانت أن الله خلق الكل لمجده (إش43: 7). وتمرد بعض الملائكة وكل البشر. وها قد تمم المسيح الفداء وصار كل من ثبت في المسيح من البشر ينضم للملائكة في السماء ليمجدوا الله. وها كل أعداء الله تحت موطئ قدميه، بل هم في البحيرة المتقدة بالنار يظهرون قداسة الله وعدله ورفضه للشر من خلال قضائه عليهم.
3- رأينا في (تك2: 12) أن الجنة كان بها (ذهب جيد ومقل وحجر الجزع) وهذا إشارة للإنسان المحبوب لدى الله وقد خلقه الله ووجده حسن جدًا وكان له درجة سماوية. فالذهب يشير للسماويات والأحجار الكريمة تشير للقيمة الغالية للإنسان أمام الله. وبسقوطه لم يكف الله عن محبته له. بل أعاده الله لمكانة أعلى وأسمى. ونرى ذلك في إصحاح (21) من الرؤيا ولاحظ فيه أن كل شيء ذهب، إشارة لارتقاء الإنسان في درجته السماوية. ولاحظ كمية الأحجار الكريمة في أورشليم السماوية، فقد زادت قيمة الذين جاهدوا وغلبوا أمام الله. وهذا ما قاله القديس بولس الرسول "ولكن ليس كالخطية هكذا أيضًا الهبة" (رو5: 15). والمعنى أننا خسرنا الكثير بسبب الخطية، ولكن هذا الكثير الذي خسرناه صار قليلا أمام ما حصلنا عليه بفداء المسيح:- خسرنا مكانا في الجنة (حديقة جميلة) وإكتسبنا مكانا في عرش المسيح. خسرنا جسدا من طين قابل للخطية والموت، وسنحصل على جسد ممجد غير قابل للخطية ولا الموت.
4- وعادت الوحدة للإنسان بعد أن كانت الخطية قد دمرت هذه الوحدة فقتل قايين أخوه هابيل. فالله خلق آدم واحد ومنه خرجت حواء ومنه ومن حواء خرج الأولاد أي أن آدم وحواء وأولادهم هم واحد. والآن في السماء نرى كل المخلصين هم جسد المسيح الواحد، العروس الواحدة المزينة لرجلها (رؤ21: 2). الخطية دمرت الوحدة بين أجزاء الجسد الواحد آدم، فقتل قايين هابيل أخوه. وجاء المسيح ليعيد تجميع أولاد الله كجسده الواحد. وكان هذا بالمعمودية وبالإفخارستيا لضمان ثباتنا في الجسد الواحد لنستمر أعضاء جسده من دمه ومن عظامه (أف5: 30).
5- الروح القدس يروي المؤمنين فيجعلهم ثابتين في الابن يعاينون مجده، ويعكسونه فتكون لهم أجساد ممجدة. وهذا ما قصده الله منذ البدء إذ كان هناك نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة (تك2: 10). وكان هذا رمزا لإرادة الله وقصده الأزلي بأن الروح القدس يثبت الإنسان في شجرة الحياة فيحيا للأبد. وهذا أعاده المسيح الذي قادنا بفدائه إلى ينابيع ماء حية (رؤ7: 17). وهذا ما قاله الله نفسه "ليتك أصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كَلُجَجْ البحر" (إش48: 18).
6- النهر صافي (آية 1) تعبيرًا عن المحبة الحقيقية مصدر الفرح الحقيقي، فنعود كما أراد الله منذ البدء في جنة عدْنْ (كلمة عبرية معناها الفرح). فالفرح الحقيقي مصدره المحبة. وهكذا كان آدم قبل السقوط في حب متبادل مع الله (آدم مخلوق على صورة الله، والله محبة) لذلك كان آدم في فرح حقيقي. وها قد عاد الوضع كما أراده الله منذ البدء.
7- سنحيا في السماويات لا يفرحنا سوى الله وهو محور تفكيرنا وفرحنا وبالتالي تسبيحنا = السوق من ذهب. ومعاملاتنا مع بعضنا البعض ستكون في شفافية أي لا يوجد في داخلنا ما نخجل أن يظهر أمام الآخرين = السوق زجاج شفاف (رؤ21: 21). هذا هو الحب الذي أراده الله من البدء.
آيات 7،6 "ثُمَّ قَالَ لِي: «هذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَالرَّبُّ إِلهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا». «هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ»."
أرسل الله ملاكه ليرى يوحنا هذه الأسرار في هذه الرؤيا، والله في محبة كشف لنا كل هذا لنستعد.
مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا = هذه الرؤيا عمرها الآن حوالي 2000 سنة. ولكن يوم عند الله كألف سنة وألف سنة كيوم (2بط8:3). والملاك يؤكد صدق هذه الأقوال والإنذارات والأحداث لنأخذ الأمور بجدية ونستعد.
هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا = المجيء الثاني لم يأتي حتى الآن، ولكن لحظة موت كل منا قد تأتي أسرع مما نتصور. طوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا الكتاب أي يراقب الأحداث ويسهر في حياة استعداد منتظرا مجيء المسيح ويحفظ وصاياه ويعمل بها. بالإضافة أن في أقوال هذا الكتاب أسرار سنكتشفها في حينه، وراجع المقدمة وتفسير الآية (رؤ1: 3). فهناك إرشادات أعطانا الله إياها في هذا السفر بلغة مُشَفَّرَة. ومنها نعلم كيف نتصرف وإلى أين نذهب في أيام الضيقة العظيمة، أيام ضد المسيح. فمثلا وعدنا الله بمكان نهرب إليه وهناك يعولنا (رؤ12: 6). فأين هو هذا المكان؟ هذا ما سنكتشفه في حينه، سنكتشفه مُخَبَّأ في كلمات هذا السفر.
الرَّبُّ إِلهُ الأَنْبِيَاءِ = أي الذي أوحى للأنبياء عبر ألاف السنين ليكتبوا نبواتهم التي حملت إنذارات الله للبشر، وتنبأوا أيضًا بأمور خلاصنا وفداء المسيح لنا وهذه كلها حدثت بالفعل. والله يريد أن يقول أنه كما تحققت نبوات الأنبياء في موضوع الخلاص وفي إنذاراتهم، فإن أقوال هذه الرؤيا ستصدق.
آيات 9،8 "وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هذَا. فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الأَنْبِيَاءِ، وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ. اسْجُدْ للهِ!»."
مرة ثانية يتصور يوحنا أن الملاك الذي كان يكلمه هو الرب يسوع وذلك راجع للتشابه وللعظمة التي في هيئة الملاك. وكل هذا سيكون لنا (فى21:3) + (1يو2:3). فكما أن الملائكة يعكسون صورة المجد الإلهي هكذا سنكون بأجسادنا الممجدة.
عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ
= لاحظ أن الملاك يضم نفسه مع يوحنا وإخوته ومن يحفظ أقوال هذا الكتاب، وهذا هو ما فعله المسيح بفدائه، إذ وَحَّدَ السمائيين والأرضيين، وصار رأسا لهما معا (أف10:1).
آية 10 "وَقَالَ لِي: «لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ."
لا تختم = أي لا تخفي منها شيئًا، بل أعلن وأنشر هذه الأقوال فالأيام قد اقتربت. هناك أشياء أراد الله إخفائها مثل ما قالته الرعود (رؤ4:10) ولكن هناك ما يريد الرب أن نعرفه جميعا.
آية 11 "مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ»."
في نهاية الكتاب المقدس وبعد كل الإنذارات والوصايا والأقوال المقدسة يقول الله هذا، وكأنه يقول "أنا عملت اللي عليَّ..." علَّمت وأنذرت... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). إذًا ليمشي كل واحد في الطريق التي تروق له... كل واحد يسير على هواه، إلى أن يأتي يوم الدينونة. وما يزرعه الإنسان فإياه يحصد.
وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ = الكلام موجه للبار الذي يسلك في البر، وهكذا لمن هو مُقَدَّس، فبعد أن يسمع أحد هؤلاء عن الأمجاد المعدة لمن يغلب، هذا عليه أن يزداد في جهاده وبره وقداسته ليتمجد بالأكثر، ويأخذ أجرًا أعظم، كما نرى في الآية التالية.
آية 12 "«وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ."
حقا الحرية مكفولة للجميع، ولكن الله العادل سيجازي كل واحد كما يكون عمله = هنا نرى أن الإيمان وحده لا يكفي فالشياطين تؤمن وتقشعر والمهم أين أعمالنا. هنا نرى أهمية الأعمال حتى لا يكون الإيمان ميتًا (يع21:2).
آية 13 "أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ»."
راجع تفسيرها في (رؤ11:1) والمعنى أن المسيح هو رأس الكنيسة وهو يحتضن الجميع وهو ضابط الكل الذي يحرك كل الأمور فلماذا الخوف.
آية 14 "طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ،"
طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ
= مرة ثانية نسمع عن أهمية الأعمال.لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ
= "أي يكونوا مستحقين" وفي ترجمات أخرى يكون لهم الحق أن يأكلوا من الشجرة فيكون لهم حياة، أو ينالوا حياة، فالشجرة رمز للمسيح. والله "أعطى سلطان لكل من قبلوه أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو1: 12). وكان هذا عن النعمة وقوة عمل الروح القدس المعين والذي يجعلنا ثابتين في المسيح شجرة الحياة . الخطية قبل المسيح كان لها سلطان أيام الناموس، ولكن في عهد النعمة ما عاد لها سلطان علينا (رو6: 14). وبقوة النعمة وعملها فينا نكون من الذين يصنعون وصاياه ولا ننساق وراء الخطية فنثبت في المسيح شجرة الحياة .يَدْخُلُون مِنَ الأَبْوَابِ
= أي يسمح لهم الملائكة بالدخول (رؤ12:21).
آية 15 "لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا."
هنا نجد قائمة بالذين سيمنعهم الملائكة من الدخول لأورشليم السماوية.
وكلمة كلب ترجمت في ترجمات أخرى سدومي sodomite أي رجل شاذ جنسياً أو مأبون، فالكلمة المستخدمة تشير للمأبون (قاموس Strongs). ومن أيام موسى أطلق الشعب على الشواذ جنسياً من الرجال لقب كلب. فالمأبون يقال عنه كلب. ونجد أن موسى إستخدم لفظ كلب على المأبون إستنكارا لهذه الخطية. "لَا تَكُنْ زَانِيَةٌ مِنْ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، وَلَا يَكُنْ مَأْبُونٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل. لَا تُدْخِلْ أُجْرَةَ زَانِيَةٍ وَلَا ثَمَنَ كَلْبٍ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ عَنْ نَذْرٍ مَّا" (تث23: 18،17). ففي الهياكل الوثنية كان هناك نساء زانيات ورجال مأبونون ناذرين أنفسهم لهذا العمل. ويتبرعون بأجرتهم للهيكل الوثني. فنجد أن موسى هنا حين إستخدم كلمة كلب كان يقصد بها المأبونين، ونجده جمع بين الكلب (المأبون) وبين الزواني "لَا تُدْخِلْ أُجْرَةَ زَانِيَةٍ وَلَا ثَمَنَ كَلْبٍ" وكلاهما يقومون بالزنا في هياكل الشيطان. فالله رفض دخول أي أموال من هؤلاء الزناة إلى هيكله المقدس.
وهكذا فعل الوحي هنا إذ جمع بين المأبون (الكلب) والزناة والسحرة فالكل خاضع لعمل الشيطان = لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وكما رفض الله دخول أموال هؤلاء الزناة إلى هيكله المقدس رفض دخول هؤلاء إلى أورشليم السماوية. والله سبق وحذَّر من يفعل هذه الخطية على فم القديس بولس الرسول "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَا يَرِثُونَ مَلَكُوتَ ٱللهِ؟ لَا تَضِلُّوا: لَا زُنَاةٌ وَلَا عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلَا فَاسِقُونَ وَلَا مَأْبُونُونَ وَلَا مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلَا سَارِقُونَ وَلَا طَمَّاعُونَ وَلَا سِكِّيرُونَ وَلَا شَتَّامُونَ وَلَا خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ ٱللهِ" (1كو6: 10،9). ومن الناحية الرمزية تعتبر الكلاب نجسة:
فهي ترمز لمن يتصرف مع المؤمنين تصرف الكلاب أي يريدون نهش لحومهم، ويهيجون الحكام والولاة ضدهم بنباحهم ضد المؤمنين. وتشير الكلاب أيضاً لمن يعيش في النجاسة. فالكلب بمفهوم العهد القديم نجس، لماذا؟ لأنه يعود إلى قيئه فتقال كلمة كلب عن كل تائب يعود لخطيته ثانية (2بط22:2). وكانت تقال الكلمة عن المسيحيين المرتدين لوثنيتهم. بل قيلت أيضاً عن الوثنيين.
آية 16 "«أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ»."
أَنَا يَسُوعُ = المسيح يكشف لكنيسته عن نفسه كمخلص لها (يسوع = يهوه يخلص).
أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ = أنا إله وخالق داود. فأنا أصل داود من جهة اللاهوت.
وأنا ذرية داود من ناحية الناسوت، فلقد صرت بالجسد ابنًا لداود.
وهذه الآية تشير بوضوح لأن يسوع هو الإله المتأنس.
كوكب الصبح المنير = المسيح يشرق على كنيسته. وكوكب الصبح المنير يكون إيذانا بمشرق الشمس لينتهي الظلام. والمسيح بتجسده، كان هذا إيذانا بنهاية ليل هذا العالم، وليأتي المسيح في نهاية الأيام ليمجد كنيسته، ويبدأ نهار اليوم الثامن الذي سيكون نوره بلا نهاية فلا ليل هناك، فنور الأبدية هو نور المسيح نفسه.
آية 17 "وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: «تَعَالَ!». وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: «تَعَالَ!». وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا."
الرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ تَعَالَ = الروح القدس يحرك أشواق المؤمنين لمجيء المسيح الثاني. وهو العامل في الكنيسة كلها لتقول للرب يسوع تعال.... آمين تعال أيها الرب يسوع... الروح القدس يضع في أفواه القديسين هذه الصلوات، مثلما وضع في فم بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح" وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ تَعَالَ = فكل نفس تذوقت حلاوة عشرة المسيح من المؤكد ستدعو الآخرين كما قال داود النبي "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب". وهذا معنى قول عروس النشيد "اجذبني وراءك فنجري. أدخلني الملك إلى حجاله. نبتهج ونفرح بك. نذكر حبك ..." (نش1: 4). ولاحظ قول العروس اجذبني (أنا)... (فنجري – نبتهج – ونفرح..) (أنا ومن أحضرهم معي). ولكن كيف نحضر الآخرين؟ كيف يكون لكلماتنا عندما ندعوهم تأثيرًا فيستجيبوا ويأتوا للمسيح. هذا يكون بالروح القدس. الروح يعطي كلمة لمن يدعو، ويعطي أذنًا صاغية لِمَنْ يسمع.
مَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مجانًا = من فهم أن الروح القدس هو العامل فيه حين يدعو الآخرين للمسيح. فليطلب أولا الإمتلاء من الروح القدس ليكون له الكلمة المؤثرة عند السامعين (أف5: 18 – 21). ويقول الرب يسوع "إن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه (لو11: 13). إذًا من يهتم ويطلب يُعطه الله الامتلاء من الروح. وهكذا قال أيضًا رب المجد "إن عطش أحد (المهم الشعور بالاحتياج مع اللجاجة في الطلب) فليقبل إليَّ ويشرب. من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو7: 37 ، 38). من يأخذ الآن من ماء الحياة هو يأخذ العربون، أما في السماء فسنأخذ من نهر الماء الصافي.
آيات 19،18 "لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ."
في نهاية الكتاب المقدس يحذر الله من تحريفه بأي صورة من الصور.
آية 20 "يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا». آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ."
الشاهد هو الرب يسوع من أول (آية 12). وهكذا قال عن نفسه الشاهد الأمين (رؤ3: 14).
نعم = المُصَادقة على كل ما جاء في السفر.
أَنَا آتِي سَرِيعًا = تكررت هذه العبارة 4 مرات في هذا الإصحاح (آيات6 ، 7 ، 12) وهذه الآية. وهذا يدل على أن المسيح متشوق ومتعجل أن تأتى كنيسته إلى مجده، تأتى عروسه لتتحد به إتحادًا أبديًا، إتحاد الجسد برأسه. المسيح يشتاق أن يمجد كنيسته (يو17: 22 ، 24 + رؤ3: 21). وهو مشتاق أن يسكن مع شعبه في المدينة المقدسة، أورشليم الجديدة، مسكن الله مع القديسين (رؤ21: 1-3).
وهو سيأتي ومعه الأجرة والمكافأة للأبرار الثابتين فيه (آية12). وهو سيأتى أيضًا بالدينونة لمن تمردوا عليه وأهانوا إسمه. هو مشتاق لمكافأة الأبرار أعضاء جسده. وأيضًا هو مشتاق لعقاب الأشرار لإعلان قداسته وعدله ورفضه لشرورهم. ولماذا لا يأتي الآن، لماذا الانتظار؟ لأن هناك ما يُسَمَّى ملء الزمان أي الوقت المناسب.
1. هناك من سيولدوا في المستقبل وينضموا للجسد، جسد الكنيسة عروسه.
2. هناك من سيقدمون توبة، وهناك من سوف يدخلون الإيمان وينضمون إلى جسده.
3. قوله سريعًا تعمل على تنشيط الأبرار ليستمروا في جهادهم بلا تراخى وبلا يأس. وأيضًا هي إنذار للأشرار بأن الساعة قد اقتربت.
4. هو وحده يعلم متى يَكْمَل قطيعه الصغير المعبَّر عنه بمائة خروف، الذين إن ضل واحد منهم يترك التسعة والتسعين ويذهب ليأتى بالخروف الضال.
هو وحده الذي يعلم متى يأتي ملء الزمان. لذلك أجابت الكنيسة أيضًا في إشتياق آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ دون أن تحدد ميعادا لذلك، فهو الذي يعلم متى يأتي ملء الزمان، ومتى يَكْمَل جسده كما قال لنفوس الأبرار الذين تحت المذبح (رؤ6: 9-11).
لذلك فقول الرب سريعًا تعبر عن إشتياقه، وهذا يحدده ما يقال عنه ملء الزمان (غل4: 4). وراجع تفسير الآيات (لو18: 7 ، 8). وهذه هي طريقة الله، هو وعد آدم وحواء بالمخلص الذي سيسحق رأس الحية وكان يتمنى الله أن ينفذ وعده سريعًا لكن هناك دائما ملء الزمان.
آية 21 "نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ."
نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم = هذه آخر كلمات العهد الجديد، النعمة التي حصلنا عليها بدم المسيح. بينما نجد أن آخر كلمات العهد القديم "لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" وكان هذا قبل المسيح وفدائه. فآخر كلمة في العهد القديم لعن بسبب الخطية وآخر كلمات العهد الجديد نعمة بسبب الفداء.
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تسلسل الأحداث في سفر الرؤية |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الرؤيا 21 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/n9zz974